الفوائد الطوسيّة

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

الفوائد الطوسيّة

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مكتبة المحلاتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٦٢

فائدة (٥٧)

قال الشيخ بهاء الدين في شرح الأربعين في الحديث الأول قوله عليه‌السلام : من حفظ على أمتي أربعين حديثا مما يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه الله عزوجل يوم القيمة فقيها عالما.

ما هذا لفظه : من حفظ الظاهر ان المراد الحفظ عن ظهر القلب فإنه هو المتعارف المعهود في الصدر السالف ، فان مدارهم كان على النقش في الخواطر لا على الرسم في الدفاتر حتى منع بعضهم بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي عن ظهر القلب وقد قيل ان تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة ولا يبعد ان يراد بالحفظ الحراسة على الاندراس بما يعم الحفظ من ظهر القلب والكتابة والفعل بين الناس ولو من كتاب وأمثال ذلك انتهى (١).

وقال الشهيد الثاني في شرح الدراية : اختلفوا في ما تجوز به رواية الحديث فأفرط قوم وفرط آخرون الى ان قال واما من فرط وشدد فمنهم من قال لا حجة فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره وهذا المذهب يروى عن مالك وابى حنيفة وبعض الشافعية ومنهم من أجاز الاعتماد على الكتاب بشرط بقائه في يده ولو بإعارة ثقة والا لم يجز الرواية منه لغيبته عنه المجوزة لتغييره وهو دليل من منع الاعتماد على الكتاب والحق المذهب الوسط وهو جواز الرواية بهما ولكن أعلاها ما اتفق من حفظه ويجوز من كتابه وان خرج من يده مع أمن المتغير على الأصح « انتهى »

__________________

(١) الأربعين ص ٧.

٢٤١

أقول للعبارة الأولى فيها غفلة عجيبة جدا وأصلها من علماء العامة قطعا كما يشعر به العبارة الثانية وصرح به في غيرها وهو من جملة تمويهاتهم الواهية ومغالطاتهم الواضحة كما ستطلع عليه ان شاء الله ومعلوم ان أحاديثهم لم تدون ولم تكتب الا بعد مائة سنة من الهجرة بل بعض علمائهم ذكر ان كتابة حديثهم انما وقعت في آخر المائة الثانية أو بعدها ، صرح بذلك ابن ابى العزافر من علماء العامة فيكف يجوز لعلماء الخاصة نقل هذه العبارة وقبولها وعدم تقييدها بأحاديث العامة ولو قيدت بذلك لخلت عن الفائدة وبالتتبع يظهر ان سلفهم لم يكن لهم مزيد اعتناء واهتمام برواية الأحاديث كما كان لسلف الإمامية وأحاديث العامة أيضا قليلة جدا بالنسبة إلى أحاديث الخاصة خصوصا في الأحكام الشرعية.

وقد صرح بهذا المعنى الشيخ بهاء الدين في رسالته في دراية الحديث (١) وقبله الشهيد في الذكرى وغيرهما والتتبع شاهد صدق به وكانت قد كثرت عندهم الأحاديث جدا وما كانوا يرجعون فيها الى نقل الأئمة المعصومين عليهم‌السلام فصارت أخبار آحاد خالية من القرائن ثم جاء المتأخرون منهم فدونوها بعد مدة طويلة واعتذروا للسلف بما ذكره الشيخ بهاء الدين.

وهو عذر غير صحيح منهم وانما نشأ لحسن ظنهم بسلفهم مع انهم كانوا منافقين أو أكثرهم ولو كان الحفظ أوثق من الكتابة لما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكتابة الوحي وهو معصوم من الخطأ والنسيان وفي الأمة حينئذ مثل أمير المؤمنين وفاطمة والحسنين (ع) والجميع أيضا معصومون من النسيان ، والقرآن قليل جدا بالنسبة إلى الأحاديث التي لا تكاد تحصى كيف وفي كل أسبوع كان يتجدد منها أضعاف القرآن غالبا.

وقال ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٢) الصحيح ان أول من صنف في الإسلام أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع كتاب الله ثم سلمان الفارسي ثم أبو ذر الغفاري ثم الأصبغ بن نباته ثم عبد الله بن ابى رافع ثم الصحيفة الكاملة عن زين العابدين عليه‌السلام « انتهى ».

__________________

(١) راجع ص ١٥ من الوجيزة في الدراية في الخاتمة

(٢) ص ١ بعد المقدمة.

٢٤٢

وقد تواتر النص بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بكتابة جميع التنزيل والتأويل بل بكتابة جميع السنة وما ألقاه إليه من الأحاديث والأحكام الشرعية بل بكتابة ما كان وما يكون الى يوم القيمة وامره أن يكتب ذلك لشركائه فقال من شركائى قال الأئمة من ولدك مع عصمتهم وكتاب على عليه‌السلام ومصحف فاطمة (ع) والخبر والجامعة وصحيفة الفرائض وغير ذلك مما كتبه على عليه‌السلام بيده واملاءه عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ان من يحصى وأشهر من ان يخفى قد تجاوز النص به حد التواتر.

وحديث اللوح الذي نزل من السماء مكتوبا فاخده جابر من يد فاطمة وكتبه وهو مشتمل على أسماء الأئمة (ع) وأحوالهم والنص عليهم وكتابة الأئمة (ع) له ومقابلة الباقر عليه‌السلام له مع جابر لا يمكن إنكاره ولا الشك فيه وكتاب سلمان مشهور في الاخبار مذكور في الآثار ومصحف ابن مسعود ورواياته المدونة مشهورة أيضا لا تنكر

وكتب ابن عباس التي ألفها وكتبها ودونها في التفسير وغيره كثيرة مشهورة بين العلماء إلى الان مروية بالطرق الكثيرة.

وهذا كتاب سليم بن قيس الهلالي الذي صنفه في زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وكتبه وعرضه على الأئمة (ع) مشهور معروف مذكور في كتب الرجال موجود إلى الإن وعندنا منه نسختان ونسخته كثيرة متعددة في أصفهان وقم وقزوين وكاشان وجبل عامل وغير ذلك.

وهذا كتاب ابن ابى رافع مذكور في كتب الرجال وهو كتاب كبير من أول الفقه الى آخره ومصنفه من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام وهذه عهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كتبت في زمانه بامره لعماله ليعملوا بها هم وأهل ذلك الزمان ومن بعدهم وهي مروية في كتب الاخبار والآثار.

وهذه كتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي كتبت في زمانه بامره مشهورة مروية وهذه عهود أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسنين وسائر الأئمة عليهم‌السلام التي كتبوها بخطوطهم وبأمرهم وكذلك كتبهم ووصاياهم ، ورسائلهم وجوابات مسائلهم المدونة مروية في الكتب

٢٤٣

المعتمدة كما تضمنه نهج البلاغة في باب مفرد طويل جدا.

وكتاب الاحتجاج وكتاب الرسائل للكليني وغير ذلك وهذه الكتب المؤلفة في زمان الأئمة عليهم‌السلام بأمرهم المعروضة عليهم صححوها وأثنوا على مصنفيها وأمروا بالعمل بها كثيرة مذكورة في كتب الرجال يطول الكلام بذكرها وتفصيلها.

وهذه الأصول الاربعمأة التي كتبت وصنفت في زمان الأئمة صلى‌الله‌عليه‌وآله أشهر من أن يخفى.

وقال النجاشي في أول كتاب الرجال ذكر الطبقة الأولى : أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اسمه أسلم كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما بشره بإسلام العباس أعتقه الى ان قال وكان من خيار الشيعة وابناه عبيد الله وعلى كاتبا أمير المؤمنين عليه‌السلام « انتهى » (١).

ومعلوم ان كل ما كتباه بامره عليه‌السلام كان من الحديث وهذا من الصحابة.

ثم قال النجاشي : ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا وذكر سنده إلى رواية الكتاب عن ابى رافع ( عن على بن ابى رافع ) عن على بن ابى طالب عليه‌السلام انه كان إذا صلى قال في أول الصلاة ثم ذكر الكتاب بابا بابا الصلاة والصيام والحج والقضايا « انتهى ».

ثم قال النجاشي ولابن ابى رافع كتاب آخر وهو على بن ابى رافع تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان كاتبا له وحفظ كثيرا وجمع كتابا في فنون من الفقه ، الوضوء والصلاة وسائر الأبواب ثم ذكر سنده إلى رواية الكتاب ثم قال ربيعة بن سميع روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام له كتاب في زكوات النعم ثم ذكر سنده إلى رواية ذلك الكتاب.

ثم قال سليم بن قيس الهلالي له كتاب ثم ذكر سنده إلى رواية ذلك الكتاب ثم قال الأصبغ بن نباتة كان من خاصة أمير المؤمنين عليه‌السلام روى عهد الأشتر

__________________

(١) النجاشي ص ١ ـ ٥

٢٤٤

ووصيته الى ابنه ثم ذكر سنده الى روايتهما.

ثم قال عبد الله بن الحر الجعفي الفارس الفاتك الشاعر له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثم ذكر ابان بن تغلب وانه روى عن على بن الحسين وله كتب منها تفسير غريب القرآن وكتاب الفضائل وغير ذلك ، ثم ذكر انه روى ثلثين الف حديث.

وقال الشيخ الأجل محمد بن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء (١) نقلا عن المفيد انه قال صنف الإمامية في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام الى عهد ابى محمد الحسن العسكري أربعمائة كتاب يسمى الأصول فهذا معنى قولهم له أصل.

وقال المحقق في المعتبر روى عن الصادق عليه‌السلام من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل الى أن قال حتى كتبت من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف سموها أصولا « انتهى » (٢).

ولا منافاة بين العبارتين « إذ » لا مانع من الجميع بل ينبغي الجزم به بل بأكثر منه فان كثيرا من الرواة صنف ثلاثين كتابا وبعضهم مائة كتاب وبعضهم الف كتاب وهو يونس بن عبد الرحمن فإنه صنف الف كتاب في الرد على العامة وثلثين كتابا في غير ذلك.

وقد روى حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي عن مشايخه الف كتاب من كتب الحديث كما ذكروه.

وتضمن كتاب الرجال لميرزا محمد بن على الأسترآبادي ستة آلاف وستمائة كتاب وزيادة من مؤلفات علماء الإمامية وروايتهم ولعل أكثرها قد صنف في المائة الاولى ولا ريب ان هذه الثمانمأة كتاب المذكورة في العبارتين أكثرها قد كتب

__________________

(١) ص ١ بعد المقدمة.

(٢) المعتبر ص ٤ ط الحجرية القديمة.

٢٤٥

وصنف في المائة الاولى والأحاديث الدالة على الأمر بكتابة الحديث والقرآن أكثر من أن تحصى قد تجاوزت حد التواتر فلو كان مرجوحا وغيره أوثق منه لتعين الأمر بالراجح والنهى عن المرجوح ولا يوجد ذلك أصلا.

وهذه أدعية الصحيفة الكاملة وكتابة الباقر عليه‌السلام لها بإملاء أبيه عليه‌السلام إياها وكتابة زيد بن على لها بإملاء أبيه مشهورة متواترة ومقابلتها مذكورة مروية وهذا حديث بلال رواه الصدوق رئيس المحدثين في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) وفي كتاب الأمالي وغيرهما في فضل الأذان ووصف الجنة وغير ذلك وهو طويل كتبه عبد الله بن على بإملاء بلال وهو من الصحابة والحديث مشتمل على أحاديث كثيرة.

والكتب التي كانت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفعها عند موته الى الحسن عليه‌السلام ثم دفعها الى الحسين (ع) ثم أودعها الحسين عند أم سلمة لما توجه الى كربلاء وخاف ان يقتل وتقع الكتب في يد الأعداء أو تيقن ذلك فلما رجع على بن الحسين عليهما‌السلام دفعتها اليه ثم دفعها إمام الى امام وردت لها الاخبار والآثار التي لا تدفع وكانت كلها من الأحاديث المكتوبة في زمن الرسول (ص) وما قاربه (٢).

وقال الصدوق في أول كتاب إكمال الدين ان الأئمة (ع) قد أخبروا بالغيبة ووصفوها لشيعتهم واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل ان تقع الغيبة بمأتي سنة أو أقل أو أكثر فليس أحد من اتباع الأئمة الا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول المدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم‌السلام قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين « انتهى » (٣).

__________________

(١) ج ١ ص ٢٩٢.

(٢) راجع كتاب الحجة من الكافي.

(٣) إكمال الدين ص ١٩.

٢٤٦

ومعلوم ان الغيبة كانت سنة مأتين وستين فظهر ان الكتب المشار إليها كلها أو أكثرها قد كتب في المائة الأول وكلها كانت من الأحاديث.

وروى الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين انه لما افتتح البصرة اجتمع الناس عليه ومنهم حسن البصري ومعه الألواح فكان كلما لفظ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكلمة كتبها الحديث (١) وانظر الى باب ما عند الأئمة عليهم‌السلام من الكتب في الأصول في أصول الكافي والى باب فضل الكتابة والتمسك بالكتب وغيرهما من أبواب الكتاب الكافي فإنه كاف في ذلك فكيف إذا انضم الى غيره من كتب الحديث والرجال.

ولو أطلقنا عنان القلم في هذا المجال لأكثر وأطال وأورث الملال وأعقب الكلام بما كتب وقال ولم يقدر على استيفاء المقام والمقال فلا تفتر بأمثال هذا الكلام الذي أصله من العامة ونقله بعض المتأخرين من الخاصة على وجه الغفلة فلا تظن ان كتاب الحديث ومقابلته لم يقعا في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وما قاربه ولا تظن ان الحفظ عن ظهر القلب أوثق من الكتابة بل الأمر بالعكس والوجدان شاهد به فان النسيان كالطبيعة الثانية للإنسان والنص المتواتر دال على ان الكتابة أوثق من الحفظ ، وانه ينبغي كتابة الحديث وانه يعتمد على الكتابة بعد التصحيح والمقابلة ولنتبرك بإيراد شي‌ء يسير من الأحاديث المشار إليها.

روى الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني في الكافي بسنده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال القلب يتكل على الكتابة (٢).

وعن ابى عبد الله عليه‌السلام اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا (٣).

وعنه عليه‌السلام قال : احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها (٤).

وعنه عليه‌السلام قال : اكتب وبث علمك في إخوانك فإذا مت فأورث كتبك بنيك

__________________

(١) الاحتجاج ج ١ ص ٢٥١.

(٢) ج ١ ص ٥٢ ح ٨.

(٣) ج ١ ص ٥٢ ح ٩.

(٤) ج ١ ص ٥٢ ح ١٠.

٢٤٧

فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلا بكتبهم (١).

وعنه عليه‌السلام قال أعربوا حديثنا فانا قوم فصحاء (٢).

وعنه عليه‌السلام انه ذكر حديثا في فضل زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم قال اكتب هذا الحديث بماء الذهب (٣).

وعنه (ع) في حديث فضل الأئمة (ع) الى أن قال يجب ان يكتب هذا الحديث بماء الذهب (٤).

وعن الرضا عليه‌السلام في حديث الكنز الى ان قال فقلت جعلت فداك أريد أن اكتبه فضرب يده والله الى الدواة ليضعها بين يدي فتناولت يده فقبلتها وأخذت الدواة فكتبته (٥)

وعن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام انه قيل له ان مشايخنا رووا عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم يرووا عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب إلينا فقال حدثوا بها فإنها حق (٦).

وعن حمزة بن الطيار انه عرض على ابى عبد الله عليه‌السلام بعض خطب أبيه. الحديث

وعن ابن فضال ويونس قالا عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه‌السلام على ابى الحسن الرضا عليه‌السلام فقال هو صحيح (٧).

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٥٢.

(٢) ص ٥٢.

(٣) الوافي ج ٢ ص ٢٠٨ أبواب الزيارات.

(٤) أورده المحدث القمي في سفينة البحار ج ٢ ص ٤٦٩ والمؤلف في الوسائل عن الصفار.

(٥) الكافي ج ٢ ص ٥٩.

(٦) الكافي ج ١ ص ٥٣.

(٧) الوسائل ج ٣ ص ٣٧٨.

٢٤٨

وروى الشيخ الجليل رئيس المحدثين أبو جعفر بن بابويه في كتاب الأمالي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال المؤمن إذا مات فترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيمة سترا بينه وبين النار وأعطاه الله تعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات الحديث (١).

أقول : والأحاديث في ذلك كثيرة جدا اقتصرنا على اثنى عشر منها للتبرك.

وينبغي ان نذكر نبذة من الأحاديث الشريفة في التحذير من طريقة العامة والاغترار بكلامهم وتتبع كتبهم ونقتصر من ذلك أيضا على اثنى عشر حديثا.

فنقول روى الكليني بإسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : بادروا أحداثكم بالحديث قبل ان تسبقكم اليه المرجئة (٢).

وعنه عليه‌السلام لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير ان الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم (٣)

وعنه عليه‌السلام قال : فليذهب الحكم يمينا وشمالا فإنه فو الله لا يؤخذ العلم الا عند أهل بيت نزل عليهم جبرئيل (٤).

وعنه عليه‌السلام قال اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا (٥).

وعن ابى جعفر عليه‌السلام قال ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضى بقضاء حق الا ما خرج من عندنا أهل البيت وإذا تشعبت لهم الأمور كان الخطاء منهم والصواب من على (٦).

__________________

(١) الأمالي المجلس العاشر ص ٣٨ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٧.

(٣) الكافي ج ١ ص ٣٣.

(٤) الكافي ج ١ ص ٤٠٠.

(٥) الوسائل ج ٣ ص ٣٧٦.

(٦) الكافي ج ١ ص ٣٩٩.

٢٤٩

وروى ابن بابويه في العلل وعيون الاخبار والشيخ في التهذيب عن على

بن أسباط قال قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال : ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشي‌ء فخذ بخلافه فان الحق فيه (١).

وفي العلل عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة فقلت لا أدرى فقال ان عليا عليه‌السلام لم يكن يدين الله الا خالف عليه الأمة إلى غيره ارادة لا بطال أمره وكانوا يسئلون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الشي‌ء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس (٢).

وفي رسالة القطب الراوندي عن ابن بابويه بإسناده عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ما أنتم والله على شي‌ء مما هم فيه ولا هم على شي‌ء مما أنتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شي‌ء (٣).

وعنه عليه‌السلام قال والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتباع غير ناوان من وافقنا خالف عدونا ومن وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منهم (٤).

وفي عيون الاخبار عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال من أصغى الى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وان كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ثم قال الرضا عليه‌السلام إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا وانه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه (٥).

وفي آخر السرائر عنه عليه‌السلام انه قيل له انا نأتي هؤلاء المخالفين فنستمع منهم الحديث فيكون حجة لنا عليهم فقال لا تأتهم ولا تسمع منهم لعنهم الله ولعن مللهم

__________________

(١) عيون الاخبار ج ١ ص ٢٧٥ علل الشرائع ص ٥٣١.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٥٣١.

(٣) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٢ كتاب القضاء ح ٣٥.

(٤) الوسائل ج ٣ ص ٣٨٢ كتاب القضاء ح ٣٦.

(٥) عيون الاخبار ج ١ ص ٣٠٤.

٢٥٠

المشركة (١).

وروى الكشي بسنده عن ابى الحسن عليه‌السلام قال لا تأخذ دينك عن غير شيعتنا فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي البررة الكرام ولعنتي ولعنة شيعتي إلى يوم القيمة.

فإن قلت : قد ورد الأمر بترجيح ما خالف مذاهب العامة من الأحاديث المختلفة فلا بد من الاطلاع على مذاهبهم لأجل ذلك وأيضا فإنا ننظر في كتبهم ونقبل منها ما يوافق مذهب الإمامية لا ما يخالفه.

قلت : اللازم بعد التسليم هو النظر في كتبهم لتحقيق مسئلة خاصة قد وردت فيها أحاديث مختلفة مع عدم حسن الظن بهم لا مطالعة جميع الكتاب وانما ننظر مذهبهم بقصد مخالفته لا لأجل الاستفادة من ذلك الكتاب ومع ذلك فإن مطالعة كتبهم مفاسدها كثيرة مشاهدة أقلها حسن الظن بهم فيما لا يعلم انه موافق للإمامية أو مخالف لهم كما تقدمت الإشارة إليه في قولهم (ع) فاذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم.

وعنهم (ع) انهم قالوا احذروا فكم من بدعة زخرفت بآية من كتاب الله ينظر الناظر إليها فيحسبها حقا وهي باطل.

وعنهم (ع) انهم نهوا عن الكلام الذي ليس بمنقول عنهم (ع) فقيل لهم انا نحتاج الى الكلام لنستدل به على الخصم فقالوا خاصموهم بما بلغكم من علومنا فان خصموكم فقد خصمونا.

ولا يخفى ان من صرف برهة من عمره الشريف في مطالعة كتاب لا تنفك عن حسن الظن به وبمصنفه ، فان كل حزب بما لديهم فرحون وقد قال أمير المؤمنين

__________________

(١) السرائر ص ٤٧٥ بحار الأنوار ج ٢ ص ٢١٦ أورده في الوسائل أيضا عن الكشي ج ٣ ص ٣٨٧.

٢٥١

عليه‌السلام ان قلب الحدث كالأرض الخالية ما القى فيها من شي‌ء قبلته (١) وقال الشاعر :

أنا في هواها قبل ان أعرف الهوى

فصار وقلبا خاليا فتمكنا

ولنا أيضا مندوحة عن النظر في كتبهم الفقهية لأجل المطلب المفروض إذ يمكن أخذ ذلك من كتب الخاصة ، كما تضمنه التهذيب والاستبصار وكتب العلامة في الاستدلال ونحوها.

سلمنا لكن هذا لو تم مخصوص بكتب الفروع فالعذر في مطالعة كتب العامة أعداء الدين في الأصولين والتفسير والحديث وغيرها فقد شاعت مطالعتها وتدريسها واستحسانها وقبول ما فيها وعدم مخالفتها بل بعضهم الان ربما ادعى وجوب تتبعها كفاية حتى ان كثيرا منهم الان يرجحون كلام العامة على كلام الخاصة وربما رجحوه على أحاديث الأئمة (ع) لشدة حسن الظن بهم والاغترار بتمويهاتهم وتدقيقاتهم الواهية نسأل الله العفو والعافية.

والاعتذار بانا نقبل ما وافق الحق ولا نقبل مما خالفه فيه.

أولا : ان ما وافق الحق لا يجوز قبوله من غير اهله فقد ورد عندنا أحاديث متواترة بأنه لا يجوز أخذ شي‌ء من الأحكام الشرعية عن غير أهل العصمة عليهم‌السلام وإذا كنتم تردون ما خالف الحق فما الداعي إلى مطالعته وصرف الأوقات الشريفة فيه.

وثانيا : ان دعوى جواز ذلك تحتاج إلى إثبات ودليل معقول.

فإن المناهي هنا فيها عموم وإطلاق ولا يظهر لها مخصص ومقيد يمكن الاعتماد على مثله.

وثالثا : بعد التسليم نقول تبقى القسم الثالث الذي لا يعلم موافقته ولا مخالفته وهذا القسم عند التأمل أكثر من القسمين الأولين كما لا يخفى على المنصف هذا والعذر ينبغي ان ينظر صاحبه ويتحقق انه يقبل منه يوم القيمة أم لا.

وقد قال بعض العلماء : إياك ومعالجة من قوى فساده فإنه يحيلك الى الفساد

__________________

(١) نهج البلاغة خطبة ٣١ وفيه وانما قلب الحدث كالأرض الخالية.

٢٥٢

قبل ان تحيله الى الصلاح.

وما يدعى من حديث خذ الحكمة ولو من أهل الضلال.

فيه أولا : انه من روايات العامة فالاستدلال بها هنا دوري.

وثانيا : بعد تسليم سنده نقول ان له معارضا أقوى منه وما أشرنا إليه سابقا فكيف يرجح الأضعف على الأقوى.

وثالثا : انه يمكن كونه مخصوصا بما فيه منافع دنيوية لا أحكام دينية فان الحكيم لا يأمر بأخذ الدين عن أعداء الدين مع ثبوت النهى عن مثله بل مع عدم ثبوته أيضا على انه لا بد من ثبوت كون المأخوذ حكمه فإذا ثبت بنص الامام والأخذ عنه لا عن العامة فصار الكلام خاليا عن الفائدة وتخصيصه بالموعظة التي لا تتضمن شيئا من الأحكام النظرية ممكن ومن تتبع كلام أهل العصمة عليهم‌السلام يجد فيه من العلوم والفوائد العقلية والنقلية ما يغني عن غيره ولا يجد في غيره ما يغني عنه ولا ريب انه أحوط وأسلم وأقرب الى النجاة وعلو الدرجات والله الهادي.

٢٥٣

فائدة (٥٨)

الكعبة زادها الله شرفا بقعة مخصوصة من كرة الأرض لها نسبة الى خط الاستواء وقدر معين من الطول والعرض فالمكان الموازي لها المقابل لبقعتها من الجهة الأخرى من كرة الأرض المقاطر لها اى الواقع على طرف القطر الخارج من وسطها المارة بمركز الأرض إلى محيط كرة الأرض أو كرة الماء تتساوى الخطوط الخارجة منه الى الكعبة من جميع الجهات فيشكل أمر تعيين جهة القبلة فيه.

وقد حكم بعض العلماء هنا بالتخيير حيث ان سمت القبلة لا يتعين بل هو في حكم وسط الكعبة ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ).

وفي هذا الاستدلال نظر فإنه قياس والقياس باطل والآية لا عموم فيها قد ورد انها نزلت في قبلة المتحير لكن النص أيضا لا عموم فيه سلمنا لكنه معارض بما ورد من الأمر بالصلاة إلى أربع جهات عند التحير وبما ورد من الأحاديث الكثيرة التي تقارب السبعين (١) في الأمر بالاحتياط والتوقف في كل ما لم يعلم حكمه ، ولا ريب في رجحان هذا الوجه واللازم منه الصلاة إلى أربع جهات هنا.

ويؤيده قولهم عليهم‌السلام لا تنقض اليقين أبدا بالشك (٢) وانما تنقضه بيقين آخر وغير ذلك ولكن فرض تحصيل هذا الموضع على التحقيق وعدم إمكان الانتقال منه نادر جدّا فان الظاهر انه في البحر المحيط وانما يتصور بان يسافر الإنسان فيه فيصل

__________________

(١) التسعين خ ل

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٤٢

٢٥٤

الى ذلك المكان ثم تسكن الريح فتبقى السفينة هناك يوما أو أياما والا فلو أمكن الانتقال منه لتعين تحصيلا ليقين البراءة عن التكليف المتعين وح يتعين سمت القبلة فإنه اقصر الخطوط إلى الكعبة ولا تظن ان المكان المفروض بقدر الحرم ولا بقدر مكة ولا بقدر المسجد الحرام ولا بقدر الكعبة بل هو مكان بسيط مقابل لمنتصف الكعبة على قول ومنتصف الحرم على آخر وليس فيه أتساع إلا بسبب الاشتباه وبقدر تعيينه على التحقيق غالبا حتى عند الماهر في هذا الفن.

وهل يعتبر كون المكان المفروض في منتصف ما بين قدمي المصلى أو في منتصف ما بين موقفه ومسجده يحتمل الأمر ان ولا يخفى ما يترتب عليهما واما عرض تسعين فهو أشكل فإن تحصيل سمت القبلة موقوف على تعيين المشرق والمغرب والجهات هناك غير متعينة لكون الدور وجوبا والطلوع والغروب لا يحصل إلا بالحركة الخاصة للشمس والقمر وغيرهما فيكون السنة يوما وليلة ومعدل النهار منطبقا على الأفق.

اللهم الا ان يمكن رصد الحوادث الفلكية كالخسوف للقمر مع العلم بمداره ومدار الشمس ونسبتهما إلى مكة فيتعين سمت ما في الجملة ولعله كاف في القبلة والاحتياط يقتضي الصلاة إلى أربع جهات لكن البحث في هاتين المسئلتين قليل الفائدة لأن المكانين المذكورين من الأماكن الخراب التي لا يكاد يمكن الوصول إليها إلا نادرا وكذا الاطلاع عليهما على وجه التحقيق والله أعلم.

٢٥٥

فائدة (٥٩)

قال الشهيد الثاني في شرح بداية الدراية قد يعلم صدق الخبر ضرورة كالمتواتر لفظا فإنه لو كان نظريا لما حصل لمن ليس من اهله كالصبيان والبله والعوام ، وقد يعلم صدقه كسبا كخبر الله وخبر الرسول وخبر الامام والخبر المتواتر معنى كشجاعة على عليه‌السلام وكرم حاتم والخبر المحفوف بالقرائن كمن يخبر عن مرضه عند الحكيم ونبضه ولونه يدلان عليه وكذا من يخبر بموت أحد ، والنوح والصياح في بيته وكنا عالمين بمرضه وأمثال ذلك كثيرة.

وإنكار جماعة أهل العلم به للتخلف خطأ لجواز عدم الشرائط في صورة التخلف وقد يحتمل الأمرين كأكثر الاخبار وتنقسم الخبر الى متواتر وآحاد فالأول ما بلغت رواية في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب واستمر ذلك في جميع الطبقات حيث تتعدد فيكون أوله كآخره ووسطه كطرفيه وبهذا ينتفي التواتر عن كثير من الاخبار التي قد بلغت في زماننا ذلك الحد لكن لم يتفق ذلك في غيره خصوصا في الابتداء وظن كونها متواترة من لم يتفطن لهذا الشرط ولا ينحصر ذلك في عدد خاص على الأصح بل المعتبر العدد المحصل للوصف فقد يحصل في بعض المخبرين بعشرة وأقل وقد لا يحصل بمائة بسبب قربهم الى وصف الصدق وعدمه وشرط حصول العلم به انتفاؤه اضطرارا عن السامع وان لا تسبق شبهة اليه ولا تقليد ينافي موجب خبره وهذا شرط اختص به السيد المرتضى وتبعه

٢٥٦

عليه جماعة من المحققين وهو جيد واستناد المخبرين الى إحساس ، وهو متحقق في أصول الشرائع كوجوب الصلاة والزكاة والحج كثيرا ومرجع إثباته إلى المعنوي لا اللفظي وقليل في الأحاديث الخاصة وان تواتر مدلولها في بعض الموارد كشجاعة على عليه‌السلام وكرم حاتم ونظائرهما فإن القدر المشترك بينهما متواتر.

وعلى هذا ينزل ما ادعى المرتضى ومن تبعه تواتره من الاخبار الدالة على النص وغيره إذ لا شبهة في ان كل واحد من تلك الاخبار آحاد حتى قيل والقائل أبو الصلاح من سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه طلبه.

وحديث انما الأعمال بالنيات ليس منه وان نقله الآن عدد التواتر لان ذلك قد طرء في وسط إسناده وأكثر ما ادعى تواتره من هذا القبيل.

ونازع بعض المتأخرين في ذلك وادعى وجود المتواترة بكثرة وهو غريب نعم حديث من كذب على متعمدا فليتبؤ مقعده من النار : قد نقله من الصحابة الجم الغفير قيل أربعون قيل نيف وستون ولم يزل العدد في ازدياد انتهى ملخصا (١).

وأقول أولا : من المعلومات التي لا يشك فيها أحد انه لم يصنف في دراية الحديث أحد من علمائنا قبل الشهيد الثاني وانما هو من علوم العامة التي اخترعوها موافقا لما اتفق في أحاديثهم.

وممن صرح بذلك صاحب المنتقى واعترض على والده بان تلك الاصطلاحات وما يتفرع عليها أو أكثرها مخصوصة باحاديثهم غير موجودة أمثلتها في أحاديثنا ومن المعلوم أيضا ان الكلام الأخير من العامة وهو منهم تمويه ومغالطة أو موضوعة أحاديثهم خاصة والذي يظهر للنظر ان مقصدهم بذلك خبيث فاسد وهو إنكار تواتر نص الغدير وغيره فلا ينبغي للخاصة الاغترار به وقبوله منهم وحسن الظن بهم وقد صرح بذلك جماعة من علماء العامة.

قال الشيخ الطيبي من علمائهم في الخلاصة في معرفة الحديث الذي جمعه

__________________

(١) شرح البداية ص ٥٩ ـ ٦٩ من انتشارات المسجد الجامع

٢٥٧

من كتاب ابن الصلاح ومن كتاب النووي وكتاب ابن جماعة في بحث شروط التواتر ما هذا لفظه.

الثاني : ان يستوي طرفاه والواسطة في عدم تواطئهم على الكذب لكثرتهم ويدوم هذا الحد فتكون أوله كآخره ووسطه كطرفيه نحو القرآن والصلوات الخمس وعدد الركعات وما أشبه ذلك ولهذا لم يحصل لنا العلم بصدق اليهود مع كثرتهم في نقلهم ان موسى كذب كل ناسخ لشريعته ولا ينقل الشيعة في نقلهم النص على امامة على (ع) لان هذا وضعته الآحاد أولا وأفشوه ثم كثر الناقلون في عصره وبعده من الأعصار.

قال ابن الصلاح : من سئل عن مثال لذلك فيما يروى من الحديث أعياه طلبه « انتهى ».

ثم ذكر حديث الأعمال بالنيات وحديث من كذب على متعمدا وقال كما قال الشهيد الثاني.

وثانيا : ان هذا الكلام الذي أصله من علماء العامة مخالف لكلام المحققين من علماء الخاصة فكيف يجوز ترجيح الأضعف على الأقوى.

وقال السيد المرتضى علم الهدى كما نقله عنه الشيخ حسن وكذا ولد الشهيد في المعالم والمنتقى ما هذا لفظه ان أكثر أحاديثنا المروية في كتبنا معلومة مقطوعة على صحتها اما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة واما بعلامة وامارة دلت على صحتها وصدق رواتها « انتهى » ، والظاهر انه أراد التواتر اللفظي وعلى تقدير إرادة المعنوي أو الأعم فهو موافق لغرضنا هنا.

وقال أيضا على ما نقله عنه في الكتابين ان معظم الفقه تعلم مذاهب أئمتنا فيه بالضرورة وبالأخبار المتواترة وما لم يتحقق فيه ذلك فلعله الأقل « انتهى » ومراده بالضرورة أيضا التواتر ولا يصلح غيره من أقسام الضروريات الستة هنا.

وقال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وغيرهم من أصحابنا في عدة مواضع ان الأحاديث المتواترة عندنا لا تعدو لا تحصى فكيف يدعى قلة

٢٥٨

التواتر واختصاص المعنوي بأصول الشرائع فيكون قليلا جدا وهو خلاف ما صرح به أعيان علماؤنا ويأتي مزيد توضيح له وكيف ينسب القول بكثرة المتواتر الى بعض المتأخرين ويستغرب منه مع انهم ذكروا ان التواتر غير منحصر في عدد بل ربما حصل بما دون الخمسة وأنكروا على من حده الخمسة [ بخمسة ـ خ ل ] وكان هذا الكلام أيضا من العامة لأجل ذلك المطلب الفاسد وكيف يدعى عدم وجود التواتر اللفظي وأمثلته أكثر من ان تحصى ويأتي نبذة منها ان شاء الله.

وثالثا : انه قد تقرر ان الشهادة على النفي غير المحصور لا تقبل وان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود وان المثبت مقدم على النافي سيما والمثبت هنا عظماء علماء الخاصة ، والنافي بعض العامة فلعل قائل ذلك الكلام من العامة فإن قليل التتبع أو الاستحضار أو جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.

ونقله الشهيد الثاني وقبله قبل التأمل فيه اما غفلة أو حسن ظن بقائله بزيادة تحقيقه فان علماء العامة ما زال يغرون الناس بما يظهرونه من التحقيق والتدقيق حتى إذا وصلوا الى ما خالفوا فيه الخاصة مثل بحث الإمامة والعصمة وبحث الاخبار والتواتر ونحو ذلك انتهى أمرهم إلى المجاز فات والتمويهات والمغالطات وإنكار البديهيات ونحو ذلك فلعل هذا منها ولا ينبغي حسن الظن بهم في مثل هذا فإنهم متهمون فيه لما قلناه.

ورابعا : ان عدم وجود التواتر في أحاديثهم لا يستلزم عدم وجوده في أحاديثنا بل الفرق بين الأمرين أظهر من الشمس فإنهم لا ينقلون الا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونقلهم عنه قليل بالنسبة الى ما نقله أصحابنا عنه لان قدماء العامة لم يكن لهم اهتمام تام بنقل الحديث وتدوينه خصوصا أحاديث الأحكام الفقهية لقلة المؤمنين جدا وكثرة المنافقين وكون اخباره عليه‌السلام مقصورة على تقدير الأصول غالبا وغير ذلك من الأسباب ولم ينقلوا عن أئمتنا عليهم‌السلام بل اجتنبوا أحاديثهم وتعمدوا مخالفتها وطال عليهم العهد.

٢٥٩

وقد قال الطيبي من علماء أهل السنة نقلا عن أحمد بن حنبل صح من الأحاديث سبعمائة ألف وكسر قال وقرء عليه مستنده ، فقال هذا كتاب جمعته وأنقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من الحديث فارجعوا اليه فما لم تجدوه فيه فليس بحجة.

فإن قيل كلما يحوي مسنده أربعون ألف حديث منها عشرة آلاف مكررة فكيف تقول صح سبعمائة ألف وكسر؟ فأجبت بأن المراد بهذا العدد الطريق لا المتون « انتهى ».

ومن هنا يظهر ان عدد مجموع أحاديثهم ثلاثون ألفا ومعلوم ان أكثر من نصفها مقصور على نقل أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم بقي أقل من خمسة عشر ألفا أكثره لا يتعلق بشي‌ء من الأصول ولا الفروع بقي نحو سبعة آلاف والذي يتعلق منها بالفروع قليل جدا كما يظهر بالتتبع.

واما أصحابنا الإمامية فقد كان لهم نهاية الاهتمام والاعتناء بنقل الحديث وروايته وتدوينه وكتابته وعرضه وتصحيحه في زمان ظهورهم عليهم‌السلام من أول زمان النبوة إلى زمان الغيبة الكبرى في مدة ثلاثمائة واثنتين وخمسين سنة وكان منهم في كل عصر من هذه المدة المديدة ألوف متعددة يزيدون على عدد التواتر أضعافا مضاعفة وكان الأئمة الاثنتا عشر (ع) في نهاية الحرص على تبليغ الشريعة وإلقاؤها إليهم وتعليمهم كل ما يحتاجون اليه أو يحتاج اليه من بعدهم.

وكان كل واحد من علماء الإمامية ورواتهم ومحدثيهم في زمان ظهورهم عليهم‌السلام يسألهم عن كل ما يحتاج اليه وعن كل ما يخطر بباله من مهمات الأصول والفروع وغيرها وكان الأئمة عليهم‌السلام يلقون إليهم الاخبار أيضا ابتداء من غير سؤال مشافهة ومكاتبة حتى نقل عظماء علماؤنا انه روى عن الصادق عليه‌السلام أربعة آلاف رجل من الثقات وانهم كتبوا من أجوبة مسائل أربعمائة مصنف سموها أصولا وانهم صنفوا أكثر من الف كتاب لأكثر من الف عالم من علماء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام في طول

٢٦٠