تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

وفعله ، فإن قالوا : البنت لا تعقل عن أبيها ، قلنا : والأخت أيضا لا تعقل عن أخيها فلا تجعلوها عصبة مع البنات.

فإن تعلّقوا بما رووه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه أعطى الأخت مع البنت (١) ، قلنا : هذا حديث لو صح وبرئ من كلّ قدح لكان مخالفا لنصّ الكتاب للقربى ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢) فنصّ على القربى وتداني الأرحام سبب في استحقاق الميراث والبنت أقرب من الأخت وأدنى رحما ، وخبرهم الذين يعوّلون عليه في توريث الأخت مع البنت ، رواه الهذيل بن شرحبيل أنّ أبا موسى الأشعري سئل عن رجل ترك بنتا وابنة ابن وأختا من أبيه وأمّه ، فقال : لابنته النصف وما بقي فللأخت (٣).

وبخبر يرويه الأسود بن يزيد قال : قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطى البنت النصف ، والأخت النصف ولم يورّث العصبة شيئا (٤).

فأمّا الخبر الأوّل فقد قدح أصحاب الحديث في روايته وضعّفوا رجاله وقيل : إنّ هذيل بن شرحبيل مجهول ضعيف ، ولو زال هذا القدح لم يكن فيه حجّة ؛ لأن أبا موسى ليس في قضائه بذلك حجّة ، ولأنه ما أسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكذلك القول : في خبر معاذ. وليس في قولهم أنّه كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة ؛ لأنّه قد يكون على عهده ما لا يعرفه ، ولو عرفه لأنكره. وقد امتنع من توريث الأخت مع البنت من هو أقوى من معاذ ، وهو أولى بأن يتبع وهو ابن عباس.

وفي حديث معاذ أيضا ما يقتضي بطلان قول من يذهب إلى أنّ الأخت تأخذ بالتعصيب مع البنت ؛ لأنّه قال : ولم يورث العصبة شيئا ؛ لأنّها لو كانت عصبة في هذا الموضع لم يقل ذلك ، بل كان يقول : ولم يورّث باقي العصبة شيئا ، وليس يجوز أن يستدلّ على أنّ الأخت لا ترث مع البنت بقوله تعالى :

__________________

(١) صحيح البخاري ، ٨ : ١٨٩.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٧٥.

(٣) نفس المصدر ، ٨ : ١٨٨.

(٤) نفس المصدر.

٤١

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) (١) فشرط في توريث الأخت فقد الولد فيجب أن لا تعطي الأخت مع البنت لأنها ولد ، وذلك أنه تعالى إنما شرط في هذا الفرض المخصوص للأخت فقد الولد ، وليس ذلك بمانع من أن ترث مع فقد هذا الشرط بسبب آخر ، فإنّ تعليق الحكم بشرط لا يدلّ على ارتفاعه مع فقد الشرط على ما بيّناه في كتاب أصول الفقه (٢).

ويمكن أن يقال أيضا لمخالفينا في هذه المسألة أنّ الأناث لا يرثن بالتعصيب مع فقد إخوتهن على رأي من ذهب إلى التوريث بالتعصيب ، ألا ترى أن البنات وبنات الابن لا يرثن بالتعصيب إذا انفردت ، فلو ورثت الأخت بالتعصيب إذا انفردت لكانت بنت الابن أولى من الأخت بما فضل من فرض البنات.

وإذا كنا قد دللنا على بطلان الميراث بالعصبة فقد بطل كلّ ما بينه مخالفونا من المسائل في الفرائض على هذا الأصل ، وهي كثيرة ولا حاجة بنا إلى تفصيلها وتعيين الكلام في كلّ واحد منها ؛ لأنّ إبطالنا الأصل الذي تبنى عليه هذه المسائل قد أغنى وكفى.

فمن هذه المسائل أن يخلف الرجل بنتا وعمّا فعند المخالف أنّ للبنت النصف والباقي للعمّ بالعصبة ، وعندنا أنّه لا حظّ للعمّ والمال كلّه للابنة بالفرض والردّ ، وكذلك لو كان مكان العمّ ابن عمّ ، وكذلك لو كان مكان البنت ابنتان ، ولو خلّف الميت عمومة وعمّات ، أو بني عمّ وبنات عمّ فمخالفنا يورّث الذكور من هؤلاء دون الإناث ؛ لأجل التعصيب ، ونحن نورّث الذكور والإناث. ومسائل التعصيب لا تحصى كثرة.

وحجّتنا على صحّة ما نذهب إليه في هذه المسائل كلّها ما بيّنا صحّته من إبطال التعصيب والتوريث به ، فإن قيل : إذا كنتم تستدلّون على أنّ العمّات يرثن

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.

(٢) الذريعة ، ١ : ٤٠٦ وتقدّم أيضا في المقدّمات.

٤٢

مع العمومة ، وبنات العمّ يرثن مع ابني العمّ وما أشبه ذلك من المسائل بقوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية ، ففي هذه الآية حجّة عليكم في موضع آخر ؛ لأنّا نقول لكم : ألّا ورّثتم العمّ أو ابن العمّ مع البنت بظاهر هذه الآية ، وكيف خصّصتم النساء دون الرجال بالميراث في بعض المواضع وخالفتم ظاهر الآية ، فألّا ساغ لمخالفكم مثل ما فعلتموه ، قلنا : لا خلاف في أنّ قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية ، أنّ المراد به مع الاستواء في القرابة والدرج ، ألا ترى أنّه لا يرث ولد الولد ذكورا كانوا أو إناثا مع الولد ، لعدم التساوي في الدرجة والقرابة ، وإن كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال والنساء؟ وإذا كانت القرابة والدرجة مراعاتين فالعم أو ابنه لا يساوي البنت في القربى والدرجة وهو أبعد منها كثيرا ؛ وليس كذلك العمومة والعمّات وبنات العم وبنو العم ؛ لأنّ درجة هؤلاء واحدة وقرباهم متساوية ، والمخالف يورّث الرجال منهم دون النساء ، فظاهر الآية حجّة عليه ، وفعله مخالف لها ، وليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الإشارة إليها ، وهذا واضح فليتأمل (١).

ـ (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء : ١١].

[فيها أمور :

الأوّل :] إعلم أنّه يلزم من ذهب من أصحابنا إلى أنّ أولاد البنين والبنات يرثون سهام آبائهم ، مسائل سبع لا مخلص لهم منها :

من ذلك : أنّه يلزمهم أن يكون حال البنت أحسن من حال الابن ، بل أحسن

__________________

(١) الانتصار : ٢٧٧ وراجع أيضا الناصريات : ٤١٤.

٤٣

من حال جماعة كثيرة من البنين ، كرجل خلف بنت ابن وعشرين ابنا من بنت معه ، فعندهم أنّ لبنت الابن نصيب أبيها وهو الثلثان ، ولبني البنت نصيب أمّهم وهو الثلث ، فالبنت الواحدة أوفر نصيبا من عشرين ابنا.

ومنها : أن يكون نصيب البنت يساوي نصيب الابن ، حتى لو كان مكانها إبن لورث ما ترثه هي بعينه ، على وجه واحد وسبب واحد. وذلك أنّ مذهبهم أنّ بنت الابن يأخذ المال كلّه بسبب واحد ؛ لأنّ لها عندهم نصيب أبيها ، فلو كان مكان هذه البنت ابنا لساواها في هذا الحكم ، وأخذ ما كانت تأخذه البنت على الوجه الذي تأخذه ، وليس في الشريعة انّ الابن يساوي البنت في الميراث.

فإذا عارضونا بمن خلّف بنتا ولم يخلّف غيرها ، فانّها تأخذ جميع المال ، ولو كان مكان ابن لجرى في ذلك مجراها.

فالجواب : أنّ الابن لا يجري مجرى البنت هنا ؛ لأنّها تأخذ النصف بالتسمية والباقي بالردّ ، والابن يأخذ المال بسبب واحد من غير تسمية ولا ردّ ، وأنتم توجبون مساواة الابن للبنت في الميراث والسبب.

ومنها : أنّ البنت في الشرع وبظاهر القرآن لها النصف إذا انفردت ، وللبنتين الثلثان ، وهم يعطون بنت الابن ؛ وهي عندهم بنت المتوفّى ومستحقّة لهذه التسمية الجميعة ، وكذا يقولون في بنتي ابن ، فانّ لهما جميع المال من غير ردّ عليهما ، وهذا بخلاف الكتاب والاجماع.

فإن قالوا : ما جعل الله للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين في كلّ موضع ، وإنّما جعل لهن ذلك مع الأبوين خاصة ، وإذا انفردن عن الابوين لم يكن لهن ذلك.

قلنا : قد ذهب الفضل بن شاذان إلى هذا المذهب ومن تابعه عليه ، فرارا من مسألة العول ، ونحن نبيّن فساد هذه الطريقة بعد أن نبيّن لزوم ما ألزمناهم إياه على تسليم ما اقترحوه.

فنقول : قد جعل الله للبنت الواحدة النصف مع الوالدين بلا خلاف منكم ،

٤٤

فخبّرونا عمّن خلّف ابنة ابن وأبوين ، ومذهبكم هذا يقتضي أن للأبوين السدسين وما بقي لبنت الابن ، وهي عندكم بنت المتوفى على سبيل الحقيقة ، فقد صارت البنت تأخذ مع الأبوين أكثر من النصف بسبب واحد ، وجرت في ذلك مجرى الأبوين.

فأمّا القول بأنّ للبنت الواحدة النصف وللبنتين الثلثين ، إنّما يختصّ باجتماع الأمرين معهن ، فمن بعيد القول عن الصواب ؛ لأنّ الله تعالى قال : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وهذه جملة مستقلة بنفسها ، وظاهر القرآن يقتضي أنّ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) على كلّ حال ، ومع وجود كلّ أحد وفقد كلّ أحد.

ثم عطف عليها جملة مستقلة أخرى ، فقال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) (١) ظاهر هذه الجملة أنّ ذلك لهنّ على كلّ حال ، ومع فقد كلّ أحد ووجوده ، ثم عطف أخرى مستقلّة غير متعلّقة بما يليها وما يتقدّمها ، فقال : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولم يجر للوالدين ذكر ، فهذا يقتضي أنّ لها النصف مع كلّ أحد ، إلّا أن يمنع دليل.

ثم قال : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فبيّن تعالى حكم الوالدين في الميراث مع الولد وفقده. فكيف يجوز أن يعلّق إيجاب النصف للبنت الواحدة والثلثين للبنتين بوجود الأبوين؟ وقد تقدّم ذكر حكم البنات مطلقا ، وبعد الخروج عنه أتى بذكر الأبوين مشروطا. وكيف يتوهّم متأمّل ذلك والله يقول : (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) فشرط في ميراث الابوين الولد. ولو كان المراد أنّ النصف للبنت والثلثين للبنتين مع وجود الابوين ، لكان اشتراط الولد لغوا لما هو موجود مذكور.

ولو صرّح تعالى بما ذكروه لكان الكلام قبيحا خارجا عن البلاغة والبيان ؛ فانّه (٢) لو قال : ولأبويه مع البنت أو البنتين لكلّ واحد منهما السدس إن كان له

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٢) في نسخة : ألا ترى أنه.

٤٥

ولد ، لقبح ذلك وفحش ، فكيف يقدر في الكلام ما لو أظهرناه لكان غير مستقيم؟.

وأجمع أهل العربية على أنّ الوقف التامّ عند قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولو كان المراد ما توهّموه من أنّ لها النصف مع الأبوين ، لما كان ذلك وقفا تاما.

ولا خلاف بين أحد من أهل العلم والمفسّرين وأصحاب الأحكام في أنّ قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ) كلام مبتدأ مستأنف لا تعلّق له بما قبله.

فأمّا اعتذارهم عند سماع هذا الكلام ، بأن اشتراط الولد إنّما حسن ليدخل فيه الذكور ما زاد على البنتين ؛ لأنّه لم يمض إلّا ذكر البنت الواحدة والبنتين ، فعجيب ؛ لأنّه لو أراد ما ذكروا لقال تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ـ مع الابوين ـ (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) ـ معها ـ (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) ـ معها ـ (فَلَهَا النِّصْفُ).

فلو أراد هذا المعنى على الترتيب الذي رتّبوه ، وعني بقوله ان ذلك لهما مع البنت أو البنتين وما زاد عليهما ، وأراد أن يبيّن أنّ السدس للأبوين مع الأولاد ، لكان لا يحسن أن يقول : (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) بل يقول : وإن كان له أيضا ذكور ؛ لأنّه قد تقدّم ذكر البنت الواحدة وما زاد عليها ، فلا معنى لاشتراط الولد ، وانفراد قوله : (وَلِأَبَوَيْهِ) عن الجملة المتقدّمة ، ولا يذهب على متأمّل.

وانّما فرّق بهذا التقدير الذي لا يحصل عن نقصان البنت في مسألة العول عن النصف ، وادّعوا أنّ النصف حصل لها مع الابوين لا في كل موضع.

وأحسن من ركونهم هذه المعضلة أن يقولوا : إنّ الله تعالى جعل لها النصف بظاهر الكلام في كلّ موضع ، وفي مسألة العول قام دليل على أنّ لها دون ذلك ، فعلمنا أنّ الله تعالى لم يجعل لها النصف في هذا الموضع خاصة ، وإن كان لها في سائر المواضع. وانّما أحسن أن نخصّ بدليل بعض المواضع ، أو يحصل ما هو مطلق من القول مشروطا بغير دليل ولا حجّة ، على وجه يسمح به الكلام ويذهب به رونقه فتزول فصاحته.

٤٦

ثم يقال لهم : خبّرونا عمّن خلّف أولاد ابن وأولاد بنت ذكورا وإناثا ، كيف تقسّمون الميراث بين هؤلاء الأولاد؟.

فإن قالوا : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

قلنا : فبأيّ حجّة فعلتم ذلك؟ فلا وجه لهذه القسمة إلّا قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) إلى آخر الآية المفرع (١) في ذلك.

فيقال لهم : قد سمّى الله تعالى أولاد الأولاد أولادا ، فأيّ فرق بين أن يكون الذكور والاناث أولاد ابن واحد أو بنت واحدة ، وبين أن يكون هؤلاء الذكور والاناث أولاد بنت وابن في تناول الاسم لهم.

فإذا كان الاسم متناولا لهم في الحالين فيجب أن تكون القسمة في الحالين تتّفق ولا تختلف ، ويعطى أولاد البنات الذكور والاناث وأولاد البنين الذكور والإناث «للذكر مثل حظّ الانثيين» ، فلا يخالف حكم الآية في أحد الموضعين ، وتناول الآية لهما تناولا واحدا.

فإن قالوا : يلزمكم (٢) أن تورثوا أولاد الاولاد مع الاولاد ، لتناول الاسم للجماعة.

قلنا : لو تركنا وظاهر الآية فعلنا ذلك ، لكن إجماع الشيعة ، بل اجماع كلّ المسلمين منع من ذلك ، فخصّصنا الظاهر وحملنا الآية على أنّ المراد يوصيكم الله في أولادكم بطنا بعد بطن.

فإن قالوا : فنحن أيضا نخصّص الظاهر ونحمل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) على أنّ المراد به أولاد الصلب بغير واسطة.

قلنا : تحتاجون إلى دليل قاطع على التخصيص كما فعلنا.

فإن قالوا : أجمعت الإمامية عليه.

قلنا : وما الدليل على ذلك؟ فانّا لا نعرف هذا الاجماع ، وفي المسألة

__________________

(١) في نسخة : المفزع.

(٢) في نسخة : ليلزمكم.

٤٧

خلاف بينهم ، وأنّ أكثرهم يقول بخلاف الصواب في هذه تقليدا وتعويلا على روايات رووها أنّ كلّ من يتقرّب بغيره أخذ سهام من تقرّب به.

وهذا الخبر إنّما هو في أولاد الإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وبني الأعمام والأخوال ؛ لأنّهم (١) لا تسمية لهم في الميراث وانّما يتقرّبون بغيرهم ، فأعطوا سهام من يتقرّبون به.

وليس كذلك أولاد الاولاد ؛ لأنّ هؤلاء وإن نزلوا داخلون في اسم الولد واسم البنين والبنات على الحقيقة ممّن هو مسمّى في الكتاب ومنصوص على توريثه ، فلا يحتاج في توريثه إلى ذكر قرابته ، وأن يعطيه نصيب من يتقرّب به ، كما لا يحتاج في توريث أولاد الصلب بلا واسطة إلى شىء من ذلك.

فإن قيل : فما دليلكم على صحّة ما ذهبتم إليه من توريث أولاد الاولاد ، والقسمة عليهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

قلنا : دليلنا على ذلك قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ولا خلاف بين أصحابنا في أنّ ولد البنين وولد البنات وإن سفلوا يقع عليهم هذه التسمية ، ويتناولهم على سبيل الحقيقة ؛ ولهذا حجبوا الأبوين عن ميراثهما إلى السدسين بولد الولد وإن هبطوا ، وحجبوا الزوج عن النصف إلى الربع والزوجة عن الربع إلى الثمن بولد الولد ، فمن سمّاه الله تعالى ولدا في حجب الأبوين وحجب الزوجين ، يجب أن يكون هو الذي سمّاه ولدا في قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ). وكيف يخالف بين حكم الأولاد ويعطي بعضهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) والبعض الآخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص ، ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير ، وتارة المساواة بين الذكر والأنثى.

وعلى أيّ شيء يعوّل في الرجوع عن ظاهر كتابه تعالى؟

فأمّا مخالفونا من العامّة ، فإنّهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنّه ولد

__________________

(١) في نسخة : لان هؤلاء.

٤٨

حقيقة ، وفيهم من وافق على ذلك ، ووافق جميعهم على أنّ ولد الولد وإن هبط يسمّى ولدا على الحقيقة.

وقد حكي عن بعضهم أنّه كان يقول : إنّ ولد الولد إنّما يسمّون بهذه التسمية إذا لم يحضر أولاد الصلب ، فإن حضروا لم يتناولهم. وهذا طريف ؛ فانّ الاسم إن تناولهم لم يختلف ذلك ، بأن يحضر غيرهم أو لا يحضر ، وما راعى أحد فيما يجري على المسميّات من الأسماء مثل ذلك.

وانّما أحوجهم إلى ذلك أنّهم وجدوا أولاد الابن لا يأخذون مع حضور آبائهم شيئا ويأخذون مع فقده ؛ بالآية المتضمّنة للقسمة على الأولاد ، فظنّوا أنّ الاسم يتناولهم في الحال التي يرثون فيها ، وهو غلط منهم.

وقد أغناهم الله تعالى عن هذه البدعة في اخر (١) الاسم والخروج عن المعهود فيها ، بأن يقولوا : إنّ الظاهر يقتضي اشتراك الولد وولد الولد في الميراث ، لو لا أنّ الإجماع على خلاف ذلك ، فتخصّصوا بالاجماع الظاهر.

وممّا يدلّ على أنّ ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) (٢) وبالاجماع انّ بظاهر هذه الآية حرّمت بنات أولادنا ، فلو لم تكن بنت البنت بنتا على الحقيقة لما دخلت تحت هذه الآية.

وتحقيق ذلك : أنّه تعالى لمّا قال : (وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) ذكر في المحرّمات بنات الأخ وبنات الأخت ؛ لأنّهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات ، ولمّا دخل بنات البنات تحت اسم البنات ، لم يحتج أن يقول : وبنات بناتكم. وهذه حجّة قوية فيما قصدناه.

وقوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) (٣) وقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) إلى قوله : (أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) (٤) لا خلاف في عموم الحكم

__________________

(١) كذا والظاهر : اجراء.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٤) سورة النور ، الآية : ٣١.

٤٩

لجميع أولاد الأولاد من ذكور وأناث ؛ ولأنّ الاجماع واقع على تسمية الحسن والحسين عليهما‌السلام بأنّهما أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّهما يفضّلان بذلك ويمدحان ، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار ، فثبت أنّه حقيقة.

وقد روى أصحاب السير كلّهم أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا أمر ابنه محمد ابن الحنفية وكان صاحب رايته يوم الجمل في ذلك اليوم ، فقال له :

أطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب إذا لم يوقد

بالمشرفي والقنا المسدّد

[والضرب بالخطى والمهند (١)]

فحمل رضي الله عنه وأبلى جهده ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت ابني حقا ، وهذان ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يعني الحسن والحسين عليهما‌السلام (٢) ، فأجرى عليهما هذه التسمية مادحا لهم ومفضّلا ، والمدح لا يكون بالمجاز والاستعارة.

ولم تزل العرب في الجاهلية تنسب الولد إلى جدّه ، إمّا في موضع مدح أو ذمّ ، ولا يتناكرون ذلك ولا يحتشمون منه ؛ وقد كان يقال للصادق عليه‌السلام أبدا أنت ابن الصديق ؛ لأنّ أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

ولا خلاف أنّ عيسى عليه‌السلام من بني آدم وولده ، وانّما ينتسب إليه بالأمومة دون الأبوة.

فإن قيل : اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا ، وليس كلّ شيء استعمل في غيره يكون حقيقة له.

قلنا : الظاهر من الاستعمال الحقيقة ، وعلى من ادعى المجاز الدلالة وقد بيّنا في غير موضع أنّ الاصل الحقيقة ، والمجاز طار داخل في الاستعمال محمول على الأصول ، إلّا أن ينقل دلالة قاهرة.

فان قالوا : لو حلف (٣) من لا ولد له وله ولد بنت ، أنّه لا ولد له لم يحنث.

__________________

(١) بحار الأنوار ، ٣٢ : ١٧٥.

(٢) انظر بحار الأنوار ، ٤٣ : ١٠٦.

(٣) ورد الزيادة في الهامش بعلامة خ ل هكذا [رجل بالطلاق أو بالله تعالى أنّه لا ولد له وله ولد بنت لما كان حانثا. قلنا : يكون عندنا حانثا إذا أطلق القول ، وانّما لا يكون حانثا إذا نوى ما يخرجه عن الحنث].

٥٠

قلنا : بل يحنث مع الاطلاق ، وانّما لا يحنث إذا نوى ما يخرجه عن الحنث.

وقد ناقض الفضل بن شاذان في مذهبه وقال في كتابه في الفرائض : في رجل خلف بنت ابن وابن بنت أنّ لبنت الابن الثلثين نصيب أبيها ، ولابن البنت الثلث نصيب أمه في ولد الولد نصيب من يتقرّب به وأعطاه ذلك.

ثمّ قال في هذا الكتاب : في بنت ابن وابن ابن أنّ المال بينهما (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). وهذه مناقضة لما قرّره ؛ لأنّ بنت الابن تتقرّب بأبيها وابن الابن يتقرّب أيضا بأبيه ، فيجب أن يتساويا في النصيب ، فكيف جعل هاهنا للذكر مثل حظّ الأنثيين ، مع أنّ كلّ واحد يتقرّب بغيره ، فله على مذهبه نصيب من يتقرّب به ، وإلّا فعل مثل ذلك في بنت ابن وابن بنت وجعل (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

ومن العجب أنّه قال في كتابه ما هذه حكاية لفظه : فإن ترك ابن بنت وابنة ابن وأبوين ، فللأبوين السدسان ، وما بقي فلابنة الابن حقّ أبيها الثلثان ، ولابن البنت حقّ أمه الثلث ؛ لأنّ ولد الابنة ولد كما أنّ ولد الابن ولد.

وهذا التعليل ينقض الفتوى ؛ لأنّه إذا كان ولد البنت ولدا ، كما أنّ ولد الابن كذلك ، فيجب أن يكون المال بينهما (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، لظاهر (يُوصِيكُمُ اللهُ) وكيف أعطى الأنثى ضعف ما أعطى الذكر.

وقد وافق الحقّ مذهب ابن شاذان في بعض المسائل من هذا الباب وإن خالف في التعليل ، مثل من خلف بنت بنت وابن ابن ، فانّه يعطى البنت نصيب أمّها وهو الثلث ، ويعطى الابن نصيب أبيه وهو الثلثان ، وهكذا نعطيهما نحن ؛ لأنّا ننزّلهما منزلة ابن ابن وبنت بلا واسطة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١).

[الثاني :] وممّا انفردت به الإمامية القول : بأن الولد الذكر الأكبر يفضل دون سائر الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، والذي يقوى في نفسي أن التفضيل للأكبر من الذكور بما ذكر إنّما هو بأن يخصّ بتسليمه إليه وتحصيله في يده دون باقي الورثة وإن احتسب بقيمته عليه ، وهذا

__________________

(١) الرسائل ، ٣ : ٢٥٧.

٥١

على كلّ حال انفراد من الفقهاء لأنهم لا يوجبون ذلك ولا يستحبونه وإن كانت القيمة محسوبة عليه. وإنّما قوينا ما بيّنا وإن لم يصرّح به أصحابنا ؛ لأن الله تعالى يقول : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وهذا الظاهر يقتضي مشاركة الأنثى للذكر في جميع ما يخلفه الميت من سيف ومصحف وغيرهما.

وكذلك ظاهر آيات ميراث الأبوين والزوجين يقتضي أن لهم السهام المذكورة في جميع تركة الميت ، فإذا اختصصنا الذكر الأكبر بشيء من ذلك من غير احتساب بقيمته عليه تركنا هذه الظواهر. وأصحابنا لم يجمعوا على أن الذكر الأكبر يفضل بهذه الأشياء من غير احتساب بالقيمة ، وإنّما عوّلوا على أخبار (١) رووها تتضمن تخصيص الأكبر بما ذكرناه من غير تصريح باحتساب عليه أو بقيمته ، وإذا خصصناه بذلك اتباعا لهذه الأخبار واحتسبنا بالقيمة عليه فقد سلمت ظواهر الكتاب مع العمل بما أجمعت عليه الطائفة من التخصيص له بهذه الأشياء فذلك أولى ، ووجه تخصيصه بذلك مع الاحتساب بقيمته عليه أنه القائم مقام أبيه والسّاد مسدّه فهو أحقّ بهذه الأمور من النسوان والأصاغر للرتبة والجاه (٢).

[الثالث :] وممّا انفردت به الإمامية : عن أقوال باقي الفقهاء في هذه الأزمان القريبة وإن كان لها موافق متقدّم الزمان القول : بأن المسلم يرث الكافر وإن لم يرث الكافر المسلم ، وقد روى الفقهاء في كتبهم موافقة الإمامية على هذا المذهب عن سيدنا زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ومحمد بن الحنفية رضي الله عنه وعن مسروق وعبد الله بن معقل المزني وسعيد بن المسيب ويحيى بن نعمى ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان (٣) ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، وذهبوا إلى أن كلّ واحد من المسلم والكافر لا يرث صاحبه (٤) ، دليلنا بعد إجماع الطائفة المتردّد جميع ظواهر آيات المواريث ؛ لأن قوله تعالى :

__________________

(١) الوسائل ، ١٧ : ٤٣٩.

(٢) الانتصار : ٢٩٩.

(٣) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ١٦٦ والمحلى ، ٩ : ٣٠٤.

(٤) البحر الزخّار ، ٦ : ٣٦٧.

٥٢

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يعم الكافر والمسلم ، وكذلك آية ميراث الأزواج والزوجات والكلالة وظواهر هذه الآيات كلّها تقتضي أن الكافر كالمسلم في الميراث ، فلما أجمعت الأمّة على أن الكافر لا يرث المسلم أخرجناه بهذا الدليل الموجب للعلم ونفي ميراث المسلم للكافر تحت الظاهر كميراث المسلم للمسلم.

ولا يجوز أن نرجع عن هذا الظاهر بأخبار الآحاد التي يروونها ؛ لأنها توجب الظن ولا نخص بها ولا يرجع عما يوجب العلم من ظواهر الكتاب ولأن أكثرها مطعون على رواته مقدوح فيهم ، ولأنها معارضة بأخبار كثيرة يرويها أيضا مخالفونا ، وتوجد في كتبهم ، ولأن أكثرها له تأويل يوافق مذهبنا ... وربما عول بعض المخالفين لنا في هذه المسألة على أن المواريث بنيت على النصرة والموالاة ، بدلالة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) (١) فقطع بذلك الميراث بين المسلم المهاجر وبين المسلم الذي لا يهاجر إلى أن نسخ ذلك بانقطاع الهجرة بعد الفتح ، وكذلك يرث الذكور من العصبة دون الإناث لنفي العقل والنصرة عن النساء ، وكذلك لا يرث القاتل ولا العبد لنفي النصرة. وهذا ضعيف جدا ؛ لأنّا لا نسلم أن المواريث بنيت على النصرة والمعونة ؛ لأن النساء يرثن والأطفال ولا نصرة هاهنا ، وعلّة ثبوت المواريث غير معلومة على التفصيل ، وإن كنّا نعلم على سبيل الجملة أنها للمصلحة ، وبعد فإن النصرة مبذولة من المسلم للكافر في الواجب وعلى الحق كما أنها مبذولة للمسلم بهذا الشرط (٢).

[الرابع : قال الناصر رحمه‌الله :] «نحن نرث المشركين ونحجبهم».

هذا صحيح ، وإليه يذهب أصحابنا ، وروى القول بمثل مذهبنا عن معاوية ابن أبي سفيان ومعاذ ، ومحمّد بن الحنفية ومسروق وعبد الله بن معقل المزني وسعيد بن المسيب (٣).

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٧٢.

(٢) الانتصار : ٣٠٢.

(٣) المجموع ، ١٦ : ٥٨.

٥٣

وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا : إنّ المسلم لا يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم (١).

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه : الإجماع المتردّد ، وظاهر آيات المواريث في الكتاب ؛ لأنه تعالى قال : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ولم يخص مؤمنا من كافر.

وباقي الآيات علّقت المواريث فيها بالأنساب أو الزوجية ، وعمّت المؤمن والكافر.

وأيضا ما رواه أبو الأسود الدؤلي : أنّ رجلا حدّثه أنّ معاذا قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الإسلام يزيد ولا ينقص» (٢) فورّث معاذ المسلم ، وورثه معاوية بن أبي سفيان وقال : كما لا يحل لنا النكاح منهم ولا يحلّ لهم منا ، فكذلك نرثهم ولا يرثونا.

فإن تعلّق المخالف بما روي عنه عليه‌السلام من قوله : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» (٣).

وبخبر آخر : «لا يتوارث أهل ملّتين» (٤).

فالجواب عن ذلك : أن الخبر الأول إذا صحّ فظاهر القرآن يدفعه ، وأخبار الآحاد لا يخصّ بها القرآن ، ولو ساغ العمل بها في الشريعة.

ثمّ يجوز أن يكون المراد به : أنّ مظهر الإسلام الذي لا يبطنه لا يرث الكافر ، وقد سمّى الله تعالى مظهر الشيء باسم مبطنه ، قال الله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٥) لا خلاف بين المسلمين في أن المراد بذلك مظهر الإيمان.

فإن قيل : هذا يقتضي أن لا يورّث مظهر الإسلام الكافر.

قلنا : الخبر إنّما يدلّ على حظر أن يرث مظهر الإسلام ـ من غير إبطانه له ـ

__________________

(١) المجموع ، ١٦ : ٥٨.

(٢) سنن البيهقي ، ٦ : ٢٠٥.

(٣) صحيح البخاري ، ٨ : ٥٦٣ / ١٦١٢.

(٤) سنن ابن ماجة ، ٢ : ٩١٢ / ٢٧٣١.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٩٢.

٥٤

الكافر ، فأمّا الحكم بتوريثه فقد يجوز أن يحكم بأن أظهر الإسلام ـ ممّن يجوز أن يكون مبطنا له ، وإن كنّا نجوّز أن يكون باطنه خلاف ظاهره ـ بتوريثه للكافر على الظاهر ، وإن كان لا يحلّ لمن يعلم من نفسه إبطان خلاف الإسلام أن يرث الكافر.

فأمّا الخبر الثاني : فالأمر فيه واضح ، لأنّ التوارث تفاعل ، وإذا لم يكن من الجهتين لم يطلق عليه اسم التفاعل ، ونحن نقول إنّ المسلم يرث الكافر ولا يرثه الكافر ، فلا توارث بين المللتين (١).

[الخامس :] وممّا يظنّ انفراد الإمامية به ولها فيه موافق : قولها بأن القاتل خطأ يرث المقتول لكنّه لا يرث من الدية ، فوافق الإمامية على هذا المذهب عثمان البتي ، وذهب إلى أن قاتل الخطأ يرث ، ولا يرث قاتل العمد (٢) ... ويدلّ أيضا عليه ظواهر آيات المواريث كلّها مثل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) فإذا عورضنا بقاتل العمد فهو مخرج بدليل قاطع لم يثبت مثله في قاتل الخطأ ، ويمكن أن يقوّي ذلك أيضا بأن قاتل الخطأ معذور غير مذموم ولا مستحق للعقاب ، فلا يجب أن يحرم من الميراث الذي يحرمه العامد على سبيل العقوبة.

فإن احتج المخالف بقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٣) فلو كان القاتل وارثا لما وجب عليه تسليم الدية.

فالجواب عن ذلك : أن وجوب تسليم الدية على القاتل إلى أهله لا يدلّ على أنه لا يرث ما هو دون الدية من تركته ؛ لأنه لا تنافي بين الميراث وبين تسليم الدية ، وأكثر ما في ذلك ألّا يرث من الدية التي يجب عليه تسليمها شيئا وإلى هذا نذهب (٤).

[السادس وفيه أمران :]

__________________

(١) الناصريات : ٤٢١.

(٢) أحكام القرآن (للقرطبي) ، ٥ : ٦٦.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٩٢.

(٤) الانتصار : ٣٠٧.

٥٥

[الأوّل : قال الناصر رحمه‌الله :] «لا يرث الجدّ مع الولد ، ولا ولد الولد وإن سفل».

هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا والفقهاء يخالفون فيه (١).

وفي أصحابنا من ذهب إلى خلافه (٢) ، وأعطى الجدّ سهما مع ولد الولد ، وهو خطأ ممّن ذهب إليه.

والذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه : إجماع الطائفة عليه.

وأيضا فإنّ ولد الولد ولد للميّت ، ويستحقّ هذه التسمية على سبيل الحقيقة ، على ما استدلّ عليه ـ بمشيئة الله وعونه ـ في المسألة التي تلي مسائلنا هذه.

وإذا ثبت أنّ ولد الولد يعمهم أسهم الولد ، وكان الجدّ بلا خلاف لا يرث مع الولد ، فلا يجوز أن يرث مع أولاد الأولاد وهم أولاد على الحقيقة.

فإن قيل : إذا كان أولاد ولد الميت وإن سفلوا أولادا على الحقيقة ، فيجب أن يكون الجدّ أبا على الحقيقة ، لأنه لا يجوز أن يكون لزيد ولد إلّا وهو له والد ، وإذا كان الأجداد آباء على الحقيقة كان أولاد الأولاد أولادا على الحقيقة ، فيجيء من ذلك أن يكون قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) متناولا للآباء والأجداد ، وهذا خلاف الإجماع.

قلنا : لو تركنا والظاهر لحكمنا بأنّ قوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ) يقع على الآباء والأجداد ، لكن أجمعت الأمّة على أنّه يتناول الآباء دون الأجداد ، فقلنا بذلك بالاجماع ، وخصصنا ظاهر الكتاب ، ولا يجوز إذا خصصنا هذا الموضع بالإجماع أن نخصّ الظواهر التي تتناول الأولاد مع عمومها لولد الولد بغير دليل ، فبان الفرق بين الأمرين (٣).

[الثاني : قال الناصر رحمه‌الله :] «ولو مات رجل وخلّف بنت بنت وزوجة فللزوجة الثمن كما لو ترك بنتا».

__________________

(١) المجموع ، ١٦ : ٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، ٤ ، ٢٠٨ / ٧٠٥.

(٣) الناصريات : ٤١١.

٥٦

هذا صحيح وإليه يذهب أصحابنا ، وخالف باقي الفقهاء فيه ، فذهبوا إلى أنّ ولد البنت لا يحجبون (١).

وفي بعض المتقدّمين من لم يحجب بولد الابن كما لم يحجب بولد البنت ، وفقهاء الأعصار إلى الآن يحجبون بولد الابن وإن سفل.

والدليل على هذه المسألة بعد الإجماع المتقدّم : أنّ ولد البنت يقع عليهم اسم الولد ، كما أنّ ولد الابن يقع عليهم هذا الاسم ، وجميع ما علّق الله تعالى من الأحكام بالولد فإنه قد عمّ به ولد الولد ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) إلى قوله : (وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) (٢). وقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ) (٣) فعمّ الحكم بذلك أولاد الأولاد بظاهر الاسم وعموم اللفظ.

وإذا كان أولاد البنت يقع عليهم اسم الولد كوقوعه على ولد الابن ، حجبوا الزوجة من الربع إلى الثمن ، كما يحجب أولاد الابن.

فإن قيل : ولد الولد يقع عليهم اسم الولد على سبيل المجاز لا الحقيقة.

قلنا : هذا إقرار بلا برهان ، وإذا وقع اسم الولد على ولد الولد فالظاهر أنّه حقيقة ، لأنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة ، والمجاز طار عليها ، ومن ادّعى المجاز في لفظ مستعمل فعليه الدليل ، لأنّه عادل عن الظاهر.

فإن قيل : لو حلف رجل بالطلاق أن لا ولد له لم يحنث إلّا أن ينويهم ، فدلّ ذلك على أنه مجاز ، فلو كانت حقيقة لحنث من غير نيّة.

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٩٣.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٣) سورة النور ، الآية : ٣١.

٥٧

قلنا : يحنث عندنا وإن لم يكن له نيّة ، لأنّ اسم الولد واقع على ولد الولد حقيقة (١).

[السابع] وممّا يظن انفراد الإمامية به ولهم فيه موافق متقدم : أن الميّت إذا خلف أبوين وزوجا أو زوجة أنه يبدأ بإخراج حق الزوج أو الزوجة وما يبقى بعد ذلك فللأم منه الثلث من الأصل لا تنقص منه ، وما بقي بعد حقّ الزوج أو الزوجة وحقّ الأم فهو للأب ، فإن كان ميّتا خلف زوجة وأبا وأمّا ، فللزوجة الربع وللأمّ الثلث وللأب ما بقي وهو خمسة أسهم من اثني عشر سهما ، ولو خلف الميت زوجا وأبوين فللزوج النصف ثلاثة أسهم من ستّة وللأم الثلث سهمان وللأب سهم واحد ...

والدليل على صحّة ما ذهبنا إليه في هذه المسألة : الإجماع المتردّد.

وأيضا ؛ فإن الله تعالى قال : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فأوجب لها صريحا ثلث أصل المال ؛ لأن إطلاق قولنا ثلث أو نصف أو سدس يقتضي أن يكون من أصل المال دون بعض من أبعاضه ، ألا ترى أنه تعالى لما جعل للزوج النصف مع فقد الولد ، والربع مع وجوده ، وللزوجة الربع مع فقده ، والثمن مع وجوده ، وكذلك كلّ من سمى له سهما كالبنت الواحدة والبنتين لم يفهم أحد من العلماء أن ذلك المسمّى إلّا من أصل المال دون بعضه.

وكيف يجوز أن يفهم من قوله تعالى : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أنه ثلث ما بقي وذلك بخلاف جميع ظواهر القرآن. وأيضا فإنّ الله تعالى جعل للأم مع فقد الولد سهما مسمّى وهو الثلث ولم يعيّن للأب سهما مسمّى في هذا الموضع بل كان له ما بقي ، إلّا أن الذي يبقى في هذه المسألة الثلثان بالاتّفاق ؛ لأنه هو السهم الذي لا بد أن يستحقّه الأب ، فإذا دخل الزوج والزوجة على الأبوين كانا داخلين على من له فرض مسمّى وهو الأم ، وعلى من ليس له سهم مسمّى وهو الأب فيجب أن لا ينقص صاحب السهم المسمّى وهو الأم عن سهمه ، ويكون النقصان

__________________

(١) الناصريات : ٤١٢.

٥٨

داخلا على من له ما يبقى وهو الأب كما يكون له الزيادة ، ألا ترى أن الزوج والزوجة لا ينقصان من التسمية سهامهما ، فالأم لاحقة بهما لتسمية سهمهما ، ولو جاز أن يدخل النقصان على الأم مع تعيين سهمها جاز ذلك في الزوج والزوجة ، ولأن الأم إنّما تنقص بالولد والأخوة ولم يوجدوا في هذه المسألة.

فإن قيل : قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) إنّما المراد به إذا لم يرثه غير أبويه ولا خلاف أن الميّت إذا ورثه أبواه من غير وارث سواهما فإن للأم الثلث.

قلنا : الظاهر بخلاف ذلك ؛ لأن قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) إيجاب للأم الثلث مع فقد الولد على كلّ حال ، ولم يذكر أنه لا وارث غيرهما ، كما لم يذكر أن له وارثا غيرهما ، وإذا لم يذكر كلّ ذلك حملناه على إطلاقه مع فقد الوارث ووجوده.

ووجدت بعض من نصر هذه المسألة خاصّة من مخالفينا في الفرائض يستدلّ على أن للأم الثلث كاملا لا ثلث ما بقي ، بقوله تعالى : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) قال : هذا المحتج : فدلّ على أنها ترث مع فقد الأخوة الثلث ومع الأخوة السدس ، وفي ذلك بطلان قول من جعل لها ثلث الباقي عن فرض الزوج وهو سدس المال لما يقتضي من التسوية بين حالها إذا كان إخوة أو لم يكن إخوة ، وقد فرق الله تعالى بين حاليها فجعل لها مع الأخوة السدس ومع فقد الأخوة الثلث ، كما فرّق بين حال الزوجين فجعل لهما مع فقد الولد مثل ما لهما مع الولد ، فلما لم يجز أن يعطيا مع فقد الولد ما فرض لهما مع الولد دلّ على أنه لا يجوز أن يعطى للأم مع غير الولد والأخوة ما جعل لها مع الأخوة والولد إذا كان الله تعالى قد فرّق بين حالهم جميعا.

وفي التسوية بينهما مخالفة للظاهر وما هو إلّا قريب. فإن قال قائل : لما كان الأبوان يرثان بمعنى واحد وهو الولادة وكانا في درجة واحدة شابها الابن والبنت اللذين يرثان بالولادة ، فوجب أن لا تفضل الأنثى منهم على الذكر إذا تساويا في درجة.

٥٩

قلنا : هذا قياس وإن كان غير صحيح وبالقياس لا تثبت عندنا الأحكام الشرعية ، ثمّ لو لزم ذلك للزم أن يرث الأبوان مع الولد للذكر مثل حظّ الأنثيين ولا تساوي بينهما لاستوائهما في الدرج والولادة ، وللزم مثله أيضا في الأخوة والأخوات من الأم والجدّ والجدّة إذا استووا في الدرجة.

واحتج ابن علية في هذه المسألة وتبعه في ذلك أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي (١) بأن للأب وللامّ إذا لم يكن معهما غيرهما فللام الثلث وللأب الثلثان ، فإذا دخل عليهما من استحق بعض المال وجب أن يرجعا إلى ما كان لهما في الأصل ، كشريكين كان بينهما مال لأحدهما ثلاثة وللآخر ثلاثاه فاستحقّ مستحقّ بعض هذا المال ، فالواجب أن يقسم ما بقي من المال على ما كان لهما في الأصل ، لصاحب الثلث ثلث ما بقي ولصاحب الثلثين ثلثا ما بقي.

وقد قوّى أبو بكر الرازي هذا الاحتجاج بأن قال : ان الله تعالى جعل عند انفراد الأبوين بالميراث للامّ الثلث وللأب الثلثين كما جعل مثل ذلك للابن والبنت في قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وللأخ والأخت في قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) ثمّ لما سمّى للزوج والزوجة ما سمّى لهما وأخذا نصيبهما كان الباقي بين الابن والبنت على ما كان عليه قبل دخولهما ، وكذلك بين الأخ والأخت ، وهذا يقتضي في مسألة الأبوين أن يكون إذا أخذ الزوج والزوجة نصيبهما فوجب أن يكون ما كان للأبوين على ما استحقاه في الأصل قبل دخول الزوجين (٣) ، وهذا احتجاج ركيك مبني على فساد ؛ لأن الله تعالى إذا فرض للام الثلث عند انفراد الأبوين بالميراث ولم يسمّ للأب شيئا فأعطيناه ما بقي فكان الثلثين اتفاقا للأب ، لا لأنه السهم المعيّن ، وإذا كان فرض الأم الثلث في كلّ موضع وقد بيّنا أن الظاهر يقتضي أنه الثلث من أصل المال وجب أن نعطيها الثلث كاملا من المال مع الداخل وفقد الداخل ، ويكون للأب ما بقي كائنا ما كان. ولا يشبه ذلك

__________________

(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٨٣.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.

(٣) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٨٣.

٦٠