رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

وخصوص جملة :

كالصحيح : عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن في سفر ، قال : « فريضة؟ » قلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما نتطوّع بالصلاة ، فقال : « تقول اليوم وغداً؟ » قلت : نعم ، قال : « لا تصم » (١).

والموثّق : « إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضةً كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (٢).

لكن ربّما يقال : إنّ المفهوم من الصحيحة الفرق بين الصوم الفريضة والنافلة ؛ لسؤاله عليه‌السلام في مقام الجواب عن كون صومه أيّهما ، ولو لا الفرق لاتّجه الجواب ب : « لا تصم » مطلقاً من غير استفسار.

فهو أوضح شاهد على الفرق ، وليس إلاّ كون النهي في النافلة للكراهة ؛ إذ لا فارق آخر بينهما غيره إجماعاً.

فما عليه الأكثر لعلّه أظهر ، سيّما مع تأيّده بصريح الخبرين ، والصحيح : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : « كان أبي يصوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف ، ويأمر بظلّ مرتفع ، فيضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ » (٣).

وإنْ ضعف دلالة هذا باحتمال كون صومه عليه عليه‌السلام لعدم بلوغ المسافة حدّا يجب فيه التقصير ، فتدبّر.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٩٠ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٢ من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٨ / ١٠٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٩٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤٠ : ٢٩٨ / ٩٠١ ، الإستبصار ٢ : ١٣٣ / ٤٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٣.

٤٠١

وكيف كان ، فلا ريب أنّ المنع مطلقاً أحوط ، إلاّ ثلاثة أيّام الحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ للصحيح (١).

وألحقَ المفيد مشاهد الأئمة عليهم‌السلام (٢) ، والصدوقان والحلّي الاعتكافَ في المساجد الأربعة (٣). ولم أعرف دليلهما.

( والصبي المميّز ) وكذا الصبيّة فيما قطع به الأصحاب ( يؤخذ ب ) الصوم ( الواجب لسبع سنين استحباباً مع الطاقة ) وفاقاً لجماعة ، ومنهم : الشيخ في المبسوط ، والماتن في الشرائع ، والفاضل في المختلف والقواعد ، والشهيدان في الدروس واللمعتين (٤).

ولكن جعل جملة منهم السبع مبدأ التشديد ، ومبدأ الأخذ قبله (٥).

ومستندهم مطلقاً غير واضح ، عدا الصحيح : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان إلى نصف النهار وأكثر من ذلك وأقلّ ، وإذا غلبهم العطش والغَرَث (٦) أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٦ / ٣٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٥٠ أبواب المزار وما يناسبه ب ١١ ح ١.

(٢) المقنعة : ٣٥٠.

(٣) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٣٠ ، الصدوق في المقنع : ٦٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٩٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٦٦ ، الشرائع ١ : ١٩٨ ، المختلف : ٢٣٤ ، القواعد : ٦٨ ، الدروس ١ : ٢٦٨ ، الروضة ٢ : ١٠٥.

(٥) كالمحقّق في الشرائع ١ : ١٩٨ ، والعلامة في القواعد ١ : ٦٨.

(٦) الغَرَث : الجوع مجمع البحرين ٢ : ٢٦٠.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٤ / ١ ، الفقيه ١ : ١٨٢ / ٨٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ / ١٥٨٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠٩ / ١٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣ بتفاوت يسير.

٤٠٢

وظاهره اختصاص السبع بأولادهم عليهم‌السلام ، وأنّ غيرهم إنّما يؤمرون لتسع ، كما عليه الشيخ في النهاية ، والصدوقان (١) ، وغيرهما.

ودلّت عليه أيضاً جملة من النصوص ، كالرضوي (٢) ، والمرسل (٣). ولعلّه الأقوى.

وللمفيد قول بأنّه يؤخذ به إذا بلغ الحلم ، أو قَدَر على صيام ثلاثة أيّامٍ تباعاً (٤) ؛ للقوي (٥).

وفي الصحيح : في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه » (٦).

وفي الموثّق : عن الصبي متى يصوم؟ قال : « إذا قوي على الصيام » (٧) ونحوه غيره (٨).

وربّما يقال : إنّ الذي يتلخّص من الجمع بين الأخبار بعد ضمّ‌

__________________

(١) النهاية : ١٤٩ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٣٤ ، الصدوق في المقنع : ٦١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٣٩٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٢٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ١١.

(٤) المقنعة : ٣٦٧.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٥ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٠ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢٣ / ٤٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٥.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٦ / ٣٣٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٥ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٢.

(٨) التهذيب ٤ : ٣٢٦ / ١٠١٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٩.

٤٠٣

بعضها إلى بعض هو : أنّ مراتب الأطفال في القوّة والضعف والإطاقة وعدمها متفاوتة ، وبلوغ التسع أعلى المراتب ، بمعنى إمكان ذلك وتيسّره من الجميع ، وأمّا ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة ، فبعض يُكلَّف قبل السبع ، لإطاقته ذلك ، وبعض بوصولها ، وبعض بعدها.

وهو قريب من الصواب ، ومرجعه إلى العمل بالموثّقة وما في معناها من تحديد وقت الأخذ بالطاقة ، وإرجاع ما تضمّن التحديد بسبعٍ أو تسعٍ إليها بحمله على الغالب من حصول الطاقة بهما ، لا أنّهما حدّان لا يستحبّ التمرين قبلهما.

وربّما يفهم هذا من المنتهى ، فإنّه قال : ويؤخذ الصبي بالصوم إذا أطاقه ، ثم قال : قال الشيخ : وحدّه إذا بلغ تسع سنين ، ويختلف حاله بحسب المكنة والطاقة (١).

( ويُلزَم به ) كلّ منهما ( عند البلوغ ) إجماعاً فتوًى ودليلاً.

( ولا يصحّ ) الصوم ( من المريض مع التضرّر به ) ولو بخوف زيادة المرض بسببه ، أو بطول (٢) برئه ، أو بحصول مشقّةٍ لا يتحمّل مثلها عادةً ، أو بحدوث مرضٍ آخر.

بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، قال سبحانه : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٣). وفي الصحيح : « الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » (٤).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٤.

(٢) في « ح » : بُطء.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) الكافي ٤ : ١١٨ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

٤٠٤

وقال عليه‌السلام : « كلّما أضر به الصوم فالإفطار له واجب » (١).

( ويصحّ لو لم يتضرّر به ) بإجماعنا ، وفي المنتهى : أنّ عليه أكثر العلماء ، وحكى عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر بكلّ مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد (٢).

والأصل عليه بعده عمومات وجوب الصوم على من شهد الشهر ، مع اختصاص إطلاق ما دلّ على الفطر بالمرض بحكم التبادر الموجَب عن الغالب بالمضرّ منه لا مطلقاً.

مضافاً إلى فحاوي جملة من النصوص الواردة في المسألة ( و ) منها ما دلّ على أنه ( يرجع في ذلك ) أي المرض المبيح للإفطار وغيره ( إلى نفسه ) وهي مستفيضة ، منها : الصحيح : « ذاك إليه ، هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم » (٣).

ونحوه آخر بزيادة قوله( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٤).

والموثّق : « هو مؤتمن عليه ، مفوّض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوّةً فليصمه كان المرض ما كان » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ١١٩ / ٨ ، الوسائل ١٠ : ٢١٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٩ باختلاف في السند ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧١ ؛ المقنعة : ٣٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ١١٨ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٥٩ مرسلاً ، الإستبصار ٢ : ١١٤ / ٣٧٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٤.

٤٠٥

وفي آخر : « إذا صدع صداعاً شديداً ، وإذا حمّ حمّىً شديدة ، وإذا رمدت عيناه رمداً شديداً ، فقد حلّ له الإفطار » (١) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة (٢).

والمعتبر : القطع بالتضرّر أو الظنّ به ، وفي الاحتمال المساوي إشكال.

وعمومات نفي الحرج في الدين وإرادة اليسر دون العسر في الشرع المبين لعلّها ترجّح الإفطار به ، كما رجّحه بعض المتأخّرين (٣).

( الرابع : في أقسامه )

أي أقسام مطلق الصوم المتناول للصحيح والفاسد.

( وهي أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه ، ومحظور ) على ما سيأتي بيانها.

( فالواجب ستّة ) بحكم الاستقراء وتتبّع الأدلّة الشرعية :

صوم ( شهر رمضان ، و ) صوم ( الكفّارات ، و ) صوم ( دم المتعة ، و ) صوم ( النذر ، وما في معناه ) من العهد واليمين ( و ) صوم ( الاعتكاف على وجه ) يأتي بيانه في محلّه ( وقضاء ) الصوم ( الواجب المعيّن )

( أمّا شهر رمضان ، فالنظر ) فيه في أُمور ثلاثة :

في علامته ، وشروطه ، وأحكامه )

( أمّا علامته : فهي رؤية الهلال ) ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٨ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٥٦ / ٧٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢١٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠.

(٣) كصاحب المدارك ٦ : ١٥٨.

٤٠٦

( فـ ) اعلم أنّ ( من رآه وجب عليه صومه ) مطلقاً ( ولو انفرد بالرؤية ) إذا لم يشك.

بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملةٍ من العبائر مستفيضاً (١) ، بل في التذكرة والمنتهى بعد نسبته إلينا ـ : أنّه مذهب أكثر العامّة (٢).

والأصل فيه بعده الكتاب (٣) ، والسنّة المتواترة.

ففي جملة منها صحيحة مستفيضة : عن الأهلّة ، فقال : « هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فأفطر » (٤).

وأظهر منها دلالةً الصحيح : عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وجده لا يبصره غيره ، إله أن يصوم؟ قال : « إذا لم يشكّ فيه فليصم ، وإلاّ فليصم مع الناس » (٥).

( ولو رُئي شائعاً ) بين جماعةٍ تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ، ويحصل بخبرهم العلم بوجوده ، أو الظنّ المتاخم له على قول ( أو مضى من شعبان ثلاثون يوماً )

( وجب الصوم عاما ) بإجماع المسلمين في الثاني ، بل قيل : إنّه من ضروريات الدين (٦). وفي بعض الأخبار تصريح به (٧).

__________________

(١) المدارك ٦ : ١٦٤ ، الذخيرة : ٥٣٠ ، مشارق ... : ٤٦٣ ، ٤٦٣.

(٢) التذكرة ١ : ٢٦٨ ، المنتهى ٢ : ٥٨٨.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٣١٧ / ٩٦٤ ، قرب الإسناد : ٢٣١ / ٩٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٤ ح ١.

(٦) المدارك ٦ : ١٦٥.

(٧) التهذيب ٤ : ١٦١ / ١٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ١٧.

٤٠٧

وأمّا الأول : فلم نقف فيه على نصّ صريح.

نعم ، ربّما يلوح الحكم فيه من جملة من الأخبار (١) ، ولعلّه كافٍ في إثباته.

مضافاً إلى ما في المعتبر والتذكرة والمنتهى (٢) وغيرها (٣) : من أنّه لا خلاف فيه بين العلماء.

واحتجّ عليه في الأخيرين بأنّه نوع تواترٍ يفيد العلم.

ولا ريب فيه مع العلم ، وإنّما الإشكال مع الظنّ ، فقد حكي عن الفاضل أنّه قوّي إلحاقه بالعلم ، معلّلاً بأنّ الظن الحاصل بشهادة الشاهدين حاصل مع الشياع.

وتبعه شيخنا الشهيد الثاني (٤) ، وحكى عنه سبطه في موضعٍ من المسالك اعتبار زيادة الظنّ الحاصل منه على ما يحصل منه بقول العدلين ؛ ليتحقّق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة (٥).

ثم اعترضه فقال : ويشكل بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلاً بإفادتهما الظنّ ، ليتعدّى إلى ما يحصل به ذلك ويتحقّق به الأولوية المذكورة ، وليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل ، وإنّما هو مستنبط فلا عبرة به.

مع أنّ اللاّزم من اعتباره الاكتفاءُ بالظن الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل من شهادة العدلين ، أو كان أقوى ، وهو باطل إجماعاً.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٩٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، التذكرة ١ : ٢٧١ ، المنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٣) كالفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣٧٤.

(٤) المسالك ١ : ٧٦.

(٥) المسالك ٢ : ٤١٠.

٤٠٨

والأصحّ اعتبار العلم كما اختاره العلاّمة في المنتهى ، وصرّح به المصنّف في كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدلّ على اعتبار الشياع بدون ذلك ، وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد.

وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد ، ولا فرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر ، والصغير والكبير ، والأُنثى والذكر ، كما قُرّر في حكم التواتر (١). انتهى.

وتبعه جماعة من متأخّري المتأخرين (٢). وهو حسن.

وتزيد الحجّة على فساد اعتبار الظنّ مطلقاً استفاضةُ المعتبرة بأنّه ليس الهلال بالرأي ولا التظنّي ، وأنّ اليقين لا يدخل فيه الشك ، صُم للرؤية وأفطر للرؤية ، وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما (٣). فالقول باعتباره ضعيف جدّاً.

( ولو لم يتّفق ) شي‌ء من ( ذلك ، قيل ) والقائل الديلمي ( يُقبَل ) الشاهد ( الواحد ).

واستدلّ له بأنّ فيه ( احتياطاً للصوم ).

وبالصحيح : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عدل من المسلمين » الحديث (٤).

ويضعّف الأول : بأنّه على تقدير تسليمه ليس بدليل شرعي ، مع أنّه إنّما يتمّ على القول بجواز صوم يوم الشكّ بنيّة رمضان وإجزائه عنه إذا‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ١٦٦.

(٢) منهم صاحب الذخيرة : ٥٣٠ ، والحدائق ١٣ : ٢٤٤.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١.

٤٠٩

طابقه.

وأمّا على القول بالعدم كما هو الأقرب على ما مرّ (١) فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيّته ، والصوم بنيّة شعبان ليس فيه عمل بشهادة الواحد ، بل عدول عنها.

والثاني أولاً : بمخالفته المطلوب ؛ لوروده بالقبول في أول شوّال لا أول رمضان كما هو المطلوب.

وثانياً : بأنّ لفظ العدل كما يطلق على الواحد كذا يطلق على الزائد ، لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل.

وثالثاً : باختلاف النسخ ، فبعض بما ذكر ، وآخر مكان أو شهد عدل : « وأشهدوا عليه عدولاً » (٢) وثالث مكانه : « أو يشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين » (٣) ومع اختلاف النسخ لم تكن فيها حجّة.

ورابعاً : بعدم معارضته للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الآتية من وجوهٍ عديدة.

فإذاً : لا اعتماد عليه بالكلّية ، سيّما وأنّ في الخلاف والغنية على خلافه دعوى إجماع الإماميّة (٤).

واعلم أنّ قوله : ( خاصّةً ) يرجع إلى الصوم ، بمعنى : أنّه إنّما يقبل بالإضافة إليه فقط دون غيره ، فلا يثبت به أول ما عدا شهر رمضان ، ولا أوله‌

__________________

(١) في ص : ٢٥٠٨.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩١.

(٣) الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ وفيه : أو تشهد عليه بيِّنة عدول ..

(٤) الخلاف ٢ : ١٧٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

٤١٠

لو كان منتهى أجل دَينٍ أو عدّةٍ أو مدّة ظهارٍ ونحوه.

نعم ، يثبت به هلال شوّال بمضيّ ثلاثين منه تبعاً وإن لم يثبت أصالةً بشهادته.

( وقيل : لا يقبل مع الصحو إلاّ خمسون نفساً ) عدد القسامة ( أو اثنان من خارج ) البلد والقائل به الصدوق في المقنع ، والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، والقاضي ، والحلبي ، وابن حمزة ، وابن زهرة العلوي (١).

للخبرين ، أحدهما : الصحيح : قلت له : كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله تعالى ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد : رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، لا يجوز في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر » (٢) ونحوه الثاني (٣).

وأُجيب عنهما تارةً في المعتبر : بأنّ اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ، ثم لا يفيد اليقين ، بل قوّة الظن ، وهي تحصل‌

__________________

(١) المقنع : ٥٨ ، المبسوط ١ : ٢٦٧ ، الخلاف ٢ : ١٧٢ ، القاضي في المهذب ١ : ١٨٩ ، الحلبي في الكافي : ١٨١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٤١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٠.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦ / ٤٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٠ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٣.

٤١١

بشهادة العدلين ، ثم قال : وبالجملة فإنّه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافّة ، فكان ساقطاً (١).

وأُخرى في المنتهى : بالمنع عن صحّة السند (٢).

وثالثة في المختلف والروضة (٣) وغيرهما (٤) : بالحمل على حصول التهمة في أخبارهم. وهو الأقوى ؛ لظهور سياقهما فيه ، كما صرّح به في الروضة شيخنا.

( وقيل : ) والقائل الإسكافي والمفيد والمرتضى والحلّي (٥) ( يقبل شاهدان ) عدلان ( كيف كان ) صحواً أو غيماً.

( وهو أظهر ) وعليه الفضلان والشهيدان (٦) وغيرهما من المتأخّرين (٧) ، بل عليه عامّتهم ، وادّعى كونه مذهب الأكثر بقول مطلق جملة منهم (٨).

لعموم ما دلّ على حجّية البيّنة الشرعية ، مضافاً إلى خصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة :

منها : « صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، فإن شهد عندك شاهدان‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٨٩.

(٣) المختلف : ٢٣٥ ، الروضة ٢ : ١١٠.

(٤) كمشارق الشموس : ٤٦٤.

(٥) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٤ ، المفيد في المقنعة : ٢٩٧ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٨٠.

(٦) المحقق في المعتبر ٢ : ٦٨٩ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٥٨٨ ، الشهيد الأول في الروضة ٢ : ١٠٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٦.

(٧) كصاحب المدارك ٦ : ١٦٧.

(٨) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، وصاحبي المدارك ٦ : ١٦٧ ، والحدائق ١٣ : ٢٥٢.

٤١٢

عدلان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه » (١) ونحوه بعينه غيره (٢).

ومنها : « إنّ عليّاً عليه‌السلام كان يقول : لا أُجيز في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين » (٣) ونحوه غيره (٤).

وما يقال : من أنّ غاية ما تفيده هذه الأخبار قبول العدلين في الجملة ، ولا تصريح فيها بالقبول في حالة الصحو ، بخلاف الخبرين السابقين ، فإنّ فيهما تصريحاً بالعدم فيه ، ومقتضى الجمع بينهما تقييدها بهما.

مدفوع : بأنّه لا تصريح فيهما بعدم القبول مع الصحو مطلقاً ، بل مع تعارض الشهادات وإنكار مَن عدا العدلين لما شهدا به ، وهو عين التهمة. وعدم القبول حينئذٍ مجمع عليه بالضرورة ؛ إذ من شرائط العمل بالبيّنة ارتفاع التهمة ، ومع ثبوتها كما هو مورد الخبرين فلا عمل بها بالضرورة.

فالتحقيق في المسألة : أنّ الأصل في شهادة العدلين الحجّية ولو في نحو المسألة كما هو مقتضى العموم ، وخصوص إطلاق ما مرّ من المستفيضة.

إلاّ مع حصول التهمة ولو بما في سياق الخبرين من استهلال جماعة سالمي الأبصار ، فاقدي الموانع منه خارجاً وداخلاً ، ثم دعوى بعضهم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٧ / ٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٤.

(٢) المقنعة : ٢٩٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ذيل الحديث ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٨.

(٤) الكافي ٤ : ٧٦ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٨ ، التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١.

٤١٣

الرؤية مع إنكار الباقين لها بحيث يوجب الظنّ بتوهّمهم مثلاً ، فلا حجّة حينئذٍ فيها.

وغير بعيدٍ أن يكون مراد المانعين هذه الصورة خاصّةً ، والأكثر الاولى ، وعليه فلا نزاع أصلاً.

وكيف كان ، فإن كان مراد الأولين ما ذكرنا ، وإلاّ؟ فلا أعرف لهم حجّة ؛ لما عرفت من اختصاص الخبرين بالصورة التي لا نزاع فيها.

نعم ، ربّما يبقى الإشكال في اعتبار الخمسين مع التهمة وعدم حصول القطع من شهادتهم : من إطلاق الخبرين بالاعتبار ، ومن احتمال وروده فيهما مورد التمثيل لما يحصل به اليقين ، وأنّ اعتباره من جهته لا لخصوصيته فيه ، كما ربّما يفهم من سياق الصحيح ، حيث صرّح في صدره بالنهي عن التظنّي ، كما وقع مثله في كثير من النصوص (١) ، بل في بعضها التصريح بالنهي عن الخمسين مع عدم اليقين (٢). ولعلّ هذا أجود.

فالمعتبر في صورة التهمة وتعارض الشهادة القطع دون الظنّ ، إلاّ على القول بكفايته في الشياع ، وهو ضعيف ، فحيثما حصل اعتُبِر ولو فيما دون العدد ، وحيث لا فلا ولو فيه فصاعداً.

كلّ ذلك عملاً بالأُصول والنصوص الناهية في الرؤية عن الظنون.

( و ) منها مضافاً إلى الحصر المستفاد من الظواهر يستفاد أنّه ( لا اعتبار ) في معرفة الشهر ( بالجدول ) وهو كما قيل (٣) حساب‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٦ / ٤٣١ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠١ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٢.

(٣) المدارك ٦ : ١٧٥.

٤١٤

مخصوص ، مأخوذ من سير القمر واجتماعه مع الشمس.

( ولا بالعدد ) بأيّ معنى فُسِّر ، سواء بعدّ شعبان ناقصاً أبداً ورمضان تامّاً أبداً ، أو بعدّ شهرٍ تامّاً وآخر ناقصاً مطلقاً ، أو عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب ، أو غير ذلك.

( ولا بالغيبوبة ) أي غيبوبة الهلال ( بعد الشفق ).

( ولا بالتطوّق ) بظهور النور في جرمه مستديراً.

( ولا بعَدّ خمسة أيّام من هلال ) شهر رمضان السنة ( الماضية ).

كما عليه أكثر الأصحاب بل عامّة المتأخّرين في أكثرها ، وفي ظاهر الغنية (١) وغيرها (٢) الإجماع.

خلافاً للمحكي في الخلاف عن شاذٍّ منّا (٣) ، وفي المنتهى عن بعض الجمهور في الأول (٤) ؛ لقوله تعالى : ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٥) وللرجوع إليه في القبلة.

وهما مجابان على أنّهم كما قيل (٦) لا يثبتون أول الشهر بمعنى جواز الرؤية ، بل بمعنى تأخّر القمر عن محاذاة الشمس ، مع اعترافهم بأنّه قد لا يمكن الرؤية.

هذا ، وفي التنقيح (٧) : الإجماع منعقد على عدم اعتبار قول المنجّم‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

(٢) كالحدائق ١٣ : ٢٩١.

(٣) الخلاف ٢ : ١٦٩.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٥) النحل : ١٦.

(٦) المفاتيح ١ : ٢٥٨.

(٧) التنقيح الرائع ١ : ٣٧٦.

٤١٥

في الأحكام الشرعية ، مع أنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما انزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وللمفيد فيما حكي عنه ، والصدوق في الثاني (٢) ، فاعتبراه بالتفسير الأول ؛ لأخبارٍ كلّها ضعيفة (٣) ، غير مكافئةٍ لما مرّ من الأدلّة ، معارضَة بالصحاح الصراح :

منها : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » (٤).

ومنها : « إذا كانت علّة فأتمّ شعبان » (٥).

ولصريح المقنع في الثالث (٦) ، ومحتمل الفقيه أو ظاهره فيه وفي الرابع (٧) ؛ للنصوص :

منها الخبر : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين » (٨) ونحوه آخر (٩).

ومنها الصحيح : « إذا تطوّق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظلّ رأسك‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٩٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٥ ح ٢.

(٢) حكاه عن المفيد في كشف الرموز ١ : ٢٩٨ ، الصدوق في الفقه ٢ : ٧٨ ، الهداية : ٤٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٦٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ الأحاديث ٢٤ إلى ٣٧.

(٤) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٦ / ٤٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٥.

(٦) المقنع : ٥٨.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٣ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٣.

(٩) الكافي ٤ : ٧٧ / ٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ذيل ح ٣.

٤١٦

فيه فهو لثلاث » (١).

وفيها أجمع قصور عن المقاومة لما مرّ ، مضافاً إلى ضعف سند الأولين ومعارضتهما زيادةً على ما مضى بظاهر خصوص بعض النصوص.

وفيه : كتب إليَّ أبو الحسن العسكري عليه‌السلام كتاباً أرّخه يوم الثلاثاء لليلةٍ بقيت من شعبان ، وكان يوم الأربعاء يوم الشك ، وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس ، ولم يغب إلاّ بعد الشفق بزمانٍ طويل ، قال : فاعتقدتُ أنّ الصوم يوم الخميس وأنّ الشهر كان عندنا يوم الأربعاء ، قال : فكتب إليَّ : « زادك الله توفيقاً ، فقد صمتَ بصيامنا » قال : ثم لقيته بعد ذلك ، فسألته عمّا كتبت به إليه ، فقال لي : « أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس ولا تصم إلاّ للرؤية؟ » (٢).

فتدبّر في الدلالة وتأمّل فيها ، فإنّها لعلّها لا تخلو عن نوع مناقشة ، كما أشار إليه في الذخيرة (٣) ، لكنّها عند التحقيق ضعيفة.

مع احتمال هذه النصوص الحمل على التقية أو الأغلبية ، كما في الوسائل (٤) وغيره (٥).

وأمّا الحمل على صورة الغيم كما ذكره الشيخ في كتابي الحديث (٦) ـ

__________________

(١) الكافي ٤ : ٧٨ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٧٨ / ٣٤٢ ، التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٧٥ / ٢٢٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٨١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ١.

(٣) الذخيرة : ٥٣٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ذيل ح ٣.

(٥) كالحدائق ١٣ : ٢٧٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٧٥ ذيل ح ٢٢٩.

٤١٧

فلعلّه لمجرّد الجمع بين النصوص ، وإلاّ فلا شاهد عليه ، مع أنّ الجمع بينها بذلك فرع المقاومة ، وهي في المقام مفقودة كما عرفته.

وللمحكي في التنقيح عن الإسكافي في الأخيرة (١) ؛ للنصوص المستفيضة (٢) ، ومنها الرضوي (٣).

وهي ما بين ضعيفة السند أو قاصره ، فلا تعارض ما قدّمناه من الأدلّة ، فلتكن مطرحة ، أو محمولة على استحباب صوم الخامس بنيّة شعبان احتياطاً.

وهو أولى ممّا حملها عليه جماعة من التقييد بصورة ما إذا غمّت شهور السنة (٤) ؛ لعدم قبول بعضها له ، وفيه : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأيّ يومٍ تصوم؟ قال : « انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وصم يوم الخامس » (٥).

مع عدم دليل عليه ، عدا ما في المختلف من أنّ العادة قاضية بعدم كمال شهور السنة ثلاثين ثلاثين ، فلا يجوز بناء السنة على ما يُعلَم انتفاؤه ، وإنّما يُبنى على مجاري العادات ، والعادة قاضية بتفاوت هذا العدد في شهور السنة (٦).

وفيه : أنّ قضاء العادة بتفاوت هذا العدد في شهور السنة إن كان‌

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٣٧٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٨٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٩ ، المستدرك ٧ : ٤١٦ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ٢.

(٤) كما في التهذيب ٤ : ١٧٩.

(٥) الكافي ٤ : ٨٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٧٩ / ٤٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٧٦ / ٢٣٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٣ ، ورواها في المقنع : ٥٩ ( وفي الجميع بتفاوت ).

(٦) المختلف : ٢٣٦.

٤١٨

بعنوان المظنّة فغير كاف ؛ لما عرفته غير مرّة (١).

وإن كان بعنوان القطع ، فعلى تقدير تسليمه لا يستلزم صحّة هذا الحساب ؛ لجواز الاختلاف (٢).

ولو سُلِّم فلا وجه للفرق بين هذه الصورة وما إذا لم تغمّ شهور السنة ، مع أنّهم قد فرّقوا بينهما.

( وفي العمل ) لمعرفة حلال الشهر ( برؤيته قبل الزوال ) أم العدم ( تردّد ) للماتن هنا وفي المعتبر (٣) ، قيل (٤) : ينشأ من الأصل ودلالة جملة من النصوص على الثاني.

كالصحيح : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه عدل من‌

__________________

(١) من عدم جواز الاعتماد على المظنة في معرفة الأهلَّة. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) وإلى هذا يشير كلام الشيخ في الاستبصار في جملة كلام له في الرد على القول بالعدد فقال : وأما القول بأنَّ السنة ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً من قبل أن السموات والأرض خلقن في ستة أيام اختزلت من ثلثمائة وستين يوماً لا يفيد أن يكون شهر منها بعينه أبداً ثلاثين يوماً بل يقتضي أنّ الستة أيام تتفرق في الشهور كلها على غير تفصيل وتعيين لما يكون ناقصاً منها مما يتفق كونه على التمام بدلاً من كونه على النقصان. وأما القول بأنَّ شهور السنة تختلف في الكمال والنقصان فيكون منها شهر تام وشهر ناقص لا يوجب أيضاً دعوى الخصم في شهر رمضان ما ادّعاه ولا في شعبان ما حكم به من نقصانه على كل حال لأنّها قد تكون على ما تضمنه الوصف من الكمال والنقصان ، لكنها لا تكون كذلك على الترتيب والنظام ، بل لا ينكر أن يتفق فيها شهران متصلان على التمام وشهران متواليان على النقصان وثلاثة أشهر أيضاً كما وصفناه ، ويكون مع ما ذكرناه على وفاق القول بأنَّ فيها شهراً ناقصاً وشهراً تاماً ؛ إذ ليس لي صريح ذلك الاتصال ولا الانفصال. ( منه رحمه‌الله ). انظر الاستبصار ٢ : ٧١ ٧٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨٩.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٣٧٨ ، وانظر المدارك ٦ : ١٧٩.

٤١٩

المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلاّ من وسط النهار فأتمّوا الصيام إلى الليل ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوماً ثم أفطروا » (١).

والخبر « من رأى هلال شوّال نهاراً في رمضان فليتمّ صيامه » (٢).

وفي آخر : كتبتُ إليه عليه‌السلام جعلتُ فداك ربّما غمّ علينا الهلال في شهر رمضان ، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربّما رأيناه بعد الزوال ، أفترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ كيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : « تتمّ إلى الليل ، فإنّه إذا كان تامّاً رُئي قبل الزوال » (٣).

ومن إطلاق ما دلّ على أنّ الصوم للرؤية والفطر للرؤية (٤) ، الشامل لمفروض المسألة ، مضافاً إلى دلالة جملة أُخرى من النصوص على الأول ، كالصحيح (٥) والموثق (٦) : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة ».

وإلى هذا القول مال جملة من متأخّري المتأخّرين (٧) ، وفاقاً للمرتضى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٨ / ٤٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١ ، بتفاوت ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٧٨ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٧٦ / ٤٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٨٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٦ / ٤٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٢٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٥.

(٧) منهم صاحب المنتقى ٢ : ٤٧٩ ، وصاحب الذخيرة : ٥٣٣ ، وصاحب المفاتيح ١ : ٢٥٧.

٤٢٠