رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

الصغير.

ويشكل بإخراج ما صار ملكه إلى غيره ، مع عدم دليل عليه إلاّ ما ادّعى من إطلاق النص ، وقد عرفت ما فيه ، ومن ثبوت مثله في الزكاة ، وهو على تقديره قياس لا نقول به.

( الثاني : في ) بيان ( قدرها وجنسها )

اعلم : أنّ ( الضابط ) في الجنس ( ما كان قوتاً غالباً ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ) وفاقاً للشيخين والسيدين والحلّي والفاضلين والشهيدين وغيرهم (١) ، وفي الدروس الأكثر (٢) ، وفي غيره الأشهر (٣) ، وفي المنتهى : أنّه مذهب علمائنا (٤) ، وكذا عن الشهيد والماتن في المعتبر (٥).

وهو الأظهر ؛ للنصوص منها الصحيح : « الفطرة على كلّ قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره » (٦).

والمرسل : « الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً ، فعليه أن يؤدّي من ذلك‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٢٥٠ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤١ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٨٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المحلّي في السرائر ١ : ٤٦٨ ، المحقق في الشرائع ١ : ١٧٤ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣٦ ، الشهيد الأوّل في اللمعة ( الروضة البهية ٢ ) : ٥٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٥ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٢٨٢.

(٢) الدروس ١ : ٢٥١.

(٣) كما في الحدائق ١٢ : ٢٨٢.

(٤) المنتهى ١ : ٥٣٦.

(٥) حكاه عن الشهيد في الحدائق ١٢ : ٢٧٩ ، المعتبر ٢ : ٦٠٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٨ / ٢٢١ ، الإستبصار ٢ : ٤٣ / ١٣٧ ، الوسائل ٩ : ٣٤٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ١.

٢٠١

القوت » (١).

وضعف السند مجبور بالعمل والاعتضاد باختلاف الصحاح المستفيضة وغيرها في ذكر الأجناس المزبورة نقيصة وزيادة ، ففي الصحيحين (٢) وغيرهما (٣) الاقتصار على الأربعة الزكوية ، وفي الصحيح الاقتصار على ما عدا الشعير منها (٤) ، وفي آخَر على ما عدا الحنطة مبدلاً عنها بالذرّة (٥) ، وفي آخَرين على ما عدا الزبيب (٦) ، وفي آخر على ما عدا الحنطة منها وتبديلها بالأقط (٧) ، وفي الصحيح : « يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعاً » (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٣ / ١٤ ، التهذيب ٤ : ٧٨ / ٢٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٦ ، الوسائل ٩ : ٣٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٤.

(٢) الأوّل : الكافي ٤ : ١٧١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٢ ، التهذيب ٤ : ٨ / ٢٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ / ١٤٨ ، الوسائل ٩ : ٣٣٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١. الثاني : التهذيب ٤ : ٧٥ / ٢١٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١١.

(٣) التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦١ ، علل الشرائع : ٣٩١ / ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٧١ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١١٤ / ٤٩١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ / ١٤٩ ، الوسائل ٩ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٢ / ٢٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٤٨ / ١٥٨ ، علل الشرائع : ٣٩ / ١ ، الوسائل ٩ : ٣٣٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٠.

(٦) الأوّل : التهذيب ٤ : ٧٦ / ٢١٥ ، الإستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٧ ، الوسائل ٩ : ٣٣٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٤. الثاني : التهذيب ٨٥ / ٢٤٦ ، الوسائل ٩ : ٣٣٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٧٥ / ٢١١ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٥ ، الوسائل ٩ : ٣٣٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١١.

(٨) التهذيب ٤ : ٨٠ / ٢٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ / ١٥١ ، الوسائل ٩ : ٣٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٢.

٢٠٢

وفي الخبر : « صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سُلت » (١) إلى غير ذلك من الاختلافات ، وليس ذلك إلاّ لورودها باختلاف العادات.

ويومئ إليه زيادةً على ما مرّ : الخبر : « صاع من قوت بلدك ، على أهل مكة واليمن والطائف تمر » إلى أن قال : « وعلى أهل طبرستان الأرز » (٢).

وقول القاضي بتعيّن ما فيه (٣) ضعيف ؛ لضعف سنده ، وقوة احتمال كون المراد به التمثيل أو الفضيلة.

وهو نصّ في كون المعتبر غالب قوت القُطر والبلد لا المُخِرج ، كما هو ظاهر الأصحاب حتى الحلّي ، فإنّ صدر عبارته وإنّ أوهم اعتبار الغلبة في المُخرِج كما عَزا إليه في المفاتيح (٤) ، إلا انّ ذيلها كالصريح في خلافه ، لقوله : ومن عدم الأقوات الغالبة على بلده أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة القوت ذهباً أو فضة لم يكن به بأس (٥).

وصرّح جماعة من المتأخّرين بإجزاء الأجناس السبعة وإن لم يغلب على قوت المُخرج ، ومنهم الفاضل في المنتهى نافياً الخلاف عنه بين علمائنا (٦) ، وفي الخلاف الإجماع على إجزائها بقول مطلق (٧) ، فيشمل ما‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨٢ / ٢٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٤٣ / ١٣٩ ، الوسائل ٩ : ٣٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٢.

(٣) كما في المهذب ١ : ١٧٤.

(٤) المفاتيح ١ : ٢١٧.

(٥) السرائر ١ : ٤٦٨.

(٦) المنتهى ١ : ٥٣٦.

(٧) الخلاف ٢ : ١٥٠.

٢٠٣

نحن فيه.

وعليه فلا إشكال في صرف الخبرين المتقدمين الظاهرين في اعتبار الغلبة على قوت المُخرج عن ظاهره ، بحملهما على الغالب من توافق غالب قوت المُخرِج مع غالب قوت أهل بلده أو الفضيلة ، كما يأتي.

ثم في الخلاف : لا دليل على إجزاء ما عدا السبعة. وفيه ما عرفته ، فهو ضعيف.

وأضعف منه القول بالحصر في الأجناس الأربعة ، كما عن الصدوقين والعماني (١) ، أو بزيادة الأقط كما عليه بعض المتأخرين (٢) ، ويميل إليه آخر منهم لكن بزيادة الذرّة (٣) ، لحصة الرواية المتضمنة له.

وفيه : أنّ الحجة غير منحصرة في الرواية الصحيحة ، بل الضعيفة حجّة أيضاً بعد انجبارها بالشهرة الظاهرة والمحكية ، مضافاً إلى الإجماعات المنقولة.

هذا ، مع أنّه يشبه أن يكون قولهما خرقاً للإجماع المركب بل البسيط ، إذ الظاهر أنّ مراد مَن عدا الأكثر ليس الحصر بل التمثيل ، ولعلّه لذا يظهر من المختلف عدم قطعه بمخالفة الصدوقين ، حيث قال : فإن أراد بذلك الحصر فهو ممنوع (٤).

( وأفضل ما يخرج : التمر ، ثم الزبيب ، ويليه ما يغلب على قوت بلده ) وفاقاً لكثير ، ومنهم الشيخان والحلّي والقاضي في الكامل (٥) ، لكن لم‌

__________________

(١) نقله عنهم في المختلف : ١٩٧ ؛ وانظر المقنع : ٦٦.

(٢) المدارك ٥ : ٣٣٣.

(٣) الذخيرة : ٤٧٠.

(٤) المختلف : ١٩٧.

(٥) المفيد في المقنعة : ٢٥١ ، الطوسي في المبسوط ٢١ : ٢٤٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٦٨ ، نقله عن القاضي في المختلف : ١٩٧.

٢٠٤

يذكروا الأخير.

ولم أقف لهم على مستند على هذا الترتيب ، ولعلّهم أخذوه من الجمع بين النصوص المستفيضة الدالة على أفضليّة التمر ومنها الصحيح ، معلّلاً بأنّه أسرع منفعة ، وذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكله (١) ؛ وبين الرواية الأخيرة المتقدمة المعيّنة على أهل كلّ قُطر ما يقتاتونه ، المحمولة على الاستحباب دون الوجوب بالإجماع ، كما في المدارك (٢) ، بحملها على تفاوت مراتب الفضيلة.

وإنّما جعلوا التمر أفضل لكثرة النصوص الدالة عليه المعتضدة بالشهرة العظيمة ، التي لا يكاد يظهر فيها مخالف بالكلية ، عدا الديلمي ، فجعل الأفضل من الأجناس أعلاها قيمة وجعل أفضليّة التمر رواية (٣) ؛ والخلاف ، فجعل الغالب على قوت البلد مستحبّاً (٤).

وهما مع عدم معلوميّة مخالفتهما لا دليل على أولهما ، والرواية المتقدمة التي هي المستند لثانيهما ظاهراً لا تكافئ النصوص المعارضة من وجوه شتّى ؛ ولعلّ هذا هو العذر للأكثر لجعل هذا آخر المراتب وأدناها.

وإنّما جعلوا الزبيب بين المرتبتين لأضعفيّته من التمر ، لعدم استفاضة النصوص به ، بل وعدم ورود نصّ صريح فيه. وكونه أقوى من تاليه لاستفادته من العلّة في الصحيح الماضي دون تاليه ، لضعف النصّ الوارد به ، مع شذوذه بظهوره في الوجوب الذي لا يقولون به.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١١٧ / ٥٠٥ ، التهذيب ٤ : ٨٥ / ٢٤٨ ، علل الشرائع : ٣٩٠ / ١ ، الوسائل ٩ : ٣٥١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠ ح ٨.

(٢) المدارك ٥ : ٣٣٨.

(٣) المراسم : ١٣٥.

(٤) الخلاف ٢ : ١٥٠.

٢٠٥

واقتصر جماعة (١) على التمر اقتصاراً على المستفيضة (٢). وهو ضعيف ، لاستفادة الزبيب من الصحيح منها ، وظاهره وإن أفهم التساوي كما عن القاضي في المهذب (٣) ، إلاّ أنّ ما قدمناه لعلّه كافٍ لإثبات مرجوحيّته.

هذا ما يتعلّق بجنس الفطرة.

( و ) أمّا قدرها فـ ( هي من جميع الأجناس صاع ، وهو تسعة أرطال بالعراقي ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في عبائر جماعة (٤) ؛ والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٥) كغيرها من المعتبرة.

وما دلّ منها على نصف صاع من الحنطة (٦) فمع شذوذها محمولة على التقية ، كما صرّح به جماعة (٧) ، ودلّت عليه المعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ، وفي جملة منها أنّه من بِدَع عثمان (٨) ، وفي اخرى معاوية (٩).

__________________

(١) حكاه عن ابني بابويه وابن أبي عقيل في المختلف : ١٩٧ ؛ وراجع المقنع : ٦٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٤٩ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠.

(٣) المهذب ١ : ١٧٥.

(٤) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١٥٦ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٨١ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣٤٠.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٥ / ٢١٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١١.

(٧) منهم الشيخ في الاستبصار ٢ : ٤٨ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣٧ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣٤٠.

(٨) التهذيب ٤ : ٨٢ / ٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٤٨ / ١٥٧ ، الوسائل ٩ : ٣٣٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٩.

(٩) التهذيب ٤ : ٨٢ / ٢٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٤٨ / ١٥٨ ، علل الشرائع : ٣٩٠ / ١ ، الوسائل ٩ : ٣٣٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٠.

٢٠٦

( و ) يجزي ( من اللبن أربعة أرطال ) كما هنا وفي الشرائع والقواعد والسرائر (١) ، وحكاه في المختلف عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار وابن حمزة (٢) ، وعزاه ولده في الإيضاح إلى الشيخ والحلّي وكثير من الأصحاب (٣) ؛ للخبر : عن رجل من أهل البادية لا يمكنه الفطرة ، قال : « يتصدّق بأربعة أرطال من لبن » (٤).

وضعف سنده يمنع عن العمل به ، فلا يعارض به استصحاب شغل الذمّة المعتضد بعموم جملة من النصوص الدالة على أنّ الفطرة صاع مطلقاً ، كالخبر : « يخرج عن كلّ شي‌ء التمر والبرّ وغيره صاع » قال الراوي : وليس عندنا بعد جوابه عليّاً (٥) في ذلك اختلاف (٦).

وفي آخر : « تخرج عن نفسك صاعاً النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن عيالك أيضاً » (٧).

وفحوى الصحيح المتقدم (٨) ونحوه المتضمّن للصاع في الأقط ، فإنّ اعتباره فيه مع زيادة جوهريّة يستلزم اعتباره في اللبن بطريق أولى ، لكثرة‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٧٤ ، القواعد : ٦١ ، السرائر ١ : ٤٦٩.

(٢) المختلف : ١٩٨ ، النهاية : ١٩١ ، التهذيب ٤ : ٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣١.

(٣) الإيضاح ١ : ٢١٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٣ / ١٥ ، التهذيب ٤ : ٨٤ / ٢٤٥ ، الإستبصار ٢ : ٥ / ١٦٥ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٣.

(٥) يعني ابن مهزيار.

(٦) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٣ ، الوسائل ٩ : ٣٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٨٧ / ٢٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧٠ ، الوسائل ٩ : ٣٣٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٦.

(٨) في ص ٢٤٣٣.

٢٠٧

مائيّته. وبهذه الأولوية صرّح الفاضل في المختلف وغيره (١) ، مع أنّ الظاهر من الشيخ في كتاب الحديث عدم الفرق بينهما.

هذا ، مع أن الرواية في الرطل مطلقة ( و ) قد ( فسّره قوم ) من هؤلاء ( بالمدني ) كالشيخ والحلّي وابن حمزة فيما حكاه عنه فخر الدين (٢) ، وعزاه في المدارك إلى الشيخ ومن تبعه (٣).

ولا دليل لهم عليه مع انصرافه بحكم التتبع للأخبار وغيره إلى العراقي ولذا في القواعد أفتى به (٤).

نعم ، في الصحيح : كتبت إلى الرجل أسأله عن الرجل كم يؤدّي؟ فقال : « أربعة أرطال بالمدني » (٥).

لكنّه بإطلاقه شاذّ لم يقولوا به ، ولعلّه لذا ضعّفه الماتن في المعتبر (٦) ، وأشار إليه في المدارك فقال بعد نقله : فكأنّ الوجه في ذلك إطباق الأصحاب على ترك العمل بظاهرها ، وإلاّ فهي معتبرة الإسناد. انتهى (٧).

واحتمل الشيخ في كتاب الحديث حمل هذا على أنّ المراد أربعة أمداد ، فوقع التصحيف من الراوي (٨).

__________________

(١) المختلف : ١٩٨.

(٢) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٤١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٦٩ ، وحكي عن ابن حمزة في الإيضاح ١ : ٢١٤.

(٣) المدارك ٥ : ٣٤٢.

(٤) القواعد : ٦١.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٤ / ٢٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٤ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٠٨.

(٧) المدارك ٥ : ٣٤٣.

(٨) التهذيب ٤ : ٨٤.

٢٠٨

أقول : وهذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً. ويحتمل فيه زيادة عليه الحمل على الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده ، على ما في المختلف وغيره (١).

ولا بأس به في مقام الجمع ، وإلاّ فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية ، وهو غير عدم التمكّن من جهة الفقر والفاقة.

وكيف كان ، فالظاهر ضعف هذا القول ومساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه ، وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء ، كالمفيد والمرتضى والإسكافي والقاضي والحلبي والشيخ في الخلاف وابن زهرة العلوي (٢) ، وبه صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد ، وقد رجع عنه في المختلف (٣) ، ولعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ (٤).

ولا يخلو عن مناقشة ؛ لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه ، وسيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلاّ بعد قطعيّته ، وقد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير ، ومع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (٥) ، بل يحتمل كونها من كلامه ، ورواها أيضاً في الخلاف (٦) بسند لا بأس به‌

__________________

(١) المختلف : ١٩٨ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٢٩٥.

(٢) المفيد في المقنعة : ٢٥٠ ، المرتضى في الجمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٨٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٩٨ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٢ ، الشيخ في الخلاف ٢ : ١٥٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٣) القواعد : ٦١ ، المختلف : ١٩٨.

(٤) المفاتيح ١ : ٢١٩.

(٥) النهاية : ١٩١.

(٦) الخلاف ٢ : ١٥٠.

٢٠٩

غير الرفع الممكن جبره بما مرّ ، مضافاً إلى الأصل السالم عن المعارض عدا ما مرّ من العموم والفحوى ، وهي لا تخلو عن مناقشة ، والأوّل في سند ما دلّ عليه قصور (١).

فلولا الشهرة العظيمة المتأخّرة القريبة من الإجماع بل لعلّها إجماع في الحقيقة الجابرة له المعتضدة بالفحوى المتقدمة لكان المصير إلى هذا القول لا يخلو عن قوة ، سيّما ومخالفة مَن مرّ من القدماء صريحاً غير معلومةٍ ، سيّما ونحو ابن زهرة لم يذكر اللبن في الغنية.

وكيف كان ، لا ريب أنّ خيرة المتأخّرين أقرب إلى الاحتياط ولزوم تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة ، فلا معدل عنه ولا مندوحة.

واعلم : أنّه تجزي القيمة من الأجناس المزبورة ولو مع وجودها ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر ، ومنها صريح الغنية وظاهر السرائر (٢) ؛ وللصحاح المستفيضة ، وفي أكثرها بلفظ الدرهم والفضة (٣) ، وفي الموثق : « إنّ ذلك أنفع له ، يشتري ما يريد » (٤).

وصرّح الشيخ في المبسوط وغيره (٥) بجواز غيره حتى الثياب والسلعة ، كما هو ظاهر إطلاق الموثق ، بل الصحيح : « لا بأس بالقيمة في الفطرة » (٦) ونحوه الإجماع المنقول.

__________________

(١) بالإضمار في أحدهما والجهالة في الثاني.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، السرائر ١ : ٤٦٩.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٨٦ / ٢٥١ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٦ ، الوسائل ٩ : ٣٤٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٥) المبسوط ١ : ٢٤٢ ؛ وانظر الخلاف ٢ : ٥٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٦ / ٢٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٧ ، الوسائل ٩ : ٣٤٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٩.

٢١٠

والأحوط الأوّل ؛ لتبادر النقد من الإطلاق مطلقاً ، فيشكل الصرف إلى غيره.

( ولا تقدير في عوض الواجب بل يرجع إلى القيمة السوقية ) وقت الدفع ، وفاقاً للأكثر على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع (١) ، وعليه عامة المتأخّرين.

وتقديرها بدرهم كما في رواية (٢) ، أو أربعة دوانيق كما في أُخرى (٣) ، منزّل على اختلاف الأسعار ، ومع ذلك مجهول القائل ، كما في المختلف والمسالك وغيرهما (٤).

لكن الأوّل عُزي في التنقيح إلى الشيخ في النهاية (٥) ، وفي غيره إليه في الاستبصار (٦).

ولا ريب في ضعفه كتاليه ؛ لضعف المستند سنداً ودلالةً ، وعدم مقاومته لإطلاق ما مضى من الأدلّة.

( الثالث : في ) بيان ( وقتها ) :

اعلم أنّه ( تجب بهلال شوّال ) مع حصول الشرائط المتقدمة قبله ، وفاقاً للشيخ في الجمل والاقتصاد وابن حمزة والحلّي (٧) ، وعليه أكثر‌

__________________

(١) كصاحب المدارك ٥ : ٣٤٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٧٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢١٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٨ ، الوسائل ٩ : ٣٤٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١١.

(٣) المقنعة : ٢٥٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١٤.

(٤) المختلف : ١٩٨ ، المسالك ١ : ٦٥ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٢١٨.

(٥) التنقيح ١ : ٣٣٣ ، النهاية : ١٩١.

(٦) الاستبصار ٢ : ٥٠.

(٧) الجمل ( الرسائل العشر ) : ٢٠٩ ، الاقتصار : ٢٨٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣١ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٦٩.

٢١١

المتأخّرين ؛ لنحو ما مرّ من الصحيح : مولود ولد ليلة الفطر ، أعليه فطرة؟ قال : « لا ، قد خرج الشهر » (١).

خلافاً له في النهاية والمبسوط والخلاف ، وللمفيد والإسكافي والسيدين والقاضي والحلبي (٢) ، فبطلوع الفجر من يوم العيد ؛ لنحو الصحيح : عن الفطرة متى هي؟ فقال : « قبل الصلاة يوم الفطر » قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ قال : « لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه » (٣).

وفيه نظر ؛ لأنّ قبل الصلاة كما يعمّ عند طلوع الفجر بلا فصل كذا يعمّ قُبيله القريب منه كذلك ، ولا قائل بالفرق ؛ مع أنّ المتبادر من السياق أنّ المراد من القبلية إنّما هو بالمعنى المقابل لما بعد الصلاة لا المتبادر إلى الذهن منها حقيقة ، وهو ما قرب من الصلاة ، مع أنّه لا قائل به منّا هنا ، للاتّفاق على كون ما بعد الفجر بغير فصل وقتاً مع أنّه غير متبادر منه جدّاً.

وما يجاب عن رواية المختار : بأنّها إنّما تدلّ على وجوب الإخراج عمّن أدرك الشهر لا على أنّ أوّل وقت الإخراج الغروب ، وأحدهما غير الآخر ؛ فمنظور فيه ، لأنّها وإن لم تدلّ على ذلك صريحاً إلاّ أنّها دالّة عليه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٢ / ١٢ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٢) النهاية : ١٩١ ، المبسوط ١ : ٢٤٢ ، الخلاف ٢ : ١٥٥ ، المفيد في المقنعة : ٢٤٩ نقله عن الإسكافي في المختلف : ١٩٩ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٨٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧٦ ، الحلبي في الكافي : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٥ / ٢١٢ ، الإستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤١ ، الوسائل ٩ : ٣٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٥.

٢١٢

بالإطلاق ، وهو كاف ، حيث لم يقم على التأقيت بالطلوع دليل كما هو الفرض ، لما مرّ من عدم وضوح دلالة الرواية الأخيرة على التقييد ، هذا.

وما يستفاد منه (١) من عدم خلاف في تعلّق الوجوب بالغروب ، وأنّه إنّما هو في وقت الإخراج ؛ فهو خلاف ما يستفاد من كلام جماعة.

وكيف كان ، فالتحقيق أنّه إن كان محلّ النزاع وقت تعلّق الوجوب واشتغال الذمة به فينبغي القطع بصحة القول الأوّل ، وإن كان وقت الإخراج فالظاهر صحته أيضاً ، وإن كان التأخير إلى طلوع الفجر أحوط ، أخذاً بالمتّفق عليه ، مع تصريح جمع ممّن اختار الأوّل بأنّه أفضل (٢).

( ويتضيّق عند صلاة العيد ) بل إذا بقي للزوال من يومه بمقدار أدائها.

( ويجوز تقديمها ) زكاة ( في شهر رمضان ولو من أوّله [ أداءً ] (٣) ) وفاقاً لجماعة من القدماء والمتأخّرين ، بل عُزي في التنقيح إلى كثير (٤) ، وفي المنتهى إلى الأكثر (٥) ، وفي الدروس والمسالك إلى المشهور (٦) ، وهو خيرة الماتن هنا وفي المعتبر (٧).

للصحيح : « يعطي يوم الفطر فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره ، فإن أعطى تمراً فصاع لكلّ‌

__________________

(١) أي : من الجواب.

(٢) التنقيح ١ : ٣٣٣ ، المدارك ٥ : ٣٤٧ ، كفاية الأحكام : ٤٢.

(٣) أضفناه من المختصر المطبوع.

(٤) التنقيح ١ : ٣٣٣.

(٥) المنتهى ١ : ٥٤٠.

(٦) الدروس ١ : ٢٥٠ ، المسالك ١ : ٦٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٦١٣.

٢١٣

رأس ، وإن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير » (١).

والرضوي : « لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره ، وهي زكاة إلى أن يصلّي صلاة العيد ، فإنّ أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان » (٢).

خلافاً لآخرين ، فلم يجوّزوه إلاّ قرضاً ، ومنهم الماتن في الشرائع وكثير (٣) ، حتى أنّ في كلام جماعة من متأخّري المتأخّرين دعوى الشهرة (٤) ؛ التفاتاً إلى أنّه لا معنى لتأدية الفرض قبل وجوبه ، كما يشهد له الاعتبار ونبّه عليه في الصحاح الواردة في الماليّة بقوله عليه‌السلام : « أيصلّي الاولى قبل الزوال » (٥).

والصحيح السابق مقدوح باشتماله على ما يخالف إجماع المسلمين ، من إجزاء نصف الصاع من الشعير.

ويمكن الواجب عنه ، بأنه لا يوجب ترك العمل بجميع ما اشتمل عليه ، فلعلّ بعض مدلوله جارٍ على تأويل ومصلحة ، وهو بالإضافة إلى مقابله خاصّ ، فيكون مخصّصاً به.

ولكن المسألة مع ذلك محلّ تردّد ، والاحتياط واضح.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٦ / ٢١٥ ، الإستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٠ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٧٥ ؛ والمفيد في المقنعة : ٢٤٩ ، الحلبي في الكافي : ١٧٣ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٦٩.

(٤) كصاحب المدارك ٥ : ٣٤٥ ، والذخيرة : ٤٧٥ ، والحدائق ١٢ : ٣٠٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ / ١١١ وفيه : أتصلي ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

٢١٤

( ولا يجوز تأخيرها عن الصلاة إلاّ لعذر أو انتظار المستحق ) بعد العزل ، بلا خلاف في حكم المستثنى فتوًى ونصّاً ، وفي المعتبر والتحرير : إجماعاً (١) ، وعلى الأشهر في حكم المستثنى منه ، وفي صريح الغنية وظاهر التذكرة والمنتهى : دعوى الإجماع عليه (٢).

لكن الأخير قرّب بعد ذلك بأسطر قليلة جواز التأخير عن الصلاة (٣) كما هو ظاهر خيرة الحلّي (٤) وتحريمه عن العيد ، مستدلاً عليه بذيل الصحيح المتقدم (٥) ، المتضمن لقوله : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ فقال : « لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسّمه ».

وتبعه في المدارك (٦) ، مستدلاً عليه بقوله عليه‌السلام في الصحيح المتقدم ، المتضمّن لقوله : « يعطي يوم الفطر فهو أفضل ».

ويضعّف الأوّل : بدلالة صدره على قول الأكثر ، وقوة احتمال ذيله الحمل على صورة العزل ، كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : « نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى » إلى آخره ، بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد به عزلها وإعطاؤها العيال ليدفعونه إلى المستحق.

والثاني : بقوّة احتمال كون المفضّل عليه تقديمها أوّل الشهر لا التأخير عن الصلاة ، ولذا لم يقابل الأفضل فيه إلاّ بالأوّل (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦١٣ ، التحرير : ٧٢.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، التذكرة ١ : ٢٥٠ ، المنتهى ١ : ٥٤١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٤١.

(٤) السرائر ١ : ٤٦٩.

(٥) في ص : ٢٤٤١.

(٦) المدارك ٥ : ٣٤٤.

(٧) وهو قوله : « وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل في شهر رمضان ». منه.

٢١٥

ويعضد هذا الحمل التصريح في الصحيح الآخر بأنّها بعد الصلاة صدقة ، بعد التصريح فيه بأنّها قبلها أفضل (١).

ويحتمل الأفضل فيهما الحمل على ما لا مفضّل عليه له ، كما هو شائع في الكتاب والسنة ، وارتكابه أولى من حمل الصدقة على الواجبة ، إذ المقابلة بها للفطرة أوضح دليل على أنّ المراد بها المندوبة ، وإلاّ فالفطرة أيضاً صدقة واجبة ، مع أنّه لا داعي لوجوبها بعد خروجها عن حقيقة الفطرة ، لاختصاص ما دلّ على الوجوب بها دون الصدقة.

وعلى أحد هذين الحملين أيضاً يحمل لفظة « ينبغي » الواردة في المروي عن الإقبال ، وفيه : روينا بإسنادنا إلى الصادق عليه‌السلام قال : « ينبغي أن يؤدّي قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة (٢) ، فإذا أدّاها بعد ما رجع فإنّما هي صدقة وليست فطرة » (٣).

وبما ذكر ظهر أنّ الأشهر أظهر ، سيّما وفي المختلف الإجماع على حصول الإثم بالتأخير عن الزوال (٤) ؛ ولعلّه فهم من لفظ الصلاة وقتها بناءً على كونه عندهم الزوال ، ويعضده التحديد بالظهر في المروي عن الإقبال بقوله عليه‌السلام « إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك » (٥).

مضافاً إلى أنّه قد لا يقع صلاة ، وسقوط الفطرة حينئذٍ فاسد ، فلا وقت‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٠ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٥٣ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ١.

(٢) الجَبّانة والجَبّان : الصحراء. مجمع البحرين ٦ : ٢٢٤.

(٣) الإقبال : ٢٨٣ ، الوسائل ٩ : ٣٥٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٧.

(٤) المختلف : ٢٠٠.

(٥) الإقبال : ٢٧٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٦.

٢١٦

يتعيّن له لولا ما ذكر. وحيث ثبت التعيين إليه في هذه الصورة ثبت في غيرها ، لعدم القائل بالفرق ، فتأمّل.

( وهي قبل صلاة العيد ) بل الزوال ( فطرة ) واجبة ( وبعدها صدقة ) مندوبة بمقتضى النصوص المتقدمة بالتقريب المتقدم إليه الإشارة ، ونحوها نصوص أُخر ضعف أسانيدها أو قصورها منجبر بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة (١) ، وعليه الإجماع في الغنية (٢).

( وقيل : يجب القضاء ) والقائل الإسكافي والمفيد والشيخ في الاقتصار والديلمي (٣) ، لكنّهما لم يصرّحا بالوجوب ، بل قالا : وإن أخّر كان قضاءً ، وتبعهما جماعة من المتأخّرين (٤).

( و ) لم أقف له على دليل يعتدّ به ، نعم ( هو أحوط ) تفصّياً عن شبهة الخلاف ، وإن كان الأظهر ما تقدّم لما تقدّم. كلّ ذا إذا لم يعزلها.

( وإذا عزلها ) وجبت مطلقاً بلا خلاف كما مضى ، والمعتبرة به مستفيضة جدّاً ، منها الموثق كالصحيح : « إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها » (٥).

والمرسل كالصحيح « إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤٧٦ ، الحدائق ١٢ : ٣٠٣.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٠٠ ، المفيد في المقنعة : ٢٤٩ ، الاقتصار : ٢٨٥ ، الديلمي في المراسم : ١٣٥ ، قال : ومن أخرجها عمّا حدّدناه كان كافياً. ولكن المنقول عنه في المختلف ١ : ٢٠٠ : ولو أخّر عمّا حدّدناه كان قاضياً.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٢٠١ ، وابن فهد في المهذب البارع ١ : ٥٥.

(٥) الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥١٠ ، التهذيب ٤ : ٧٧ / ٢١٨ ، الإستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٦ ، الوسائل ٩ : ٣٥٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٤.

٢١٧

رجلاً فلا بأس » (١).

ومنها : « إن لم تجد مَن تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة » (٢).

وفي هذه النصوص إشعار بحرمة التأخير عن الصالة اختياراً أيضاً كما اخترناه.

( و ) لو ( أخّر التسليم لعذر ) بفقد المستحق أو انتظار رجل كما في المرسل المتقدم ( لم يضمن لو تلفت ) من غير تفريط.

( ويضمن لو أخّرها مع إمكان التسليم ) لأنّها أمانة في يده فلا يضمنها إلاّ بتعدّ أو تفريط ، ومنه تأخير الدفع إلى المستحق مع إمكانه ، مضافاً إلى ما مرّ من المرسل. وبه يقيّد نفي الضرر بعد العزل بقول مطلق في الموثق ، وفي الصحيح : رجل أخرج فطرته ، فعزلها حتى يجد لها أهلاً ، فقال : « إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ ، وإلاّ فهو ضامن لها حتى يؤدّيها » (٣).

قيل : ولعلّ المراد أنّه إذا أخرج الفطرة التي عزلها إلى مستحقها فقد برئ وإلاّ فهو ضامن لها حتى يؤدّيها ، بمعنى أنّه مكلّف بإيصالها إلى مستحقها لا كونه بحيث يضمن المثل أو القيمة مع التلف ، لأنّها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك ، ويحتمل رجوع الضمير في قوله : أخرجها ، إلى مطلق الزكاة ، ويكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها ، والمراد أنّه إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٧ / ٢١٧ ، الإستبصار ٢ : ٤٥ / ١٤٥ ، الوسائل ٩ : ٣٥٧ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٨ / ٢٥٦ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ / ١٦٩ ، الوسائل ٩ : ٣٥٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٧ / ٢١٩ ، الوسائل ٩ : ٣٥٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٣ ح ٢.

٢١٨

عزلها فقد برئ مما عليه من التكليف بالعزل ، وإلاّ فهو ضامن لها مكلّف بأدائها إلى أن يوصلها إلى أربابها ، وكأنّ المعنى الأوّل أقرب. انتهى (١)

وهل الدفع بعد الصلاة مع العزل قبلها أداء أو قضاء؟ وجهان ، بل قيل : قولان (٢). وليس في النصوص ما يدلّ على شي‌ء منهما ، فالأُولى ترك التعرض لهما ، أو الترديد بينهما.

( ولا يجوز نقلها ) بعد العزل ( مع وجود المستحق ، ولو نقلها ضمن ، ويجوز مع عدمه ولا يضمن ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، بل على الثالث الإجماع في المنتهى (٣).

ولا إشكال إلاّ في الحكم بعدم جواز النقل مع وجود المستحق ، ففيه الخلاف المتقدم في زكاة المال (٤). وبتفرّع الخلاف هنا على الخلاف ثمّة صرّح جماعة ومنهم : الفاضل في التحرير والمنتهى والمختلف ، والمحقق المقداد في شرح الكتاب (٥).

ووجهه عموم الأدلّة من الطرفين ، كما لا يخفى على الناظر فيها ، إلاّ أنّ هنا ما يدلّ على المنع صريحاً ، كالمكاتبة الصحيحة : « تقسّم الفطرة على من حضر ، ولا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى وإن لم يجد موافقاً » (٦).

والموثق : « هي لأهلها إلاّ أن لا تجدهم ، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ،

__________________

(١) قاله في الذخيرة : ٤٧٦ ، انظر الحدائق ١٢ : ٣٠٧.

(٢) انظر الدروس ١ : ٢٥٠ ، والذخيرة : ٤٧٦.

(٣) المنتهى ١ : ٥٤١.

(٤) راجع ص ٢٣٦٣.

(٥) التحرير : ٧٢ ، المنتهى ١ : ٥٤١ ، المختلف : ٢٠٢ ، التنقيح ١ : ٣٣٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٨ / ٢٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧١ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٤.

٢١٩

ولا تُنقل من أرض إلى أرض » (١). فهو أحوط وأولى.

الرابع : ( في ) بيان ( مصرفها ).

( وهو مصرف زكاة المال ) وهو الأصناف الثمانية ؛ لآية : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ... ) (٢) وفي المدارك : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٣) ، وفيه وفي غيره عن ظاهر المفيد في المقنعة اختصاصها بالمساكين (٤). وهو أحوط.

وفي الصحيح : « عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين » (٥).

وفي رواية : لمن تحلّ الفطرة؟ فقال : « لمن لا يجد » (٦).

وفي اُخرى : « أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة ، وليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة » (٧).

وجوّز جماعة دفعها إلى المستضعف الذي لا يعرف ولا ينصب ، مع عدم المؤمن (٨) ؛ وفي النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه ، وقد مرّ قريباً بعضها. وربما‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨٨ / ٢٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٥١ / ١٧٣ ، الوسائل ٩ : ٣٦٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٣.

(٢) التوبة : ٦١.

(٣) المدارك ٥ : ٣٥٣.

(٤) المدارك ٥ : ٣٥٣ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٣١١ ، المقنعة : ٢٥٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٥ / ٢١٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٣٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١١.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٩.

(٧) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٨ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠.

(٨) النهاية : ١٩٢ ، الجامع للشرائع : ١٤٠ ، الشرائع ١ : ١٦٣.

٢٢٠