الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

ومنها : قولهم (ع) دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف وأمسك من طريق إذا خفت ضلالته فان الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال (١) ودلالته ظاهرة كما مر في مثله.

ومنها : قولهم (ع) من ترك قول لا أدرى أصيبت مقاتله (٢) دل على وجوب التوقف وترك الحكم بما لا يعلم وقد عرفت مصداقه.

ومنها : قولهم (ع) لا ورع كالوقوف عند الشبهة (٣) دل على انه أوجب أنواع الورع وأعظمها.

ومنها قولهم عليهم‌السلام وانما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى (٤) دل على ان ما عدا اليقين شبهة وأنه لا يجوز العمل فيها الا بيقين وهو نوعان العلم بحكمها الخاص والعمل به أو بحكمها العام من التوقف والعمل بالاحتياط الذي يحصل منه اليقين ببراءة الذمة من التكليف.

ومنها : قولهم عليه‌السلام حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك (٥) ودلالته ظاهرة مما سبق.

ومنها : قولهم (ع) أورع الناس من وقف عند الشبهة (٦) وقد ثبت وجوب الورع بالتواتر.

ومنها : قولهم (ع) الورع الذي يتورع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه ، ودلالته ظاهرة مما سبق ويأتي.

ومنها : قولهم (ع) ان الشك والمعصية في النار ليسا منا ولا إلينا (٧) ودلالته على

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٥) ج ٣ ص ٣٨٨

(٦) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٧) ج ٣ ص ٣٨٨

٥٠١

تحريم العمل بالشك والجزم بأحد الطرفين ظاهرة كدلالته على تحريم ارتكاب المعصية فتعين العمل في الشك بما يفيد اليقين كما مر بيانه.

ومنها : قولهم (ع) حجة الله على العبادان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون (١) وقد عرفت وجه دلالته وعمومه وان آخره أعم من القول وغيره.

ومنها : قولهم (ع) في اختلاف الحديثين عليك بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا (٢) ودلالته لا يخفى وإطلاقه شامل لغير اختلاف الحديث.

ومنها : قولهم (ع) ان من أجاب في كل ما يسأل عنه فهو المجنون (٣) دل على وجوب التوقف فيما لا يعلم.

ومنها : قولهم (ع) أورع الناس من وقف عند الشبهة وأعبد الناس من أقام الفرائض وأزهد الناس من ترك الحرام (٤) ودلالته على الوجوب ظاهرة مع ملاحظة باقي الفقرات.

ومنها قولهم عليهم‌السلام الإثم ما تردد في الصدر وجال في القلب وان أفتاك الناس وأفتوك (٥) على ان ارتكاب الشبهات أثم ولا ريب في وجوب ترك الإثم.

ومنها : قولهم (ع) ان وضح لك أمر فاقبله والا فاسكت تسلم ورد علمه الى الله (٦) ودلالته واضحة.

ومنها : قولهم (ع) العامل على غير بصيرة كالسائر على سراب بقيعة لا يزيده سرعة السير الا بعدا (٧) ودلالته على وجوب اجتناب الشبهات واضحة لعدم البصيرة في ارتكابها.

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٣) أيضا ج ٣ ص ٣٨٨

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٥) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٦) أيضا ج ٣ ص ٣٨٩

(٧) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

٥٠٢

ومنها : قولهم (ع) : دع ما يريبك الى ما لا يريبك (١). ودلالته وعمومه ظاهران.

ومنها : قولهم (ع) ان لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى أو شك ان يقع فيه (٢) ودلالته على ذم ارتكاب المشتبهات ظاهرة مع قرينة التصريح في غيره.

ومنها : قولهم (ع) المعاصي حمى الله فمن يرتع حولها أو شك ان يدخلها (٣) وهو كالذي قبله.

ومنها : قولهم (ع) ان لكل ملك حمى وحمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك كما لو ان راعيا رعى إلى جانب الحمى لم تثبت غنم ان تقع في وسطه فدعوا المشتبهات (٤). وهذا أوضح مما قبله ودلالته على الوجوب لا تخفى

ومنها : قولهم عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت (٥) دل على الأمر بالاحتياط للدين وعلى التخيير عند تعدد طرف الاحتياط.

ومنها قولهم عليهم‌السلام القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (٦).

وهذا كما ترى صريح في وجوب التوقف في كل ما لا يعلم حكمه من الأقسام السابقة ولا مجال الى حمله على الاستحباب للتصريح باستحقاق أشد العذاب وفيه تصريح بأن الضابط عدم العلم فمن حكم بحق أو باطل وهو لا يعلم دخل في التهديد والوعيد ، ومن توقف واحتاط عمل على علم ويقين ، ودليله يقيني وعمله يفضي

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٨

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٥) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٦) الوسائل ج ٣ ص ٣٩٠

٥٠٣

اليه والقضاء هو الحكم قطعا فمن اجترى على الشبهات وما لا نص فيه فقد حكم لنفسه ولغيره.

ومنها : قولهم عليهم‌السلام أوصيك بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلها والصمت عند الشبهة وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل والزم الصمت تسلم (١) وهو صريح كما ترى.

ومنها : قولهم عليهم‌السلام انما هلك الناس العجلة ولو ان الناس تلبثوا لم يهلك أحد (٢) ودلالته على وجوب التوقف وان من تركه هلك واضحة وهو صريح في حصر سبب الهلاك في ترك التوقف ولا يخفى ما فيه من المبالغة والمنافاة للحمل على الاستحباب.

ومنها قولهم : عليهم‌السلام الأناة من الله والعجلة من الشيطان (٣) وهو أيضا صريح في وجوب التوقف في الأحكام الشرعية التي لا يعلم حكمها لان طاعة الله واجبة وطاعة الشيطان محرمة انما يأمركم بالسوء والفحشاء فهو مناف للقول بالاستحباب كأمثاله مما لا يعد ولا يحصى.

ومنها : قولهم عليهم‌السلام إذا اشتبه عليكم الأمر فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا (٤) ودلالته على الأمر بالتوقف قطعية ولازمه ترك المشتبه من غير جزم بجواز ولا تحريم الى ان يعلم حكمه.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلالي حلال الى يوم القيمة وحرامي حرام الى يوم القيمة الى ان قال وبينهما شبهات من الشيطان من تركها صلح له أمر دينه ومن تلبس بها وقع فيها وان لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه فتوقوا حمى الله ومحارمه (٥) وهو واضح الدلالة كما عرفت سابقا.

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

(٥) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

٥٠٤

ومنها : قولهم عليهم‌السلام ابدأ بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في التوقف ونبذ كل شائبة أدخلت عليك شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة (١). ودلالته ظاهرة وعمومه واضح ومبالغته.

ومنها : قولهم عليهم‌السلام ان القوم سنح لهم شيطان اغترهم بالشبهة بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير ورد ما جهلوه من ذلك الى عالمه ومستنبطه لأن الله يقول ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) يعنى آل محمد عليهم‌السلام (٢). وهذا صريح قطعي الدلالة ينافي الحمل على الاستحباب ويدل على ان الضابط العلم بالحكم والواجب التوقف عند عدم العلم.

ومنها : قولهم (ع) ما من أحد أغير من الله ومن أغير ممن حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن (٣) ، ودلالته واضحة كما عرفت في الآيات.

ومنها : قولهم (ع) في قوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ ) قال هؤلاء أهل البدع والشبهات والشهوات يسود الله وجوههم يوم يلقونه (٤) ودلالته واضحة ومنافاته للحمل على الاستحباب ظاهرة.

ومنها : قولهم (ع) في قوله تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) قال هم النصارى والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل البدع (٥) وهذا كالذي قبله دال ودلالته واضحة على وجوب اجتناب الشبهات.

ومنها : قولهم (ع) إياك أن تعمل برأيك شيئا وخذ بالاحتياط في جميع

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩ وفيه والرغبة إليه في التوفيق : مكان في التوقف

(٢) أيضا ج ٣ ص ٣٨٩

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩.

(٤) أيضا ج ٣ ص ٣٨٩.

(٥) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٩

٥٠٥

أمورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الأسد (١) وهو صريح في الأمر والعموم.

ومنها : قولهم (ع) من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه (٢) ، ومعلوم ان الاحتياط في الدين عند أهل الدين واجب كما ان الاحتياط في الدنيا عند أهلها واجب.

ومنها : قولهم (ع) لبعض الزنادقة وان كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا نحن وإياكم شرعا سواء لا يضرنا ما صلينا وصمنا وحججنا (٣) وان كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا (٤) وهذا استدلال على عدم جواز إنكار التوحيد والمعاد وحدوث العالم بوجوب دفع الضرر والخوف عن النفس فصار ذلك دليلا تاما عقليا نقليا لا مجال لحمله على الاستحباب وهو بعينه شامل فما نحن فيه جار في مسئلة التوقف والاحتياط في الأقسام السابقة.

فهذه جملة من الأحاديث تجاوزت حد التواتر بمراتب لأنا أوردنا أكثر من خمسين حديثا وقد صرح علمائنا بأنه قد يحصل التواتر بما دون الخمسة وهو هنا كذلك قطعا عند من عرف أحوال رواتها والكتب المنقولة منها ودلالتها لا تقصر عن دلالة شي‌ء من أدلة الأحكام الشرعية إلا نادرا وتصريحاتها كما رأيت كثيرة ولو تتبعنا كتب الحديث لأمكن جمع أضعاف ما جمعنا وفيما ذكرناه كفاية للمنصف إن شاء الله وليت شعري أي مسئلة فيها أدلة وروايات أكثر وأوضح دلالة من هذه المسئلة.

وأما الوجوه العقلية فمنها ما ذكره الشيخ في العدة وقد تقدمت عبارته وقد عرفت انه منصوص أيضا وحاصله ان دفع الضرر واجب عقلا فان العقلاء يذمون تاركه كما إذا شك أحد في شي‌ء انه غذاء أو سم قاتل فتناوله فان كل عاقل يذمه وهذه المناهي الواردة في الشبهات ونحوها تحتمل الكراهة والتحريم على قولكم

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ص ٣٩٠

(٢) أيضا ج ٣ ص ٣٩٠

(٣) وزكينا. مكان حججنا ـ خ م

(٤) الكافي ج ١ ص ٧٨

٥٠٦

واحتمال استحقاق العقاب أقوى وأعظم خطرا وضررا من الضرر المفروض.

ومنها : ان العقلاء اتفقوا على انه مع إمكان تحصيل العلم واليقين في الحكم الشرعي لا يجوز العمل بالظن والعقلاء يذمون من فعل ذلك قطعا وفي هذه المسئلة تحصيل العلم واليقين ببراءة الذمة بالتوقف والاحتياط ممكن لأنه المفروض فيتعين.

ومنها : ان الناس يعملون في الأمور الدنيوية بنهاية الجزم والاحتياط فيقبح منهم التسامح والتساهل والتهاون بالأمور الدينية بل العقل يجزم بوجوب العكس أو الاحتياط فيهما.

ومنها : ان الاحتياط في الدين راجح إجماعا من جميع العلماء والعقلاء وتركه مرجوح كذلك والعقلاء يذمون تارك الراجح ومرتكب المرجوح.

ومنها : ان ترك المباح لا مفسدة فيه ولا خطر بخلاف فعل الحرام والمشتبه به فيتعين على العاقل اجتناب ما فيه مفسدة وخطر.

ومنها : ان العبد إذا عرض له طريقان فقال له مولاه ان سلكت اليمنى لم أعاقبك ابدا وان سلكت اليسرى فقد أعاقبك وقد لا أعاقبك فاختار اليسرى ذمه العقلاء وهو معنى الواجب العقلي.

ومنها : ان العبد إذا شك بين فعلين فصاعدا ان السيد نهاه عن بعضها أو عن جميعها ثم اجترأ وارتكب الجميع فإنه يستحق الذم من العقلاء والعقاب من السيد وكذلك المكلف فإنه يجزم بتحريم بعض الشبهات ويجوز تحريم الجميع.

ومنها : ان اليقين حاصل بتحريم محرمات كثيرة بعضها نعلمه وبعضها لا نعلمه وانه لا يقاوم اليقين الظن لذم العقلاء من فعل ذلك وبالتوقف والاحتياط يحصل اليقين فيقاوم اليقين السابق فيتعين.

ومنها : ان من شك في الإفراد المفروضة بين الإباحة والتحريم فان جزم بأحدهما لزم الترجيح بغير مرجح وهو محال عندهم وان جزم بهما لزم اجتماع الضدين وكذا ان جزم بنفيهما فتعين التوقف ومصداقه الترك بغير حكم بأحدهما.

٥٠٧

ومنها : ان المكلف حينئذ أوجب عليه الحكم بغير دليل لزم تكليف مالا يطاق والمفروض عدم الدليل وان جاز له ولم يجب لزم المحذورات السابقة فلم يبق الا الاختيار.

ومنها : ان الدليل الذي استدلوا به على الإباحة ضعيف جدا جوابه ظاهر ولا يجوز الحكم بغير دليل فتعين التوقف فإن العامة والخاصة القائلين بأصالة الإباحة استدلوا عليها بدليل واحد فقالوا : هذه منافع خالية من المفسدة والضرر على المالك فكانت مباحة كاستظلال بحائط الغير.

وجوابه ظاهر لأنه قياس وهو باطل ولأنه مصادرة فان الخلو عن المفسدة والضرر عين محل النزاع وإذا كان المالك هو الله فأي ضرر يتوجه عليه بالمحرمات التي تحريمها ثابت فظهر ان وجود الضرر على المالك هنا ليس بضابط للتحريم فلا وجه لذكره ، ودعوى عدم المفسدة لا يمكن إثباتها فكيف يقبله الخصم ومن تأمل ظهر له أنه استدلال بأصالة الإباحة على أصالة الإباحة

ومنها : ان ما استدل به المعاصر لو تم وخلا عن المعارض لا يدل على الإباحة الأصلية بل الشرعية فالدليل لا يطابق الدعوى ولا تثبت الشرعية بما ذكره إلا في أنواع خاصة لا نزاع فيها لا في جميع الأنواع إلا في طريق الحكم كما مر

ومنها : ان ما ذكروه من دليل الإباحة يعارضه دليل التحريم وضعفهما التوقف

ومنها ما اتفق العقلاء عليه من قبح التصرف في مال الغير بغير اذنه بل هو قبيح عقلا ونقلا فامتنع الجزم بالإباحة والتحريم وتعيين التوقف وهذا دليل القابل بأصالة التحريم ودلالته على التوقف يظهر لان الجزم بالتحريم أيضا تصرف بغير اذن بخلاف التوقف والاحتياط الثابت عقلا ونقلا

ومنها : ان التصرف في مال المخلوق وولايته وما يختص به قبيح عقلا ونقلا بغير اذن فكيف يجوز ذلك في مال الخالق وما يختص به من الأمور الدينية والأحكام الإلهية مع ان احترامه أوجب وعقوبته أبلغ وأشد فتعين التوقف مع عدم ظهور الاذن.

٥٠٨

ومنها : ان العقلاء والعلماء اتفقوا على حسن التوقف في الأشياء المذكورة ورجحانه وانما الخلاف في وجوبه واستحبابه وترك فعل المستحب لا مفسدة فيه بخلاف ترك الواجب فتعين التوقف.

فهذه من الوجوه العقلية بعضها يدل على رجحان التوقف مع المنع من النقيض وبعضها على رجحانه لان الوجوب مركب من القيدين فيندفع المناقشة المتجهة على بعضها وإذا جمعت الآيات والروايات وهذه الوجوه تم الدليل والله الهادي إلى سواء السبيل.

فان قلت : الخلاف في أصالة الإباحة مخصوص بما قبل ورود الشرع وأما بعده فلا خلاف فيها فان الشيخ في العدة استدل من جانب القائل بالإباحة بقوله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) وأجاب بأنا لا نمنع ان يدل الدليل السمعي على ان الأشياء على الإباحة بعد أن كانت على الوقف بل عندنا ان الأمر على ذلك واليه نذهب انتهى.

قلت : الإجماع ممنوع بل كثير من المتقدمين والمتأخرين يصرحون بخلاف ذلك وعبارة الشيخ لا اشعار لها بدعوى الإجماع ومعلوم ان الشيخ يقول بالإباحة بعد ورود الشرع في الأشياء التي ورد فيها النص بالإباحة لا الأشياء التي ورد النص فيها بالتحريم ولا الأشياء التي ورد النص فيها بالتوقف أعنى الشبهات ، وتصريحاته وتصريحات غيره بما قلناه كثيرة.

الا ترى أنه قال في ترجيح الاخبار ما حاصله ان من قال بأصالة الإباحة يرجح خبر الإباحة عند التعارض ومن قال بأصالة التحريم يرجح حديث التحريم ونحن نقول بالوقف فلا ترجيح عندنا ومعلوم ان ترجيح حديث التحريم ونحن نقول بالوقف فلا ترجيح عندنا ومعلوم ان ترجيح الاخبار بعد ورود الشرع لا قبله ويعلم من هنا ان من قال بالإباحة والحظر أو الوقف قبل ورود الشرع قائل بذلك القول بعينه بعد ورود الشرع في محله لكن لا مطلقا ، بل في مسئلة لم يرد فيها شرع فان ورود الشرع في مسئلة أخرى غير المسئلة المتنازع فيها لا فائدة فيه.

٥٠٩

ويظهر من كلام الشيخ وغيره ان المراد بورود الشرع وصول النص الشرعي إلى المكلف وبعدم ورود الشرع عدم وصول نص الشارع إليه في تلك المسئلة فتبقى على حكم ما قبل ورود الشرع والا فإن زمان عدم ورود الشرع لا وجود له والشبهات انما هي مشتبهة بالنسبة الى حال المكلف لا انها مشتبهة في نفس الأمر أو بالنسبة الى الامام وهذا كله ظاهر والله الموفق.

٥١٠

فائدة (٩٧)

اعلم ان كثيرا من علماء العامة ينكرون لعن الكفار والفساق ، وبعضهم لا يجوز لعن أحد أصلا وكذلك جماعة من الصوفية لأن قدماءهم كلهم من العامة حتى ان الغزالي صرح في كتاب احياء العلوم بعدم جواز لعن قاتل الحسين (ع) وبعضهم صرح بعدم جواز لعن إبليس وقد أرادوا سد هذا الباب لوجود جميع أسباب اللعن أو أكثرها في أئمتهم ورؤسائهم وقد مال الى ذلك بعض الإمامية الإن وذلك عجيب جدا.

وقد سألني بعض الأصحاب ان اجمع له جملة من الآيات والروايات تصلح للرد عليهم.

فاما الآيات.

فالأولى ـ قوله تعالى : في سورة البقرة ( وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ) (١).

الثانية قوله تعالى فيها ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ ) (٢).

__________________

(١) البقرة ـ ٨٩

(٢) البقرة ـ ١٥٩

٥١١

الثالثة : قوله تعالى فيها ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١).

الرابعة : قوله تعالى في آل عمران ( ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٢).

الخامسة : قوله تعالى فيها ( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ ) (٣).

السادسة : قوله تعالى في سورة النساء ( وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلّا قَلِيلاً ) (٤).

السابعة : قوله تعالى فيها ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ) (٥).

الثامنة : قوله تعالى فيها ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (٦).

التاسعة : قوله تعالى فيها ( وَإِنْ يَدْعُونَ إِلّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللهُ ) (٧).

العاشرة : قوله تعالى : في سورة المائدة ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ ) (٨).

الحادي عشرة قوله تعالى فيها ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ) (٩).

الثانية عشر : قوله تعالى فيها ( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا ) (١٠).

__________________

(١) البقرة ـ ١٦١

(٢) آل عمران ـ ٦١

(٣) آل عمران ـ ٨٧

(٤) النساء ـ ٤٦

(٥) النساء ـ ٥٢

(٦) النساء ـ ٩٣

(٧) النساء ـ ١١٧

(٨) المائدة ـ ١٣

(٩) المائدة ـ ٧٨

(١٠) المائدة ـ ٦٤

٥١٢

الثالثة عشرة قوله تعالى : في سورة الأعراف ( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) (١).

الرابعة عشرة قوله تعالى : في سورة براءة ( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ) (٢).

الخامسة عشرة قوله تعالى : في سورة هود. ( وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ) (٣).

السادسة عشرة قوله تعالى فيها. ( فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً ) (٤).

السابعة عشرة قوله تعالى في سورة الرعد ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ ) (٥).

الثامنة عشرة : قوله تعالى في سورة الحجر ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلّا تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٦)

التاسعة عشرة : قوله تعالى في سورة الأسرى ( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٧).

العشرون : قوله تعالى في سورة الأحزاب ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٨).

الحادية عشرة قوله تعالى فيها : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

__________________

(١) الأعراف ٤٤

(٢) التوبة ٦٨

(٣) هود ـ ٦٠

(٤) هود ٩٩

(٥) الرعد : ٢٥

(٦) الحجر ـ ٣٥

(٧) الاسراء ـ ٦٠

(٨) الأحزاب ٥٧

٥١٣

وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) (١).

الثانية والعشرون قوله تعالى فيها ( وَقالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (٢).

الثالثة والعشرون : قوله تعالى : في سورة ص ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلّا إِبْلِيسَ ) إلى قوله ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٣).

الرابعة والعشرون : قوله تعالى في سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ).

الخامسة والعشرون : قوله تعالى : في سورة الفتح ( وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ ) (٤) فهذه جملة من الآيات الشريفة القرآنية الواردة في اللعن والأسباب التي تظهر منها أنواع أحدها : الكفر وهو أنواع وله معان مشهورة

وثانيها : كتم العلم ولا بد من تقييده بإمكان الإظهار للدليل.

وثالثها : الكذب.

ورابعها : الظلم ولا يخفى أنه شامل لترك كل واجب وفعل كل حرام لأنه ظلم اما للنفس أو للغير ، ولأنه وضع الشي‌ء في غير موضعه وهو حقيقة.

وخامسها : الايمان بالجبت والطاغوت.

وسادسها : قتل المؤمن.

وسابعها : الشيطنة وتعاطي اعمال الشياطين.

وثامنها : نقض الميثاق.

__________________

(١) الأحزاب ـ ٦١

(٢) الأحزاب ـ ٦٨

(٣) ص ٧٨

(٤) الفتح ـ ٦

٥١٤

وتاسعها : فعل المعصية ولا يخفى عمومه وإطلاقه.

وعاشرها : التعدي على الناس وتجاوز الحد.

وحاديعشرها : عدم التناهي عن المنكر.

وثاني عشرها : القول بأن يد الله مغلولة وفسر بأنه فرغ من الأمر فلا يغير شيئا.

وثالث عشرها : النفاق.

ورابع عشرها : إنكار آيات الله.

وخامس عشرها : متابعة أمر الجبارين.

وسادس عشرها : نقض العهد.

وسابع عشرها : الإفساد في الأرض وعمومه في جميع المعاصي ظاهر.

وثامن عشرها : ترك السجود الذي أمر الله به.

وتاسع عشرها : قطيعة الرحم.

والعشرون : الكون من الشجرة الملعونة في القرآن وفسرت ببني أمية.

والحادي والعشرون : إيذاء الله ورسوله.

والثاني والعشرون : الكون من سادات الضلال وكبرائهم.

والثالث والعشرون : الشرك.

والرابع والعشرون : ظن السوء بالله الى غير ذلك مما يفهم من الآيات الشريفة.

وأما الروايات الشريفة فهي أكثر من أن تحصى ومن أرادها فليرجع الى كتب الحديث المشتملة على الأحكام الشرعية بل وأحاديث الأصول وغيرها فإن أكثر الواجبات ان لم يكن كلها : قد ورد لعن تاركها ، وأكثر المحرمات ان لم يكن كلها قد ورد لعن فاعلها وأكثر الاعتقادات الصحيحة قد ورد كفر منكرها ولعنه وأكثر الاعتقادات الفاسدة قد ورد كفر صاحبها ولعنه ، وأما لعن المتقدمين على أمير المؤمنين عليه‌السلام والمحاربين له فالذي ورد فيه أكثر من ان يحصى واجتماع أسباب اللعن فيهم أو أكثرها أوضح من أن يخفى ، قد وردت به روايات علماء السنة

٥١٥

فضلا عن روايات الشيعة وكذا لعن كل من خالف في الإمامة وكذا لعن بنى أمية وكذا لعن الصوفية عموما وخصوصا

وقد روى الشيخ الثقة الجليل عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال عن محمد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمي جميعا عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار ومحمد بن عيسى عن على بن مهزيار عن ابى جعفر يعني الثاني عليه‌السلام في حديث قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (١)

وناهيك بهذا الحديث الشريف الصحيح السند الصريح الدلالة وما اشتمل عليه من التأكيد والمبالغة مع ضم الآيات القرآنية السابقة حجة على من توقف في ذلك ، وقد روى في عدة أحاديث معتمدة أن ولاية النبي والأئمة (ع) لا تقبل إلا بالبراءة من أعدائهم وانه تجب عداوة الكافر والفاسق وتحرم محبتهما وموالاتهما.

وقد كنت أردت أن اجمع جملة من الأحاديث الواردة في هذا المعنى ثم وقفت على رسالة للمحقق الشيخ على بن عبد العالي العاملي (٢) في تحقيق أمر اللعن وذكر جملة من الأدلة العقلية والنقلية من الآيات والروايات من طريق العامة والخاصة ، فلم اجمع الأحاديث واكتفيت بالإشارة الا انه لم يجمع من الأحاديث إلا القليل والقدر الذي جمعه يشفي العليل ويروى القليل.

وقد قال رحمه‌الله في تلك الرسالة لا ريب ان اللعن من الله هو الطرد والابعاد من الرحمة وإنزال العقوبة بالمكلف وكل فعل أو قول اقتضى نزول العقوبة بالمكلف من فسق أو كفر فهو يقتضي لجواز اللعن ، ويدل عليه قوله تعالى ( وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) رتب اللعن على الكذب وهو انما يقتضي الفسق.

وقوله تعالى : ( أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) اى على كل ظالم لان الجمع المعرف

__________________

(١) الكشي ط كربلاء ص ٤٤٤ وط دانشگاه ص ٥٢٩

(٢) المطبوعة جديدا في بلدة طهران

٥١٦

للعموم ، والفاسق ظالم لنفسه كما يرشد اليه قوله تعالى ( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) حيث جعله سبحانه قسيما للمقتصد وقسيما للسابق بالخيرات.

وقد روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لعن الله الكاذب ولو كان مازحا ، ولعن جمعا من ذوي المعاصي.

فإن قيل فيجوز اللعن لكل ذنب.

قلنا : لا ريب ان الكبائر مجوزة للعن ، وأما الصغائر فإنها تقع مكفرة نعم لو أصر عليها ألحقت بالكبائر وصار اللعن بها سائغا انتهى؟ ثم بين ان اللعن يجب تارة ويستحب أخرى وأطال المقام في الاستدلال (١)

__________________

(١) راجع نفحات اللاهوت للمحقق الكركي ص ٤٤ ـ ٤٥ ط طهران مكتبة نينوى

٥١٧

فائدة (٩٨)

سأل بعض الفضلاء عن الشبهة التي يجب اجتنابها كيف خصصتموها بالشبهة في نفس الحكم الشرعي دون طريق الحكم وما حدهما وما الدليل على التقسيم وعلى هذا يكون شرب التتن داخلا في القسم الثاني.

الجواب : حد الشبهة في نفس الحكم الشرعي ما اشتبه حكمه الشرعي أعني الإباحة والتحريم كمن شك في ان أكل الميتة حلال أو حرام ، وحد الشبهة في طريق الحكم الشرعي ما اشتبه فيه موضوع الحكم الشرعي مع كون محموله معلوما كما في اشتباه اللحم الذي يشترى من السوق انه مذكى أم ميتة مع العلم بأن الميتة والمذكى حلال ، وهذا التقسيم يستفاد من أحاديث الأئمة (ع) ومن وجوه عقلية مؤيدة لتلك الأحاديث ويأتي جملة منها ويبقى قسم آخر متردد بين القسمين وهو الأفراد التي ليست بظاهرة الفردية لبعض الأنواع وليس اشتباهها بسبب شي‌ء من الأمور الدنيوية كاختلاط الحلال بالحرام بل اشتباهها بسبب أمر ذاتي أعنى اشتباه صفتها في نفسها كبعض إفراد الغناء الذي قد ثبت تحريم نوعه واشتبهت أنواعه في إفراد يسيرة وبعض أفراد الخبائث الذي قد ثبت تحريم نوعه واشتبهت بعض افراده حتى اختلف العقلاء فيها ، ومنه شرب التتن.

وهذا النوع يظهر من الأحاديث دخوله في الشبهات التي ورد الأمر باجتنابها وهذه التفاصيل تستفاد من مجموع الأحاديث ونذكر مما يدل على ذلك وجوها.

٥١٨

منها : قولهم (ع) كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه.

فهذا وأشباهه صادق على الشبهة التي في طريق الحكم الشرعي فإن اللحم الذي فيه حلال وهو المذكى وحرام وهو الميتة قد اشتبهت أفراده في السوق ونحوه كالخبز الذي هو ملك لبائعه أو سرقة مغصوب من مالكه وكذلك سائر الأشياء داخل تحت هذه القاعدة الشريفة المنصوصة فإذا حصل الشك في تحريم الميتة مثلا لا يصدق عليها ان فيها حلالا وحراما.

ومنها : قولهم (ع) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك وهذا انما ينطبق على ما اشتبه فيه نفس الحكم الشرعي والا لم يكن الحلال البين موجودا لوجود الاختلاط والاشتباه في النوعين من زمان آدم إلى الان بحيث لا يوجد الحلال البين ولا الحرام البين ولا يعلم أحدهما من الأخر الأعلام الغيوب وهذا ظاهر واضح

ومنها : أنه قد ورد الأمر البليغ باجتناب ما يحتمل التحريم والإباحة بسبب تعارض الأدلة وعدم النص ونحوهما وذلك واضح الدلالة على اشتباه نفس الحكم الشرعي.

ومنها : أنه قد ورد النهى عن اجتناب كثير من إفراد الشبهات في طريق الحكم الشرعي كقولهم (ع) في اللحم والجبن ونحوهما اشتر من أسواق المسلمين وكل ولا تسأل عنه ونحو ذلك.

ومنها : ان ما ورد في وجوب اجتناب الشبهات ظاهر العموم والإطلاق شامل لاشتباه نفس الحكم الشرعي وللافراد الغير الظاهرة الفردية وغير ذلك ، خرج منه الشبهات في طريق الحكم الشرعي بالأحاديث التي أشرنا إليها والوجوه التي يؤيدها فبقي الباقي ليس له مخصص صريح.

ومنها : ان في ذلك وجه الجمع بين الاخبار لا يكاد يوجد وجه أقرب منه.

ومنها : ان نفس الحكم الشرعي يجب سؤال النبي والامام عنه وكذا الأفراد التي ليست بظاهرة الفردية وقد سئل الأئمة (ع) عنه من ذلك فأجابوا

٥١٩

وطريق الحكم الشرعي لا يجب سؤال الأئمة (ع) عنه ولا كانوا يسألون عنه وهو واضح بل علمهم بجميع أفراده غير معلوم أو معلوم العدم لكونه من علم الغيب فلا يعلمه الا الله وان كانوا يعلمون منه ما يحتاجون اليه وإذا شاءوا أن يعلموا شيئا علموه.

ومنها : ان اجتناب الشبهة في نفس الحكم الشرعي أمر ممكن مقدور لأن أنواعه قليلة لكثرة الأنواع التي ورد النص بإباحتها والأنواع التي ورد النص بتحريمها وجميع الأنواع التي تعم بها البلوى منصوصة وكل ما كان في زمان الأئمة (ع) متداولا ولم يرد النهى عنه فتقريرهم فيه كاف.

واما الشبهة في طريق الحكم الشرعي فاجتنابها غير ممكن لما أشرنا إليه سابقا وعدم وجود الحلال البين فيها وتكليف ما لا يطاق باطل عقلا ونقلا ووجوب اجتناب كل ما زاد على قدر الضرورة حرج عظيم وعسر شديد وهو منفي لاستلزامه وجوب الاقتصار في اليوم والليلة على نعمة واحدة وترك جميع الانتفاعات الا ما استلزم تركه الهلاك ، والاعتذار بإمكان الحمل على الاستحباب لا يفيد شيئا لأن تكليف ما لا يطاق باطل بطريق الوجوب والاستحباب كما لو كان صعود الإنسان إلى السماء واجبا أو مستحبا فلان كلاهما محال من الحكيم

ومنها : انه قد ثبت وجوب اجتناب الحرام عقلا ونقلا ولا يتم الا باجتناب ما يحتمل التحريم مما اشتبه حكمه الشرعي ومن الإفراد التي ليست بظاهرة الفردية وما لا يتم الواجب الا به وكان مقدورا فهو واجب عندهم الى غير ذلك من الوجوه وأن أمكن المناقشة فيه في بعضها فمجموعها دليل تام كاف شاف في هذا المقام والله أعلم بحقائق الأحكام.

وأما حصر المطعومات والمشروبات فلا يفيد هنا لعدم صدق الوصفين على شرب التتن ، والتعبير عنه بالشرب مجاز قطعا كما في قوله تعالى ( وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) (١) وقولهم (ع) أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة (٢) لأنه قد اشرب

__________________

(١) البقرة : ٩٣

(٢) الكافي ج ١ ص ٥٤

٥٢٠