رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

( الثالثة : إذا كانت النعم ) كلّها ( مِراضاً لم يكلّف ) المالك بشراء ( صحيحة ) بإجماعنا الظاهر المحكي في صريح الخلاف وظاهر المنتهى وغيره (١) ؛ وهو الحجّة المعتضدة بالأصل ، والإطلاقات السليمة عمّا يصلح للمعارضة عدا ما مرّ من إطلاق ما دلّ على المنع عن أخذ نحو العوراء والهرمة (٢) ، وهو مخصوص بحكم التبادر والغلبة بغير مفروض المسألة ، وهو ما إذا كان كلّها صحاحاً أو ملفقّةً منها ومن المِراض.

( ويجوز أن يدفع ) عن الشاة الواجبة في زكاة الإبل والغنم ( من غير غنم البلد ) الذي وجب فيه الزكاة ( ولو كانت ) الشاة المدفوعة عن الفريضة ( أدون ) من غير فرق في ذلك بين زكاة الإبل والغنم ، على ما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والخلاف وغيرها (٣) ، وبه صرّح بعض أصحابنا (٤) ؛ ولعله لعموم الأدلّة وإطلاقاتها.

خلافاً للشهيدين وغيرهما (٥) ، فقيّدوا ذلك بزكاة الإبل ، واشترطوا في غيرها أخذ الأجود أو الأدون بالقيمة ، لا فريضة ؛ ووجهه غير واضح ، وإن كان أحوط وأولى.

( الرابعة : لا يجمع بين متفرّق في الملك ) فلا يضمّ مال إنسان بغيره وإن كانا في مكان واحد ، بل يعتبر النصاب في مال كلّ واحد.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٥ ، المنتهى ١ : ٤٨٥ ؛ وانظر المدارك ٥ : ١٠٤ ، والذخيرة ٤٣٧ ، والحدائق ١٢ : ٦٦.

(٢) المتقدمة في ص : ٢٣١.

(٣) الشرائع ١ : ١٤٩ ، الخلاف ٢ : ١٧ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٢١٣ ، والتحرير : ٥٩.

(٤) انظر المدارك ٥ : ١٠٧.

(٥) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٣٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٤ ، وانظر المنتهى ١ : ٥٠٤.

٦١

( ولا يفرّق بين مجتمع فيه ) فلا يفرّق بين مالي مالك واحد ولو تباعد مكانهما.

ولا خلاف في الثاني بين العلماء ظاهراً ، بل عليه الإجماع في المنتهى ، وكذا في الأوّل إن لم يختلط المالان مطلقاً ، وأمّا مع الاختلاط ففيه خلاف بينهم. والذي عليه علماؤنا ظاهراً من غير خلاف بينهم أجده ، بل عليه الإجماع في صريح الخلاف وغيره (١) ، وظاهر السرائر والمنتهى (٢) ( و ) غيرهما (٣) : أنّه ( لا اعتبار بالخلطة ) مطلقاً سواء كان خلطة أعيان ، كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعةً ، أو خلطة أوصاف ، كالاتّحاد في المَرعى والمشرب والمراح مع تميّز المالين ؛ للنبوي : « إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين فليس فيه صدقة » (٤).

وفي آخر : « مَن لم يكن له إلاّ أربعة من الإبل فليس فيها صدقة » (٥) ونحوه المرتضوي الخاصّي (٦).

ولا فرق بين مواردها وغيرها إجماعاً على الظاهر المحكي في ظاهر المنتهى (٧).

وللمروي في العلل : قلت له : مأتي درهم بين خمسة أُناس أو عشرة‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٣٥ ؛ مفاتيح الشرائع ١ : ١٩٥ ، وانظر التنقيح ١ : ٣٠٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٥١ ، المنتهى ١ : ٥٠٤.

(٣) كالشهيد في البيان : ٢٩٣ ، وصاحب المدارك ٥ : ٦٦ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٨٢.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) سنن البيهقي ٤ : ٨٦.

(٦) الكافي ٣ : ٥٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩٥ / ٢٧٣ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٥.

(٧) المنتهى ١ : ٥٠٤.

٦٢

حال عليها الحول وهي عندهم ، أتجب عليهم زكاتها؟ قال : « لا ، هي بمنزلة تلك » يعني جوابه في الحرث « ليس عليهم شي‌ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم » قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال؟ قال : « نعم » (١).

وفي جملة من المعتبرة العاميّة والخاصّية وفيها الصحيح وغيره : « لا يفرّق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق » (٢).

وظاهرها على ما عقله أصحابنا الدلالة على مطلوبنا ، لا ما زعمته هؤلاء ، كما صرّح به في السرائر (٣) ، وكذا في المنتهى ، فقال بعد أن احتجّ لهم على اعتبار الخلطة بها ـ : الجواب أنّه حجّة لنا ، لأن المراد أن لا يجمع بين متفرّق في الملك ولا يفرّق بين مجتمع فيه ، ولا اعتبار بالمكان وإلاّ لزم أن لا يجمع بين مال الواحد إذا تفرّق في الأمكنة ، وهو منفيّ إجماعاً (٤) ، إلى آخر ما ذكره رحمه الله تعالى.

ولا ضير في قصور الأسانيد أو ضعفها حيث كان بعد الانجبار بعمل الأصحاب والإجماعات المنقولة في كلمة الأعيان.

( القول في زكاة الذهب والفضّة ).

( ويشترط في الوجوب ) فيهما زيادةً على الشروط العامّة ( النصاب

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٧٤ / ١ ، الوسائل ٩ : ١٥١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٦ أبواب زكاة الأنعام ب ١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١.

(٣) السرائر ١ : ٤٥١.

(٤) المنتهى ١ : ٥٠٤.

٦٣

والحول ) بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (١) ، بل إجماعهم كما في المدارك في الثاني (٢). ولا شبهة فيهما ؛ لما مضى ويأتي.

( وكونهما منقوشين بسكة المعاملة ) الخاصّة بكتابة وغيرها ، بلا خلاف فيه بين علمائنا ظاهراً ، بل عليه إجماعهم في صريح الانتصار والمدارك وغيرهما (٣) ، ونصوصهم به مستفيضة جدّاً كما ستقف عليها إن شاء الله تعالى.

وصرّح جماعة (٤) بأنّه لا يعتبر التعامل بهما فعلاً ، بل متى تعومل بهما وقتاً ما تثبت الزكاة فيها وإن هجرت ؛ ولم أَرَ فيه خلافاً.

وربما يعضده بعض النصوص : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت في قرية من قُرى خراسان ، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضّة وثلث مِسّاً وثلث رصاصاً ، وكانت تجوز عندهم ، وكنت أعملها وأُنفقها ، قال ، فقال : « لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم » قال ، قلت : أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما تجب فيه الزكاة أُزكّيها؟ قال : « نعم ، إنّما هو مالك » قلت : فإنّي أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها ، فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أُزكّيها؟ قال : « إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة فزكّ ما كان لك فيها من الفضة الخالصة ودَعْ ما سوى ذلك من الخبث » قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة إلاّ أنّي أعلم أنّ فيها ما تجب فيه الزكاة ، قال : « فاسبكها حتى تخلص الفضة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٢.

(٢) المدارك ٥ : ١١٧.

(٣) الانتصار : ٨٠ ، المدارك ٥ : ١١٥ ، الذخيرة : ٤٣٩.

(٤) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٨٦ ، وصاحب المدارك ٥ : ١١٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٣٩.

٦٤

ويحترق الخبث ثم تزكّي ما خلص من الفضة لسنة واحدة » (١).

وضعف السند مجبور بالعمل ، والموافقة لإطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في النقد المنقوش (٢).

مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على ثبوتها في الذهب والفضة مطلقاً ، خرج نحو السبائك والنقار ممّا لم ينقش أصلاً إجماعاً ، فتوًى ونصّاً ، وبقي غيره داخلاً ، فتأمّل جدّاً.

مع أنّ في جملة من النصوص : « إنّما هي على الدنانير والدراهم » (٣) وهما عامّان يتناولان المفروض ولو لم يتبادر منهما.

ويستفاد من الرواية أنّه لا زكاة في المغشوش منهما ما لم يبلغ الصافي نصاباً ، فتجب فيه خاصّة. ولا خلاف فيهما بين أصحابنا ظاهراً ، ويفهم من الخلاف والمنتهى (٤) ، وصرّح به بعض متأخّرينا (٥) ، وبالوفاق غيرهما (٦) ؛ وهو الحجّة الجابرة لضعفها مضافةً إلى عموم الأدلّة على نفيها عمّا لم يبلغ منهما نصاباً وثبوتها فيما بلغه منهما ، وإن كان ربما يستشكل في هذا (٧) ؛ لكنّه ضعيف جدّاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٧ / ٩ ، الوسائل ٩ : ١٥٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٧ ح ١ بتفاوت.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨.

(٣) الوسائل ٩ : ١٥٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٣ و ٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٧٦ ، المنتهى ١ : ٤٩٤.

(٥) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٩٨ ، ٩٩.

(٦) كصاحب الحدائق ١٢ : ٩٢.

(٧) بأنه إنَّما تجب فيهما إذا كانتا مسكوكتين دراهم ودنانير ، ومعلوم أن المسكوك ليس بدنانير ولا دراهم ، ووجودهما في المسكوك منهما ومن غيرهما غير معلوم

٦٥

ومنه يظهر وجه ما في المنتهى وغيره : أنه لو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كلّ من الغشّ والمغشوش النصاب وجب الزكاة فيهما (١).

ويجب الإخراج من كلّ جنس بحسابه إن علم ، وإلاّ توصّل إليه بالسبك إن لم يتسامح المالك بما يحصل له به يقين البراءة ، وفاقاً للمحكي عن الشيخ وجماعة (٢) ؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية ، والتفاتاً إلى ظاهر الرواية المتقدمة المنجبر ضعفها بالقاعدة.

خلافاً للفاضلين وجماعة ممّن تأخّر عنهما (٣) ، فاستوجهوا الاكتفاء بما يتيقّن اشتغال الذمّة وطرح المشكوك فيه ؛ عملاً بأصالة البراءة ، وبأنّ الزيادة كالأصل ، وكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب ، فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصاباً آخر.

وفي الدليلين نظر ، أمّا الأوّل : فلعدم جريانه إلاّ فيما لم يثبت فيه تكليف أصلاً ، أما ما يثبت فيه ولو مجملاً فلا ، بل لا بُدّ فيه من تحصيل البراءة اليقينية عملا بالاستصحاب.

وبه يظهر ضعف الثاني ، وأنّه قياس مع الفارق ، وهو تيقّن التكليف ولو‌

__________________

كونه موجباً للزكاة. ذكر هذا الإشكال المقدس الأردبيلي رضي‌الله‌عنه ( مجمع الفائدة ٤ : ٩٨ ) لكنه قال : إلاّ أنَّ الظاهر أنه لا قائل بعدم الوجوب ، قال : ويدلُّ عليه رواية زيد الصائغ ، ثم ساقها كما قدمنا ثم قال : ولا يضرّ عدم صحة السند ، للتأيد بالشهرة بل عدم الخلاف عندهم على الظاهر. منه عفي عنه وعن والديه.

(١) المنتهى ١ : ٤٩٤.

(٢) حكاه عن الشيخ في المنتهى ١ : ٤٩٤ ؛ وانظر المبسوط ١ : ٢١ ، والشرائع ١ : ١٥١ ، والبيان : ٣٠١ ، والمسالك ١ : ٥٥.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٥ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٩٤ ، والتذكرة ١ : ٢١٦ ، وصاحب المدارك ٥ : ١٢٢ ؛ وانظر مجمع الفائدة ٤ : ٩٨ ، ١٠٠ ، والذخيرة : ٤٤٠.

٦٦

بالمجمل في الفرع وعدمه مطلقاً في الأصل.

مع أنّه يمكن المناقشة في حكمه (١) : بعدم دليل عليه غير ما يقال : من أنّ بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله ، فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء (٢).

وفيه : أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزكاة في النصاب ، وهو اسم لما كان نصاباً في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه ، وحينئذٍ فيجب تحصيل العلم والتفحص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر ولو من باب المقدمة.

لكن ظاهر كلمة مَن وقفت عليه من الأصحاب الإطباق على عدم الوجوب هنا ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فالأحوط الاستعلام ، أو إخراج ما تيقّن معه بعدم اشتغال الذمة ، كما صرّح به بعض متأخّري المتأخرين (٣) ، وإن كان ما ذكروه لا يخلو عن قوة ، لإمكان دفع المناقشة بما هنا ليس محلّه.

واعلم : أنّ لكلّ من النقدين نصابين ( وفي قدر النصاب الأوّل من الذهب ) بل الثاني منه أيضاً ( روايتان ) (٤) ( أشهرهما ) أنّه ( عشرون ديناراً ) كما في جملة ، أو عشرون مثقالاً كما في أُخرى ، والمعنى واحد قطعاً ، ويستفاد من بعضها أيضاً ( ففيها عشرة قراريط ) نصف دينار.

( ثم كلّما زاد أربعة ) دنانير ( ففيها قيراطان ) عُشر الدينار ربع عُشرها مضافاً إلى ما في العشرين ديناراً من النصف.

__________________

(١) وهو عدم وجوب الزكاة. منه رحمه‌الله.

(٢) كما في التذكرة ١ : ٢١٦.

(٣) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٩٩ ، ١٠٠ ، والذخيرة : ٤٤١.

(٤) الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١.

٦٧

ثم على هذا الحساب في كلّ عشرين نصف دينار ، وفي كلّ أربعة بعدها قيراطان.

( وليس فيما نقص عن ) العرين ، وعن كلّ ( أربعة زكاة ).

وهي مع ذلك في الأوّل (١) مستفيضة بل متواترة ، وفيها الصحاح والموّثقات وغيرهما ، وفي الثاني جملة من المعتبرة.

ففي الصحيح : « ليس على الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالاً ، فإذا بلغ عشرين مثقالاً ففيه نصف مثقال ، إلى أن يبلغ أربعة وعشرين ففيه نصف دينار وعُشر دينار ، ثم على هذا الحساب حتى زاد على عشرين أربعة أربعة ، ففي كلّ أربعةٍ عُشر ، إلى أن يبلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال » (٢) الحديث.

ونحوه الموثق (٣) وغيره ، وفيه : « إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عُشر دينار » (٤).

وفي الخلاف دعوى الإجماع عليه مطلقاً (٥) ، وفي السرائر من المسلمين في الأوّل منهما ولم ينقل خلافاً في الثاني (٦) ، كالمتن والمنتهى‌

__________________

(١) أي : مع الاشتهار في النصاب الأوّل. منه رحمه‌الله.

(٢) الفقيه ٢ : ٨ / ٢٦ ، ذكره في ذيل صحيحة ابن سنان ، والظاهر أنه ليس من تتمة الحديث بل من كلام الصدوق ، ولعلّه لذا لم ينقله صاحب الوسائل. نعم ، جعله العلاّمة في المختلف : ١٧٨ من تتمة الحديث.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٦.

(٥) أي : ادّعى الإجماع على الرواية الاولى في النصاب الأوّل والثاني. الخلاف ٢ : ٨٤.

(٦) السرائر ١ : ٤٤٧.

٦٨

مدّعياً فيه كونه مذهب علمائنا (١) ، وبه صرّح أيضاً في المختلف والتنقيح (٢) لكن مستثنى منهم والد الصدوق ، قالا : فإنّه جعله أربعين مثقالاً ، قال : وليس في النيّف شي‌ء حتى يبلغ أربعين.

وظاهر غيرهما كالمتن وغيره كما مرّ اختصاص خلافه بالنصاب الأوّل ، حيث جعله أربعين استناداً إلى الرواية الثانية ، وهي الموثقة : « في الذهب في أربعين مثقالاً مثقال » إلى أن قال : « وليس في أقل من أربعين مثقالاً شي‌ء » (٣).

وهي لوحدتها وقصور سندها وشذوذها ومخالفتها الإجماع الآن قطعاً لا تصلح لمعارضة شي‌ء ممّا قدّمنا ، سيّما مع تأيّده بالإطلاقات كتاباً وسنّةً بوجوب الزكاة في الذهب بقول مطلق ، خرج منه ما نقص عن العشرين ديناراً بإجماع المسلمين كافّة ، كما في المنتهى وغيره والأخبار جملة ، وتبقى هي فما فوقها تحتها مندرجة ، فينبغي طرحها ، أو تخصيص الشي‌ء المنفي فيها بالدينار الكامل خاصّة ، حملاً للعام على الخاص ، أو حملها على التقية ، لكونها مذهب جماعة من العامة وإن قلّوا (٤) ، جمعاً بين الأدلّة وتفادياً من الطرح بالكلية.

وربما جعل (٥) منها الصحيح : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً ، أيزكيهما؟ قال : « ليس عليهما شي‌ء من الزكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير حتى تتمّ‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٣.

(٢) المختلف : ١٧٨ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٠٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١١ / ٢٩ ، الاستبصار ٢ : ١٣ / ٣٩ ، ورواها في المقنع : ٥٠ مرسلة ، الوسائل ٩ : ١٤١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١٣.

(٤) منهم ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٩.

(٥) كما في مجمع الفائدة ٤ : ٩٤.

٦٩

أربعين ، والدراهم مائتي درهم » (١).

وفيه : أنه مروي في التهذيب هكذا ، وأما في الفقيه فمري بمتن لا يخالف مختارنا ، وهو تبديل تسعة وثلاثون ديناراً في السؤال بتسعة عشر ديناراً ، مع الجواب بنفي الزكاة فيها حتى تتمّ (٢).

وهذه النسخة لو لم نقل برجحانها لأضبطيّة المروية فيها وموافقتها لأخبارنا ، فلا ريب أنها ليست بمرجوحة بالإضافة إلى الأُولى ، فغايتها التساوي ، وهو قادح في الاستدلال جدّاً.

( ونصاب الفضة الأوّل ) وهو صفة للنصاب ، أي النصاب الأوّل للفضة : ( مائتا درهم ففيها خمسة دراهم ) ليس فيما نقص عنها شي‌ء.

( و ) الثاني : ( كلّما زاد ) على المائتين ( أربعين ) درهماً ( ففيها ) زيادة على الخمسة الدراهم مثلاً ( درهم ) وهكذا دائماً. ( وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة ).

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك نصّاً (٣) وفتوى ، حتى ادّعى في المنتهى وغيره على النصاب الأوّل إجماع المسلمين كافّة (٤) ، وجعل النصاب الثاني في الأوّل مذهب أصحابنا (٥).

( والدرهم ) الذي قدّر به المقادير الشرعية هنا وفي القطع والديات والجزية ( ستة دوانيق ) على ما صرّح به الأصحاب ، من غير خلاف بينهم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٢ / ٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٩ ، الوسائل ٩ : ١٤١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١٤.

(٢) الفقيه ٢ : ١١ / ٣٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٤٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٢.

(٤) المنتهى ١ : ٤٣٩ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٥٢٤ ، والتذكرة ١ : ٢١٥.

(٥) المنتهى ١١ : ٤٩٣.

٧٠

أجده ، بل عزاه جماعة منهم إلى الخاصّة والعامة وعلمائهم (١) ، مؤذنين بكونه مجمعاً عليه بينهم ، وصرّح به أيضاً جماعة من أهل اللغة (٢) ( والدانق ) بمقدار ( ثمان حبّات من ) أوساط حبّات ( الشعير ) فيما قطع به الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في المدارك (٣) ، بل متّفق عليه بينهم ، وصرّح به علماء الفريقين كما في رسالة الخال العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في تحقيق الأوزان (٤) وغيرهما ؛ ونقلهم كافٍ في الحجة ، وإن لم نقف لهم على حجّة ، وبه اعترف جماعة (٥).

لكن في الخبر بعد الحكم بأنّه ستّة دوانيق : « والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوسط الحبّ لا من صغاره ولا من كباره » (٦).

وهو مخالف لما ذكروه في وزن الدانق ، لكنّه ضعيف السند بالجهالة ، فلا تصلح للحجية ، سيّما وأن يعترض به مثل ما عرفته.

وأشار بقوله : ( يكون قدر العشرة ) دراهم ( سبعة مثاقيل ) إلى بيان قدر المثقال وما به يحصل معرفة نسبة الدرهم ، ويعلم منه أنّ المثقال‌

__________________

(١) كالشيخ في الخلاف ٢ : ٨٠ ، وصاحب المدارك ٥ : ١١٤ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٥٠ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٤٠.

(٢) راجع القاموس ٣ : ٢٤١ ، ومجمع البحرين ٦ : ٦٢ ، والصحاح ٤ : ١٤٧٧ ، والمصباح المنير : ١٩٣.

(٣) المدارك ٥ : ١١٤.

(٤) رسالة المقادير الشرعيّة ( مخطوط ).

(٥) منهم : الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٩٧ ، وصاحب المدارك ٥ : ١١٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٤٠.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٩ ، التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٤ ، الإستبصار ١ : ١٢١ / ٤١٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

٧١

درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم نصف المثقال وخُمسه ، فيكون العشرون مثقالاً في وزان ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالاً.

قال الخال العلاّمة : وهذه النسب مما لا شك فيها واتّفقت عليها العامّة والخاصة ، كما ظهر مما أسلفناه في المقدمة الأُولى ، انتهى (١).

ومن جملة ما ذكره في النسب التي نفى الشك فيها نسبة المثقال الشرعي إلى الصيرفي ، فقال : هي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي هو مثقال وثلث من الشرعي.

أقول : ومن هنا يعلم نصاب الفضّة بهذه المحمّديات الجارية في هذه الأزمان المتأخّرة ، حيث إن المحمدية منها كما قيل (٢) وزن الدينار مثقال شرعي ، فيكون النصاب الأوّل منها مائة وأربعين محمديةً.

( ولا زكاة في السبائك ) أي قِطَع الذهب الغير المضروبة ، وفي معناها قِطَع الفضة المعبّر عنها بالنُّقَر ، وكذا التبْر المفسَّر تارةً بتراب الذهب قبل تصفيته ، وأُخرى بما يرادف السبائك.

( ولا في الحُليّ ) وإن كان محرّماً ، بإجماعنا ، والصحاح المستفيضة وغيرها من أخبارنا.

ففي الصحيح : « كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‌ء » قال ، قالت : وما الركاز؟ قال : « الصامت المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونِقار الفضة شي‌ء من الزكاة » (٣).

__________________

(١) رسالة المقادير الشرعيّة للعلاّمة المجلسي ( مخطوط ).

(٢) قال به صاحب الحدائق ١٢ : ٩٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ / ١٩ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٣ ، الوسائل ٩ : ١٥٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٢.

٧٢

وفيه : « ليس في نُقَر الفضة زكاة » (١).

وفيه : عن المال الذي لا يعمل به ولا يقلب ، قال : « تلزمه الزكاة إلاّ أن يسبك » (٢).

وفي الخبرين : « ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم » (٣).

وفي الصحاح وغيرها : عن الحُليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » وزيد في بعضها : « ولو بلغ مائة ألف » (٤).

( و ) أمّا ما في المرسل كالصحيح على الصحيح من أنّ : ( زكاته ) أي الحُليّ ( إعارته ) (٥) فمحمول على الاستحباب بلا خلاف.

( و ) يستفاد من الصحيحة الأُولى وقريب منها الثالثة أنه ( لو قصد بالسبك الفرار ) من الزكاة ( قبل الحلول لم تجب الزكاة ) أيضاً ، كما لم تجب مع عدم القصد إجماعاً فتوًى ونصّاً ، وعليه أكثر المتأخّرين بل عامّتهم ، وفاقاً للمفيد والحلّي (٦) ، ومن العماني (٧) والقاضي (٨) ، والمرتضى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩ / ٢٧ ، الوسائل ٩ : ١٥٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٧ / ١٧ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٤.

(٣) الأوّل : الكافي ٣ : ٥١٨ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٧ / ١٦ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٤ ، الوسائل ٩ : ١٥٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٣. الثاني : التهذيب ٤ : ٧ / ١٨ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٥.

(٤) الوسائل ٩ : ١٥٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٩.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٨ / ٢٢ بتفاوت يسير ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٩ ، الوسائل ٩ : ١٥٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٠ ح ١ و ٢. بتفاوت يسير.

(٦) المقنعة : ٢٣٥ ، السرائر ١ : ٤٤٣.

(٧) فيما حكاه عنه في المختلف : ١٧٣. وحكى عنه في موضع آخر منه : ١٧٩ ، ما هو صريح في الخلاف وهو غريب. منه رحمه‌الله.

(٨) المهذب ١ : ١٥٩ ، شرح جمل العلم والعمل : ٢٤٦.

٧٣

في بعض كتبه (١) ، والشيخ في النهاية وكتابي الحديث كما قيل (٢) ؛ لذلك ، مضافاً إلى الأصل وإطلاق البواقي (٣) ، وخصوص المعتبرة المستفيضة الأُخر.

منها : الصحيح : قلت له عليه‌السلام : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، عليه فيه شي‌ء؟ قال : « لا ، ولو جعله حُليّا أو نُقَراً فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه » (٤).

والصحيح : في الذي جعل المال حُليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة ، أعليه الزكاة؟ قال : « ليس على الحُليّ زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة » (٥).

وفي جملة من المعتبرة المروية عن المحاسن والعلل : « لا تجب الزكاة فيما سبك فراراً من الزكاة ، ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه ، فلذلك لا تجب الزكاة » (٦).

وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة العظيمة المتأخّرة بل المطلقة كما حكاه جماعة (٧) ؛ مضافاً إلى الأصل والإطلاقات المتقدمة ،

__________________

(١) المسائل الطبريّة على ما حكي عنها في السرائر ١ : ٤٤٢ والمنتهى ١ : ٤٩٥.

(٢) النهاية : ١٧٥ ، التهذيب ٤ : ٩ ، الاستبصار ٢ : ٨.

(٣) أي ما عدا الصحيحة الأُولى والثالثة. منه رحمه‌الله.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ / ٥٣ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٩ / ٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢٣ ، علل الشرائع ٣٧٠ / ٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب زكاة الفضة ب ١١ ح ٤.

(٦) علل الشرائع : ٣٧٠ / ٣ ، المحاسن : ٣١٩ / ٥٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٢.

(٧) منهم السبزواري في الذخيرة : ٤٤٠ ، والمجلس في مرآة العقول ١٦ : ٣٦ والحدائق ١٢ : ٩٦.

٧٤

وعموم : « كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه » (١) فيما إذا حصل الفرار بتبديل العين بغير الجنس ، إذ لا قائل بالفرق كما يفهم من كلام المرتضى وغيره (٢).

خلافاً لأكثر المتقدّمين على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر ، فأوجبوها بالفرار ، ومنهم : السيّدان في الغنية والانتصار والمسائل المصرية الثالثة ، والشيخ في الخلاف (٣) مدّعين عليه الإجماع ؛ لجملة من المعتبرة ، ومنها الموثّقان (٤) ، والقوي المروي في مستطرفات السرائر صحيحاً (٥) والرضوي (٦).

وأجاب عنها المتأخّرون بقصور الإسناد ، والحمل على الاستحباب أو الفرار بعد الحول ، كما في الصحيح في الكافي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أباك قال : « من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها » فقال : « صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه » ثم قال لي : « أرأيت لو أنّ رجلاً أُغمي عليه يوماً ثم مات فذهب صلاته ، أكان عليه وقد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ١.

(٢) الانتصار : ٨٣ ، انظر السرائر ١ : ٤٥٢ ، والقواعد ١ : ٥٤.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، الانتصار : ٨٣ ، نقله عن المسائل المصريّة في مجمع الفائدة ٤ : ٤٦ ، الخلاف ٢ : ٧٧.

(٤) الأوّل : التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، الوسائل ٩ : ١٥١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٥ ح ٣. الثاني : التهذيب ٤ : ٩ / ٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٨ / ٢١ ، الوسائل ٩ : ١٦٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٩ / ٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢٢ ، مستطرفات السرائر : ٢١ / ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٦.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٩ ، المستدرك ٧ : ٨١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٦ ح ١.

٧٥

مات أن يؤدّيها؟ » قلت : لا ، قال : « إلاّ أن يكون أفاق من يومه » ثم قال لي : « أرأيت لو أن رجلاً مرض في شهر رمضان ثم مات فيه ، أكان يصام عنه؟ » قلت : لا ، قال : « وكذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلاّ ما [ حال ] عليه » (١).

وفي الحمل الأخير نظر ؛ لعدم جريانه في نحو الصحيح (٢) : « إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة ».

فإنّه متى جعل المقسم بعد تمام الحول ووجوب الزكاة اقتضى سقوط الزكاة عمّن فعله ليتجمّل به ، مع أنّه لا قائل به ، بل الاتفاق على الوجوب. ولا جائز أن يُحمل الفرار على ما بعد الحول وقصد التجمّل على ما قبله ، لتهافت الكلام على تقديره ، فيجلّ عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.

مع أن هذا الحمل كالأوّل فرع رجحان الأخبار الأوّلة على الأخيرة. ولا يخلو عن مناقشة ، بعد قوة احتمال جبر قصور الإسناد بالشهرة القديمة المحققة والمحكيّة ، سيّما وإن انضمّ إليها الإجماعات المزبورة في الكتب المسطورة ، والمخالفة للعامّة.

ولذا احتمل المرتضى حمل ما خالفها على التقيّة ، قال : لأن ذلك مذهب جميع المخالفين (٣) ، وحكى القول بمضمونها أيضاً في المنتهى عن الشافعي وأبي حنيفة (٤) ، ولا يقدح حكايته مضمون الأخبار المخالفة عن مالك وأحمد ، فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة أولى بالحمل على التقية. وربما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٥ / ٤ ، الوسائل ٩ : ١٦١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ذيل الحديث ٥ بدل ما بين المعقوفين في النسخ : « حلّ » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) وهو المروي في مستطرفات السرائر المذكور آنفاً.

(٣) كما في الانتصار : ٨٣.

(٤) المنتهى ١ : ٤٩٥.

٧٦

أشعر به الصحيحة الأخيرة ، لتضمّنه نحو القياسات العامية.

وعلى هذا فتبقى المسألة في قالب الإشكال ، فالاحتياط فيها مطلوب على كلّ حال ، وإن كان قول المتأخّرين لا يخلو عن رجحان ، لكثرة ما يدلّ عليه من الأُصول والنصوص عموماً وخصوصاً ، مع كون الشهرة المرجّحة لها أقوى من الشهرة المقابلة لها ، لقربها من الإجماع ، بل يمكن أن يكون إجماعاً دونها.

والإجماعات المحكية غير صريحة في نقله غير ما في الانتصار والمسائل المصرية ، وربما يوهنه كإجماع الخلاف على تقدير صراحته مصير مدّعيه إلى خلافه ولو في بعض كتبه (١).

واحتمال الحمل على التقية في الأخبار الأولة وإن كان أرجح بما عرفته ، إلاّ أنّه لا يبلغ المرجّحات المزبورة.

فقول المتأخّرين لا يخلو عن قوة ، سيّما وأنّ الأصل بعد التردّد في التكليف وعدمه كما نحن فيه على تقديره براءة الذمة ، مضافاً إلى استصحاب الحالة السابقة.

( ولو كان ) فراره ( بعد الحول لم تسقط ) الزكاة إجماعاً فتوًى ونصّاً واستصحاباً.

( ومن خلّف لعياله نفقة قدر النصاب فزائداً لمدّة ) كسنة وسنتين فصاعداً ( وحال عليها الحول وجبت عليه زكاتها لو كان شاهداً ) غير غائب ( ولم تجب لو كان غائباً ) للمعتبرة وفيها الموثق (٢) والمرسل‌

__________________

(١) السيّد في المسائل الطبريّة ، والشيخ في النهاية ، وقد أُشير إليهما في ص ٢٣٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٣ ، التهذيب ٤ : ٩٩ / ٢٨٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ٣.

٧٧

كالصحيح (١).

وبإطلاقها عمل الشيخان في المقنعة والنهاية وجماعة كالفاضلين وغيرهما (٢) ، حتى ادّعى عليه جماعة الشهرة (٣) ، فإن تمّ شهرة جابرة ، وإلاّ فهو محل مناقشة ، لمعارضته بإطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة مع التمكن من التصرف وعدمه مع عدمه (٤).

والتعارض بينهما وإن كان تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن تقييد كلّ بالآخر ، إلاّ أنّ الأخير لكثرته واعتضاده بالشهرة القطعية بل الإجماع من أصله أرجح ، ولا كذلك الأوّل على ما ذكرناه من الفرض. وعليه فينبغي إرجاعه إليه بتقييد نفي الزكاة في صورة الغيبة التي هي محلّ النزاع والمشاجرة بصورة عدم التمكن من التصرف خاصّة ، كما عن الحلّي في السرائر وربما يحكي عن جماعة (٥).

ولكن المسألة بعد محلّ إشكال ، والاحتياط مطلوب على كلّ حال.

وعلى كلّ حال لا تجب الزكاة على العيال لو تركوه بحاله حولاً ، لعدم الملك ، فإنّ النفقة إنّما تجب يوماً فيوماً.

( ولا يجبر جنس ) مما تجب فيه الزكاة ( بالجنس الآخر ) منه بإجماع العلماء فيما عدا الحبوب والأثمان ، وفيهما أيضاً بإجماعنا ، صرّح‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٤ / ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ٢.

(٢) المقنعة : ٢٥٨ ، النهاية : ١٧٨ ، الشرائع ١ : ١٥٢ ، المعتبر ٢ : ٥٣٠ ، المنتهى ١ : ٤٧٨ ، نهاية الإحكام ٢ : ٣٠٦ ؛ وانظر الدروس ١ : ٢٣٠ ، والمسالك ١ : ٥٥.

(٣) كما نقلها عن تخليص التلخيص في مفتاح الكرامة ٣ : ٢٥ ، وادّعاها صاحب الحدائق ١٢ : ٩٥.

(٤) الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥.

(٥) السرائر ١ : ٤٤٧ ، وحكاه في مفتاح الكرامة ٣ : ٢٦ عن كشف الالتباس.

٧٨

بهما في المنتهى (١) وبالثاني في غيره (٢) أيضاً ؛ للأصل ، وعموم ما دلّ على نفي الزكاة في كلّ جنس إذا لم يبلغ نصابه ، وخصوص ما مرّ من بعض الصحاح (٣).

وأما الخبر : قلت له : مائة وتسعون درهم وتسعة عشر ديناراً ، أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة » (٤).

فمع قصور سنده بل ضعفه وشذوذه غير صريح في المخالفة ؛ لاحتماله الحمل على محامل أقربها التقيّة ، كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّه مذهب العامة ، واحتمل حمله على من جعل ماله أجناساً مختلفة كلّ واحد لا تجب فيه الزكاة فراراً من لزومها ، قال : فإنّه متى فعل ذلك لزمته عقوبة (٥) ؛ للموثق : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليها زكاة؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ، ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه الزكاة » قلت : فلا تكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : « لا » (٦).

قال في المدارك : هذا الحمل جيّد لو صحّ سند الخبرين ، لكنّهما‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٠٥.

(٢) التذكرة ١ : ٢٢٦ ، المفاتيح ١ : ١٩٥.

(٣) راجع ص ٢٣٢٤ الرقم (٣).

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ / ١٢١ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب الفضة ب ١ ح ٧.

(٥) الاستبصار ٢ : ٤٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٢ ، الوسائل ٩ : ١٥١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٥ ح ٣.

٧٩

ضعيفا السند ، فيتعيّن المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقاً (١).

وفيه نظر ، فإنّ صحة السند بمجرّدها غير كافية بعد وجود المعارض الصحيح الأقوى الدالّ على سقوط الزكاة بالفرار ، كما مضى (٢) ، وبه أفتى هو أيضاً حاكياً له عن أكثر أصحابنا ، وصرّح ثمة بأنّه لو صحّ سند ما دلّ على عدم السقوط بالفرار لوجب حملها على الاستحباب (٣).

أقول : وعلى هذا فلا يتوجّه كلامه هنا.

( القول في زكاة الغلاّت )

اعلم : انّه ( لا تجب الزكاة في شي‌ء من الغلاّت الأربع حتى يبلغ نصاباً وهو خمسة أوسق ، وكلّ وَسْق ستّون صاعاً ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً ، كالناصرية والخلاف والغنية والمنتهى (٤) ، بل فيه في أصل اشتراط النصاب : لا نعلم فيه خلافاً إلاّ من مجاهد وأبي حنيفة ، فإنّهما أوجبا الزكاة في قليل الغلاّت وكثيرها ، وباقي العلماء اشترطوا بلوغها خمسة أوسق ، والصحاح وغيرها (٥) بالجميع مستفيضة من طرقنا.

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٢٩.

(٢) في ص : ٢٣٢٧ و ٢٣٢٨.

(٣) المدارك ٥ : ٧٦.

(٤) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٤٢ ، الخلاف ٢ : ٥٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، المنتهى ١ : ٤٩٦.

(٥) الوسائل ٩ : ١٧٥ أبواب زكاة الغلاّت ب ١.

٨٠