تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

وقال الآخر :

فدى لك ناقتي وجميع أهلي

ومالي إنّه منه أتاني (١)

ولم يقل منك أتاني.

فإن قيل : كيف يكنى عمّن لم يتقدّم له ذكر؟.

قلنا : لا يمتنع ذلك ،

قال الله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٢) ولم يتقدّم للشمس ذكر ،

وقال الشاعر :

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بي الصدر

ولم يتقدّم للنفس ذكر.

والشواهد على هذا المعنى كثيرة جدا ، على أنّه قد تقدّم ذكر ولد آدم عليه‌السلام ، وتقدّم أيضا ذكرهم في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ومعلوم أنّ المراد بذلك جميع ولد آدم عليه‌السلام. وتقدّم أيضا ذكرهم في قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) ؛ لأنّ المعنى أنّه لما أتاهما ولدا صالحا ، والمراد بذلك الجنس ، وإن كان اللفظ لفظ وحدة. وإذا تقدم مذكوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما ، وجب أن يضاف إلى من يليق به. والشرك لا يليق بآدم عليه‌السلام ، فيجب أن ننفيه عنه ، وإن تقدّم ذكره وهو يليق بكفّار ولده ونسله فيجب أن نعلّقه بهم (٣).

وذكر أبو علي الجبائي في هذا ما نحن نورده على وجهه. قال «إنّما عنى [الله له تعالى بهذا أنّه تعالى خلق بني آدم] من نفس واحدة ؛ لأنّ الاضمار في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ) إنّما عنى به بني آدم عليه‌السلام والنفس الواحدة الّتي خلقهم

__________________

(١) في الأمالي ، ٢ : ٢٠١ «فدى لك يا فتى وجميع أهلي».

(٢) سورة ص ، الآية : ٣٢. هذا على بعض المباني كما سيأتي في سورة ص ذيل هذه الآية.

(٣) تنزيه الأنبياء : ٢٩ إلى ٣١.

٣٨١

منها هي آدم ؛ لأنّه خلق حوّاء من آدم ويقال : إنّه تعالى خلقها من ضلع من أضلاعه ويقال : من طينته فرجعوا جميعا إلى أنّهم خلقوا من آدم عليه‌السلام ، وبيّن ذلك بقوله تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ؛ لأنّه عنى به أنّه خلق من هذا النفس زوجها وزوجها هو حواء عليها‌السلام.

وعنى بقوله تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) وحملها هو حبلها منه في ابتداء الحمل ؛ لأنّه في ذلك الوقت خفيف عليها.

وعنى بقوله تعالى : (فَمَرَّتْ بِهِ) أنّ مرورها بهذا الحمل وتصرفها به كان عليها سهلا لخفته ؛ فلما كبر الولد في بطنها ثقل ذلك عليها ، فهو معنى قوله : (أَثْقَلَتْ) وثقل عليها عند ذلك المشي والحركة.

وعنى بقوله تعالى (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) أنّهما دعوا عند كبر الولد في بطنها فقالا : لئن آتيتنا يا رب نسلا صالحا لنكوننّ من الشاكرين لنعمتك علينا ؛ لأنّهما أراد أن يكون لهما أولاد تؤنسهما في الموضع الّذي كانا فيه ؛ لأنّهما كانا فردين مستوحشين إذا غاب أحدهما بقي الآخر مستوحشا بلا مؤنس فلمّا آتاهما نسلا صالحا معافى وهم الأولاد الّذين كانوا يولدون لهما ؛ لأنّ حواء عليها‌السلام كانت تلد في كلّ بطن ذكرا وأنثى فقال إنها ولدت في خمسمائة بطن ألف ولد.

وعنى بقوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) [أي أن هذا النسل الصالح الذي هم ذكر وأنثى جعلا له شركاء فيما آتاهما] من نعمة وأضاف بعد تلك النعم إلى الّذين اتخذوهم آلهة مع الله تعالى من الأصنام والأوثان ولم يعن بقوله تعالى : (جَعَلا) آدم وحوّاء عليهما‌السلام ؛ لأنّ آدم لا يجوز عليه الشرك ؛ لأنّه نبي من أنبيائه ، ولو جاز الشرك والكفر على الأنبياء لما جاز أن يثق أحدنا بما يؤديه النبيّ عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى عزوجل ؛ لأنّ من جاز عليه الكفر جاز عليه الكذب ومن جاز عليه الكذب لم يؤخذ بأخباره ، فصحّ بهذا أنّ الاضمار في قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) إنّما يعنى به النسل ، وإنّما ذكر ذلك على سبيل التثنية ؛ لأنّهم كانوا ذكرا وأنثى ، فلما كانوا صنفين جاز أن يجعل تعالى اخبار عنهما كالاخبار عن الاثنين إذ كانا صنفين.

٣٨٢

وقد دلّ على صحّة تأويلنا هذا قوله تعالى في آخر الآية : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فبيّن عزوجل أن الذين جعلوا للله شركاء هم جماعة ، فلهذا جعل إضمارهم إضمار الجماعة فقال : (يُشْرِكُونَ) ؛ مضى كلام أبي عليّ.

وقد قيل في قوله تعالى (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) مضافا إلى الوجه المتقدّم ـ الّذي هو أنّه أراد بالصلاح الاستواء في الخلقة والاعتدال في الأعضاء ـ وجه آخر وهو أنه لو أراد الصلاح في الدين لكان الكلام أيضا مستقيما ؛ لأنّ الصالح في الدين قد يجوز أن يكفر بعد صلاحه فيكون في حال صالحا وفي آخري مشركا وهذا لا يتنافى (١).

ومنها : ما ذكره أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني (٢) ، فإنّه يحمل الآية على أنّ الكناية في جميعها غير متعلّقة بآدم وحوّآء عليهما‌السلام ، فيجعل الهاء في «تغشّئها» والكناية في (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) و (آتاهُما صالِحاً) راجعين إلى من أشرك. ولم يتعلّق بآدم عليه‌السلام من الخطاب إلّا قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) قال : والإشارة في قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) إلى الخلق عامة ، وكذلك قوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ثمّ خصّ منها بعضهم ، كما قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) (٣) فخاطب الجماعة بالتسيير في البرّ والبحر ، ثمّ خصّ راكب البحر بقوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) كذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنّهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها ، وهما آدم وحوّاء ثم عاد الذكر إلى الّذي سأل الله تعالى ما سأل فلمّا أعطاه إيّاه ، إدّعى له الشركاء في عطيته.

قال وجائز أن يكون عنى بقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) المشركين ؛ خصوصا إذا كان كلّ بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها.

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ١٩٩ إلى ٢٠١.

(٢) كاتب ، متكلّم ، مفسّر ، محدّث ، نحوي ، شاعر ، من مؤلّفاته جامع التأويل لمحكم التنزيل على مذهب المعتزلة ، ولد سنة : ٢٥٤ وتوفّي سنة : ٣٣٢. انظر : معجم الأدباء ، ١٨ : ٣٥.

(٣) سورة يونس ، الآية : ٢٢.

٣٨٣

ويجوز أن يكون المعنى في قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) خلق كلّ واحد منكم من نفس واحدة ؛ وهذا قد يجئ كثيرا في القرآن وفي كلام العرب :

قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (١) والمعنى فاجلدوا كلّ واحد منهم ثمانين جلدة (٢).

وقال عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) (٣) فلكلّ نفس زوج وهو منها أي من جنسها.

(فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي تغشّي كلّ نفس زوجها حملت حملا خفيفا وهو ماء الفحل فمرّت به أي مارت ، والمور : التردّد ؛ والمراد تردّد هذا الماء في رحم هذه الحامل «فلمّا أثقلت» أي ثقل حملها ؛ أي بمصير ذلك الماء لحما ودما وعظما «دعوا الله» أي الرجل والمرأة لمّا استبان حمل المرأة فقالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) ذلك إلى شركاء معه (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤) وهذا الوجه يقارب الوجه الأوّل في المعنى وإن خالفه في الترتيب (٥).

ومنها : أن تكون الهاء في قوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) راجعة إلى الولد لا إلى الله تعالى ، ويكون المعنى أنّهما طلبا من الله تعالى أمثالا للولد الصالح ، فشركا بين الطلبتين. ويجري هذا القول مجرى قول القائل : «طلبت مني درهما فلمّا أعطيتك شركته بآخر» ، أي طلبت آخر مضافا إليه ؛ فعلى هذا الوجه لا يمتنع أن تكون الكناية من أوّل الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحوّاء عليهما‌السلام.

فإن قيل : فأيّ معنى على هذا الوجه لقوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وكيف يتعالى الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر.

قلنا : لم ينزّه الله تعالى نفسه عن هذا الإشراك ، وإنّما نزّهها عن الاشراك

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٤.

(٢) تنزيه الأنبياء ، الآية : ٣١.

(٣) سورة الروم ، الآية : ٢١.

(٤) الأمالي ، ٢ : ٢٠٢.

(٥) تنزيه الأنبياء : ٣٢.

٣٨٤

به ، وليس يمتنع أن ينقطع هذا الكلام عن حكم الأوّل ، ويكون غير متعلّق به ؛ لأنّه تعالى قال : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (١) فنزّه نفسه تعالى عن هذا الشرك دون ما تقدّم ، وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحكم عمّا يتصّل به في الصورة ، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب (٢) ؛ لأنّ من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أكثر من مراعاة المعاني ، فكأنّه تعالى لمّا قال جعلا له شركاء فيما آتاهما ، وأراد الاشتراك في طلب الولد ، جاء بقوله تعالى (عَمَّا يُشْرِكُونَ) على مطابقة اللفظ الأوّل ، وإن كان الثاني راجعا إلى الله تعالى ، لأنّه يتعالى عن اتّخاذ الولد وما أشبهه. ومثله قول النبيّ قد سئل عن العقيقة فقال : «لا أحبّ العقوقة ، ومن شاء منكم أن يعقّ عن ولده فليفعل» (٣). فطابق اللفظ وإن اختلف المعنيان وهذا كثير في كلامهم.

فأمّا ما يدّعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه ، لأنّ الأخبار يجب أن تبنى على أدلّة العقول ، ولا نقبل في خلال (٤) ما تقتضيه أدلّة العقول. ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه ، ونردّها أو نتأولها إن كان لها مخرج سهل ، وكلّ هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعونا على سنده مقدوحا في طريقه ؛ فإنّ هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع ؛ لأنّ الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين. وقد يدخل الوهن على هذا الحديث من وجه آخر ؛ لأنّ الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما رواه خلف بن سالم عن إسحاق بن يوسف عن عوف عن الحسن في قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) قال هم المشركون. وبإزاء هذا الحديث ما روي عن

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٩١.

(٢) في نسخة زيادة هكذا ، قال الشريف المرتضى في قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فائدة : إذا كان الثاني غير الأوّل ؛ لأنّ من عادة ، الخ.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٩٤ وفيه «لا أحبّ العقوق ، ومن ولد له مولد فأحبّ أن ينسك فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة».

(٤) كذا في المطبوعة.

٣٨٥

سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم ، من أن الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته عليهما‌السلام وأنّ المراد به غيرهما ، وهذه جملة واضحة (١).

ـ (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)) [الأعراف : ١٩١ ـ ١٩٢].

أنظر الأعراف : ١٨٩ ، ١٩٠ من تنزيه : ٣٢ إلى ٣٣ والصافات : ٩٥ ، ٩٦ من الأمالي ، ٢ : ٢٠٣.

ـ (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) [الأعراف : ٢٠٦].

[ومعنى هذه الآية] في الخبر عن الملائكة عليهم‌السلام ، أنّه اصطفاهم واختارهم ، وعلى هذا سمّاهم في القرآن المقرّبين من قرب المنزلة لا المسافة.

وقيل : إنّه أراد في ملكه كما يقال : عند فلان من الأصول كذا ، وكما يقال : عنده من الرزق كذا ، أي يملكه.

وقيل : عند عرشه.

وقيل : الموضع الّذي لا يملك الحكم فيه سواه ، كما يقال عند ملك العرب خصب أو قحط ، أي في بلاده الذي يملك التصرّف فيها (٢).

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ٣٢ إلى ٣٣.

(٢) الملخص ، ٢ : ٢١٢.

٣٨٦

سورة الأنفال

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ...) [الأنفال : ٢ ـ ٤].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)) [الأنفال : ٥ ـ ٦].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) [الأنفال : ١١].

[فيها أمران :]

[الأول : قال الناصر رحمه‌الله :] «ولا يجوز الوضوء بالماء المستعمل».

وعندنا أن الماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن الّذي لا نجاسة عليه ، إذا جمع في إناء نظيف كان طاهرا مطهّرا ... والدليل على صحّة مذهبنا : الاجماع المقدّم ذكره.

وأيضا قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وهذا عموم في المستعمل وغيره ؛ لأنّ الاستعمال لا يخرجه عن كونه منزّلا من السماء.

وأيضا قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) (١) والواجد للماء المستعمل

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٤٣.

٣٨٧

واجد لما يتناوله اسم الماء.

وأيضا قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (١) فأجاز عزوجل الدّخول في الصّلاة بعد الاغتسال ، ومن اغتسل بالماء المستعمل يتناوله اسم المغتسل بلا شبهة.

ولا معنى لخلاف من يخالف في أنّ إطلاق اسم الماء لا يتناول المستعمل ، ويدّعي أنّه بالاستعمال قد خرج عن تناول الاسم له.

وذلك أنّ الوصف للماء بأنّه مستعمل وصف غير مؤثّر فيه ، ولا مخرج له من تناوله لاسم الماء المطلق ويجري في ذلك مجرى الماء المشمّس والمبرّد والمسخّن.

وممّا يدلّ على أنّ بالاستعمال لم يخرج عن تناول اسم الماء المطلق حتّى يصير في حكم ماء الورد وماء الباقلاء ، أنه لو شربه من حلف أنه لا يشرب ماء لحنث باتّفاق ، ولو شرب ماء الورد لم يحنث وقد استقصينا هذه المسألة أيضا في مسائل الخلاف (٢).

[الثاني :] وممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ المني نجس لا يجزي فيه إلّا الغسل ...

وقد استوفينا أيضا الكلام على هذه المسألة في مسائل الخلاف ورددنا على كلّ مخالف لنا فيها بما فيه كفاية ، ودلّلنا على نجاسة المني بقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) وروي في التفسير أنّه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام (٣) ، والآية دالّة من وجهين على نجاسة المني : أحدهما ، يوجب أنّ الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد بدلالة قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٤) ، وأراد عبادة الأوثان. وفي موضع آخر : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٥).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٤٣.

(٢) الناصريات : ٧٧.

(٣) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٣ : ٤٦.

(٤) سورة المدثر ، الآية : ٥.

(٥) سورة الحج ، الآية : ٣٠.

٣٨٨

والوجه الثاني : أنّه تعالى أطلق عليه اسم التطهير ، والتطهير لا يطلق في الشرع إلّا لازالة النجاسة أو غسل الأعضاء الأربعة ... (١)

ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) [الأنفال : ١٢].

أنظر الأنفال : ٦٧ من التنزيه : ١٥٧.

ـ (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ...) [الأنفال : ١٧].

أنظر البقرة : ٤٩ من الأمالي ، ٢ : ٩٤.

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].

[إن سأل سائل] فقال : ما معنى الحول بين المرء وقلبه ؛ وهل يصحّ ما تأوّله قوم من أنّه يحول بين الكافر وبين الإيمان؟ وما معنى قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) وكيف تكون الحياة في إجابته؟

الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ففيه وجوه :

أوّلها : أن يريد بذلك أنّه تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت ، وهذا حثّ من الله عزوجل على الطاعات والمبادرة بها قبل الفوت وانقطاع التّكليف ، وتعذّر ما يسوّف به المكلّف نفسه من التوبة والإقلاع ؛ فكأنّه تعالى قال : بادروا إلى الاستجابة لله وللرسول من قبل أن يأتيكم الموت فيحول بينكم وبين الانتفاع بنفوسكم وقلوبكم ، ويتعذّر عليكم ما تسوّفون به نفوسكم من التوبة بقلوبكم. ويقوّي ذلك قوله تعالى : (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

وثانيها : أن يحول بين المرء وقلبه بإزالة عقله وإبطال تمييزه ، وإن كان حيّا ، وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه : إنّه بغير عقل ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) (٢).

__________________

(١) الانتصار : ١٥ وراجع أيضا الناصريات : ٩١.

(٢) سورة ق ، الآية : ٣٧.

٣٨٩

وقال الشاعر :

ولي ألف وجه قد عرفت مكانه

ولكن بلا قلب إلى أين أذهب!

وهذا الوجه يقرب من الأوّل ؛ لأنّه تعالى أخرج هذا الكلام مخرج الإنذار لهم ، والحثّ لهم على الطاعات قبل فوتها ، لأنّه لا فرق بين تعذّر التوبة وانقطاع التكليف بالموت وبين تعذّرها بإزالة العقل.

وثالثها : أن يكون المعنى المبالغة في الإخبار عن قربه من عباده وعلمه بما يبطنون ويخفون ؛ وأنّ الضمائر المكتومة له ظاهرة ، والخفايا المستورة لعلمه بادية ؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١) ونحن نعلم أنّه تعالى لم يرد قرب المسافة ، بل المعنى الذي ذكرناه.

وإذا كان عزوجل هو أعلم بما في قلوبنا منّا ، وكان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه ، ونسهو عنه ، ونضلّ عن علمه ـ وكلّ ذلك لا يجوز عليه ـ جاز أن يقول : إنّه يحول بيننا وبين قلوبنا ؛ لأنّه معلوم في الشاهد أنّ كلّ شيء يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما.

ولمّا أراد تعالى المبالغة في وصف القرب خاطبنا بما نعرف ونألف ؛ وإن كان القرب الذي عناه جلّت عظمته لم يرد به المسافة ، والعرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة ؛ فيقولون : فلان أقرب إلى قلبي من فلان ، وزيد منّي قريب ، وعمرو منّي بعيد ؛ ولا يريدون قرب المسافة.

ورابعها : ـ ما أجاب به بعضهم ـ من أنّ المؤمنين كانوا يفكّرون في كثرة عدوّهم ، وقلة عددهم ، فيدخل قولهم الخوف ، فأعلمهم تعالى أنّه يحول بين المرء وقلبه ، بأن يبدّله بالخوف الأمن ؛ ويبدّل عدوّهم ـ بظنهم أنّهم قادرون عليهم وغالبون لهم ـ الجبن والخور.

ويمكن في الآية وجه خامس : وهو أن يكون المراد أنّه تعالى يحول بين المرء وبين ما يدعوه إليه قلبه من القبائح ؛ بالأمر والنهي والوعد والوعيد ؛ لأنّا

__________________

(١) سورة ق ، الآية : ١٦.

٣٩٠

نعلم أنّه تعالى لو لم يكلّف العاقل مع ما فيه من الشهوات والنفار لم يكن له عن القبيح مانع ؛ ولا عن مواقعته رادع ؛ فكأنّ التكليف حائل بينه وبينه ؛ من حيث زجر عن فعله ، وصرف عن مواقعته ؛ وليس يجب في الحائل أن يكون في كلّ موضع ممّا يمتنع معه الفعل ؛ لأنّا نعلم أن المشير منّا على غيره في أمر كان قد همّ به وعزم على فعله أن يجتنبه ، والمنبّه له على أنّ الحظّ في الانصراف عنه يصحّ أن يقال : منعه وحال ، بينه وبين فعله ، قال عبيد الله بن قيس الرقيات (١) :

حال دون الهوى ودو

ن سرى اللّيل مصعب

وسياط على أك

فّ رجال تقلّب

ونحن نعلم أنّه لم يحل إلّا بالتخويف والترهيب دون غيرهما.

فإن قيل : كيف يطابق هذا الوجه صدر الآية؟

قلنا : وجه المطابقة ظاهر ، لأنّه تعالى أمرهم بالاستجابة لله تعالى ولرسوله فيما يدعوان إليه من فعل الطاعات ، والامتناع من المقبّحات ، وأعلمهم أنّه بهذا الدعاء والإنذار وما يجري مجراها يحول بين المرء وبين ما تدعوه إليه نفسه من المعاصي ؛ ثمّ إنّ المآب بعد هذا كلّه إليه والمنقلب إلى ما عنده ؛ فيجازي كلّا باستحقاقه.

فأمّا قوله تعالى : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ففيه وجوه :

أوّلها : أن يريد بذلك الحياة في النعيم والثواب ، لأنّ تلك هي الحياة الدائمة الطيبة التي يؤمن من تغيّرها ، ولا يخاف انتقالها ، فكأنّه تعالى حثّ على إجابته التي تكسب هذه الحال.

وثانيها : أنّه يختصّ ذلك بالدعاء إلى الجهاد وقتال العدوّ ، فكأنّه تعالى أمرهم بالاستجابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يأمرهم به من قتال عدوّهم ؛ ودفعهم عن حوزة الإسلام وأعلمهم أنّ ذلك يحيهم من حيث كان فيه قهر للمشركين ، وتقليل

__________________

(١) حاشية بعض النسخ : «كان جده شاعرا يشبب بجماعة من النساء ، اسم كل واحدة منهن رقية ؛ فأضيف إليهن».

٣٩١

لعددهم ، وفلّ لحدّهم ؛ وحسم لأطماعهم ، لأنّهم متى كثروا وقووا استلانوا جانب المؤمنين ؛ وأقدموا عليهم بالقتل وصنوف المكاره ؛ فمن هاهنا كانت الاستجابة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القتال تقتضي الحياة والبقاء ؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١).

وثالثها : ما قاله قوم من أنّ كلّ طاعة حياة ، ويوصف فاعلها بأنّه حيّ ، كما أنّ المعاصي يوصف فاعلها بأنّه ميت ، والوجه في ذلك أنّ الطائع لمّا كان منتفعا بحياته ، وكانت تؤديه إلى الثواب الدائم قيل : إنّ الطاعة حياة ؛ ولمّا كان الكافر العاصي لا ينتفع بحياته ؛ من حيث كان مصيره إلى العقاب الدائم كان في حكم الميّت ؛ ولهذا يقال لمن كان منغّص الحياة ، غير منتفع بها ؛ فلان بلا عيش ولا حياة ، وما جرى مجرى ذلك من حيث لا ينتفع بحياته.

ويمكن في الآية وجه آخر : وهو أن يكون المراد بالكلام الحياة في الحكم لا في الفعل ؛ لأنّا قد علمنا أنّه عليه‌السلام كان مكلّفا مأمورا بجهاد جميع المشركين المخالفين لملّته وقتلهم ، وإن كان فيما بعد كلّف ذلك فيمن عدا أهل الذمة على شروطها ؛ فكأنّه تعالى قال : فاستجيبوا للرسول ولا تخالفوه ، فإنّكم إذا خالفتم كنتم في الحكم غير أحياء ، من حيث تعبّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتالكم وقتلكم ، فإذا أطعتم كنتم في الحكم أحياء ؛ ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) ؛ وإنّما أراد تعالى أنّه يجب أن يكون آمنا ؛ وهذا حكمه ، ولم يخبر بأنّ ذلك لا محالة واقع.

فأمّا المجبّرة فلا شبهة لهم في الآية ، ولا متعلّق بها ؛ لأنّه تعالى لم يقل : إنّه يحول بين المرء وبين الإيمان ، بل ظاهر الآية لا يقتضي أنّه يحول بينه وبين أفعاله ، وإنّما يقتضي ظاهرها أنّه يحول بينه وبين قلبه ؛ وليس للإيمان ولا للكفر ذكر ، ولو كان للآية ظاهر يقتضي ما ظنّوه ـ وليس لها ذلك ـ لانصرفنا عنه بأدلة

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٧٩.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٩٧.

٣٩٢

العقل الموجبة أنّه تعالى لا يحول بين المرء وبين ما أمر به ، وأراده منه ، وكلّفه فعله ؛ لأنّ ذلك قبيح ، والقبائح عنه منفيّة (١).

ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ...) [الأنفال : ٣٠].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) [الأنفال : ٣٠].

أنظر المائدة : ١١٦ من الأمالي ، ١ : ٣١٧ والبقرة : ١٥ من الأمالي ، ٢ : ١٢٦.

ـ (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً ...) [الأنفال : ٣٧].

أنظر النور : ٤٣ ، ٤٤ من الأمالي ، ٢ : ٢٦٠.

ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال : ٤١].

وممّا إنفردت به الإمامية القول : بأنّ الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب وممّا استخرج من المعادن والغوص والكنوز وممّا فضّل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنة على إقتصاد (٢) وتمييز أهله هو أن يقسم على ستّة أسهام : ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى ، كان إضافة الله تعالى ذلك إلى نفسه ، وهي في المعنى للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانّما أضافها إلى نفسه تفيخما لشأن الرسول وتعظيما ، كاضافة طاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه تعالى ، كما أضاف رضاه عليه‌السلام وأذاه إليه جلّت عظمته. والسهم الثاني المذكور المضاف إلى الرسول بصريح الكلام ، وهذان السهمان معا للرسول في حياته والخليفة القائم مقامه بعده ، فأمّا المضاف إلى ذي القربى ، فانّما عنى به ولي الأمر من بعده ؛

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ٤٩٦.

(٢) الانتصار : ٨٦.

٣٩٣

لأنّه القريب إليه بالتخصيص. والثلاثة الأسهم الباقية ليتامى آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وهم بنو هاشم خاصّة دون غيرهم (١).

ويقولون : إذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر بالسيف ، قسّم الإمام الغنيمة على خمسة أسهم ، فجعل أربعة منها بين من قاتل على ذلك وجعل السهم الخامس على ستة أسهم ، ثلاثة منها له عليه‌السلام وثلاثة للأصناف الثلاثة من أهله من أيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم. وخالف سائر الفقهاء في ذلك وقالوا كلّهم أقوالا خارجة عنه (٢) ، والحجّة فيه الاجماع المتكرر.

فإن قيل : هذا المذهب يخالف ظاهر الكتاب ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) ، وعموم الكلام يقتضي ألّا يكون ذو القربى واحدا وعموم قوله تعالى : (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يقتضي تناوله لكلّ من كان بهذه الصفات ولا يختصّ ببني هاشم.

قلنا : ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة ، على أنّه لا خلاف بين الأمّة في تخصيص هذه الظواهر ؛ لأنّ ذوي القربى عام وقد خصّوه بقربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيره ، ولفظ اليتامى والمساكين وابن السبيل عامّ في المشرك والذمّي والغني والفقير ، وقد خصّته الجماعة ببعض من له هذه الصفة ، على أنّ من ذهب من أصحابنا إلى أنّ ذا القربى هو الإمام القائم مقام الرسول عليه‌السلام خاصّة ، وسمّي بذلك لقربه منه نسبا وتخصّصا ، فالظاهر معه ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَلِذِي الْقُرْبى) لفظ وحدة ولو أراد تعالى الجمع لقال : «ولذوي القربى» فمن حمل ذلك على الجماعة فهو مخالف للظاهر.

فإن قيل : فمن حمل ذا القربى في الآية على جميع ذوي القرابات من بني هاشم يلزمه أن يكون ما عطف على ذلك من اليتامى والمساكين منهم غير الأقارب ؛ لأنّ النبي لا يعطف على نفسه.

قلنا : لا يلزم ذلك ؛ لأنّ الشيء وإن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة

__________________

(١) الرسائل ١ : ٢٢٧.

(٢) المجموع ، ١٩ : ٣٦٩ و ٣٧٣.

٣٩٤

على أخرى والموصوف واحد ؛ لأنّهم يقولون : جاءني زيد العاقل والظريف والشجاع ، والموصوف معا واحد. وقال الشاعر :

إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم (١)

والصفات كلّها لموصوف واحد وكلام العرب مملوّ في نظائر ذلك (٢).

ـ (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال : ٥٢].

ويوصف تعالى بأنه «قوي» ؛ لأن معناه معنى قادر ، وإنّما يوصف الجبل وما أشبهه بالقوي لحصول الشدّة والصلابة على التشبيه بالقادر ؛ لأن الشدّة تمنع على بعض الوجوه من الكسر والقطع كما يمنع القادر (٣).

ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)) [الأنفال : ٦٧ ـ ٦٨].

[فان قيل :] أو ليس هذا يقتضي عتابه على استبقاء الأسارى وأخذ عرض الدنيا عوضا عن قتلهم؟

الجواب : قلنا : ليس في ظاهر الآية ما يدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوتب في شأن الأسارى ، بل لو قيل : إنّ الظاهر يقتضي توجّه الآية إلى غيره لكان أولى ؛ لأنّ قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، وقوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، لا شكّ أنّه لغيره ، فيجب أن يكون المعاتب سواه ؛ والقصّة في هذا الباب معروفة والرواية بها متظافرة ؛ لأنّ الله تعالى أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله تعالى : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (٤) وبلّغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك إلى أصحابه فخالفوه ، وأسروا يوم بدر جماعة من المشركين طمعا في الفداء ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبيّن أنّ الّذي أمر به سواه.

__________________

(١) الجامع للشواهد ، ١ : ١٨٢.

(٢) الانتصار : ٨٦.

(٣) الذخيرة : ٥٧٨.

(٤) سورة الأنفال ، الآية : ١٢.

٣٩٥

فإن قيل : فإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خارجا عن العتاب فما معنى قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)؟

قلنا : الوجه في ذلك أنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فهم أسراؤه على الحقيقة ومضافون إليه ، وإن كان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه.

فإن قيل : أفما شاهدهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت الأسر فكيف لم ينههم عنه؟

قلنا : ليس يجب أن يكون صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشاهدا لحال الأسر ؛ لأنّه كان على ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش ، ولمّا تباعد أصحابه عنه أسروا من أسروه من المشركين بغير علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن قيل : فما بال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر بقتل الأسارى لمّا صاروا في يده وإن كان خارجا من المعصية وموجب العتاب ، أو ليس لمّا استشار أصحابه فأشار عليه أبو بكر باستبقائهم وعمر باستيصالهم رجع إلى رأي أبي بكر ، حتى روي أن العتاب كان من أجل ذلك؟

قلنا : أمّا الوجه في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقتلهم فظاهر ؛ لأنّه غير ممتنع أن تكون المصلحة في قتلهم وهم محاربون ، وأن يكون القتل أولى من الأسر ، فإذا أسروا تغيّرت المصلحة وكان استبقاؤهم أولى ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعمل برأي أبي بكر إلّا بعد أن وافق ذلك ما نزل به الوحي عليه. وإذا كان القرآن لا يدلّ بظاهر ولا فحوى على وقوع معصية منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الباب فالرواية الشاذة لا يعوّل عليها ولا يلتفت إليها.

وبعد : فلسنا ندري من أي وجه تضاف المعصية إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الباب ؛ لأنّه لا يخلو من أن يكون أوحى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في باب الأسارى بأن يقتلهم ، أولم يوح إليه فيه بشيء ، ووكّل ذلك إلى اجتهاده ومشورة أصحابه ، فإن كان الأوّل فليس يجوز أن يخالف ما أوحي إليه ، ولم يقل أحد أيضا في هذا الباب : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالف النصّ في باب الأسارى ، وإنّما يدّعى عليه : أنه فعل ما كان الصواب عند الله خلافه ، وكيف يكون قتلهم منصوصا عليه بعد الأسر وهو

٣٩٦

يشاور فيه الأصحاب ويسمع فيه المختلف من الأقوال؟ وليس لاحد ان يقول : إذا جاز أن يشاور في قتلهم واستحيائهم ، وعنده نصّ بالاستحياء ، فهلّا جاز أن يشاور وعنده نص في القتل ، وذلك أنّه لا يمتنع ان يكون أمر بالمشاورة قبل أن ينصّ له على أحد الأمرين ، ثمّ أمر بما وافق إحدى المشورتين فاتّبعه ؛ وهذا لا يمكن المخالف أن يقول مثله. وإن كان لم يوح إليه في باب الأسارى شيء ووكّل إلى اجتهاده ومشورة أصحابه ، فما باله يعاتب وقد فعل ما أدّاه إليه الاجتهاد والمشاورة ، وأيّ لوم على من فعل الواجب ولم يخرج عنه ، وهذا يدلّ على أن من أضاف إليه المعصية قد ضلّ عن وجه الصواب (١).

[انظر أيضا البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ ، رسالة انقاذ البشر من الجبر والقدر].

ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ...) [الأنفال : ٧٢].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦ والنساء : ١١ الأمر الثالث من الانتصار ٣٠٢.

ـ (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ...) [الأنفال : ٧٥].

[فيها أمور :

الأول :] أن الفاضل عن فرض ذوي السهام من الورثة يرد على أصحاب السهام بقدر سهامهم ، ولا يرد على زوج ولا زوجة ، كمن خلف بنتا وأبا فللبنت بالتسمية النصف وللأب بالتسمية السدس وما بقي بعد ذلك وهو ثلث المال رد عليهما بقدر انصبائهما فللبنت ثلاثة أرباعه وللأب ربعه فيصير المال مقسوما على أربعة أسهم للبنت ثلاثة أسهم من أربعة وللأب سهم من أربعة.

وقال أهل العراق : إن الفاضل من السهام إذا لم يكن هناك عصبة رد على أصحاب السهام بقدر سهامهم إلّا على الزوجين ...

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٥٧. وراجع أيضا الأمالي ، ٢ : ٣٣٠.

٣٩٧

والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه في هذه المسألة إجماع الطائفة ، وقد بيّنا أنه حجّة.

ويمكن أن يستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، فدلّ على أن من هو أولى بالرحم وأقرب به أولى بالميراث. وقد علمنا أن قرابة الميّت وذوي رحمه أولى بميراثه من المسلمين وبيت المال ، وأصحاب السهام أيضا غير الزوج والزوجة أقرب إلى الميّت من عصبته فوجب أن يكون فاضل السهام إليهم مصروفا.

فإن قيل : لم يقع التصريح في الآية بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث.

قلنا : اللفظ يحتمل الميراث وغيره فنحمله بحكم العموم على جميع ما يحتمله ، ومن ادّعى التخصيص فعليه الدليل ، وممّا يمكن أن يعارض به الخصوم في رواياتهم التي يتأولونها وتوجد في كتبهم ما رووه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «المرأة تحوز ميراث ثلاثة عتيقها ولقيطها وولدها» (١) ، فأخبر أنها تحوز جميع ميراث بنيها ، ولا يجوز جميعه إلّا بالرد عليها دون التسمية ...

واحتج المخالف لنا في الرد بقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (٢) فجعل للأخت النصف إذا مات أخوها ولا ولد له ولم يردها عليه ، فدلّ على أنها لا تستحقّ أكثر من النصف بحال من الأحوال.

والجواب عن ذلك أن النصف إنّما وجب لها بالتسمية ، ولأنها أخت والزيادة إنّما تأخذها لمعنى آخر وهو للرد بالرحم ، وليس يمتنع أن ينضاف سبب إلى آخر ، مثال ذلك : الزوج إذا كان ابن عم ولا وارث معه فإنه يرث النصف بالزوجية والنصف الآخر عندنا لأجل القرابة ، وعند مخالفينا لأجل العصبة ، ولم يجب إذا كان الله تعالى قد سمى النصف مع فقد الولد أن لا يزاد عليه بسبب آخر (٣).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ، ٢ : ٩١٦ ح ٢٧٤٢.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.

(٣) الانتصار : ٢٨٩.

٣٩٨

[الثاني :] وممّا انفردت به الإمامية أنه لا يرث مع الوالدين ولا مع أحدهما أحد سوى الولد والزوج والزوجة ، وذهب فقهاء العامة إلى خلاف ذلك ، وورثوا الأخوة والأخوات مع الأمّ على بعض الوجوه (١).

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه : بعد إجماع الطائفة الذي يتكرر قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، وقد علمنا أن الوالدين أقرب إلى الميت من إخوته ، لأنهم يتقرّبون إليه بهما ، والوالدان يتقرّبان بنفوسهما.

وأيضا ؛ فإنّ الله تعالى جعل للوالدين حقّا عاليا ثمّ أهبطهما عنه في بعض الأحوال ولم يفرق بين الأب والأم في ذلك ، وكما أن الأخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب كذلك يجب أن لا يرثوا مع الأم (٢).

[الثالث :] وممّا انفردت به الإمامية أنهم ذهبوا فيمن يموت ويخلف والديه وبنته أن للبنت النصف وللأبوين السدسين وما يبقى يرد عليهم على حساب سهامهم. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن للبنت النصف وللأم السدس وللأب ما يبقى وهو الثلث.

دليلنا على صحّة قولنا الإجماع المتردّد ، ولأن الأبوين لهما السدسان بظاهر الكتاب وللبنت النصف بظاهره أيضا ، ويبقى السدس فيجب أن يكون مردودا على الجماعة بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فكيف يجوز هذا الباقي للأب وإنّما له السدس مع الولد ، فإذا قالوا : بالخبر المتضمّن لذكر العصبة ، فقد تقدم من الكلام في ذلك ما فيه كفاية (٣) ، ولأن خبرهم إذا صحّ يقتضي أن تبقي الفرائض شيئا وهاهنا ما أبقت الفرائض شيئا بل قد استوفى النص جميع المال (٤).

__________________

(١) راجع أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٢ : ٨٢.

(٢) الانتصار : ٢٨٧.

(٣) تقدّم في سورة النساء ، الآية : ٧.

(٤) الانتصار : ٢٩٧.

٣٩٩

سورة التوبة

ـ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) ... [التوبة : ١٧].

أنظر الأعراف : ١٧٢ ، ١٧٣ من الأمالي ، ١ : ٥٤.

ـ (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٢٥ ـ ٢٦].

أنظر البقرة : ٢٣ من الذخيرة : ٣٦٤ والتوبة : ٤٠ من الشافي ، ٤ : ٢٥.

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨].

وممّا انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكلّ كافر وخالف جميع الفقهاء في ذلك ...

ويدلّ على صحة ذلك مضافا إلى إجماع الشيعة عليه قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).

فإذا قيل : لعلّ المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين (١) ، قلنا : نحمله على الأمرين لأنّه لا مانع من ذلك. وبعد فإنّ حقيقة هذه اللفظة تقتضي نجاسة العين في الشريعة وإنّما تحمل على الحكم تشبيها ومجازا والحقيقة أولى باللفظ من المجاز.

__________________

(١) انظر الفرق بين نجس العين ونجس الحكم في الرسائل ، ٤ : ٣٢٨.

٤٠٠