تفسير الشريف المرتضى - ج ١

تفسير الشريف المرتضى - ج ١

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٣

١

٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في العالمين.

التعريف بالكتاب

ما بين يدي القاريء الكريم مجموعة آراء في تفسير القران الكريم تمّ اقتباسها من التراث العلمي الّذي تركه سيّد الطائفة الإماميّة علم الهدى عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى رحمه‌الله. حيث صيغت لتكون تفسيرا ترتيبيّا لتراث هذا العالم الكبير.

وتتّضح أهميّة هذا النتاج من خلال المقدّمة الّتي دوّنّاها وأردنا لها أن تكون مقدّمة لهذه المجموعة. حيث سنشير هنا إلى بيان المنهج الكلّي لهذا الكتاب.

يمكن تصنيف التراث العلمي الذي تركه السيّد المرتضى إلى الموضوعات التالية :

١ ـ التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ؛ وهو ما نجده في كتب من قبيل تنزيه الأنبياء ، والأمالي وبعض الرسائل المطبوعة مما دوّنه السيّد المرتضى.

٢ ـ فقه الخلاف ؛ والمتوافر في كتب من قبيل الانتصار والناصريّات وبعض الرسائل المطبوعة من رسائل السيّد المرتضى.

٣ ـ أصول الفقه ؛ وهو ما نجده في كتاب الذريعة وبعض رسائله الّتي تمّ طبعها وعرفت برسائل المرتضى.

٤ ـ علم الكلام ؛ وهو ما نجده في كتبه من قبيل الملخص ، والذخيرة ، والشافي في الإمامة وبعض رسائله الّتي تمّ طبعها وعرفت برسائل المرتضى.

٥

٥ ـ العلوم الأدبيّة والمسائل المتفرّقة والمتوفّرة في رسائله المطبوعة في رسائل المرتضى.

وقد دوّنت هذه الكتب وبطبيعة موضوعها بطريقة خاصّة ، وهذا ما سبّب أن يكون الاستناد إلى الآيات القرآنية مبتنيا على حاجة هذا العلم إلى تلك الآية. ولهذا فإنّك تجد أن هذه المجموعة المقتناة من هذه الكتب غير متناسقة السياق ، حيث يلاحظ أن طرح آية وتفسيرها لا يعني الغور في جميع وجوهها ، إلّا أن ما لا يمكن إنكاره في هذا السياق هو أنّ جلّ ما يتناوله البحث هو الآيات المتشابهه ، ذلك لأنه وكما سيأتي فإنّ المنهجية الرئيسية للسيّد المرتضى هي البحث في الآيات المتشابهة والمسائل الخلافية. فحتى ما دوّنه من التفسير ـ ورغم أنّه لم يتجاوز في بحثه الآية الأولى من سورة البقرة وتوقّف هذا التفسير لأسباب غير واضحة ـ كان يهدف البحث عن الآيات المتشابهة والإجابة على شبهات المخالفين (١) وعلى كلّ حال فإنّ الموارد الّتي تمّ العثور عليها ورغم أنّها لا تشمل القرآن بأجمعه إلّا أنّ بالإمكان أن تكون مظهرا للخطوط العامّة للفكر التفسيري لذلك الرجل العظيم.

منهجنا

المقالة الأولى :

كان هدفنا في البداية التعرف على جميع موارد التفسير في كتب السيّد المرتضى. ثمّ بحثنا في الموارد الّتي تمّ العثور عليها ، فصار في نهاية المطاف إثنا عشر قسما. وسنذكر فيما يلي كلّ واحدة منها وسنشير إلى سياق منهجنا في هذا الاطار :

١) سنكتفي بنقل عيني للمورد الّذي ورد في كتب السيّد المرتضى لمرّة واحدة وذكر له تفسيرا واحدا عينا.

__________________

(١) سيأتي كلامه في مقدّمة هذه الرسالة قبل سورة الحمد إن شاء الله تعالى.

٦

٢) سنكتفي بذكر الموارد المكرّرة والمتشابهة بشكل تامّ لمرّة واحدة لكن مع الإشارة إلى مصدر الموردين.

٣) في الموارد المتكرّرة والّتي يرد توضيح أوسع لإحداهما ، يذكر المورد الذي ورد له توضيح أوسع كمورد أصلي وأمّا الثاني فيكتفي بالإشارة إلى مورده.

٤) في الموارد الّتي نجد فيها أرجحيّة لتفسير على تفسير في جوانب فإنّه يصار إلى تلفيق بين التفسيرين وذلك وفق الموازين العلميّة ويعمد إلى ذكر مصدر كلّ واحد بشكل منفصل.

٥) إن تكرار الموارد لا يعني انها متشابهة بشكل مطلق فالملاحظ وجود أفضلية وقوّة لأحدهما على الآخر. لكن قد لا يخلو ذكر الاثنين من فائدة ، لذلك يصار إلى ذكر الآية في البداية ومن ثم يذكر الرأيين مع الإشارة إلى الأمر المذكور.

٦) في الموارد الّتي يستنبط فيها من آية معيّنة في مجال الأبواب الفقهية عدّة أحكام ، فإنّه يصار إلى ذكر الآية ثمّ يشار بعبارة «وفيها أمور» أو «أمران» ثمّ تذكر بالترتيب الموارد الّتي تمّ العثور عليها وذلك حسب التسلسل الطبيعي.

٧) في الموارد الّتي تمّ تفسير عدّة آيات في موضوع واحد يصار إلى تجزئة وتفكيك التفاسير وإرجاع تفسير كلّ آية إلى محلّها [في السورة الّتي يتمّ البحث بها] وذلك فيما لو لم يخلّ هذا التفكيك بالترتيب الّذي استساغه السيّد المرتضى.

٨) عمدنا في الموارد الكثيرة الّتي وجدنا فيها إضافة إلى تفسير آية تفاسير لآيات أخرى في نفس السياق وكان التفكيك يضرّ بالترتيب الّذي ذكره السيّد المرتضى عمدنا إلى ذكر المورد ؛ ومن ثمّ ذكرنا الآيات الأخرى الّتي قام بتفسيرها في نفس المقام مع الإشارة إلى ذكر الآية ومصدر الآية الّتي تمّ التفسير ضمنها وفي محلّه.

٩) في الموارد الّتي كان البحث فيها بحثا تفسيريا ، لكن السيّد المرتضى لم يطرح البحث في سياق تفسير آية معيّنة ، بل ذكر الموضوع وتمّ التطرّق ضمن

٧

البحث إلى الآيات التي ترتبط بهذا البحث ففي مثل هذه الحالة ارتأينا اختيار احدى الآيات الّتي ترتبط بهذا البحث استنادا على الأسس والموازين العلميّة وإدراج البحث المذكور في ذيل ذلك.

١٠) في الموارد الّتي طرح السيّد المرتضى فيها مباحث قرآنية ضمن بحث كلامي أو روائي وكان من الصعب تفكيك تلك الموارد ، فإنّ البحث سيذكر في إطار الآية الّتي ترتبط وهذا البحث (١).

١١) في الموارد الّتي تمّ التعرّف فيه على كلمة من آية وذكر المعنى أو تمّ تعريف المصطلح ، فهنا يصار إلى اقتطاع هذا المورد ونقله إلى ذيل الآية دون الإشارة إلى البحث الّذي تمّ من خلاله الإشارة إلى المورد.

١٢) اضطررنا في موارد خاصّة وللحفاظ على التناسق بين أجزاء الكتاب إلى عدم رعاية الترتيب الّذي كان موجودا في المصدر الأصلي واتّخذنا ترتيبا جديدا ، لكن وضع هذا الترتيب بأكمله داخل معقوفتين وتمّ الإشارة إلى ذلك في الهامش والملاحظة المهمّة في هذا الإطار هو اننا عمدنا إلى إدخال كلمات على النصّ الأصلي وذلك للحفاظ على الهدف الرئيسي للبحث وهو إيجاد تفسير ترتيبي ، لكننا وحفاظا على الأمانة العلميّة جعلنا المورد بين معقوفتين.

تذكير مهم :

إنّ الآثار العلميّة الّتي طبعت للسيّد المرتضى ليست على نسق واحد من حيث الطباعة والتحقيق وهذا ما جعل البحث يواجه بعض المشاكل ؛ لأن بعض هذه الآثار إمّا انها لم تحقّق أبدا أو أنّ التحقيق لم يلحظ فيه وحدة المقاييس التحقيقية. ولذلك جهدنا قدر المستطاع لإيجاد تنسيق بين أجزاء الكتاب وقد شمل هذا الأمر ذكر المصادر الروائية ، والأشعار وتصحيح العلائم والإشارات وإليكم المؤلّفات الّتي تمّ الاستناد عليها في هذا الجهد التفسيري :

__________________

(١) الآية ٦٧ من سورة المائدة و ١٤٢ من سورة الأعراف والآيتين ٢٦ و ٢٧ من سورة البقرة هي من هذا القبيل.

٨

١ ـ تنزيه الانبياء والأئمة ، انتشارات الشريف الرضي ، الطبعة الأولى سنة ١٣٧٦ شمسي [١٩٩٧ م]. وقد تمّ اصداره من قبل انتشارات بوستان كتاب وتمّ تحقيقه من قبل الأستاذ فارس الحسّون.

٢ ـ أمالي المرتضى ، انتشارات ذوي القربى الطبعة الأولى سنة [٢٠٠٥ م] وقام بتحقيقه محمد أبو الفضل إبراهيم ، وقد تمّ نقل الحواشي الّتي اضيفت إلى الكتاب وارتأينا ذكرها في بحثنا التفسيري.

٣ ـ الإنتصار ، المطبعة الحيدريّة ، سنة ١٩٧١ ، قدّم له محمد رضا الخرسان ، وقد تمّ اصداره من قبل الانتشارات التابعة لجامعة المدرسين [في قم] وقام بتحقيقه جملة من الأعلام.

٤ ـ مسائل الناصريات ، انتشارات رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة ، الطبعة الأولى ، سنة ١٤١٧ وقام بتحقيقه مركز البحوث والدراسات العلميّة.

٥ ـ رسائل الشريف المرتضى ، دار القرآن الكريم ـ قم ، الطبعة سنة ١٤٠٥ ، اعداد السيّد الرجائي وبإشراف السيّد أحمد الحسيني.

٦ ـ الطيف والخيال ، مطبوعات وزارة الثقافة والإرشاد القومي القاهرة ، سنة ١٩٦٢ م ، تحقيق الأستاذ حسن كامل الصيرفي.

٧ ـ الشافي في الإمامة ، انتشارات مؤسّسة الصادق ، الطبعة الثانية سنة ١٤٢٦ تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب.

٨ ـ الذريعة إلى أصول الشريعة ، انتشارات جامعة طهران ، لم يذكر الطبعة ـ سنة ١٩٩٧ [١٣٧٦ م] تحقيق الدكتور أبو القاسم كرجي ، وكذا طبعة انتشارات مؤسّسة الإمام الصادق عليه‌السلام تحقيق اللجنة العلميّة في مؤسّسة الإمام الصادق عليه‌السلام وبإشراف العلّامة الفقيه آية الله الشيخ السبحاني دام علاه.

٩ ـ الذخيرة في علم الكلام ، طبعة انتشارات جامعة المدرّسين [في قم] ، لم يذكر الطبعة ، سنة ١٤١١ تحقيق السيّد أحمد الحسيني.

١٠ ـ الملّخص في أصول الدين ، مركز نشر دانشگاهي [الجامعي] ومكتبة

٩

مجلس الشورى الإسلامي ، الطبعة الأولى ، سنة ٢٠٠٢ [١٣٨١ م] تحقيق محمّد رضا أنصاري قمّي.

يذكر أنّ كتاب «الموضح عن جهة إعجاز القرآن» تمّ طبعه من قبل انتشارات الروضة الرضويّة للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام لكنّنا لم نذكره لكونه مطولا أضف إليه أنّه بحث كلامي ، ومع ذلك فقد ذكرنا بحث الإعجاز نقلا عن كتاب الذخيرة وذلك لأنّه كتاب مختصر وكاف وأوردنا هذا البحث في سياق الآية ٢٣ من سورة البقرة.

ولم ننقل عن رسالة المحكم والمتشابه وذلك لعدم وجود دليل يؤكّد أنها من تأليفات السيّد المرتضى ؛ وذلك لأن السلف من علمائنا كالنجاشي (١) في رجاله والشيخ الطوسي (٢) في فهرسته ومحمد بن محمّد البصروي (٣) في إجازته حيث إنّه نقل آثاره ومضافاته فيها وابن شهر آشوب (٤) في معالم العلماء لم يشيروا إليها ، لكن يظهر أن أوّل من نقلها هو الشيخ الحرّ العاملي (٥) ومعاصره العلّامة المجلسي في مقدّمة بحار الأنوار (٦) ثمّ دخلت ضمن موسوعة كتب الفقهاء.

فالملاحظ أنّ لا شاهد يمكن الاعتماد عليه في إثبات نسبة هذه الرسالة إلى السيّد المرتضى ، وذلك لأنّ منظومة الكتاب بأسرها هي نقل لرواية مفصّلة ، الأمر الّذي يختلف عن سياق السيّد المرتضى في كتاباته ؛ لأنّ السيّد المرتضى كان معروفا باستقلالية السياق والإبداع في جميع تأليفاته. فهو لا ينقل الرواية إلّا في إطار موضوعات كتابه. وعلى كلّ حال فنسبة الكتاب إلى السيد المرتضى نسبة ضعيفة ، كما أن انتساب الرسالة إلى النعماني أمر يمكن البحث فيه (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٧٠.

(٢) الفهرست : ١٦٤ و ١٦٥.

(٣) رياض العلماء ، ٤ : ٣٤.

(٤) معالم العلماء : ٦١.

(٥) على سبيل المثال في وسائل الشيعة المجلّد الأوّل : ٢٧ وموارد أخرى منه وأيضا في أمل الامل ، ٢ : ١٨٤.

(٦) بحار الأنوار ، ١ : ١٠ ، إلّا أنه في متن البحار يسنده إلى النعماني ، وانظر البحار و ٥ : ٢٠٨.

(٧) فصليّة «الانتظار» ٩ ، ٨ مقالة «النعماني ومصادر الغيبة» للاستاذ محمّد جواد الشبيري ؛ نقلناها باختصار.

١٠

المقالة الثانية :

لا يخفى على الباحث أن للسيّد المرتضى آراء خاصّة في خبر الواحد والإجماع وقد استند عليها كثيرا في مؤلّفاته. كما يلاحظ في كتاباته بعض مسائل القرائات (هرمنطيقا) والعلوم القرآنية والّتي لا يمكن اعتبارها بعيدة عن علم التفسير وهي من جملة الموارد الّتي يختلف فيها عن القوم كما ورد في مقدّمة الذريعة (١) ولذلك كان من المناسب ذكر هذه الآراء ضمن مقدّمات وقبل الخوض في هذه المجموعة وذلك كي لا يصاب القاريء الكريم بالحيرة والذهول عند استناد السيّد لهذه الأدلّة والآراء ؛ وقد اختيرت هذه المباحث من كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة. فحيث أنّ كتاب الذريعة كتب في أصول الفقه فقد سعي أن تكون الموارد المنقولة عنه مرتبطة بالجانب التفسيري ولهذا عمدنا إلى نقل ما له ارتباط بالتفسير وكان ضروريا.

وإضافة لما قيل ولأن جزءا يعتدّ به من الموارد التفسيرية قد نقل من كتاب تنزيه الانبياء والّذي يبتنى بأجمعه على النظرية الكلاميّة في تنزيه الأنبياء عن جميع الذنوب كان من اللازم أن تضمّ مقدّمته على هذا الكتاب إلى هذه المجموعة وقد نضمت هذه المباحث ضمن ٧ مقدّمات وحسب التفصيل الآتي :

١ ـ المقدّمة الأولى في الخطاب وأقسامه وأحكامه ؛

٢ ـ المقدّمة الثالثة في العموم والخصوص ؛

٣ ـ المقدّمة الرابعة في النسخ ؛

٤ ـ المقدّمة الخامسة في الأخبار ؛

٥ ـ المقدّمة السادسة في الإجماع ؛

٦ ـ المقدّمة السابعة في أن الأنبياء والأئمّة منزّهون عن جميع المعاصي.

وبعد هذه المقدّمات فقد ذكرنا الموارد المكتشفة بعد مقدّمة «رسالة تفسير

__________________

(١) انظر مقدّمة كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة.

١١

الآيات المتشابه من القرآن» حسب ترتيب السورة والآية. ولاشتمال هذا الأثر المنيف على تأويلات نفيسة وممتعة رأينا أن نسمّيه ب «نفائس التأويل» ونهدي ثوابه إلى صاحبه الشريف الأجل ذي المجدين المرتضى علم الهدى أعلى الله درجته ورفع في الخلد مقامه.

وقبل أن نشرع في موضوعنا سنتناول ومن خلال فصول ثلاثة البحث في حياة السيّد المرتضى وطريقته العلميّة ومنهجيّته العلميّة والتفسيريّة.

وفي الختام لا بدّ لي أن أقدّم شكري لكلّ من ساعدني وساهم معي في إتمام هذا الجهد وأسأله تعالى أن يهبهم الأجر والثواب.

والشكر أيضا لمؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت التي تبنت هذا المشروع وقامت بطبعه بحلة قشيبة رائعة

واسأل الله تعالى بجلاله وكرمه أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه وأن يصفح عن مؤلّف هذه السطور قصوره وتقصيره سواء في جهده هذا أو باقي أعماله ، انّه ولي التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله

عيد الأضحى المبارك / ١٤٢٩ /

/ قم المقدّسة

مجتبى أحمد الموسوي

١٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تمهيد

لا يمكن لمقالة أو مقدّمة أن تنناول أبعاد شخصية السيّد المرتضى ، كما يعجز الشخص لوحده أو مع جمع من أن يدرك تفاصيل حياته الزاخرة بالعطاء. لأنّ للسيّد المرتضى منظومة فكرية يرتبط كلّ بعد من أبعادها ارتباطا وثيقا مع بقيّة الأبعاد. كما أن إبداء الرأي حول كلّ واحد منها والإحاطة بجوانبها ودقائق أمورها بحاجة إلى سنين من البحث العلمي والتعرّف على المذاهب الفكريّة في ذلك الموضوع. ويزداد هذا الأمر صعوبة إذا ما كانت هناك آراء خاصّة للسيّد المرتضى تخالف رأي المشهور بعده ، ولهذا يظهر أن من غير المتيسّر التعرف على السيرة العلميّة لشخصية من قبيل السيّد المرتضى إلّا بتكوين مجاميع متخصّصة في كلّ فنّ تبحّر فيه تعمل تحت إشراف أحد العلماء.

ولهذا فإنّ بحثنا لا يروم الخوض في جميع الجوانب العلميّة للسيّد المرتضى بل يحاول الإجابة على بعض الأسئلة الّتي تبدر في ذهن القارئ بالنسبة للتراث العلمي لهذا الرجل الكبير. فقد يسأل عن سبب الاهتمام الكبير للسيّد المرتضى بالنسبة لتفسير القرآن (١) أو عن السرّ في استدلال السيّد المرتضى الّذي يعدّ عالما شيعيّا بروايات أهل السنّة أكثر من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام والسؤال الآخر هو عن المنهجية التفسيريّة الّتي ينتهجها السيّد المرتضى.

وسنذكر قبل الخوض في الإجابة على هذه الأسئلة وفي الفصل الأوّل

__________________

(١) يعلم هذا بمراجعة هذا الكتاب وقد وصفه العلّامة الطهراني بأنّه من المكثرين في التفسير. الذريعة ٤ : ٤١٤.

١٣

الأرضية الّتي سببت ازدهاره العلمي ثمّ نتناول في الفصل الثاني منهجيته العلميّة وفي فصل ثالث منهجيته التفسيريّة.

الفصل الأوّل

إنّ تكوينة الشخصيّة الإنسانيّة رهن بعوامل متعدّدة ، كما أنّ مستوى درجة التأثير في كلّ واحدة تناسب ارتباط الشخص بذلك العامل. فهذه العوامل تنقسم إلى عوامل الوراثة (١) والبيئة. كما أنّ العوامل البيئية بالذات لها اقسام متعدّدة.

إن دراسة حياة السيّد المرتضى والعوامل المؤثّرة في تكوينة شخصيّته مع ملاحظة العوامل الوراثيّة والبئيّة ، هي في الواقع مقدّمة للإجابة على الأسئلة المذكورة ولذلك سنعمد إلى دراسة هذه العوامل ضمن مقالتين :

المقالة الأولى :

لا يخفى على أحد تأثير عامل الوراثة على السيّد المرتضى ؛ ذلك لأنّه كان ينتسب إلى البيت العلوي من أبويه معا. فقد كان أبائه لأمّه من كبار العلماء وزعماء السياسة فيما اقترن اسم أجداده لأبيه بالعلم والرئاسة ونقابة العلويّين وسيتّضح هذا خلال بحثنا لهذا النسب الشريف :

نسبه من أبيه

أبوه الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمّد الأعرج ابن موسى

__________________

(١) أظنّ أنه يكفي في بيان أهمّيّة عامل الوراثة ما نقله أصحاب السير من وقعة جمل قال ابن أبي الحديد المعتزلي : دفع أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمل رايته إلى محمّد ابنه وقد استوت الصفوف وقال له احمل فتوقّف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كأنّها شآبيب المطر في صدره فقال إدركك عرق من أمّك ثمّ أخذ الراية فهزها ثمّ قال : اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا المسدّد ثمّ حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة. شرح نهج البلاغة ، ١ : ٢٤٤ ولا يخفى أن قوله عليه‌السلام : «ادركك عرق من أمّك» لا يعني إلّا عامل الوراثة.

١٤

الملقّب أبا سبخة ابن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام عليّ زين العابدين ابن الإمام السبط الشهيد بكربلاء الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم أفضل التحيّة والسلام (١).

قال العمري بعد أن ذكر نسبه الشريف المتقدّم : وهذا البيت أجلّ بيت لبني الكاظم عليه‌السلام اليوم (٢).

كان سيّدا عظيما مطاعا ، كانت هيبته أشدّ من هيبة الخلفاء ، خاف منه عضد الدولة فاستصفي أمواله ، وكانت منزلته عند بهاء الدولة أرفع المنازل ، ولقبه بالطاهر ، والأوحد ، وذي المناقب ، وكان فيه كلّ الخصال الحسنة (٣).

ووصفه العمري بقوله : أبو أحمد الموسوي ، وكان بصريّا ، أجل من وضع على كتفه الطيلسان ، وجرّ خلفه رمحا ـ أريد أجل من جمع بينهما ـ وهو نقيب نقباء الطالبيّين ببغداد ، يلقب الطاهر ، ذا المناقب ، وكان قوي المنّة ، شديد العصبية ، وكانت لأبي أحمد مع عضد الدولة سير ، لأنه كان في حيز بختيار بن معزّ الدولة ، فقبض عليه وحبسه في القلعة ، وولّى على الطالبيّين أبا الحسن عليّ بن أحمد العلوي العمري ، فولّي نقابة الطالبيّين أربع سنين ، فلمّا مات عضد الدولة خرج أبو الحسن العمري إلى الموصل (٤).

قال السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة» ما لفظه : كان الشريف أبو أحمد سيّدا عظيما مطاعا ، وكانت هيبته أشدّ هيبة ، ومنزلته عند بهاء الدولة أرفع المنازل ، ولقبه بالطاهر الأوحدي ، وذي المناقب وكان فيه كلّ الخصال الحسنة ، إلّا أنّه كان رافضيّا هو وأولاده على مذهب القوم.

لقد حسب السيوطي الرفض والتشيّع في أبي أحمد رضى الله عنه عيبا وشنارا وذنبا

__________________

(١) مقدّمة الناصريات : ٧.

(٢) المجدي في أنساب الطالبيّين : ١٢٥.

(٣) قاله ابن تغردي بردي في النجوم الزاهرة ، ٤ : ٢٢٣.

(٤) المجدي في أنساب الطالبيّين : ١٢٤ ـ ١٢٥.

١٥

غير مغفور ، إذ لم يجد في شخصه أيّ ضعف وهوان فبعد أن بالغ في الثناء عليه اردف قوله بذلك الكلام الهزيل القارص ، وقد قيل من قبل : الحسّاد يحسدون أكثر ممّا في المحسود لأنّ بعضهم يظنّ عند المحسود مالا يملك فيحسده عليه (١).

بقي رضوان الله تعالى عليه سجينا ، بعيدا عن أبنائه ، إلى أن مات عضد الدولة البويهي سنة ٣٧٢ هجرية ، فأطلق ولده شرف الدولة سراح الشريف أبي أحمد الحسين ، فرجع إلى بلده معزّزا مكرّما ، إلى أن وافقته المنية ، ليلة السبت لخمس بقين من جمادى الأولى سنة أربعمائة للهجرة ، فالتحق بالرفيق الأعلى عن سبع وتسعين سنة ، ودفن في داره أولا ، ثم نقل جثمانه الطاهر إلى مشهد جدّه الإمام الحسين عليه‌السلام بمدينة كربلاء ، ووري جسده الطاهر في رواق الروضة المقدّسة عند جده إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام (٢).

نسبه من أمّه

أمّه السيّدة الجليلة العلويّة فاطمة بنت الناصر الصغير الحسن ابن أبي الحسين أحمد الناصر الكبير صاحب جيش أبيه بن علي بن الناصر لدين الله أبي محمّد الحسن بن أبي الحسن عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر الأشرف ابن الإمام عليّ زين العابدين ابن الإمام الحسين السبط الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

نشأت السيّدة فاطمة في بيت الإمامة ، والولاية ، والزعامة ، والرئاسة ، والقيادة ، فإن آباؤه كانوا جميعا من ملوك طبرستان ببلاد الديلم.

يقول السيّد المرتضى بصدد هذا في مقدّمته على كتاب الناصريات :

وأنا بتشييد علوم هذا الفاضل البارع كرم الله وجهه أحقّ وأولى ؛ لأنّه جدّي من جهة والدتي ؛ لأنها فاطمة بنت أبي محمّد الحسن بن أحمد أبي الحسين ،

__________________

(١) الشريف الرضي (الأميني) : ١٩.

(٢) مقدّمة الناصريات : ١٠ ـ ١١.

(٣) مقدّمة الناصريات : ٨.

١٦

صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمّد الحسن بن عليّ بن الحسن بن عليّ ابن عمر بن عليّ السجّاد زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد ابن أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، والطاهرين من عقبه عليهم‌السلام والرحمة.

والناصر : كما تراه من أرومتي ، وغصن من أغصان دوحتي ، وهذا نسب عريق في الفضل والنجابة والرئاسة.

أما أبو محمّد الحسن : الملقّب بالناصر ابن أبي الحسين أحمد ، الّذي شاهدته وكاثرته ، وكانت وفاته ببغداد في سنة ثمان وستّين وثلاث مائة ، فإنّه كان خيرا فاضلا دينا ، نقي السريرة ، جميل النيّة ، حسن الأخلاق ، كريم النفس ، وكان معظما مبجلا ، مقدما في أيّام معزّ الدولة وغيرها رحمه‌الله لجلالة نسبه ومحلّه في نفسه ، ولأنه كان ابن خالة بختيار عزّ الدولة ، فإن أبا الحسين أحمد والده تزوج كنز حجير بنت سهلان السالم الديلمي ، وهي خالة بختيار وأخت زوجة معزّ الدولة ولوالدته هذه بيت كبير في الديلم وشرف معروف.

وولي أبو محمّد الناصر ـ جدّي الأدنى ـ النقابة على العلويّين بمدينة السلام عند اعتزال والدي رحمه‌الله لها سنة اثنتين وستّين وثلاث مائة.

فأمّا أبو الحسين أحمد بن الحسن فإنّه كان صاحب جيش أبيه ، وكان له فضل وشجاعة ونجابة ومقامات مشهورة يطول ذكرها.

وأمّا أبو محمّد الناصر الكبير وهو : الحسن بن عليّ ، ففضله في علمه وزهده وفقهه أظهر من الشمس الباهرة ، وهو الّذي نشر الإسلام في الديلم حتّى اهتدوا به بعد الضلالة ، وعدلوا بدعائه عن الجهالة ، وسيرته الجميلة أكثر من أن تحصى ، وأظهر من أن تخفى ، ومن أرادها أخذها من مظانها.

فأمّا أبو الحسن عليّ بن الحسين فإنّه كان عالما فاضلا.

وأمّا الحسن بن عليّ فإنّه كان سيّدا مقدما مشهور الرئاسة.

وأما عليّ بن عمر الأشرف ، فإنّه كان عالما ، وقد روى الحديث.

وأمّا عمر بن عليّ بن الحسين ولقبه الأشرف ، فإنّه كان فخم السيادة ، جليل

١٧

القدر والمنزلة في الدولتين معا الأمويّة والعبّاسيّة ، وكان ذا علم ، وقد روي عنه الحديث.

وروى أبو الجارود زياد بن المنذر ، قال : قيل لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام : أي إخوتك أحبّ إليك وأفضل؟ فقال عليه‌السلام : (أمّا عبد الله فيدي الّتي أبطش بها ـ وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمّه ـ وأمّا عمر فبصري الّذي أبصر به ، وأمّا زيد فلساني الّذي أنطق به ، وأمّا الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) (١) (٢).

__________________

(١) الناصريات : ٦٢.

(٢) قد يقال بأن آباء السيّد المرتضى من أمّه ينتحلون مذهب الزيدية ورمي بها أيضا أخوه الشريف الرضي رحمه‌الله عليه ؛ لكنّه نسبة واهية قال العلّامة الشيخ عبد الحسين الحلّي في مقدّمة حقائق التأويل ردّا على هذه المزعمة : «ان تلك التهمة ـ الزيدية ـ قد لصقت به من قبل آبائه لامّة ، بني الناصر الكبير ، أبي محمّد (الحسن الأطروش) صاحب الديلم.

لكن هذا قد ثبت لدى علماء الرجال من الإمامية ، وفي طليعتهم السيّد الشريف المرتضى علم الهدى ، في كتابه : شرح المسائل الناصرية نزاهته ، ونزاهة جميع بنيه عن تلك العقيدة المخالفة العقيدة أسلافهم. سوى ان اصطلاح الكتاب أخيرا ، جرى على تسمية الثائر في وجه الخلافة زيديا ، ولمن كان بريئا من عقائد الزيدية ، يريدون : انه زيدي النزعة ، لا العقيدة. وربّما تطرفوا ، فجعلوا لفظ «زيدي» لقبا لكلّ من تحمس للثورة ، وطالب بحق ، زعم أنّه أهله ، وان لم يجرد سيفا ، ولم يحد قيد شعرة عن مذهب الإمامية في الإمامة ، ولا عن طريقة الجماعة ... ولقد كان أبو حنيفة في نقل أبي الفرج الاصبهاني زيديا ، وكذا أحمد ، وسفيان الثوري ، وأضرابهم من معاصريهم. ومراده من زيديتهم : أنهم يرون أن الخلافة الزمنية جائرة ، وأن الخارج آمر بالمعروف أحقّ بالاتباع والبيعة ...

وقال أيضا : الّذي يقال : إنّه إمام الزيدية هو الملقّب بالداعي إلى الحقّ ، وهو الحسن بن زيد ... توفّي بطبرستان سنة ٢٥٠ ... وأمّا الحسن بن عليّ ، الملقّب بالناصر للحقّ الكبير ، وهو الاطروش ، أحد أجداد الشريف لامّه ، والحسن أو الحسين ابن عليّ (أو ابن أحمد) ، الملقّب بالناصر الأصغر ، وهو والد أم الشريف ، فليسا من أئمّة الزيدية. ومن زعم أن الناصر إمام الزيدية ، فقد اشتبه عليه الداعي للحق ، بالناصر للحقّ ، ولا يبعد دعوى اتباعه أنه زيدي ، لكنّه برىء عن تبعة اعتقادهم إلخ مقدّمة حقائق التأويل : ٨٠ وارتضاه العلّامة السيّد جعفر المرتضى العاملي في كتابه «أكذوبتان حول الشريف الرضي : ٢١ و ٢٢» على أن السيّد الرضي ردّ هذه الأوهام في كتابه خصائص الأئمّة حيث قال : ... بعض الرؤساء ـ ممّن غرضه القدح في صفاتي ، والغمز لقناتي ، والتغطية على مناقبي ، والدلالة على مثلبة ـ إن كانت لي ـ لقيني ، وأنا ـ

١٨

المقالة الثانية :

ذكرنا في ما مضى التأثير البالغ للعوامل البيئية في تربية الشخص. ويمكن البحث عن هذه العوامل في المحيط العائلي ، والمجتمع ، والأصدقاء والأقارب ؛ فالسيّد المرتضى كان قد توفرت له تلك العوامل بشكل تام وكامل. ومن هذه العوامل يمكن أن نشير له إلى ما يلي :

١ ـ لقد مرّ أن أسرة السيّد المرتضى سواء من جانب والده أو والدته كانت تمتاز بمكانتها الرفيعة حاملة لواء العلم والسياسة فهو ومنذ أن فتح عينيه على الدنيا لم يلحظ إلّا بيتا عامرا بالتقوى والدين والعلم والجهاد والنضال فمثل هذه البيئة ـ كما هو واضح ـ يمكن أن تلعب دورا بارزا في تربية الإنسان المستعدّ.

لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أنّ هذه البيئة لا يمكنها لوحدها أن تكون كفيلة بتربية وتكامل وتقويم شخصية ما ، بل ينبغي أن تتوفّر أرضية تربوية أخرى.

٢ ـ يظهر أنّ أهمّ أرضية كانت قد توفّرت للسيّد المرتضى وساعدت في تطوره وتكامله هي البيئة الثقافية في مدينة بغداد. فهذه المدينة ورغم أنها كانت قد أنشأت لتكون حصنا [موقعا] عسكريا إلّا أنها سرعان ما تحوّلت إلى مدينة ثقافية.

وكان علماء وكبار الشيعة قد لعبوا دورا مؤثّرا في تطوّر هذا المظهر الجديد لمدينة بغداد فقد كانوا إمّا من ساكني هذه المدينة من الأساس أو ممّن يتردّدون عليها وقد ورد في أحوال هشام بن الحكم الكلامي المعروف والّذي كان من

__________________

ـ متوجّه عشية عرفة من سنة ثلاث وثمانين هجرية ، إلى مشهد مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهما‌السلام ، للتعريف هناك ، فسألني عن متوجّهي فذكرت له إلى أين مقصدي ، فقال لي : متى كان ذلك؟ يعني أن جمهور الموسويين جارون على منهاج واحد في القول بالوقف ، والبراءة ممّن قال بالقطع ، وهو عارف بأن الإمامة مذهبي ، وعليها عقدي ومعتقدي ، وإنّما أراد التنكيت لي ، والطعن على ديني ، فأجبته في الحال بما اقتضاه كلامه ، واستدعاه خطابه ، وعدت وقد قوى عزمي ، على عمل هذا الكتاب إعلانا لمذهبي ، وكشفا عن مغيبي ، وردّا على العدوّ الّذي يتطلب عيبي ، ويروم ذمّي وقصبي خصائص الأئمّة : ٣٧ و ٣٨.

١٩

أصحاب الإمام الصادق والكاظم عليهما‌السلام أنّه كوفي تحوّل إلى بغداد من الكوفة ... وكان ينزل الكرخ من مدينة السلام (١) وقد ذكر في أحوال محمّد بن أبي عمير : بغدادي الأصل والمقام (٢).

فلسنا هنا بصدد الحديث عن تاريخ مدينة بغداد أو منطقة الكرخ أو دور الشيعة في إيجاد هكذا بيئة علمية لكننا سنشير إجمالا إلى الثقافة الرفيعة الّتي كان يتمتّع بها شيعة بغداد :

لقد نشأ الجيل العلمي الأوّل لعلماء الشيعة في مدينة الكوفة. ويرجح الاحتمال القائل بأن مدينة قم هي أوّل مدينة كانت قد تأثّرت بالتشيّع المنبثق من مدينة الكوفة. وأنّ لمدينة الكوفة اليد الطولى على جميع ما نتج من ازدهار ونموّ للعلماء والمجاميع العلميّة في مدينة قم وكانت مدينتي «الري» ومن ثمّ بغداد المدينتين اللتين تأثّرتا بالمدّ الشيعي الاثني عشري بعد مدينة قم. فمن بين العلماء الّذين ورد اسمهم وعنوانهم في أمّهات الكتب الرجالية القديمة كعلماء بارزين يلاحظ أنّ الكوفة كانت تتقدّم على غيرها من المدن من حيث عدد العلماء ، فقد ورد في مثل هذه المصادر عبارات من قبيل «أصله الكوفة وسكن بغداد» و «كوفي نشأ ببغداد» و «كوفي الأصل» و «سكن بغداد» والكثير من أمثال هذه العبارات. وعلى هذا فبغداد تدين إلى الكوفة بما تزخر به من محيط علمي أوّلا ثمّ تأتي بعدها قم و «الري» فالصدوق وابن قولويه من قم ، والكليني من الري وهشام ابن الحكم وجابر بن حيّان على احتمال من الكوفة كانوا قد توجّهوا صوب بغداد.

إنّ نفوذ التشيّع بشكل عام في الحكم العبّاسي وبأنحاء مختلفة كما نلحظه بالنسبة لآل نوبخت هو مثال بارز لهذا التوجّه فقد وصل رجال هذه العائلة إلى مناصب مختلفة في الدولة وكانوا يمثلون عاملا آخر في نموّ الثقافة الشيعية ؛ كما

__________________

(١) فهرست الشيخ الطوسي : ٢٥٩ وانظر أيضا النجاشي : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٢٦.

٢٠