الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

فان قلت : يلزم من ذلك ان لا يموت أحد من زواره عليه‌السلام في طريق الزيارة ذهابا ولا عودا ولا مشهده عليه‌السلام ومعلوم ان ذلك خلاف الواقع المشاهد المتواتر.

قلت الجواب عن ذلك من وجوه :

أحدها : ان أسباب زيادة العمر كثيرة جدا من الزيارة والحج والصدقة وصلة الرحم وغير ذلك من الأسباب الكثيرة المأثورة في أحاديث ثواب الأعمال وغيره ، وأسباب نقص العمر أيضا كثيرة جدا كترك الزيارة وقطيعة الرحم وغير ذلك مما اشتملت عليه أحاديث عقاب الأعمال وغيره وحينئذ نقول لعل سبب زيادة العمر وطوله يعارضه في بعض الإفراد سبب قصر العمر ويكون مساويا أو أقوى فلا يترتب اثر على السبب.

وثانيها : ان أنواع ثواب العبادات كثيرة كما يدل عليه أحاديث ثواب الأعمال من طول العمر وسعة الرزق وصحة البدن ودفع البلايا والأمراض وحصول العز والجاه وكثرة المال ومغفرة الذنوب ومضاعفة الأعمال وحصول الثواب ودفع العقاب الى غير ذلك ويدل على ذلك في خصوص الزيارة اختلاف أنواع الثواب التي تضمنتها أحاديثها فكل فرد من إفراد الزائرين يحصل له نوع من الثواب الموعود به أو نوعان فصاعدا فلعل من مات في الطريق أو هناك يكون استحق نوعا آخر من الثواب غير زيادة العمر بحسب ما اقتضته الحكمة الإلهية.

وثالثها : ان شروط القبول كثيرة وموانعه كثيرة وناهيك بقوله تعالى ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فلعل من مات من الزائرين قبل العود لم يقبل منه وذلك لطف للمكلف ليعمل الأعمال الصالحة ويكون بين الخوف والرجاء.

ورابعها : ان يكون طول العمر وزيادته بقدر الذهاب والعود كليا حاصلا لكل أحد ويكون على قسمين حاصل قبل الموت وحاصل بعده في الرجعة بعد أن يحشر هذا الزائر إلى الدنيا وقت الرجعة كما ورد في أحاديث متواترة تزيد على ستمائة حديث قد جمعناها في رسالة مفردة (١) ونقلناها من كتب تزيد على سبعين

__________________

(١) المطبوعة ببلدة قم المسماة بإيقاظ الهجعة في إثبات الرجعة.

٤٦١

من الكتب المعتمدة.

وخامسها : أن يكون ذلك مخصوصا بالأجل الموقوف الذي يحتمل الزيادة والنقصان بإذن الله سبحانه دون الأجل المحتوم الذي لا يحتمل كما دلت عليه الآيات والروايات فلعل الذي يموت قبل الرجوع من الزيارة كان اجله محتوم لا يحتمل الزيادة.

وسادسها : ان يكون هذا العلوم مخصوصا بغير تلك الأفراد فإنه ما من عام الا وقد خص والعام الذي لا تخصيص له أصلا نادر جدا وتلك الإفراد وقد تخص بسبب كما أشرنا اليه وقد تخص بغير سبب لان ذلك تفضل من الله بزيادة العمر فلا يلزم عمومه ولا بأس بالحكم العام مع كونه مخصوصا في المقامات الخطابية ويمكن التوجيه بوجوه أخر لا تخلو من بعد وفيما ذكرناه كفاية ان شاء الله.

٤٦٢

فائدة (٩٤)

روى عن الصادق (ع) انه قال علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع (١).

وفي رواية : إنما علينا ان نلقى إليكم الأصول وعليكم ان تفرعوا.

أقول : قد ظن بعض المعاصرين ان الخبر دال على جواز الاجتهاد والاستنباط الظني وهذا الاستدلال ضعيف جدا بل لا وجه له أصلا والعجب ان المقداد أورده في أول التنقيح واستدل به على ذلك وفساد هذا الاستدلال يظهر من وجوه اثنى عشر.

أحدها : انه خبر واحد لا يكون حجة عندهم في الأصول كما اعترفوا به.

وثانيها : انه خبر واحد ومعارضه متواتر ان كان المراد منه ما فهموه فكيف يعمل بخبر الواحد مع مخالفة المتواتر.

ثالثها : ان سنده ودلالته ظنيان عند هم فكيف يجوز لهم الاستدلال به على جواز الاجتهاد الظني والاستنباطات الظنية والاستدلال دوري :

ورابعها : انه لا يفيد الا الظن بما قالوه وقد تقرر عندهم انه لا يجوز العمل بالدليل الظني في الأصول وقد خصوا الآيات والروايات المتواترة في النهي عن العمل بالظن بالأصول والحق انه تخصيص بغير مخصص فلا يجوز عندهم الاعتماد على مثله.

__________________

(١) السرائر ص ٤٧٧.

٤٦٣

وخامسها : انه معارض بما هو أقوى منه كما أشرنا إليه فلا يجوز العمل بالأضعف.

وسادسها : انه موافق للعامة كافة كما لا يخفى ومعارضه غير موافق للعامة فتعين حمل هذا على التقية.

وسابعها : انه يحتمل للاحتمالات المتعددة التي يأتي بعضها وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال كما هو مشهور عندهم.

وثامنها : ان الأصوليين لا يجب عندهم الرجوع في الأصول الى الاخبار بل لا يجوز وانما يعتمدون فيها على الدليل العقلي كما صرحوا به في مواضع فلا بد من تأويل الخبر عندهم بما يأتي أو نحوه.

وتاسعها : انه لا تصريح فيه بالتفريع بالوجوه الظنية بل الآيات والاخبار المتواترة دالة على تخصيص التفريع المأمور به بما كان بالوجوه القطعية المفيدة للعلم وهو موافق لطريقة الأخباريين فلا بد من حمله على ذلك ولا ظهور له في التفريع الظني قطعا وعلى تقدير ظهوره فيه يتعين حمله على خلاف ظاهره جمعا.

وعاشرها : انه أخص من المدعى لأنه دال على التفريع على أصول الأئمة عليهم‌السلام المسموعة منهم الثابتة عنهم وهذا لا يشمل عشر معشار موضوعات الاجتهاد والاستنباط كما هو ظاهر لمن أنصف

وحاديعشرها : انه مخصوص بالتفريع على أصول الأئمة (ع) فما الدليل على جواز التفريع على أصول العامة المشهورة بين المتأخرين ، وعلى الأصول التي أثبتوها بالأدلة العقلية الظنية وهي أكثر من أن تحصى.

وثاني عشرها : انه لا يفهم منه الا التفريع على القواعد الكلية والعمل بالنص العام واستخراج أحكام جزئياته منه لأن الأصول هنا بمعنى القواعد الكلية قطعا ، وقد شاع في أحاديثنا استعمال الأصول بهذا المعنى ففي حديث دم البكارة عن ابى الحسن عليه‌السلام قال : سر الله فلا تذيعوه ولا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله ثم

٤٦٤

ذكر قاعدة كلية يعرف منها دم البكارة من دم الحيض (١).

وفي حديث السهو والشك عن الصادق عليه‌السلام قال إذا شككت فابن على الأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت انك نقصت فقيل له هذا أصل قال : نعم (٢)

وسئل عليه‌السلام عن قضاء صلاة المغمى عليه فقال كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر ثم قال هذا من الالف باب التي علمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام يفتح كل باب منها ألف باب (٣)

ومثل هذا في الأحاديث كثير جدا والغرض منه النص على حجية العمومات وشمولها لجميع الإفراد بشرط أن تكون ظاهرة الفردية ثم انه دال على وجوب الاقتصار في الأصول على ما ثبت عنهم عليهم‌السلام كما هو ظاهر من الحصر وأين هذا من قول الأصوليين ، ولا يظن ان اجراء حكم الكلى على جزئياته وحكم العام في أفراده ليس من التفريع بل ذلك من التفريع قطعا

وقد صرح علماء المعاني والبيان وغيرهم في مواضع كثيرة بقولهم هذه قاعدة كلية يتفرع عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية.

وقد صرح الشهيد الثاني في تمهيد القواعد بأن الأصل يستعمل بمعنى القاعدة الكلية التي يتفرع عليها جزئياتها وذكر أنه منه قولهم لنا أصل وهو ان الأصل مقدم على الظاهر ، وقولهم : الأصل في البيع اللزوم ، والأصل في تصرفات المسلم الصحة أي القاعدة التي وضع عليها البيع بالذات وحكم المسلم بالذات هذه عبارته قال : وأما قولهم الأصل في الماء الطهارة فيجوز كونه من هذا القسم وهو الأنسب وأن يكون من قسم الاستصحاب « انتهى »

__________________

(١) فروع الكافي ج ٣ ص ٩٣.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٣٤٠ ـ ٣٥١.

(٣) أقول : المنقول في الخصال والوسائل هكذا ـ من الأبواب التي يفتح كل باب منها الف باب ، ولم نجد عين ما نقله المؤلف ره هنا في مظان الحديث ولعله كان في نسخته أو استنبط من الأحاديث الواردة ان رسول الله (ص) علم عليا (ع) الف باب يفتح من كل باب الف باب.

٤٦٥

ومن تأمل كتاب تمهيد القواعد ظهر له انه كله (١) من باب تفريع الكليات على الجزئيات وتفريع أحكام إفراد العام عليه لكن بعضها أكثر عموما من بعض كما ذكروه في الأنواع العالية والسافلة والمتوسطة والأجناس كذلك

وبالجملة فلا ريب انه لا يفهم من الحديث المذكور الا ان القاعدة الكلية المنصوصة عنهم عليهم‌السلام يجوز العمل بها في جميع أفرادها وان النص العام كان في الحكم على جميع افراده وانه لا يجب الاقتصار على النص الخاص ولا يشمل هذا الحديث جميع أقسام الاجتهاد والاستنباط إذ لا يفهم منه الا الرخصة في التفريع على الأصول التي يلقيها إلينا الأئمة عليهم‌السلام خاصة ومن نازع في ذلك فهو مكابر خارج عن الإنصاف وخالف المتواتر من أحاديث الأئمة عليهم‌السلام

__________________

(١) ظهر لذاته كله ـ خ ل

٤٦٦

فائدة (٩٥)

استشكل بعض الفضلاء حمل بعض الأحاديث على التقية وقال : ان مذهب الإمامية في حل الأحكام موافق لمذهب من المذاهب الأربعة التي عليها المدار بين العامة لا سيما مذهب الشافعي وكلهم مصوبة لا يخطؤن المجتهد المخطى بل يقولون انه مأجور ، فعلى هذا يمكن الفتوى في أكثر الأحكام بالحق من غير تقية غايته أن تكون الفتوى خطأ بزعم أكثرهم وان كانت صوابا باعتقاد بعضهم مع اتفاق كلهم على نفى التخطئة وعدم التفسيق.

لا يقال : قد يكون مذهب الإمامية معروفا بين العامة فلو أفتى به لتحقق الضرر

لأنا نقول : معلومية مذهب الإمامية في جميع المسائل معلومة البطلان ولم يكن للإمامية كتب فقه معروفة ولو سلم فالتقية لا تنفع فيما كان معلوما من مذهبهم خاصة كما في قول الباقر (ع) ثلاثة لا أتقى منهن أحدا (١).

لا يقال التقية غير منحصرة في أن يكون من علماء العامة بل قد يكون التقية من سلاطين الجور وحكام الضلالة.

لأنا نقول يستبعد ذلك لأنهم لم يكونوا أرباب رأى واجتهاد ولو فرض ذلك كان في قليل من المسائل.

لا يقال قد يكون بعض المذاهب أشهر وأعرف فيتقى بالإفتاء بما يوافقه.

__________________

(١) الوسائل ج ١ ص ٦١ باب عدم جواز المسح على الخفين.

٤٦٧

لأنا نقول : شهرته لا يوجب عندهم تخطئة غيره لأنهم قائلون بالتصويب هذا حاصل ما حرره بعض الفضلاء في الاعتراض

والجواب من وجوه اثنى عشر أحدها : ان الأحاديث المتواترة دلت على عموم التقية إلا ما استثنى كالقتل ونحوه.

قال الباقر (ع) التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به (١)

وقال عليه‌السلام التقية في كل شي‌ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله له (٢).

إذا عرفت هذا فلعل الامام عليه‌السلام في تلك المسئلة الخاصة قد اضطر إلى التقية وهو أعلم بنفسه وخوف الضرر وجداني وأسبابه كثيرة لا يطلع عليها غير صاحبها غالبا ألا ترى انهم عليهم‌السلام كثيرا ما كانوا يعملون بالتقية في جزئيات يسيرة من المستحبات والمكروهات ويتركون التقية في الكليات كذم أئمة الضلال ولعنهم وقد سمعنا من بعض الثقات ان المخالفين قتلوا بعض الشيعة لتركه وضع احدى اليدين على الأخرى مع انهم لا يعتقدون وجوبه وكثير منهم لا يعتقدون استحبابه وقتلوا بعض الشيعة لتركه التحيات لله في التشهد وهو كذلك.

وثانيها : ان موافقة اعتقاد الشيعة لبعض العامة لا تفيد شيئا إلا إذا كان الإنسان عندهم غير متهم بالتشيع فأما من يتهم بالتشيع فلا يقبلون له عذرا وهذا معلوم لكل من عاشر المخالفين.

وثالثها : ان موافقة قول الشيعة في تلك المسئلة لبعض العامة قد لا يطلع عليها من تجب التقية منه في ذلك الوقت وتخاف ضرره فليس كل واحد منهم قد عرف جميع أقوالهم ومذاهبهم في آحاد المسائل وقد كانوا خمسة وثلثين مذهبا وروى أكثر ثم اتفقوا على أربعة وليس أحد من الأربعة يعرف جميع فروع الباقي بل ولا جميع فروع مذهبه الا النادر منهم فلعل الذي يخاف الضرر منه يعتقد إجماع

__________________

(١) الوسائل ج ٢ ص ٥٠٢

(٢) الوسائل ج ٢ ص ٥٠٢

٤٦٨

المسلمين على قوله في تلك المسئلة فلا يمكن مخالفته ولا يقبل لمن خالفه عذرا.

ورابعها : انا نمنع كون كل العامة مصوبة بل ولا أكثرهم فإن الخلاف شائع بينهم كما نقله العلامة وغيره من علمائنا عنهم وكما يظهر لمن نظر في شرح المختصر كيف وقد تواتر عندنا وعندهم ان أبا بكر وعمر كانا مخطئان ابن عباس وابن مسعود وغيرهما في مسائل كثيرة كالعول وغيره وكانوا يخطؤنهما وكان يخطئ أحدهما الأخر وقد رووا ان للمجتهد المصيب أجرين وللمخطئ أجر.

وحينئذ فلعل الذي يتقى منه ويخاف ضرره لا يعتقد التصويب بل يقول بتخطئة من خالفه.

وخامسها : أن كون الفتوى خطأ باعتقاد أكثرهم ، صوابا باعتقاد بعضهم لا يفيد شيئا لأن المعتبر هو من يخاف منه الضرر لا غيره فلعله يعتقد قول الشيعة في تلك المسئلة خطأ فلا بد من موافقته في الفتوى لدفع الضرر ولا يخفى ان في تقرير الاعتراض هنا تناقضا بين دعوى إجماعهم على التصويب وقوله غايته إلخ.

وسادسها : ان مذهب الإمامية في تلك المسئلة قد يكون معروفا عند العامة أو عند من يتقى شره ويخاف ضرره ولا يمكن الفتوى به وان كان غير معروف عند باقي العامة فلا يمكن دفع الضرر إلا بموافقة من يخاف منه ولا حاجة الى معرفة جميع اعتقادات الإمامية وكون مذهب الإمامية معروفا في تلك المسئلة لا ينافي وجوب التقية لأنه يندفع الضرر بها وان علم المخالفون مذهب الإمامية لأنهم لا يريدون منهم الموافقة في الظاهر في الفتوى والعمل وهذا ظاهر لكل من عاشر المخالفين وعمل بالتقية فيما بينهم.

وسابعها : ان التقية قد يكون من سلاطين الوقت في مجالسهم أو غيرها لدفع ضررهم وقد ذكر ذلك الشيخ في كتاب الاخبار في مواضع ولا يعترض بأنهم لم يكونوا أهل رأى واجتهاد [ فإنهم ادعوا الإمامة بخلافه وكانوا كلهم أو أكثرهم

٤٦٩

أهل رأى واجتهاد ] وعلم فلا بد من موافقتهم ظاهرا في الفتوى والعمل بقدر دفع الضرر ، وكونهم من أهل الرأي في بعض المسائل كاف في وجوب التقية في تلك المسائل.

وثامنها : انه قد يكون بعض المذاهب أشهر وأعرف فلا بد من التقية بالموافقة له ولا يندفع الضرر غالبا الا بذلك وقد يكون صاحبه قائل بالتصويب ولقد بلغنا ان بعض بلاد المغرب كلهم مالكية وانهم يقتلون من يدعى انه شافعي لقربه من مذهب الشيعة ، فكيف يتصور في تلك البلاد الفتوى بما يخالف قول مالك وكذا في كل بلد الا نادرا.

وتاسعها : ما أشار إليه الشهيد في الذكرى حيث قال قد كانت الأئمة (ع) في زمان تقية واستتار من مخالفيهم فكثيرا ما يجيبون السائل على وفق معتقده أو معتقد بعض الحاضرين أو معتقد من عساه يصل اليه من المناوين (١) « انتهى » ويفهم منه ما يغاير الوجوه السابقة كما لا يخفى.

وعاشرها : انه يستفاد من أحاديث كثيرة انه قد فوض إليهم (ع) أمور الدين وانهم فوضوا الى شيعتهم والأحاديث المشار إليها ظاهرة في التقية وبعضها صريح فيه وهذا أحد معاني التفويض المستعملة في الأحاديث ويظهر من ذلك التخيير عند تعارض أقوال العامة في التقية مع عدم الترجيح بل التخيير بين التقية ، وعدمها عند الضرر اليسير كما يفهم من تتبع أقوالهم وأفعالهم عليهم‌السلام وحينئذ فلا اعتراض عليهم فهم أعلم بما ينبغي فعله والحاضر يرى ما لا يراه الغائب كما هو مشهور بل مأثور.

وحاديعشرها : ما أشار إليه الشيخ حسن في المنتقى في عدة مواضع بأنه قد تقع التقية لأجل تقليل المخالفة وإخفاء المذهب ولذلك تراهم (ع) كثيرا ما

__________________

(١) من المنادين

٤٧٠

يوافقون التقية في إحدى قسمي المسئلة ويخالفونها في القسم الأخر بحسب مقتضى الحال.

وثاني عشرها : ان أكثر الأخبار المحمولة على التقية يتعلق بالاستحباب والكراهة والأمر فيهما سهل جدا لجواز الفعل والترك في المقامين من غير تقية بل أكثر الأحاديث المختلفة تتعلق بهذين القسمين ، كما يظهر لمن تأمل كتاب الاستبصار الجامع للمختلف من الاخبار ويمكن إيراد وجوه آخر وفيما أوردناه كفاية إن شاء الله تعالى.

٤٧١

فائدة (٩٦)

قد وقفت على رسالة لبعض المعاصرين في مسئلة الأصل في الأشياء وزعم انه اثبت الإباحة فيها بالآيات والاخبار وفيها أنواع من التشكيك والاستدلال الركيك وفنون من التمويهات وضعف التوجيهات لا يحسن نقلها والجواب عنها ، وأحببت أن أذكر شبهاتها وأجيب عنها لئلا تدخل الشبهة على من نظر فيها فيقوى طريق التسامح والتساهل ويضعف طريق التوقف والاحتياط أعاذ الله المؤمنين من ذلك وأنجاهم من مثل هذه المهالك.

قال المعاصر : اختلفوا في الأفعال الاختيارية التي لا يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح قبل ورود الشرع على ثلاثة مذاهب.

الأول : ذهب بعض المعتزلة إلى تحريم هذه الأفعال.

الثاني : ذهب بعض المعتزلة والإمامية إلى الإباحة.

والثالث : ذهب الأشعري إلى التوقف.

أقول : قوله قبل ورود الشرع ينافي استدلاله بالآيات والروايات لأنها أدلة شرعية ، والمعهود من علماء الأصول إنهم يستدلون هنا بوجوه عقلي ضعيف جدا واضح الفساد لان المفروض عدم ورود الشرع بحكمها وهذا تناقض ظاهر بل فرض وجود المكلفين قبل ورود الشرع لا يتم على مذهب الإمامية إذ هم قائلون بوجوب النبوة والإمامة وأن الشرع موجود في جميع زمان التكليف وان كل واقعة لها حكم معين وعلى كل حكم دليل شرعي فلا يكون محل النزاع

٤٧٢

موجودا ، والذي ثبت بالآيات والروايات على تقدير دلالتها وعدم المعارض لها هو الإباحة الشرعية لا الإباحة الأصلية حتى قبل تمام شريعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ان البحث عنه لا فائدة فيه لا يتم أيضا وجود الإباحة الأصلية لأنها إباحة مستفادة من الشريعة السابقة في بعض الجزئيات قبل نسخها أو من العمومات والإطلاقات أو من تقريره عليه‌السلام وكل نوع من الأنواع يفيد الإباحة الشرعية لا الأصلية.

وأما بعد إكمال الدين وورود حكم شرعي في كل شي‌ء حتى فيما لا نص فيه وفي المشتبهات التي لا يظهر حكمها للرعية ، وفيما لا يعلم اندراجه في أحد الكليات وفيما تتعارض فيه الأدلة وفيما فيه نص خاص أو عام لم يصل إلينا ، فإن الأحاديث في جميع هذه المطالب كثيرة ببركات الأئمة عليهم‌السلام وانما يستقيم الفرض المذكور على مذهب العامة القائلين بأن كثيرا من الوقائع ليس لها حكم شرعي وانما الحكم فيها ما أدى اليه ظن المجتهد.

وأما قولنا بوجوب التوقف فيما لا نص فيه فالمراد به ما لا نص فيه بغير التوقف وقرينة ظاهرة واضحة فانا نستدل على وجوب التوقف بالنص المتواتر فالمفسدة واردة على فرض المعاصر لا على قولنا ومع ذلك مرادنا بعدم النص عدم وصوله إلينا لا عدمه في الواقع ولعل مرادهم بما قبل ورود الشرع ما قبل وقت البلوغ أو ما قبل وصول النص الى المكلف وفيه تأمل مع انه لا فائدة فيه بعد البلوغ وبعد وصول النص التوقف والاحتياط.

إذا عرفت هذا فاعلم ان في نقل المعاصر الخلاف في المسئلة تمويها عجيبا لأنه يشعر بأن جميع الإمامية قائلون بالإباحة لأنه لم ينقل عن أحد منهم قولا بغير الإباحة وهو عجيب مع أن الشيخ أبا جعفر الطوسي رئيس الطائفة وشيخ الإمامية في كتاب العدة نقل القول بأصالة الحظر عن جماعة من الإمامية اختار التوقف والاحتياط ونقله عن الشيخ المفيد أيضا حيث قال في العدة وهو الذي كان

٤٧٣

ينصره شيخنا أبو عبد الله رحمه‌الله « انتهى ».

ويظهر من المرتضى ره في الانتصار وغيره اختيار ذلك أيضا حيث استدل في عدة مواضع به وان كان نقل عنه القول بالإباحة فلعل له في المسئلة قولين.

ويظهر من المحقق في أول المعتبر القول بذلك أيضا بل صرح به وقد صنف في آخر عمره ووافق الشيخ في العدة قال في أوائل المعتبر وأما الاستصحاب فأقسامه ثلاثة.

الأول : استصحاب حال العقل وهو التمسك بالبراءة الأصلية كما نقول ليس الوتر واجبا لأن الأصل براءة العهدة.

الثاني : ان يقال عدم الدليل على كذا فيجب نفيه وهذا يصح في ما يعلم انه لو كان هناك دليل لظفر به (١).

اما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف ولا يكون ذلك الاستدلال حجة ، ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب والحظر.

الثالث : استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة فيقول المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فتكون مشروعة بعده ، وليس هذا حجة لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه « انتهى » ،

وهو صريح في انه لا يعمل بأصالة الإباحة إلا إذا علم أنه لو كان حكم يخالف الأصل لوصل إلينا كما في الأشياء التي تعم به البلوى.

وحينئذ فتقرير النبي (ص) والأئمة (ع) دليل شرعي ، وقد صرح بوجوب التوقف في غير هذه الصورة.

وأما ما اختار في القسم الأول من أصالة عدم الوجوب فلا نزاع فيه بين العقلاء والنص المتواتر دال عليه لا على أصالة عدم التحريم والفرق بينهما من وجوه كثيرة ذكرنا بعضها في الفوائد السابقة ولم يصرح بالقول بحجيته في غير الصورة المزبورة سابقا.

__________________

(١) نظفر به ـ خ ل

٤٧٤

وقال في موضع آخر فعليك بإمعان النظر فيما يقال مستفرغا وسعك في رد الاحتمال فاذا تبين لك الوجه فهناك فقل والا فاعتصم بالتوقف فإنه ساحل الهلكة.

وقال بعده بغير فصل : انك مخبر في حال فتواك عن ربك وناطق بلسان شرعه فما أسعدك بأن أخذت بالجزم وما أخيبك ان بنيت على الوهم فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١).

فانظر الى قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٢).

وأنظر كيف قسم مستند الحكم الى القسمين فيما لم يتحقق الإذن فأنت مفتر « انتهى ».

وفي هذه العبارة والتي قبلها دلالة صريحة على اختيار التوقف وقد اختار وجوب التوقف والاحتياط أيضا صاحب الفوائد المدنية وجماعة من المتقدمين والمتأخرين.

وقال العلامة في التهذيب : ذهب جماعة من الإمامية ومعتزلة بغداد الى تحريم الأشياء التي ليست اضطرارية قبل ورود الشرع وذهب معتزلة البصرة إلى الإباحة « انتهى » ولم ينقل الإباحة عن أحد من الإمامية.

واعلم ان المعاصر قد استدل بآيات.

والجواب عنها إجمالا من وجوه اثنى عشر.

أحدها : أن الأحاديث المتواترة دالة على عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن الا بعد معرفة تفسيرها عن الأئمة (ع) وتلك الأحاديث تزيد على مأة وعشرين حديثا مروية في كتب تزيد على سبعين كتابا ولا معارض لها عند التأمل أصلا

__________________

(١) البقرة ـ ١٦٩

(٢) يونس ٩٥

٤٧٥

وبعض الآيات أيضا دالة على ذلك واستدلالنا بالآيات مع النص المتواتر الصريح لا يرد عليه شي‌ء وقد حققناه في محل آخر واجبنا هناك عما يتخيل من المعارض.

وثانيها : بعد التنزل نقول : كل آية مما ذكره المعاصر هنا فيها اشكال وإجمال واحتمال لوجوه متعددة فتكون متشابهة فلا يجوز الاستدلال بها اتفاقا وسيأتي بعض الاحتمالات

وثالثها : ان المسئلة أصولية ودلالة الآيات ظنية فلا يجوز الاستدلال بها اتفاقا.

ورابعها : ان أصالة الإباحة دليل ظني فلا يجوز الاستدلال عليه بدليل ظني للزوم الدور.

وخامسها : ان الآيات كثيرة الاحتمالات كما يأتي وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

وسادسها : انها معارضة بالآيات والروايات الاتية لو حملت وسلمت من المعارض الراجح دلت على الإباحة الشرعية لا الأصلية.

وسابعها : انها ان كانت عامة فهي مخصوصة قطعا وفي حجية مثلها خلاف سلمنا لكنها مخصوصة بمحل أعنى الطيبات والخبائث فلا حجة فيها أيضا اتفاقا

وثامنها : انها محتملة للنسخ والتخصيص والتقييد وغير ذلك فلا تفيد العلم.

وتاسعها : انها معارضة بالآيات الاتية التي هي أقوى دلالة منها.

وعاشرها : انها معارضة بالنصوص المتواترة التي يأتي بعضها وهي صريحة.

وحاديعشرها : انها دلت على أنواع خاصة لا على جميع الأنواع.

وثاني عشرها : أنها معارضة بالأدلة العقلية التي يأتي بعضها إن شاء الله تعالى

قال المعاصر : عند ذكر الآيات الاولى ( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ

٤٧٦

وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ‌ءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ) (١) ثم أطال الكلام فيها بما لا يزيد دلالتها الا ضعفا وإشكالا.

أقول : لا يخفى على المنصف ضعف دلالتها وانها بالنسبة الى هذا الحكم متشابهة تحتمل احتمالات كثيرة وليس فيها شي‌ء من ألفاظ العموم سوى لفظ كل وكون لفظ من للتبعيض يعارض العموم.

سلمنا لكن لفظ فيها ليس بمعنى عليها فدلت على ما هو في باطن الأرض خاصة.

سلمنا لكن خطاب المشافهة لا عموم فيه.

سلمنا لكن لفظ معايش ليس من ألفاظ العموم فصارت القضية جزئية لا كلية سلمنا لكنه مخصوص بالذكور لقوله لكم.

سلمنا لكن أنبتنا وجعلنا فعلان ماضيان لا يدلان على الحال والاستقبال.

سلمنا لكن لفظ أنبتنا ولفظ موزون مجملان متشابهان.

سلمنا لكنه مخصوص بالنبات الموزون.

سلمنا لكن المعايش بمعنى محل التعيش فدلت على جواز السكنى في الأرض لا غير.

سلمنا لكن تدل على ما يضطر إليه في التعيش وهو غير محل النزاع.

قال صاحب القاموس المعيشة التي يتعيش بها من المطعم والمشرب وما يكون الحيوة وما يعاش به أو فيه الجمع معايش « انتهى » فظهر كونه مشتركا ولعل المراد المعنى الأخير كما ذكرنا فهل يحسن من منصف يخاف الله ان يستدل بمثل هذه الدلات الضعيفة في مطالب الأصول واى مذهب من المذاهب الباطلة لا يمكن الاستدلال عليه بما هو أقوى دلالة من مثل هذه المتشابهات.

قال المعاصر : الثانية ( وَإِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (٢)

__________________

(١) الحجر ٢٠

(٢) الحجر ٢١

٤٧٧

ثم أطال الكلام في وجه الاستدلال وذكر ما لا يليق نقله.

أقول : هذه الآية لا شبهة فيها ولا دلالة لها بوجه وقد عرفت سابقا جملة من الأجوبة الإجمالية وانى لا عجب ممن يستدل بها على مثل هذا المطلب.

قال المعاصر : الثالثة ( يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ) (١) ثم أطال الكلام فيها من غير طائل.

أقول : قد عرفت جملة من الأجوبة الإجمالية والتفصيلية خصوصا كونها متشابهة ومن خطاب المشافهة وليس بخطاب عام ولفظ من للتبعيض قطعا فزال عموم ما كما لو قيل خذ من الدراهم فصار اللفظ خاصا والقضية جزئية ولفظ في دالة على ما في بطن الأرض فلا يدخل ما عليها والتأويل لا بد له من دليل على انها مخصوصة بنوع واحدا عنى الأكل فأين الأنواع الباقية والأجناس الكثيرة والقياس باطل وفي الأرض تقديره حصل ، أو استقر ، أو هو مستقر في الأرض فهو حينئذ مخصوص بما كان موجودا وقت الخطاب لا دلالة له على ما يتجدد بعد ألف سنة وقوله ( حَلالاً طَيِّباً ) حال مقيدة للعامل فلا بد من تحقق وجود الحال بل عموم غيرها على تقدير وجوده مخصوص بها وإطلاق غيرها على تقدير تحققه مقيد بها ويخرج منها الخبائث وهي مجملة والآية تصلح دليلا لنا لا للخصم بل لا شبهة فيها أصلا عند المنصف وما نقله عن الطبرسي لا حجة فيه بل هو في محل المنع وأصله من علماء العامة القائلين بالإباحة وناهيك به ضعفا لأن غاية ما تدل عليه اباحة بعض الحلال الطيب بوجود من التبعيضية لا جميع حلال الطيب فضلا عن جميع ما في الأرض.

قال المعاصر : الرابعة ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (٢) ثم أطال الكلام بما لا فائدة في نقله ولا شبهة في فساده.

أقول : قد عرفت جملة من الأجوبة التي يمكن ان يقال هنا ولا شبهة في أنها متشابهة فان كل لفظة فيها تحتمل وجوها كثيرة خصوصا اللام في لكم فقد ذكر

__________________

(١) البقرة ـ ١٦٨

(٢) البقرة ـ ٢٩

٤٧٨

بعض المحققين من علماء العربية ان اللام تأتى لخمسة وثلثين معنى فأي تشابه أوضح من ذلك وليس فيها شي‌ء من ألفاظ العموم بالنسبة إلى المنافع والانتفاعات أصلا فلا دلالة فيها بل ورد عندنا في بعض الأحاديث المعتمدة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال في تفسيرها ، خلق لكم ما في الأرض لتعتبروا به (١) وعلى هذا فلا يمكن الجزم بدخول شي‌ء من باقي المنافع وقد أشار الى هذا الشيخ في العدة.

سلمنا ولكن المخاطب بقوله لكم يحتمل احتمالا قريبا ان يكون المراد بالنبي والأئمة (ع) وقد تواتر عنهم (ع) انهم قالوا ان الأرض كلها لنا (٢)

وعنهم (ع) ان الله خلق الدنيا كلها لمحمد وآل محمد.

وعنهم عليهم‌السلام ان الله جعل الأرض كلها مهرا لفاطمة عليها‌السلام (٣).

وعنهم عليهم‌السلام ان الأرض كلها للإمام ، وأمثال هذه العبارات كثيرة فلا دلالة فيها على إباحة شي‌ء لغيرهم وبعد التنزل عن جميع ذلك نقول انها دالة على خلق المجموع للمجموع إذ لم يقل خلق لكل واحد منكم ما في الأرض فلا دلالة لها على العموم لكل أحد بالنسبة الى جميع الأنواع ولا يلزم العبث بعد ورود النص على إباحة أنواع كثيرة وإمكان الانتفاع بالباقي بالاعتبار ولكل ما يضطر الإنسان اليه مع عدم النهى.

وقد عرفت ما يتوجه على قوله في الأرض وقوله جميعا متشابه أيضا يمكن كونه تأكيدا للضمير وللموصول.

وقد قال العلامة في النهاية بعد الاستدلال بالاية ما هذا لفظه : والاعتراض من وجوه.

__________________

(١) البرهان ج ١ ص ٧٢.

(٢) الكافي ج ١ ص ٤٠٧.

(٣) وفي البحار عن ابن عباس ان النبي (ص) قال لعلى (ع) ان الله عزوجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضا لك مشى عليها حراما ج ٤٣ ص ١٤٥

٤٧٩

ألف ـ نمنع اقتضاء اللام الاختصاص بجهة الانتفاع لقوله ( وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ـ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) وليس المراد فيهما المنافع ولان اللام عند النحاة للتمليك وهو غير ما قلتم.

ب ـ سلمنا ذلك لكن تفيد مسمى الانتفاع لا كل الانتفاع ويكفى حصول فرد من الانتفاعات مثل الاستدلال بها على الصانع تعالى.

ج ـ سلمنا عموم الانتفاعات لكن بالخلق لدخول اللام عليه ونمنع ان المخلوق كذلك.

د ـ سلمنا إفادة الانتفاع بالمخلوق لكن كل واحد في مال واحد لان هذا مقابلة الجميع بالجميع فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد.

ه ـ سلمنا إفادة العموم لكن في للظرفية فيدل على اباحة كل ما في بطن الأرض كالركاز والمعادن فلم قلتم ان ما على الأرض كذلك.

و ـ سلمنا اباحة كل ما على الأرض لكن في ابتداء الخلق لان قوله خلق يدل على انه حال خلقها انما خلقها لنا فلم قلتم انه في الدوام كذلك وكونه مباحا صفة ولا بقاء للصفات.

ز ـ سلمنا الإباحة للكل حدوثا وبقاء لكن الموجودين حال الخطاب لان قوله لكم خطاب مشافهة فيختص بالحاضرين.

ح ـ سلمنا اختصاصها بنا لكن قوله ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) ينافيه « انتهى ثم أجاب عنها بأجوبة ضعيفة وعلى كل حال يظهر مما ذكر كونها متشابهة.

قال المعاصر : الخامسة ( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) (١) ثم أطال فيها.

__________________

(١) البقرة ٣٧

٤٨٠