رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

بناءً إمّا على ظهور المراد منه من الصحيح السابق.

أو على رجوع الجارّ (١) إلى قوله : « يصوم » دون : « يشكّ » فيكون المراد : صومه بنيّة رمضان ، كما ذكره في المنتهى في الصحيح السابق ، قال : ويدلّ عليه قوله : « وإن كان كذلك » ؛ لأنّ التشبيه إنّما هو للنيّة (٢).

أو على أنّ هذا الصوم إن وقع بنيّة أنّه من رمضان فهو المطلوب ، وإن وقع بنيّة أنّه من شعبان فهو متروك العمل به إجماعاً. وحمل الحديث على ما يصحّ الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكلّية ، كما في المختلف (٣).

ولكن الإنصاف أنّ في جملة هذه الأبنية نظراً.

أمّا الأول : فلابتنائه على كون التفسير في الصحيح السابق بقوله : « يعني » إلى آخره من الإمام عليه‌السلام دون الراوي ، وهو غير معلوم ، ولا حجّة فيه على الثاني ، فلا دلالة في هذا الصحيح فضلاً عن الثاني.

وأمّا الثاني : فلاحتمال الرجوع إلى الفعل الثاني ، بل قوّته لقربه ، ولا دلالة لقوله : « وإن كان كذلك » على مقابله (٤).

وأمّا الثالث : فلعدم دليل يعتدّ به على أنّ أولوية حمل الحديث على معنى يصحّ الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجّة في المسألة ، ولو سلّم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الرواية غير منحصر فيما ذكره ، بعد احتمال الورود مورد التقيّة. وهو معنى جيّد يصحّ أن تحمل عليه أخبار أهل العصمة عليهم‌السلام.

هذا ، مع أنّ الاستدلال بنحو هذه الرواية على تقدير تسليم الدلالة ـ

__________________

(١) وهو قوله : « من رمضان » ( منه رحمه‌الله ).

(٢) المنتهى ٢ : ٥٦١.

(٣) المختلف : ٢١٤.

(٤) أي الاحتمال المقابل لهذا الاحتمال. ( منه رحمه‌الله ).

٣٠١

معارَضٌ برواياتٍ أُخر معتبرة.

منها : الصحيح : الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك ، فقال : « هو شي‌ءٌ وفّق له » (١).

وأظهر منه دلالةً الموثّق : عن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، لا يدري أهو من شعبان أو من رمضان ، فصامه من شهر رمضان ، قال : « هو يوم وفّق له ولا قضاء عليه » (٢).

ولعلّهما مستند العماني والإسكافي (٣) في حكمهما بالإجزاء عن رمضان بشرطه (٤).

لكنّهما لا يعارضان ما مرّ ، مضافاً إلى قصور سند الثاني واختلاف متنه ، بل ضعفه ، فحكاه الشيخ ، كما مرّ عن الكليني ، مع أنّه رواه في الكافي هكذا : « فصامه فكان من شهر رمضان ». فلا دلالة فيه على ما نحن فيه إلاّ بحسب الإطلاق أو العموم ، لترك الاستفصال ، وهو مقيّدٌ أو مخصّصٌ بالصوم عن شعبان جمعاً.

ونحوه الجواب عن دلالة الأول ، بعد تسليم احتمال رجوع الجارّ إلى الفعل الثاني ، أو ظهوره ، لكن يلزم من هذا عدم إمكان الاستدلال على المختار بما ماثله في التعبير ممّا سبق من الأخبار.

ولا ضير فيه بعد ثبوته من القاعدة (٥) في النهي عن العبادة ، الوارد في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٢ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٨١ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٨١ / ٥٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٦ وردت في الكافي بتفاوت يسير.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٤.

(٤) وهو ظهور كونه منه. ( منه رحمه‌الله ).

(٥) أي : ولا ضير في عدم الإمكان بعد ثبوت المختار من القاعدة.

٣٠٢

المستفيضة ، المعتضدة بالشهرة العظيمة القديمة والحديثة ، القريبة من الإجماع ، بل الإجماع في الحقيقة ، كما يستشعر من المبسوط ، على ما سبقت إليه الإشارة (١).

وأمّا دعوى الشيخ الإجماع على ما عليه القديمان في الخلاف فيما يحكى عنه (٢) ، فمع أنّا لم نقف عليها فيما عندنا من نسخته ، موهونةٌ بلا شبهة ، مع أنّ المحكي عنه في صريح التحرير ومحتمل المختلف : التوقّف في المسألة (٣).

هذا والمختار فيها مع ذلك أحوط وأولى.

( وكذا لو ردّد نيّته ) بين الوجوب إن كان من شهر رمضان ، والندب إن كان من شعبان ، لم يجزِ عنهما ، وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ في أكثر كتبه ، والحلّي (٤) ، وأكثر المتأخّرين (٥).

لأنّ صوم هذا اليوم إنّما يقع على وجه الندب ، على ما يقتضيه الحصر الوارد في النصّ ، ففعله على خلاف ذلك لا يتحقّق به الامتثال.

( وللشيخ قولٌ آخر ) بالإجزاء ، حكي عنه في المبسوط والخلاف ، وعن العماني ، وابن حمزة ، وتبعهم الفاضل في المختلف ، والشهيد في جملة من كتبه (٦) ؛ لأنّه نوى الواقع ، فوجب أن يجزيه ؛ وأنّه نوى العبادة على وجهها ، فوجب أن يخرج عن العهدة ؛ وأنّ نية القربة كافية ، وقد نواها.

__________________

(١) في ص : ٢٥٠٨.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢١٤.

(٣) التحرير : ٧٦ ، المختلف : ٢١٤.

(٤) كما حكاه عنه في المختلف : ٢١٥ ، والحلي في السرائر ١ : ٣٨٤.

(٥) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٤٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥١٦.

(٦) المبسوط ١ : ٢٧٧ ، الخلاف ٢ : ١٧٩ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٢١٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤٠ ، المختلف : ٢١٥ ، الشهيد في البيان : ٣٥٩ ، واللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٤٠ ، والدروس ١ : ٢٦٧.

٣٠٣

ويضعّف الأولان : بالمنع عنهما ، فإنّ الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصّة بمقتضى الحصر الوارد في الرواية ، ولا ينافيه فرض كون ذلك اليوم من رمضان ، فإنّ الوجوب إنّما يتحقّق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه ، والوجوب في نفس الأمر لا معنى له.

والثالث : بأنّه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنيّة القربة الصحّة ، مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به ، بل على الوجه المنهيّ عنه. وأيضاً : فإنّ نيّة التعيين تسقط فيما علم أنّه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم.

( ولو أصبح ) يوم الشكّ ( بنيّة الإفطار فبان من شهر رمضان جدّد نيّة الوجوب ما لم تزل الشمس وأجزأه ) إذا لم يكن أفسد صومه ؛ لما مرّ في بحث تجديد النيّة إلى الزوال من بقاء وقتها إليه (١).

( ولو كان بعد الزوال أمسك واجباً ، وقضاه )

أمّا وجوب القضاء فلفوات الصوم بفوات وقت نيّته أما لزوال على الأقوى ، كما مضى ثمّة مفصّلاً.

وأمّا وجوب الإمساك بقية النهار فلعلّه لا خلاف فيه ، بل ظاهر المنتهى أنّه لم يخالف فيه أحدٌ من العلماء إلاّ النادر من العامّة (٢) ، وفي الخلاف الإجماع عليه (٣) ؛ ولعلّه لعموم : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٤) بناءً على أنّ المأخوذ عليه في هذا الصوم مع النيّة ، فإذا فاتت لم يفت هو ، فتأمّل.

__________________

(١) راجع ص : ٢٤٩٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٦١.

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٨.

(٤) غوالي اللئالئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٣٠٤

( الثاني )

( في ) بيان ( ما يمسك عنه وفيه مقصدان : )

( وفيه مقصدان ) :

( الأول : جب الإمساك عن تسعة ) أشياء :

عن ( الأكل والشرب المعتاد ) كالخبز والفاكهة ونحوهما ( وغيره ) كالحصاة والحجر والتراب ونحوها.

بالكتاب (١) ، والسنّة (٢) ، والإجماع المحقّق المقطوع به في الأول (٣) ، والمحكي في صريح الناصرية والخلاف والغنية والسرائر (٤) ، وظاهر المنتهى (٥) وغيره (٦) في الثاني ، بل ظاهر الأولَين أنّه مجمع عليه بين العلماء إلاّ النادر ممّن خالفنا ؛ وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى فحوى ما دلّ على وجوب الإمساك عن الغبار الغليظ ونحوه (٧) ، مؤيّداً بإطلاق ما دلّ على وجوب الإمساك عنهما ، بل ربّما جعله حجّة مستقلّة جملة من علمائنا (٨) ، إلاّ أنّه لا يخلو عن إشكال ، لعدم تبادر‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١.

(٣) أي المعتاد. منه رحمه‌الله.

(٤) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، الخلاف ٢ : ١٧٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، السرائر ١ : ٣٧٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٦٢.

(٦) كصاحبي المدارك ٦ : ٤٣ ، والحدائق ١٣ : ٥٦.

(٧) الوسائل ١٠ : ٦٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢.

(٨) منهم صاحب المدارك ٦ : ٥١ ، والحدائق ١٣ : ٧٢.

٣٠٥

غير المعتاد منه عرفاً.

ولعلّه لذا اقتصر على المعتاد الإسكافي والمرتضى ، فلم يبطلا الصوم بغيره فيما حكي عنهما (١).

ولكنّهما نادران قطعاً ، محجوجان بما مضى.

( و ) عن ( الجماع قبلاً ودبراً ) ولو لم ينزل ، إجماعاً في الأول ، كتاباً (٢) ، وسنّةً (٣) ، وفتوى.

و ( على الأشهر ) الأقوى في الثاني ، بل لم أجد فيه مخالفاً إلاّ المبسوط ، حيث جعله أحوط (٤) ، مشعراً بتردّده فيه ، كما في المختلف (٥) ، مع أنّه جعله فيه الظاهر من المذهب ، مشعراً بالإجماع ، كما يفهم منه في التهذيب ، حيث قال بعد الرواية الآتية ـ : إنّها غير معمول عليها (٦). وبه (٧) صرّح في الخلاف ، وكذا ابن حمزة في الوسيلة (٨).

وجعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب ، قال : لإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة ، خرج من ذلك ما عدا الوطء في القبل والدبر ، فيبقى الباقي مندرجاً في الإطلاق ، ومتى ثبت التحريم كان مفسداً للصوم بالإجماع المركّب.

__________________

(١) نقله عنهما في المختلف : ٢١٦.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٥) المختلف : ٢١٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٠.

(٧) أي : بالإجماع.

(٨) الخلاف ٢ : ١٩٠ ، الوسيلة : ١٢٤.

٣٠٦

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل » (١).

لأنّا نجيب عنه بالطعن في السند بالإرسال (٢). انتهى. وهو حسن.

( وفي فساد الصوم بوطء الغلام تردّد وإن حرم ) ينشأ من التردّد في وجوب الغسل به وعدمه ؛ بناءً على التلازم بين المسألتين ، كما يظهر من الفاضلين (٣) وغيرهما (٤) ، قالا : وحيث أوجبنا الغسل وجب الاجتناب.

أقول : وعليه (٥) أكثر الأصحاب ، وفي الذخيرة : أنّه المشهور بينهم (٦) ، وفي الخلاف الإجماع (٧) ؛ وهو الحجّة المعتضدة بفحوى ما دلّ على الفساد بوطء المرأة المحلّلة ، وإطلاق الصحيح : عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على المجامع » (٨) ونحوه المرسل (٩).

والتقريب : أنّ الواطئ مجامع. وفيهما نظر.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٩ / ٩٧٧ ، الوسائل ٢ : ٢٠٠ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣.

(٢) المدارك ٦ : ٤٥.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٦٥٤ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٥٦٤.

(٤) كصاحب المدارك ٦ : ٤٦.

(٥) أي على وجوب الاجتناب. ( منه رحمه‌الله ).

(٦) الذخيرة : ٤٩٦.

(٧) الخلاف ٢ : ١٩٧.

(٨) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

(٩) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٢.

٣٠٧

فإذاً : العمدة هو نقل الإجماع ، مؤيّداً بالشهرة بين الأصحاب ، وما دلّ على وجوب الغسل إن صحّ ما مرّ من البناء.

وعليه فيتّجه القول بالفساد بوطء البهيمة أيضاً ؛ لما مرّ من إيجابه الغسل ، وفي الخلاف نفى الخلاف عنه (١) ، مؤذناً بدعوى الإجماع.

ولا ينافيها تصريحه قبلها بأنّه لم يجد فيه لأصحابنا نصّاً ؛ لاحتمال أن يكون مراده من النصّ : النصّ الصادر عن المعصوم عليه‌السلام.

وبالجملة : فالمتّجه في المسألتين : الفساد ، وفاقاً لأكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي في الثانية (٢) ، وللمبسوط في الأُولى (٣) ، فجعلها كالوطء في دبر المرأة.

ولا دليل لهما سوى الأصل المخصّص بما مرّ ، كعموم : « لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (٤).

هذا ، وخلاف المبسوط هنا وفيما مرّ غير معلوم ، بل ولا ظاهر إلاّ من جهة التعبير بلفظ « الاحتياط » ، وهو غير صريح في الاستحباب بل ولا ظاهر في كلمة القدماء ؛ لاستدلالهم به على كثيرٍ من الواجبات ، مضافاً إلى تصريحه قبله بالوجوب ، جاعلاً له مقتضى المذهب ، كما مرّ.

( وكذا الموطوء ) فإنّ البحث فيه كالبحث في الواطئ ، فيجب على الموطوء في دبره الغسل ، ويكون مفطراً إذا كان مطاوعاً ، وكذا المرأة‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٩١.

(٢) السرائر ١ : ٣٨٠.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٢ / ٥٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١ بتفاوت يسير.

٣٠٨

الموطوءة في دبرها أو قبلها ، بلا خلاف ظاهراً ، بل ظاهر المنتهى أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (١) ، حيث لم ينقل عن أحدٍ منهم فيه خلافاً.

( و ) عن ( الاستمناء ) وإنزال الماء ولو بالملاعبة والقبلة والملامسة ، مع العمد (٢) ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية والتذكرة والمنتهى (٣) وغيرها (٤) ، بل ظاهر المنتهى عدم خلاف فيه بين العلماء.

للمعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيح عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع » (٥).

والموثّق : عن رجل لزق بأهله فأنزل ، قال : « عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين » (٦) وبمعناه الخبر (٧) والرضوي (٨).

وإطلاقها بل عموم أكثرها الناشئ عن ترك الاستفصال يستلزم عموم الحكم المذكور فيها للإمناء الحاصل عقيب الملامسة ولو لم يقصد الإنزال ، وفي المختلف والمهذّب (٩) وغيرهما (١٠) : أنّه المشهور بين‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٦٤.

(٢) أي تعمُّد الإنزال. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الانتصار : ٦٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، التذكرة ١ : ٢٥٩ ، المنتهى ٢ : ٥٧١.

(٤) الوسيلة : ١٤٢ ، المدارك ٦ : ٦١.

(٥) تقدم مصدره في ص : ٢٥١٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١ ، الوسائل ١٠ : ٤٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٥.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٢ ، المستدرك ٧ : ٣٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٣.

(٩) المختلف : ٢٢٤ ، المهذب البارع ٢ : ٤٣.

(١٠) كالمقتصر لابن فهد : ١١٥.

٣٠٩

الأصحاب ، وعن المعتبر : الإجماع عليه (١) ، وقريب منه الخلاف (٢) ، حيث ادّعى الإجماع على لزوم القضاء والكفّارة بذلك على الإطلاق.

خلافاً للإسكافي ، فأوجب به القضاء خاصّة (٣).

وهو مع ندوره لم نقف له على حجّة.

ولبعض المتأخّرين ، فلم يوجب مع عدم التعمّد شيئاً (٤) ؛ للأصل ، وضعف ما يدلّ عليه من النصوص سنداً.

وهو كما ترى ؛ لدلالة الصحيح والموثّق عليه أيضاً ، مع أنّ ضعف ما عداهما منجبرٌ بما عرفته من الشهرة المحكيّة بل الظاهرة والإجماع المتقدّم إليه الإشارة.

نعم ، في المرسل المروي عن المقنع : « لو أنّ رجلاً لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء » (٥).

وهو وإن دلّ بإطلاقه على ما ذكره إلاّ أنّه مع إرساله وشذوذ إطلاقه محمول على التقيّة ؛ لأنّ القول بمضمونه مذهب فقهاء العامّة ، كما في الانتصار (٦).

( و ) عن ( إيصال الغبار إلى الحلق ) بلا خلاف يظهر من كلّ من عمّم المأكول لغير المعتاد ، إلاّ من الماتن في المعتبر ، فتردّد فيه (٧) ؛ لضعف‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٧٠.

(٢) الخلاف ٢ : ١٩٨.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٤.

(٤) انظر المدارك ٦ : ٦١.

(٥) المقنع : ٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٩٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ذ. ح ٥.

(٦) الانتصار : ٦٤.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٧٠.

٣١٠

سند ما سيذكر من الخبر ، مع كون الغبار ليس كابتلاع الحصى والبَرَد (١).

وهو نادر ، بل أفتى بخلافه في الكتاب والشرائع (٢).

ومع ذلك ، فظاهر الغنية والتنقيح وصريح السرائر ونهج الحقّ فيما حكي عنه : الإجماع على خلافه (٣) ؛ وهو الحجّة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف إلاّ في إيجابه القضاء خاصّةً أو مع الكفّارة ، وهو شي‌ء آخر سيذكر.

وبالخبر : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمّداً ، أو شمّ رائحةً غليظة ، أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطرٌ مثل الأكل والشرب والنكاح » (٤).

ولا بأس بضعف السند والاشتمال لما لا يقول به أحد ، بعد الانجبار بالعمل ، وجواز تقييد ما لا يقول بإطلاقه أحد بما يقول به كلّهم أو بعضهم ، فيكون كالعامّ المخصّص حجّةً في الباقي ، مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يستلزم خروجها جملة.

نعم ، في الموثّق : عن الصائم يدخّن بعودٍ أو بغير ذلك ، فتدخل الدخنة في حلقه ، قال : « لا بأس » وعن الصائم يدخل الغبار في حلقه ،

__________________

(١) البَرَد : شي‌ء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمى حبّ الغمام وحبّ المزن. قيل : وإنّما سمّي بَرَداً لأنه يبرد وجه الأرض مجمع البحرين ٣ : ١١.

(٢) الشرائع ١ : ١٨٩.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، التنقيح ١ : ٣٥٨ ، السرائر ١ : ٣٧٤ ، نهج الحق : ٤٦١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الوسائل ١٠ : ٦٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

٣١١

قال : « لا بأس » (١).

وهو صريح في الخلاف ، مؤيَّد بالصحيح الحاصر ما يضرّ الصائم (٢) فيما ليس منه المقام ، مضافاً إلى الأصل ، ولذا مال جملة من متأخّري المتأخّرين إليه (٣).

لكنّه ضعيف ؛ لوجوب تخصيص الأخيرين بما مرّ ، مع احتمال دخول الغبار في بعض أفراد الحصر المعدودة في الصحيح ، وموافقة الموثّقة للعامّة ، كما صرّح به جماعة (٤) ، مع عدم مكافأتها لما مرّ من الأدلّة من وجوهٍ عديدة.

ويمكن الجمع بينها وبين الرواية السابقة بحملها على الغليظ خاصّة ، وهذه على غيره ، كما عليه جماعة (٥) ، وربّما ادّعي عليه الشهرة.

ولا يخلو عن قوّة ؛ لا للجمع ، لعدم شاهد عليه ؛ بل لعدم دليل على الإبطال على الإطلاق ، سوى الرواية وهي لقطعها ، وعدم معلومية المسئول عنه فيها لا تصلح للحجّية وإن حصلت معها الشهرة ؛ لأنّها إنّما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

ولا إجماع على الإطلاق ؛ لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ ، مع شهرة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ١٠٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ٢ بتفاوت يسير فيهما.

(٢) المتقدم في ص : ٢٥١٤.

(٣) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٤٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٩٩ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٧٢.

(٤) انظر الخلاف ٢ : ١٧٧ ، والمعتبر ٢ : ٦٥٤ ، والمنتهى ٢ : ٥٦٥.

(٥) منهم : العلامة في المختلف : ١١٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣٥٨ ، والحرّ العاملي في الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ذيل الحديث ٢.

٣١٢

التقييد به ، كما عرفته.

( و ) عن ( البقاء على الجنابة متعمّداً حتى يطلع الفجر ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي صريح الانتصار والخلاف والغنية والسرائر والوسيلة وظاهر المحكيّ عن التذكرة والمنتهى (١) : الإجماع عليه (٢) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة من التواتر ، بل لعلّها متواترة.

منها الصحيح : في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ، ثم نام متعمّداً في شهر رمضان حتى أصبح ، قال : « يتمّ صومه ذلك ، ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربّه » (٣).

خلافاً لظاهر الصدوق في المقنع ، حيث أرسل فيه عن مولانا الصادق عليه‌السلام أنّه : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجامع نساءه من أول الليل ، ويؤخّر الغسل حتى يطلع الفجر » الخبر (٤).

بناءً على ما قيل من أنّ عادته في الكتاب الإفتاء بمضمون الأخبار ونقل متونها (٥) ، ويميل إليه بعض متأخّري المتأخّرين (٦) ؛ لإطلاق الآية أو‌

__________________

(١) قال في المنتهى : إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل حتى أصبح صحّ صومه ، ولو نام غير ناوٍ للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه ، ذهب إليه علماؤنا ، خلافاً للجمهور ( منه رحمه‌الله ) ولكن الموجود في المنتهى هكذا : إذا أجنب ليلاً ثم نام ناوياً للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه ، ذهب إليه علماؤنا ، خلافاً للجمهور. أنظر ج ٢ : ٥٦٦.

(٢) الانتصار : ٦٣ ، الخلاف ٢ : ١٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، السرائر ١ : ٣٧٤ ، الوسيلة : ١٤٢ ، التذكرة ١ : ٢٥٧ ، المنتهى ٢ : ٥٦٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٥ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٦٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

(٤) المقنع : ٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٣.

(٥) قال به صاحب الحدائق ١٣ : ١١٣.

(٦) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٥.

٣١٣

عمومها (١) ، وصريح جملة من الصحاح وغيرها (٢).

ويضعّف الأول : بلزوم التقييد أو التخصيص بما مضى.

والثاني : بالحمل على التقيّة ، كما ذكره جماعة (٣) ، ويشهد له إسناد نقل ما مرّ في المرسل إلى عائشة في بعض الروايات (٤) ، بل جملة.

وربّما حُمِلَت على محامل أُخر لا بأس بها في مقام الجمع بين الأدلّة وإن بعدت غايته. وهي أولى من حمل تلك على الفضيلة ؛ لرجحانها على هذه من وجوهٍ شتّى ، أعظمها الاعتضاد بالشهرة العظيمة ، القريبة من الإجماع ، بل إجماع المتأخّرين حقيقةً ، مضافاً إلى الإجماعات المنقولة حدّ الاستفاضة والمخالفة للعامّة.

ولا كذلك هذه ، فإنّها في طرف الضدّ من المرجّحات المزبورة.

وهل يختصّ هذا الحكم بشهر رمضان ، أم يعمّه وغيره؟

تردّد فيه في المنتهى ، قال : من تنصيص الأحاديث برمضان دون غيره من الصيام ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات (٥).

ومال الماتن في المعتبر إلى الأول (٦). وهو الأظهر ، وفاقاً لجملةٍ ممّن تأخّر (٧) ؛ لما مرّ ، مع عدم بلوغ فتوى الأصحاب بالإطلاق الإجماع ، سيّما‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣.

(٣) منهم : صاحب المدارك ٦ : ٥٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٩٧ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١١٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٣ / ٦١٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٨ / ٢٧٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٦٦.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٥٦.

(٧) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٦ ؛ وانظر الحدائق ١٣ : ١٢٢.

٣١٤

مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان ، كابن زهرة ، والشيخ في الخلاف (١) ، وغيرهما (٢).

مضافاً إلى جملة من المعتبرة المصرّحة بالعدم في التطوّع ، وفيها : الصحيح والموثّق وغيرهما (٣) ، ويلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مرّ من الدليل.

ويستثنى منه (٤) قضاء رمضان ؛ للصحيح : عن الرجل يقضي شهر رمضان ، فيجنب من أول الليل ، ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : « لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره » (٥) وبمعناه آخر (٦) ، والموثّق (٧).

هذا ، وفي الصحيح الأول من الصحاح المستفيضة ربّما كان إشعار بتخصيص الحكم برمضان واشتراطه فيه ، فتأمّل.

وقريب منه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها به ، فإنّ فيه نوع إشعار بذلك ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ثم هل يختصّ الحكم بالجنابة ، أم يعمّها والحيض والنفاس والاستحاضة الكثيرة؟

__________________

(١) ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الخلاف ٢ : ١٧٤.

(٢) كالجامع للشرائع : ١٥٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠.

(٤) أي : ويستثنى ممّا عدا صوم التطوّع ..

(٥) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٧ / ٨٣٧ ، الوسائل ١٠ : ٦٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٥ / ٤ ، الوسائل ١٠ : ٦٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١١ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٧ ، الوسائل ١٠ : ٦٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٣.

٣١٥

الأجود : الثاني ، وفاقاً لجماعة (١) ؛ للموثّق في الأول (٢) ، والصحيح في الثاني (٣).

ولا يقدح تضمّنه لما لا يقول به الأصحاب ، ولا كونه مكاتبة ، كما لا يقدح قصور سند الأول ؛ لما تقرّر في محلّه من حجّية الموثّق والمكاتبة ، وعدم خروج الرواية باشتمالها على ما لا يقول به أحد عن الحجّية ، وأنّها كالعامّ المخصَّص في الباقي حجّة.

مضافاً إلى انجبار جميع ذلك بالشهرة على ما ادّعاها بعض الأجلّة ، بل قال في الاستحاضة : إنّ الحكم فيها ممّا لا خلاف فيه أجده إلاّ من المعتبر والمبسوط ، فتوقّفا فيه (٤).

وفي المسالك : الإجماع عليه وعلى وجوب القضاء مع الإخلال بالأغسال ، قال : وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر. انتهى (٥).

وظاهر الخبرين وجوب القضاء خاصّة ، حيث لم يذكر فيهما الكفّارة ، مع ورودهما في بيان الحاجة ، فتكون بالأصل مدفوعة.

وحكاه في المختلف عن العماني في الحيض والنفاس (٦) ، واختار هو‌

__________________

(١) منهم : العماني كما نقله عنه في المختلف : ٢٢٠ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٥٦٦ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١٢٣.

(٢) أي الحيض والنفاس. التهذيب ٤ : ٣٩٣ / ١٢١٣ ، الوسائل ١٠ : ٦٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١.

(٣) أي الاستحاضة. الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، علل الشرائع : ٢٩٣ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

(٤) الحدائق ١٣ : ١٢٥.

(٥) المسالك ١ : ٧٥.

(٦) المختلف : ٢٢٠.

٣١٦

فيه وفي التحرير كونهما كالجنابة ، فإن أوجبنا القضاء والكفّارة فيها أوجبناهما فيهما ، وإلاّ فالقضاء خاصّة (١) ؛ لحجّةٍ لا تصلح مخصّصة لأصالة البراءة.

ولكنّ الأحوط ما ذكره.

( و ) عن ( معاودة النوم جنباً ) لئلاّ يستمرّ به النوم إلى الفجر ، فيجب عليه القضاء مطلقاً (٢) ، بلا خلافٍ أجده ، بل عليه الإجماع في الخلاف والغنية (٣) ؛ وهو الحجّة.

مضافاً إلى الصحيح : الرجل يجنب من أول الليل ، ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإن استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (٤) ونحوه آخر مروي في الفقيه (٥) ، والرضوي الآتي (٦).

وصريحها عدم وجوب الإمساك عن النومة الأُولى ، وعدم ترتّب شي‌ء عليها أصلاً ، وعليه فتوى أصحابنا على الظاهر ، المصرّح به في المنتهى (٧).

__________________

(١) المختلف : ٢٢٠ ، التحرير ١ : ٧٨.

(٢) أي سواء نام ناوياً للغسل أم لا. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الخلاف ٢ : ٢٢٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧ ، المستدرك ٧ : ٣٣٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.

(٧) المنتهى ٢ : ٥٦٦.

٣١٧

إلاّ إذا صادفت العزم على ترك الاغتسال ، فإنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقاً.

وكذا إذا صادقت عدم العزم عليه وعلى الاغتسال عند جماعة (١).

وحجّتهم غير واضحة ، عدا إطلاق جملة من النصوص بوجوب القضاء بالنوم بقولٍ مطلق ، كالصحيح : عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ، ثم ينام قبل أن يغتسل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلاّ أن يستيقظ قبل الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه » (٢) ونحوه آخر (٣) ، والموثّق (٤).

وهي مع معارضتها بأكثر منها مستفيضة دالّة على عدم شي‌ء بمطلق النوم فيها (٥) أنّها كمعارِضها مطلقة تحتمل التقييد بالنومة الثانية ، كالمعارِض بالأُولى ، بشهادة الصحيح المفصِّل بينهما بالقضاء في الثانية وعدم شي‌ء في الأُولى.

وهذا الحكم فيها وإن كان مطلقاً يشمل ما لو كان النوم مصادفاً للعزم على ترك الاغتسال الموجب لفساد الصوم اتّفاقاً إلاّ أنّه بعد تسليم انصراف الإطلاق إلى هذه الصورة مع ندرتها مقيّد بغيرها ؛ لما مضى من وجوب‌

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ٢ : ٥٧٣ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٦٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٠ / ٦١٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ / ٢٦٦ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١١ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٧ ، الوسائل ١٠ : ٦٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٠ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣.

٣١٨

الإمساك عن تعمّد البقاء ، الذي منه أو بمعناه هذه الصورة.

كما أنّ النصوص المزبورة المطلقة للزوم القضاء بالنوم المشتملة لذلك لِما إذا صادف العزم على الاغتسال ، مع أنّه غير موجب للقضاء اتّفاقاً ، مقيّدة بغيره.

وبالجملة : لم أجد للقول المزبور حجّة ، عدا إطلاق الصحيح والموثّقة وما في معناهما ، ومقتضى الأُصول المقرّرة تقييده بما في الصحيح ، أو حملها على الاستحباب إن كانت ظاهرةً في النومة الأُولى ، كما هو الظاهر من سياقها ؛ لأنّه أصرح دلالةً منها ، سيّما مع ضعف إطلاقها بالتقييد بما إذا لم يصادف العزم على الاغتسال.

وعلى تقدير تسليم التكافؤ دلالةً ، فكما يمكن الجمع بينهما بما ذكروه ، كذا يمكن بما ذكرنا. ولا ريب أنّه أولى ؛ لاعتضاده بالأصل.

نعم ، في الرضوي : « إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّداً وفي نيّتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي‌ء ، إلاّ أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت ، وتوانيت [ ولم تغتسل ] وكسلت ، فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه ، وإن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفّارة » (١).

وهو بمفهومه الأول ربّما دلّ على ما ذكروه ، فيكون أحوط ، وإن أمكن المناقشة فيه ، بأنّه : لعلّ المراد من مفهوم قوله : « وفي نيّتك أن تقوم .. » تعمّد الترك ، كما ربّما يفصح قوله في الذيل : « وإن تعمّدت‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧ ، المستدرك ٧ : ٣٣٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ و ١٠ و ١١ ح ١ و ١ و ٢ ؛ وما بين المعقوفين من المصدرين.

٣١٩

النوم » والمتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة ، ويكون حكم المفروض وهو النوم ذاهلاً عن العزم على الغسل وتركه مسكوتاً عنه ، ولعلّه لندرته كما مرّ.

وسيأتي للمسألة مزيد تحقيق إن شاء الله سبحانه.

( و ) عن ( الكذب على الله ) سبحانه ( والرسول ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( والأئمّة عليهم‌السلام ) بلا خلافٍ فيه ، ولا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب ، بل مطلق المحرّمات ، وإنّما الخلاف في إيجابه الفساد والإفطار الموجب للقضاء والكفّارة.

وسيأتي الكلام في تحقيق المسألة بعون الله سبحانه.

( و ) عن ( الارتماس في الماء ) على الأشهر الأقوى ؛ للنهي عنه في الصحاح وغيرها (١).

( وقيل ) والقائل المرتضى في أحد قوليه ، والحلّي (٢) ، وغيرهما (٣) ، أنّه ( يكره ) ولا يجب الإمساك عنه ؛ للأصل المضعّف بما مرّ.

وللخبر (٤) القاصر سنداً ودلالةً وتكافؤاً لما مضى من وجوهٍ شتّى ، مع احتماله الحمل على التقيّة ، لموافقته لمذهب جماعة من العامّة ، كما ذكره جماعة (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣.

(٢) حكاه عن المرتضى في المعتبر ٢ : ٦٥٦ ، السرائر ١ : ٣٧٦.

(٣) كابن أبي عقيل ، حكاه عنه في المختلف : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٦٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٩.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٦ : ٥٥ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٩٨ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١١٩.

٣٢٠