رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

الآية الكريمة.

( و ) الصنف السادس : ( الغارمون ) لعين ما مرّ من الأدلّة ( وهم المَدينون في غير معصية ، دون مَن صرفه في المعصية ) بإجماعنا الظاهر المحكي في ظاهر الغنية والمنتهى والتذكرة (١) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها : في المَدين المُعسر : « ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام ، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين ، إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، فإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإمام » (٢).

ومنها : « أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف ، فعلى الإمام أن يقضيه ، وإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ الله تعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ) الآية ، فهو من سهم الغارمين » (٣).

ومنها : في تفسيرهم : « هم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله تعالى من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدقات » (٤). وقريب منها المروي عن قرب الإسناد (٥).

وفي الصحيح : عن رجل عارف فاضل توفّي وترك ديناً لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المنتهى ١ : ٥٢٦ ، التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠ ، المستدرك ٧ : ١٢٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٩٤ / ٧٨ ، المستدرك ٧ : ١٢٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٧ ح ١.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٩ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٥) قرب الإسناد : ١٠٩ / ٣٧٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ١٠.

١٤١

والألفان؟ قال : « نعم » (١).

وضعف ما عداه مجبور بعمل الطائفة ، بل إجماع المسلمين كافّة في المَدين في غير معصية كما في صريح المنتهى وظاهر المبسوط والمعتبر والتذكرة (٢).

وأمّا المَدين فيها فلم يخالف فيه إلاّ الماتن في المعتبر وبعض من تأخّر (٣) ، فجوّزا الدفع إليه بعد التوبة ؛ لعموم الآية بناءً على أنّ الغارم مطلق المَدين اتّفاقاً عرفاً ولغةً ، ولا مخصّص له عدا النصوص المزبورة وهي ضعيفة ، وأمر اعتباري ضعيف غير صالح للحجيّة فضلاً عن أن يخصَّص به عموم نحو الآية.

وهو حسن لولا انجبار النصوص المزبورة بما عرفته ، مضافاً إلى الإجماعات المحكية والاحتياط المطلوب في العبادة.

واعمل : أنّ الأصحاب قسّموا الغارم قسمين : المديون لمصلحة نفسه ، والغارم لإصلاح ذات البين ، واعتبروا الفقر في الأوّل دون الثاني ، ومنهم : الشيخ في المبسوط والحلّي وابن حمزة ، والفاضلان في المعتبر والمنتهى والتذكرة (٤) ، على ما حكاه عنهم في الذخيرة (٥) ، وفي ظاهر الأخير الإجماع على اعتبار الفقر في الأوّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ / ٢٨٨ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢١ ، المبسوط ١ : ٢٥١ ، المعتبر ٢ : ٥٧٥ ، التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧٥ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٢٢٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٥١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٩ ، المعتبر ٢ : ٥٧٥ ، المنتهى ١ : ٥٢٦ ، التذكرة ١ : ٢٣٣.

(٥) الذخيرة : ٤٥٥.

١٤٢

فإن تمّ وإلاّ فهو مشكل ؛ لمخالفته لظاهر الآية ، لجعلها الغارمين قسيم الفقراء ؛ مع عدم وضوح دليل عليه عدا ما دلّ على أنّها لا تحلّ لغني ، وأنّها إنّما شُرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، وهما غير معلومي الشمول لمفروض المسألة بعد مخالفتهما لظاهر الآية ، وتخصيصهما في جملة من الأفراد الثمانية ، وهم : العاملون عليها ، والغزاة ، والغارمون لمصلحة ذات البين ، وابن السبيل المنشئ للسفر من بلده ، والمؤلّفة ، على ما صرّح به جماعة من هؤلاء ، كالشيخ وابن حمزة (١).

مع أنّه يحتملان ككلامهم الحمل على أنّ المراد اعتبار عدم تمكّنهم من الأداء ، كما عبّر به جملة من المتأخّرين كالشهيدين وغيرهما (٢).

وعلى هذا نبّه في المدارك فقال بعد نقل ما حكاه عن المعتبر من أنّ الغارم لا يعطى مع الغناء ـ : والظاهر أنّ مراده بالغناء انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغناء الذي هو ملك قوت السنة ، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه (٣). انتهى.

وهو حسن.

ويشهد له أنّ الفاضل مع أنّه أحد هؤلاء الجماعة قد استقرب في النهاية (٤) جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه ، إذا كان بحيث لو دفعه صار فقيراً ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٥٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٩.

(٢) كما في الروضة ٢ : ٤٧ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٣٩١.

(٣) المدارك ٥ : ٢٢٢.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٣٩١.

١٤٣

باعتبار الفقر ، فتدبّر وتأمّل.

( ولو جهل الأمران ) فلم يعلم أنفقه في طاعة أو معصية ( قيل : )

( يمنع ) والقائل الشيخ في النهاية (١) ؛ لاشتراط الدفع بالإنفاق في طاعة ، وحيث جهل الشرط لم يثبت المشروط ؛ وللخبر : قال ، قلت : فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أو معصية ، قال : يسعى في ماله ويردّه عليه وهو صاغر » (٢).

( وقيل : لا ) يمنع ، والقائل الحلّي والشيخ في المبسوط كما حكي (٣) ، وتبعهما الفاضلان وغيرهما من المتأخرين (٤) فقالوا : ( وهو أشبه ) بالأُصول الدالّة على أنّ الأصل في تصرّفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع ، مع أنّ تتبع مصارف الأموال عسير ، فلا يتوقف دفع الزكاة على اعتباره.

وأجابوا عن الرواية بضعف السند ، وزاد بعضهم الضعف في الدلالة فلا يخرج بها عن مقتضى الأُصول.

وبها يضعّف الحجّة الأُولى قبل الرواية ، فإنّ مقتضاها حصول الشرط فيثبت المشروط.

إلاّ أنّ يقال : إن الشرط هو الإنفاق في غير المعصية في نفس الأمر ، وحمل تصرّف المسلم على الصحة لا يحصّله.

__________________

(١) النهاية : ٣٠٦.

(٢) الكافي ٥ : ٩٣ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٥ ، تفسير العياشي ١ : ١٥٥ / ٥٢٠ بسند آخر ، الوسائل ١٨ : ٣٣٦ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٣.

(٣) حكاه عن الحلي في المدارك ٥ : ٢٢٥ ، وهو في السرائر ٢ : ٣٥ ، المبسوط ١ : ٢٥١.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، والمختلف : ١٨١ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٢٢٥.

١٤٤

ويمكن دفعه : بأنّ ذلك وإن كان مقتضى النصوص ، إلاّ أنّها لضعفها لا تصلح لإثبات ذلك ، والشهرة الجابرة لها يُدار مَدار حصولها ولم تحصل على اشتراط ذلك كذلك ، بل المتحقّق منها هو اشتراط عدم العلم بصرفه في معصية لا العلم بصرفه في غيرها ، وهو حاصل هنا.

ثم لو سلّمنا كون الشرط هو العلم بصرفه في غيرها كما هو مفاد النصوص ومقتضاها قلنا : إنّ كون الأصل في تصرّفات المسلم الصحة في حكم العلم بذلك بحكم التتبع وشهادة الاستقراء.

هذا ، ورجوع الشيخ في المبسوط إلى المختار يقتضي كونه الآن إجماعيّاً ، ولكن مختاره في النهاية لعلّه أحوط وأولى.

( ويجوز ) للمزكّي ( مقاصّة المستحق ) للزكاة ( بدين ) له ( في ذمته ) بلا خلاف ظاهر مصرّح به في جملة من العبائر (١) ، بل في المدارك عن ظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة أنّه لا خلاف فيه بين العلماء (٢) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها زيادة على ما مضى في بحث جواز تقديم الزكاة قرضاً (٣) الصحيح : عن دَين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال : « نعم » (٤).

وظاهره كغيره أنّ المراد بالمقاصّة هي القصد إلى إسقاط ما في ذمّته‌

__________________

(١) النهاية : ١٨٨ ، جامع المقاصد ٣ : ٣٢ ، الحدائق ١٢ : ١٩٥.

(٢) المدارك ٥ : ٢٢٦.

(٣) راجع ص ٢٣٦١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٨ / ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

١٤٥

من الدين على وجه الزكاة ، وبه صرّح جماعة (١) حاكين عن شيخنا الشهيد الثاني خلافه وهو احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصّة من دينه (٢). وهو بعيد.

وإطلاق العبارة وجملة من النصوص المزبورة بل صريح بعضها المتقدم ثمّة : جواز الاحتساب بها عن الدين في الميّت أيضاً ، ونفى عنه وعن جواز القضاء عنه أيضاً الخلاف في كلام جماعة (٣) ، بل في المدارك : أنّه متّفق عليه بين علمائنا وأكثر العامة (٤).

وهل يشترط في الأداء عنه قصور تركته عن الوفاى بالدين كما عن الشيخ والإسكافي (٥) ، أم لا كما عليه الفاضلان (٦)؟

وجهان ، أحوطهما الأوّل إن لم يكن متعيّناً ؛ للصحيح : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ قال : « إن كان أبوه أورثه مالاً ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاءً عن جميع الميراث ، ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه ، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (٧).

__________________

(١) كصاحب المدارك ٥ : ٢٢٥ ، والمحقق والسبزواري في الكفاية : ٤٠ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ١٩٦.

(٢) الروضة ٢ : ٤٨.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ١٨٨ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٢١.

(٤) المدارك ٥ : ٢٢٧.

(٥) المبسوط ١ : ٢٥١ ، وحكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٨٣.

(٦) المحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، العلاّمة في المختلف : ١٨٣.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٥٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

١٤٦

وبه يضعف العموم المستدل به للثاني.

وأضعف منه الاستدلال عليه بأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً. وهو كما ترى ؛ إذ لا انتقال إلاّ بعد الدين ، لقوله تعالى :

( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (١). ( وكذا لو كان الدين على من يجب ) على المزكّي ( الإنفاق عليه ) من أب وأُمّ ونحوهما ( جاز ) له ( القضاء عنه ) وكذا المقاصة ( حيّاً ) كان أ ( وميّتاً ) بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٢) ، وفي المدارك وغيره (٣) : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب ومتّفق عليه بينهم ، وفيه عن ظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة : أنّه متفق عليه بين العلماء (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى العموم ، وخصوص ما مرّ من الصحيح في الأب الميت ، ولا قائل بالفرق ، والموثّق في الأب الحي (٥).

وبهذه الأدلّة يحمل ما دلّ على أنّه لا يصرف الزكاة في واجبي النفقة على أنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة ، كما يدلّ عليه تعليله بأنّهم عياله لازمون له ، فإنّ قضاء الدين لا يلزم المكلّف بالإنفاق.

( و ) الصنف السابع : ( في سبيل الله ) بالأدلّة الثلاثة : ( وهو كلّ ما كان قربة أو مصلحة ، كالجهاد والحج وبناء ) المساجد ( القناطر ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر على الظاهر المصرّح به في كلام‌

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) الذخيرة : ٤٦٥.

(٣) المدارك ٥ : ٢٢٨ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ١٩٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، المنتهى ١ : ٥٢١ ، التذكرة ١ : ٢٣٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٥٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

١٤٧

جماعة (١) ، وفاقاً للمبسوط والخلاف وابن حمزة والحلّي (٢) ، وابن زهرة (٣) مدّعياً عليه إجماع الطائفة ؛ واستدل عليه بعده بما استدل به سائر الجماعة من أنّ سبيل الله هو الطريق إلى ثوابه ، وما أفاد التقرّب إليه ، قال : وإذا كان كذلك جاز صرف الزكاة فيه.

وزادوا عليه فاستدلوا بالمرسل في تفسيرهم : « أنّهم قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون به ، أو قوم مؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبيل الخير » (٤) وإرساله منجبر بالعمل.

وبأخبار أُخر فيها الصحيح وغيره تتضمّن جواز صرف الزكاة في الحج (٥) ، ولا قائل بالفرق بينه وبين سائر القرب.

وظاهره اعتبار الحاجة فيمن يدفع إليه هذا السهم ليحجّ أو يزور ، كما عليه شيخنا في المسالك والروضة (٦) ، وسبطه لكن مع تأمّل له فيه (٧) ، كالفاضل في التذكرة (٨) ؛ وزاد جدّه فاشترط الفقر.

ولم أعرف وجهه إن أراد به عدم تملّك مئونة السنة ، لعموم الكتاب والسنّة بل ظاهرهما (٩) ، لما مضى قريباً في نظير المسألة. وما دلّ على أنّها‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٣٠ ، الذخيرة : ٤٥٦ ، الحدائق ١٢ : ١٩٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٢ ، الخلاف ٤ : ٢٣٦ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٢٨ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٥٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٤) تقدّم مصدره في ص : ٢٣٨٥ الهامش (٧).

(٥) الوسائل ٩ : ٢٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢.

(٦) المسالك ١ : ٦٠ ، الروضة ٢ : ٤٩.

(٧) المدارك ٥ : ٢٣٢.

(٨) التذكرة ١ : ٢٣٤.

(٩) من حيث العطف المقتضي للتغاير.

١٤٨

لسدّ الخلّة ورفع الحاجة لا يفيد اشتراطه ، بل اشتراط حاجةٍ ما مجامعةٍ لملك مئونة السنة ، وهي هنا عدم تمكّن فاعل القرب منها بدونها مطلقاً ولو كان مالكاً لمئونة السنة بكمالها.

وبالجملة : الظاهر اشتراطه خاصّة لما عرفته ، دون الفقر بالمعنى المشهور ، فيعطى مالك قوت السنة ليحجّ أو يزور مثلاً إذا لم يتمكّن منها بدونها ، وإن كان الترك أحوط وأولى.

( وقيل : يختص ) هذا السهم ( بالمجاهدين ) والقائل المفيد والديلمي والشيخ في النهاية (١) ؛ ولا وجه له بعد عموم الآية ، وصريح المرسلة.

ودعوى اختصاص الآية بهم بحكم التبادر ممنوعة ، كدعوى ضعف سند المرسلة ، لانجبارها بالشهرة زيادة على ما عرفته من الأدلّة.

نعم ، في بعض النصوص الواردة في الوصية الأمر بإخراج ما اوصي به في سبيل الله فيهم (٢). لكن لا دلالة فيه صريحة بل ولا ظاهرة ، مع احتماله الحمل على التقيّة ، فقد حكي القول بتفسير السبيل بهم عن أكثر العامة ومنهم أبو حنيفة (٣) ، مع إشعار سياق الرواية به كما لا يخفى على من راجعه وتدبّره.

( و ) الصنف الثامن : ( ابن السبيل ) بالأدلّة الثلاثة ( وهو المنقطع به ) في غير بلده ، فيأخذ ما يبلغه بلده ( وإن كان غنيّاً في بلده ) إذا كان‌

__________________

(١) المقنعة : ٢٤١ ، المراسم : ١٣٣ ، النهاية : ١٨٤.

(٢) الكافي ٧ : ١٤ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ / ٥١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ / ٨٠٥ ، الإستبصار ٤ : ١٢٨ / ٤٨٥ ، الوسائل ١٩ : ٣٤١ كتاب الوصايا ب ٣٣ ح ٤.

(٣) حكاه عنهم في المعتبر ٢ : ٥٧٧.

١٤٩

بحيث يعجز التصرف في أمواله ببيع ونحوه على الأظهر وفاقاً للأكثر ، أو مطلقاً كما عن الماتن في المعتبر (١) ، ووافقه بعض من تأخّر (٢) في الاستدانة فلم يعتبر العجز عنها خاصّة ، عملاً بعموم الآية.

ويضعّف بما مرّ مراراً ، وسلّمه في مواضع أيضاً من أنّ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّة ورفع الحاجة ، ولا حاجة مع التمكن من الاستدانة.

وبنحو هذا يجاب عن إطلاق المرسلة أو عمومها ، حيث فسّرته بأبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله ويقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات (٣).

( و ) ألحق به جماعة (٤) ( الضيف ) والإسكافي المنشئ للسفر الواجب أو الندب (٥).

ولا ريب في ضعف الثاني ، مع ندوره ومخالفته لظاهر اللفظ ، وخصوص ما مرّ من المرسل المنجبر هنا بالعمل.

وأمّا الأوّل فحسن إن كان مسافراً محتاجاً إلى الضيافة ، لأنّه حينئذٍ داخل في ابن السبيل ، كما صرّح به الفاضل في المختلف وغيره (٦) ، والفرق بينهما حينئذٍ ما نقل عن بعض الفضلاء أنّ الضيف نزيل عليك بخلاف ابن السبيل (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٨.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ٢٣٦.

(٣) تقدّم مصدرها في ص ٢٣٨٥ الهامش (٧).

(٤) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٥٧٨ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٢٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٦٥.

(٥) حكاه عنه في المنتهى ١ : ٥٢٢.

(٦) المختلف : ١٨٢ ؛ وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ١٦٦ ، والذخيرة : ٤٥٧.

(٧) حكاه في التنقيح ١ : ٣٢٢ أيضاً عن بعض الفضلاء.

١٥٠

ويشكل إن ابقي على إطلاقه ، لعدم وضوح مأخذه عدا رواية مرسلة رواها من القدماء جماعة كالشيخين وابن زهرة (١).

وإرسالها يمنع عن العمل بها ، سيّما وأنّ ظاهر هؤلاء النقلة لها عدم العمل بها وتركها ، والمفيد أرجعها إلى المختار ، فقال بعد قوله : وقد جاءت أنّهم الأضياف يراد بهم من أُضيف لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى أو يسار ـ : وذلك راجع إلى ما قدّمناه ؛ وأشار به إلى ما فسرّ به أوّلاً من أنّهم هم المنقطع بهم في الأسفار.

( ولو كان سفرهما معصية مُنِعا ) من هذا السهم بلا خلاف بين العلماء كما قيل (٢) ؛ لما في ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان ، وللمرسلة المتقدمة.

لكن ظاهرها اعتبار كون السفر طاعة كما عن الإسكافي (٣) ، وباقي الأصحاب على خلافه فاكتفوا بالمباح ، لعموم الآية ، وضعف سند المرسلة ، مع عدم جابر لها في المسألة ، مع أنّها ليست بتلك الصراحة ، لشيوع استعمال الطاعة فيما قابل المعصية ، بل ظاهر المختلف كون صدقها على المباح على الحقيقة (٤) ، لكنه ضعيف غايته كما صرّح به ممن تأخّر عنه جماعة (٥).

( وأمّا الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين ) بل وغيرهم على‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٤١ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٥٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، الوسائل ٩ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٩.

(٢) المدارك ٥ : ٢٣٦.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

(٤) المختلف : ١٨٢.

(٥) كصاحبي المدارك ٥ : ٢٣٦ والذخيرة : ٤٥٧.

١٥١

تفصيلٍ يأتي ( فأربعة ).

الأوّل : ( الإيمان ) بالمعنى الخاص وهو الإسلام مع المعرفة بالأئمة عليهم‌السلام الاثني عشر سلام الله تعالى عليهم.

واعتباره فيمن عدا المؤلّفة مجمع عليه بين الطائفة على المقطوع به المصرّح في كلام جماعة حدّ الاستفاضة ، كالإنتصار والغنية والمنتهى والمدارك وغيرهما من كتب الجماعة (١) ، والصحاح به وغيرها مستفيضة بل متواترة ، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

( فلا يعطى كافر ) وهو مجمع عليه بين العلماء كافّةً إلاّ النادر من العامّة كما في المنتهى (٢).

( ولا مسلم غير محقّ ) في الإمامة ، بإجماعنا والمتواتر من أخبارنا كما عرفته.

( وفي صرفها إلى المستضعفين ) من أهل الخلاف الذين لا يعاندون في الحق ( مع عدم العارف ) بالإمامة ( تردّد ) للماتن هنا أوّلاً.

ولعلّه من عموم الأدلّة المتقدمة بأنّها لأهل الولاية ومنع غيرهم عنها (٣) ، حتى أنّ في بعضها : « إن لم تكن تُصِب لها أحداً أي من أهل الولاية فصُرّها صراراً واطرحها في البحر ، فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا ».

قال في المنتهى : وهذا نصّ في تحريم إعطائهم مع فقد المستحق ،

__________________

(١) الانتصار : ٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٦ ، المنتهى ١ : ٥٢٢ ، المدارك ٥ : ٢٣٦ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٢٠٨ ، والذخيرة : ٤٥٧.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ، وص ٢٤٧ ب ١٦.

١٥٢

وأمّا الأمر بالطرح في البحر فيحتمل أن يكون مع التيقن بفقد المستحق دائماً وإنّما الأصل حفظها إلى أن يوجد المستحق (١).

ومن ورود بعض النصوص بالجواز ، وفيه : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال : « يضعها في إخوانه وأهل ولايته » فقلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال : « يبعث بها إليهم » قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ قال : « يدفعها إلى من لا ينصب » قلت : فغيرهم؟ فقال : « ما لغيرهم إلاّ الحجر » (٢).

وأجاب عنه في المعتبر بضعف السند (٣) ، وفي المنتهى بالشذوذ (٤) ، مشعراً بدعوى الإجماع على خلافه وإن حكى القول به في عنوان المسألة ، ومع ذلك فلم يُعرِب عن قائله أنّه من هو؟

وعلى هذا فلا ريب أنّ ( أشبهه المنع ) بل ولا وقع للتردّد في مثله ، لعدم مقاومة دليل الجواز مع ما عليه مما عرفته لمقابله من وجوه عديدة ، وإن تأيّد بما دلّ على الجواز في زكاة الفطرة من المعتبرة المستفيضة ، لمعارضتها بمثلها بل وأجود ، مضافاً إلى ما سيأتي فيها.

( وكذا ) الكلام ( في ) زكاة ( الفطرة ) فلا تُعطى غير المؤمن مطلقاً على الأشهر الأقوى ، بل عليه في الانتصار والغنية إجماعنا (٥) ؛ لعموم الأدلّة المتقدمة ، وصريح الصحيح : عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٦ / ١٢١ ، الوسائل ٩ : ٢٢٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٥) الانتصار : ٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ٥٦٩.

١٥٣

قال : « لا ، ولا زكاة الفطرة » (١).

وفي معناه خبران آخران روي أحدهما عن العيون وفيه : « لا يجوز دفعها إلاّ إلى أهل الولاية » (٢).

وفي الآخر : « لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلاّ مؤمناً » (٣).

وأُشير بالزكاة فيهما إلى خصوص زكاة الفطرة المفروضة فيهما سؤالاً في أحدهما وجواباً في ثانيهما.

خلافاً للمحكي في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط وموضع من الخلاف خاصة (٤) ، فجوّز الدفع إلى المستضعف مع عدم وجود المؤمن المستحق ، وعزاه في المدارك والذخيرة إليه ومن تبعه (٥) ، ولم أعرف وجهه ، مع أنّه في المختلف حكى عنه المختار في الاقتصاد أيضاً (٦) ، فله قولان.

ويدلّ على قوله هذا : النصوص المستفيضة ، وهي ما بين مطلقٍ في جواز إعطائهم كالصحيح : أيصلح أن تُعطي الجيران والظؤورة (٧) ممن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً » (٨).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٢ / ١٣٧ ، الوسائل ٩ : ٢٢١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ١.

(٢) العيون ٢ : ١٢٠ / ١ ، الوسائل ٩ : ٣٥٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٧ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧٠ ، الوسائل ٩ : ٣٥٨ أبواب زكاة الفطرة ب ١٤ ح ٢.

(٤) المختلف : ٢٠١ ، النهاية : ١٩٢ ، المبسوط ١ : ٢٤٢ ، لم نعثر عليه في الخلاف وحكاه عنه في المختلف : ٢٠١.

(٥) المدارك ٥ : ٢٣٩ ، الذخيرة : ٤٧٠.

(٦) المختلف : ٢٠١ ، الاقتصاد : ٢٨٥.

(٧) الظؤورة : جمع ظِئر وهي المرضعة. مجمع البحرين ٣ : ٣٨٦.

(٨) الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥٠٧ ، الوسائل ٩ : ٣٦١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٦.

١٥٤

والموثّق (١) وغيره (٢) : أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ فقال : « نعم ، الجيران أحقّ بها ، لمكان الشهرة ».

والمكاتبة المضمرة : « تقسم الفطرة على من حضر ، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقاً » (٣).

وبين مقيّدٍ له بعدم وجود المؤمن كالموثّق : « هي لأهلها إلاّ أن لا تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا ينقل من أرض إلى أرض » (٤).

والخبر : « تعطيها المسلمين ، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً » (٥).

وبهما يقيّد ما سبقهما.

وهو حسن إن صلح الجميع لمقاوَمة ما قدّمناه ، وليست بمقاومة لها من وجوه شتّى ، منها : اعتضادها بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية ، والموافقة للعمومات الكثيرة القريبة من التواتر ، بل المتواترة المعلّلة بعلل تجعلها كالصريحة.

ولا كذلك هذه ، فإنّها بطرف الضدّ من المرجّحات المزبورة ؛ مع أنّ المطلقة منها مع قصور سند أكثرها وضعف جملة منها لا عمل على إطلاقها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٤ / ١٩ ، التهذيب ٤ : ٨٨ / ٢٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٥١ / ١٧٢ ، علل الشرائع : ٣٩١ / ١ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٩ / ٢٦٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٢ / ١٧٥ ، الوسائل ٩ : ٣٦١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٨ / ٢٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧١ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٨ / ٢٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٣ / ١٨ ، التهذيب ٤ : ٨٧ / ٢٥٥ ، الوسائل ٩ : ٣٥٩ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ١.

١٥٥

إجماعاً.

والمقيّدة الضعيف منها سنداً ليس بحجّة ، سيّما مع ضعف دلالته بعدم التصريح فيه بكون المستضعف فيه من العامّة فيحتمل المجانين والبُله من الشيعة ، كما صرّح به في المختلف قال : لأنّه عليه‌السلام قال : وإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً ، ولا خلاف في أنّ غير المسلم لا يعطى سواءً كان مستضعفاً أم لا ، فلا محمل للحديث سوى حمله على المجانين والبُله (١).

والموثّق منها وإن كان حجّة على المختار إلاّ أنّه لم يبلغ قوة المعارضة لما قدّمناه من الأدلّة ، مضافاً إلى أنّ ظاهره المنع من نقلها من أرض مع عدم وجود المستحق ، وهو خلاف الإجماع فتوًى وروايةً ، بل ظاهرهما أنّ المتمكّن من بعثها من بلدة إلى أُخرى واجد لمستحقها ، وحينئذٍ فيكون الموثق من جملة ما دلّ على جواز الدفع إلى المستضعف مع وجود المستحق ولو في الجملة.

هذا مع إمكان حملها على الاتّقاء ، كما يستفاد من قرائن في جملة منها ، كتضمّن بعضها قوله : « لمكان الشهرة » وكون بعضها مكاتبة ، وراوي الصحيح منها علي بن يقطين الذي كان وزير الخليفة ، والمروي عنه فيه مولانا موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، والتقيّة كانت في زمانهما شديدة غاية الشدة.

( ويجوز أن تُعطى أطفال المؤمنين ) بغير خلاف فيه بيننا أجده ، وبه صرّح جماعة (٢) ، وفي المدارك : أنّه مجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة (٣) ؛ والنصوص به مع ذلك مستفيضة (٤).

__________________

(١) المختلف : ٢٠١.

(٢) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٥٨ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢٠٧.

(٣) المدارك ٥ : ٢٤٠.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٢٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦.

١٥٦

وإطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق فيهم بين ما لو كان آباؤهم فُسّاقاً أم لا ، وبه صرّح الحلّي في السرائر والفاضل في المنتهى بعد أن حكاه عن الشيخ في التبيان والمرتضى (١) ، وتبعهم المتأخّرون ومنهم الشهيدان في اللمعة وشرحها (٢) وفيه الإجماع عليه وعلى جواز الإعطاء.

فلا ريب فيه وإن اشترط العدالة في الآباء ، مضافاً إلى الإطلاقات العامة ، مع اختصاص ما دلّ على اشتراطها بالآباء ، ولا دليل على تبعيّتهم لهم هنا ، وإنّما هو في تبعيّتهم لهم في الإيمان والكفر لا غيرهما ، وبذلك صرّح في المنتهى (٣).

ومن التبعية في الكفر يظهر عدم جواز إعطاء أطفال غير المؤمنين ، كما هو ظاهر العبارة وغيرها ، بلا خلاف فيه أيضاً أجده.

ثم ظاهر النصوص جواز الدفع إليهم من غير اشتراط وليّ ، كما صرّح به من متأخّري المتأخّرين جماعة من الفضلاء (٤) إذا كانوا بحيث يصرفوها في وجه يسوغ للولي صرفها فيه ، وحكي عن الفاضل في المنتهى (٥).

خلافاً له في التذكرة فمنع عن الدفع إليهم مطلقاً ، مستدلاً عليه بأنّه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا ، ثم قال : ولا فرق بين أن يكون يتيماً أو غيره ، فإنّ الدفع إلى الولي ، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله. انتهى (٦).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٠ ، المنتهى ١ : ٥٢٣ ، وحكي فيهما عن التبيان وطبريّان المرتضى ، ولم نعثر عليه فيهما.

(٢) الروضة ٢ : ٥٠.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) كصاحب المدارك ٥ : ٢٤١ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٥٨.

(٥) المنتهى ١ : ٥٢٦.

(٦) التذكرة ١ : ٢٣٦.

١٥٧

وهو أحوط وأولى ، خروجاً عن شبهة شمول عموم أدلّة الحجر عليهم لمسألتنا ، وضعف دلالة الإطلاقات الواردة فيها ، بقوّة احتمال كون المراد من الدفع فيها هو صرفها فيهم بطريق شرعي ، مع أنّه مراد منها بالإضافة إلى الصغار قطعاً ، وليس فيها التقييد بغيرهم أصلاً.

قيل : وحكم المجنون حكم الطفل ، أما السفيه فإنّه يجوز الدفع إليه وإن تعلّق به الحجر بعده. انتهى (١). ولا بأس به.

( ولو أعطى مخالف ) في الحق زكاته ( فريقه ) (٢) ( ثم استبصر ) وصار محقّاً عارفاً ( أعاد ) ها إجماعاً فتوًى ونصّاً.

ففي الصحيح : « كلّ عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله تعالى عليه وعرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنّه يعيدها ، لأنّه وضعها في غير موضعها ، لأنّها لأهل الولاية » (٣) ونحوه آخران (٤).

الثاني : ( العدالة ، وقد اعتبرها قوم ) من القدماء ، كالمفيد والشيخ والحلبي وابن حمزة والحلّي والقاضي والسيدين مدّعيَين عليه إجماعنا (٥) ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٤٢.

(٢) في المختصر المطبوع : فريضة.

(٣) التهذيب ٥ : ٩ / ٢٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ / ٤٧٢ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ١.

(٤) الأوّل : الكافي ٣ : ٥٤٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ / ١٤٣ ، علل الشرائع : ٣٧٣ / ١ ، الوسائل ٩ : ٢١٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢. الثاني : الكافي ٣ : ٥٤٦ / ٥ ، الوسائل ٩ : ٢١٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٣.

(٥) المقنعة : ٢٤٢ ، الاقتصاد : ٢٨٢ ، المبسوط ١ : ٢٥١ ، الكافي في الفقه : ١٧٢ ، الوسيلة : ١٢٩ ، السرائر ١ : ٤٥٨ ، المهذب ١ : ١٦٩ ، الانتصار : ٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

١٥٨

وعزاه في الخلاف إلى ظاهر مذهب أصحابنا (١) ، وهو مشعر به أو بالشهرة العظيمة بين القدماء.

ولا ريب فيها ، بل لم نَرَ لهم مخالفاً لم يعتبر العدالة مطلقاً صريحاً بل ولا ظاهراً عدا ما يُحكى عن ظاهر الصدوقين والديلمي (٢) ، حيث لم يذكروها في الشروط.

وهو كما ترى ليس فيه الظهور المعتدّ به ، سيّما وأن يقدح به في الإجماع المنقول ، فقد يحتمل اكتفاؤهم عنها بذكر الإيمان بناءً على احتمال اعتبار العمل فيه عندهم ، كما يعزى إلى غيرهم من القدماء.

نعم أكثر المتأخّرين على عدم اعتبارها مطلقاً (٣) ، وحكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامّة العمياء (٤) ؛ للأصل والعمومات كتاباً وسنّةً.

وهو كما ترى ؛ لوجوب تخصيصهما بما مرّ من الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة بين القدماء القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة في اعتبار مجانبة الكبائر ، إذ لا خلاف بينهم أجده ، وبه تشعر العبارة هنا وفي الشرائع (٥) ، حيث لم ينقل فيهما قولاً بعدم اعتبارها مطلقاً ، بل اعتبارها في الجملة أو مطلقاً.

( و ) كيف كان ( هو ) أي اعتبارها مطلقاً ( أحوط ) تحصيلاً‌

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٢٢٤.

(٢) حكاه عنهم في المختلف : ١٨٢.

(٣) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٥٨٠ ، والعلاّمة في المختلف : ١٨٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٤٤.

(٤) الخلاف ٤ : ٢٢٤.

(٥) الشرائع ١ : ١٦٣.

١٥٩

للبراءة اليقينيّة ، وخروجاً عن الشبهة ، بل لا يبعد المصير إلى تعيّنه لما عرفته ، وقد ذهب إليه من المتأخّرين الشهيد في اللمعة (١).

والشهرة المتأخّرة ليست بتلك الشهرة التي تقوّي العمومات وتصونها عن قبولها التخصيص بما عرفته من الإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة القديمة القطعيّة ، بل إجماعهم ولو في الجملة كما عرفته.

هذا مضافاً إلى اعتضاده ولو في الجملة بالمضمر : عن شارب الخمر يُعطى من الزكاة شيئاً؟ قال : « لا » (٢).

ولو لا إضماره لكان حجّة مستقلّة وإن ضعف سنده بغيره ودلالته بأخصّيته من المدّعى ، لاختصاصه بشارب الخمر فلا يكون عامّاً ؛ لانجبار الأوّل بالشهرة والإجماعات المنقولة ، والثاني بعدم قائل بالفرق بين هذه الكبيرة وغيرها من الكبائر ، على الظاهر المصرّح به في المنتهى (٣).

( و ) لولا أنّه ( اقتصر آخرون ) كالإسكافي (٤) ( على ) اعتبار ( مجانبة الكبائر ) خاصّة ، لأمكن الاستدلال بالرواية على تمام ما اشتهر بين قدماء الطائفة ، هذا.

ويمكن إرجاع هذا القول إلى مختارهم بما ذكره شيخنا في الروضة ، حيث قال : الصغائر إن أصرّ عليها لحقت بالكبائر ، وإلاّ لم يوجب فسقاً ، والمروّة غير معتبرة في العدالة هنا على ما صرّح به المصنف في شرح‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٥ ، التهذيب ٤ : ٥٢ / ١٣٨ ، المقنعة : ٢٤٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

١٦٠