الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

الخلق ويؤيده قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) مع انه عليه‌السلام مشى مع جنازة جماعة من أصحابه بغير رداء وكان يأمر بالرفق والاستغفار عموما وخصوصا للأحياء والأموات من المؤمنين وكل ذلك مروي مأثور وعلى هذا يدل على رجحان هذه الأمور الثلاثة.

وينبغي تخصيص الجنازة بجنازة المؤمن والأمر بالرفق بمحل الحاجة حيث يحصل العنف به مع كون الرفق المأمور به لا ينافي تعجيل التجهيز بان يصل الى حد الإفراط وعلى الأول الذي هو الظاهر المتبادر بتعين توجيه المرجوحية في الأمور الثلاثة.

أما وضع الرداء في جنازة الغير فقد ورد النهى عنه ليعرف صاحب المصيبة وقد حملوه على الكراهة وفعله عليه‌السلام له أحيانا على بيان الجواز ونفى التحريم أو على ان مصيبة المؤمن مصيبة على المؤمنين فيخرج عن مصيبة الغير و ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).

وأما الأمر بالرفق فيحمل على كونه في غير محله ومع عدم الاحتياج اليه أو منافاته لتعجيل التجهيز أو كونه في وقت الخوف على الجنازة مع التأخير ويلزم التحريم على الأخير.

واما الأمر بالاستغفار فيحمل على انه يأمر به ولا يفعله كما هو ظاهر اللفظ فهو أمر بالجمع بينهما أو على الأمر به مع الجزم باحتياج الميت اليه وصدور الذنب عنه فهو سوء ظن بالمؤمن أو على الجزم بترتب المغفرة لهم على الاستغفار له فيلزم احتقارهم ذنوبهم وعدم خوفهم من الله وعلى الرواية الأخرى من عدم وجود لفظ له فيحتمل كون المرجوحية من حيث ان المقام مقام استغفار هم للميت لا لأنفسهم فهذه عدة وجوه للمرجوحية في الأمرين الأخيرين فيزول الاشكال والله أعلم بحقيقة الحال.

١٠١

فائدة (٣٢)

في باب ان الأئمة أركان الأرض من الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام في وصف حال الأئمة عليهم‌السلام جعلهم الله أركان الأرض ان تميدها بأهلها وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى الحديث (١).

أقول : ظاهر قوله ومن تحت الثرى يقتضي إرادة المخلوقات الكائنة في باطن الأرض ولا يلزم من ذلك الخلأ هناك كما لا يلزم من وجود المخلوقات على وجه الأرض عند كثير من العلماء بل يتأتى ذلك على المذهبين وقد ثبت عموم دعوة الرسول عليه‌السلام ويتبعها عموم حجيتهم عليهم‌السلام.

ويحتمل أن يكون مبنيا على كروية الأرض وتكون الفوقية والتحتية بالنسبة ، فحاصل المعنى على هذا أنهم حجة الله على كل من على وجه الأرض وهذا كما يتم مع الكروية يتم مع كونها مكعبة.

أو المراد كل من كان على وجه الأرض أو وجه البحر المحيط بها من المكلفين ، لأنهم بالنسبة إلينا تحت الثرى ، ويمكن أن يريد الأحياء والأموات الذين دفنوا ويرجعون في الرجعة أو القيمة وقد وقع تصريح بنحو هذا في عدة اخبار.

والوجه الأول مبني على الظاهر ، والوجه الثاني قريب ولا يخلو من لطف فتدبر.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٩٦ ط الغفاري ح ١

١٠٢

قوله عليه‌السلام : وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار ولقد أقرت لي جميع الملئكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب (١).

أقول : الحمولة ما احتمل عليه القوم من بعير وحمار كانت عليه أثقال أو لم يكن قاله صاحب القاموس ، والحمولة هنا اما مجازية فيكون استعارة للدين والهدى ونحوهما [ واما ان يكون حقيقة فقد ركب مراكبه في زمانه وهو مما اختص به ] واما ان تكون الإضافة بيانية اى الحمولة التي هي هو عليه‌السلام ويكون إشارة إلى صعوده على كتف الرسول عليه‌السلام لكسر الأصنام.

وقوله عليه‌السلام : وهي حمولة الرب على كل تقدير مستقيم اى ان ذلك كان بأمر الله سبحانه « أ » ويكون حملت ماضيا بمعنى المستقبل نحو ونفخ في الصور فقد روى عنهم عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الركبان الأربعة يوم القيمة ما يدل عليه والمماثلة ح على ظاهرها بخلاف كون الإضافة بيانية ففي الحديث المشار إليه انه يأتي راكبا على ناقة من نوق الجنة ويصدق عليها أنها حمولة الرب كما في حمولة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ أعنى البراق والله أعلم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٩٦ ح ١

١٠٣

فائدة (٣٣)

في باب ما فرض الله من الكون مع الأئمة من الكافي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من سره أن يحيى حياتى ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدنيها ربي ويتمسك بقضيب غرسه ربي بيده فليتول على بن أبي طالب وأوصيائه من بعده الحديث. (١)

أقول : التمسك بالقضيب إما كناية عن دخول الجنة وتأكيد لما تقدمه أو عن دخول موضع خاص منها وعن دخولها مع مزيد قرب وإكرام من حيث ان التصريح يغني عن الكناية أو كناية عن الوصول إلى الحق.

والقضيب على الأول شجرة في الجنة وعلى الثاني : أعني الوصول إلى الحق عبارة عن الإمامة ولعل الأول أقرب لأنه ح حقيقة أو أقرب الى الحقيقة وغرسه بيده كناية عن مزيد الاعتناء والاهتمام والتشريف ، واليد بمعنى القدرة أو النعمة وله نظائر كثيرة لامتناع حمله على ظاهره والله أعلم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٠٩ ح ٦

١٠٤

فائدة (٣٤)

في باب ان أهل الذكر الذين أمر الله بسئوالهم هم الأئمة عليهم‌السلام من أصول الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذكر وأهل بيته المسئولون وهم أهل الذكر. (١)

أقول : هذا الحديث لا يخلو من اشكال ولا يظهر لها مناسبة في تفسير الآية مع أنه معارض بعدّة أحاديث موجودة في الباب المذكور وغيره من كتب أصحابنا.

فمنها : ما رواه الكليني بإسناده الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) قال : الذكرالقرآن ونحن قومه ونحن المسئولون (٢).

وهذا الحديث وأمثاله أرجح من الحديث السابق لكثرتها وقوة أسانيدها وموافقتها لظاهر الآية بل هي نص في توجه الخطاب الى الرسول عليه‌السلام ولا ريب له بتعين كون خبر انّ محمولا على اسمها في المعنى فهو خبر عنه ووصف له ولا معنى لكونه ذكرا لنفسه وقد قيل لتوجيهه ما لا يليق نقله وحيث وجب تأويله لقوة معارضه تعين التعرض لبيان ما تحمل [ يحتمل ـ خ ] تأويله به وقد خطر في الخاطر الفاتر لذلك وجوه.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢١١ ح ٤

(٢) الكافي ج ١ ص ٢١٠ ح ٥.

١٠٥

أحدها : أن يقدر مضاف محذوف كقوله تعالى ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) أى أهل القرية يعنى فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب الذكر اى القرآن أو نحو ذلك من التقديرات وهذا قريب مع انه يحتمل سقوطه من بعض النساخ وان اتفقت فيه النسخ.

وثانيها : ان يكون الذكر في كلام الامام عليه‌السلام مصدر بمعنى المفعول كقوله تعالى ( هذا خَلْقُ اللهِ ) وقولهم ثوب نسج اليمن وغير ذلك فالتقدير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكور ويخصّ المذكور (١) في قوله ( لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يعنى ان الخطاب له.

وثالثها : ان يكون المراد بالذكر في كلامه عليه‌السلام القرآن وحمله على الرسول عليه‌السلام على وجه المبالغة لاختصاصه بعلمه ونزوله عليه وكونه حافظه ومفسرة وغير ذلك.

ورابعها : أن يكون فيه وهم من بعض الرواة ويكون في تفسير قوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) أو يكون سقط منه شي‌ء أوجب ذلك اما من الحفظ أو الكتابة ويكون في تفسير الآيتين أو يكونا حديثين سقط عجز الأول وصدر الثاني من أصل الكتاب والقرينة على ذلك عدم ذكر القوم فيه وعدم ذكر الأهل في الآية مع تكرر ذكر الآيتين في أحاديث الباب المذكور وذكر القوم في تفسير تلك الاية ، والأهل في التفسير هذه الآية ، وهو الذي ينبغي ويناسب بلاغتهم عليهم‌السلام فصار محل الاشتباه.

وخامسها : انه يفهم من كلام بعض قدماء النحويين انهم يسمون الضمير كناية ويسمونه ذكرا وزمان المشار إليهم قريب من زمان الأئمة عليهم‌السلام فيمكن ان يراد بالذكر في الحديث الضمير في ( لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) دون ضمير انه وذلك للقرب والتكرار وكونه أخص وأعرف مع امتناع ارادة ضمير انه كما عرفت.

وسادسها : ان يكون المراد بالذكر في الآية الرسول كما هو ظاهر الحديث وتكون الكاف في ( لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) غير متوجه الى مخاطب معين بل الى كل من

__________________

(١) فالتقدير رسول الله (ص) حد المذكور في قوله لك ولقومك خ.

١٠٦

يصلح للخطاب كما في قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ ) وغير ذلك من المواضع الكثيرة.

وقوله ( وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) على هذا خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجه الالتفات وله أيضا نظائر في القرآن من الانتقال من خطاب مخاطب الى غيره ولا بعد في ان يراد من آية معنيان اما باستعمال المشترك في أكثر من معنى أو على وجه الحقيقة والمجاز أو على أن المراد منها ما يعم المعنيين وذلك مفهوم من كلامهم عليهم‌السلام فقد نصوا على ان للقرآن ظاهرا وباطنا وان لكثير من الآيات معاني متعددة متكثرة وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم وبهذا يندفع التنافي بين الأحاديث في هذه الاية وأمثالها أيضا والله أعلم.

١٠٧

فائدة (٣٥)

في الكافي في باب ان الأئمة عليهم‌السلام لو ستر عليهم لأخبروا كل امرء بماله وعليه.

عن ابى بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام من أين أصاب أصحاب على عليه‌السلام ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم قال : فأجابني شبه المغضب ممن ذلك؟ الا منهم فقلت ما يمنعك جعلت فداك قال : ذاك باب أغلق الا أن الحسين بن على عليه‌السلام فتح منه شيئا يسيرا ثم قال يا أبا محمد ان أولئك كانت على أفواههم أوكية (١).

أقول : لعل السؤال عن وقوع القتل ونحوه بهم مع علمهم المذكور الذي يقتضي تحرزهم مما وقع فيكون إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٢) أو عن حصول القتل والإذلال ونحوهما لهم مع اختصاصهم بعلي عليه‌السلام كما يظهر من معرفتهم بمكنون علمه وذلك يقتضي قربهم عنده وكمال ايمانهم فيكون إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٣) أو عن وجه اختصاصه بالعلم المذكور المشتمل على أكثر ما يحتاج اليه من أحكام الشرع مع العلم بما ليس بلازم من علم المنايا والبلايا أو عمن أخذوا تلك العلوم المصونة والأسرار المكنونة

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٢٦٥

(٢) البقرة ١٩٥

(٣) الشورى ٣٠

١٠٨

أى من أين وصلت إليهم فهذه عدة وجوه.

وعلى الأول : فقوله منهم لعل المراد منه انه من تقصيرهم وقلة كتمانهم والعلم بقصورهم عن الحفظ وترك الاذاعة لم يعلموا أوقات ما يصيبهم من القتل ونحوه وانما عرفوه إجمالا فلم يقدروا على التحرز.

وعلى الثاني : لعل المراد بكون ذلك منهم انه من ذنوب سلفت منهم أراد الله تكفيرها عنهم كقوله تعالى ( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) أو أنه بسبب اختيارهم للايمان المستلزم لاختيار الآخرة على الدنيا توجه إليهم البلاء في دنياهم.

وعلى الثالث : فقوله منهم اى من قابليتهم وأهليتهم لذلك بسبب تمام الانقياد وكمال الاعتقاد اختصوا بمثل ذلك أو من جدهم واجتهادهم في طلب العلم منه عليه‌السلام

وعلى الرابع : فقوله منهم أى من أهل العصمة عليهم‌السلام يعنى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى والحسنين عليهم‌السلام والإلهام لأجل عدم إمكان التصريح والإضمار اتكالا على العلم بالمطلوب وتخييلا لان المرجع لا تغيب عن القلب هذا وبعض الوجوه تصلح لغير ما جعلت له كما لا يخفى والله اعلم.

ولا بد في بعض ما تقدم من تقدير مضاف الى ضميرهم كما عرفت وبعضها مستغن عنه وأولئك يمكن كونه إشارة إلى أصحاب على عليه‌السلام ويمكن كونه إشارة إلى أصحاب الحسين عليه‌السلام ولا مانع من الجمع أيضا وعلى الأول هو بيان العلة التي منعت الصادق عليه‌السلام عن تعليم أصحابه مثل ما علم على عليه‌السلام أصحابه وحاصله عدم وثوق الصادق عليه‌السلام بالكتمان منهم وخوفه من ترتيب المفسدة على إعلامهم وعلى الثاني هو بيان للعلة التي اقتضت فتح الحسين عليه‌السلام لذلك الشي‌ء اليسير وتعليمه له أصحابه.

وفي كتاب بصائر الدرجات روى هذا الحديث وفيه من علمهم بمناياهم (١) وح لا اشكال والله أعلم.

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٦١ ط التبريز.

١٠٩

فائدة (٣٦)

في باب تسمية من رآه عليه‌السلام من الكافي بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري انه سأل العمرى ره فقال يا أبا عمرو انى أريد أن أسألك عن شي‌ء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه فإن اعتقادي وديني ان الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيمة بأربعين يوما فاذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة فلم يكن ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فأولئك أشرار من خلق الله تعالى وهم الذين تقوم عليهم القيمة ولكني أحببت أن ازداد يقينا الحديث (١).

أقول : اعتقاد الحميري هنا لا يخلو ظاهره من اشكال لان من ضروريات المذهب الذي قامت عليه الأدلة العقلية والنقلية والنصوص المتواترة ان الأرض لا تخلو من حجة ما دام فيها مكلف وان الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق وكل ذلك مقرر لا شك فيه وهو محرر في محله فالواجب توجيه هذا الكلام ليوافق ما أشرنا اليه واعتقاده مروي في بعض الاخبار لكن له معارض خاص ومعارضه العام متواتر فنقول هذا يحتمل وجهين.

الأول : ان يكون خلو الأرض من الحجة قبل القيمة بأربعين يوما ويكون فناء الخلق كلهم قبل الأربعين بل قبل القيمة بأزيد من أربعين يوما ورفع الحجة

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٢٩ ح ١.

١١٠

بعد فنائهم جميعا والرفع عبارة عن موته وخروج روحه وصعودها الى محل أعدّه الله لها أو إشارة إلى رفع بدنه ولحمه وعظمه الى السماء كما روى في الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام انهم يرفعون بعد ثلاثة أيام (١) وذلك في حديث صحيح الطريق وان كان ظاهر جملة من الأحاديث معارضة ويمكن الجمع بان يقال بالعود بعد الرفع أو بحمل العام على ما عدا الخاص ولتحقيقه محل آخر ولا ينافي ذلك ما روى من خروج صاحب الزمان عليه‌السلام من الدنيا شهيدا مقتولا فإنه يمكن ان يسقيه أحد السم أو يضر به بالسيف كابن ملجم ثم يموت القاتل وسائر الرعية قبل موت الامام ، وان استبعد هذا في القتل بالسيف ونحوه فالاستبعاد ليس بحجة كما تقرر وهو في السم غير بعيد فإنه قد يتأخر الموت به كثيرا جدا كما في موت الرسول عليه‌السلام بالسم الذي كان في الذراع على المشهور ويكون إغلاق باب التوبة باعتبار عدم بقاء من يحتمل توبته وانقطاع زمان التكليف بالتوبة وغيرها فلا ينفع نفسا إيمانها لأن جميع النفس [ و ] قد فارقت الأبدان فلا يقبل منها الايمان في زمان البرزخ ولا في القيمة ولا يدل هذا على بقاء الأنفس في أبدانها لينافى ما تقدم.

وعلى هذا فالمشار إليهم بأولئك هم أصحاب الأنفس التي لم تؤمن قبل الموت أو لم تكسب في إيمانها خيرا وذلك غير بعيد لقرب المشار إليهم في الذكر ويكون قيام القيمة عليهم إشارة إلى أنها عليهم لا لهم بخلاف غيرهم فإنها عليهم ولهم أو لهم لا عليهم ونحوه ( لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) على وجه ، والحاصل انه لا يلزم حمله على بقاء المحجوج بعد فناء الحجة.

الثاني : وهو المتبادر الى الفهم من اللفظ ولا يخلو من بعد بحسب المعنى وهو أن يكون قوله أولئك أشرار من خلق الله إشارة إلى جماعة لا يموتون عند موت صاحب الزمان عليه‌السلام أو عند النفخ في الصور لكن يصيرون في حكم الأموات وبمنزلة المعدومين لارتفاع التكليف منهم بفقدهم للعقل أو غيره أو لانتهاء مدة التكليف.

__________________

(١) الوسائل ج ٢ ص ٣٧٨.

١١١

وربما يوافق ذلك قوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَنْ شاءَ اللهُ ) (١) هذا بحسب ظاهر الآية لكنهم لم يذكروا ذلك في التفاسير المشهورة فمعنى ما أشرنا إليه من دوام الحجة مع الخلق وبعدهم دوامه في جميع زمان التكليف وعلى هذا يمكن أن يراد بالحجة المذكورة أولا الامام ، والمذكورة ثانيا العقل كما روى عنهم عليهم‌السلام : ان لله على الناس حجتين فالحجة الظاهرة الأنبياء والحجة الباطنة العقل (٢) ويكون ذلك وجه إغلاق باب التوبة وعدم إفادة الايمان واكتساب الخير الا انه لم يثبت بقاء جماعة كذلك بعد موت الامام ولا تصريح بذلك في الآية ولا في هذا الكلام لقيام الاحتمال الأول ولا يمكن الجزم به على ما ذكر غير انه محتمل ولا ينافي ما تقرر من الأدلة والنصوص على تقدير حصوله.

__________________

(١) الزمر ـ ٦٨

(٢) الكافي ج ١ ص ١٦

١١٢

فائدة (٣٧)

في الكافي في باب ان الأئمة عليهم‌السلام ورثة العلم بأسانيد صحيحة عنهم عليهم‌السلام انهم قالوا لا يموت عالم الا ويترك (١) من يعلم من علمه أو ما شاء الله (٢) وفي بعض الروايات لم يهلك منا عالم قط الا خلفه من اهله من علم مثل علمه أو ما شاء الله (٣)

أقول : مما تثبت وتقرر عقلا ونقلا امتناع تقديم المفضول على الفاضل واستحالة جهل الإمام بشي‌ء من الأحكام الشرعية بل بشي‌ء مما يحتاج إليه الرعية فلا يمكن حمل قوله أو ما شاء الله على ان علم الإمام المتأخر ينقص عن علم الإمام أو النبي المتقدم على وجه الإطلاق فلا بد من توجيه الاشكال هنا وهو يحتمل وجوها.

الأول : ان يراد من قوله ما شاء الله الزيادة في علم الامام اللاحق على علم السابق وقد روى ما يدل على ذلك في أصول الكافي وغيره وانه إذا كان بحسب ما يتجدد من الوقائع والحوادث نزل علمه وعرض على السابقين ثم على امام العصر فيكون علم الأخير به في زمن الحيوة ومدة التكليف والعلم فيضاف ذلك العلم إليه حقيقة ويكون إضافته الى من مات منهم مجازا فلا ينافي قوله مثل علمه إلخ.

وحاصله ان علم الثاني لا ينقص عن علم الأول بل يعلم اما جميع علم الأول خاصة أو ما شاء الله من الزيادة المضافة الى ما سبق كما تقرر لكن تلك الزيادات

__________________

(١) الا وترك من يعلم خ م

(٢) الكافي ج ١ ص ٢٢٢ ح ٢

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٢٣ ح ٨

١١٣

ليست من الأحكام الشرعية قطعا لاشتراكهم عليهم‌السلام فيها بل هي من علم ما كان وما يكون أو من تفاصيله وجزئياته فإن علمهم يزيد فيها ليلة القدر وليلة الجمعة وغيرها كما روى تواترا.

الثاني : انه لو لا قوله أو ما شاء الله لتوهم انه لا آخر للأئمة ولا ينحصرون في عدد بل كلما مات منهم واحد ورثه آخر الى ما لا نهاية له فقال أو ما شاء الله اى من هلاك الخلق وقيام الساعة فإنه لا يبقى بعد موت الامام من يعلم مثل علمه بل لا يبقى بعده أحد من الأئمة ولا من الرعية وهذا الوجه لا يخلو من قرب.

الثالث : أن يكون قوله أو ما شاء الله يعنى به من النقصان من علم الأول لكن لا مما يحتاج إليه الرعية ولا مما يتعلق بالأحكام الشرعية التي يجب العمل بها على الأمة بل مثل بعض علم ما كان وما يكون « أ » وبعض تفاصيل ذلك فإن معرفة هذه الأقسام والاطلاع عليها ليس بشرط في الامام وان ظهر من بعض الاخبار خلافه فان المراد ان هذه قضية اتفاقية في أئمتنا عليهم‌السلام فقد خصهم الله من العلوم بما يزيد على القدر المشترط في الإمام مع ان العموم الوارد في علمهم بما كان وما يكون ونحو ذلك معارض بعدة اخبار تستلزم التخصيص فيتعين الجمع بحمل العموم على الأكثر بالنسبة إلى قدرة البشر أو على الإجمال دون التفاصيل أو على أحكام ما كان وما يكون شرعا مع أنه ما من عام الا وقد خص حتى هذا العام.

الرابع : أن لا يكون الكلام مخصوصا بالأئمة عليهم‌السلام فإنه على تقدير ارادة العلماء غير الأئمة لا إشكال فإنه يصدق كلما مات عالم جاء بعده من يعلم مثل علمه أو أقل أو أكثر أو جاء من لا يعلم شيئا أو لم يجي‌ء أحد أصلا فيحمل ما شاء الله على كل واحد من الوجوه المذكورة أو على الجميع باعتبار عموم ما شاء الله وسياق تلك الأحاديث وان رجح إرادة الأئمة لكن لا ينفى الاحتمال الأخير والله اعلم :

١١٤

فائدة (٣٨)

حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر عليهم‌السلام اعلم انه قد ورد هذا المضمون في بعض الاخبار وهو لا يخلو من غرابة واشكال ولم يتعرض له أصحابنا إلا النادر منهم على ما يحضرني الإن ولا يمكن اعتقاده جزما قطعا لان ما ورد بذلك لم يصل الى حد اليقين بل تجويزه احتمالا على وجه الإمكان مشكل لما يأتي ان شاء الله تعالى من كثرة معارضه وبالجملة فهو محل التوقف الى ان يتحقق وتظهر قوته على معارضه والذي يحضرني الان من ذلك انه ورد من طرق.

أحدها : ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النص على الأئمة عليهم‌السلام قال أخبرنا جماعة عن ابى عبد الله الحسين بن على بن سفيان البزوفري عن على بن سنان الموصلي العدل عن على بن الحسين عن أحمد بن محمد بن الخليل عن جعفر بن أحمد البصري (١) عن عمه الحسن بن على عن أبيه عن ابى عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين عن أبيه الحسين الزكي الشهيد عن أبيه أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلى عليه‌السلام يا أبا الحسن أحضر دواة وصحيفة فاملى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصيته حتى انتهى الى هذا الموضع.

فقال يا على انه يكون بعدي اثنا عشر اماما ومن بعدهم اثنا عشر مهديا فأنت

__________________

(١) المصري خ م.

١١٥

يا على أول الاثني عشر اماما وذكر النص عليهم بأسمائهم وألقابهم الى ان انتهى الى الحسن العسكري عليهم‌السلام فقال فاذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم‌السلام فذلك اثنا عشر اماما ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا فاذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه أول المقربين ، له ثلاثة أسامي اسم كاسمى واسم كاسم ابى (١) وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدى وهو أول المؤمنين (٢).

قال الشيخ بعد ما ذكر عدة أخبار أخر في النص في الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام فهذا طرف من الاخبار قد أوردناه ولو شرعنا في إيراد الاخبار من جهة الخاصة لطال به الكتاب وانما أوردنا ما أوردناه ليصح ما قلناه من نقل الطائفتين المختلفتين « انتهى »

الثاني : ما رواه أيضا في آخر كتاب الغيبة فقال محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن محمد بن عبد الحميد ومحمد بن عيسى عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل انه قال يا أبا حمزة ان ما بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين عليه‌السلام (٣). ورواه بعض أصحابنا عن أحمد بن عقبة عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام.

الثالث : ما رواه الشيخ أيضا في المصباح الكبير حيث أورد دعاء ذكر انه مروي عن صاحب الزمان خرج الى ابى الحسن الضراب الأصفهاني بمكة بإسناده لم نذكره اختصارا هذا عبارة الشيخ ثم أورد الدعاء بطوله الى أن قال اللهم صلّ على محمد المصطفى وعلى المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن الرضا والحسين المصفى وجميع الأوصياء مصابيح الدجى الى أن قال وصل على وليّك وولاة عهدك والأئمة من ولده ومدّ في أعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم أقصى آمالهم دينا

__________________

(١) في المصدر : اسم كاسمى واسم أبى.

(٢) كتاب الغيبة ص ٩٧ ط طهران.

(٣) ارجع ص ٢٨٥.

١١٦

ودنيا وآخرة انك على كل شي‌ء قدير (١).

الرابع : ما أورده بعده بغير فصل فقال الدعاء لصاحب الأمر المروي عن الرضا عليه‌السلام روى يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه‌السلام انه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عليه‌السلام بهذا الدعاء اللهم ادفع عن وليك وخليفتك الى ان قال اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وزد في آجالهم وبلغهم آمالهم الدعاء والذي حذفناه [ منه ] في صدره يشتمل على أوصاف وألقاب وعبارات لا تكاد تستعمل في غير المهدى عليه‌السلام (٢).

أقول : هذه الروايات غير موجبة للعلم واليقين لكثرة معارضاتها فإن الأحاديث المعتبرة والروايات الصحيحة المتواترة صريحة في حصر الأئمة في اثنى عشر عليهم‌السلام وان الثاني عشر منهم خاتم الأوصياء والأئمة والخلفاء وانه لا يبقى بعده أحد من الخلق ولو شرعنا في إيراد بعض ما أشرنا إليه لطال الكلام وحصلت الأمة والملل ومثل هذا المطلب الجليل يجب تواتر الاخبار به كأمثاله على تقدير وجوب اعتقاده علينا فكيف ورد من طريق شاذ وورد معارضه بهذه القوة المشار إليها.

وقد نقل عن سيدنا المرتضى « رض » انه جوز ذلك على وجه الإمكان والاحتمال وانه قال لا نقطع بزوال التكليف عند موت المهدى عليه‌السلام بل يجوز ان يبقى بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله ولا يخرجنا هذا من التسمية بالاثني عشرية لأنا كلفنا ان نعلم إمامتهم وقد بينا ذلك بيانا شافيا ودللنا عليهم فانفردنا بهذا عن غيرنا « انتهى ».

وربما كان في الحديثين السابقين على هذا البحث اشارة ما الى هذا المضمون وفي هذا التجويز نظر لما أشرنا إليه سابقا ولأن الأول من طريق العامة فلا يعتد به فيما لا يوافق التصريحات الثابتة من طريق الخاصة والباقي ليس بصريح مع ان بين

__________________

(١) مصباح المتهجد ص ٢٦٦.

(٢) مصباح المتهجد ص ٢٦٦.

١١٧

الأول والثاني تعارضا ظاهرا في العدد وليس في الثالث والرابع حصر لعددهم وأقل الجمع ثلاثة والزيادة غير معلومة وليس في الرابع تصريح لان صاحب الأمر أعم من المهدى عليه‌السلام بحسب أصل وضعه على انه يستعمل في كل واحد منهم عليهم‌السلام.

فلا يبعد أن يكون الرضا عليه‌السلام أمر بالدعاء لإمام العصر مطلقا وللأئمة من أولاده وتلك الألقاب والأوصاف لا يمتنع إطلاقها على الرضا عليه‌السلام وكل واحد من أولاده عليهم‌السلام وان كان فيه بعد فإنه لا يصل الى حد الامتناع بل هو تأويل صالح للجمع بين الاخبار المختلفة وهنا احتمالات أخر.

أحدها : ان يقال البعدية لا يتعين كونها زمانية بل يمكن كونها بمعنى المغايرة بمنزلة البعدية في قوله تعالى : ( فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ ) وعلى هذا يجوز كونهم في زمانه ويكونون نوابه عليه‌السلام وهذا لا ينافيه سوى قوله في الأول فإذا حضرته الوفاة فليسلمها الى ابنه وقد عرفت انه من طريق العامة فلا حجة فيه ويجوز حمله على ان المهدى عليه‌السلام يوصى الى ولده ليخرج عن حد قوله عليه‌السلام من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (١) فيوصي ليفوز بفضيلة الوصية ويقوم بتكليفها ويخرج من عهدة تركها ثم يموت ولده قبله وباقي الاثني عشر كما قلناه وكما في موسى وهارون.

وثانيها : ان قوله من بعده لا بد له من تقدير مضاف اليه فيمكن ان يقدر من بعد ولادته أو من بعد غيبته ويكون إشارة إلى السفراء والوكلاء من ثقاته وأصحابه والعلماء من شيعته الموجودين في غيبته الداعين الى دينه ودين آبائه (ع) كما قال اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي (٢) ولا ينافي الحصر في الاثني عشر لان مفهوم العدد ليس بحجة ولان حمله على السفراء والوكلاء ممكن وهم لا يزيدون عن ذلك.

__________________

(١) الوسائل ج ٢ ص ٦٦١.

(٢) الوسائل ج ٣ ط القديمة كتاب القضا ص ٣٧٩.

١١٨

والثالث والرابع : لا حصر فيهما فيمكن حملها على العلماء بل على جميع ما ذكرناه من الأقسام.

وثالثها : ان يقدر المضاف المشار إليه في قوله من بعده اى من بعد خروجه فإنه لا يلزم أن يقدر من بعد موته ويكون المشار إليهم في زمانه وهم نوابه أو خواصه كما أشرنا إليه في الوجه الأول ، وبينه وبين هذا الوجه فرق في التوجيه ظاهر ومآل الأمرين واحد كما لا يخفى.

وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين وتمام النعمة عن على بن أحمد بن موسى الدقاق عن محمد بن ابى عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي عن على بن أبي حمزة عن ابى بصير قال قلت للصادق عليه‌السلام سمعت من أبيك انه قال يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا فقال قد قال اثنا عشر مهديا ، ولم يقل اثنا عشر أماما ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الى ولايتنا ومعرفة حقنا (١).

أقول : وهذا الحديث يقارب هذا الوجه والأول فتدبر.

ورابعها : أن يكون ذلك محمولا على الرجعة فقد رويت أحاديث كثيرة في رجعتهم (ع) على وجه الخصوص ورويت أحاديث كثيرة جدا متجاوزة حد التواتر في صحة الرجعة على وجه العموم باعتبار التجويز والإمكان بل ورد ما ظاهره عمومها لجميع المكلفين غير ان لها معارضات متواترة دلت على انها مختصة بمن محض الايمان محضا أو محض الكفر محضا الا ان أصل الرجعة وثبوتها مما لا خلاف فيه بين الشيعة ولا اختلاف فيه في أحاديث الأئمة (ع) بل هي من ضروريات مذهبهم واحتجوا على إثباتها بوجوه عقلية ونقلية مذكورة في محلها وعلى هذا فالائمة من بعده هم الأئمة من قبله وانما رجعوا بعد حصول غيبته أو بعد خروجه على اختلاف الروايتين وهذا الوجه يرجح رواية الأحد عشر أعنى الحديث الثاني ولا ينافيه الثالث والرابع.

__________________

(١) كمال الدين ج ٢ ص ٣٥٨ ص ٥٦ ط الإسلامية.

١١٩

وأما الأول فقد عرفت انه من روايات العامة ومع ذلك يمكن حمله على دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الأحد عشر كما في أحاديث الرجعة والأقوى في الأحاديث ان رجعة الأئمة عليهم‌السلام بعد وفاة المهدى عليهم‌السلام وان المهدى عليه‌السلام أيضا يرجع بعد وفاته وبعد رجعة آبائه (ع) ووفاتهم وانه لا دولة لهم ( لأحد ـ خ ل ) بعد ذلك بل يقوم القيمة ويظهر من بعض أحاديث الرجعة ان أهلها غير مكلفين وقد أوضحنا الأمر بعض الإيضاح في آخر رسالة الرجعة.

وقد روى الصدوق في آخر الخصال حديثين بسندين معتبرين عن ابى جعفر عليه‌السلام انه إذا كان يوم القيمة ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار خلق الله خلقا يعبدونه وخلق لهم أرضا وسماء أليس الله يقول ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) وقال الله عزوجل ( أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (١).

وروى أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره حديثين بسند معتبر عن ابى عبد الله عليه‌السلام في هذا المعنى. قال بعض مشايخنا المعاصرين لم أر أحدا من المتكلمين تعرض لهذا بنفي ولا إثبات وأدلة العقل لا تنفيه بل يؤيده لكن الأخبار الواردة في ذلك لم تصل الى حدّ يوجب القطع به والله اعلم انتهى.

__________________

(١) أقول لم نجد في الخصال المطبوع الا حديثا واحدا

١٢٠