الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

المدة المذكورة بل المذكور في كتاب الرجال لميرزا محمد بن على الأسترآبادي من رواة أحاديثنا سبعة آلاف رجل ومن مصنفاتهم ستة آلاف وستمائة وزيادة ولم يشتمل ذلك الكتاب على جميع الرواة ولا على جميع المصنفات بل هي أكثر من ذلك

وكل ذلك يعلم قطعا من تتبع الاخبار وكتب الحديث وكتب الرجال وآثار السلف فينبغي الجزم بصحة دعوى علمائنا المذكورين سابقا حيث ذكروا ان أكثر مطالب الأصول والفروع قد تواترت.

ولو أردنا نقل جميع عباراتهم وشهادتهم بتواتر الأحاديث إجمالا وتفصيلا بطريق العموم والخصوص في كتب الحديث والرجال وفي كتب الاستدلال وغيرها من مصنفاتهم لطال الكلام فان ذلك كثير جدا في عبارة ابن إدريس في السرائر وابن الجنيد وابن ابى عقيل كما نقله العلامة عنهما في المختلف وغيره.

وفي عبارة العلامة في المنتهى والمختلف والتذكرة وغيرهما وفي عبارة المرتضى والمفيد في كتبهما ورسائلهما وفي عبارة الشيخ في التهذيب والاستبصار والخلاف والمبسوط وغيرهما وكذا باقي علماؤنا المتقدمين والمتأخرين.

ومن تتبع وجد أكثر المسائل والمطالب من هذا القبيل وتوجد فيه هذه الشهادة من جماعة منهم ولو أردنا جمع تلك المسائل التي نصوا على تواتر الاخبار بها لجمعنا ما يزيد على عشرة آلاف مسئلة من الأصول والفروع.

وبالجملة يتعين القطع إجمالا بكثرة التواتر المعنوي واللفظي وعدم اختصاصه بأصول الشرائع التي هي قليلة جدا.

ومن تتبع حق التتبع لم يبق عنده شك في شي‌ء من ذلك وعلم ان حال أحاديثنا على طرف النقيض من أحاديث العامة وان كثيرا من الاخبار كان متواترا في أول إسناده وفي وسطه ثم انقطع التواتر الان لاندراس كثير من تلك الأصول بل أكثرها وما كان متواترا وبقي تواتره الى الان كثير جدّا.

وخامسا : ان نقل الشهيد الثاني قول ابن الصلاح السابق وعدم إنكاره وترك

٢٦١

مناقشته من جملة العجائب مع شدة تدقيقه وتحقيقه ولعله صدر ذلك منه للعجلة في التصنيف أو لعدم استحضار الأمثلة والا فلا ريب انه قائل بتواتر الأمثلة الاتية.

واعلم ان ابن الصلاح المذكور من علماء العامة بغير شبهة.

وسادسا : انه قد ذكر الشيخ بهاء الدين في رسالته في دراية الحديث (١) ان ما تضمنته كتب الخاصة من الأحاديث يزيد على ما في الصحاح الست للعامة بكثير كما يظهر لمن تتبع كتب الفريقين.

وذكر الشهيد في الذكرى ان كتاب الكافي وحده يزيد على ما في صحاح الست للعامة متونا واسانيدا.

وان التهذيب والاستبصار كذلك ، وان من لا يحضره الفقيه ومدينة العلم نحو ذلك وذكر علماء الرجال ان ابان بن تغلب روى عن الباقر عليه‌السلام ثلثين الف حديث (٢).

وان محمد بن مسلم روى عنه أيضا ثلثين الف حديث وعن الصادق عليه‌السلام ستة عشر الف حديث (٣).

وان جابر بن يزيد الجعفي روى عن الباقر عليه‌السلام سبعين الف حديث كان مأمورا باظهارها وسبعين الف حديث كان مأمورا بكتمانها (٤).

وان يونس بن عبد الرحمن صنف الف كتاب في الرد على العامة (٥).

وان الحسن بن على الوشاء أدرك في مسجد الكوفة ستمائة شيخ كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) راجع الخاتمة من الوجيزة في الدراية ص ١٥

(٢) أورده المؤلف ره في خاتمة الوسائل عن النجاشي ص ٥٣٥.

(٣) رجال الكشي ص ١٦٣ ـ ١٦٧

(٤) رجال الكشي ص ١٩٤

(٥) راجع رجال الكشي ص ٤٨٥

(٦) أورده المؤلف ره في خاتمة الوسائل عن العلامة والنجاشي ص ٥٤٢

٢٦٢

وان جعفر بن محمد بن نعيم روى عن مشايخه الف كتاب من كتب الإمامية وان أصحاب كل واحد من الأئمة (ع) كانوا يزيدون على الف وألفين وانهم سألوا الجواد عليه‌السلام في كل يوم واحد عن ثلثين الف مسئلة فأجابهم عنها.

وان الحسن بن خالد البرقي أخا محمد بن خالد روى تفسير العسگرى عليه‌السلام من إملاء الإمام عليه‌السلام مأة وعشرين مجلدة ذكره ابن شهرآشوب وغيره وأمثال ذلك مما لا يعد ولا يحصى فكيف يدعى عدم وجود التواتر اللفظي أصلا وقلة التواتر المعنوي جدا واختصاصه بأصول الشرائع مع قلتها.

ولو أردنا ذكر ما يناسب المقام ويدل على ما قلنا من كلام علماء الرجال وغيرهم من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين لطال الكلام جدا.

وسابعا : ان قوله من سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه طلبه ، ان كان قائله من العامة فليس بعجب فان أحاديثهم كما عرفت وما تواتر عندهم من النص لا يعترفون بتواتره ، وان كان من الخاصة فهو صادر اما عن غفلة أو قلة تتبع الأحاديث لزيادة الاشتغال بجميع العلوم والكتب من مؤلفات العامة والخاصة وصرف أكثر العمر في ذلك.

ونحن نورد له جملة من الأمثلة التي لا يقدر على إنكارها.

فمنها : نص الغدير وهو قوله عليه‌السلام ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار (١).

فهذه الألفاظ صدرت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر على رؤس الاشهاد في حضور جماعة كثيرين ، روى انهم كانوا خمسين ألفا ، وروى أكثر وروى أقل ولا يقدر ممن له ادنى تتبع ان يدعى انتهاء عدد الحاضرين إلى أدنى مراتب التواتر بل من المعلوم قطعا انهم كانوا أضعاف أضعاف عدد التواتر وطار الخبر منهم إلى الأقطار ولم يزل الى الان في الاشتهار ، وكان ذلك في حجة الوداع في حال اجتماع أهل البلدان

__________________

(١) راجع إحقاق الحق للقاضي نور الله ره ج ٢ ص ٤١٥ ـ ٥٠١ والبرهان للعلامة السيد هاشم البحراني ره ج ١ ص ٤٩٠

٢٦٣

وأكثر أهل مكة والمدينة وغيرهم من أهل البوادي.

وروى العياشي أن الموجودين ممن سمعوا ذلك النص يوم بيعة ابى بكر كانوا اثنى عشر ألفا سوى من مات منهم ومن كان في مكة وغيرها من الأمصار وان شئت فانظر الى كتاب الاحتجاج وتفسير العسكري عليه‌السلام وكتاب البرهان وكتب الكلام وغير ذلك ، فإنها تضمنت ان أمير المؤمنين عليه‌السلام احتج بهذا الخبر في زمان أبو بكر ثم في زمان عمر ثم في زمان عثمان ثم بعده وكان كل ما استدل به وطلب من الناس الشهادة قام أربعون رجلا ممن اتفق حضورهم في مجلس واحد وقد يقوم أكثر منهم فيشهدون انهم سمعوه وقد تلقاه جميع الإمامية بالقبول وحفظوه ورووه ولم يزداد عدد رواته حتى في زمان بنى أمية وبنى العباس لم يبق أحد من علماء الإمامية ولا علماء العامة الا وقد نقله ورواه إلى الان لا يكاد يخلو منه كتاب من كتب الفريقين حتى الف ابن عقدة الحافظ الزيدي (١) كتابا في إثباته أورد فيه مائة وخمسة وعشرين طريقا على ما قيل ولم يصل إلينا ذلك الكتاب وبدون هذا يثبت التواتر ولم يختلف ألفاظه ليكون تواترا معنويا (٢).

ومنها : قوله عليه‌السلام سلموا على على بإمرة المؤمنين (٣) فإن هذا اللفظ بعينه قد تكلم به عليه‌السلام في ذلك اليوم الشريف بمحضر من ذلك المجمع العظيم الذين هم ألوف كثيرة لا يحصى عددهم ولم يزل عدد رواته في ازدياد والكلام فيه قريب من نص الغدير بل لا يقصر عنه.

ومنها : قوله عليه‌السلام على منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي (٤) فإن هذا اللفظ بعينه قد صدر عنه مرارا كثيرا جدا ، وفي المجالس والمحافل وعلى المنابر وحال اجتماع العساكر ولم يزل عدد رواته في ازدياد ولا يكاد يخلو منه كتاب

__________________

(١) أحمد بن محمد بن سعيد ثقة زيدي مولده ٢٤٩ توفي بالكوفة سنة ٣٣٣

(٢) راجع إحقاق الحق ج ٢ وكتاب الغدير للعلامة الأميني ره

(٣) راجع إحقاق الحق ج ٤ ص ٢٧٧

(٤) إحقاق الحق ج ٥ ص ١٣٣

٢٦٤

بل سمعه جميع الصحابة ونقله جميع التابعين وهو أشهر من نص الغدير.

ومنها : قوله عليه‌السلام أنا مدينة العلم وعلى بابها (١) فإنه تكرر منه عليه‌السلام التلفظ بهذا اللفظ بعينه حتى سمعه الصحابة أو أكثرهم ولا يخفى وفور عددهم وتجاوزهم حد التواتر بمراتب ، وتواتره الى الان أوضح من أن يخفى حتى نقله العوام الان وفي كل زمان فضلا عن العلماء والرواة وكذا أمثاله مما مضى ويأتي.

ومنها : قوله عليه‌السلام أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (٢) فان هذا اللفظ بعينه قد تكرر منه عليه‌السلام حتى تجاوز حد التواتر ولم يزل كذلك إلى الإن وحكمه كما مر ودلالته على تعيين الفرقة الناجية ظاهرة واضحة.

ومنها : قوله عليه‌السلام جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عن جيش أسامة فإنه تكرر منه حتى سمعه أكثر الصحابة ونقله التابعون واستمر نقله بما يزيد على عدد التواتر إلى الإن (٣).

ومنها : قوله عليه‌السلام فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها. (٤) فإنه هذا اللفظ بعينه صدر منه عليه‌السلام مرارا متعددة حتى سمعه جميع الصحابة ولم يزل يزداد اشتهارا

ومنها : قوله عليه‌السلام في حق على عليه‌السلام لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه (٥) فإنه قاله عليه‌السلام بمحضر ألوف كثيرين من عساكر المسلم وسائر الصحابة ولم يزل العدد في ازدياد.

ومنها : قوله عليه‌السلام الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فإنه تكرر منه

__________________

(١) إحقاق الحق ج ٥ ص ٤٨٩

(٢) أخرجه المؤلف ره في إثبات الهداة ج ١ ص ٦٤٢ وفي إحقاق الحق ج ٩ ص ٢٧٠.

(٣) أورده العلامة المجلسي (ره) في البحار ج ٢٢ ص ٤٦٨

(٤) راجع البحار ج ٤٣ ص ٢٦ ـ ٣٩

(٥) أورده المؤلف ره في إثبات الهداة ج ١ ص ٢٨٧ ـ ٣٥٧.

٢٦٥

عليه‌السلام حتى سمعه جميع الصحابة وهو الى الان قد تجاوز حد التواتر (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (٢) فهذا اللفظ بعينه قد تواتر بين الفريقين وسمعه أكثر الصحابة أو كلهم وهو نظير الأمثلة السابقة.

ومنها : قوله عليه‌السلام ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فرقة منها ناجية والباقي في النار (٣) فان هذا اللفظ قد تكرر منه عليه‌السلام حتى سمعه ونقله جميع الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين وفي حديث سفينة نوح وغيره تعيين لتلك الفرقة الناجية فقد ثبت هذا المطلب بتمامه وجميع مقدماته بطريق التواتر.

ومنها : قوله (ع) يكون من بعدي اثنا عشر اماما.

وقوله (ع) الأئمة من بعدي اثنا عشر اماما (٤) وقوله عليه‌السلام : الأئمة من بعدي اثنا عشر (٥) فإنه تكرر منه (ع) أيضا ونقله جميع علماء العامة والخاصة وهو كأمثاله.

ومنها : قوله عليه‌السلام ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين (٦) فان هذا اللفظ بعينه نظير ما سبق.

ومنها : قوله (ع) له أنت أخي وأنا أخوك (٧) فإنه كأمثاله مما مر.

ومنها : قوله (ع) له أنت وصيي ووارثي وخليفتي وقاضي ديني ومنجز عداتي

__________________

(١) إثبات الهداة للمؤلف (ره) ج ٢ ص ٥٥٠ ـ ٥٤٤.

(٢) إثبات الهداة ج ١ ص ٦٩٠ ط الافستية وقد سمعت من بيان استأذنا الأعظم آيت الله العظمى الطباطبائي البروجردي : أن هذا الحديث من أحسن ما يستدل به على وجود الحجة في كل زمان

(٣) راجع البحار ج ٢٨ ص ٣ ـ ٤ ـ ٥

(٤) راجع إثبات الهداة ج ١ باب نصوص العامة على امامة الأئمة (ع)

(٥) راجع إثبات الهداة ج ١ باب نصوص العامة على امامة الأئمة (ع)

(٦) أخرجه المجلسي ره في البحار ج ١٨ ص ١٣٢

(٧) إحقاق الحق ج ٤ ص ٣٧٤

٢٦٦

فهو كنظائره مما تقدم (١)

ومنها : قوله عليه‌السلام عمار تقتله الفئة الباغية (٢) لا أنالهم الله شفاعتي.

ومنها : قوله : سلمان منا أهل البيت (٣).

ومنها : قوله عليه‌السلام : أقضاكم على (٤).

ومنها : قوله لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على (٥).

ومنها : قوله عليه‌السلام وقد جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٦).

ومنها : قوله عليه‌السلام على قسيم الجنة والنار (٧).

ومنها : قوله عليه‌السلام من حفظ على أمتي أربعين حديثا بعثه الله يوم القيمة فقيها عالما (٨).

ومنها : قوله (ع) من كذب على معتمدا فليتبوء مقعده من النار (٩) وقد اعترف بتواتره منكر التواتر كما مر نقله.

ومنها : قول على عليه‌السلام علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الف باب يفتح كل باب الف

__________________

(١) راجع إثبات الهداة ج ٢ باب النصوص على امامة أمير المؤمنين (ع)

(٢) راجع المجلد الثامن ، من البحار ص ٤٨٧ وملحقات إحقاق الحق ج ٨ ص ٤٢٢ ـ ٤٦٤.

(٣) البحار ج ٢٢ ص ٣٢٦

(٤) إحقاق الحق ج ٤ ص ٣٢٣ ـ ٣٢٢ إثبات الهداة ج ٢ ص ١٧

(٥) إثبات الهداة ج ٢ ص ٣٧ ـ ١٩

(٦) إثبات الهداة ج ١ ص ٦٨٩

(٧) البحار ج ٣٩ ص ١٩٣ باب انه « ع » قسيم الجنة والنار

(٨) الكافي ج ١ ص ٤٩

(٩) البحار ج ٢ ص ١٦١ الكافي ج ١ ص ٦٢

٢٦٧

باب (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام : سلوني قبل ان تفقدوني فو الله لا تسألون عن شي‌ء إلا أنبأتكم به (٢).

ومنها : قوله عليه‌السلام له ما زلت مظلوما (٣).

ومنها : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان أمتي ستقتل ولدي هذا. (٤)

ومنها : قوله عليه‌السلام حب الدنيا رأس كل خطيئة (٥) ومنها : قوله عليه‌السلام البينة على المدعى واليمين على من أنكر (٦) ومنها : قول عمر لو لا على لهلك عمر (٧) ومنها : قوله : كانت بيعة ابى بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه (٨) ومنها. قول ابى بكر على المنبر مرارا لست بخيركم وعلى فيكم (٩) ومنها : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على مع الحق والحق معه لا يفترقان (١٠) ومنها : قوله عليه‌السلام ائتوني بدواة وصحيفة بيضاء اكتب لكم كتابا لن يضلوا بعده أبدا وقول عمران نبيّكم ليهجر (١١)

__________________

(١) البحار ج ٤٠ ص ١٢٧

(٢) إحقاق الحق ج ٧ ص ٥٨٩

(٣) سفينة البحار ج ٢ ص ١٠٨ إثبات الهداة ج ١ ص ٢٩٩

(٤) إحقاق الحق ج ١١ ص ٣٣٩ ـ ٤١٣

(٥) الوسائل ج ٢ ص ٤٧٣

(٦) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٩٩

(٧) إحقاق الحق ج ٨ ص ١٨٣

(٨) البحار ج ٨ كتاب الخلفاء ص ٢٤٨

(٩) ابن ابى الحديد ج ١ ص ١٦٩ البحار ج ٨ ص ٢٥٩ إحقاق الحق ج ٢ ص ٣٢٥.

(١٠) إحقاق الحق ج ٥ ص ٦٣٣ إثبات الهداة ج ٢ ص ١١٢ ـ ٢٠٩

(١١) البحار ج ٨ ص ٢٦١

٢٦٨

ومنها : قوله عليه‌السلام حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات (١).

ومنها : قوله عليه‌السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (٢) : فإنه كأمثال ما مر قد تكرر منه عليه‌السلام حتى سمعه أكثر الصحابة ولم يزل عدد رواته في ازدياد والأمثلة في هذا المعنى أكثر من ان تعد وتحصى.

ولو أردنا ذكر بعض أمثلة التواتر المعنوي الذي يدعون قلة واختصاصه بأصول الشرائع مع قلتها لطال الكلام وان نازعوا في تواتر الأمثلة المذكورة نازعناهم فيما أقروا به من التواتر المعنوي فبأي وجه اثبتوا التواتر هناك أثبتناه هنا وإذا نازعهم منازع في تواتر الأول والوسط هناك فما أجابوا به فهو جوابنا بعينه أو ما هو أقوى منه.

ولكن نقول بطريق الإجمال ان العقل يجزم بعد تبليغ الآثار بان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في نهاية الحكمة والعصمة والشفقة على الأمة والحرص على تبليغ الشريعة وكذلك الأئمة (ع) وانهم كانوا يبلغون الأحكام في مواضع متعددة ويريدون بقاء الشريعة لتعمل بها الأمة إلى يوم القيمة وتصل الى كل مكلف في كل زمان على وجه يقطع العذر ويفيده العلم بشرط ان يتفحص عن ذلك ويطلب من اهله ويبذل جهده في طلبه والا لم تكونوا مبلغين للشريعة كما ينبغي.

وقد كان يعلمون ما كان وما يكون كله أو أكثره بتعليم الله إياهم وانهم لذلك كانوا يبلغون الأحكام في المجالس والمجامع والمحافل والمساجد وعلى المنابر وعلى رؤس الاشهاد وحال اجتماع العساكر وتوفر الدواعي على النقل لتثبت عليهم الحجة وتشتهر بينهم الأحكام والأحاديث وكانوا يبلغون أكثر الأحكام في حضور مآت من الناس بل ألوف متعددة ويكررون التبليغ في مجالس كثيرة حتى تثبت الحجة على جميع أهل ذلك الزمان وتشهر بينهم وينقلوا الى من بعدهم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٦٨

(٢) مستدرك الوسائل ج ١ ص ١٥٦

٢٦٩

فينبغي القطع بأن أكثر المطالب قد تجاوزت حد التواتر اللفظي والمعنوي أو كليهما وخصوصا الخطب المروية عن النبي وعلى عليهما‌السلام فإنهما ما خطبا قط في حضور جماعة أقل من عدد التواتر وأن ما كان متواترا الان كان كذلك في أول إسناده ووسطه غالبا وان ما سواه نادر والا لكان سوء ظن منّا بهم (ع).

وانظر الى الحديث المشهور بين الفريقين انه عليه‌السلام في أواخر عمره قال مرارا متعددة في المسجد وعلى المنبر وغير ذلك في حضور ألوف من المسلمين ألست قد بلغت ما أرسلت به إليكم قالوا بلى قال اللهم فاشهد وكان الذين قالوا بلى يزيدون على عدد التواتر فلو لا انهم علموا ذلك وسمعوا أكثر الأحكام أو كلها لما قالوا بلى وشهدوا له مع ان كثيرا منهم كانوا منافقين معاندين لكن لم يقدروا على الإنكار لأنه كان صار عندهم ضروريا متواترا والعجب من ينكر التواتر في أحاديث الأئمة (ع) يعترف بتواتر مؤلفات الإمامية والعامة أيضا وتواتر آثار علماء الفريقين ومذاهبهم وأكثر أحوالهم مع ان الداعي إلى نقل آثار النبي والأئمة (ع) أقوى والاعتناء بنقلها أعظم وهذا واضح لو لا الشبهة والتقليد.

واعلم ان بعض المتعصبين من المقلدين اعترض هنا بما نقله الشيخ حسن في إجازته من ان الإجازات مع كثرتها انحصرت في الشهيد الثاني ثم في الشهيد الأول ثم في الشيخ الطوسي وان كل من تأخر عن أحد الثلاثة لم يرو الا عنه الا نادرا.

وأجبته بان انحصار الإجازة لا يستلزم انحصار نقل الكتب والأحاديث فإنه غير موقوف عليها كنقل القرآن نعم هؤلاء الثلاثة لجلالتهم في زمانهم طلب كل واحد من معاصريهم من شركائهم في الدرس والرواية والإجازة منهم وقد كان في زمان كل واحد من العلماء والفضلاء والرواة ألوف كثيرون من مشايخهم وتلامذتهم وشركائهم والتتبع دال عليه.

ولقد كلمني بعض الناس الذين غلب عليهم الوسواس وصرفوا أكثر أعمارهم في العلوم الفاسدة التي اخترعها العامة ولم يصرفوا من أعمارهم في تتبع آثار النبي

٢٧٠

المختار والأئمة الأطهار (ع) الا القليل ولم يعرفوا قدر علوم أهل العصمة (ع) على التفصيل وطلبوا العلم من أهل الجهل وأنكروا وجود المتواتر مطلقا ثم أنكر اللفظي وادعى قلة المعنوي فكلمته وذكرت له أكثر ما تقدم ثم أوردت له مثالا لم يقدر على دفعه وإنكاره فقلت له انا نجزم بوجود ملك في الهند يقال له فلان فقال نعم.

فقلت : ولا نعرف شيئا من أحواله بطريق اليقين والتواتر من طوله ولونه وسنّه وخلقه وخلقه وطبعه ووصفه ومجلسه وطعامه وعسكره وخزائنه وعلمه وفصاحته وشجاعته ونحو ذلك وسبب جهلنا بأحواله عدم تفحصنا عنها وقلة تتبعنا لها ولو أردنا ذلك وصرفنا في تحقيقه أياما يسيرة لوجدنا في هذا البلد الذي نحن فيه أكثر من الف رجل من التجار وغيرهم ممن رأى ذلك الملك وجالسة وعاشره واطلع على أحواله فلو سألناهم وتتبعنا آثاره لعرفنا أكثر أحواله بطريق القطع والتواتر والاخبار المحفوفة بالقرائن بحيث لا يبقى عندنا فيها شك الا نادرا وبدون تفحص لا نطلع على تواتر شي‌ء منها.

وهكذا من تتبع الأحاديث حق التتبع ومن لم يتتبع ومن عرف أحوال الرواة والكتب حق المعرفة ومن لم يعرف. ومن تأمل كتابنا الموسوم بتفصيل وسائل الشيعة علم ان أكثر مطالب الفروع انتهى الى حد التواتر المعنوي وكثير منها بلغ حد التواتر اللفظي حتى انا جمعنا في كتاب الطهارة وحده قريبا من أربعة آلاف حديث جمعناها من كتب كثيرة تقارب مائة كتاب وهو ثلاثة مسائل الوضوء والغسل والتيمم وكذلك سائر الكتب والأبواب ومن تأمل كتابنا في النصوص والمعجرات (١) تيقن انها كلها تجاوزت حد التواتر المعنوي وكثير منها تجاوزت حد التواتر اللفظي بشرط ان لا يغلب عليه الوسواس وان يعرف أحوال الرواة وأحوال الكتب حق معرفتها وانتفاء الشبهة والتقليد ولقد طال الكلام في هذا المرام لاقتضاء الحال والمقام وكونه من أمهات الأحكام ومن أكثر مطالب اولى الافهام والله الهادي

__________________

(١) وقد طبع أخيرا في ثلاث مجلدات بهمة بعض اصدقائنا من أهل الخير.

٢٧١

فائدة (٦٠)

اشتهر بين جماعة من الطلبة الان حيلة في إسقاط العدة وبعضهم ينسبها الى شيخنا المحقق الشيخ على وصورتها انه لو تزوج رجل امرأة بالعقد الدائم ودخل بها ثم طلقها بعد الدخول وجبت عليها العدة فلو عقد عليها بعد الطلاق ثم طلقها قبل الدخول فلا عدة عليها فتدخل تحت النص المتضمن لعدم لزوم العدة مع الطلاق قبل الدخول والعدة السابقة سقطت بالعقد الثاني إذ لا عدة عليها منه.

وكذلك لو تمتع رجل بامرأة ودخل بها ثم وهبها المدة وانقضت مدتها ثم عقد عليها أيضا متعة ثم وهبها المدة قبل الدخول أو انقضت قبله فان المرأة لا عدة عليها ثانيا والعدة الأولى بطلت بالعقد الثاني.

وأقول : نسبة هذه الحيلة إلى الشيخ على لم تثبت وعلى تقدير الثبوت هو مطالب بالدليل التام فإن ما أوردوه هنا غير تام بل هو مشتمل على تسامح وتساهل وغفلة عجيبة عن نكتة وهي ان العدة الأولى لم تسقط بالعقد الثاني الا بالنسبة الى صاحب العدة واما بالنسبة إلى غيره فهي باقية ولا دليل عندنا على إسقاطها.

نعم الطلاق الثاني وانقضاء المدة الثانية أو هبتها ليس شي‌ء منها موجبا للعدة والنص انما دل على هذا القدر ولا دلالة له على سقوط العدة السابقة بوجه وانما العدة ، المنفية فيه العدة الثانية بل نصوص وجوب العدة في الطلاق بعد الدخول وانقضاء المدة وهبتها بعده فيها عموم وإطلاق شامل لهذه الصورة وغيرها بل وقع التصريح في

٢٧٢

الأحاديث الكثيرة في فتوى علمائنا بأن العدة هنا واجبة على المرأة بالنسبة الى غير الزوج ساقطة عنها بالنسبة إليه فمن ادعى تخصيص هذا العام وتقييد هذا المطلق فعليه البيان وإثبات الدعوى بالدليل.

فان استدل بعموم ما دل على سقوط العدة في الحالة الثانية أجبنا بوجهين.

أحدهما : منع العموم فإنه إنما دل على عدم وجوب عدة جديدة بالسبب الحادث ولا دلالة له على سقوط الاولى بعموم ولا خصوص.

وثانيهما : بعد التسليم نقول قد تعارض العمومان وكل منهما قابل للتخصيص بالآخر والنص والفتوى والاحتياط يؤيد ما قلناه وكذا قولهم عليهم‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ابدا وانما تنقضه بيقين آخر والعدة الأولى متيقنة حتى يحصل اليقين بسقوطها والله اعلم.

ويحسن ان ينشد صاحب هذه الحيلة قول أبي فراس.

فقل لمن يدعى خيرا ومعرفة

حفظت شيئا وغابت عنك أشياء

٢٧٣

فائدة (٦١)

روى الصدوق في الأمالي وعيون الأخبار بإسناده عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن على عليه‌السلام قال : عقول النساء في جمالهن وجمال الرجال في عقولهم (١).

أقول : معناه يحتمل وجوها.

أحدها : ان يراد انه ينبغي ان يكتفى بجمالهن ولا يراد منهن العقول لندرتها فيهن فكأنه قال عقول النساء موجودة في جمالهن حيث ان الجمال يعنى عنها وهو عوض منها ولا يراد منهن ما يراد من العقلاء من التدبير والرأي.

وثانيهما : ان يراد ان عقلهن لازم لجمالهن غالبا فالتي هي أجمل أعقل من غيرها وإذا كبرت وذهب جمالها ذهب عقلها وقد قيل من حسن خلقه حسن خلقه والجمال يطلق على الحسن والخلق والخلق.

وثالثها : ان يكون المراد ان عقولهن مصروفة في جمالهن اى ان همتهن في التجمل وكسب الجمال بالأدوية والأغذية والمحسنات من الدهن والصبغ والطيب ، وجمال الرجال في عقولهم ، فهمة الرجال ليست في التجمل بل في كسب العقل وتكميله وتحصيل العلم فان العقل ورد بمعنى العلم لأنه مصدر بمعنى التعقل ولذلك يقال العلم والجهل والعقل والجهل والعقل والجنون فمقابلته بالجهل قرينة على ارادة معنى العلم منه.

__________________

(١) الأمالي ص ٢٢٨ ح ٩ المجلس الأربعون

٢٧٤

ورابعها : ان يراد عقول النساء مخفية في جمالهن لان جمالهن ظاهر للناس منظور للعقلاء ، وعقولهن لضعفها وندورها لا تظهر بالنسبة إلى الجمال فكأنه سترها وغطاها وأخفاها والقول في عقول الرجال وجمالهم بالعكس.

وخامسها : ان يراد عقول النساء كائنة في جمالهن بمعنى ان ذات الجمال منهن تميل النفوس إليها وتقبل القلوب عليها وترضى الناس عقلها وان كان ضعيفا فإن زيادة الجمال تجبره وغير ذات الجمال لا تميل إليها النفوس وان كان عقلها أحسن من عقل الجميلة فكان عقل كل واحدة منهن كائن في جمالها فالجمال يبديه ويقويه وعدمه يخفيه ويوهيه وان كان قربا بالنسبة الى ما دونه.

وسادسها : ان يكون استفهاما إنكاريا في الفقرتين كأنه قال أتظنون ان عقول النساء في جمالهن فأنتم تميلون الى الجميلة ولا تسئلون عن عقلها ليس الأمر كذلك بل العقل ينفك عن الجمال فيوجد منهما بدون الأخر فينبغي ان لا تكتفوا فيهن بالجمال بدون العقل بل يكون الغرض الأهم عندكم العقل ويكون الجمال مقصودا لكم بالتبعية لا بالأصالة.

ويؤيد ذلك ما روى في عدة أحاديث من النهى عن تزويج المرأة لأجل مالها أو جمالها والأمر بتزويجها لدينها (١).

وفي الحديث من كان عاقلا كان له دين (٢).

ومن المعلوم ان العقل الصحيح يدعو الى الدين ويهدى اليه ويدل عليه فوجود الدين دليل على وجود العقل وبالعكس وفي الفقرة الثانية كأنه عليه‌السلام يقول تظنون ان جمال الرجال في عقولهم وحدها ، ليس الأمر كذلك بل لا بد من وجود العلم والدين والصلاح والكرم والشجاعة والمروة الى غير ذلك من أقسام صفات الجمال والكمال فان العقل المنفرد عن هذه الصفات وأمثالها ناقص غير كامل فلا تكتفوا بمسمى العقل بل اعتبروا تمامه ونقصانه بوجود جنوده وعلاماته التي هي المقصودة من جهال

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٣٣

(٢) الكافي ج ١ ص ١١ ح ٦

٢٧٥

فائدة (٦٢)

روى الصدوق في عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن بسندهما عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : ان الله فوض الأمر إلى ملك من الملئكة فخلق سبع سموات وسبع أرضين فلما رأى الأشياء قد انقادت له قال : من مثلي فأرسل الله إليه نويرة من النار قلت : وما النويرة؟ قال نار مثل الأنملة (١) فاستقبلها بجميع ما خلق فتخللت حتى وصلت الى نفسه لما [ أن ] دخله العجب (٢).

أقول : فيه اشكال ثلاثة أحدها : انه يدل على التفويض بمعنى ان الله فوض أمر الخلق الى غيره والأحاديث دالة على بطلانه ، والأصحاب متفقون على ذلك فقد أنكروا على من ادعى ان الله فوض أمر الخلق والرزق الى محمد وآل محمد ص وسموهم المفوضة.

والجواب : ان الأحاديث دلت على إنكار التفويض بطريق العموم باعتبار مجموع الخلق والرزق لا باعتبار كل فرد ألا ترى انهم يقولون بصدور أفعال العباد عنهم ألا ترى الى قوله تعالى : ( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ). والى ما روى في عدة اخبار ان الله يبعث الى الجنين ملكين خلاقين يصوران ما يأمرهما (٣).

__________________

(١) نار بمثل أنملة خ م

(٢) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص ٢٩٩ المحاسن ص ١٢٣

(٣) علل الشرائع ص ٣٠٠ الكافي ج ٣ ص ١٦٢

٢٧٦

الى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة على ان الخلق له معان متعددة فلعل معنى المنفي غير معنى المثبت فالخلق بمعنى إنشاء صورة خاصة ونحو ذلك من الاعراض كالصور التي كان يضعها عيسى عليه‌السلام من الطين وكالصور التي يضعها أحدنا من طين أو شمع أو غيرهما فإن الصورة من الاعراض وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على ان الله هو المخصوص بخلق الأجسام والأرواح والعقول وغيرها.

وقد روى ان الصادق عليه‌السلام أنكر على رجل من المفوضة واحتج عليه بقوله تعالى ( أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ) فأفحم الرجل ولم يحر جوابا (١) ومثله كثير على انه يحتمل ان يكون الله يخلق الصورة عند فعل المخلوق ولا يكون المخلوق فاعلا لتلك الصورة

وثانيها : ان عصمة الملائكة مما دل عليه النص المتواتر وإجماع الإمامية وهذا الحديث ينافيها.

والجواب : ان الحديث غير صريح في ان ذلك قد عذب وأحرقته النار بل انما قارنته النار تخويفا له على ترك الاولى كما في أمثاله من المعصومين (ع) كما تضمنه كتاب تنزيه الأنبياء وغيره.

ووصول النار الى نفسه لا يستلزم الإحراق.

ولا نسلم ان جميع مراتب العجب محرمة بل أدنى مراتبه السرور بالحسنة والعبادة وهو محمود شرعا حيث لا يترتب عليه مفسدة أخرى فلعل الصادر عن ذلك الملك كان هذا القدر.

وثالثها : ان المشهور بين العلماء استحالة الخرق والالتئام في الأفلاك.

والجواب : ان هذا المشهور ليس عليه دليل قطعي كيف والمعراج يكذبه وهو متواتر ضروري وما قلتم هناك قلنا هنا والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه العلامة المجلسي ره في البحار عن اعتقادات الصدوق ره راجع ج ٢٥ ص ٣٤٤ ولعل المصنف ره أورد في هنا مضمون الحديث

٢٧٧

وقد استدلوا على جواز الخرق والالتئام في الأفلاك بأنها حادثة يجوز عليها العدم فكيف لا يجوز عليها الخرق والالتئام وقد حاول بعض المتأخرين جعل هذا دليلا على قول بعض الحكماء الواحد لا يصدر عنه الا واحد.

فقلت له : هذا انما تضمن خلق سبع سموات وسبع أرضين ولا دلالة على باقي الأشياء وأيضا فهذه النار ليست من خلقه الملك فهذا بعينه يبطل الدعوى.

٢٧٨

فائدة (٦٣)

اختلف العلماء في حجية مفهوم الشرط والخلاف مشهور ودليل حجيته لا يخفى ضعفه ، وانه ظني وهي مسئلة أصولية فالعمل فيها بالدليل الظني يستلزم رد الآيات الكثيرة والروايات المتواترة بالنهي عن العمل بالظن فإنهم خصصوها بالأصول فليس لهم أن يستدلوا فيها بدليل ظني ومع ذلك فإن أكثر أدلتهم فيها ظنية ويلزم من ذلك رد الدليل القطعي السند والدلالة سواء العمل بالظني.

والذي ينبغي القطع والجزم به ويحصل منه العلم واليقين ولا يشك فيه منصف ان المتكلم قد يقصد مفهوم الشرط وقد لا يقصده وتتبع كلام الفصحاء والبلغاء يفيد القطع بذلك فكيف يوثق بقصد المتكلم له من غير قرينة ظاهرة على إرادته وأمثلة عدم إرادته أكثر من ان تحصى.

وأنا اذكر جملة منها ليعلم الناظر هذا المفهوم وهو أقوى المفهومات لا يوثق بإرادة المتكلم له فما الظن بما هو أضعف منه ، واقتصر على الأمثلة القرآنية ليظهر للمنصف أن الأمثلة من الحديث وكلام من يحتج بكلامه أضعاف أضعاف ذلك ويظهر من كثرة الأمثلة هنا ضعف حجيته جدا مع عدم القرينة الواضحة فان نوقش في بعض الأمثلة فإن المناقشة في المثال عندهم غير جائزة لأن غيره يغني عنه.

وان ادعى ان بعض الأمثلة له جواب شرط مقدر والمذكور ليس بجواب

٢٧٩

فقد تقرر عندهم انه لا يجوز تقدير شي‌ء من غير ضرورة وأي ضرورة إلى تقدير جواب في قولنا ان كان الإنسان ناطقا فالحمار ناهق على ان غيره يغني عنه.

وكل مثال من أمثلة المفهوم الذي يدعى حجيته يحتمل كونه من هذا القبيل وان ادعى هناك قرينة سقط البحث ، ولا يخفى أن النافي يكفيه مثال واحد بحيث يظهر عدم الاطراد فتنتفي الكلية ولا يمكن الاستدلال فكيف لا يقبل من النافي هذه الأمثلة الكثيرة ويقبل من مدعى الإثبات مثال واحد مع ضعف دليله واحتياجه الى القياس وغير ذلك مما ليس هذا محل ذكره وان داعي وجود القرينة في الأمثلة المذكورة على عدم ارادة المفهوم أمكن الخصم ان يدعى وجود القرينة على إرادته في الأمثلة التي قصد فيها المفهوم فيبقى ما لا قرينة فيه أصلا محتملا للأمرين.

ولعل من تتبع حق التتبع يرى ان المواضع التي لم يقصد فيها مفهوم الشرط أكثر مما قصد فيها وعلى تقدير التساوي بل أكثرية القصد فان وجود أمثلة كثيرة لم يقصد فيها كاف في ضعف حجيته نعم لو حصلت قرينة على ارادة المتكلم له فلا شك في اعتباره ولا خلاف فيه حينئذ.

فمن جملة الأمثلة التي لم يقصد فيها مفهوم الشرط قوله تعالى : ( وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلّا مُبْطِلُونَ ) (١) مع انهم كانوا يقولون ذلك ويعتقدونه قبل مجي‌ء الآية.

وقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٢) مع اتباعه واجب على من يحب الله وعلى غيره والفريقان مأموران به.

وقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) (٣) مع انها لا تنفد مع وجود الشرط وعدمه.

وقوله تعالى : ( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً ) (٤) مع ان المذكور

__________________

(١) الروم ـ ٥٨.

(٢) آل عمران ٣١.

(٣) لقمان ـ ٢٧.

(٤) لقمان ـ ٧.

٢٨٠