الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

أفعال « انتهى » وهي كما ترى.

وثانيها : ما وجهه به بعض الأصحاب أيضا من الحمل على ان فيه تقديما وتأخيرا وان أصله أو ذا رحم أو قرابة أو قطع مأثما وفيه أيضا بعد لاتفاق النسخ على ما نقلناه.

وثالثها : قراءة إن بالكسر على الشرطية كما هو الظاهر وقطع على المصدرية ويكون يمشى وما عطف عليه متعلق اليمين وكلم وما عطف عليه شرطه ويكون المقصد الزجر على كلام أبيه وما بعده فيتم قوله لا يمين على معصية الله ، والمصدر على هذا معطوف على محذوف يدل عليه الكلام دلالة ظاهرة اى كان مطلبه عقوقا أو قطع قرابة أو مأثما إلخ وهذا الوجه لا يخلو من قرب وان كان غيره أقرب.

ورابعها : ان يبقى الكلام على ظاهره ويقرأ إن بالكسر فقطع بصيغة الماضي من غير تكلف شي‌ء بما ذكر ويكون السؤال عما لو كان متعلق اليمين معصية وغير معصية أو كان المقصد الزجر عن محرم أو غيره أو الشكر على نعمة أو غيرها ولا يلزم كون السؤال على نسق واحد أو عن قسم واحد فورد الجواب بالتفصيل بان ما كان على معصية لم ينعقد وما عداه ينعقد وهذا أقرب الوجوه.

وخامسها : ان يقرأ كما هو الظاهر وكما مرّ في الرابع ويكون المطلب الزجر في الأربعة الأول أعني قوله ان كلم أباه أو امه أو أخاه أو ذا رحم والشكر في الثلاثة الأخيرة أعني قوله أو قطع قرابة أو مأثما أو أمرا لا يصلح فعله فيصير معصية أيضا ويطابق الجواب وهذا وان كان له وجه فلا يخلو من بعد والله أعلم.

٦١

فائدة (١٨)

في كتاب من لا يحضره الفقيه روى جميل عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه قال لا بأس بأن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلى فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلى وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت حتى يسجد (١).

أقول : هذا الحديث صحيح السند على اصطلاح المتأخرين ورواه الشيخ في التهذيب بإسناد مرسل عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلى والمرأة تصلي بحذاه قال : لا بأس (٢) هذا آخر الحديث في التهذيب وليس فيه الزيادة التي في الفقيه ويحتمل أن يكون فيه تحريف قريب الى الاعتبار وهو أن يكون قوله فان بالفاء أصله وان بالواو فتكون الجملة معطوفة على قوله لا بأس ويكون فائدة مستقلة لا تعليلا للحكم السابق.

فيمكن كونه من كلام الصادق ومن كلام الصدوق فهو مرسل كأمثاله ولو لا هذا التقدير أو نحوه لما كان الكلام منتظما لان التعليل لا يناسب الحكم المذكور.

__________________

(١) الفقيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ٢٤٧ ج ١

(٢) التهذيب ج ٢ صلى‌الله‌عليه‌وآله ٢٣٢

٦٢

ويحتمل وجه آخر هو قريب على تقدير صحة الفاء وانتفاء التحريف وهو أن يكون قوله وهو يصلى جملة معطوفة على قوله لا بأس أو على قوله يصلى وعلى التقديرين يكون الحكم مطلقا غير مقيد بحالة الاجتماع في الصلاة في وقت واحد ليلزم المحذور اللازم من كون الجملة حالية وهو عدم مناسبة التعليل للحكم بل يكون مخصوصا بحالة كون أحدهما غير مصل بقرينة التعليل والتقدير على ما قلناه لا بأس ان تصلى المرأة بحذاء الرجل ولا بأس ان يصلى هو بحذاء المرأة فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلخ فيفيد الحديث جواز اجتماعهما في حالة كون أحدهما مصليا والآخر غير مصل كما تضمنه التعليل وقد جزم بذلك صاحب المنتقى وهو الوجه.

ويحتمل على بعد أن يكون التعليل تاما باعتبار ان غير الحائض أشرف من الحائض والمصلى أشرف من غيره وإذا جاز الاجتماع في الصورة المذكورة جاز في الصلاة بطريق الأولوية كذا قال بعض المعاصرين.

وفيه نظر بل هو غير صحيح لان مقتضى الشرف هنا المنع من الاجتماع فلا أولوية بل يمكن عكس القضية إذ النص على جواز هذه الصورة من الاجتماع وقد كثر الخلاف في النص والفتوى في الاجتماع حال الصلاة حتى منع منه جماعة وذلك يدفع الأولوية التي توهمها هذا القائل.

واعلم ان الشيخ بهاء الدين قدس‌سره في الحبل المتين نقل هذا الحديث الى قوله تصلى مقتصرا عليه تاركا للتعليل وهو قرينة على وجود الواو موضع ألفا في قوله فان في النسخة التي كانت عنده من الفقيه والا لكان التعليل من جملة الحديث فعلى تقدير ما قلنا سابقا لا إشكال في حكمه ولا مخالفة له لشي‌ء من الاخبار وعلى تقدير ان يفهم منه الاجتماع حال صلاة كل منهما يمكن حمله على نفى التحريم دون الكراهة جمعا بين الاخبار والله تعالى أعلم.

٦٣

فائدة (١٩)

في الاحتجاج في حديث واما رحمك فمنكورة وقرابتك فمجهولة وما قرابتك [ وما رحمك ] منه الا كبنات الماء من خشفان الظباء (١).

أقول : ذكر أهل اللغة ان بنيات الطريق هي الطريق للصغار وان البنات التماثيل وخشفان الظباء أولاد الغزلان فالمعنى والله اعلم ان رحمه ورحمك في غاية التباعد كبعد دواب البر مثل الظبا عن طريق البحر والماء إذ لا يمكن سلوكه (٢) بوجه أو كبعد دواب البر التي لا تعيش في الماء عن دواب البحر التي لا تعيش في البر إذ لا قرابة بينهما ولا نسب غير الاجتماع في الجنسية وكذلك هنا فإن الأجنبي حقيقة أو مجازا كذي الرحم الكافر بالنسبة إلى المسلم لا يبقى ببنه وبين الأخر رحم ولا قرابة غير الاندراج تحت جنس واحد أو نوع واحد كالإنسان.

ويحتمل أن يكون قوله بنات الماء من النسبة إلى الأوطان فإنها متعارفة فيقال بنات أصفهان وأولاد خراسان فينسب الإنسان إلى وطنه كما ينسب الى أمه وأبيه والمعنى بذلك على هذا المخلوقات التي نشأت في الماء فنسب اليه كالسمك

__________________

(١) الاحتجاج ج ١ صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤١٨ باب مفاخرة الحسن بن على (ع) على معاوية لعنه الله وفيه. واما وصلتك فمنكورة إلخ.

(٢) إذ لا يمكنها سلوكه ـ خ

٦٤

ونحوه ولا شبهة في حصول إتمام المقابلة بين دواب البرّ ودوابّ البحر ولا حاجة على هذا الوجه الى اعتبار تفسير البنات بالتماثيل الصغار فلا يرد ما قد يرد عليه على ذلك التقدير من ان التماثيل مغايرة للممثلات وإطلاقها عليها نوع من المجاز وهو خلاف الظاهر ويناسب هذا من النثر قولهم هذا لا يكون حتى يجتمع النصب والنون ومن الشعر قول الشاعر :

ايها المنكح الثريا سهيلا

عمرك الله كيف يجتمعان

هي شامية إذا ما استقلت

وسهيل إذا استقل يمان

ويحتمل كون النبات بتقديم النون على الباء وهو يفيد البعد إذا النبات الذي في الماء لا يصل اليه الظبا بل هي أبعد رحما منه لاختلافهما في الجنسية ويبقى لفظ الرحم مجازا وأما نسخة الظنا بالنون فلا يظهر لها وجه مناسب ويقرب انها تصحيف والأولى هي الصحيحة والله تعالى أعلم.

٦٥

فائدة (٢٠)

في عيون الاخبار عن الرضا عليه‌السلام بعد الاحتجاج على سليمان المروزي في ان الإرادة حادثة وانها ليست عين ذاته تعالى يقول الرضا عليه‌السلام يا سليمان هل يعلم ان إنسانا يكون ولا يريدان يخلق إنسانا أبدا وان إنسانا يموت اليوم ولا يريد ان يموت اليوم؟ قال سليمان نعم قال الرضا عليه‌السلام فيعلم انه يكون ما يريد أن يكون ، أو يعلم انه يكون ما لا يريد أن يكون قال : يعلم انهما يكونان جميعا قال الرضا (ع) إذا يعلم ان إنسانا حي ميت قائم قاعد أعمى بصير في حالة واحدة وهذا هو المحال قال جعلت فداك فإنه يعلم انه يكون أحدهما دون الأخر قال : لا بأس فأيهما يكون الذي أراد ان يكون أو الذي لم يرد أن يكون قال سليمان الذي أراد ان يكون فضحك الرضا (ع) والمأمون وأهل المقالات الحديث (١).

أقول : هذه العبارة تحتمل وجهين أحدهما : ان يكون غلطا من سليمان وتحيرا منه في الأجوبة فإن هذا الحديث يتضمن كثيرا منه من هذا القبيل مع انه كان متكلم خراسان وأحضره المأمون طمعا في أن يقطع الرضا (ع) في الاحتجاج ويظهر جهله وعجزه فظهر من سليمان ما هو عجيب من الجهل والعجز والتحير والرجوع عن مذاهبه والتمسك بأشياء ضعيفة واهية وله وجهان أحدهما : هيبة الامام

__________________

(١) عيون الاخبار ج ١ صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٨٩

٦٦

عليه‌السلام وذلك من كراماتهم ومعجزاتهم كما اتفق لهشام بن الحكم مع الصادق (ع) رواه الكشي وغيره.

وثانيهما : ما أشار إليه الأئمة عليهم‌السلام من قولهم ما قام حق قط بإزاء باطل الأغلب الحق الباطل وذلك قوله تعالى : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) وعنهم عليهم‌السلام في قوله تعالى : ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) نحو ذلك وان النصرة في الدنيا بالحجة على الخصوم وعلى هذا يكون الرضا عليه‌السلام سأله هل يتعلق العلم بإيجاد شي‌ء ولا تتعلق الإرادة بإيجاده أصلا فقال سليمان نعم وهذا غلط من سليمان فيتعين من الامام (ع) بيان هذا الغلط له وللحاضرين ولا قصور فيه كما قد ظن فإن إظهار غلط الخصم المبطل لا ينافي الحكمة بوجه بل هو من مقتضاها

وقوله (ع) فإنه يكون ما يريد إلخ أي هل يتعلق العلم بوجود ما تعلقت الإرادة بوجوده أو بغيره فأجاب سليمان بان العلم يتعلق بوجود القسمين معا وظاهر هذا انه غلط من سليمان وتحير فلهذا الزمه الرضا (ع) بجواز تعلق العلم باجتماع النقيضين وهو محال فرجع سليمان عنه وهو انه يكون أحدهما وهو ما تعلقت به الإرادة خاصة فضحك الحاضرون من غلطه ورجوعه وتحيره.

والثاني : أن يكون المراد بالسؤال الأول هنا هل يتعلق العلم في الحال بما لا تتعلق الإرادة به في الحال بل في الاستقبال فيكون المراد بقوله ولا يريد أن يخلق إنسانا أبدا أي في هذا الوقت وفي مدة طويلة بعده لا دائما فيكون التأبيد بمعنى الزمان الطويل كما قالوه في تأويل ما احتج به اليهود من الرواية التي نسبوها الى موسى (ع) تمسكوا بالسبت ابدا.

واحتجوا بما ورد في التورية من إطلاق التأبيد على ذلك في استخدام العبد أو بمعنى آخر على وجه المجاز ومن القرائن على ذلك قوله ولا يريد ان يموت اليوم فان ظاهره انه يريد أن يموت في وقت آخر فيكون جواب سليمان صحيحا ويكون غرض الامام (ع) والله اعلم أن يقرره بان العلم يتعلق قبل تعلق الإرادة

٦٧

فتكون الإرادة غير العلم وتكون من صفات الفعل لا من صفات الذات وعلى هذا فجواب سليمان الثاني غلط ويكون السؤال الثاني لأجل إثبات ان الإرادة من صفات الفعل من حيث ان العلم يتعلق بوجود الشي‌ء الذي تتعلق الإرادة به لا بغير ما يتعلق بوجوده.

وهكذا كان ينبغي ان يكون جواب سليمان فلما صرح بتعلقه بالقسمين الزمه ما لزمه ولا يجوز حمل السؤال على انه عام في أفعال الله وأفعال العباد والا لكان إلزام الإمام له غير لازم مع ان العموم بعيد جدا عن السؤال بل لا وجه له والله أعلم.

٦٨

فائدة (٢١)

في باب ما يعاين المؤمن والكافر من الكافي حديث يقول فيه الامام هلكت المحاضرون ونجا المقربون. (١)

أقول : في الصحاح : الحضر بالضم العدو وفرس محضير ومحضار كثير العدو الحاضر الحي العظيم يقال حاضر طي أو هو جمع كسامر للمسمار وحاج للحجاج الحاضر المقيم ويقال على الماء حاضر وقوم حضار إذا حضروا المياه محاضر قال لبيد وعلى المياه محاضر خيام وحاضرته جاثيته عند السلطان وهو كالمغالبة والمكاثرة وقال قبل ذلك في الصاد المهملة حصره ضيق عليه وأحاط به يقال حصره العدو والحصر الضيق البخيل والحصير الملك لأنه محجوب والحصر العي وضيق الصدر أيضا والبخل والامتناع.

أقول : الحديث فيه ذكر لخروج صاحب الأمر عليه‌السلام وفي ذلك المقام أورد هذا الكلام وفي بعض كتب الحديث بالصاد المهملة وفي الكافي النسخ التي حضرت الآن بالضاد المعجمة.

فعلى الأول معناه هلك المستعجلون في غيبة المهدى عليه‌السلام التاركون للتسليم والصبر وانتظار الفرج ونجا المقربون المسلمون لأمر الله الصابرون لحكم

__________________

(١) في المطبوع عندنا : هلكت المحاضير ونجى المقربون ج ٣ صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٣٢.

٦٩

الله وعلى هذا فالهلاك بمعنى حرمان الثواب واستحقاق العقاب بترك الصبر والتسليم الواجبين.

وعلى الثاني فالمعنى هلك أكثر الأحياء والقبائل لكثرة الشك والشكاك منهم في أمر القائم (ع) أو لكثرة ما يقتل منهم أصحاب المهدى عليه‌السلام ونجا المقربون منهم.

وعلى الثالث المعنى هلك أكثر الحاضرين في ذلك الوقت.

وعلى الرابع هلك الذين يكاثرون الامام ويغالبونه ويحاربونه.

وعلى الخامس فالمعنى كالأول.

وعلى السادس قريب من الثاني وعلى المعنى الأخيرة قريب من السابعة فتدبر والله أعلم.

٧٠

فائدة (٢٢)

روى انكم تلقنون موتاكم عند الموت لا إله إلا الله. (١)

أقول : يحتمل كونه خطابا لأهل مكة (٢) فإنهم يقولون عند الجنازة لا إله إلا الله فقط فكان المراد بالتلقين ذكر ذلك عنده لحضور الروح فوق السرير حينئذ كما روى وقوله ونحن إلخ يكون إشارة الى أهل المدينة بمعنى انهم يلقنون موتاهم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويحتمل كون الكلام على هذا خبرا على ظاهره فيفيد التقرير بمعنى ان كل واحد من الأمرين جائز فالأول أقل المجزى في الفضيلة والثاني أفضل.

ويحتمل كونه على وجه الإنكار على المقتصرين على التهليل ويمكن ان يريد ان أهل المدينة يلقنون الشهادة بالرسالة فقط اما لكونه متضمنة للشهادة بالوحدانية أو لأنهم لا يعتريهم عنها ذهول عند السؤال ولا ينافي ذلك ما ورد من الأمر بتلقين أسماء الأئمة عليهم‌السلام للاستحباب فيجوز ترك الكل فكيف البعض ، والاقتصار على الشهادتين أو إحديهما اما لبيان الجواز والنص على نفى الوجوب كما قلناه أو لمراعاة التقية أو لأن الشهادة بالنبوة تستلزم الشهادة بالإمامة لأنها تستتبع الشهادة بأوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الكافي ج ٣ صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٢٢.

(٢) لبعض أهل مكة خ ل.

٧١

ويحتمل كون الحديث خطابا للعامة بمعنى انهم وان لقنوا موتاهم الشهادتين الا ان شهادتهم بالنبوة بمنزلة العدم لما تقدم بل لا يشهد بها كما ينبغي الا الخاصة فكان العامة يلقنون موتاهم لا إله إلا الله وحدها.

ويحتمل كونه خطابا للشيعة يعنى انكم تلقنون موتاكم الوحدانية والنبوة والولاية وتختمونه بلا إله إلا الله كما روى لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فان من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. (١) يعني إنكم تلقنون موتاكم لا إله إلا الله في أول التلقين وآخره وتكثرون من تلقينها وتؤكّدونها بالتكرار وفيه ما فيه وانما جوزنا الترديدات السابقة لجهالة حال الراوي وبلده والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب استحباب تلقين المحتضر صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٢٥.

٧٢

فائدة (٢٣)

في تفسير القاضي ( وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ ) أي إذا بلغوا ، واليتامى جمع يتيم وهو من مات أبوه من اليتم وهو الانفراد ومنه الدرة اليتيمة وهو اما على انه لما اجرى مجرى الأسماء كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى أو انه جمع على يتمى كأسرى لأنه من باب الآفات ثم جمع على يتامى كأسرى وأسارى (١).

أقول ومحل السؤال والاشكال قوله : لأنه من باب الآفات ووجهه ان التتبع قاضٍ بان ما كان على وزن فعيل يجمع على فعلى بفتح ألفا وسكون العين لكن لا يجمع على هذا الوزن الّا بشرطين أن يكون متضمنا للآفات والمكاره وغير منتقل إلى الاسمية فلا يجمع نحو حميد على حمدي لفوت الشرط الأول ولا ذبيح على ذبحي لفوت الثاني إذ ليس بمعنى المذبوح بل هو مختص بما بعد الذبح من الغنم فنقل إلى الاسمية وفي الحقيقة الأول شرط والثاني مانع فاذا حصل الشرط وانتفى المانع جمع فعيل على فعلى إذا كان بمعنى مفعول وإذا كان بمعنى فاعل فقد يحمل عليه من المشابهة في المعنى فيجمع مثله وذلك كثير من المقسمين لكن يفهم من معنى سائر أمثلة الآفات والمكاره كجريح وجرحى وقتيل وقتلى وأسير واسرى

__________________

(١) أنوار التنزيل ج ٢ صلى‌الله‌عليه‌وآله ٦٤ ط بيروت

٧٣

ومريض ومرضى وشتيت وشتى وغريق وغرقى وغير ذلك وقد أشار الى ذلك بعض المحققين.

ولا يعترض بان فعلى في جمع يتيم غير مستعمل لان له نظائر كثيرة من الجموع النادرة الاستعمال بل المهجورة ولا بان اليتيم ليس من الآفات المختصة بالموصوف بفعيل إذ هي واقعة بغيره لأنه يمكن باعتبار ذلك فيه ويجوز وصفه بحصول الآفة له باعتبار ذلك قطعا ولم يثبت الاختصاص بذلك المعنى من الاختصاص على ان اعتبار الحمل ممكن للمشاركة العنوية فقد حملوا كثيرا على المشابه معنى في الأحكام بل على الأضداد كما تقرر في محله.

وأيضا فليس الوزن مختصا بالآفات بل شامل للمكاره كما مر وقد صرحوا به فيمكن كون القاضي أشار الى الباب بذكر الآفات وجعلها كالعنوان اختصارا لظهور الحال أو تغليبا لأحد القسمين على الآخر.

ويمكن أن يقال بعدم الاحتياج الى هذا التوجيه وان الجمع بين اللفظين هناك لأجل الاستظهار في شمول الإفراد ليدخل ما يمكن المنازعة في دخوله في مفهوم الآفات وقوله إذا بلغوا من جملة الاحتمالات.

وقد ذكر بعض المفسرين وجها آخر أقرب وهو أن الخطاب للأوصياء اليتامى اى أعطوهم أموالهم بالإنفاق عليهم في حال الصغر وبالتسليم إليهم عند بلوغهم ورشدهم ووجه الأقربية ان المفهوم كون الخطاب لمن له أهلية الإيتاء كالوصي ومن كان له أهلية القبض والإيتاء كان له أهلية الإنفاق الا نادرا وربما يرد عليه انه أعم من الأوصياء أيضا لشموله سائر الأولياء شرعا.

ويمكن أن يجيب القائل به ان المدعى نزولها في الأوصياء وحكم غيرهم مستفاد من غيرها وتسميتهم يتامى بعد البلوغ مجاز وتوسع لقوله عليه‌السلام لا يتم بعد احتلام ونظيره قولهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يتيم ابى طالب لأنه كان ربّاه فاستعملوه بعد بلوغه وقوله تعالى : ( وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ) اى الذين كانوا سحرة ومثله كثير بل

٧٤

استعمال المشتق بمعنى الحال والماضي حقيقة فلا اشكال.

والحاصل ان الأول أعم بالنسبة إلى فاعل الإيتاء والثاني أعم بالنسبة إلى أوقاته مع انه لا يظهر مانع من الجمع بينهما فان اللفظ محتمل والعمل بالعام والمطلق متعين حتى يثبت المخصص والمقيد فيحكم بالتقييد والتخصيص وليس هذا من قسم احداث قول ثالث كما هو ظاهر ولو سلم لم يلزم منه رفع ما أجمعوا عليه.

[ ولو سلم فلا دليل على امتناعه ] وهذا بيان للاحتمالات ومما شاة للقاضي في اعتقاده والا فعندنا لا يمكن الجزم بتعيين مراد الله عزوجل بغير نص من الراسخين في العلم عليهم‌السلام.

٧٥

فائدة (٢٤)

في تفسير القاضي أيضا (١) ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ ) نهى للأولياء عن أن يؤتوا الذين لأرشد لهم أموالهم فيضيعوها وانما أضاف الأموال إلى الأولياء لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة وقيل نهى لكل أحد أن يعمد الى ما خول الله من المال فيعطى امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم وانما سمّاهم سفهاء استخفافا بعقلهم واستهجانالجعلهم قواما على أنفسهم وهوالحق وموافق لقوله ( الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ).

أقول : الإشكال في قوله نهى لكل أحد وقوله فيعطى امرأته وأولاده فإنه ينافي العموم فلا يكون كل أحد منهيا عن إيتاء السفهاء فإنه لو كان كل أحد فاعلا لم يبق مفعول يتعلق به الفعل وحل الاشكال من وجهين.

أحدهما : ان يكون مراده كل أحد غير النساء والأولاد من حيث انهم أزواج أو آباء فان الأولاد إذا كانوا أزواجا أو آباء كانوا منهيين من تلك الحيثية وقرينة سياق الكلام يدل على ذلك إذ لا ريب أن الإيتاء لا بد له من فاعل ومفعول بل مفعولين وفي هذا الوجه فسر المنهي والسفهاء وادعى العموم في الأول فوجب حمله على ما عدا الثاني ليكون المنهي صنفا من الناس والمفعول الأول صنفا منهم.

والثاني الأموال وبتقرير آخر [ يقول ] يفهم منه انه أراد العموم بمعنى نهى كل

__________________

(١) أنوار التنزيل للبيضاوى ج ٢ ص ٦٨ ط بيروت.

٧٦

أحد له زوجة أو ولد أوهما عن الإيتاء فلا يدخل الزوجة إذ لا يمكن أن يفرض لها زوجة ولا الولد من حيث كونه كذا وكله واضح.

وثانيهما : أن يكون المراد العموم في كل أحد من المكلفين باعتبار كل فرد فكل واحد سفيها كان أو غير سفيه منهي عن إيتاء ماله سفيها آخر لأنه لا يتصور إيتاء الإنسان نفسه مع ان له وجها أيضا باعتبار الحجر عليه ومنعه من الإنفاق فكل واحد من غير السفهاء منهي عن إيتاء ماله كل واحد من السفهاء وكل سفيه منهي عن إيتاء ماله السفهاء ومنهي عن إيتائه المال والاختلاف والمغايرة بين الفاعل والمفعول بحسب الاعتبار في الصورة الثانية والحكمان ثابتان لكل سفيه ولا منافاة لما ذكرنا وهذا يتم من حيث ان الحكم على المرأة ليس من حيث كونها زوجة لفاعل الإيتاء بل من حيث كونها ضعيفة العقل كما صرح به فيتصور كونها منهية عن إيتاء امرأة أخرى أو ولدا وكذا الولد لم يثبت له الحكم من حيث كونه ولدا بل من حيث عدم أهلية الولاية على أبيه فيمكن كونه منهيا عن إيتاء ولده وعن إيتاء النساء وكل من خرج عن الأهلية ولا قصور في تناول المنهي للسفهاء وغيرهم لما مر.

ونظير العبارة السابقة قوله تعالى : ( زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ) (١) فان الناس يفيد العموم فيرد الاشكال السابق في النساء والبنين لدخولهم أولا إذا الناس بمعنى كل إنسان وهو مثل قوله كل أحد فلا بد من أحد التوجيهين أو نحوها ويحتاج التقرير إلى مغايرة ما ، وقد نقل الطبرسي عن جماعة من المفسرين ان السفهاء النساء والصبيان قال ورواه أبو الجارود عن ابى جعفر عليه‌السلام وعن بعضهم ان المراد النساء خاصة وعن بعضهم انه عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير قال : وقريب منها روى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : السفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه (٢) قال الطبرسي : وهذا القول أولى لعمومه انتهى.

__________________

(١) آل عمران ١٣

(٢) مجمع البيان ج ٣ ص ٥ ـ ٦

٧٧

وأقول : الوجه الأول يؤيد ما ذكرناه أخيرا في الجملة والخلاف في اشتراط الصغر إذ هو الذي يفهم من الصبيان دون الأولاد.

وقد استشكل السائل هذه العبارة من وجه آخر فقال : الظاهر منها ان الذي يعمد الى ما خوله الله من المال هو المسمى بالسفيه ويدل عليه قوله واستهجانا لجعلهم فيكون السفهاء الأزواج والآية تدل على انهم غيرهم والنهى متعلق بهم.

والحاصل ان قول صاحب القيل يدل على ان السفيه الباذل والآية يدل على انه هو المبذول اليه فأجبته بأن [ في ] كون الظاهر هو هذا بعدا ، ولو سلم نقول الظاهر هنا غير مراد لمنافاته لأول الكلام وآخره وللآية إذا الغرض تفسير من توجه إليه النهى وتفسير السفهاء والفعل الصادر عن المنهي مستهجن باعتبار تعلقه بالسفهاء ولولاه ما توجه إليه النهى.

وبالجملة الحمل على خلاف الظاهر متعين مع قرينة وصارف عن الظاهر أو نقول هذا القول غير سديد أو غير خال من التعقيد على ان الظاهر الذي يمكن فهمه هو ما ذكرناه سابقا وذلك ان قوله وقيل هو نهى لكل أحد أن يعمد الى ما خوله الله من المال فيعطى امرأته وأولاده صريح في ان كل أحد هو المنهي وان المرأة وأولادهم السفهاء وان مفعول الإعطاء هو السفيه لا فاعله وقول القابل لا يدل على ان الباذل هو السفيه لوجه من الوجوه.

ويدل على ما قلناه صريحا قوله : وانما سماهم سفهاء استخفافا بعقلهم فإنه بيان لعلة السفه في النساء بل والأولاد أيضا وعلى الأول : فالتذكير باعتبار كونهم سفهاء وعلى الثاني. تغليبا كأمثاله وقوله واستهجانا لجعلهم لا ينافيه إذا الملاحظة في السفه حال المجعولين لا حال الجاعلين وكله ظاهر واضح والله أعلم.

٧٨

فائدة (٢٥)

حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه (١) قد خطر ببالي وجوه اثنى عشر وقد ذكر العلماء بعضها.

الأول : انه لما حركت النفس البدن والروح الجسد لزم من معرفة ذلك له معرفة أن للعالم مدبرا وللسكون محركا فمعرفة النفس من جملة الأدلة الموصولة إلى معرفة الرب.

الثاني : ان من عرف ان نفسه واحدة وانها لو كانت اثنتين لا مكن التعارض والممانعة عرف ان الرب واحد و ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ).

الثالث : من عرف ان النفس تحرك بالجسد بإرادتها علم انه لا بد للعالم من محرك مختار للقطع بوجوب كمال الخالق وتنزهه عن النقص وللعلم بامتناع الحركة والتأثير ممن عدمت نفسه وفارقت بدنه.

الرابع : من عرف انه لا يخفى على النفس أحوال الجسد علم انه لا يعزب عن الباري مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء لامتناع علم المخلوق وجهل الخالق تعالى.

الخامس : من عرف ان النفس ليست إلى شي‌ء من الجسد أقرب منها إلى

__________________

(١) أخرجه أيضا المحدث القمي ره في السفينة ج ٢ ص ٦٠٣ والسيد عبد الله الشبر في مصابيح الأنوار ص ٢٠٤ ج ـ ١

٧٩

شي‌ء منه علم ان نسبة الأشياء كلها الى قدرة الله تعالى وعلمه على السواء.

السادس : من عرف ان النفس موجودة قبل البدن باقية بعده عرف ان ربه كان موجودا قبل المخلوقات وهو باق بعدها لم يزل ولا يزال.

السابع ، من عرف ان نفسه لا يعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف ان ربه كذلك بطريق اولى.

الثامن : من عرف انه نفسه لا يعرف لها مكان ولا يعلم لها اينية عرف ان ربه منزه عن المكان والاينية.

التاسع : من عرف ان النفس لا تحس ولا تمس ولا تدرك بالحواس الظاهر عرف ان الله سبحانه كذلك.

العاشر : من عرف نفسه علم انه أمارة بالسوء فاشتغل بمجاهدتها وبعبادة ربه ومن عبد الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة ومن عصاه فكأنه لم يعرفه إذ لم ينتفع بمعرفته فهو أسوأ حالا ممن لم يعرفه فكأنه قال من عرف نفسه جاهده وعبد ربه ومن عبده فقد عرفه حق المعرفة وحصل له ثمرة العلم به وهذا ما خطر بخاطري ولم يذكره أحد فيما اعلم.

الحادي عشر : من عرف نفسه بصفات النقص عرف ربه بصفات الكمال إذ النقص دل على الحدوث فيلزم ملازمة الكمال المقدم.

الثانى عشر : انه علق محالا على محال اى كما لا يمكن معرفة حقيقة النفس كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الرب فيجب ان يوصف بما وصف نفسه تعالى والله أعلم.

٨٠