تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

تفسير الشريف المرتضى - ج ٢

المؤلف:


المحقق: لجنة من العلماء المحققين بإشراف السيّد مجتبى أحمد الموسوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٠

الشريكين ، فإن الشريكين في المال لكلّ واحد منهما نصفه فإذا استحق مستحق من المال شيئا أعطينا كلّ واحد من الشريكين النصف بعد الخارج لتساويهما في السهام.

وقد بيّنا أن سهم الأم مذكور في القرآن ، وسهم الأب غير معيّن ، وإنّما له ما بقي بعد فرض الأم ، ولا يشبه ذلك ما ذكره الرازي في الابن والبنت والأخ والأخت ؛ لأن الله تعالى قد صرّح في نصيب من ذكره بأن (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فينبغي أن تكون القسمة على ذلك مع الانفراد والاجتماع ولم يصرّح في الأبوين بأن للأب مع الانفراد الثلثين ، فافترق الأمران ولا وجه للجمع بينهما (١).

[الثامن :] وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنه لا يحجب الام عن الثلث إلى السدس الأخوة من الام خاصة ، وإنّما يحجبها عنه الاخوة من الأب والامّ أو من الأب. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أن الاخوة من الأم يحجبون كما تحجب الاخوة من الأب والامّ ، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع الذي قد تكرر.

وإذا احتج علينا بظاهر قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) فان الاسم يتناول الأخوة من الأمّ خاصّة كما يتناول الأخوة من الأب والام. قلنا : هذا العموم نرجع عن ظاهره بالإجماع فإنه لا خلاف بين الطائفة في هذا ، وقول من يقول من أصحابنا كيف يجوز أن يحجبها الاخوة من الأمّ وهم في كفالتها ومؤنتها ليس بعلة في سقوط الحجب ، وإنّما اتبعوا في ذلك لفظ الرواية ؛ فإنهم يروون عن أئمتهم عليهم‌السلام أنهم لا يحجبونها ؛ لأنهم في نفقتها ومؤونتها (٢).

ـ (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ...) [النساء : ١٢].

__________________

(١) الانتصار : ٢٩٣.

(٢) الانتصار : ٢٩٨.

٦١

أنظر النساء : ٢٤ من الانتصار : ١٠٩.

ـ (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) [النساء : ١٤].

أنظر غافر : ١٨ من الذخيرة : ٥٠٤.

ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)) [النساء : ١٧ ـ ١٨].

أنظر مريم : ٢٨ ، ٢٩ من الأمالي ، ٢ : ١٧٠ والبقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ... [النساء : ٢٣].

[فيها أمران :

الأوّل : قال الناصر رحمه‌الله :] «أمّ المرأة لا تحرم بمجرّد العقد».

عندنا : أنّ أمّهات النساء يحرمن بالعقد على بناتهن بمجرد العقد من غير اعتبار بالدخول ؛ ووافقنا على ذلك جميع فقهاء الأمصار (١) ... دليلنا : الاجماع المتقدم ذكره.

وأيضا ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من تزوّج امرأة ثمّ طلقها قبل أن يدخل بها حرمت عليه أمّها ولم تحرم عليه بنتها» (٢).

فإن تعلّقوا بقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ) فشرط في تحريم أمّهات النساء والربائب الدخول.

__________________

(١) أحكام القرآن (للجصّاص) ، ٣ : ٦٩.

(٢) سنن البيهقي ، ٧ : ١٦٠.

٦٢

فالجواب عنه : أنّ رجوع الشرط إلى الأمرين يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه ، ولا خلاف في رجوعه إلى الربائب.

وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية : أبهموا ما أبهم الله (١).

وروي أيضا أنّه قال : تحريم أمّهات النساء مبهم (٢).

فإمّا أن يكون قاله تفسيرا أو توقيفا ، فإن قاله توقيفا فالمصير إليه واجب ، وإن قاله تفسيرا من قبل نفسه فلم يخالفه مخالف (٣).

[انظر أيضا النساء : ١١ من الرسائل ، ٣ : ٢٥٧.]

[الثاني : قيل : ان هذه الآية وما جرى مجرى ذلك من تعليق التحريم بالأعيان ملحق بالمجمل.

وليس في الحقيقة كذلك إذ من المعلوم] أنّ الأعيان من الأجسام لا تدخل تحت القدرة ، والتحريم إنّما يتناول مقدورنا ، ففي الكلام حذف ، وتقديره حرّم عليكم الفعل في هذه الأعيان ، وجرى ذلك في أنّه مجاز ولا يجوز التعلّق بظاهره مجرى قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).

وهذا غير صحيح ؛ لأنّ التعارف قد اقتضى في تعليق التحريم أو التحليل بالأعيان الأفعال فيها ، وصار ذلك بالعرف يجري مجرى تعليق الأملاك بالأعيان ؛ لأنّهم يقولون : «فلان يملك داره وعبده» وإنّما يريدون أنّه يملك التصرف فيهما ، ثمّ المفهوم من هذا التصرّف ما يليق بالعين الّتي أضيفت إلى الملك من استمتاع وانتفاع وغير ذلك.

وإنّما حملهم على هذا الحذف في الملك والتحريم والتحليل طلب الاختصار ، فاستطالوا أن يذكروا جميع الأفعال ، ويعدّدوا سائر المنافع ، فحذفوا ما يتعلّق التحريم أو الملك به اختصارا.

ولا يمكن أحدا أن يقول : انّ إضافة الملك إلى الأعيان هو مجاز ، وغير

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٤٧٢.

(٢) أحكام القرآن (للقرطبي) ، ٥ : ١٠٦.

(٣) الناصريات : ٣١٧.

٦٣

ظاهر ، بل بالتعارف قد صار هو الظاهر ، وكذلك القول في التحريم والتحليل. وأيّ منصف يذهب عليه أن قولنا : «إنّ الميتة محرّمة» أو «الخمر» ظاهر ، وحقيقة ، وليس على سبيل المجاز (١).

ـ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء : ٢٤].

[فيها مسائل :

الأولى :] وممّا إنفردت به الإمامية منه إباحتهم أن يتزوج الرجل المرأة على عمّتها وخالتها بعد أن يستأذنهما وترضيا به ، ويجوّزون أن يتزوّج بالعمة وعنده بنت أخيها وإن لم ترض بنت الأخ ؛ وكذلك يجوز عندهم أن يعقد على الخالة وعنده بنت اختها من غير رضى بنت الأخت ، وحكي عن الخوارج (٢) إباحة تزويج المرأة على عمّتها وعلى خالتها ، والحجّة ـ بعد الاجماع المتقدّم ـ قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وكلّ ظاهر في القرآن يبيح العقد على النساء بالاطلاق (٣) ، فإن احتجوا بما يروى عنه عليه‌السلام من قوله : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها» (٤) ، فالجواب : أنّه خبر واحد ، ونحمله على الحظر إذا لم يكن منهما رضى ، وهو معارض بأخبار كثيرة في الاباحة مع الاستيذان والرضى (٥) (٦).

[الثانية :] وممّا شنّع به على الإمامية وادّعي تفرّدها به ، وليس الأمر على ذلك إباحة نكاح المتعة وهو النكاح المؤجّل ، وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال ، منهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله بن عباس رحمه‌الله ،

__________________

(١) الذريعة ، ١ : ٣٥١.

(٢) عمدة القاري ، ٢٠ : ١٠٧.

(٣) كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] ولم يستثن عمة ولا خالة. راجع في ذلك ؛ الرسائل ١ / ٢٣٨.

(٤) صحيح البخاري ، ٧ : ١٥.

(٥) الكافي ، ٥ : ٤٢٤ باب المرأة تزوّج على عمّتها أو خالتها.

(٦) الانتصار : ١١٦ وراجع أيضا الرسائل : ١ / ٢٣٨.

٦٤

وعبد الله بن مسعود ومجاهد وعطا ، وأنّهم يقرؤن (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ).

وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير وابن جريح ، أنّهم كانوا يفتون بها (١) ، فادعاؤهم الاتفاق على حظر المتعة باطل.

والحجّة لنا سوى إجماع الطائفة على إباحتها أشياء :

منها : أنّه قد ثبت بالأدلة الصحيحة أنّ كلّ منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل مباحة بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل.

فإن قيل : من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك؟

قلنا : إنّ من ادّعى ضررا في الآجل فعليه الدليل ، ولا دليل قاطع يدلّ على ذلك.

ومنها : أنّه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير شبهة ثمّ ادّعى تحريمها من بعد ونسخها ، ولم يثبت النسخ ، وقد ثبت الاباحة بالاجماع ، فعلى من ادّعى الحظر والنسخ الدلالة.

فان ذكروا الأخبار التي رووها في أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّمها ونهى عنها (٢) ، فالجواب عن ذلك : أنّ كلّ هذه الأخبار ـ إذا سلمت من المطاعن والتضعيف ـ أخبار آحاد ، وقد ثبت أنّها لا توجب عملا في الشريعة ، ولا يرجع بمثلها عمّا علم وقطع عليه ، على أنّ هذه الأخبار كلّها قد طعن أصحاب الحديث ، ونقّاده على رواتها وضعّفوهم ، وقالوا في كلّ واحد منهم ما هو مسطور ، لا معنى للتطويل بايراده.

وبعد فهذه الأخبار معارضة بأخبار كثيرة (٣) في استمرار إباحتها والعمل بها حتى ظهر من نهي عمر عنها ما ظهر.

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٥٧١.

(٢) سنن ابن ماجة ، ٢ : ٦٣١.

(٣) صحيح البخاري ، ٧ : ١٦.

٦٥

ومنها : قوله تعالى ـ بعد ذكر المحرّمات من النساء ـ : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) فلفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا في الأصل على الالتذاذ والانتفاع ، فبعرف الشرع قد صار مخصوصا بهذا العقد المعيّن ، لا سيما إذا أضيف إلى النساء ، ولا يفهم من قول القائل متعة النساء إلّا هذا العقد المخصوص دون التلذّذ والمنفعة ، كما أن لفظ «الظهار» اختصّ بعرف الشرع بهذا الحكم المخصوص ، وإن كانت لفظة «ظهار» في اللغة مشتركة غير مختصة ، وكأنّه تعالى قال : «فاذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فآتوهن أجورهن» ، وقد كنّا قلنا في بعض ما أمليناه قديما : أنّ تعليقه تعالى وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع دلالة على أنّ هذا العقد المخصوص دون الجماع ؛ لأنّ المهر إنّما يجب بالعقد دون الجماع ، ويمكن اعتراض ذلك بأن يقال : لأن المهر إنّما يجب دفعه بالدخول وهو الاستمتاع.

والذي يجب تحقيقه والتعويل عليه أنّ لفظة «استمتعتم» لا تعدو وجهين : فامّا أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع ، ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأول لأمرين :

أحدهما : أنّه لا خلاف بين محصّلي من تكلّم في أصول الفقه في أنّ لفظ القرآن إذا أورد وهو محتمل لأمرين : إحدهما وضع أهل اللغة والآخر عرف الشريعة ، أنّه يجب حمله على عرف الشريعة ، ولهذا حملوا كلّهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون اللغوي.

والأمر الآخر : أنّه لا خلاف في أنّ المهر لا يجب بالالتذاذ ؛ لأنّ رجلا لو وطئ امرأة ولم يلتذّ بوطئها ؛ لأنّ نفسه عافتها وكرهتها ، أو لغير ذلك من الأسباب ، لكان دفع المهر واجبا وإن كان الالتذاذ مرتفعا ، فعلمنا أنّ لفظة الاستمتاع في الآية إنّما أريد بها العقد المخصوص دون غيره.

٦٦

وممّا يبيّن ما ذكرناه ويقوي قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) والمعنى على ما أجمع عليه أصحابنا وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم عليهم‌السلام أن تزيدها في الأجر وتزيدك في الأجل ، وما يقوله مخالفونا : من أنّ المراد بذلك رفع الجناح في الإبراء أو النقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقرّ بتراضيهما من النفقة ، ليس بمعول عليه ؛ لأنّا نعلم أنّ العفو والابراء مسقط للحقوق بالعقول ، ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية ، والزيادة في المهر إنّما هي كالهبة ، والهبة أيضا معلومة لا من هذه الآية ، وأنّ التراضي يؤثّر في النفقات وما أشبهها معلوم أيضا ، وحمل الآية والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا معلوم هو الأولى ، والحكم الذي ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.

وممّا يمكن معارضة المخالف به الرواية المشهورة : أنّ عمر بن الخطاب خطب الناس ثم قال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج (١) ، فاعترف بأنّها كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا» وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه ، فلو كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي نسخهما ونهى عنهما أو أباحها في وقت مخصوص دون غيره ـ على ما يدعون ـ لأضاف عمر التحريم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون نفسه.

فإن قيل : من المستبعد أن يقول : ذلك عمر ، ويصرّح بأنّه حرّم ما أحلّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا ينكره عليه منكر ، قلنا : قد أجبنا عن هذا السؤال في جملة جواب المسائل الطرابلسيّات؟ وقلنا : أنّه لا يمتنع أن يكون السامعون لهذا القول من عمر انقسموا إلى معتقد للحق ، بريء من الشبهة ، خارج عن حيّز العصبيّة غير أنّه لقلّة عدده وضعف بطشه ، لم يتمكّن من إظهار الإنكار بلسانه فاقتصر على إنكار قلبه.

وقسم آخر وهم الأكثرون عددا دخلت عليهم الشبهة الداخلة على مخالفينا

__________________

(١) سنن البيهقي ، ٧ : ٢٠٦.

٦٧

في هذه المسألة واعتقدوا أنّ عمر إنّما أضاف النهي إلى نفسه ـ وإن كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرّمها ـ تغليظا وتشديدا وتكفّلا وتحققا.

وقسم آخر اعتقدوا أنّ ما أباحه الله تعالى في بعض الأوقات ، إذا تغيّرت الحال فيه وأشفقوا من ضرر في الدين يلحق في الاستمرار عليه ، جاز أن ينهى عنه بعض الأئمة ، وعلى هذا الوجه حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحجّ ، وقد تقدّم ذكر ذلك ، على أنّه لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المتمتّع لا يستحقّ رجما ولا غيره ، ولا عقوبة ، وقال عمر في كلامه : لا أوتى بأحد تزوّج متعة إلّا عذّبته بالحجارة ولو كنت تقدّمت فيها لرجمت (١) ، وما أنكر مع هذا عليه ذكر الرجم والعقوبة أحد ، فاعتذروا في ترك النكير لذلك بما شئتم فهو العذر في ترك النكير للنهي عن المتعة ، وفي أصحابنا من استدلّ على أن لفظة «استمتعتم» تنصرف إلى هذا النكاح المؤجّل دون المؤبّد بأنّه تعالى سمّى العوض عليه أجرا ، ولم يسمّ العوض عن النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كلّه ، بل سمّاه نحلا وصداقا وفرضا ، وهذا غير معتمد ؛ لأنّه تعالى قد سمّى العوض عن النكاح المؤبّد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (٢).

وفي قوله جلّ وعزّ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) (٣) ، فإن قيل : كيف يصح حمل لفظة «استمتعتم» على النكاح المخصوص ، وقد أباح الله تعالى بقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) النكاح المؤبد بلا خلاف ، فمن خصّص ذلك بعقد المتعة خارج عن الإجماع؟

قلنا : قوله تعالى ـ بعد ذكر المحرمات من النساء ـ : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) يبيح العقد على النساء ، والتوصّل بالمال إلى إستباحتهن ، ويعمّ ذلك العقد المؤبد والمؤجل ، ثم خصّ العقد المؤجل

__________________

(١) راجع صحيح مسلم كتاب الحجّ : ١٤٥.

(٢) سورة الممتحنة ، الآية : ١٠.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٥.

٦٨

بالذكر ، فقال تعالى : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) ، والمعنى : فمن نكحتموه منهن نكاح المتعة (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) ؛ لأنّ الزيادة في الأجر والأجل لا تليق إلّا بالعقد المؤجل.

فإن قيل : الآية مجملة لقوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) ، ولفظة الاحصان تقع على أشياء مختلفة من العفّة والتزويج وغير ذلك؟

قلنا : الأولى ان تكون لفظة محصنين محمولة على العفّة والتنزّه عن الزنا ؛ لأنّه في مقابلة قوله تعالى : (غَيْرَ مُسافِحِينَ) والسفاح الزنا بغير شبهة ، ولو حملت اللفظة على الأمرين من العفّة والاحصان الذي يتعلّق به الرجم ، لم يكن بعيدا.

فإن قيل : كيف نحمل لفظة الاحصان في الآية على ما يقتضي الرجم ، وعندكم أنّ المتعة لا تحصن؟

قلنا : قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّها تحصن ، وبعد فإذا كانت لفظة محصنين تليق بالنكاح المؤبّد رددنا ذلك إليه ، كما أنّا رددنا لفظة الاستمتاع إلى النكاح المؤجّل لما كانت تليق به ، فكأنّه تعالى أحلّ النكاح على الاطلاق وابتغاءه بالأموال ، ثم فصّل منه المؤبّد بذكر الاحصان والمؤجل بذكر الاستمتاع. وقد استدلّ المخالفون في حظر المتعة بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧)) (١) ، قالوا : والمنكوحة متعة ليست بزوجة من وجوه ؛ لأنّها لا ترث ولا تورّث ، والله تعالى يقول : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) (٢) (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) (٣).

وأيضا لو كانت زوجة لوجب أن تعتدّ عند وفاة المستمتع بها أربعة أشهر وعشرا ؛ لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٤).

__________________

(١) سورة المؤمنون ، الآيات : ٥ ـ ٧.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٢.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.

٦٩

وأيضا فلو كانت زوجة لبانت بالطلاق بظواهر الكتاب ، وأيضا لو كانت زوجة للحقها الإيلاء واللعان والظهار وللحق بها الولد ، وأيضا لو كانت زوجة لوجب لها السكنى والنفقة وأجرة الرضاع وأنتم تذهبون إلى خلاف ذلك ، وأيضا فلو كانت زوجة لأحلت المطلّقة ثلاثا للزوج الأوّل بظاهر قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١).

فيقال لهم في ما تعلّقوا به أولا : ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية ؛ لأنّ الزوجة الذميّة والأمة والقاتلة لا يرثن ولا يورثن ، وهنّ زوجات ، على أنّ من مذهبنا أنّ الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه ، ونستثني المتمتع بها مع شرط نفي الميراث من ظواهر آيات الميراث ، كما استثنيتم الذميّة والقاتلة.

وأمّا ما ذكروه ثانيا : فهم يخصّون الآية التي تلوها في عدّة المتوفّى عنها زوجها ؛ لأنّ الأمة عندهم زوجة وعدّتها شهران وخمسة أيام ، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل خصصنا المستمتع بها بمثله.

وأمّا ما ذكروه ثالثا فالجواب عنه : أنّ في الزوجات من تبين بغير طلاق ، كالملاعنة والمرتدة والأمة المبيعة والمالكة لزوجها ، وظواهر الكتاب غير موجبة لأنّ كلّ زوجة يقع بها طلاق ، وإنّما يتضمّن ذكر أحكام الطلاق إذا وقع ، مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (٢). وقوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) (٣) ، فإن قالوا : الزوجية تقتضي جواز لحوق الطلاق بالزوجة ، ومن ذكرتم من البائنات بغير طلاق ، قد كان يجوز أن يلحقهن حكم الطلاق.

قلنا : الطلاق إنّما يحتاج إليه في النكاح المؤبد ؛ لأنّه غير مؤقت ، والنكاح المؤقت لا يفتقر إلى الطلاق ؛ لأنّه ينقطع حكمه بمضي الوقت ، فإذا قيل : وإن

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٠.

(٢) سورة الطلاق ، الآية : ١.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣١.

٧٠

لم يفتقر المؤقت إلى الطلاق في وقوع الفرقة ، ألا جاز أن تطلق قبل انقضاء الأجل المضروب فيؤثر ذلك فيما بقي من مدّة الأجل؟

قلنا : قد منعت الشريعة من ذلك ؛ لأنّ كلّ من أجاز النكاح المؤقت وذهب إلى الاستباحة به ، يمنع من أن يقع فرقة قبله بطلاق ، فالقول بالأمرين خلاف الاجماع.

والذي ذكروه رابعا جوابه : أنّ الولد يلحق بعقد المتعة ، ومن ظنّ خلاف ذلك علينا فقد أساء بنا الظنّ ، والظهار أيضا يقع بالمتمتع بها ، وكذلك اللعان ؛ على أنّهم لا يذهبون إلى وقوع اللعان بكلّ زوجة ؛ لأنّ أبا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعا غير كافرين ولا عبدين ، وعنده أيضا أنّ الأخرس لا يصحّ قذفه ولا لعانه (١).

وعند أبي حنيفة أيضا أنّ ظهار الذمي لا يصحّ (٢) ، على أنّه ليس في ظواهر القرآن ما يقتضي لحوق الظهار واللعان بكلّ زوجة ، وكذلك الايلاء ، وإنّما في الآيات الواردات بهذه الأحكام بيان حكم من ظاهر أو لاعن أو آلى فلا تعلّق للمخالف بذلك.

وأمّا الايلاء فانّما لم يلحق المتمتع بها ؛ لأنّ أجل المتعة ربما كان دون أربعة أشهر ، وهو الأجل المضروب في الايلاء.

فأمّا أجل المتعة إن كان زائدا على ذلك ، فإنّما لم يدخل هذا العقد الايلاء ؛ لأنّ الله تعالى قال : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤) فعلّق حكم من لم يراجع بالطلاق ، ولا طلاق بالمتعة فلا إيلاء يصحّ فيها ، وهذا الوجه الأخير يبطل دخول الايلاء في نكاح المتعة ، طالت مدّتها أو قصرت.

والجواب عمّا ذكروه خامسا : أنّ الشيعة تذهب إلى أنّه لا سكنى للمتمتع بها بعد إنقضاء الأجل ، ولا نفقة لها في حال حملها ، ولها أجرة الرضاع إن لم

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ٩ : ٦.

(٢) المغني (لابن قدامة) ، ٨ : ٥٥٦.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٧.

٧١

يشترط عليها في ابتداء العقد رضاع الولد والكفالة به ، ويخصّصون قوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) (١) ، كما خصّصت الجماعة ذلك فيمن خلع زوجته على أن تنفق على نفسها في أحوال حملها ، وتتكفّل بولدها ، واتّفقا على ذلك.

والجواب عمّا ذكروه سادسا : أنّ المعوّل عليه والأظهر من المذهب ، أنّ المتمتع بها لا تحلّل المطلقة ثلاثا للزوج الأوّل ؛ لأنّها تحتاج أن تدخل في مثل ما خرجت منه ، ويخصّص بالدليل قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢) ، كما خصّصنا كلّنا هذه الآية ، وأخرجنا منها من عقد ولم يقع منه وطئ للمرأة ، وأخرجنا أيضا منها الغلام الذي لم يبلغ الحلم وإن وطئ ، ومن جامع دون الفرج ، فتخصيص هذه الآية مجمع عليه (٣).

[الثالثة :] وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ من زنا بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وإن فارقها زوجها ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (٤) والحجة لنا إجماع الطائفة. وأيضا ؛ إن استباحة التمتع بالمرأة لا يجوز إلّا بيقين ، ولا يقين في إستباحة من هذه صفته ، فيجب العدول عنها إلى من يتيقّن إستباحة التمتع به بالعقد ، فإن قالوا : الأصل الاباحة ، ومن إدّعى الحظر فعليه دليل يقتضي العلم بالحظر ، قلنا : الاجماع الذي أشرنا إليه يخرجنا عن حكم الأصل.

وبعد : فانّ جميع مخالفينا ينتقلون عن حكم الأصل في العقول بأخبار الآحاد ، وقد ورد من طرق الشيعة في حظر من ذكرناه أخبار معروفة ، فيجب على ما يذهبون إليه أن ينتقل عن الاباحة ، فان استدلّوا بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) بعد ذكر المحرمات ، وبقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٥).

__________________

(١) سورة الطلاق ، الآية : ٦.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٠.

(٣) الانتصار : ١٠٩ وراجع أيضا الرسائل : ١ / ٢٣٧.

(٤) المحلّى ، ٩ : ٤٧٥.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٣.

٧٢

قلنا : هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالأدلّة ، كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمّتها وخالتها ، والاجماع الذي ذكرناه يوجب الرجوع ؛ لأنّه مفض إلى العلم ، والأخبار التي روتها الشيعة لو إنفردت عن الاجماع لوجب عند خصومنا أن يخصّوا بها كل هذه الظواهر ؛ لأنّهم يذهبون إلى تخصيص ظواهر القرآن بأخبار الآحاد ، وليس لهم أن يقولوا هذه أخبار لا نعرفها ولا رويناها فلا يجب العمل بها.

قلنا : شروط الخبر الذي يوجب العمل عندكم قائمة في هذه الأخبار ، فابحثوا عن رواتها وطرقها لتعلموا ذلك ، وليس كلّ شيء لم تألفوه وترووه لا حجّة فيه ، بل الحجّة فيما حصلت له شرائط الحجّة من الأخبار ، ولو لم يكن في العدول عن نكاح من ذكرناه إلّا الاحتياط للدين لكفى ؛ لأنّ نكاح من هذه حاله مختلف فيه ومشكوك في إباحته ، فالتجنّب له أولى ، وقد رويتم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (١).

أقول : بيّن السيد رحمه‌الله بهذا الدليل الجواب عن مسائل أخرى ، نذكرها باختصار :

الاولى : من زنا بامرأة وهي في عدّة من بعلها له عليها فيها رجعة حرمت عليه بذلك ، ولم تحل له أبدا.

الثانية : من عقد على امرأة وهي في عدّة مع العلم بذلك لم تحل له أبدا ؛ وإن لم يدخل بها.

الثالثة : من عقد على امرأة وهي في عدّة وهو لا يعلم ، فدخل بها ، فرّق بينهما ولم تحل له أبدا.

الرابعة : من تلوط بغلام فأوقب لم تحل له أمّ الغلام ، ولا أخته ، ولا بنته أبدا.

__________________

(١) الانتصار : ١٠٦.

٧٣

الخامسة : من طلّق امرأته تسع تطليقات للعدّة ينكحها بينهن رجلان ثم تعود إليه حرمت عليه أبدا (١).

[الرابعة :] وممّا ظنّ إنفراد الإمامية به القول : بأنّ من زنا بعمّته أو خالته حرمت عليه بناتهما على التأبيد ، وأبو حنيفة يوافق في ذلك ويذهب إلى أنّه من زنا بامرأة حرمت عليه امّها وبنتها ، وحرمت المرأة على أبيه وابنه ، وهو أيضا قول الثوري والأوزاعي (٢) ، وخالف باقي الفقهاء كلهم في ذلك ولم يحرموا بالزنا الأم والبنت (٣).

دليلنا كلّ شيء احتججنا به في تحريم المرأة على التأبيد إذا كانت ذات بعل (محرّم) على من زنا. ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، ولفظة النكاح تقع على الوطئ والعقد معا ، فكأنّه تعالى قال : لا تعقدوا على من عقد عليه آباؤكم من النساء ولا تطؤا ما وطؤوهنّ وكلّ ما حرّم بالوطئ في الزنا المرأة على الابن حرّم بنتها وامّها عليهما جميعا.

والاحتجاج في هذا الموضع بما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «الحرام لا يحرم الحلال» (٤) غير صحيح ؛ لأنّه خبر واحد ، ولأنّه مخصوص باجماع ويحمل على مواضع منها : أنّ الوطئ في الحيض ـ وهو حرام ـ لا يحرم ما هو مباح من المرأة ، ومنها : إذا زنا بامرأة فله أن يتزوّجها ، ومنها : أنّ وطئ الاب لزوجة ابنه التي دخل بها ، أو وطيء الابن لزوجة أبيه ـ وهو حرام ـ لا يحرّم تلك المرأة على زوجها ولا يجعل هذا الحلال ـ ذلك الحلال ـ حراما (٥).

ـ (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧)) [النساء : ٢٦ ، ٢٧].

__________________

(١) الانتصار : ١٠٧ و ١٠٨.

(٢) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٤٨٢.

(٣) المدونة الكبرى ، ٤ : ١٢٧ و ١٢٨.

(٤) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٤٨٢.

(٥) الانتصار : ١٠٨.

٧٤

أنظر البقرة : ٢٦ ، ٢٧ من الرسائل ، ٢ : ١٧٧ إلى ٢٤٧.

ـ (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) [النساء : ٣٣].

أنظر المائدة : ٦٧ من الشافي ، ٢ : ٢٥٨.

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [النساء : ٤٣].

[فيها أمور :]

[الأوّل : قال الناصر رحمه‌الله :] «الوضوء قبل الغسل فرض ، وبعده نفل».

والصحيح عندنا خلاف ذلك ، والذي نذهب إليه أنّه يستباح بغسل الجنابة الصلاة ، وإن لم يجدّد المغتسل وضوء ؛ وهو مذهب جميع الفقهاء (١).

دليلنا على صحّة قولنا بعد إجماع الفرقة المحقّة ، قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فمنع الجنب من الصلاة ، وجعل الاغتسال الحدّ والغاية ، فيجب لمن اغتسل أن تحلّ له الصلاة.

وأيضا ما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّها قالت : يا رسول الله! إنّي امرأة أشدّ ضفر رأسي ، أفأنقضه للغسل من الجنابة؟ فقال عليه‌السلام لها : «لا بل يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثمّ تفيضي الماء عليك فإذا أنت قد طهرت» (٢).

فأطلق القول بطهارتها عند إفاضة الماء ، فدلّ على أنّه يجوز لها استباحة الصلاة ، لأنّ من يجب عليه الوضوء لا يقال له أنّه قد طهر على الإطلاق.

فإن تعلّق من خالفنا في ذلك بأنّ الله تعالى أمر المحدث بالوضوء ، بقوله :

__________________

(١) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٢١٨.

(٢) سنن البيهقي ، ١ : ١٧٦.

٧٥

(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) إلى قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، ثمّ أمر الجنب بالغسل بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (١) فمن كان محدثا جنبا وجب عليه الأمران جميعا.

قلنا له : أمّا الآيتان لا حجّة لكم فيهما ، لأنّ الله تعالى لما قال : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) لم يكن بدّ من إضمار حدث يتعلّق به وجوب الوضوء ؛ لأنّ الوضوء لا يجب بالقيام إلى الصلاة ، ولا بإرادة القيام إليها.

وليس مخالفونا بأن يضمروا (وأنتم محدثون على كلّ حال) بأولى منّا إذا أضمرنا (وأنتم محدثون الحدث الذي لا ينضم إليه الجنابة) ، لأنّ لفظ الظاهر لا يقتضي قولهم ولا قولنا ، وإنّما يكون حجّة لهم ولنا بالاضمار الذي ليس هو لفظ الآية ، فإذا لا حجّة في ظاهرها لهم. وإذا قمنا مقامهم في الاضمار وهو دليلهم ، سقط استدلالهم بها ، على أن اضمارنا أولى من اضمارهم بالأدلة التي تقدمت (٢).

[الثاني : قال الناصر :] «ومن لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا ، وجب عليه أن يصلّي بغير طهارة ، فإن وجد الماء والتراب بعد مضيّ وقتها ، فلا إعادة عليه».

وليس لأصحابنا في هذه المسألة نصّ صريح ، ويقوى في نفسي أنّه إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا فإنّ الصلاة لا تجب عليه ، وإذا تمكّن من الماء أو من التراب النظيف قضى الصلاة وإن كان الوقت قد خرج ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وفي بعض الرّوايات عن محمّد (٣) ، وفي رواية أخرى عنه : أنّه يصلّي ويعيد (٤).

وقال الشافعي ، وأبو يوسف : يصلّي بغير طهارة ثمّ يقضي (٥).

الدليل على صحّة ما اخترناه : قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٦.

(٢) الناصريات : ١٤٣.

(٣) الأصل (للشيباني) ، ١ : ١١٢ والمغني (لابن قدامة) ١ : ١١٢.

(٤) الأصل (للشيباني) ، ١ : ١٢٥.

(٥) الأم : ١ : ٦٨ ، الأصل (للشيباني) ، ١ : ١١٢.

٧٦

حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فمنع من فعل الصلاة مع الجنابة إلّا بعد الاغتسال.

وأيضا قوله عليه‌السلام : «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (١).

والطهور هو الماء عند وجوده ، والتراب عند فقده ، وقد عدمهما جميعا فوجب أن لا تكون له صلاة.

وليس للمخالف أن يتعلّق بقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) (٢) وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) (٣) لأنه تعالى إنما أمرنا بإقامة الصلاة ، وهذه ليست بصلاة لأنّها بغير طهارة ولا يتناولها الاسم (٤).

[الثالث : قال الناصر رحمه‌الله :] «الدلك شرط في صحّة الوضوء».

عندنا : أنّ إمرار اليد على الجسد في غسل الجنابة غير واجب ، وكذلك في الوضوء ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي (٥).

وقال مالك : لا يجزيه حتّى يدلك ما يغسله ويمرّ يده عليه ؛ وهو مذهب الزيّديّة.

دليلنا بعد اجماع الفرقة المحقّة قوله تعالى : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا).

وقوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٦).

ولا شبهة في أنّه يسمّى مغتسلا ، وإن لم يدلك بدنه ويمرّ يده عليه (٧).

[الرابع : قال الناصر رحمه‌الله :] «الماء إذا خالطه طاهر فغيّر إحدى صفاته لا يجوز الوضوء به».

الصحيح عندنا : أنّ الماء إذا خالطه بعض الأجسام الطاهرة ـ من جامد أو مائع ـ فلم يثخن به ، ولم يخرج عن طبعه وجريانه ، ويسلبه إطلاق اسم الماء

__________________

(١) صحيح مسلم ، ١ : ٢٠٤ / ٢٢٤.

(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٧٨.

(٣) سورة هود ، الآية : ١١٤.

(٤) الناصريات : ١٦١.

(٥) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٢١٨.

(٦) سورة المائدة ، الآية : ٦.

(٧) الناصريات : ١٢٥.

٧٧

عليه ، فإنّ الوضوء به جائز ، ولا اعتبار في الغلبة بظهور اللّون ، أو الطعم ، أو الرائحة ، بل بغلبة الأجزاء على حدّ يسلبه اطلاق اسم الماء ...

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقّة ، قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) فنقلنا من الماء عند فقده إلى التراب من غير واسطة ، والماء الّذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء ، ولا ينتقل مع وجوده إلى التّراب.

وأيضا قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (١) عامّ في كلّ مائع يتأتّى الاغتسال به ، إلى أن يقوم دليل على إخراج بعضها.

وليس لأحد أن يدّعي : أنّ يسير الزّعفران إذا خالطه الماء سلبه إطلاق اسم الماء ، وذلك أنّ إطلاق الاسم هو الأصل ، والتّقييد داخل عليه وطار بعده ، كالحقيقة والمجاز ، فمن ادّعى زوال الإطلاق في الماء فعليه الدّليل.

وبعد ؛ فإنّهم يقولون في ذلك : انّه ماء وقع فيه زعفران ولا يضيفونه إليه كما يضيفون الماء المعتصر من الزّعفران إليه.

وممّا يدلّ على أن تغيّر أحد الأوصاف لا معتبر به : أنّ الماء الّذي يجاوره الطّيب الكثير كالمسك وغيره ، قد تتغيّر رائحته بمجاورة الطّيب ، ومع هذا فلا خلاف في جواز الوضوء به (٢).

[الخامس : قال الناصر رحمه‌الله :] «ولا يجوز الوضوء بشيء من الأنبذة».

عندنا : أنّ الوضوء بشيء من الأنبذة لا يجوز ، لا النّيّة منها ، ولا المطبوخة ، ولا النّقيعة ، وهو مذهب مالك ، والشافعي ، وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وداود (٣).

وأجاز أبو حنيفة التّوضّؤ بنبيذ التمر المطبوخ الشّديد عند عدم الماء (٤).

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٦.

(٢) الناصريات : ٧٣.

(٣) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٩.

(٤) بداية المجتهد ، ١ : ٣٤.

٧٨

وقال محمّد بن الحسن : يتوضّأ به ويتيمّم مع فقد الماء ، وأوجب الجمع بينهما في السّفر (١).

دليلنا على صحّة مذهبنا مع الاجماع المقدّم ذكره ، بل إجماع أهل البيت عليهم‌السلام : قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة ، وأبو حنيفة يخالف هذا الظاهر ، لأنّه يجعل بينهما واسطة هي النّبيذ.

وليس له أن يقول : إنّ في النّبيذ ماء ، فمن وجده كان واجدا للماء ، ولا يجوز انتقاله إلى التّراب.

وذلك أن ليس كلّ شيء كان فيه ماء ، يطلق اسم الماء عليه ، لأنّ الخلّ ، وماء الورد ، وسائر المائعات فيها ماء ولا يطلق عليها اسم الماء ويتيمّم مع وجودها.

على أنّه لو تناول النّبيذ اسم الماء لدخل تحت الآية [كدخول الماء المطلق ، ووجبت مساواة النّبيذ الماء في حكم الآية] ، ويلزم جواز الوضوء بالنّبيذ مع وجود الماء لأنّه جار مجراه ، وقد أجمعوا على خلاف ذلك.

على أنّ الأنبذة المسكرة عندنا نجسة ، ولا يجوز الوضوء بها وهي نجسة ، وما ليس بمسكر منها فما دلّ على أنّ المائعات كالخلّ وما أشبهه لا يجوز الوضوء بها يدلّ على أنّه لا يجوز الوضوء به.

وقد استقصينا في كتابنا مسائل الخلاف (٢) بين سائر الفقهاء الكلام في أنّه لا يجوز الوضوء بالأنبذة ، وتكلّمنا على خبر ليلة الجنّ (٣) ووصفناه ، فمن أراد الاستقصاء وجده هناك (٤).

[السادس : قال الناصر رحمه‌الله :]

«ولا يجوز التحرّي في الأواني وإن كانت جهة الطّاهر أغلب».

__________________

(١) الأصل (للشيباني) ، ١ : ٧٤ ، ٧٥.

(٢) غير متوفّر لدينا.

(٣) انظر المجموع ، ١ : ٩٥.

(٤) الناصريات : ٧٤.

٧٩

وهذا صحيح ، وإليه ذهب أصحابنا ... دليلنا على المنع من التحرّي في الآنية التي يتيقّن نجاسة أحدها : قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) ، وإنّما عنى بالوجود القدرة على الماء الطّاهر والتمكّن منه ، ومن لا يعرف الشيء بعينه ولا يميّزه ، فليس يتمكّن منه ولا واجد له ، ولأنّه تعالى لم يذكر التحرّي في الآية ، بل أمر باستعمال الماء عند وجوده ، والتراب عند فقده من غير أمر بالتحرّي ، فمن أوجبه فقد زاد في الظاهر ما لا يقتضيه (١).

ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].

أنظر غافر : ١٨ من الذخيرة : ٥٠٤.

ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء : ٥٩].

[وفيها أمران : الأوّل : قال القاضي : استدلّ بعضهم بهذه الآية] وذكر أن إيجابه تعالى طاعته لا يكون إلّا وهو منصوص عليه معصوم لا يجوز عليه الخطأ ، وثبوت ذلك يقتضي أنه أمير المؤمنين : لأنّه لا قول بعد ما ذكرناه إلّا ذلك (٢).

ثم شرع في إفساد هذه الطريقة ، والكلام على بطلانها والذي يقوله : «إن هذه الآية لا تدلّ على النصّ على أمير المؤمنين» وما نعرف أحدا من أصحابنا اعتمدها فيه ، وإنّما استدلّ بها ابن الراوندي في كتاب «الإمامة» على أن الأئمة يجب أن يكونوا معصومين ، منصوصا على أعيانهم ، والآية غير دالّة على هذا المعنى أيضا ، والتكثير بما لا تتمّ دلالته (٣) لا معنى له ؛ فإن فيما تثبت به الحجّة مندوحة وكفاية بحمد الله ومنّه ، على أن الآية لو دلّت على وجوب عصمة الأئمّة ، والنصّ عليهم على ما اعتمدها ابن الراوندي فيه ، وحكاه صاحب الكتاب في صدر كلامه ، لم تكن دالّة على وقوع النصّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) الناصريات : ٨١.

(٢) المغني ، ٢٠ : ١٤٢.

(٣) في نسخة لا يثمر دلالته.

٨٠