تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

بالإمامة ، وإنّما يرجع في ذلك إلى طريقة اعتبار الإجماع ، وتأمّل أقوال الأمة المختلفين في الإمامة ، وأن الحق لا يخرج عن الأمة على ما رتّبناه فيما تقدّم ، فكيف يحسن أن تجعل دلالة في النصّ وتحكى في جملة الأدلة عليه؟ وهذا يوجب كون جميع ما دلّ من جهة العقل على وجوب عصمة الأئمّة ، والنصّ عليهم دالا على النصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعد ذلك ظاهر (١).

[الثاني : انظر النور : ٦٣ من الذريعة ، ٢ : ٥٨٣.]

ـ (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ٦٠].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ١٧٧ : ٢ إلى ٢٤٧.

ـ (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥].

أنظر النور : ٦٣ من الذريعة ، ١ : ٦٦.

ـ (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]

أنظر البقرة : ٢٣ من الذخيرة : ٣٦٤ والبقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ...) [النساء : ٩٢].

وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ دية أهل الكتاب والمجوس الذكر منهم ثمانمائة درهم والأنثى أربعمائة درهم ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ... دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه : الإجماع المتردّد ، وأنّه قد ثبت أنّ المؤمن لا يقتل بالكافر

__________________

(١) الشافي الامامه وابطال حجج العامة ، ٢ : ٢٥٧.

٨١

وكلّ من قال من الأمة : بأنّ المؤمن لا يقتل بالكافر ، قال : بأنّ ديته دون ديته وإن اختلفوا في المبلغ ، فإذا ثبت أنّ ديته ناقصة عن دية المسلم ، فالكلام بيننا في مبلغ هذا النقصان وبين من وافقنا في جملة النقصان وإن خالف في التفصيل ، وإذا كنا نرجع في أنّ النقصان على ما ذكرناه إلى طرق توجب العلم فقولنا : أولى ممّن عوّل في هذا النقصان على ما يوجب الظنّ من قياس أو خبر واحد.

فان احتجّ المخالف بقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) ثمّ قال : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) وظاهر الكلام يقتضي أنّ الدية واحدة ، قلنا : لا شبهة في أنّ ظاهر الكلام لا يقتضي التسوية في مبلغ الدية ، وإنّما يقتضي التساوي في وجوب الدية على سبيل الجملة ، ودية الذمّي عندنا وإن نقصت عن دية المسلم يسمّى في الشريعة دية ، ألا ترى أنّه غير ممتنع أن يقول القائل : من قتل مسلما فعليه دية ، ومن قتل مسلمة فعليه دية ، وإن اختلفت الديّتان في المبلغ إذا تساويا في كونهما ديتين (١).

[انظر أيضا النساء : ١١ الأمر الرابع من الناصريات : ٤٢١ والأمر الخامس من الانتصار : ٣٠٧ وأيضا غافر : ١٨ من الذخيرة : ٥٠٤ والمقدّمة الثانية ، الأمر السادس].

ـ (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) [النساء : ١٠١].

[فيها أمران :]

[الأوّل :] وممّا يظنّ انفراد الإمامية به القول : بأنّ من أتمّ الصلاة في السفر يجب عليه الاعادة إن كان متعمّدا على كلّ حال ، وإن كان أتم ناسيا أعاد ما دام في الوقت ، وإن كان بعد خروج الوقت لا إعادة عليه ...

والحجّة في مذهبنا هذا ، الاجماع المتقدّم ، وأيضا فانّ فرض السفر

__________________

(١) الانتصار : ٢٧٣.

٨٢

الركعتان فيما كان في الحضر أربعا ، وليس ذلك برخصة ، وإذا كان الفرض كذلك فمن لم يأت به على ما فرض وجبت عليه الاعادة.

فان قيل : القرآن يمنع ممّا ذكرتم ؛ لأنّه تعالى قال : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) ورفع الجناح يدلّ على الاباحة لا على الوجوب.

قلنا : هذه الآية غير متناولة لقصر الصلاة في عدد الركعات ، وإنّما المستفاد منها التقصير في الأفعال من الايماء وغيره ؛ لأنّه تعالى علّق القصر بالخوف ، ولا خلاف في أنّه ليس من شرط القصر في عدد ركعات الصلاة الخوف ، وإنّما الخوف شرط في الوجه الآخر وهو الأفعال في الصلاة ؛ لأنّ صلاة الخوف قد أبيح فيها ما ليس مباحا مع الأمن (١).

[الثاني : قال الناصر رحمه‌الله :] «إذا صلّى المسافر خلف المقيم أتمّ».

عندنا : أنّ المسافر إذا دخل في صلاة المقيم سلّم في الركعتين الأولتين وانصرف ... دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ذكره ، قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ، وهذا ضارب في الأرض ، وله حكم المسافر بلا خلاف ، فيجب أن يلزمه التقصير (٢).

ـ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ...) [النساء : ١٠٢].

[قال الناصر رحمه‌الله :] «يصلّي في الخوف بالطائفة الأولى ركعة ، وبالطائفة الثانية ركعة ، ويسلّم بالطائفتين جميعا ، ويصلّي المغرب بالطائفة الأولى ركعة ، وبالثانية ركعتين».

عندنا : أنّ كيفية صلاة الخوف هي أن يفرق الإمام أصحابه فرقتين : فرقة

__________________

(١) الانتصار : ٥٢ وراجع أيضا الناصريات : ٢٥٥.

(٢) الناصريات : ٢٦٠.

٨٣

يجعلها بإزاء العدوّ تدافعه ، وفرقة خلفه ، ثمّ يكبّر ويصلي بمن ورائه ركعة واحدة ، فإذا نهض إلى الثانية صلّوا لأنفسهم ركعة أخرى ، وهو قائم يطول القراءة ، ثمّ جلسوا فتشهدوا وسلّموا ثمّ انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم ، فجاءت الفرقة الأخرى فلحقوا الإمام قائما في الثانية ، فاستفتحوا الصلاة وأنصتوا القراءة فإذا ركع ركعوا بركوعه وسجدوا بسجوده ، فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وهو جالس ، ثمّ جلسوا معه فسلّم بهم وانصرفوا بتسليمه ...

الدليل على صحّة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ).

ظاهر القرآن يقتضي أن الطائفة الثانية تصلّي مع الإمام جميع صلاتها ، وعند مخالفينا من أصحاب أبي حنيفة أنها تصلّي معه النصف ، فقد خالف الظاهر لأنه تعالى قال : (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) فيجب أن يكون المراد بذلك سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية ، يدلّ عليه إضافة السجود إليهم ، والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف إلى الإمام وإلى الإمام والمأموم ، ولاتضاف إلى المأموم وحده ؛ لأنه تابع.

وممّا يقوّي أنّ الترتيب الذي ذكرناه في هذه الصلاة أقوى ممّا ذهب إليه غيرنا : أنّ فيه تسوية بين الطائفتين من وجهين :

أحدهما : أنّ الإمام يحرم بالطائفة الأولى ويسلّم بالطائفة الثانية ، فيحصل للأولى فضيلة الاحرام وللثانية فضيلة التحليل ؛ وعلى قولهم يحرم بالأولى ولا يسلّم بالثانية.

والوجه الثاني : أنّ الطائفة الأولى لمّا صلّت مع الإمام حرستها الطائفة الأخرى وهي غير مصلّية ، لتساويها في حالة الحراسة في غير صلاة ؛ وعلى قولهم تحرسها في الصلاة.

وأيضا ؛ فإنّ الصلاة التي يذهب المخالف إليها تشتمل على أمور تبطل

٨٤

بمثلها الصلاة ، منها المشي الكثير ، والأفعال الكثيرة ، واستدبار القبلة ، وأنّ الطائفة الأولى إذا صلّت ركعة انتظرت فراغ الإمام ، والانتظار الكثير يبطل الصلاة (١).

ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [النساء : ١١٥].

[هذه الآية أحد ما اعتمده القاضي في الدلالة على أنّ الأمّة لا تجتمع على خطأ ، قال ما مضمونه :] وأنّه لما توعد تعالى على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين ، كما توعّد على مشاقّة الرسول بعد البيان ، وجب أن يدلّ على أنّ اتباع سبيلهم صواب ، ولا يكون سبيلهم بهذه الصفة إلّا وهم حجّة فيما يتّفقون عليه.

وهذه الآية لا يمكن التعلّق بها من وجوه :

منها : أنّ لفظ (الْمُؤْمِنِينَ) لا يجب عمومه لكلّ مؤمن ، بل الحقّ فيه تناوله لثلاثة فصاعدا ، فتناوله لثلاثة مقطوع عليه ، وما عدا الثلاثة مجوّزا ، وقد بيّنا في مواضع أنّ هذا اللفظ ليس من ألفاظ العموم المستغرقة للجنس ، بل لا لفظ في اللغة يستغرق الجنس بصيغته ووضعه (٢) ، وإذا لم يعقل من ظاهر لفظ المؤمنين الاستغراق لجميعهم ، لم يسغ التعلّق بها في الإجماع على الوجه الذي يدعيه الخصوم ، وجرت الآية مجرى المجمل الذي يحتاج في تفسيره وتفصيله إلى بيان ، وإذا لم يسغ للقوم حملها على الكلّ لم يسغ أيضا لهم حملها على البعض ؛ لأنّه لا شيء يقتضي حملها على بعض معيّن دون بعض ، ولو ساغ ذلك لكنّا نحن أحقّ به إذا حملناها على الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم من حيث ثبتت عصمتهم وطهارتهم ، وأمنّا وقوع شيء من الخطأ منهم ، وكانوا من هذا الوجه أحقّ بأن تتناولهم الآية.

ومنها : أنّ لفظة (سَبِيلِ) تقتضي الوحدة ، ولا يجب حملها على كلّ سبيل ، فكيف يمكن الاستدلال بالآية على أنّ كلّ سبيل للمؤمنين صواب يجب اتّباعه؟

__________________

(١) الناصريات : ٢٦٢.

(٢) تقدّم في المقدّمات.

٨٥

وليس لهم أن يقولوا : إنّا نحمل هذه اللفظة على الجميع من لم تختص سبيلا دون سبيل ، لأنّ ذلك تحكّم ؛ لأنّه كما لم تتناول اللفظة سبيلا دون سبيل بظاهرها فلم تتناول أيضا بظاهرها جميع السبل ، ويجب إذا فقدنا دلالة اختصاصها ببعض السبل أن نقف وننتظر البيان ، ولا يجب من حيث عدمنا الاختصاص أن ندعي عمومها بغير دليل ، كما لا يجب إذ عدمنا العموم فيها أن ندعي الاختصاص ، واحد القولين مع فقد الدلالة كالآخر.

ومنها : أنّه توعّد على اتباع غير سبيلهم ، وليس في ذلك على وجوب اتباع سبيلهم ، فيجب أن يكون اتباع سبيلهم موقوفا على الدليل.

ومنها : ـ على تسليم عموم المؤمنين والسبيل ـ أنّ الآية لا تدلّ على وجوب اتباعهم في كلّ عصر ، بل هو كالمجمل المفتقر إلى بيان فلا يصح التعلّق بظاهره.

وليس لأحد أن يقول : إنني أحمله على كلّ عصر من حيث لم يكن اللفظ مختصّا بعصر دون غيره ؛ لأنّ هذه الدعوى نظيرة للدعوى التي قدّمناها وبيّنّا فسادها.

وليس له أن يقول : إنّني أعلم عموم وجوب اتّباعهم في الأعصار كلها بما علمت به وجوب اتّباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ عصر ، فما قدح في عموم أحد الأمرين قدح في عموم الآخر ؛ لأنّا نعلم وجوب اتباع الرسول في كلّ عصر بظاهر الخطاب ، بل بدلالة لا يمكن دفعها ، فمن ادّعى في عموم وجوب اتّباع المؤمنين دلالة فليحضرها.

ومنها : أنه تعالى حذّر من مخالفة سبيل المؤمنين وعلّق الكلام بصفة من كان مؤمنا ، فمن أين لخصومنا أنهم لا يخرجون عن كونهم مؤمنين؟ وهم إذا خرجوا من الإيمان خرجوا عن الصفة التي تعلّق الوعيد بخلاف من كان عليها.

ومنها : أنّ قوله تعالى «المؤمنين» لا يخلو ، إمّا أن يريد به المصدّقين بالرسول عليه‌السلام ، أو المستحقّين للثواب على الحقيقة ، فإن كان الأول بطل ؛ لأن

٨٦

الآية تقتضي التعظيم والمدح لمن تعلّقت به من حيث أوجبت اتباعه ، وترك خلافه ، ولا يجوز أن يتوجه إلى من لا يستحق التعظيم والمدح ، وفي الأمة من يقطع على كفره ، وأنه لا يستحقّ شيئا منهما ؛ ولأنّه كان يجب لو كان المراد بالقول المصدّقين دون المستحقين للثواب أن يعتبر الاجماع دخول كلّ مصدّق فيه في شرق وغرب ، وهذا ممّا يعلم تعذره ، وعموم القول يقتضيه ، وليس يذهب صاحب الكتاب وأهل نحلته إلى هذا الوجه فنطنب فيه. وإن أراد بالمؤمنين مستحقي الثواب والمدح والتعظيم فمن أين ثبوت مؤمن بهذه الصفة في كلّ عصر يجب اتباعهم؟

ويجب أيضا أن لا يثبت الاجماع إلّا بعد القطع على أنّ كلّ مستحق للثواب في بحر وبر وسهل وجبل قد دخل فيه ؛ لأنّ عموم القول يقتضيه ، وهذا يؤدي إلى أن لا يثبت الاجماع أبدا ، وإن حمل على بعض المؤمنين دون بعض ، وعلى من عرفناه دون من لم نعرفه ، خرجنا عن موجب العموم ، وجاز حمله على طائفة من المؤمنين وهم أئمتنا عليهم‌السلام.

وإن قيل : إنّ المراد بالمؤمنين من كان في الظاهر يستحقّ التعظيم والمدح ، وإن لم يكن في الحقيقة كذلك ، فذلك باطل ؛ لأنّه خروج في هذا الاسم عن اللغة ، وعمّا يدّعي أنّه نقل إليه في الشرع جميعا ؛ ولأنّ الآية تقتضي المدح والتعظيم ، من حيث أوجب علينا اتباع من تعلّقت به ، ومن أظهر الإيمان ولم يبطنه لا يستحق التعظيم في الحقيقة ، ولهذا تعبّدنا بمدحه بشرط ، ويجب على هذا الوجه أيضا أن يعتبر في الاجماع دخول كلّ مظهر للإيمان ، وهو مستحقّ في الظاهر للتعظيم.

ومنها : إنّا [إذا] تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه لم يكن في هذه الآية دلالة تتناول الخلاف في الحقيقة ؛ لأنّه جائز أن يكون تعالى إنّما أمرنا باتّباع المؤمنين من حيث ثبت بالعقول أن في جملة المؤمنين في كلّ عصر إماما معصوما لا يجوز عليه الخطأ ، وإذا جاز ما ذكرناه سقط غرضهم في الاستدلال على صحّة الإجماع ؛ لأنّهم إنّما أجروا بذلك إلى أن يصحّ الاجماع فيحفظ الشرع به ،

٨٧

ويستغنى عن الإمام ، وإذا كان ما استدلوا به على صحّة الاجماع يحتمل ما ذكرناه فسد التعلّق به.

وأما قوله في نصرة هذه الطريقة جوابا لما سأل عنه نفسه من أنّ الآية «تقتضي الوعيد على اتباع غير سبيل المؤمنين ولم يذكر ما حال سبيلهم ، قيل له : إنّ الوعيد لمّا علقه تعالى بغير سبيل المؤمنين حلّ محلّ أن يعلّقه بالعدول عن سبيل المؤمنين وترك اتباعهم ، في أنه يقتضي لا محالة أنّ اتباع سبيل المؤمنين صواب ، وأنّ الوعيد واجب لتركه ومفارقته» (١) فتحكّم ظاهر ، ودعوى محضة ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون اتّباع غير سبيلهم محرّما ، واتّباع سبيلهم مباحا أو محرّما أيضا ، وليس هذا ممّا يتنافى.

ويبيّن ذلك أنّه لو صرّح بما تأولناه حتّى يقول : اتباع غير سبيل المؤمنين محظور عليكم ، وقبيح منك ، واتباع سبيلهم يجوز أن يكون قبيحا وغير قبيح فاعملوا فيه بحسب الدلالة ، أو يقول : واتباع سبيلهم مباح لكم لساغ هذا الكلام ولم يتناقض ، وإذا كان سائغا بطل قول من ادّعى أنّ النهي عن اتباع غير سبيل المؤمنين موجب لاتباع سبيلهم ، وأنه يجري مجرى التحريم لمفارقة سبيلهم ، والعدول عنها. وليس لأحد أن يقول : إنّ من لم يتّبع غير سبيل المؤمنين فلا بد أن يكون متّبعا لسبيلهم ، فمن هاهنا حكمنا بأنّ النهي عن أحد الأمرين إيجاب للآخر ، وذلك أنّ بين الأمرين واسطة فقد يجوز أن يخرج المكلّف من اتباع غير سبيلهم ، واتباع سبيلهم معا بأن لا يكون متّبعا سبيل أحد.

فأمّا قولك : «إنّه علّق الوعيد بما يجري مجرى الاستثناء من سبيل المؤمنين حتّى لا تتمّ معرفته إلّا بمعرفة سبيل المؤمنين (٢) ، فكأنّه تعالى أراد ما يجري مجرى النفي وإن كان بصورة الإثبات ؛ لأنّه لا فرق بين ذلك وبين أن يقول :

__________________

(١) المغني ١٧ : ١٦١ في فصل «ان الإجماع حجّة».

(٢) في المغني «وإذا عرف سبيلهم عرف ذلك الغير الذي يحرم اتباعه ، وما حلّ هذا المحل فلا بدّ من أن يدلّ على أن سبيل المؤمنين بخلافه وكأنه تعالى» الخ ولا يختلف المعنى غير أن ما في المتن أقل أو أدلّ.

٨٨

«ولا يتّبع غير سبيل المؤمنين» ، وهذا بيّن في التعارف ؛ لأنّ أحدنا لو قال لغيره : من أكل غير طعامي فله العقوبة ، فالمتعارف من ذلك أن أكل طعامه مخالف لذلك ، وأنّ العقوبة إنّما تتعلّق بخروجه عن أن يكون آكلا لطعامه» (١) فغير صحيح ؛ لأنّ «غير» ـ هاهنا ـ ليس بواجب أن يكون بمعنى «إلّا» الموضوعة للاستثناء ، بل جائز أن تكون بمعنى : خلاف ، فكأنّه تعالى قال : لا يتّبع خلاف سبيل المؤمنين (٢) وما هو غير لسبيلهم ، ولم يرد : لا يتّبع إلّا سبيلهم ، ومعرفة الغير المحظور واتباعه وإن كانت لا تتمّ إلّا بمعرفة سبيلهم على ما ذكر ، فغير ممتنع أن يكون حكمه موافقا لحكم اتباع سبيلهم في الحظر ، ولا يجب أن يكون واجبا من حيث كان الأول محظورا ، وكانت معرفته لا تتم إلّا بمعرفته ، وقد أصاب في قوله : «لا فرق بين ذلك وبين أن يقول : «ولا يتبع غير سبيل المؤمنين» غير أنّه ظنّ أنّه لو استعمل هذا اللفظ لفهمنا منه ما ادّعاه من اتباع سبيلهم ، وليس الأمر كما ظنّ ، بل التأويل الذي تأوّلناه ودلّلنا على احتمال اللفظ الأوّل له قائم في الثاني ، وحكم المثل الذي ضربه أيضا هذا الحكم ؛ فإنّ من قال : لا تأكل غير طعامي ، أو من أكل غير طعامي عاقبته ، لا يفهم من ظاهر لفظه ومجرّده إيجاب أكل طعامه ، بل المفهوم حظر أكل ما هو غير لطعامه ، وحال طعامه في الحظر [أو] الإباحة أو الإيجاب موقوفة على الدليل ، وأقلّ أحوال هذا اللفظ عند من ذهب إلى أن لفظة «غير» مشتركة بين الاستثناء وغيره وأن ظاهرها لا يفيد أحد الأمرين ، أن يكون محتملا لما ذكرناه من حظر أكل غير طعامه ومحتملا لإيجاب أكل طعامه ، ووضع لفظة «غير» مكان لفظة «إلّا» وإنّما يفهم في بعض المواضع عن مستعمل هذا اللفظ إيجاب أكل طعامه لا بمجرد اللفظ ، بل بأن يعرف قصده إلى الإيجاب ، أو لغير ذلك من الدلائل المقترنة (٣) إلى اللفظ ، ولو لا أن الأمر على ما ذكرناه لما حسن أن يقول القائل : من أكل غير طعامي عاقبته ، ومن أكل طعامي ـ أيضا ـ عاقبته ، وكان يجب أن يكون نقضا

__________________

(١) المغني ١٧ : ١٦٢.

(٢) في نسخة : أو.

(٣) في نسخة : المضمومة.

٨٩

وجاريا مجرى قوله : من أكل إلّا طعامي عاقبته ، ومن أكل طعامي عاقبته ، فلما حسن ذلك مع استعمال لفظة «غير» ولم يحسن مع استعمال لفظة «إلّا» دلّ على صحّة قولنا.

فأمّا قوله : «وبيّن ما قدمناه أنّ اتباع سبيل المؤمنين لو لم يكن حجّة وصوابا ، لكان حاله في أنّه قد يكون صوابا وخطأ بحسب قيام الدلالة على ذلك حال اتباع غير سبيلهم ، في أنّه قد يكون صوابا وخطأ ولو كان كذلك لم يصحّ أن يعلّق الوعيد باتباع غير سبيلهم ، وكان يبطل معنى الكلام» (١) من حيث علم أن ذلك لا يكون إلّا خطأ ويكون اتباع سبيلهم مما يجوز أن يكون خطأ وصوابا ، ولو لم يكن كذلك وكان الأمران متساويين لجاز أن يعلّق الوعيد بأحدهما دون الآخر ، ويكون الصّلاح للمكلّفين أن يعلموا حظر اتباع غير سبيلهم بهذا اللفظ ويعلموا مساواة اتباع سبيلهم له في الحظر بدليل آخر كما يقوله [أكثر خصومنا (٢)] وهو مذهب صاحب الكتاب. إنّ قوله [عليه‌السلام] «في سائمة (٣) الغنم الزكاة» لا يجب أن يفهم منه رفع الزكاة عمّا ليس بسائم ، ومفارقة حاله لحال السائمة ، بل يجوز أن يكون الحكم واحدا نعلمه في السائمة بهذا القول ، وفي غيرها بدليل آخر.

وبمثل هذه الشبهة التي تشبّث بها صاحب الكتاب يتعلّق من خالفنا في دليل الخطاب فيقول : لو لا أنّ حكم ما ليس بسائم مخالف للسائم لم يكن لتعليق (٤) الزكاة بالسائمة معنى ، وإذا علّق بالسائمة وجب أن يخالف حكمها حكم ما ليس بسائم ، ولا طريق لجميعنا إلى إبطال هذه الطريقة إذا تعلّق بها الناصر لدليل الخطاب إلّا ما سلكناه في دفع ما أورده في نصرة الاجماع.

ولا يزال هؤلاء القوم على سنن (٥) من نصرة مذاهبهم ، والذبّ عنها حتّى

__________________

(١) المغني ١٧ : ١٦٢.

(٢) ما بين المعقوفين من تلخيص الشافي للشيخ الطوسي.

(٣) السائمة الماشية التي ترسل للمرعى ولا تحتاج إلى العلف وجمعها سوائم.

(٤) في نسخة : المتعلق.

(٥) السنن : الطريق.

٩٠

إذا وقعوا (١) إلى كلام في الإمامة وما يتّصل بها نسوا كلّ ذلك وأعرضوا عنه ، وقدحوا فيها (٢) بما يقدح في أصولهم ، ويعترض على مذاهبهم ، وليس يزيّن هذا إلّا الهوى ، وقوّة العصبيّة.

فأمّا قوله : «على أن ما خرج من أن يكون سبيلا للمؤمنين إذا حرم اتباعه ، فإنّما وجب ذلك فيه لكونه «غيرا» لسبيلهم على ما يقتضيه اللفظ ، وكونه «غيرا» لسبيلهم بمنزلة كونه تركا لسبيلهم ، وخارجا عن سبيلهم. فلا بدّ من أن يدلّ على أنّ اتباع سبيلهم هو الواجب ليخرج به من أن يكون متّبعا غير سبيلهم وهذا كقول أحدنا لغيره : لا تتبع خلاف طريقة الصّالحين ، وغير سبيلهم ، في أنّه بعث (٣) له على اتّباع سبيل الصالحين ، وأن لا يخرج عن ذلك» (٤) فلم يزد فيه على الدعوى ، ولو سلّمنا له ما ادّعاه من التعليل لم يجب أن يكون اتباع غير سبيلهم بمنزلة الخروج عن سبيلهم ؛ لأنّ اتباع غير سبيلهم لا بدّ أن يكون اتّباعا لسبيل ما ليس سبيلا لهم ، والخروج عن اتّباع سبيلهم ليس كذلك ؛ لأنّه قد يخرج عن اتّباع سبيلهم وغير سبيلهم بأن لا يكون متّبعا لسبيل أحد ؛ لأنّ الاتباع الذي أريد هاهنا أن يفعل الفعل لأجل فعل المتّبع على جهة التأسي به ، وقد يجوز أن يحظر الله تعالى على المكلف اتباع سبيل المؤمنين وغير المؤمنين على هذا الوجه.

فإذا؟ صحّ ما ذكرناه فسد قوله «فلا بدّ من أن يدل على انّ اتباع سبيلهم هو الواجب ، ليخرج عن أن يكون متّبعا غير سبيلهم» ، فأمّا قول أحدنا لغيره : «لا تتّبع خلاف طريقة الصالحين» فالقول فيه كالقول فيما تقدّم ، وظاهر اللفظ وإطلاقه لا يدلّ على وجوب اتّباع طريقة الصالحين ، وإنّما يعقل بالدلالة ؛ ولأنّ المخاطب بهذا القول إذا كان حكيما علم من حاله أنّه لا بدّ أن يوجب اتّباع طريقة الصالحين ، ويحثّ عليها ، وما يعلم إلّا من حيث ظاهر اللفظ خارج عمّا نحن فيه ، ولو أنّ أحدا قال بدلا من ذكر الصالحين : لا تتبع خلاف طريقة زيد ،

__________________

(١) في نسخة : إذا دفعوا.

(٢) الضمير الأول للكلام والثاني للإمامة.

(٣) أي حثّ.

(٤) المغني ١٧ : ١٦٢.

٩١

لم يجب أن يفهم من إطلاق لفظه إيجاب اتباع طريقته ، ولو لا أن الأمر فيما تقدّم على ما قلناه دون ما ادّعاه صاحب الكتاب من أنّ غير سبيل المؤمنين بمنزلة الخروج عنها ، لوجب فيمن قال لغيره : لا تضرب غير زيد ، ثم قال : ولا زيدا ، أن يكون مناقضا في كلامه من حيث كان قوله : لا تضرب غير زيد إيجابا لضربه ، وقوله : ولا زيدا حظرا لذلك وفي العلم بصحّة هذا القول من مستعمله ، وأنه غير جار مجرى قوله : «اضرب زيدا ولا تضربه» دلالة على استقامة تأويلنا للآية.

فأمّا قوله في الاستدلال على أنّ في جملة الأمّة مؤمنين في كلّ عصر : «أن نفس الظاهر يقتضي إثبات مؤمنين يصحّ أن يتبع سبيلهم ، لأنّه لا يصحّ أن يتوعّد الله تعالى توعّدا مطلقا على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين إلّا وذلك يمكن في كلّ حال ولا يصح دخوله في أن يكون ممكنا إلّا بأن يثبت في كلّ عصر جماعة من المؤمنين ، [وفي هذا اسقاط السؤال (١)] يبيّن ذلك أنه كما توعّد على العدول عن اتباع سبيلهم فكذلك توعّد على مشاقة (٢) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا وجب في كلّ حال صحّة المشاقة ليصحّ الوعيد المذكور ، فكذلك يجب أن يصحّ في كلّ حال اتّباع سبيلهم ، والعدول عنها» (٣) فليس يجب من حيث توعّد الله تعالى توعّدا مطلقا على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين ثبوت مؤمن (٤) في كلّ عصر ، وإنّما تقتضي الآية التحذير من العدول عن اتباعهم إذا وجدوا ، ويمكن من اتّباعهم وتركه.

ولسنا نعلم من أيّ وجه ظنّ أن التوعّد على الفعل يقتضي إمكانه في كلّ حال!

وليس هذا مما تدخل فيه عندنا شبهة على متكلّم ، ونحن نعلم أنّ البشارة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تقدّمت على لسان من سلفت نبوّته كموسى وعيسى عليهما‌السلام وغيرهما ، وقد أمر الله تعالى اممهم باتّباعه وتصديقه ، وأشار لهم إليه بصفاته

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من المغني.

(٢) المشاقة : الخلاف.

(٣) المغني ١٧ : ١٦٧ و ١٦٨.

(٤) المؤمنين ، خ ل.

٩٢

وعلاماته ، وتوعّدهم على مخالفته وتكذيبه ، ولم يلزم أن يكون ما توعّد عليه من مخالفته ، وأوجبه من تصديقه واتّباعه ممكنا من كلّ وقت ولا مانعا من إطلاق الوعيد ، فقد قال شيخ أصحابه أبو هاشم وتبعه على هذه المقالة جميع أصحابه : إنّ قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) الآية (١) ... «لا يقتضي ثبوت من يستحقّ القطع على سبيل النكال ، ولا يفتقر إليه وإنّما يوجب أنّ من واقع السرقة المخصوصة على الوجه المخصوص يستحقّ القطع على سبيل التنكيل ، ولو لم يقع التمكّن (٢) أبد الدهر من الوقوف على من هذه حاله لما أخلّ بفائدة الآية ، وعوّل في قطع من يقطع من السّراق المشهود عليهم أو المقرّين (٣) على الاجماع ، وإذا صحّ هذا فكيف يجب من حيث أطلق الوعيد على العدول عن اتّباع سبيل المؤمنين وجود مؤمنين في كلّ عصر؟ وما المانع من أن يكون الوعيد تعلّق بحال مقدرة كأنه قال تعالى : لا تتبعوا غير سبيل المؤمنين إذا حصلوا أو وجدوا؟ وفساد ما تعلّق به أظهر من أن يخفى.

فأمّا قوله : «والوجه الثاني : أنّ الآية دالّة على وجوب اتّباع سبيل المؤمنين ، ونعلم أنّ في كلّ حال مؤمنين بدليل آخر ، وهو ما ثبت بالقرآن وغيره أنّ في كلّ حال طائفة من أمّة النبيّ ظاهرين على الحقّ (٤) ، وان في كلّ عصر شهداء يشهدون على الحقّ» (٥) فما نراه أحال إلّا على غيب ؛ لأنّه ادّعى أنّ القرآن وغيره دالّ على أنّ في كلّ عصر مؤمنين وشهداء ، وما نعلم في القرآن شيئا يدلّ على ذلك ، ولا في غيره ، ولو تعلّق فيما ادّعاه بشيء لبيّنا فساده ، ولكنّه اقتصر على محض الدعوى.

وليس فيما تعلّق به من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) إلى قوله : (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٦) وقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.

(٢) في نسخة : «التمكين».

(٣) أي المقرّين على أنفسهم بالسرقة.

(٤) يشير إلى الحديث «لا تزل طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق».

(٥) المغني ١٧ : ١٦٨ وفيه «يشهدون بالحق».

(٦) سورة الحج ، الآيتان : ٧٧ ، ٧٨.

٩٣

وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) وقوله تعالى : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) (٢) وقوله جلّ اسمه : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣) دلالة على موضع الخلاف ، وهو : أنّ في كلّ عصر مؤمنين يشهدون على غيرهم ، وأكثر ما تدلّ عليه الآيات التي تلوناها أن يكون في الأمّة شهداء ، وأن من جملة المؤمنين من يستشهد فيشهد ، فأمّا أن يقتضي ذلك وجود الشهداء في كلّ عصر فبعيد.

فأمّا استدلاله من الآية على أنّ إجماع كلّ عصر حجّة : «بأنّها تقتضي التحذير من ترك اتباع سبيل المؤمنين ، وليس فيها تخصيص وقت من وقت (٤)» فباطل ؛ لأنّه ليس يلزم إذا لم يكن في الآية تخصيص وقت من وقت أن يحمل على كلّ الأوقات ، وذلك أنّها كما لم تخصّ وقتا دون وقت فلم تعمّ أيضا جمع الأوقات ، وفقد دلالة أحد الأمرين كفقد دلالة الآخر ، ولا فرق بين من ذهب إلى عمومها في الأوقات من حيث لم يكن فيها اختصاص وقت وبين من خصّها بوقت معيّن ، إمّا وقت نزول الآية أو غيره ، واحتجّ بأنّه لما لم يجد فيها ما يقتضي عموم سائر الأوقات ولا تخصيص وقت ، سوى الوقت الذي عيّنته.

فإذا قيل له : حكم الوقت الذي عيّنته كحكم غيره في أنّ الآية لا تقتضي تخصيصه ، فليس تعيين وقت أولى من تعيين غيره.

قلنا نحن : وحكم سائر الأوقات وجميعها حكم بعضها في أنّ الآية لا تقتضي تناوله ، فليس من ادّعى عموم الأوقات بأولى ممن ادّعى وقتا مخصوصا (٥).

ـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ...) [النساء : ١٢٣].

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية : ١٩.

(٢) سورة الزمر ، الآية : ٦٩.

(٣) سورة هود ، الآية : ١٨.

(٤) في المغني «فإن قال : أتدل الآية على أن إجماع كلّ عصر حجّة؟ قيل له نعم لأنها تقتضي» وجملة «التحذير من ترك» مكانها بياض في المغني. وفيه «وليس يخصص وقت من وقت». راجع المغني ١٧ : ١٦٩.

(٥) الشافي في الإمامة وابطال حجج العامة ١ : ٢١٦.

٩٤

أنظر غافر : ١٨ من الذخيرة : ٥٠٤.

ـ (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ...) [النساء : ١٢٥].

أنظر القصص : ٨٨ من الأمالي ، ١ : ٥٥٤.

ـ (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥].

[فيها أمران :

الأوّل :] والخليل : الحبيب ؛ من المودّة والمحبّة ، والخليل أيضا : الفقير ؛ وكلا الوجهين قد ذكر في قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).

ومنه حديث ابن مسعود : «تعلموا القرآن فانه لا يدرى أحدكم متى يختلّ إليه» (١).

[الثاني : قد توهم الآية بأنّ الله أيضا يوصف بأنه خليل لغيره لكن السيّد قال :] ولا يوصف تعالى بأنه «خليل لغيره» ، وإنّما امتنع وصفه بذلك ؛ لأن الخلة هي الاختصاص التامّ ، وإذا أجريت على المحبّة فهي على سبيل التشبيه. وقال بعضهم : إن هذا اللفظة مشتقّة من جعل الإنسان غيره في خلل أموره إذا أطلعه على أسراره ، فلا يليق به تعالى أن يكون خليلا لغيره. وان وصفنا إبراهيم صلوات الله عليه بأنه خليله لهذا الوجه ، ولافتقاره أيضا ولحاجته إليه ، من «الخلة» بالفتح الّتي هي الحاجة (٢).

ـ (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) [النساء : ١٢٨].

أنظر الكهف : ٥٦ و ٧٠ من التنزيه : ١١٨.

ـ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء : ١٢٩].

يقال : إنّ ابن لهيعة أتى عمرو بن عبيد في المسجد الحرام ، فسلّم عليه ، وجلس إليه ، وقال له يا أبا عثمان ما تقول في قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (٣)؟ فقال : ذلك في محبّة القلوب التي لا

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ١٦١.

(٢) الذخيرة : ٥٩٩.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٢٩.

٩٥

يستطيعها العبد ولم يكلّفها ، فأمّا العدل بينهن في القسمة من النفس والكسوة والنفقة فهو مطبق لذلك ، وقد كلّفه بقوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فيما تطيقون (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) ؛ بمنزلة من ليست أيّما ، ولا ذات زوج. وقال ابن لهيعة : هذا والله هو الحقّ (١).

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ...) [النساء : ١٣٥].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...) [النساء : ١٤٠].

أنظر البقرة : ١٥ من الأمالي ، ٢ : ١٢٦.

ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ ...) [النساء : ١٤٢].

أنظر البقرة : ١٥ من الأمالي ، ٢ : ١٢٦.

ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) [النساء : ١٥٣].

أنظر الاعراف : ١٤٣ من الأمالي ، ٢ : ١٨٥.

ـ (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ...) [النساء : ١٥٥].

أنظر آل عمران : ٢١ من الأمالي ، ١ : ٢٣٣ والاعراف : ١٤٦ من الأمالي ، ١ : ٣٠٤.

ـ (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : ١٦٤].

[ان سأل سائل فقال :] كلام الله تعالى هل يكلم به أو أحدثه مثل غيره من المحدثات ، وكلامه لموسى عليه‌السلام من الشجرة كيف كان ، وقد كان تعالى وما كان أن يكلمه الله إلّا وحيا.

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ١٨١.

٩٦

الجواب وبالله التوفيق :

إنّه إذا أحدثه فقد تكلم به ؛ لأن المتكلّم هو فاعل الكلام ، فإذا فعل الكلام فقد تكلم به وقد أحدثه ، والمعنى فيهما واحد.

وأما كلام موسى عليه‌السلام من الشجرة ، فالله تعالى كلّمه ، ولذلك قال : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً).

وأما قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) (١) (٢) فقد قال أيضا : (وَما كانَ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) فمن بعضها [يفسر] (٣) بعض (٤).

ـ (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) [النساء : ١٦٨ ـ ١٦٩].

أنظر الفاتحة من الرسائل ، ٣ : ٢٨٧ ، ٢٩٦.

ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢].

[إن سأل سائل فقال :] ما جواب من استشهد على أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم‌السلام بهذه الآية من حيث أنّ هذا الكلام المقصود به التعظيم والرفعة ، يدلّ على أنّ المذكور أفضل من الأوّل وأشهر في الفضل ، وأنّه لو كان دونه لم يجز استعماله.

ويدلّ على أنّ القائل إذا كان حكيما لا يجوز أن يقول : لن يستنكف الوزير أن يأتيني ولا الحارس ، بل ينبئ عمّن هو أجل وأعلى ، فقال : لن يستنكف الوزير أن يأتيني ولا الملك.

وهذا يوجب كون الملائكة أفضل من المسيح عليه‌السلام سيما وليس المراد في قوله : (الْمُقَرَّبُونَ) الأخبار عن قرب المكان ، لاستحالة ذلك عليه سبحانه ، وإنّما المراد قرب المنزلة في الثواب وعظمها ، ووصفهم بذلك يدلّ على التعظيم.

وليس لأحد أن يقول : إنّ ذلك المقال قد يستعمل في المتماثلين في

__________________

(١) سورة الشورى ، الآية : ٥١.

(٢) في المصدر نقلت الآية إلى قوله تعالى «أو من وراء حجاب» والظاهر زيادته.

(٣) الزيادة منا.

(٤) الرسائل ، ٤ : ٢٧.

٩٧

الفضل ؛ لأنّه ليس في الأمّة قائل به ، وإنّما الأمّة قائلان : قائل يقول : الأنبياء أفضل ؛ وقائل يقول : الملائكة أفضل. وليس يصلح كما بيّنا التنبيه في مثل هذا المقال بالمفضول بل بالأفضل.

وقد تقدّم في ذلك قول من يقول إنّما ثنى بذكرهم ؛ لأنّهم عبدوا المسيح عليه‌السلام» ؛ لأنّ ذلك لا يؤثر فيما قد بيّنا أنّ العرف في الكلام يقتضيه ، وكذلك الظاهر.

الجواب :

أمّا قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) فانّه لا يدلّ على فضل الملائكة على الانبياء من وجوه ثلاثة :

أوّلها : أنّه غير ممتنع أن يكون جميع الملائكة عليهم‌السلام أفضل وأكثر ثوابا من المسيح عليه‌السلام وإن كان المسيح أفضل وأكثر ثوابا من كلّ واحد من الملائكة ، وهو مسألة الخلاف.

ولم يقل تعالى : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا جبرائيل ولا ميكائيل فيدلّ على أن المؤخّرة ذكره أفضل ، وأنّ جبرائيل أفضل من المسيح بل قال : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) وهذا لفظ يقتضي جماعتهم. ولا يمتنع أن يكون الجمع من الملائكة أفضل من كل واحد من الأنبياء عليهم‌السلام.

والجواب الثاني : أنّ المؤخّر في مثل هذا الخطاب المذكور في الآية لا بدّ من أن يكون إمّا أفضل من المقدّم ، أو مقارنا له في الفضل. ولا يجوز أن [لا] يكون مقارنا له في الفضل.

ألا ترى أنّه لا يحسن أن يقول القائل : لن يستنكف الأمير أن يزورني ولا الحارس ، ويحسن أن يقول : لن يستنكف الامير الفلاني أن يزورني ولا الامير الفلاني إذا كانا مقارنين ومدانيين في الفضل ؛ وكذلك لن يستنكف الامير ولا الوزير للمقارنة.

والجواب الثالث : أنّه من الجائز أن يكون الله تعالى خاطب بهذه الاية قوما

٩٨

كانوا يعتقدون فضل الملائكة على الانبياء ، فأجرى الخطاب على اعتقاداتهم كما قال تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (١) ونحن عند قومك ونفسك ، وكما قال تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) (٢) وقد يقول أحدنا لغيره : لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ولا أبوك ، وإن اعتقد القائل أنّ أباه أفضل من أبي المخاطب للمعنى الذي ذكرناه.

ـ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦].

أنظر النساء : ٧ من الانتصار : ٢٧٧ والأنفال : ٧٥ الأمر الأوّل من الانتصار : ٢٨٧ والمائدة : ٦ ، الأمر الثاني من الرسائل ، ٣ : ١٦١ وأيضا المائدة : ٢٨ ، ٢٩ من الأمالي ، ١ : ٤٣.

__________________

(١) سورة الدخان ، الآية : ٤٩.

(٢) سورة طه ، الآية : ٩٧.

٩٩

سورة المائدة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١].

وممّا كان الإمامية تنفرد به أنّ النذر لا ينعقد حتى يكون معقودا بشرط متعلّق به ، كأن يقول لله عليّ إن قدم فلان ، أو كان كذا أن أصوم أو أتصدّق ، ولو قال : لله عليّ أن أصوم أو أتصدّق من غير شرط يتعلّق به ، لم ينعقد نذره.

وخالف باقي الفقهاء في ذلك (١) ، إلّا أنّ أبا بكر الصيرفي وأبا إسحاق المروزي (٢) ذهبا إلى مثل ما تقوله الإمامية.

دليلنا على صحة ذلك الاجماع الذي تردّد ، وأيضا فإنّ معنى النذر في اللغة (٣) يكون متعلّقا بشرط ، ومتى لم يتعلّق بشرط لم يستحق هذا الاسم ، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم يشترط لم يلزمه الوفاء ؛ لأنّ الوفاء إنّما يلزم متى ثبت الاسم والمعنى.

فأمّا استدلالهم بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وبقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٤) ، وبما روي عنه عليه‌السلام من قوله : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، فليس بصحيح.

أمّا الآية فانّا لا نسلّم أنّه مع التعرّي من الشرط يكون عقدا ؛ وكذلك لا نسلّم لهم أنّه مع التعرّي من الشرط يكون عهدا ، والآيتان متناولتان ما يستحقّ إسم العقد والعهد فعليهم أن يدلّوا على ذلك ، وأمّا الخبر المروي عن

__________________

(١) المجموع ، ٨ : ٤٥٨.

(٢) نفس المصدر.

(٣) في بعض النسخ «في القرآن».

(٤) سورة النحل ، الآية : ٩١.

١٠٠