تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

بعده فعل الإيمان كانت هذه النعمة أيضا مختصّة ، لأنّه تعالى إنّما لم ينعم على سائر المكلّفين بها ؛ من حيث لم يكن في معلومه تعالى أنّ لهم توفيقا ، وأنّ في الأفعال ما يختارون عنده الإيمان ؛ فاختصاص هذه النعم ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم أخر لهم ؛ كما أنّ شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه (١).

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ٩٤.

٤٦١

سورة يوسف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يوسف : ٨].

[فإن قيل : فما معنى تفضيل يعقوب عليه‌السلام ليوسف عليه‌السلام على إخوته في البرّ والتقريب والمحبّة ، حتّى أوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه وأفضى إلى الحال المكروهة الّتي نطق بها القرآن] ، فنسبوه إلى الضلال والخطأ. وليس لكم أن تقولوا : إن يعقوب عليه‌السلام ؛ لم يعلم بذلك من حالهم قبل أن يكون منه التفضيل ليوسف عليه‌السلام. لأنّ ذلك لا بدّ من أن يكون معلوما منه من حيث كان في طباع البشر من التنافس والتحاسد.

الجواب : قيل : ليس فيما نطق به القرآن ما يدلّ على أنّ يعقوب عليه‌السلام فضلّه بشيء من فعله وواقع من جهته ؛ لأنّ المحبّة الّتي هي ميل الطباع ليست مما يكتسبه الانسان ويختاره ، وإنّما ذلك موقوف على فعل الله تعالى فيه ؛ ولهذا ربّما يكون للرجل عدّة أولاد فيحبّ أحدهم دون غيره ، وربّما يكون المحبوب دونهم في الجمال والكمال. وقد قال الله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (١) وإنّما أراد ما بيّناه ، من ميل النفس الّذي لا يمكن الانسان أن يعدل فيه بين نسائه ؛ لأنّ ما عدا ذلك من البرّ والعطاء والتقريب وما أشبهه ، يستطيع الانسان أن يعدل بين النساء.

فإن قيل : فكأنّكم قد نفيتم عن يعقوب عليه‌السلام القبيح والاستفساد وأضفتموهما إلى الله تعالى فما الجواب عن المسألة من هذا الوجه؟.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٢٩.

٤٦٢

قلنا : عنها جوابان :

أحدهما : لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن إخوة يوسف عليه‌السلام سيكون بينهم ذلك التحاسد والفعل القبيح على كلّ حال ، وإن لم يفضّل يوسف عليه‌السلام عليهم في محبّة أبيه له ، وإنّما يكون ذلك استفسادا إذا وقع عنده الفساد وارتفع عند ارتفاعه ، ولم يكن تمكينا.

والجواب الآخر : أن يكون ذلك جاريا مجرى الامتحان والتكليف الشّاق ؛ لأنّ هؤلاء الإخوة متى امتنعوا من حسد أخيهم والبغي عليه والإضرار به وهو غير مفضّل عليهم ولا مقدّم ، لا يستحقّون من الثواب ما يستحقّونه إذا امتنعوا من ذلك مع التقديم والتفضيل ، فأراد الله تعالى منهم أن يمتنعوا على هذا الوجه الشاق ؛ وإذا كان مكلّفا على هذا الوجه فلا استفساد في تمييله بطباع أبيهم إلى محبّة يوسف عليه‌السلام ؛ لأنّ بذلك ينتظم هذا التكليف ؛ ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس ، مع علمه تعالى بضلال من ضلّ عند خلقه ، ممن لو لم يخلقه لم يكن ضالّا ، ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم منه تعالى هذه الزيادة انّه يفعل قبيحا لولاها لم يفعله.

ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة : وهو أنّه يجوز ان يكون يعقوب كان مفضّلا ليوسف عليه‌السلام في العطاء والتقريب والترحيب والبرّ الّذي يصل إليه من جهته ، وليس ذلك بقبيح ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون يعقوب عليه‌السلام لم يعلم أن ذلك يؤدّي إلى ما أدّى إليه ، ويجوز أن يكون رأى من سيرة إخوته وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب في ظنّه معهم أنّهم لا يحسدونه ، وإن فضّله عليهم ؛ فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع ، فإن كثيرا من الناس يتنزّهون عنه ويتجنبونه ، ويظهر من احوالهم أمارات يظنّ معها بهم ما ذكرناه. وليس التفضيل لبعض الأولاد على بعض في العطاء محاباة ، لأنّ المحاباة هي المفاعلة من الحباء ، ومعناها أن تحبو غيرك ليحبّوك. وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبرّ ، الّذي لا يقصد به إذا ما ذكرناه.

فأمّا قولهم : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فلم يريدوا به الضلال عن الدين وانّما

٤٦٣

أرادوا به الذهاب عن التسوية بينهم في العطية ؛ لأنّهم رأوا أنّ ذلك أصوب في تدبيرهم. وأصل الضلال هو العدول ، وكلّ من عدل عن شيء وذهب عنه فقد ضلّ. ويجوز أيضا أن يريدوا بذلك الضلال عن الدين ؛ لأنّهم خبّروا عن اعتقادهم. ويجوز أن يعتقدوا في الصواب الخطأ.

فإن قيل : كيف يجوز أن يقع من إخوة يوسف عليه‌السلام هذا الخطأ العظيم والفعل القبيح وقد كانوا أنبياء في الحال؟ فإن قلتم : لم يكونوا أنبياء في تلك الحال ، قيل لكم : وأيّ منفعة في ذلك لكم وأنتم تذهبون إلى أنّ الأنبياء عليهم‌السلام لا يوقعون القبائح قبل النبوّة ولا بعدها؟.

قلنا : لم تقم الحجة بأنّ إخوة يوسف عليه‌السلام الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا أنبياء في حال من الاحوال ، وإذا لم تقم بذلك حجة جاز على هؤلاء الأخوة من فعل القبيح ما يجوز على كلّ مكلّف لم تقم حجّة بعصمته ، وليس لأحد أن يقول : كيف تدفعون نبوّتهم؟ والظاهر أنّ الأسباط من بني يعقوب كانوا إنبياء ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون الاسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الأخوة الذين فعلوا بيوسف عليه‌السلام ما قصّه الله تعالى عنهم. وليس في ظاهر الكتاب أنّ جميع إخوة يوسف عليه‌السلام وما سائر أسباط يعقوب عليه‌السلام كادوا يوسف عليه‌السلام بما حكاه الله تعالى من الكيد. وقد قيل : إنّ هؤلاء الأخوة في تلك الأحوال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجّه إليهم التكليف. وقد يقع ممن قارب البلوغ من الغلمان مثل هذه الأفعال ، وقد يلزمهم بعض العقاب واللوم والذمّ ، فإن ثبت هذا الوجه سقطت المسألة أيضا ، مع تسليم أنّ هؤلاء الأخوة كانوا أنبياء في المستقبل (١).

ـ (قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) (٢) [يوسف : ١٣].

[فإن قيل : فلم أرسل يعقوب عليه‌السلام يوسف مع إخوته ، مع خوفه عليه منهم] وهل هذا إلّا تغرير به ومخاطرة؟

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦١ و ٦٩.

(٢) سورة يوسف الآية : ١٣.

٤٦٤

الجواب : قيل له : ليس يمتنع أن يكون يعقوب عليه‌السلام لمّا رأى من بنيه ما رأى من الإيمان والعهود والاجتهاد في الحفظ والرعاية لأخيهم ، ظنّ مع ذلك السلامة وغلبة النجاة ، بعد أن كان خائفا مغلّبا لغير السلامة. وقوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقا من إيقاع الوحشة والعداوة بينهم ؛ لأنّه إذا لم يرسله مع الطلب منهم والحرص ، علموا أنّ سبب ذلك هو التهمة لهم والخوف من ناحيتهم فأستوحشوا منه ومن يوسف عليه‌السلام ، وانضاف هذا الداعي إلى ما ظنّه من السلامة والنجاة ، فأرسله (١).

ـ (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧].

[فان قيل : ما معنى هذه الآية] وكيف يجوز أن ينسبوه إلى أنّه لا يصدّق الصادق ويكذّبه؟

الجواب : انّهم لمّا علموا على مرور الأيّام بشدّة تهمة أبيهم لهم وخوفه على أخيهم منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد والمنافسة ، أيقنوا بأنه عليه‌السلام يكذّبهم فيما أخبروا به من أكل الذئب أخاهم ، فقالوا له : إنّك لا تصدّقنا في هذا الخبر لما سبق إلى قلبك من تهمتنا وإن كنّا صادقين. وقد يفعل مثل ذلك المخادع المماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره بالشيء صدقه ؛ لأنّ القتل من أفظع مصائب الدنيا ، فيقول : أنا أعلم إنّك لا تصدّقني في كذا وكذا ، وإن كنت صادقا ؛ وهذا بيّن (٢).

ـ (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف : ١٨].

[إن سأل سائل] فقال : كيف وصف الدم بأنه كذب ، والكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام؟ وأيّ معنى لوصفه الصبر بأنّه جميل؟ ومعلوم أنّ صبر يعقوب عليه‌السلام على فقد ابنه يوسف لا يكون إلّا جميلا؟ ولم ارتفع الصبر؟ وما المقتضي لرفعه؟

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦١ و ٦٩.

(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٦٩.

٤٦٥

والجواب : يقال له : أمّا (كَذِبٍ) فمعناه مكذوب فيه وعليه ، مثل قولهم : هذا ماء سكب وشراب صبّ ؛ يريدون مصبوبا ومسكوبا ؛ ومثله : ماء غور ، ورجل صوم ، وامرأة نوح ، قال الشاعر :

تظلّ جيادهم نوحا عليهم

مقلّدة أعنّتها صفونا (١)

أراد بقوله : «نوحا» أي نائحة عليهم ، ومثله : «ما لفلان معقول» يريدون عقلا ، و «ما له على هذا الأمر مجلود» يريدون جلدا ، قال الشاعر :

حتّى إذا لم يتركوا لعظامه

لحما ولا لفؤاده معقولا

وأنشد أبو العبّاس ثعلب :

قد والذي سمك السّماء بقدرة

بلغ العزاء وأدرك المجلود

وقال الفرّاء وغيره : يجوز في النحو : «بدم كذبا» بالنصب على المصدر ؛ لأنّ «جآءوا» فيه معنى كذبوا كذبا ، كما قال تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (٢) فنصب ضبحا على المصدر ؛ لأنّ العاديات بمعنى الضابحات ، وإنّما كان دما مكذوبا فيه ؛ لأنّ إخوة يوسف عليه‌السلام ذبحوا سخلة ، ولطخوا قميص يوسف بدمها ، وجاؤوا أباهم بالقميص ، وادّعوا أكل الذئب له ، فقال لهم يعقوب : يا بنيّ ، لقد كان هذا الذئب رفيقا حين أكل ابني ، ولم يخرّق قميصه ؛ قالوا : بل قتله اللصوص ، قال : فكيف قد قتلوه وتركوا قميصه ، وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله! وقد قيل : إنّه كان في قميص يوسف ثلاث آيات : حين قدّ قميصه من دبر ، وحين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيرا ، وحين جاؤوا عليه بدم كذب ؛ فتنبّه أبوه على أنّ الذئب لو أكله لخرق قميصه (٣).

__________________

(١) صفونا : جمع صافن ؛ والصافن من الخيل : القائم على ثلاث قوائم ، وقد أقام الرابعة على طرف الحافر ، والبيت لعمرو بن كلثوم ، من المعلقة ، وروايته فيها :

تركنا الخيل عاكفة عليه

مقلّدة أعنّتها صفونا

(وانظر المعلقات ـ بشرح التبريزي : ٢١٧).

(٢) سورة العاديات ، الآية : ١.

(٣) في حاشية بعض النسخ : قال السيد المرتضى رضى الله عنه : وقد قرئ : «دم كدب» وهو الدم المسفوح».

٤٦٦

وأمّا وصف الصبر بأنّه جميل ، فلأنّ الصبر قد يكون جميلا وغير جميل ، وإنّما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله ، وفعل للوجه الذي وجب ، فلمّا كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود صحّ وصفه بذلك. وقد قيل إنّه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع ، ولو لم يصفه بذلك لظنّ مصاحبة الشكوى والجزع له. وأمّا ارتفاع قوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) فقد قيل إنّ المعنى : وشأني صبر جميل ، أو الذي أعتقده صبر جميل. وقال قطرب : معناه فصبري صبر جميل ؛ وأنشدوا :

شكا إليّ جملي طول السّرى

يا جملي ليس إليّ المشتكى

الدّرهمان كلّفاني ما ترى

صبر جميل فكلانا مبتلى

معناه : فليكن منك صبر جميل. وقد روي أنّ في قراءة أبيّ «فصبر جميلا» بالنصب ، وذلك يكون على الإغراء ، والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا ، قال ذو الرّمة :

ألا إنّما ميّ ـ فصبرا ـ بليّة

وقد يبتلى الحرّ الكريم فيصبر (١)

وقال الآخر :

أبى الله أن يبقى لحيّ بشاشة

فصبرا على ما شاءه الله لي صبرا (٢)

[انظر أيضا البقرة : ٢٦ و ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ رسالة انقاذ البشر من الجبر والقدر].

ـ (وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠)) [يوسف : ١٩ ـ ٢٠].

[وفيها أمران :

الأوّل :] فان قيل : كيف صبر يوسف عليه‌السلام على العبودية ، ولم لم ينكرها ويبرأ من الرقّ؟ وكيف يجوز على النبي الصبر على أن يستعبد ويسترقّ؟

__________________

(١) ديوانه : ٢٢٥.

(٢) الأمالي ، ١ : ١٢٤.

٤٦٧

الجواب : قيل له : إنّ يوسف عليه‌السلام في تلك الحال لم يكن نبيّا على ما قاله كثير من الناس ، ولمّا خاف على نفسه القتل جاز أن يصبر على الاسترقاق. ومن ذهب إلى هذا الوجه يتناول قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١) على أنّ الوحي لم يكن في تلك الحال ، بل كان في غيرها. ويصرف ذلك إلى الحال المستقبلة المجمع على أنّه كان فيها نبيا.

ووجه آخر : وهو أنّ الله تعالى لا يمتنع أن يكون أمره بكتمان أمره والصبر على مشقّة العبودية إمتحانا وتشديدا في التكليف ، كما امتحن أبويه إبراهيم واسحق عليهما‌السلام ، أحدهما بنمرود ، والآخر بالذبح.

ووجه آخر : وهو أنّه يجوز أن يكون قد خبّرهم بأنه غير عبد ، وأنكر عليهم ما فعلوا من استرقاقه ، إلّا أنّهم لم يسمعوا منه ولا أصغوا إلى قوله ، وإن لم ينقل ذلك ، فليس كل ما جرى في تلك الأزمان قد اتّصل بنا.

ووجه آخر : وهو أنّ قوما قالوا : إنّه خاف القتل ، فكتم أمر نبوّته وصبر على العبودية ، وهذا جواب فاسد ؛ لأنّ النبيّ عليه‌السلام لا يجوز أن يكتم ما أرسل به خوفا من القتل ؛ لأنّه يعلم انّ الله تعالى لم يبعثه للأداء إلّا وهو عاصم له من القتل حتّى يقع الأداء وتسمع الدعوة ، وإلّا لكان ذلك نقضا للغرض (٢).

[الثاني :] وأمّا قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) والعرب تقول في الشيء القليل أنه معدود إذا أرادوا الإخبار عن قلته ، وقال جلّ اسمه في موضع آخر : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٣). وأظنّهم ذهبوا في وصف القليل بأنّه معدود من حيث كان العدّ والحصر لا يقع إلّا على القليل ؛ والكثير لكثرته لا ينضبط ولا ينحصر (٤).

ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف : ٢٤].

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ١٥.

(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٧٢.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٠٣.

(٤) الرسائل ، ٤ : ١٦٩.

٤٦٨

[فإن قيل : فما تأويل قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه‌السلام وامرأة العزيز].

الجواب : إنّ الهم في اللغة ينقسم إلى وجوه :

منها : العزم على الفعل ؛ كقوله تعالى : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) (١) أي أرادوا ذلك وعزموا عليه.

قال الشاعر :

هممت ولم أفعل وكدت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله (٢)

ومثله قول الخنساء :

وفضّل مرداسا على الناس حلمه

وأن كلّ همّ همّه فهو فاعله (٣)

ومثله قول حاتم الطائي :

ولله صعلوك يساور همّه

ويمضي على الأيّام والدّهر مقدما (٤)

ومن وجوه الهمّ : خطور الشيء بالبال وإن لم يقع العزم عليه. قال الله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما) (٥) وإنما أراد تعالى أنّ الفشل خطر ببالهم ، ولو كان الهمّ في هذا المكان عزما ، لما كان الله تعالى ولاهما (٦) ؛ لأنّه تعالى يقول : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧) وإرادة المعصية ، والعزم عليها معصية. وقد تجاوز ذلك قوم حتّى قالوا : انّ العزم على الكبيرة كبيرة ، وعلى الصغيرة صغيرة ، وعلى الكفر كفر. ولا يجوز أن يكون الله

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١١.

(٢) البيت لضابئ بن الحرث البرجمي راجع لسان العرب ٥ : ١٢٤.

(٣) راجع بلاغات النساء ١ : ٨٢.

(٤) ضبطه مختلف فيه يعلم بمراجعة الأغاني ٢ : ١٩٥ و ١٩٧ والحماسة البصرية ١ : ١١٧.

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٢.

(٦) كذا في النسخ والظاهر. «لما كان الله تعالى وليّهما».

(٧) سورة الأنفال ، الآية : ١٦.

٤٦٩

تعالى وليّ من عزم على الفرار عن نصرة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإسلامه إلى السوء ، ومما يشهد أيضا بذلك قول كعب بن زهير :

فكم فيهم من سيّد متوسّع

ومن فاعل للخير إن همّ أو عزم (١)

ففرّق كما ترى بين الهمّ والعزم ، وظاهر التفرقة قد يقتضي اختلاف المعنى.

ومن وجوه الهمّ أن يستعمل بمعنى المقاربة ، فيقولون : هم بكذا وكذا أي كاد أن يفعله. قال ذو الرمة :

أقول لمسعود بجرعاء مالك

وقد همّ دمعي أن يلج أوائله (٢)

والدمع لا يجوز عليه العزم ، وإنّما أراد أنّه كاد وقرب.

وقال أبو الأسود الدؤلي :

وكنت متى تهمم يمينك مرّة

لتفعل خيرا تقتفيها شمالكا (٣)

وعلى هذا خرج قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (٤) أي يكاد.

قال الحارثي :

يريد الرّمح صدر أبي براء

ويرغب عن دماء بني عقيل

ومن وجوه الهمّ : الشهوة وميل الطباع ؛ لأنّ الإنسان قد يقول فيما يشتهيه ويميل طبعه إليه : ليس هذا من همّي وهذا أهمّ الأشياء إليّ. والتجوّز باستعمال الهمّة مكان الشهوة ظاهر في اللغة. وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري قال : أمّا همّها فكان أخبث الهمّ ، واما همّه عليه‌السلام فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء (٥).

فإذا كانت وجوه هذه اللفظة مختلفة متّسعة على ما ذكرناه نفينا عن نبيّ الله

__________________

(١) الفروق اللغوية ١ : ٣٥٧ عن ديوانه : ٦٩.

(٢) راجع الأغاني ٤ : ٤٩٩ وفيه : ان تسح أوائله.

(٣) راجع اللسان ٣ : ١٨٧. بلا غرو.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ٧٧.

(٥) واختاره أبو علي الجبائي ، راجع الأمالي ، ١ : ٤٥٥.

٤٧٠

ما لا يليق به وهو العزم على القبيح ، وأجزنا باقي الوجوه لأنّ كلّ واحد منها يليق بحاله.

فإن قيل : فهل يسوغ حمل الهمّ في الآية على العزم والارادة؟ ويكون مع ذلك لها وجه صحيح يليق بالنبي عليه‌السلام؟.

قلنا : نعم ، متى حملنا الهمّ ههنا على العزم ، جاز أن نعلّقه بغير القبيح ونجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه ، كما يقول القائل : قد كنت هممت بفلان ، أي بأن أوقع به ضربا أو مكروها.

فإن قيل : فأيّ فائدة على هذا التأويل في قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) والدفع لها عن نفسه طاعة لا يصرف البرهان عنها؟

قلنا : يجوز أن يكون لمّا همّ بدفعها وضربها ، أراه الله تعالى برهانا على أنّه إن أقدم على من همّ به أهلكه أهلها وقتلوه ، أو أنّها تدّعي عليه المراودة على القبيح ، وتقذفه بأنّه دعاها إليه [وأن ضربه لها كان لا متناعها ، فيظنّ به ذلك من لا تأمل له ، ولا علم بأن مثله لا يجوز عليه ،] (١) فأخبر الله تعالى أنّه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل والمكروه [اللذين كانا يوقعان به ، لانهما يستحقّان الوصف بذلك من حيث القبح] (٢) ، أو ظنّ القبيح به أو اعتقاده فيه.

فإن قيل : هذا الجواب يقضي [انّ جواب] لفظة (لو لا) يتقدّمها في ترتيب الكلام ، ويكون التقدير «لو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بضربها» ، وتقدّم جواب (لو لا) قبيح ، أو يقتضي أن يكون (لو لا) بغير جواب.

قلنا : أمّا تقدّم جواب (لو لا) فجائز مستعمل ، وسنذكر ذلك فيما نستأنفه من الكلام عند الجواب المختصّ بذلك ، ونحن غير مفتقرين إليه في جوابنا هذا ؛ لأنّ العزم على الضرب والهمّ به قد وقع ، إلّا أنّه انصرف عنه بالبرهان الّذي رآه ، ويكون تقدير الكلام وتلخيصه : «ولقد همّت به وهمّ بدفعها لو لا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك». فالجواب المتعلّق بلو لا محذوف [والكلام يقتضيه] ، كما

__________________

(١ ـ ٢) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٥٢ : ٤٥٣.

٤٧١

حذف الجواب في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) ، معناها : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ، وأنّ الله رؤوف رحيم ، لهلكتم ، ومثله (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)) (٢) معناها لو تعلمون علم اليقين لم تتنافسوا في الدنيا ولم تحرصوا على حطامها.

وقال امروء القيس :

فلو أنّها نفس تموت سويّة

ولكنّها نفس تساقط أنفسا (٣)

أراد فلو أنّها نفس تموت سويّة [لانقضت] وفنيت ، فحذف الجواب تعويلا على أنّ الكلام يقتضيه ويتعلّق به.

على أنّ من حمل هذه الآية على الوجه الذي لا يليق بنبيّ الله ، وأضاف العزم على المعصية إليه لا بدّ له من تقدير جواب محذوف ، ويكون التقدير على تأويله : ولقد همّت بالزنا وهمّ بمثله ، لو لا أن رأى برهان ربّه لفعله.

فإن قيل : متى علّقتم العزم في الآية والهمّ بالضرب أو الدفع كان ذلك مخالفا للظاهر.

قلنا : ليس الأمر على ما ظنّه هذا السائل ؛ لأن الهمّ في هذه الآية متعلّق بما لا يصحّ أن يتعلّق به العزم والارادة على الحقيقة ؛ لأنّه تعالى قال : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) فتعلّق الهمّ في ظاهر الكلام بذواتهما ، والذات الموجودة الباقية لا يصحّ أن تراد ويعزم عليها ، فلا بدّ من تقدير أمر محذوف يتعلّق العزم به ممّا يرجع إليهما ويختصّان به ، ورجوع الضرب والدفع إليهما كرجوع ركوب الفاحشة ، فلا ظاهر للكلام يقتضي خلاف ما ذكرناه ، ألا ترى أنّ القائل إذا قال : «قد هممت بفلان» فظاهر الكلام يقتضي تعلّق عزمه وهمّه إلى أمر يرجع إلى فلان ، وليس بعض الافعال بذلك أولى من بعض ، فقد يجوز أن يريد أنّه همّ بقصده أو باكرامه أو بإهانته أو غير ذلك من ضروب الأفعال.

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٢٠.

(٢) سورة التكاثر ، الآيتان : ٥ ـ ٦.

(٣) ديوانه : ١٤٠ ، وروايته : «تموت جميعة».

٤٧٢

على أنّه لو كان للكلام ظاهر يقتضي خلاف ما ذكرناه ـ وإن كنا قد بيّنا أن الأمر بخلاف ذلك ـ لجاز أن نعدل عنه ونحمله على خلاف الظاهر ، للدليل العقلي الدالّ على تنزيه الأنبياء عليهم‌السلام عن القبائح.

فإن قيل : الكلام في قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) خرج مخرجا واحدا. فلم جعلتم همّها به متعلقا بالقبح؟ وهمّه بها متعلقا بالضرب والدفع على ما ذكرتم؟

قلنا : أمّا الظاهر ، فلا يدلّ على الأمر الّذي تعلّق به الهمّ والعزم منهما جميعا ، وإنّما أثبتنا همّها به متعلّقا بالقبيح لشهادة الكتاب والآثار بذلك ، وهي ممّن يجوز عليها فعل القبيح ، ولم يؤمن دليل [من امتناعه عليها] (١) ، كما أمن ذلك فيه عليه‌السلام ، والموضع الذي يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) وقوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) (٣) وقوله تعالى حاكيا عنها (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٤).

وفي موضع آخر : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (٥).

والآثار واردة بإطباق مفسري القرآن ومتأوليّه ، على أنّها همّت بالمعصية والفاحشة ، وأمّا هو عليه‌السلام فقد تقدّم من الأدلة العقلية ما يدلّ على أنّه لا يجوز أن يفعل القبيح ولا يعزم عليه. وقد استقصينا ذلك في صدر هذا الكتاب (٦). فأمّا ما يدلّ من القرآن ، على أنّه عليه‌السلام ما همّ بالفاحشة ولا عزم عليها فمواضع كثيرة :

منها : قوله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) (٧).

وقوله تعالى : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٨). ولو كان الأمر كما قال

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٥٤.

(٢) سورة يوسف ، الآية : ٣٠.

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٢٣.

(٤) سورة يوسف ، الآية : ٥١.

(٥) سورة يوسف ، الآية : ٣٢.

(٦) تقدّم في المقدّمات.

(٧) سورة يوسف ، الآية : ٢٤.

(٨) سورة يوسف ، الآية : ٥٢.

٤٧٣

الجهّال : من جلوسه منها مجلس الخائن وانتهائه إلى حلّ السراويل ـ وحوشي من ذلك ـ لم يكن السوء والفحشاء منصرفين عنه ، ولكان خائنا بالغيب.

وقوله تعالى حاكيا عنها : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (١).

وفي موضع آخر : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

وقول العزيز لمّا رأى القميص قدّ من دبر (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٢) فنسب الكيد إلى المرأة دونه.

وقوله تعالى حاكيا عن زوجها لمّا وقف على أنّ الذنب منها وبراءة يوسف عليه‌السلام منه : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) (٣) وعلى مذهبهم الفاسد انّ كلّ واحد منهما مخطئ فيجب أن يستغفر فلم اختصّت بالإستغفار دونه.

وقوله تعالى حاكيا عنه : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)) (٤) فالاستجابة تؤذن ببراءته من كلّ سوء ، وتنبئ أنّه لو فعل ما ذكروه لكان قد صبا ولم يصرف عنه كيدهنّ.

وقوله تعالى : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (٥) والعزم على المعصية من أكبر السوء.

وقوله تعالى حاكيا عن الملك : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) (٦) ولا يقال ذلك فيمن فعل ما ادعوه عليه.

فإن قيل : فأيّ معنى لقول يوسف : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧).

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ٣٢.

(٢) سورة يوسف ، الآية : ٢٨.

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٢٩.

(٤) سورة يوسف ، الآيتان : ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) سورة يوسف ، الآية : ٥١.

(٦) سورة يوسف ، الآية : ٥٤.

(٧) سورة يوسف ، الآية : ٥٣.

٤٧٤

قلنا : إنّما أراد الدعاء والمنازعة والشهوة ولم يرد العزم على المعصية ، وهو لا يبريء نفسه ممّا لا تعرى منه طباع البشر.

وفي ذلك جواب آخر اعتمده أبو عليّ الجبائي واختاره ، وإن كان قد سبق إليه جماعة من أهل التأويل وذكروه ، وهو أنّ هذا الكلام الذي هو (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) إنما هو من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه‌السلام ، واستشهدوا على صحة هذا التأويل بأنّه منسوق على الكلام المحكي عن المرأة بلا شكّ. ألا ترى أنّه تعالى قال : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) (١) (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (٢) فنسق الكلام على كلام المرأة وعلى هذا التأويل يكون التّبرؤ من الخيانة الّذي هو (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) من كلام المرأة لا من كلام يوسف عليه‌السلام ويكون المكنّى عنه في قولها (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) هو يوسف عليه‌السلام دون زوجها ؛ لأنّ زوجها قد خانته في الحقيقة بالغيب ، وإنّما أرادت إنّي لم أخن يوسف عليه‌السلام وهو غائب في السجن ، ولم أقل فيه لمّا سئلت عنه وعن قصّتي معه إلّا الحقّ ، ومن جعل ذلك من كلام يوسف عليه‌السلام جعله محمولا على انّي لم أخن العزيز في زوجته بالغيب ، وهذا الجواب كأنّه أشبه بالظاهر ؛ لأنّ الكلام معه لا ينقطع عن اتّساقه وانتظامه.

فإن قيل : فأيّ معنى لسجنه إذا كان عند القوم متبرّئا من المعصية متنزّها عن الخيانة.

قلنا : قد قيل : إنّ العلّة في ذلك الستر على المرأة والتمويه والكتمان لأمرها حتى لا تفتضح وينكشف أمرها لكلّ أحد ، والذي يشهد بذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (٣).

وجواب آخر في الآية على أنّ الهمّ فيها هو العزم (٤) : وهو أن يحمل الكلام

__________________

(١) حصحص الحق : بان بعد كتمانه.

(٢) سورة يوسف ، الآيات : ٥١ ـ ٥٣.

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٣٥.

(٤) هذا الجواب يرتبط بأصل المسألة.

٤٧٥

على التقديم والتأخير ، ويكون تلخيصه «ولقد همّت به ولو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها» ويجري ذلك مجرى قولهم : قد كنت هلكت لو لا ان تداركتك ، وقتلت لو لا انّي قد خلّصتك. والمعنى لو لا تداركي لهلكت ولو لا تخليصي لقتلت ، وإن لم يكن وقع في هلاك ولا قتل. قال الشاعر :

ولا يدعني قومي صريخا لحرّة

لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (١)

وقال الآخر :

فلا يدعني قومي ليوم كريهة

لئن لم أعجّل طعنة أو أعجّل (٢)

فقدّم جواب «لئن» في البيتين جميعا [وقد استشهد عليه أيضا بقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) والهمّ لم يقع لمكان فضل الله ورحمته] (٣).

وقد استبعد قوم تقديم جواب «لو لا» عليها ، وقالوا : لو جاز ذلك لجاز قولهم : «قام زيد لولا عمرو» و «قصدتك لو لا بكر». وقد بيّنا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب «لو لا» وانّ القائل قد يقول : «قد كنت قمت لو لا كذا وكذا» ، و «قد كنت قصدتك لو لا ان صدني فلان» ، وإن لم يقع قيام ولا قصد. وهذا هو الّذي يشبه الآية دون ما ذكروه من المثال.

وبعد ، فإنّ في الكلام شرطا وهو قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، فكيف يحمل على الاطلاق مع حصول الشرط؟ فليس لهم أن يجعلوا جواب لو لا محذوفا ؛ لأنّ جعل جوابها موجودا أولى. وليس تقديم جواب «لو لا» بأبعد من حذفه جملة من الكلام. وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزم تقديم الجواب ، جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.

__________________

(١) البيت لقيس بن زهير بن جذيمة راجع الكتاب ١ : ١٨٦.

(٢) مختلف فيه في شرح ديوان الحماسة ١ : ٧٣ نسبه إلى مسور بن زيادة ، وقيل لعمه وفي ربيع الأبرار ١ : ٤٢٣ نسبه إلى قاسم بن اميّة بن أبي الصلت الثقفي.

(٣) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ ـ ٤٥٤ : ٤٥٥.

٤٧٦

فإن قيل : فما البرهان الّذي رآه يوسف عليه‌السلام حتّى انصرف لأجله عن المعصية؟ وهل يصحّ أن يكون البرهان ما روي من أنّ الله تعالى أراه صورة ابيه يعقوب عليه‌السلام عاضّا على إصبعه متوعدا له على مقاربة المعصية (١) ، أو يكون ما روي من أنّ الملائكة نادته بالنهي والزجر في الحال فانزجر؟

قلنا : ليس يجوز أن يكون البرهان الّذي رآه فانزجر به عن المعصية ما ظنّه العامة من الأمرين اللذين ذكرناهما ؛ لأنّ ذلك يفضي إلى الالجاء وينافي التكليف ويضادّ المحنة ، ولو كان الأمر على ما ظنّوه لما كان يوسف عليه‌السلام يستحق بتنزيهه عمّا دعته إليه المرأة من المعصية مدحا ولا ثوابا ، وهذا من أقبح القول فيه عليه‌السلام ؛ لأنّ الله تعالى قد مدحه بالامتناع عن المعصية وأثنى عليه بذلك فقال تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ، فأمّا البرهان ، فيحتمل أن يكون لطفا لطف الله تعالى به في تلك الحال أو قبلها ، فاختار عنده الامتناع من المعاصي والتنزّه عنها ، وهو الذي يقتضي كونه معصوما : لأن العصمة هي ما اختير عنده من الألطاف ، التنزّه عن القبيح والامتناع من فعله. ويجوز أن يكون معنى الرؤية ههنا بمعنى العلم ، كما يجوز أن يكون بمعنى الإدراك ؛ لأنّ كلا الوجهين يحتمله القول.

وذكر آخرون : أنّ البرهان ههنا إنّما هو دلالة الله تعالى ليوسف عليه‌السلام على تحريم ذلك الفعل ، وعلى أنّ من فعله استحق العقاب ؛ لأنّ ذلك أيضا صارف عن الفعل ومقوّ لدواعي الامتناع منه وهذا أيضا جائز (٢).

ـ (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)) [يوسف : ٢٦ ـ ٢٧].

انظر المائدة : ٦٤ الأمر الأوّل من الأمالي ، ٢ : ٥.

__________________

(١) الدرّ المنثور : ٥ : ٣٩٣.

(٢) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٧٣ وراجع أيضا الأمالي ، ١ : ٤٥٢.

٤٧٧

ـ (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١].

[استدلّ بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء.

قال السيّد :] فأمّا الحكاية عن النسوة اللاتي شاهدن يوسف عليه‌السلام فأعجبهن حسنه «ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم» فانّه لا يدلّ أيضا على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام من وجهين :

أحدهما : أنّهنّ ما نسبنه إلى الملائكة تفضيلا في ثواب حال الملائكة على حال الأنبياء عليهم‌السلام ، ولا خطر ذلك ببالهن ولكن حسنه وكمال خلقته أعجبهن فنفين عنه البشرية التي لم يعهدن فيها مثله ونسبوه إلى أنّه ملك ؛ لأنّ الملك يقال : إنّه إذا تجسّد وتصوّر فإنّه يتصوّر بأحسن الصور.

وأمّا الوجه الاخر : أنّ اعتقاد النسوة ليس بحجّة ؛ لأنّهن قد اعتقدن الباطل والحقّ ، فلو وقع منهن ما يدلّ صريحا على تفضيل الملائكة على الأنبياء لم تكن حجّة (١).

ـ (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣].

[فان قيل : كيف يجوز أن يقول يوسف هذا] ونحن نعلم أنّ سجنهم له معصية ومحنة ، كما أنّ ما دعوه إليه معصية ، ومحبة المعصية عندكم لا تكون إلّا قبيحة. [وهو في القبح يجرى مجرى ما دعى إليه من الزنا] (٢).

الجواب : قلنا : في تأويل هذه الآية جوابان :

أحدهما : أنّه أراد بقوله (أَحَبُّ إِلَيَ) أخفّ علي وأسهل ، ولم يرد المحبة الّتي هي الإرادة على الحقيقة. وهذا يجري مجرى أن يخيّر أحدنا بين الفعلين ينزلان به ويكرههما ويشقّان عليه ، فيقول في الجواب : كذا أحبّ إلي ، وإنّما

__________________

(١) الرسائل ، ١ : ٤٣٤.

(٢) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٢.

٤٧٨

يريد ما ذكرناه من السهولة والخفّة. [وعلى هذا الجواب لا يمتنع أن يكون إنّما عنى فعلهم به دون فعله ؛ لأنّه لم يخبر عن نفسه بالمحبّة التي هي الارادة وانّما وضع أحب موضع أخف والمعصية قد تكون أهون وأخف من أخرى] (١).

والوجه الآخر : أنّه أراد أنّ توطيني نفسي وتصبيري لها على السجن أحبّ إليّ من مواقعة المعصية.

فإن قيل : هذا خلاف الظاهر لأنّه مطلق وقد أضمرتم فيه.

قلنا : لا بدّ من مخالفة الظاهر ؛ لأنّ السجن نفسه لا يجوز أن يكون مرادا ليوسف عليه‌السلام وكيف يريده وإنّما السجن البنيان المخصوص ، [وإنّما يريد الفعل فيها ، والمتعلّق بها ؛ والسجن نفسه ليس بطاعة ولا معصية وإنّما الأفعال فيه قد تكون طاعات ومعاصي بحسب الوجوه التي يقع عليها ، وإدخال القوم يوسف الحبس ، أو اكراههم له على دخوله معصية منهم ، وكونه فيه وصبره على ملازمته ، والمشاق التي تناله باستيطانه كان طاعة منه وقربة وقد علمنا ان ظالما لو أكره مؤمنا على ملازمة بعض المواضع ، وترك التصرّف في غيره لكان فعل المكره حسنا وان كان فعل المكره قبيحا] (٢).

وإنّما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه ، إذا قرئ : ربّ السّجن «بفتح السين» وإن كانت هذه القراءة أيضا محتملة للمعنى الّذي ذكرناه ، فكأنّه أراد أنّ سجني نفسي عن المعصية أحبّ إليّ من مواقعتها ، فرجع معنى السجن إلى فعله دون افعالهم ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ، فليس للمخالف أن يضمر في الكلام انّ كوني في السجن وجلوسي فيه أحبّ إليّ ، بأولى ممّن أضمر ما ذكرنا ؛ لأنّ كلا الأمرين يعود إلى السجن ويتعلّق به.

[وليس لهم أن يقدروا ما يرجع إلى الحابس من الأفعال إلّا ولنا أن نقدر ما يرجع إلى المحبوس ، وإذ احتمل الكلام الأمرين ، ودلّ الدليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يريد المعاصي والقبائح اختصّ المحذوب المقدّر بما

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٢.

(٢) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٤.

٤٧٩

يرجع إليه ممّا ذكرناه ، وذلك طاعة لا لوم على مريده ومحبّه] (١).

فإن قيل : كيف يقول : السجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه وهو لا يحبّ ما دعوه إليه على وجه من الوجوه ، ومن شأن هذه اللفظة أن تستعمل بين شيئين مشتركين في معناها.

قلنا : قد تستعمل هذه اللفظة فيما لا اشتراك فيه [على الحقيقة] (٢) ، ألا ترى أنّ من خيّر بين ما يكرهه وما يحبّه ساغ له أن يقول : «هذا أحبّ إلى من هذا» ، وإن لم يخيّر [ساغ له ان يقول مبتدئا] «هذا أحب إليّ من هذا» ، إذا كانا لا يشتركان في محبّته؟ وإنّما سوّغ ذلك على أحد الوجهين دون الآخر ؛ لأنّ المخيّر بين الشيئين في الأصل لا يخيّر بينهما إلّا وهما مرادان له أو ممّا يصحّ أن يريدهما ، فموضوع التخيير يقتضي ذلك ، وإن حصل فيما يخالف أصل موضوعه. ومن قال ـ وقد خيّر بين شيئين لا يحبّ أحدهما ـ : «هذا أحبّ إليّ» إنّما يكون مجيبا بما يقتضيه أصل الموضوع في التخيير ، ويقارب ذلك قوله تعالى (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) (٣) ونحن نعلم أنّه لا خير في العقاب ، وأنّما حسن القول لوقوعه [موقع] التقريع والتوبيخ على اختيار المعاصي على الطاعات ، وانّهم ما أثروها إلّا لاعتقادهم أنّ فيها خيرا ونفعا ، فقيل أذلك خير على ما تظنّونه وتعتقدونه أم كذا وكذا؟

وقد قال قوم في قوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ) : إنّه إنّما حسن لاشتراك الحالتين في باب المنزلة ، وإن لم يشتركا في الخير والنفع كما قال تعالى : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٤) ومثل هذا المعنى يتأتّى في قوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) ؛ لأنّ الأمرين ـ يعني المعصية ودخول السجن ـ مشتركان في أنّ لكل منها داعيا وعليه باعثا ، وإن لم يشتركا في تناول المحبّة ، فجعل اشتراكهما في دواعي المحبّة اشتراكا في المحبة نفسها ، وأجرى اللفظ على ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ : ٤٦٢.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) سورة الفرقان ، الآية : ١٥.

(٤) سورة الفرقان ، الآية : ٢٤.

٤٨٠