رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

( أحوال زكّاه لسنة ) واحدة ( استحباباً ) لورود الأمر به في الصحيح (١) والموثّق (٢) والحسن (٣). وظاهره وإن أفاد الوجوب إلاّ أنّه محمول على الاستحباب على المشهور ؛ للأصل ، وإطلاق ما مرّ من النصوص بنفي الوجوب. وتقييدهما بالأمر وإن أمكن إلاّ أنّ حمله على الاستحباب أظهر ؛ لكونه أشهر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من بعض من نَدَر ممّن تأخّر. وهو نادر ، بل على خلافه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، ومنها عبارة المنتهى حيث قال : إنّه مذهب علمائنا ، ونَسَب الوجوب إلى مالك (٤) ؛ وفي المدارك أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً (٥).

( ولا في الدَّين ) إذا لم يَقدر صاحبه على أخذه اتّفاقاً فتوًى ونصّاً ، إلاّ الصحيح : « يزكّيه ولا يزكّي ما عليه من الدَّين ، إنّما الزكاة على صاحب المال » (٦).

وهو محمول على التفصيل الآتي أو الاستحباب جمعاً ، أو التقيّة لمطابقته لمذهب أكثر العامّة ، كما يفهم من المنتهى (٧) وغيره (٨) ، ومنهم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨٢ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ١ ، الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ١.

(٤) المنتهى ١ : ٤٧٥.

(٥) المدارك ٥ : ٣٧.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢١ / ١٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٩ ح ١.

(٧) المنتهى ١ : ٤٧٦.

(٨) الذخيرة : ٤٢٦.

٢١

أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة.

( وفي رواية ) بل روايات (١) ( إلاّ أن يكون صاحبه هو الذي يؤخّره ) وعمل بها جماعة من القدماء كالشيخين والمرتضى (٢).

خلافاً لآخرين منهم كالعماني والإسكافي (٣) ، والحلّي حاكياً له عن الشيخ في الاستبصار (٤) ، وتبعهم عامّة المتأخّرين ، ومنهم فخر الدين حاكياً له عن المرتضى (٥) ؛ للأصل ، وضعف سند الروايات ، فلا تصلح لتخصيصه ، ولا لتخصيص ما بمعناه من إطلاق الصحيح المتقدّم وغيره من الموثقات ، منها : قلت : ليس في الدين زكاة؟ قال : « لا » (٦).

ومنها : « لا حتى يقبضه » قلت : فإذا قبضه أيزكّيه؟ قال : « لا حتى يحول عليه الحول في يده » (٧) ونحوهما غيرهما (٨).

وهذا أقوى ، وإن كان الأوّل أحوط وأولى ؛ لشبهة الخلاف فتوًى وروايةً ، ومنها الرضوي : « وإن غاب مالك عنك فليس عليك الزكاة إلاّ أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك ، إلاّ أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه فعليك زكاته » (٩).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، الطوسي في الجمل والعقود : ٢٠٥ ، والخلاف ٢ : ٨٠ ؛ المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٧٥.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ١٧٤.

(٤) السرائر ١ : ٤٤٤.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ١٦٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٠ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٤ / ٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٧٩ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

(٨) الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦.

(٩) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٨ ، المستدرك ٧ : ٥٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ١.

٢٢

وربما استدلّ على القول الأوّل زيادةً على الرواية به ، وبالموثّق : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاه لعامٍ واحد ، فإن كان يَدَعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين » (١) وبالصحيح المتقدم المثبت للزكاة في الدين على الإطلاق.

وهو ضعيف ؛ لضعف الرواية بما عرفته ، والرضوي بقصور الدلالة بقوة احتمال اختصاصه بالمال الغائب كما فرض في صدره ، والأصل في الاستثناء يقتضي تعلّق ما بعده بما قبله ، وحينئذٍ فنحن نقول بحكمه ، وهو الوجوب في المال الغائب مع القدرة على أخذه ، وصرّح به الحلّي والعماني (٢) وغيرهما (٣) ، بل لا خلاف فيه. وهو غير جارٍ فيما نحن فيه من الدين ، فإنّه أمر كلي ولا يتشخّص ملكاً للمُدين إلاّ بقبضه ، ولا زكاة إلاّ في الشخصي ، ولا كذلك المال الغائب ، فإنّه مملوك شخصي ، وغاية الأمر أنّه ممنوع من التصرف فيه ، فإذا ارتفع المنع وجبت الزكاة.

ومنه ظهر دليل آخر على عدم الوجوب في الدين ، ومحصّله أنّه غير مملوك للمُدين فعلاً إلاّ بعد قبضه له ، ولا زكاة إلاّ في الملك اتّفاقاً فتوًى وروايةً ، وبه استدلّ أيضاً جماعة (٤). وهو في غاية المتانة ، ومنه يظهر الجواب عن الموثّقة فإنّها في المال الغائب واردة ، لا في مفروض المسألة ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٧.

(٢) الحلّي في السرائر ١ : ٤٤٣ ، وحكاه عن العماني في المختلف : ١٧٤.

(٣) كالشيخ في الخلف ٢ : ١١١ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣٥.

(٤) منهم : المفيد في المقنعة : ٢٣٩ ، والعلاّمة في المختلف : ١٧٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢٩٩.

٢٣

وأحدهما غير الآخر ، كما عرفته.

وأمّا الصحيح فلا قائل بإطلاقه ، وتقييده بما في الرواية من التفصيل ليس بأولى من حمله على الاستحباب ، بل هو أولى ، للأصل ، وضعف المقيِّد عن التقييد سنداً كما مضى.

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا الاستدلال ، كالاستدلال للمختار بالروايات المتضمنة لسقوط الزكاة عن القرض (١) ، بتخيّل أنّه نوع من الدين مطلقاً حتى في المضمار ؛ وذلك لأنّ المفهوم منها أنّ محلّ السؤال فيها إنّما هو عن تلك العين المستقرضة ، ومحلّ البحث إنّما هو الدين المستقرّ في الذمة ـ ، مع حلوله وتعيين فرد من أفراده ليدفع بدله ، ولم يقبضه المُدين فراراً من الزكاة ، أو مساهلةً ، أو مطلقاً.

نعم ، يمكن الاستدلال بما في جملة منها من التعليل بأن القرض ملك المقترض ونفعه له فخسارته عليه ، وهو جارٍ في الدين إذا لم يقبضه مالكه ، لأنّ شخصه ملك المديون فنفعه له وعليه خسارته.

( وزكاة القرض على المقترض ) بلا خلاف أجده ، وبه صرّح في الخلاف والسرائر (٢) ، وعزاه في التنقيح إلى الأصحاب كافّة (٣) ، مؤذناً كسابقيه بالإجماع عليه ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة :

منها : على مَن الزكاة ، على المُقرض أو على المستقرض؟ فقال : « على المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧.

(٢) الخلاف ٢ : ١٠٩ ، السرائر ١ : ٤٤٥.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٢٢٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٤ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٥.

٢٤

ومنها : « ليس على الدافع شي‌ء ، لأنّه ليس في يده شي‌ء ، إنّما المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكاه » إلى أن قال : « أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من؟ » قلت : للمقترض ، قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه » (١) الحديث.

ومنها : في رجل استقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده ، قال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض » (٢).

وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق بين ما لو شرط الزكاة على المُقرض أم لا ، وبه صرّح جماعة (٣).

خلافاً لموضع من النهاية (٤) ، فأسقطها بالشرط وأوجبها على المُقرض ، واحتجّ له بالرواية الأخيرة.

ويضعّف : بأنّه ليس فيها ذكر الشرط فضلاً عن لزومه.

ويحتمل التبرّع ، ونحن نقول به ، وفاقاً لجماعة (٥) من غير خلاف فيه بينهم أجده ، وإن اختلفوا في إطلاق السقوط به كما هو ظاهرها ، وعليه الفاضل في المختلف والتحرير والمنتهى (٦) وغيره (٧) ؛ أو تقييده بما إذا أذن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ / ٨٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٠ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٣ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٣) منهم الطوسي في النهاية : ١٧٦ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٤٤٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٢٦.

(٤) النهاية : ٣١٢.

(٥) المدارك ٥ : ٣٨ ، الذخيرة : ٤٢٦ ، الحدائق ١٢ : ٤٠.

(٦) المختلف : ١٧٤ ، التحرير : ٥٨ ٥٩ ، المنتهى ١ : ٤٧٧.

(٧) الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٩٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٢٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٩٤.

٢٥

له المقترض ، وإلاّ فلا ، كما عليه الشهيد (١) وحملها على صورة الشرط ليس بأولى من حملها على الصورة الأُخرى.

قيل : مع أن الزكاة تابعة للملك ، والمقترض قد ملك ، والشرط غير لازم ، لأنّه شرط للعبادة على غير من تجب عليه (٢).

ويضعّف : بأنّ الزكاة وإن كانت من قبيل العبادة من جهةٍ ، إلاّ أنّها من قبيل الدَّين من اخرى ، ولذا تبرأ ذمّة من تجب عليه إذا أُخرجت عنه تبرّعاً ، ولو روعي فيها الجهة الأُولى لم تبرأ الذمة عنها مطلقاً (٣) ، وهو خلاف ما اتّفق عليه القائل وغيره ، ودلّت عليه الرواية.

وإذا تمهّد هذا أمكن توجيه الاستدلال بها على مختار النهاية ، بأنّ يقال : لا ريب في دلالتها على جواز مباشرة الغير لإخراجها عمّن لزمته ولو تبرّعاً ، وحيث جازت صحّ اشتراطها ولزم ، لعموم ما دلّ على لزوم الوفاء بالشروط السائغة ، وهذا منها كما عرفته.

هذا مضافاً إلى التأيّد بجملة من المعتبرة الواردة في نظير المسألة ، كالصحيح : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين » (٤) الحديث ، ونحوه آخر (٥).

والرضوي : « فإن بعت شيئاً وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٣١.

(٢) قال به العلاّمة في المختلف : ١٧٤.

(٣) ولو تبرّعاً.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ٢ ، علل الشرائع : ٣٧٥ / ٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ١ ، الوسائل ٩ : ١٧٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٨ ح ٢.

٢٦

زكاة سنةٍ أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنّه يلزمه ذلك دونك » (١).

وحكي الفتوى به عن الصدوقين (٢) ، وعليه فيقوّى القول بالسقوط.

اللهُمَّ إلاّ أن يقال (٣) : إنّ مقتضى الأدلة المزبورة لزومها على المشروط عليه من باب الشرط لا أصالةً ، وهو لا يستلزم السقوط عن الشارط حيث لم يَفِ المشروط عليه بالشرط.

توضيحه : أنّه لا ريب أنّ الزكاة إنّما تجب في العين وعلى مالكها ، ومقتضاه لزوم إخراجها عليه دون غيره ، لكن لما ثبت بالنصّ والفتوى جواز الإخراج عنه تبرّعاً قلنا به وبجواز اشتراطه ، لكنّ المشروط حينئذٍ تفريغ ذمّة المالك عن الزكاة لا تعلّقها بذمّة المشروط عليه بمجرّد الشرط ابتداءً ، بحيث لم يكلّف الشارط بها أصلاً ، حتى لو لم يَفِ المشروط عليه بها لم يكن الشارط مكلّفاً بها ، كما توهمه عبارة النهاية ونحوها ، وإن هو إلاّ كاشتراط المديون أداء دينه لزيد على عمرو في معاملة له معه ، ولا ريب أنّ بالشرط فيه لا يبرأ بل يتوقف على الأداء ، إن حصل برِئ وإلاّ فلا. وفائدة الشرط إنّما هي تعيّن الإبراء على عمرو فكذا هنا ، وبعبارة أخرى : أنّ فائدة الشرط تعيّن الإبراء على المشروط لا براءة الشارط عنها ابتداءً.

وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الظاهر لزوم الشرط ، لكن يتوقف براءة ذمّة المالك على الوفاء. فإن أراد الشيخ ومَن ضارعه من السقوط عن المستقرض ونحوه السقوط بهذا المعنى أي مراعى متزلزلاً إلى حين الوفاء فمرحباً ، وإلاّ فلم أعرف له مستنداً.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٨ ، المستدرك ٧ : ٨٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ١.

(٢) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ١٧٤ ، والصدوق في المقنع : ٥٣.

(٣) كما في المسالك ١ : ٥٥.

٢٧

واعلم : أنّ وجوب زكاة القرض على المقترض إنّما هو ( إن ) قبضه و ( تركه بحاله حولاً ) عنده ( ولو اتّجر به ) قبله ( استحب ) له زكاته ، بناءً على استحبابها في مال التجارة.

( الثاني : فيما تجب فيه ) الزكاة ( وما تستحب )

اعلم : أنّها ( تجب في الأنعام الثلاثة ) وهي ( الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضّة ، وفي الغلاّت الأربع ) وهي ( الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ولا تجب فيما عداها ).

أما وجوبها في التسعة فمجمع عليه بين المسلمين كافّة ، كما في المنتهى (١) وعن التذكرة (٢) ، وقريب منهما الغنية (٣) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة بل متواترة (٤).

وأما عدمه فيما عداها فمجمع عليه بيننا ، كما صرّح به جماعة من أصحابنا ، كالناصرية والانتصار والخلاف والغنية والمنتهى وغيرها (٥) ؛ والنصوص به مع ذلك مستفيضة من طرقنا (٦) ، وما يخالفها بظاهره محمول على الاستحباب قطعاً.

( وتستحبّ في كلّ ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن ) من الحبوب كالسمْسِم والأرُزّ والدخْن والحِمَّص والعدس وأشباهها ( عدا الخضر ) من‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٧٣.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٥.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٤.

(٤) الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه ب ٨.

(٥) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٤١ ، الانتصار : ٧٥ ، الخلاف ٢ : ٥٤ و ٦١ و ٧٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) ٥٦٦ ، المنتهى ١ : ٤٧٣ ؛ وانظر الدروس ١ : ٢٢٨.

(٦) الوسائل ٩ : ٦١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩.

٢٨

بقل وقِثّاء وبطّيخ وكل شي‌ء يفسد من يومه ، كما في المعتبرة المستفيضة (١).

وظاهر جلّها أو كلّها وإن كان الوجوب كما عن يونس والإسكافي (٢) ـ ، إلاّ أنّها محمولة على الاستحباب ، كما عليه الأصحاب ؛ جمعاً بينها وبين ما مرّ من الأدلّة على عدم الوجوب إلاّ في التسعة.

ويمكن حمل هذه على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمهور العامة ، كما في الذخيرة (٣) ، ويومئ إليه بعض المعتبرة المروي عن معاني الأخبار ، وفيه بعد ذكره عليه‌السلام : « وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة في التسعة وعفا عمّا عداها » : فقال السائل : والذرّة؟ فغضب عليه‌السلام ، ثم قال : « كان والله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السماسم والذرّة والدخْن وجميع ذلك » فقال : إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : « كذبوا ، فهل يكون إلاّ العفو عن شي‌ء قد كان؟! لا والله ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » (٤).

وعلى هذا فينحصر دليل الاستحباب في فتوى الأصحاب بعنوان الإجماع ، كما في المدارك (٥) ، مضافاً إلى الاحتياط خروجاً عن شبهة الخلاف.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٦٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١.

(٢) حكاه عن يونس في الكافي ٣ : ٥٠٩ ذيل الحديث ٢ ، وعن الإسكافي في المختلف : ١٨٠.

(٣) الذخيرة : ٤٣٠.

(٤) معاني الأخبار : ١٥٤ / ١ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨ ح ٣.

(٥) المدارك ٥ : ٤٨.

٢٩

ويدخل فيما تستحبّ فيه : السلت والعَلس على المشهور ؛ للأصل ، مع عدم دخولهما في التسعة حتى في الشعير والحنطة ، كما يستفاد من المعتبرة (١) وفيها الصحيح وغيره (٢).

خلافاً للشيخ (٣) وجماعة (٤) ، فأوجبوا فيهما الزكاة ، بدعوى أنّ الأوّل من نوع الأوّل والثاني من الثاني ، كما يستفاد من بعض أهل اللغة (٥).

وفيها : أنّها اجتهاد في مقابلة النص الظاهر في التغير ، مع أنّه المستفاد أيضاً من بعض أهل اللغة (٦). ولو سلّم الاتّحاد فلا ريب في عدم تبادرهما من الإطلاق ، وينبغي الاقتصار فيه على المتبادر ، والرجوع في غيره إلى حكم الأصل وهو العدم.

وحكم الحبوب المستحب فيها الزكاة حكم الغلاّت الأربع ، في اعتبار النصاب وغيره من الشرائط ، وتعيين المُخْرَج من العُشر ونصفه ونحو ذلك ، بلا خلاف كما في المنتهى (٧).

( وفي ) وجوبها في ( مال التجارة ) أو استحبابها مع استجماعه‌

__________________

(١) وهي وإن اختصّت بالسلت ، إلاّ أنه قد يلحق به العكس في المغايرة ، لعدم قائل بالفرق بينهما مطلقاً لا وضعاً ولا حكماً. منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٣ ، ٤.

(٣) الخلاف ٢ : ٦٥ ، المبسوط ١ : ٢١٧.

(٤) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٥٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٦.

(٥) انظر الصحاح ١ : ٢٥٣ ، والقاموس ١ : ١٥٦ ، ومجمع البحرين ٢ : ٢٠٥ و ٤ : ٨٨.

(٦) حكاه في مجمع البحرين فقال في العكس : وقيل هو مثل البُر إلاّ أنه عسر الاستنقاء ، وقيل هو العدس ( ٤ : ٨٨ ) وقال في السلت : وعن الأزهري أنه قال هو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته فتدبر ( ٢ : ٢٠٥ ) منه رحمه‌الله.

(٧) المنتهى ١ : ٥١٠.

٣٠

الشرائط المعتبرة فيه (١) ( قولان ، أصحّهما الاستحباب ) وفاقاً للأكثر ، بل عليه عامّة من تأخّر بل ومن تقدّم عدا ظاهر الصدوقين (٢) ؛ لشبهة الأمر بهما في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة هنا (٣) وفي مال اليتيم والمجنون وغيرهما (٤).

وحمله الأصحاب على الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين ما دلّ على نفي الزكاة صريحاً ، ومنه مضافاً إلى ما مرّ من الأدلّة على نفيها فيما عدا الأشياء التسعة من النصوص والأُصول والإجماعات المحكية خصوص الصحاح وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : « إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عثمان : كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به ويعمل به ويتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما يتّجر به أو دير أو عُمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً كنزاً موضوعاً ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : القول ما قاله أبو ذر » فقال أبو عبد الله لأبيه : « ما تريد إلاّ أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم؟ » فقال له أبوه : « إليك عنّي لا أجد منها بدّاً » (٥).

__________________

(١) من بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين ، وحَوْل الحول عليه ، وإبقائه لطلب الربح أو رأس المال وبقاء عين السلعة ، كما يستفاد من المعتبرة. منه رحمه‌الله.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ١٧٩ ، وانظر الفقيه ٢ : ١١ ، والمقنع : ٥٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٧٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣.

(٤) الوسائل ٩ : ٨٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢ ، ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٩ / ٢٧ ، الوسائل ٩ : ٧٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤ ح ١.

٣١

وتحتمل الحمل على التقيّة كما صرّح به جماعة (١) ، ويومئ إليه هذه الصحيحة. وظاهر عمومها نفي الزكاة مطلقاً حتى استحباباً ، فيشكل الحكم به ، إلاّ أنّ الظاهر عدم خلاف فيه ، مع أن الأدلّة على جواز المسامحة في أدلّة السنن والكراهة تقتضيه ، مضافاً إلى ما دلّ على رجحان الاحتياط في مثله ، وفحوى ما دلّ على الاستحباب في مال اليتيم فهاهنا بطريق أولى.

( و ) تستحبّ ( في الخيل الإناث ) السائمة إذا حال عليها الحول ، بالنصّ والإجماع الظاهر ، المصرَّح به في جملة من العبائر (٢).

ولا تستحبّ في غير ذلك كالبغال والحمير والرقيق للأصل ، والمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما ، ففي جملة منها : « ليس في شي‌ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء » (٣) يعني الإبل والبقر والغنم ، وهي وإن عمّت الخيل الإناث ، لكنّها خرجت بما مرّ.

وفي الصحيح : هل في البغال شي‌ء؟ فقال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يَصِرْ على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » فقال ، قلت : فما في الحمير؟ قال : « ليس فيها شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مَرْجها (٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى‌

__________________

(١) كالفيض الكاشاني في الوافي ١٠ : ١٠٨ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ١٥٠.

(٢) كالتذكرة ١ : ٢٣٠ ، والمدارك ٥ : ١٨٦ ، والمفاتيح ١ : ٢٠٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الإستبصار ٢ : ٢ / ٢ ، الوسائل ٩ : ٨٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٧ ح ٥.

(٤) المَرْج : الأرض الواسعة ذات نبات كثير تمرج فيها الدوابّ. مجمع البحرين ٢ : ٣٢٩.

٣٢

ذلك فليس فيه شي‌ء » (١).

وفي آخر : عمّا في الرقيق ، فقالا : « ليس في الرأس شي‌ء أكثر من صاع من تمر إذا حال عليه الحول » (٢) والمراد بصاع التمر ما يخرج عنه في زكاة الفطرة.

( ولنذكر ما يختصّ كلّ جنس ) من الشرائط والأحكام ولنبدأ بـ :

( القول في زكاة الأنعام ) الثلاثة.

( والنظر ) فيه تارة يكون ( في الشرائط و ) اخرى في ( اللواحق ، فالشرائط أربعة : ).

الأوّل : (في النُّصُب ، وهي في الإبل اثنا عشر نصاباً ، خمسة ) منها ( كل واحد ) منها ( خمس ) من الإبل ( وفي كل واحد ) من هذه النصب الخمسة ( شاة ) بمعنى أنّه لا يجب شي‌ء فيما دون خمس ، فإذا بلغت خمساً ففيها شاة ، ثم لا يجب شي‌ء في الزائد إلى أن تبلغ عشراً ففيها شاتان ، ثم لا يجب شي‌ء في الزائد إلى أن تبلغ خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، ثم في عشرين أربع ، ثم في خمس وعشرين خمس.

ولا فرق فيها بين الذكر والأُنثى على المشهور ، بل في السرائر الإجماع عليه (٣) ، وتأنيثها هنا تبعاً للنصّ بتأويل الدابّة كما قيل (٤) ، ومثلها الغنم بتأويل الشاة.

( فإذا بلغت ستّاً وعشرين ففيها بنت مخاص ) بفتح الميم ، أي بنت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٤ ، الوسائل ٩ : ٧٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٧ ح ١.

(٣) السرائر ١ : ٤٤٨.

(٤) الشهيد في البيان : ٢٩٢.

٣٣

ما من شأنها أن يكون ماخضاً أي حاملاً.

( فإذا بلغت ستّاً وثلاثين ففيها بنت لبون ) بفتح اللام ، أي بنت ذات لبن ولو بالصلاحية.

( فإذا بلغت ستّاً وأربعين ففيها حِقّة ) بكسر الحاء ، أي ما استحقّت الحمل أو الفحل.

( فإذا بلغت إحدى وستّين ففيها جَذَعة ) بفتح الجيم والذال ، سمّيت بذلك لأنّها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه.

( فإذا بلغت ستّاً وسبعين ففيها بنتا لبون .

( فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حِقّتان ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، ففي كل خمسين حِقّة ، وفي كل أربعين بنت لبون دائماً ) أي بلغت ما بلغت ؛ كذا في النصوص المستفيضة (١) ، وفيها الصحاح وغيرها ، وعليه كافّة علمائنا عدا القديمين ، فإنّهما أوجبا بنت مخاض في النصاب الخامس (٢) ، وإن اختلفا في تعيّنها مطلقاً إلى السابع ، كما عليه العماني ، ويلزمه سقوط السادس ؛ أو تعيّنه في السادس مطلقاً وفي الخامس اختياراً ، ومع العجز عنها فما عليه أصحابنا (٣).

وهما نادران ، بل على خلافهما الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة ، كالإنتصار والغنية والخلاف (٤) وغيرها من كتب الجماعة (٥)

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

(٢) حكاه عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في المختلف : ١٧٥.

(٣) من خمس شياه. منه رحمه‌الله.

(٤) الانتصار : ٨٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧ ، الخلاف ٢ : ٦.

(٥) كالمدارك ٥ : ٥٣ ، والذخيرة : ٤٣٣ ، والمفاتيح ١ : ١٩٨ ، والحدائق ١٢ ، ٤٣.

٣٤

والصحيحة الدالة على الأوّل (١) مؤوّلة ، أو محمولة على التقيّة ، لموافقتها لمذهب الجمهور ، كما صرّح به جماعة (٢) ، ويفهم من بعض الأخبار الصحيحة (٣) ، لكن ربما ينافيه (٤) سياقها ، بناءً على تضمّنه ما لا يقول به أحد من العامة ولا من الخاصة ، فيتعيّن التأويل بما ذكره شيخ الطائفة (٥) ، وإن كان بعيداً غايته ، جمعاً بين الأدلّة ؛ مع أنّها مرويّة في الوسائل عن معاني الأخبار بما يوافق المشهور ، إلاّ أنّه قال : على ما في بعض النسخ الصحيحة (٦).

والصدوقين ، فبدّلا النصاب العاشر (٧) بالإحدى والثمانين (٨) ، والمرتضى رحمه‌الله في الانتصار ، فبدّل النصاب الأخير فجعله مائة وثلاثين ، قال : فإذا بلغت ففيها حقّة واحدة وابنتا لبون (٩).

ومستندهما مع ندرتهما أيضاً ومخالفتهما لجميع ما مضى من الأدلّة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ / ٥٩ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٢) منهم : الشيخ في التهذيب ٤ : ٢٣ ، والعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٠٦ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٩٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٧ ، الوسائل ٩ : ١١٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

(٤) أي الحمل على التقية. منه رحمه‌الله.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣. قال : قوله عليه‌السلام : فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض ، يحتمل أن يكون أراد : وزادت واحدة ، وإنما لم يذكر في اللفظ لعلّه بفهم المخاطب ذلك.

(٦) معاني الأخبار : ٣٢٧ / ١ ، الوسائل ٩ / ١١٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٧.

(٧) وهو الست والسبعون. منه رحمه‌الله.

(٨) الهداية : ٢٤ ، حكاه عن والده في المختلف : ١٧٦.

(٩) الانتصار : ٨١.

٣٥

نصّاً وفتوى (١) غير واضح ، عدا الرضوي للأوّل (٢) ، والإجماع المحكي للثاني.

وهما كما ترى لا يقاومان شيئاً ممّا مضى ، فضلاً عن جميعها ، ولا سيّما الثاني ، فقد ادّعى القائل به في الناصرية الإجماع على خلافه (٣) ، كالحلّي مصرّحاً (٤) هو والفاضل في المختلف (٥) برجوعه فيها عما ذكره في انتصاره.

وهل التقدير بالأربعين والخمسين في النصاب الأخير على التخيير مطلقاً ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى كما قيل (٦) ، أم إذا حصل الاستيعاب بكلّ منهما وإلاّ فالواجب التقدير بالأكثر استيعاباً منهما حتى لو كان التقدير بهما معاً وجب ، كما هو ظاهر المنتهى (٧) وغيره (٨) وصريح الشهيد الثاني والمحقق الثاني (٩)؟ وجهان ، بل قولان :

ممّا عرفت للأول من إطلاق النصّ بل ظهور جملة منه صحيحة في جواز التقدير بالخمسين في المائة والعشرين وواحدة.

__________________

(١) أي الإجماعات المحكية. منه رحمه‌الله.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٧ ، وفيه ذكر النصاب العاشر بما يوافق المشهور ، نعم ، في الطبع الحجري منه ( ص ٢٢ ) بُدّل بالإحدى والثمانين ؛ المستدرك ٧ : ٥٩ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٣.

(٣) الجوامع الفقهية : ٢٤١.

(٤) السرائر ١ : ٤٤٩.

(٥) المختلف : ١٧٦.

(٦) انظر جامع المقاصد ٣ : ١٥ ، والمدارك ٥ : ٥٨.

(٧) المنتهى ١ : ٤٨٠.

(٨) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٥٠١.

(٩) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٢ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٥.

٣٦

ومن أنّ التقدير بها فيها يوجب حِقّتين مع أنهما واجبتان فيما دونها فلا فائدة في جعلها نصاباً آخر. وفيه نظر ؛ لإمكان كون الفائدة جواز العدول عن الحقّتين إلى ثلاث بنات لبون على وجه الفريضة ، لا القيمة والتخيير بينهما ، مضافاً إلى فائدة أُخرى في نصاب الغنم مشهورة (١) ، فالقول الأوّل لعلّه أقوى وإن كان الثاني أحوط وأولى ، سيّما مع ورود ما يناسبه في البقر نصّاً (٢) وفتوى من غير إشكال فيه في شي‌ء منهما.

ثم هل الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزء من النصاب ، أو شرط في الوجوب فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريطٍ شي‌ء ، كما لا يسقط في الزائد عنها مما ليس بجزء؟ وجهان ، بل قولان : من اعتبارها نصّاً الموجب للجزئيّة ، ومن إيجاب الفريضة في كل خمسين وأربعين الظاهر في خروجها ولعلّ هذا أقوى ؛ لقوّة وجهه وضعف مقابله ، لأعمّية اعتبارها من كونها جزءاً أو شرطاً ، فلا يعارض ما دلّ على الثاني خصوصاً.

( وفي البقر نصابان ) الأوّل ( ثلاثون وفيها تَبيع ) حَولي ( أو تبيعة و ) الثاني ( أربعون ، وفيها مسنّة ) ولا يجزي المسنّ إجماعاً.

وهكذا أبداً يعتبر بالمطابق من العددين ، وبهما مع مطابقتهما ، كالستين بالثلاثين ، والسبعين بهما معاً ، والثمانين بالأربعين ، ويتخيّر في المائة والعشرين.

كلّ ذلك بالنصّ (٣) والإجماع الظاهر المستفيض النقل في جملة من العبائر (٤) ، إلاّ التخيير بين التبيع والتبيعة ، فلم يذكره العماني ولا الصدوقان ،

__________________

(١) راجع ص ٢٣٠٠.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٤.

(٤) كالمنتهى ١ : ٤٨٨ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٣٢٨ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ١٩٩ ، والحدائق ١٢ : ٥٤.

٣٧

وإنّما ذكروا التبيع خاصة (١) ، كما هو مورد نصوص المسألة ، إلاّ أنّ ظاهر باقي الأصحاب الإطباق على التخيير ، حتى نحو الحلّي وابن زهرة (٢) ممّن لا يعمل إلاّ بالأدلّة القاطعة.

مع أنّ جملة منهم لم يجعلوه محلّ خلاف مشعرين بالإجماع كما في محتمل الخلاف والغنية (٣) وصريح المنتهى (٤) وغيرها من كتب الجماعة (٥) ، حيث ادّعوا الإجماع على مجموع ما في العبارة ، فلا بأس بالمصير إليه ، سيّما وعن المعتبر نقله لبعض نصوص المسألة مخيّراً بين التبيع والتبيعة (٦) ، مع إمكان إثباته بالأولوية ، لأفضليّة التبيعة من التبيع منفعةً عرفاً وعادةً ، فتأمّل.

( وفي الغنم خمسة نُصُب ) أو أربع على الاختلاف الذي سيذكر ( أربعون وفيها شاة ، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ).

بلا خلاف في شي‌ء من هذه النُّصُب إلاّ من الصدوق في الأوّل فجعله أربعين وواحدة (٧) ؛ للرضوي (٨).

__________________

(١) نقله عنهم في المختلف : ١٧٧.

(٢) السرائر ١ : ٤٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) الخلاف ١ : ١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٤) في المنتهى نفى الخلاف عنه في موضع آخر صريحاً فقال : لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين ، للأحاديث ولأنها أفضل بالدرّ والنسل. منه رحمه‌الله. المنتهى ١ : ٤٨٨.

(٥) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٢٠٩ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ١٩٩ ، وصاحب المدارك ٥ : ٥٨.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٠٢.

(٧) كما في المقنع : ٥٠.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٦ ، المستدرك ٧ : ٦٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ٣.

٣٨

وهو نادر ، بل على خلافه الإجماع في جملة من العبائر (١) ، والرضوي معارض بأجود منه سنداً وعدداً وعملاً.

( فإذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فروايتان ) صحيحتان (٢) ، وقولان ( أشهرهما ) كما هنا وفي الشرائع وعن المعتبر وفي الروضة (٣) وغيرها (٤) ( أنّ فيها أربع شياه ، حتى يبلغ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة وما نقص فعفو ).

وهي مع ذلك مخالفة لما عليه أصحاب المذاهب الأربعة ، كما عن التذكرة (٥) وفي غيرها من كتب الجماعة (٦) ، وقد ادّعى الإجماع عليه في صريح الخلاف وظاهر الغنية (٧).

والرواية الثانية أنّ فيها ثلاث شياه ، وعليه من القدماء جماعة (٨).

وهي ليست بصريحة ، فإنّ فيها بعد النصاب الثالث : فإنّ فيه ثلاثاً من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة. والكثرة وإن كانت تتحقق بالواحدة ، إلاّ أنّه يمكن تقييدها بما إذا بلغت أربعمائة ، ويكون‌

__________________

(١) انظر الخلاف ٢ : ٢١ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، والمنتهى ١ : ٤٨٩.

(٢) الاولى : الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١. الثانية : التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

(٣) الشرائع ١ : ١٤٣ ، المعتبر ٢ : ٥٠٣ ، الروضة ٢ : ١٩.

(٤) انظر الكافي في الفقه : ١٦٧.

(٥) التذكرة ١ : ٢١٠.

(٦) انظر الذخيرة : ٤٣٥ ، مرآة العقول ١٦ : ٦٣ ، الحدائق ١٢ : ٥٩.

(٧) الخلاف ٢ : ٢١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٨) منهم : المفيد في المقنعة : ٢٣٨ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٦٧ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٦٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٢٥.

٣٩

النصاب الرابع مسكوتاً عنه.

وهو وإن بَعُد إلاّ أنّه لا بأس به ، جمعاً بين الأدلّة ، وحذراً من اطراح تلك الصحيحة مع ما هي عليه من الرجحان بالمرجّحات المتقدمة ، بخلاف هذه فإنّها بطرف الضد من تلك ، ومع ذلك فقد حملها جماعة على التقيّة (١) ، لما عرفته ، وبنحو ذلك يجاب عن الرضوي الموافق لها هنا ، مع تضمّن صدره في النصاب الأول ما يخالف الإجماع كما مرّ. وأما الأصل فلا حجيّة فيه بعد قيام الدليل على خلافه. وبما ذكرنا اندفع حجج القول الثاني.

والثمرة في هذا الاختلاف واضحة ، وهي وجوب أربع شياه في الثلاثمائة وواحدة على المختار ، وثلاث على غيره.

نعم هنا سؤال وجواب مشهوران ، وهو : أنّه إذا وجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فما الفائدة في جعلهما نصابين؟ وينسحب مثله في المائتين وواحدة والثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.

والجواب : أنّها تظهر في موضعين ، الوجوب والضمان.

أمّا الأوّل : فلأنّ محله في الأربعمائة مثلاً مجموعها ، وفي الثلاثمائة وواحدة إلى الأربعمائة الثلاثمائة وواحدة خاصّة ، فهو عفو ، فهذا أحد وجهي الفائدة.

وأما الثاني : فلأنّه لو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كان محلّ الفريضة ناقصاً عن هذا العدد لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ١٢ : ٦١. والمدارك ٥ : ٦٣.

٤٠