رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

( كتاب الصوم )

( وهو يستدعي بيان أُمور )

٢٨١
٢٨٢

( الأول : )

( الصوم ) لغةً : ( هو ) الإمساك بقولٍ مطلق ، على ما صرّح به جمع (١).

وشرعاً : ( الكفّ عن المفطرات مع النيّة ) بلا خلافٍ في اعتبارها ، فتوًى ودليلاً ، كتاباً وسنّة.

ولا فائدة تترتّب على الاختلاف في كونها شرطاً أو ركناً.

كما لا فائدة مهمّة في الاختلافات الكثيرة في تعريف الصوم بما هنا وغيره ؛ لابتنائها على اختلاف الآراء والأنظار في تصحيحه عن توجّه النقض عليه طرداً وعكساً أو نحوهما ، ممّا لا تترتّب على الذبّ عنه فائدة عملية (٢) ، إلاّ ما يتعلّق بعدد المفطرات ، والتعرّض لها فيما بعد مُغنٍ عن تكلّف التعرّض لها هنا.

ولقد أحسن وأجاد جماعة من الأصحاب ، حيث عرّفوه : بأنّه الإمساك عن أشياء مخصوصة ، في زمانٍ مخصوص ، على وجهٍ مخصوص (٣).

أو ما يقرب منه ، أخصره ما في المنتهى : أنّه إمساك مخصوص يأتي بيانه (٤).

( وتكفي في شهر رمضان : نيّة القربة ) فلا يحتاج إلى نيّة أنّه من‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٦ : ٦ ، السبزواري في الذخيرة : ٤٩٥ ، صاحب الحدائق ١٣ : ٢.

(٢) في « ح » : علمية ..

(٣) الوسيلة : ١٣٩ ، السرائر ١ : ٣٦٤ ، المهذب البارع ٢ : ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٥٦.

٢٨٣

رمضان ، على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل لا خلاف فيه أجده ، إلاّ من نادرٍ حكاه في الذخيرة ، من غير أن يذكر اسمه (١). ولا ريب في ضعفه ؛ لنقل الإجماع في الغنية والتنقيح على خلافه (٢) ، مضافاً إلى الأصل ، وعدم دليلٍ على اعتبار نيّة التعيين يعتدّ به.

نعم ، لو نوى به غيره أمكن بطلان الصوم من أصله عند جماعة (٣) ، وصحّته عنه دون غيره عند آخرين (٤).

والمسألة محلّ إشكال ، فالأحوط ترك نيّة غيره والقضاء معها.

هذا مع العلم برمضان.

وأمّا مع الجهل به كمن صامه عن شعبان فيقع عنه دونه (٥) قولاً واحداً ، كما يأتي إن شاء الله تعالى (٦) ، وبالاتّفاق عليه هنا صرّح في المدارك (٧).

( وفي غيره يفتقر إلى ) نيّة ( التعيين ) وهو القصد إلى الصوم المخصوص كالقضاء ، والكفّارة ، والنافلة لأنّه زمان لا يتعيّن فيه صوم مخصوص ، فلا يتعيّن إلاّ بالنيّة.

قال في المعتبر : وعلى ذلك فتوى الأصحاب (٨) ، مشعراً بدعوى‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥١٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٤٨.

(٣) منهم : الحلّي في السرائر ١ : ٣٧ ، الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٥٢ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٥٥.

(٤) كالشيخ في النهاية : ١٥٢ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٦٤٤ ، صاحب المدارك ٦ : ٣١.

(٥) اي : من رمضان دون شعبان.

(٦) في ص ٢٥٧.

(٧) المدارك ٦ : ٣١.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٤٤.

٢٨٤

الإجماع ، كما في ظاهر المنتهى والتنقيح وصريح التحرير (١).

واستثنى الشهيد في البيان فيما حكي عنه الندب المعيّن ، كأيّام البيض ، فألحقه بالصوم المعيّن في عدم افتقاره إلى التعيين (٢).

بل عنه في بعض تحقيقاته : أنّه ألحق المندوب مطلقاً بالمعيّن ؛ لتعيّنه شرعاً في جميع الأيّام إلاّ ما استثني (٣).

واستحسنه جماعة (٤) ، ولا بأس به.

( وفي ) افتقار ( النذر المعيّن ) إليه ( تردّد ) واختلاف بين الأصحاب :

فبين من قال بالافتقار ، كالشيخ (٥) وجماعة (٦) ، ومنهم : الفاضل في المختلف ، قال : لأنّه زمان لم يعيّنه الشارع في الأصل للصوم ، فافتقر إلى التعيين ، كالنذر المطلق ؛ وأنّ الأصل وجوب التعيين ، إذ الأفعال إنّما تقع على الوجوه المقصودة ترك ذلك في شهر رمضان ، لأنّه زمان لا يقع فيه غيره ، فيبقى الباقي على أصالته (٧).

وبين من قال بالعدم ، كالمرتضى ، والحلّي (٨) ، وجماعة من محقّقي المتأخّرين ومتأخّريهم عنهما (٩).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٧ ، التنقيح الرائع ٢ : ٣٤٩ ، التحرير ١ : ٧٦.

(٢) البيان : ٣٥٧.

(٣) حكاه عنه في الروضة ٢ : ١٠٨.

(٤) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٠٩ ، السبزواري في الذخيرة : ٥١٣.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٦) منهم الشهيد في البيان : ٣٥٧ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣٥٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٠٨.

(٧) المختلف : ٢١١.

(٨) المسائل الطرابلسيات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٤٤١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٧٠.

(٩) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٥٥٧ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٣ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٨ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥١٣ ، والمحقق الخوانساري في المشارق : ٣٥٢.

٢٨٥

ولعلّه الأقوى ؛ لأنّه زمان تعيّن بالنذر للصوم ، فكان كشهر رمضان.

واختلافهما بأصالة التعيين وعَرَضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم.

ويضعّف الدليلان المتقدّمان :

فالأول : بأنّه مصادرة على المطلوب ، وإلحاقه بالنذر المطلق قياس مع الفارق.

والثاني : بمنع أصالة الوجوب مع أنّ الوجه الذي لأجله تُرِكَ العمل بالأصل المذكور في صوم شهر رمضان ، آتٍ فيما نحن فيه ، فإن أُريد بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلاً كان منتفياً فيهما ، وإن أُريد امتناعه شرعاً كان ثابتاً كذلك.

( ووقتها ليلاً ) أي في الليل ، ولو في الجزء الأخير منه ، على الأشهر الأقوى ، بل لا أعرف فيه خلافاً ظاهراً ولا محكيّاً ، إلاّ من ظاهر العماني ، كما في المدارك (١) وغيره (٢) ، أو جماعة كما في الروضة فقالوا بتحتّم إيقاعها ليلاً (٣).

وعبارتهم مع عدم صراحتها في المخالفة يحتمل أن يكون التعبير فيها بذلك إنّما هو لتعذّر المقارنة ، فإنّ الطلوع لا يعلم إلاّ بعد الوقوع ، فتقع النيّة بعده ، وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها.

لا لتحتّم التبييت ؛ إذ لا وجه له عدا الإجماع الظاهر ، المصرّح به في‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢١.

(٢) كالذخيرة : ٥١٣.

(٣) الروضة ١ : ١٠٦.

٢٨٦

الخلاف والمنتهى والروضة (١) ، وهو على الجواز لا التحتّم.

والنصّ : « لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل » (٢). ويجري فيه ما ذكرناه في عبارتهم.

وحيث انتفى النصّ والإجماع على عدم جواز المقارنة ، كان اعتبارها لو اتّفقت أوفق بالأصل في النيّة ، وهو : لزوم مقارنتها للعبادة المنويّة.

( ويجوز تجديدها في ) نحو ( شهر رمضان ) من الصوم المعيّن ( إلى الزوال ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد والناسي ، بل مطلق المعذور.

ولا خلاف في الثاني إلاّ من العماني ، حيث أطلق وجوب تبييت النيّة (٣).

وهو مع عدم معلومية مخالفته نادر ، بل على خلافه الإجماع عن ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٤) ، وبه صرّح في الغنية (٥) ؛ وهو الحجّة المعتضدة بفحوى ما سيأتي من الأدلّة على ثبوت الحكم في الصوم الغير المعيّن ، ففيه أولى. فتأمّل جدّاً.

مضافاً إلى التأيّد بما ذكره جماعة على ذلك حجّة (٦) ‌:

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٦٦ ، المنتهى ٢ : ٥٥٨ ، الروضة ٢ : ١٠٦.

(٢) عوالي اللئالئ ٣ : ١٣٢ / ٥ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣١٦ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٦ ، المنتهى ٢ : ٥٥٨ ، التذكرة ١ : ٢٥٦.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

(٦) منهم العلامة في المختلف : ٢١٢ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥١٣ ، والمحقق الخوانساري في المشارق : ٣٤٨.

٢٨٧

من حديث : « رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان » (١).

وما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ ليلة الشكّ أصبح الناس ، فجاء أعرابي إليه فشهد برؤية الهلال ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منادياً ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك » (٢).

وفحوى ما دلّ على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال (٣).

وأصالة عدم تبييت النيّة.

بل يمكن جعل الوسطين حجّةً مستقلّة وإن ضعف السند في أولهما والدلالة فيهما ؛ لاختصاصهما (٤) بمن عدا الناسي ، مع عدم وضوح الأول في التحديد إلى الزوال.

وذلك لانجبار ضعف السند بالعمل ، والدلالة بعدم قائل بالفرق بين الطائفة ؛ إذ إطلاق العماني بوجوب تبييت النيّة يشمل موردهما وغيره ، فإذا رُدّ بهما إطلاقه تعيّن ما عليه الجماعة.

والتحديد إنّما جاء ممّا يأتي من الأدلّة على أنّه إذا زالت فات وقت النيّة.

وأمّا الأول (٥) فهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب ، بل عامّتهم ، عدا المرتضى رضي الله تعالى عنه ، حيث أطلق : أنّ وقت النيّة في الصيام‌

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ / ٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٠ ح ٢.

(٢) لم نعثر عليه في مصادر الحديث ، نعم وجدناه في المعتبر ٢ : ٦٤٦.

(٣) سيأتي بحثه في ص ٢٦٠٦.

(٤) وإنّما قال لاختصاصهما مع أنّ الثاني هو الفحوى وهو نصٌّ في المقام تنبيهاً على ضعف الفحوى وعدم كونه دليلاً يُطمأنّ إليه هنا ، ولذا جُعل مؤيّداً لا حجّة. فتأمّل. ( منه رحمه‌الله ).

(٥) أي العامد.

٢٨٨

الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل الزوال (١).

وهو نادر ، مع عدم ظهور عبارته في المخالفة ، بعد قوّة احتمال كون المراد بها ما يتناول وقت الاختيار والاضطرار ، بل حملها عليه جماعة (٢).

ويمكن أن تُحمَل عليه العبارة ، بل جريانه فيها أولى ؛ لإشعار سياقها به ، حيث قال أولاً : ووقتها ليلاً. ولو جاز تأخيرها إلى الزوال عمداً لما كان لجعل الليل وقتاً لها معنى.

( وكذا ) حال النيّة ( في القضاء ) والنذر المطلق ، فوقتها ليلاً ، ويجوز تجديدها نهاراً إلى الزوال إذا لم يفعل منافياً ، فيما قطع به الأصحاب على الظاهر ، والمصرّح به في جملة من العبائر (٣) ، مشعرة بدعوى الإجماع عليه كما في ظاهر غيرها (٤) ، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة جدّاً :

منها : الصحيح : عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم ذلك اليوم ويقتضيه من رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل ، قال : « نعم ، يصومه ويعتدّ به إذا لم يكن يحدث شيئاً » (٥).

والخبر : قلت له : رجل جعل الله تعالى عليه صيام شهر ، فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم ، فيبدو له فيصوم ، فقال : « هذا كلّه جائز » (٦).

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( الرسائل المرتضى ٣ ) : ٥٣.

(٢) المدارك ٦ : ٢١ ، الكفاية : ٤٨ ، الحدائق ١٣ : ١٩.

(٣) المدارك ٦ : ٢٢ ، الكفاية : ٤٩ ، الذخيرة : ٥١٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٦ ، المنتهى ١ : ٥٥٨ ، التذكرة ١ : ٢٥٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ / ٥٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٢ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٦) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٣ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٤.

٢٨٩

وإطلاقها كإطلاق عبائر الأصحاب ، بل ظواهرها يقتضي عدم الفرق بين حالتي الاختيار والاضطرار ، حتى لو تعمّد الإخلال بالنيّة ليلاً فبدا له في الصوم قبل الزوال جاز.

وبه صرّح في السرائر ، فقال : فأمّا الصوم الغير المعيّن فمحلّ النيّة فيه هو ليله ونهاره إلى قبل زوال الشمس من يومه ، سواء تركها سهواً أو عمداً أو ناسياً ، فهذا الفرق بين ضربي الصوم الواجب (١).

( ثم ) إنّ إطلاق جملة منها وإن اقتضى جواز التجديد بعد الزوال أيضاً إلاّ أنّ ظاهر جملة أُخرى منها أنّ بالزوال ( يفوت وقتها ).

منها : الصحيح : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى » (٢).

وأظهر منه الموثّق : في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام ؛ قال : « هو بالخيار إلى زوال الشمس ، فإذا زالت ، فإن كان قد نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر » سُئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » (٣).

ولا ينافي ذلك دلالة الصحيح على احتساب الصوم له من الوقت الذي نوى ؛ لأنّ ذلك كناية عن فساده بذلك ، إذ نيّة الصوم نهاراً تقتضي كونه من أوله صائماً ، بالإجماع الظاهر المصرّح به في الخلاف (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٧٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ١٠ ؛ بتفاوتٍ يسير.

(٤) الخلاف ٢ : ١٦٧.

٢٩٠

لكن بإزاء هذه الأخبار ما يدلّ على امتداد وقتها إلى بعد الزوال ، كالصحيح : عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوماً ، وكان عليه يوم من شهر رمضان ، إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامّة النهار؟ قال : « نعم ، له أن يصوم ويعتدّ به من شهر رمضان » (١).

وأظهر منه المرسل : قلت له : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟ قال : « نعم » (٢).

وعليهما الإسكافي (٣) ، ولا يخلو عن قوّة ؛ لاعتضادهما مع صحّة أولهما بإطلاق ما عداهما من المستفيضة.

إلاّ أنّ ظاهر من عداه من الأصحاب بل صريحهم العمل بالأخبار الأوّلة ، حتى أنّ ظاهر الانتصار والمنتهى دعوى إجماعنا عليه.

حيث قال في الأول : صوم الفرض لا يجزي عندنا إلاّ بنيّة قبل الزوال (٤).

وقال في الثاني في الجواب عن المرسل ـ : فإنّه مع أنّه شاذّ لا تعرّض فيه بالنيّة (٥).

وحينئذٍ فلا بدّ من طرحه كالصحيح قبله ، أو حملهما على ما يؤولان‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٦ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١١٨ / ٣٨٥ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٩.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٤) الانتصار : ٦٠.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٥٩ ، وفيه : فإنّه مع إرساله لا تعرّض ..

٢٩١

إلى المختار ، بحمل عامّة النهار على ما بين الفجر إلى الزوال ، ولو على المجاز ، على ما ذكره جماعة من الأصحاب (١).

وزاد بعضهم ، فجعله على الحقيقة ، فقال : على أنّ ما بين طلوع الفجر والزوال أكثر من نصف النهار (٢).

وحمل المرسل على أنّ المراد أول وقت العصر ، وهو عند زوال الشمس ، كما ذكره الشيخ (٣) ، أو على من نوى صوماً فصرفه إلى القضاء عند العصر ، كما في المختلف (٤).

وفيهما بُعد ، لكن الخطب بعد ضعف السند وعدم الجابر ، مضافاً إلى عدم التكافؤ ، لما مرّ سهل.

( وفي ) استمرار ( وقتها للمندوب ) إلى قريب الغروب بمقدار ما يكون بعدها صائماً إليه ( روايتان ، أصحّهما ) عند الماتن هنا تبعاً للمحكي عن العماني (٥) ، وظاهر الخلاف (٦) ، وجعلها في الشرائع أشهرهما (٧) ، وتبعه على دعوى الشهرة جملة ممّن تأخّر عنه من علمائنا ، كشيخنا الشهيد الثاني ، وسبطه (٨) ، وغيرهما (٩) ( مساواته للواجب ) في فوات وقتها‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف : ٢١٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ١٩.

(٢) الحرّ العاملي في الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ذيل الحديث ٦.

(٣) الإستبصار ٢ : ١١٩.

(٤) المختلف : ٢١٢.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٦) الخلاف ٢ : ١٦٧.

(٧) الشرائع ١ : ١٨٧.

(٨) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٩ ، الروضة ٢ : ١٠٧ ، سبطه في المدارك ٦ : ٢٤.

(٩) الذخيرة : ٥١٤.

٢٩٢

بالزوال.

وهذه الرواية لم نقف عليها ، ولعلّها الصحيحة المتقدّمة ، المقيّدة هي والموثّقة بعدها ـ (١) للنصوص المتقدّمة عليها ، كما يظهر من التعبير على ما حكاه عنه في التنقيح (٢).

وهي غير صريحة في النافلة ، فيحتمل الاختصاص بالفريضة ، كما هي مورد المرسلة ، ومع ذلك غير صريحة في الفوات بالزوال ، بل ولا ظاهرة إلاّ بالتقريب الذي سبقت إليه الإشارة.

وفي جريان وجهه (٣) في النافلة نوع مناقشة.

والرواية الثانية عمل بها أكثر القدماء ، بل مطلقاً كما في المنتهى (٤) ، ومنهم : السيّدان ، والحلّي ، مدّعين عليه إجماعنا في الانتصار والغنية والسرائر (٥).

وهي مع ذلك ما بين ظاهرة في الحكم إطلاقاً أو عموماً وهي جملة من الصحاح وغيرها وصريحة ، كالموثّق : عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : « هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء » (٦).

__________________

(١) تقدمتا في ص ٢٥٠٠.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٣٥١.

(٣) وهو الإجماع المنقول في الخلاف. منه ( رحمه‌الله ).

(٤) المنتهى ٢ : ٥٥٩.

(٥) الانتصار : ٦٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠ ، السرائر ١ : ٣٧٣.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ / ٥٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٤ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٣ ح ١.

٢٩٣

وقريبٌ منه الصحيح : « إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياماً ، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاماً أو يشرب شراباً ولم يفطر ، فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » (١).

وحينئذٍ فلا تعارضها الصحيحة السابقة ، سيّما مع ما هي عليه ممّا عرفته ، فالعمل بها أولى.

وذهب إليه من المتأخّرين : الفاضل في التحرير والمنتهى ، وقوّاه في المختلف أخيراً ، والشهيدان في الدروس والروضة (٢) ، وجماعة ممّن تأخّر عنهما (٣).

وهو أوفق بقاعدة التسامح في أدلّة السنن أيضاً ، كما لا يخفى.

ويظهر من المعتبر (٤) كون الرواية الثانية : الصحيح المتضمّن لأنّ علياً عليه‌السلام كان يدخل أهله فيقول : هل عندكم شي‌ء؟ فإن كان عندهم شي‌ء أتوه به وإلاّ صام (٥) ، وروى الجمهور نحوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

وهو كما ترى ؛ لأنّ الفعل لا عموم فيه ، فلا يشمل بعد الزوال ، لاحتمال اختصاص فعلهما بما قبله ، كما هو الغالب ، بل والمستحبّ شرعاً‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ / ٥٢٥ ، الوسائل ١٠ : ١١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٥.

(٢) التحرير ١ : ٧٦ ، المنتهى ٢ : ٥٥٩ ، المختلف : ٢١٢ ، الدروس : ٧٠ ، الروضة ٢ : ١٠٧.

(٣) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٢٤ ، الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٤٤ ، الحدائق ١٣ : ٢٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٨.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٨ / ٥٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٢ ح ٧.

(٦) سنن الدارقطني ٢ : ١٧٥ / ١٨.

٢٩٤

لمن أراد البقاء ولا بقاء.

نعم ، هو دليل صريح على جواز النيّة نهاراً ، كما هو المجمع عليه بيننا.

واعلم : أنّ مقتضى الأصل اشتراط مقارنة النيّة للمنوي ، خرج منه تقديمها للصوم من الليل ، للضرورة والإجماع ، وبقي الباقي ، فلا يجوز التقديم عليه مطلقاً ولو في شهر رمضان ، وعليه عامّة المتأخّرين ، ويدلّ عليه أيضاً حديث : « لا صيام لمن لم يبيّت الصيام » إلى آخره (١).

( وقيل : يجوز تقديم نيّة شهر رمضان على الهلال )

والقائل به : الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف (٢) ، وعزاه فيه إلى الأصحاب ، مشعراً بالإجماع.

فإن تمّ ، وإلاّ كما هو الظاهر ، إذ لم يُرَ ولم ينقل له من القدماء ولا من المتأخّرين موافق ، فهو مشكل ؛ لمخالفته الأصل ، مع عدم وضوح الدليل عدا ما قيل له : من أنّ مقارنة النيّة ليست شرطاً في الصوم ، وكما جاز أن تتقدّم من أول ليلة الصوم وإن يتعقّبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز أن تتقدّم على تلك الليلة بالزمان المتقارب ، كاليومين والثلاثة (٣).

وهو كما ترى قياس مع الفارق.

وهل الحكم بجواز التقديم على القول به مطلق ، كما يفيده إطلاق عبارة الخلاف (٤)؟

__________________

(١) تقدم في ص ٢٤٩٧.

(٢) النهاية : ١٥١ ، المبسوط ١ : ٢٧٦ ، الخلاف ٢ : ١٦٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٤٩.

(٤) الخلاف ٢ : ١٩٦.

٢٩٥

أم يختصّ بالناسي بمعنى : أنّه لو نسي عند دخوله ، فصام من دون نيّة ، كانت الأُولى كافية ، بخلاف العامد العالم بالدخول ، فإنّه يجب على تجديد النيّة كما عن صريح المبسوط والنهاية (١)؟

احتمالان ، إلاّ أنّ ظاهر الدليل : الأول ، والأصحاب : الثاني ، بل عليه الإجماع في المختلف (٢) ، وعن الشهيد في البيان ، فقال : ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولاً واحداً (٣).

( وتجزي فيه ) أي في شهر رمضان ( نيّة واحدة ) من أوله.

ظاهر العبارة : أنّ هذا الكلام عطف على ما قبله ، أي : وقيل : تجزي ، والقائل : الثلاثة ، والديلمي ، والحلبي ، والحلّي ، وابن زهرة العلوي مدّعياً عليه الإجماع (٤) ، كالمرتضى في الرسّية والانتصار والشيخ في الخلاف (٥) ، وعزاه في المنتهى إلى الأصحاب من غير نقل خلاف (٦).

وعلّله في الانتصار بعده (٧) : بأنّ النيّة تؤثّر في الشهر كلّه ؛ لأنّ حرمته حرمة واحدة ، كما أثّرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه (٨).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٧ ، النهاية : ١٥١.

(٢) المختلف : ٢١٣.

(٣) البيان : ٣٦١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٣٠٢ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٣ ، الطوسي في النهاية : ١٥١ ، الديلمي في المراسم : ٩٦ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٥) المسائل الرسّية ( رسائل المرتضى ٢ ) : ٣٥٥ ، الانتصار : ٦١ ، الخلاف ٢ : ١٦٣.

(٦) المنتهى ٢ : ٥٦٠.

(٧) أي بعد ادّعائه الإجماع عليه.

(٨) الانتصار : ٦٥.

٢٩٦

ويضعّف : بمنع كونه عبادة واحدة ؛ فإنّ صوم كلّ يومٍ مستقلٌّ بنفسه ، لا تعلّق له بما قبله وما بعده ، ولذلك تتعدّد الكفّارة بتعدّد الأيّام ، ولا يبطل الشهر كلّه ببطلان صوم بعض أيّامه ، بخلاف الصلاة الواحدة ، فإنّ بطلان بعض أجزائها يقتضي بطلانها رأساً ، والحمل إنّما يتمّ على تقدير عدم الفرق ، وقد أوضحناه.

فإذاً : المتّجه عدم الإجزاء ، كما عليه الفاضل في جملةٍ من كتبه (١) ، والماتن في ظاهر الكتاب والمعتبر إلاّ أنّ فيه بعد تضعيف ما مرّ بأنّه قياس محض ، فلا يتمشّى على أُصولنا ـ : لكن عدم الهدى ادّعى على ذلك الإجماع ، وكذلك الشيخ أبو جعفر ، والأولى تجديد النيّة لكلّ يومٍ في ليلته ، لأنّا لا نعلم ما ادّعياه من الإجماع (٢).

وظاهره كما ترى الميل إلى ما عليه القدماء.

ولا ينافيه دفعه ما ادّعياه من الإجماع ؛ إذ المراد منه الدفع بحسب الاطّلاع عليه من غير جهة النقل ، وإلاّ فهو حاصل ، ودفعه من جهته غير متوجّه إلاّ على القول بعدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الآحاد ، ولكنّه خلاف التحقيق ، سيّما إذا احتفّ بالقرائن ، مثل الشهرة العظيمة القديمة ، التي لم يوجد معها مخالف بالكلّية ، وهي من أعظم القرائن على صحّة الرواية.

نعم ، الأولى التجديد في كلّ ليلة ؛ خروجاً عن شبهة الأُصول والقاعدة ، بل والفتوى بالنسبة إلينا ، لحصولها به (٣) في كتب من عرفته ، بل‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٦ ، المختلف : ٢١٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٤٩.

(٣) أي : لحصول الفتوى بالتجديد.

٢٩٧

ادّعى عليها الشهرة المتأخّرة جماعة (١) ، ولكنّها موهونة.

وذلك بناءً على ما ظاهرهم الاتّفاق عليه وعدم الخلاف فيه كما في الغنية والمنتهى من جواز تفريق النيّة هنا (٢) ، وإن قلنا بكون صوم الشهر كلّه عبادة واحدة ، ومنعنا عن تفريقها [ عليها (٣) ] كما هو خيرة جماعة (٤).

فما في الروضة (٥) من المنع عن التفريق بناءً على القول به ـ (٦) لا وجه له في المسألة.

( و ) يستحبّ أن ( يصام يوم الثلاثين من شعبان ) الذي يشكّ فيه أنّه منه أو من رمضان ( بنيّة الندب ) مطلقاً ، بلا خلافٍ فيه بيننا ، إلاّ من المفيد فيما حكي عنه (٧) ، فكرهه على بعض الوجوه (٨).

وهو شاذّ ، بل على خلافه الإجماع في صريح الانتصار والغنية والخلاف (٩) ، وظاهر غيرها ، كالتنقيح والروضة (١٠).

__________________

(١) منهم : السبزواري في الكفاية : ٤٩ ، والذخيرة : ٥١٤ ، صاحب الحدائق ١٣ : ٢٧.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، المنتهى ٢ : ٥٦٠.

(٣) أي : وإن منعنا عن تفريق النية على عبادة واحدة في غير المقام. وفي النسختين : عليه ، والظاهر هو سهو.

(٤) انظر نهاية الإحكام ١ : ٣٤ ، إيضاح الفوائد ١ : ٣٨ ، جامع المقاصد ١ : ٣٩ ، كشف اللثام ١ : ٦٥.

(٥) الروضة ٢ : ١٠٧.

(٦) أي : بالمنع.

(٧) حكاه عنه في التحرير ١ : ٧٦ ، البيان : ٣٦١.

(٨) مع أنّ المحكي من عبارته في المنتهى والمعتبر هو الاستحباب كما هو الأظهر ، قال : وإنما يكره مع الصحو وارتفاع الموانع ، إلاّ لمن كان صائماً قبله ، انتهى. وهو نصٌّ في أنّ الكراهة في غير يوم الشك ، بل يوم الثلاثين من شعبان في صورة ارتفاع المانع من الرؤية ، فلا خلاف منه في استحباب صوم يوم الشك. ( منه رحمه‌الله ).

(٩) الانتصار : ٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠ ، الخلاف ٢ : ١٧٠.

(١٠) التنقيح الرائع ١ : ٣٥٤ ، الروضة ٢ : ١٠٩.

٢٩٨

والنهي عن صيامه في بعض النصوص (١) محمولٌ :

إمّا على التقيّة ، فإنّه مذهب جماعة من العامّة (٢) ، ويشهد له بعض المعتبرة : عن اليوم الذي يشكّ فيه ، فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ، فقال : « كذبوا ، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام » (٣).

أو : على صومه بنيّة الفرض ، كما تشهد له جملة من المعتبرة ، منها الموثّق : « إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنّه قد نُهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله عزّ وجلّ ، وبما قد وسع على عباده ، ولو لا ذلك لهلك الناس » (٤) وبمعناه الرضوي (٥) وحديث الزهري (٦).

( و ) ما يستفاد من هذه النصوص من أنّه ( لو اتّفق ) ذلك اليوم ( من رمضان أجزأ ) عنه مجمعٌ عليه بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (٧) ، والنصوص به مع ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٦ ح ٢ ، ٣.

(٢) انظر بداية المجتهد ١ : ٣١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ / ٨ ، التهذيب ٤ : ١٨١ / ٥٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٧٧ / ٢٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٨٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ / ٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٤.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠١ ، المستدرك ٧ : ٣١٨ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ذيل الحديث ١.

(٦) الكافي ٤ : ٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٢ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥ ح ٨.

(٧) كما في المدارك ٦ : ٣٥ ، والمفاتيح ١ : ٢٤٦ ، والكفاية : ٤٩.

٢٩٩

زيادةً على ما مرّ مستفيضة ، متضمّنة للصحيح وغيره (١).

وألحقَ به الشهيدان كلّ واجب معيّن فُعِلَ بنيّة الندب مع عدم العلم (٢).

ولا بأس به ، وفي حديث الزهري دلالة عليه ؛ لتضمّنه تعليل الإجزاء عن رمضان ، بأنّ الفرض وقع على اليوم بعينه ، وهو جارٍ في الملحق به.

( ولو صام ) يوم الشكّ ( بنيّة الواجب ) من رمضان ( لم يجزِه ) عنه ولا عن شعبان ، على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وعزاه في المبسوط إلى الأصحاب (٣) ، مشعراً بدعوى الإجماع.

للنهي عن صومه كذلك فيما مرّ من المستفيضة ، والنهي مفسدٌ للعبادة إذا تعلّق بها ولو من جهة شرطها ، كما هو الواقع في المستفيضة كما ترى.

مع أنّ في بعضها التصريح بالقضاء ، وهو الصحيح : في يوم الشكّ : « من صامه قضاه وإن كان كذلك » يعني : من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان ؛ لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء (٤).

وقريب منه الصحيح الآخر : في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، فقال : « عليه قضاؤه وإن كان كذلك » (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٠ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٥.

(٢) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٦٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٣٩.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٧.

(٤) التهذيب ٤ : ١٦٢ / ٤٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٧ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٦ ح ٥.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٢ / ٥٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب وجوب الصوم ونيّته ب ٦ ح ١.

٣٠٠