تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

فإن قيل : فقد قال الله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (١) وهو عموم في جميع ما شربوا وعالجوه بأيديهم.

قلنا : يجب تخصيص هذا الظاهر بالدلالة على نجاستهم ، ونحمل هذه الآية على أنّ المراد بها طعامهم الذي هو الحبوب وما يملكونه دون ما هو سؤر أو ما عالجوه بأجسامهم على أنّ في طعام أهل الكتاب ما يغلب على الظنّ أنّ فيه خمرا أو لحم خنزير فلا بدّ من إخراجه مع هذا الظاهر ، وإذا أخرجناه من هذا الظاهر لأجل النجاسة وكان سؤرهم على ما بيّناه نجسا أخرجناه أيضا من الظاهر (٢).

ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ...) [التوبة : ٢٨].

انظر كهف : ٥٦ إلى ٧٠ من التنزيه : ١١٨.

ـ (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) [التوبة : ٢٩].

أنظر المقدّمة الثانية ، الأمر السادس.

ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٠].

[إن سأل سائل] فقال : أيّ معنى لقوله : (بِأَفْواهِهِمْ) ومعلوم أنّ القول لا يكون إلّا بالأفواه؟

الجواب : قلنا : المقول يحتمل معنيين في لغة العرب : أحدهما : القول باللّسان ، والآخر : بالقلب ، فالقول الذي يضاف إلى القلب هو الظّنّ والاعتقاد ، ولهذا المعنى ذهبت العرب بالقول مذهب الظنّ فقالوا : أتقول عبد الله خارجا؟

ومتى تقول محمدا منطلقا؟ يريدون : متى تظنّ؟ قال الشاعر؟

أما الرّحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدّار تجمعنا! (٣)

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٥.

(٢) الانتصار : ١٠ وراجع أيضا الناصريات : ٨٤.

(٣) البيت لعمر بن أبي ربيعة ، ديوانه : ٣٩٤.

٤٠١

أراد : فمتى تظنّ الدار!

وقال الآخر :

أجهّالا تقول بني لؤيّ

لعمر أبيك أم متجاهلينا! (١)

أراد : تظنّ بني لؤيّ.

وقال توبة بن الحميّر :

ألا يا صفيّ النّفس كيف تقولها

لو أنّ طريدا خائفا يستجيرها (٢)

تخبّر إن شطّت بها غربة النّوى

ستنعم ليلى أن يفكّ أسيرها

أراد : كيف تظنها؟

فلمّا كان القول يستعمل في الأمرين معا أفاد قوله تعالى : (بِأَفْواهِهِمْ) قصر المعنى على ما يكون باللسان دون القلب ، ولو أطلق القول ، ولم يأت بذكر الأفواه لجاز أن يتوهّم المعنى الآخر.

وممّا يشهد لذلك قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (٣) ، فلم يكذّب تعالى قول ألسنتهم : لأنّهم لم يخبروا بأفواههم إلّا بالحقّ ، بل كذّب ما يرجع إلى قلوبهم من الاعتقادات.

ووجه آخر : وهو أن تكون الفائدة في قوله تعالى : (بِأَفْواهِهِمْ) أنّ القول لا برهان عليه ، وأنّه باطل كذب لا يرجع فيه إلّا إلى مجرّد القول باللسان ؛ لأنّ الإنسان قد يقول بلسانه الحقّ والباطل ، وإنّما يكون قوله حقّا إذا كان راجعا إلى قلبه ، فتكون إضافة القول إلى اللسان تقتضي ما ذكرناه من الفائدة ، وهذا كما يقول القائل لمن يشكّ في قوله أو يكذبه : هكذا تقول بلسانك ، وليس الشأن فيما تقوله وتتفوّه به وتقلّب به لسانك ؛ فكأنّهم أرادوا أن يقولوا : هذا قول لا برهان

__________________

(١) البيت للكميت بن زيد الأسدي ؛ وهو من (شواهد ابن عقيل على الألفية : ١ / ٣٩٧).

(٢) البيتان من قصيدة طويلة ؛ ذكرت بتمامها في تزيين الأسواق ٩٦ ـ ٩٨.

(٣) سورة المنافقون ، الآية : ١.

٤٠٢

عليه ، فأقاموا قولهم : هكذا تقول بلسانك ، وإنّما يقولون كذا بأفواههم مقام ذلك ؛ والمعنى أنّه قول لا تعضده حجّة ولا برهان ، ولا يرجع فيه إلّا إلى اللسان.

ووجه آخر ، وهو أن تكون الفائدة في ذلك التأكيد ، فقد جرت به عادة العرب في كلامها ، وما تقدّم من الوجهين أولى ؛ لأنّ حمل كلامه تعالى على الفائدة أولى من حمله على ما تسقط معه الفائدة (١).

ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [التوبة : ٣٢].

ويوصف تعالى بأنه «يأبى» وبأنه «آب» ، قال الله تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) ، والاباء هو المنع وليس بالكراهية ، ولهذا تمدحت العرب به ، فقالوا «فلان يأبى الضيم» إذا امتنع منه ، ولا مدحة في وصفه بكراهية (٢).

[انظر أيضا البقرة : ٢٦ و ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧ ، رسالة إنقاذ البشر من الجبر والقدر].

ـ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [التوبة : ٣٤].

أنظر محمّد : ٣٦ من الانتصار : ٧٨ والمؤمنون : ٥ ، ٦ من الذريعة ، ١ : ٣٤٥.

ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [التوبة : ٣٦].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ٣٥١.

(٢) الذخيرة : ٥٩٨.

٤٠٣

عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة : ٤٠].

[قال القاضي في جملة فضائل أبي بكر] : «إنّه كان صاحبه في الغار».

[أقول :] فإنّا متى اعتبرنا قصّة الغار لم نجد فيها لأبي بكر فضلا بل وجدناه منهيّا ، والنهي من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتوجّه إلّا إلى قبيح ونحن نبيّن ما يقتضيه استقراء الآية :

أمّا قوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) فليس فيه أكثر من إخبار عن عدد وقد يكون ثانيا لغيره من لا يشركه في إيمان ولا فضل ، ثمّ قال : «يقول لصاحبه» وليس في التسمية بالصّحبة فضل ؛ لأنّها قد تحصل من الولي والعدو والمؤمن والكافر ، قال الله تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر اصطحبا : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (١) ، ثمّ قال : «لا تحزن» فنهاه عن الاستمرار على حزن وقع منه بلا خلاف ؛ لأنّ الرواية وردت بأنّه جزع ونشج بالبكاء ، وإنّما ذكرنا ذلك لئلا يقولوا : إنّما نهاه عما لم يقع منه ، فظاهر نهيه عليه‌السلام يدلّ على قبح الفعل ، وإنّما يحمل النهي في بعض المواضع على التشجيع والتسكين بدلالة توجب العدول عن الظاهر ، وهذا يدلّ على وقوع المعصية من الرجل في الحال ، فأمّا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) فمعناه إنه عالم بحالنا كما قال تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) (٢) فليس في ذلك أيضا فضل.

وقد قيل : إنّ لفظة «معنا» تختص النبيّ وحده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون من كان معه ، وقد يستعمل الواحد العظيم هذه اللفظة في العبارة عن نفسه كما قال تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٣) و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٤) ثمّ قال : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) وإنزال السكينة إنّما كان على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدلالة

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية : ٣٧.

(٢) سورة المجادلة ، الآية : ٧.

(٣) سورة نوح ، الآية : ١.

(٤) سورة الحجر ، الآية : ٩.

٤٠٤

قوله «وأيّده بجنود لم تروها» وهم الملائكة وبدلالة أنّ الهاء من أوّل الآية إلى آخرها كناية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم ينزل السكينة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير هذا المقام إلّا عمّت من كان معه من المؤمنين ، قال الله تعالى في يوم حنين : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١) وقال تعالى : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢) وفي اختصاص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه (٣).

ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) [التوبة : ٤٣].

فإن قيل : فما وجه قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا استأذنه قوم في التخلّف عن الخروج معه إلى الجهاد فأذن لهم أوليس العفو لا يكون إلّا عن الذنب؟ وقوله «لم أذنت» ظاهر في العتاب لأنّه من أخصّ ألفاظ العتاب؟

الجواب : قلنا أمّا قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) فليس يقتضي وقوع معصية ولا غفران عقاب ، ولا يمتنع ان يكون المقصود به التعظيم والملاطفة في المخاطبة ؛ لأنّ أحدنا قد يقول لغيره إذا خاطبه : «أرأيت رحمك الله وغفر الله لك» وهو لا يقصد إلى الاستصفاح له عن عقاب ذنوبه ، بل ربّما لم يخطر بباله أنّ له ذنبا ، وإنّما الغرض الإجمالي في المخاطبة استعمال ما قد صار في العادة علما على تعظيم المخاطب وتوقيره.

وأمّا قوله تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فظاهره الاستفهام والمراد به التقريع واستخراج ذكر علّة إذنه ، وليس بواجب حمل ذلك على العتاب ؛ لأنّ أحدنا قد يقول لغيره : «لم فعلت كذا وكذا؟» تارة معاتبا ، وأخرى مستفهما ، وتارة مقرّرا ، فليس هذه اللفظة خاصة للعتاب والانكار. وأكثر ما يقتضيه وغاية ما يمكن أن يدعى فيها أن تكون دالّة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الأولى والأفضل ، وقد بيّنا أن ترك

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٢٦.

(٢) سورة الفتح ، الآية : ٢٦.

(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ٤ : ٢٥.

٤٠٥

الأولى ليس بذنب ، وإن كان الثواب ينقص معه ؛ فإنّ الأنبياء عليهم‌السلام يجوز أن يتركوا كثيرا من النوافل. وقد يقول أحدنا لغيره إذا ترك الندب : لم تركت الأفضل ولم عدلت عن الأولى؟ ولا يقتضي ذلك إنكارا ولا قبيحا (١).

ـ (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ...) [التوبة : ٤٦].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [التوبة : ٤٩].

أنظر البقرة : ٨ من الذخيرة : ٥٣٦.

ـ (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٥٥].

[إن سأل سائل] فقال : كيف يعذّبهم بالأموال والأولاد ، ومعلوم أنّ لهم فيها سرورا ولذّة؟ وما تأويل قوله تعالى : (وَهُمْ كافِرُونَ) وظاهره يقتضي أنّه أراد كفرهم من حيث أراد أن تزهق أنفسهم في حال كفرهم ، لأنّ القائل إذا قال : «أريد أن يلقاني فلان وهو لابس أو على صفة كذا وكذا» ، فالظاهر أنّه أراد كونه على تلك الصفة؟

الجواب : قلنا : أمّا التعذيب بالأموال والأولاد ففيه وجوه :

أوّلها : ما روي عن ابن عباس وقتادة ، وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير ، ويكون التقدير : فلا تعجبك يا محمد ولا تعجب المؤمنين معك أموال هؤلاء الكفّار والمنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا ؛ إنّما يريد الله ليعذّبهم بها في الآخرة عقوبة لهم على منعهم حقوقها ؛ واستشهد على ذلك بقوله تعالى : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢) ؛ والمعنى : فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ، ثمّ تولّ عنهم ؛ وأنشد في ذلك قول الشاعر :

عشية أبدت جيد أدماء مغزل (٣)

وطرفا يريك الإثمد الجون أحورا

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١٦٠. وراجع أيضا الأمالي ، ٢ : ٣٣٠.

(٢) سورة النمل ، الآية : ٢٨.

(٣) مغزل : معها غزالها.

٤٠٦

يريد : وطرفا أحور يريك الإثمد الجون ؛ وقد اعتمد هذا الوجه أيضا أبو عليّ قطرب ، وذكره أبو القاسم البلخيّ والزّجاج.

وثانيها : أن يكون معنى التعذيب بالأموال والأولاد في الدّنيا هو ما جعله للمؤمنين من قتالهم وغنيمة أموالهم وسبي أولادهم واسترقاقهم ؛ وفي ذلك لا محالة إيلام لهم ، واستخفاف بهم ، وإنّما أراد الله تعالى بذلك إعلام نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين أنّه لم يرزق الكفّار الأموال والأولاد ؛ ولم يبقها في أيديهم كرامة لهم ، ورضا عنهم ؛ بل للمصلحة الداعية إلى ذلك ، وأنّهم مع هذه الحالة معذّبون بهذه النعم من الوجه الذي ذكرناه ، فلا يجب أن يغبطوا ، ويحسدوا عليها ؛ إذ كانت هذه عاجلتهم ، والعقاب الأليم في النار آجلتهم ؛ وهذا جواب أبي عليّ الجبائيّ :

وقد طعن عليه بعض من لا تأمّل له فقال : كيف يصحّ هذا التأويل ، مع أنّا نجد كثيرا من الكفّار لا تنالهم أيدي المسلمين ، ولا يقدرون على غنيمة أموالهم ، ونجد أهل الكتاب أيضا خارجين عن هذه الجملة لمكان الذمّة والعهد؟ وليس هذا الاعتراض بشيء لأنّه لا يمتنع أن تختصّ الآية بالكفّار الذين لا ذمّة لهم ولا عهد ؛ ممّن أوجب الله تعالى محاربته ؛ فأمّا الذين هم بحيث لا تنالهم الأيدي ، أو هم من القوّة على حدّ لا يتمّ معه غنيمة أموالهم ؛ فلا يقدح الاعتراض بهم في هذا الجواب لأنّهم ممّن أراد الله تعالى أن يسبى ويغنم ، ويجاهد ويغلب ؛ وإن لم يقع ذلك ؛ وليس في ارتفاعه بالتعذّر دلالة على أنّه غير مراد.

وثالثها : أن يكون المراد بتعذيبهم بذلك كلّ ما يدخله في الدنيا عليهم من الغموم والمصائب بأموالهم وأولادهم التي لهؤلاء الكفّار المنافقين عقاب وجزاء ، وللمؤمنين محنة وجالبة للعوض والنفع.

ويجوز أيضا أن يراد به ما ينذر به الكافر قبل موته ، وعند احتضاره ، وانقطاع التكليف عنه مع أنه حيّ ، من العذاب الدائم الذي قد أعدّ له ، وإعلامه

٤٠٧

أنّه صائر إليه ، أو منتقل إلى قراره ؛ وهذا الجواب قد روي معنى أكثره عن قوم من متقدّمي المفسّرين ، وذكره أبو عليّ الجبّائي أيضا.

ورابعها : [جواب] يحكى عن الحسن البصريّ ، واختاره الطبريّ وقدّمه على غيره ، وهو أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفّار من الفرائض والحقوق في أموالهم ؛ لأنّ ذلك يؤخذ منهم على كره ، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نيّة ولا عزيمة فتصير نفقتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقّون عليها أجرا.

[أقول] : وهذا وجه غير صحيح ؛ لأنّ الوجه في تكليف الكافر إخراج الحقوق من ماله كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ؛ ومحال أن يكون إنّما كلّف إخراج هذه الحقوق على سبيل العقاب والجزاء ؛ لأنّ ذلك لا يقتضي وجوبه عليه ؛ والوجه في تكليف الجميع هذه الأمور هو المصلحة واللطف في التكليف.

ولا يجري ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذي قبل هذا ؛ من أنّ المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة ، وللكافرين عقوبة ؛ لأنّ تلك الأمور ممّا يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا ؛ ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلّف إلّا وجه واحد ، وهو المصلحة في الدّين ، فافترق الأمران.

وليس لهم أن يقولوا : ليس التعذيب في إيجاب الفرائض عليهم ؛ وإنّما هو لإخراجهم أموالهم على وجه التكرّه والاستثقال ؛ وذلك أنّه إذا كان الأمر على ما ذكروه وخرج من أن يكون مرادا لله تعالى ؛ لأنّه جلّ وعز ما أراد منهم إخراج المال على هذا الوجه ، بل على الوجه الذي هو طاعة وقربة ؛ فإذا أخرجوها متكرّهين مستثقلين لم يرد ذلك ؛ فكيف يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها)! ويجب أن يكون ما يعذّبون به شيئا يصحّ أن يريده الله تعالى.

وجميع هذه الوجوه التي حكيناها في الآية ـ إلّا جواب التقديم والتأخير ـ مبنيّة على أنّ الحياة الدنيا ظرف للعذاب ؛ فتحمّل كل متأوّل من القوم ضربا من التأويل ؛ طابق ذلك.

٤٠٨

وما يحتاج عندنا إلى جميع ما تكلّفوه ، ولا إلى التقديم والتأخير إذا لم تجعل الحياة ظرفا للعقاب ، بل جعلناها ظرفا للفعل الواقع بالأموال والأولاد ؛ المتعلّق بهما ؛ لأنّا قد علمنا أوّلا أنّ قوله : (لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) لا بدّ من الانصراف عن ظاهره ؛ لأنّ الأموال والأولاد نفسها لا تكون عذابا ؛ والمراد على سائل وجوه التأويل المتعلّق بها والمضاف إليها ؛ سواء كان إنفاقها والمصيبة بها والغمّ عليها ، أو إباحة غنيمتها وإخراجها عن أيدي مالكيها ؛ فكأنّ تقدير الآية : إنّما يريد الله ليعذّبهم بكذا وكذا ؛ ممّا يتعلّق بأموالهم وأولادهم ، ويتّصل بها ؛ فإذا صحّ هذا جاز أن تكون الحياة الدنيا ظرفا لأفعالهم القبيحة في أموالهم وأولادهم التي تغضب الله تعالى وتسخطه ؛ كإنفاقهم الأموال في وجوه المعاصي ، وحملهم الأولاد على الكفر ، وإلزامهم الموافقة لهم في النّحلة ، ويكون تقدير الكلام : إنّما يريد الله ليعذّبهم بفعلهم في أموالهم وأولادهم ؛ الواقع ذلك منهم في الحياة الدنيا ؛ وهذا وجه ظاهر يغني عن التقديم والتأخير ؛ وسائر ما ذكروه من الوجوه.

فأمّا قوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) فمعناه تبطل وتخرج ؛ أي أنّهم يموتون على الكفر ؛ وليس يجب إذا كان مريدا لأن تزهق أنفسهم وهم على هذه الحال أن يكون مريدا للحال نفسها على ما ظنّوه ؛ لأنّ الواحد منّا قد يأمر غيره ويريد منه أن يقاتل أهل البغي وهم محاربون ، ولا يقاتلهم وهم منهزمون ، ولا يكون مريدا لحرب أهل البغي للمؤمنين ؛ وإن أراد قتالهم على هذه الحالة ، وكذلك قد يقول لغلامه : أريد أن تواظب على المصير إليّ في السّجن وأنا محبوس ، وللطبيب : صر إليّ ولا زمني وأنا مريض ، وهو لا يريد المرض ولا الحبس ؛ وإن كان قد أراد ما هو متعلق بهاتين الحالتين.

وقد ذكر في ذلك وجه آخر على الّا يكون قوله : (وَهُمْ كافِرُونَ) حالا لزهوق أنفسهم ؛ بل يكون ذلك كأنّه كلام مستأنف ، والتقدير فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ؛ إنّما يريد الله ليعذّبهم بها في الحياة الدنيا ؛ وتزهق أنفسهم وهم مع ذلك كافرون صائرون إلى النار ؛ وتكون الفائدة أنّهم مع عذاب الدنيا قد اجتمع عليهم عذاب الآخرة ؛ ويكون معنى (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) على هذا الجواب غير الموت

٤٠٩

وخروج النفس على الحقيقة ، بل المشقّة الشديدة والكلف الصّعبة ، كما يقال : ضربت فلانا حتى مات وتلفت نفسه ، وخرجت روحه ، وما أشبه ذلك (١).

ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) [التوبة : ٦٠].

[فيها مسألتان

الأولى :] وممّا ظنّ إنفراد الإمامية به اجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق ، ويقولون : إنّه متى استفاد المعتق مالا ثم مات فماله لأهل الزكاة ؛ لأنّه اشتري من مالهم ...

دليلنا على صحّة ا ذهبنا إليه إجماع الطائفة ، وقوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) إلى قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) وهذا نصّ صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة.

فإن قيل المراد بقوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) المكاتبون ، فانّ الفقهاء كلّهم يجيزون أن يعطى المكاتب من مال الزكاة إلّا مالكا ، فانّا نحمله على المكاتب وعلى من يبتاع فيعتق ؛ لأنّه لا تنافي بين الأمرين ، وظاهر القول يقتضي الكلّ (٢).

[الثانية :] وممّا إنفردت به الإمامية القول : بأنّ الزكاة يجوز أن يكفّن منها الموتى ويقضى بها الدين عن الميّت ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك كلّه (٣).

والحجّة لأصحابنا ـ مضافا إلى إجماعهم ـ قوله تعالى في آية وجوه الصدقات : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، ومعنى سبيل الله الطريق إلى ثوابه والوصلة إلى التقرب إليه ، ولمّا كان ما ذكرناه مقرّبا إلى الله تعالى وموصلا إلى الثواب ، جاز صرفه فيه ، فإذا قيل : إن المراد بقوله تعالى : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) ما ينفق في جهاد العدو.

__________________

(١) الأمالي ، ١ : ٤٨٨.

(٢) الانتصار : ٨٥.

(٣) المغني (لابن قدامة) ، ٢ : ٥٢٧.

٤١٠

قلنا : كلّ هذا ممّا يوصف بأنّه سبيل الله تعالى وإرادة بعضه لا تمنع من إرادة بعض آخر.

وقد روى مخالفونا عن ابن عمر أنّ رجلا أوصى بماله في سبيل الله ، فقال ابن عمر : إنّ الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه (١) ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : الحج والعمرة من سبيل الله تعالى (٢).

وقال محمّد بن الحسن في الجامع (٣) الكبير في رجل أوصى بماله في سبيل الله تعالى أنّه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع (٤) به ؛ وكلّ هذا يدلّ على أنّ هذا الاسم لا يختصّ بجهاد العدو (٥).

ـ (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [التوبة : ٦٧].

[فيها أمران :

الأوّل :] والنسيان عبارة عن معنيين أحدهما : النسيان الذي هو ضدّ العمد ؛ والآخر : عن ترك الشيء على وجه العمد كقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (٦).

[الثاني : البقرة ٢٨٦ من الأمالي ، ٢ : ١١٤].

ـ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١].

أنظر المائدة : ٥٥ من الشافي ، ٢ : ٢١٧ وأيضا المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.

ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [التوبة : ٧٥].

وقال أبو حنيفة : إذا حلف [المكلّف] (٧) بصدقة جميع ماله ، ثمّ حنث فعليه أن يتصدّق بجميعه ... (٨)

__________________

(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٣ : ١٢٧.

(٢) نفس المصدر.

(٣) بعض النسخ «السير».

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) الانتصار : ٨٥.

(٦) الناصريات : ٢٥٢.

(٧) ما بين المعقوفتين منا.

(٨) بداية المجتهد ، ١ : ٤٤٧.

٤١١

فإن احتجّ أبو حنيفة بهذه الآية وأنّه تعالى ذمّهم على مخالفة نفس ما عاهدوا عليه.

فالجواب : أنّا لا نسلم أنّ ذلك عهد ، فمن ادّعى أنّ له حكم العهد فعليه الدلالة ، وبعد فانّ أكثر أصحابنا يقولون : إن قوله : «على عهد الله» ليس بيمين (١).

ـ (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠].

أنظر المقدّمة الثالثة ، الأمر السادس.

ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)) [التوبة : ٨٣ ـ ٨٥].

[وفيها أمران.

الأوّل : أنظر الفتح : ١١ من الشافي ، ٤ : ٣٦].

[الثاني : أقول : حكى السيّد عن القاضي كلاما يذكر فيه : «انه لو قلنا بوجود نصّ على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام في عصر الصحابة ، وانّهم ردّوا ذلك ووقفوا على خلافه ، كنّا بذلك ننسبهم إلى الارتداد والنفاق ، وانّهم لذلك صحّ أن يخالفوا ، وذلك ممّا لا يحلّ الكلام فيه ؛ لأنه طريق الشبه القادحة في النبوات ، وإنّما ألقاه الملاحدة الذين طريقتهم معروفة ؛ لأنّ اختصاص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأكابر الصحابة ، ومن يدّعى لهم الإمامة ، وما تواتر من تعظيمه لهم وإكرامه ، إلى غير ذلك يقارب ما تواتر من الخبر في أمير المؤمنين عليه‌السلام وغيره ، فمن يجوّز فيهم الشرك والنفاق فإنّما طعن على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢). انتهى كلامه بتصرّف يسير].

__________________

(١) الانتصار : ١٥٨.

(٢) المغني ، ٢٠ : ١١٩.

٤١٢

[قال الشريف المرتضى رحمه‌الله] فأمّا تعلقه بإكرام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقوم وتعظيمه لهم ، وأن الخبر بذلك متواتر ، فمما لا يؤثر فيما ذهبنا إليه ؛ لأن جميع ما روي من التعظيم والإكرام ـ إذا صحّ ـ فليس يقتضي أكثر من حسن الظاهر وسلامته في الحال ، فأما أن ينفي ما يقع منهم في المستقبل من قبيح فغير متوهم ، وإذا كان دفع النصّ والعمل بخلافه إنّما وقع بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف يكون مدحه في حياته لهم وإكرامه ينافيه ويمنع منه؟

فإن قال : إنما عنيت أن الاكرام والمدح والإعظام يمنع من وقوع النفاق في تلك الحال.

قيل له : ليس يجب بما وقع منهم من دفع النصّ أن يكونوا في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نفاق ؛ لأنّ فيمن يقطع على أن دفع النصّ كفر من فاعله من لا يمنع من وقوعه بعد الإيمان الواقع على جهة الاخلاص ، فأمّا من ذهب إلى الموافاة ، فإنه يحتاج في منع وقوع الإيمان متقدّما إلى أن يثبت له كون دفع النصّ كفرا ، وأنه يخرج عن منزلة الفسق ويلحق بمنزلة الكفر ، ثم يثبت أن فاعله فارق الدنيا عليه ؛ لأنّه إن لم يثبت له ذلك لم يمتنع على مذهبه تقدم الإيمان ، على أنّه غير ممتنع عقلا أن يكون الرسول غير عالم ببواطن أصحابه وسرائرهم من خير وشرّ ، فيكون مدحه لهم على الظاهر ، وإذا انقطع العذر بالسمع الوارد بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان يعرف بواطن بعضهم أمكن أن يقال : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم بذلك في حال لم يكن منه بعدها مدح ولا تعظيم لمن علم سوء باطنه ؛ فإن الحال بعينها غير مقطوع عليها ويمكن أن يقال : إن ذلك قبل وفاته عليه‌السلام بزمان يسير.

وقد قيل : إنّه غير ممتنع أن يمدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علم خبث باطنه إذا كان مظهرا للحق والدين ، كما أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع علمه بالمنافقين وتمييزه لهم من جملة أصحابه قد كان يجري عليهم أحكام المؤمنين ، ولا يخالف بينهم في شيء منها إلّا فيما نطق به الكتاب ، من ترك الصلاة على أحدهم عند موته والقيام على قبره وإجراء أحكام المؤمنين عليهم ، ودعاؤهم في جملتهم ضرب من المدح والتعظيم فلئن جاز هذا جاز الأوّل.

٤١٣

وليس يمكن أن يقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعرف المنافقين بأعيانهم ؛ لأنّ القرآن يشهد بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان يعرفهم قال الله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (١) وليس بصحيح أن تتوجّه إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه العبارة فيهم إلّا مع المعرفة والتمييز ، وقال جلّ وعزّ : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٢) وفي هذا تصريح بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرفهم ، وكل ما ذكرناه واضح لمن يتدبّره (٣).

ـ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : ١٠٠].

أنظر النور : ٥٥ من الشافي ، ٤ : ٣٦ و ٤٥.

ـ (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (٤) (...) [التوبة : ١١١].

أنظر البقرة : ٧٢ ، ٧٣ من الأمالي ، ٢ : ١٩٢.

ـ (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة : ١١٤].

[فان قيل :] وكيف يجوز أن يستغفر لكافر أو أن يعده بالاستغفار؟.

الجواب : قلنا : معنى هذه الآية أنّ أباه كان وعده بأن يؤمن وأظهر له الإيمان على سبيل النفاق ، حتّى ظنّ أنّه الخير ، فاستغفر له الله تعالى على هذا الظنّ ، فلمّا تبيّن له أنّه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له وتبرّأ منه على ما نطق به القرآن. فكيف يجوز أن يجعل ذلك ذنبا لإبراهيم عليه‌السلام وقد عذره الله تعالى في [قوله :] انّ استغفاره إنّما كان لأجل موعدة ، وبأنّه تبرّأ منه لمّا تبيّن له منه المقام على عداوة الله تعالى.

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ٨٤.

(٢) سورة محمّد ، الآية : ٣٠.

(٣) الشافي في الإمامة وإبطال حجج العامّة ، ١ : ١٣٩.

(٤) على قراءة الكسائي وأبي العبّاس ثعلب.

٤١٤

فإن قيل : فإن لم تكن هذه الآية دالّة على إضافة الذنب إليه ، فالآية الّتي في سورة الممتحنة تدلّ على ذلك ؛ لأنّه تعالى قال : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) (١) فأمر بالتأسي والاقتداء به ، إلّا في هذا الفعل. وهذا يقتضي انّه قبيح.

قلنا : ليس يجب ما ذكر في السؤال ، بل وجه استثناء (استغفار) إبراهيم عليه‌السلام لأبيه عن جملة ما أمر الله تعالى بالتأسي به فيه ، أنه لو أطلق الكلام لأوهم الأمر بالتأسي به في ظاهر الاستغفار من غير علم بوجهه ، والموعدة السابقة من أبيه له بالإيمان ، وأدّى ذلك إلى حسن الاستغفار للكفّار ، فاستثنى الاستغفار من جملة الكلام لهذا الوجه ، ولأنّه لم يكن ما أظهره أبوه من الإيمان ووعده به معلوما لكل أحد ، فيزول الإشكال في أنّه استغفر لكافر مصرّ على كفره. ويمكن أيضا أن يكون قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) استثناء من غير التأسّي ، بل من الجملة الثانية الّتي تعقّبها هذا القول بلا فصل وهي قوله : (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) إلى قوله : (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) أبدا ، لأنّه لمّا كان استغفار إبراهيم عليه‌السلام لأبيه مخالفا لمّا تضمّنته هذه الجملة ، وجب استثناءه. وألّا توهّم بظاهر الكلام انّه عامل أباه من العداوة والبراءة بما عامل به غيره من الناس.

فأمّا قوله تعالى : (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) فقد قيل إنّ الموعدة إنّما كانت من الأب بالإيمان للابن ، وهو الّذي قدّمناه. وقيل : إنّها كانت من الابن بالاستغفار للأب في قوله : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ). والأولى أن تكون الموعدة هي من الأب بالإيمان للابن ؛ لأنّا إن حملناه على الوجه الثاني كانت المسألة قائمة. ولقائل أن يقول : ولم أراد أن يعده بالاستغفار وهو كافر؟ وعند ذلك لا بدّ أن يقال : إنّه أظهر له الإيمان حتّى ظنّه به ، فيعود إلى معنى الجواب الأوّل.

__________________

(١) سورة الممتحنة ، الآية : ٤.

٤١٥

فإن قيل : فما تنكرون من ذلك ، ولعلّ الوعد كان من الابن للأب بالاستغفار ، وإنّما وعده به ؛ لأنه أظهر له الإيمان؟

قلنا : ظاهر الآية يمنع من ذلك ؛ لأنّه تعالى قال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) فعلّل حسن الاستغفار بالموعدة ، ولا يكون الموعدة مؤثّرة في حسن الاستغفار إلّا بأن يكون من الأب للابن بالإيمان ؛ لأنّها إذا كانت من الابن لم يحسن له الاستغفار ؛ لأنّه إن قيل : إنّما وعده الاستغفار لاظهاره له الإيمان ، فالمؤثّر في حسن الاستغفار هو إظهار الإيمان لا الموعدة.

فإن قيل : أفليس إسقاط عقاب الكفر والغفران لمرتكبه كانا جائزين من طريق العقل ، وإنّما منع منه السمع ، وإلّا جاز أن يكون إبراهيم عليه‌السلام إنّما استغفر لأبيه ؛ لأنّ السمع لم يقطع له على عقاب الكفار وكان باقيا على حكم العقل ، وليس يمكن أن يدّعي أنّ ما في شرعنا من القطع على عقاب الكفّار كان في شرعه ؛ لأنّ هذا لا سبيل إليه؟.

قلنا : هذا الوجه كان جائزا لو لا ما نطق به القرآن من خلافه ؛ لأنّه تعالى لمّا قال : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١) قال عاطفا على ذلك : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فصرّح بعلّة حسن إستغفاره ، وأنّها الموعدة. ولو كان الوجه في حسن الاستغفار على ما تضمّنه السؤال ، لوجب أن يعلّل استغفاره لأبيه بأنه لم يعلم أنّه من أهل النار لا محالة ، ولم يقطع في شرعه على عقاب الكفّار. والكلام يقتضي خلاف هذا ، ويوجب أنّه ليس لإبراهيم عليه‌السلام من ذلك ما ليس لنا ، وأنّ عذره فيه هو الموعدة دون غيرها.

وقد قال أبو علي بن محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي في تأويل الآية الّتي في

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية : ١١٣.

٤١٦

التوبة : ما نحن ذاكروه ومنبّهون على خلافه ، قال ـ بعد أن ذكر أنّ الاستغفار انّما كان لأجل الموعدة من الأب بالإيمان ـ : إنّ الله تعالى إنّما ذكر قصّة إبراهيم عليه‌السلام بعد قوله (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) لئلا يتوهّم أحد أنّ الله عزوجل كان جعل لإبراهيم عليه‌السلام من ذلك ما لم يجعله للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ هذا الّذي لم يجعله للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يجعله لأحد ؛ لأنّه ترك الرضا بأفعال الله تعالى وأحكامه.

وهذا الذي ذكره غير صحيح على ظاهره ؛ لأنّه يجوز أن يجعل لغير نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن لم يقطع له ، على أنّ الكفّار معاقبون لا محالة أن يستغفر للكفّار ؛ لأنّ العقل لا يمنع من ذلك ؛ وإنّما يمنع السمع الّذي فرضنا ارتفاعه.

فإن قال : اردت انّه ليس لأحد ذلك مع القطع على العقاب. قلنا : ليس هكذا يقتضي ظاهر كلامك. وقد كان يجب إذا أردت هذا المعنى أن تبيّنه وتزيل الابهام عنه ، وإنّما لم يجز أن يستغفر للكفّار ـ مع ورود الوعيد القاطع على عقابهم ، زايدا على ما ذكره أبو علي من أنّه ترك الرضا بأحكام الله ـ لأن فيه سؤالا له تعالى أن يكذب في إخباره ، وأن يفعل القبيح من حيث أخبر بأنّه لا يغفر للكفّار مع الاصرار (١).

ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) [التوبة : ١١٥].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة : ١١٧].

[نقل القاضي استدلال واصل بن عطاء بهذه الآية على بطلان طريقة الإمامية في سوء الثناء على بعض الصحابة.

قال السيّد : أوّل ما فيه أنّ] الظاهر لا يقتضي العموم.

__________________

(١) تنزيه الأنبياء والأئمّة : ٥٥.

٤١٧

ثمّ الظاهر من الكلام يقتضي أنهم تابوا فتاب الله عليهم ، وقبل توبتهم ، ولا بدّ أن تكون توبتهم مشترطة ؛ لأنّ الله تعالى لا يقبل توبة من لم يتب ، فيجب عليهم أن يدلوا على وقوع توبة من الجماعة حتّى يدخلوا تحت الظاهر (١).

ـ (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : ١٢٢].

أنظر المقدّمة الخامسة ، الأمر التاسع.

__________________

(١) الشافي في الإمامة وإبطال العامّة ، ٤ : ١٩.

٤١٨

سورة يونس

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ـ (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ....) [يونس : ٣].

أنظر طه : ٥ من الملخص ، ٢ : ٢١١.

ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...) [يونس : ٤].

ويوصف تعالى بأنه «مبدي» و «معيد» ؛ لأنه تعالى ابتدأ وأنشأ ، ومعنى معيد أنه يعيد ما تقدّم عدمه إيجاده.

وقال قوم : لو كان معنى معيد هو ما ذكرناه لما وصف القديم تعالى في هذه الحال ؛ لأنا نقطع في هذه الأحوال على أنه تعالى قد أعاد شيئا من أفعاله ، وذكروا أن معنى هذه اللفظة أنه يعيد في إفضاله وإحسانه حالا بعد حال (١).

ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس : ٥].

[استدلّ السيّد بهذه الآية على اعتبار الاهلة في المواقيت دون العدد ، قال :] وهذا نصّ صريح كما ترى على أنّ معرفة السنين والحساب مرجوع فيها إلى القمر ونقصانه وزيادته وأنّه لا حظّ للعدد الذي يعتمده أصحاب العدد في علم السنين والشهور ، وهذا أوضح من أن تدخل على عاقل فيه شبهة (٢).

ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [يونس : ٩].

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ : إلى ٢٤٧.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٩٤.

(٢) الرسائل ، ٢ : ٢٠.

٤١٩

ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ....) [يونس : ١٥].

أنظر المقدّمة الرابعة ، الأمر الثالث عشر.

ـ (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس : ١٨].

أنظر البقرة : ٢٥٥ من الذخيرة : ٥٨١.

ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ...) [يونس : ٢٢].

أنظر الأعراف : ١٨٩ ، ١٩٠ من تنزيه : ٣١.

ـ (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس : ٥٨].

[قال السيد :] لا يجوز أن يحمل قوله : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) على ما هو من فضل الله ورحمته ؛ ولا معنى له على ما يقوله النحويون إنّه للتأكيد ؛ كما لا معنى لقول قائل : زيد وعمرو لهما ؛ يريد به زيدا وعمرا ؛ فالصحيح أن نقول في هذا : إنّ معناه : قل بفضل الله ومعونة الله ورحمته ؛ لأنّ معونة الله وفضل الله ورحمته تؤثّر في القول ، ويقول : بفضل الله ومعونته يفرح ، فيردّ قوله : (بِفَضْلِ اللهِ) إلى القول ، أي قل : بفضله ومعونته هذا القول ؛ فإنّ بهذا القول ومعونته ورحمته يفرحون ؛ فيكون قوله : (فَبِذلِكَ) راجعا إلى الفرح بالفضل والرحمة ؛ حتى يكون قد أفاد كلّ واحد من اللفظين فائدة (١).

ـ (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) [يونس : ٦١].

[قال السيد : لا معنى لهذه الآية] على ما قاله النحويون : إنّه للتأكيد ؛ لما بيّنا أنّ التأكيد إذا لم يفد غير ما يفيده المؤكّد لم يصحّ ، وقد علمنا بقوله تعالى : (مِنْ قُرْآنٍ) أنّه من جملة القرآن ، فأيّ معنى لقوله : (مِنْهُ) وتكراره!.

__________________

(١) الأمالي ، ٢ : ٢٥٨ وأيضا الرسائل ، ٢ : ٧٥ مع اختلاف يسير.

٤٢٠