رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

أيضاً في المدارك وغيره في الأوّل (١) ، والفاضل في النهاية في الأخير على ما حكاه عنه في الذخيرة (٢) ؛ وهو كافٍ في الحجة ، مضافاً إلى الأصل والمعتبرة المستفيضة في الأوّلين.

ففي الصحيح : عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه ، وقد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع ، متى يزكّيه؟ فقال : « إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال » قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها ، فقال : « إذا حلّ عليه الحول فليزكّها » (٣).

وفيه : « إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة ، وإن كنت إنّما تربّص به لأنك لا تجد إلاّ وضيعة فليس عليه زكاة حتى يصير ذهباً أو فضّة ، فإذا صار ذهباً أو فضّة تزكيه للسنة التي اتّجر فيها » (٤).

وما فيه وفي الموثق (٥) من الأمر بتزكيته لسنة واحدة مع النقيصة إذا مضت عليه سنتان أو سنون عديدة فمحمول على الاستحباب ، كما صرّح به جماعة (٦) ، جمعاً بين الأدلّة ؛ مع قصورهما سنداً بالإضمار في الأوّل ، وعدم إيمان بعض رواة الثاني ، فلا يقاومان إطلاق ما دلّ على نفي الزكاة مع‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٦٧ ؛ وانظر الذخيرة : ٤٤٩ ، والحدائق ١٢ : ١٤٦.

(٢) الذخيرة : ٤٤٩ ، وهو في نهاية الإحكام ٢ : ٣٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ / ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٢٩ ، الوسائل ٩ : ٧١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٩ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٦٩ / ١٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠ / ٣٠ ، الوسائل ٩ : ٧٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٢٨ / ٣ ، الوسائل ٩ : ٧٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٦.

(٦) منهم الشيخ في التهذيب ٤ : ٧٥ ، والاستبصار ٢ : ١١ ، والعلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٣٦٥.

١٠١

النقيصة من الفتوى والرواية ، مضافاً إلى الإجماعات المحكية.

وأمّا تقدير النصاب هنا بنصاب أحد النقدين دون غيرهما فلم أجد من النصوص عليه دلالة ، نعم ربما يستشعر ذلك من بعضها ، بل في المدارك : أنّ ظاهر الروايات أنّ هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر نصابهما ويتساويان في قدر المخرَج (١) ؛ وفي الذخيرة بعد نقله عنه : وللتأمّل فيه مجال وإن كان لما ذكره وجه (٢) ، انتهى. وهو حسن.

وكيف كان فالحكم ممّا لا إشكال فيه بعد عدم ظهور خلاف فيه ، بل قيل : إنّه متفق عليه بين الخاصّة والعامّة (٣).

واعلم : أنّه يعتبر زيادةً على هذه الشروط ما مرّ من الشروط العامة.

وهل يشترط بقاء عين السلعة طول الحول كما في المال ، أم لا فتثبت الزكاة وإن تبدّلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟

قولان ، ظاهر الأصل والنصوص هو الأوّل كما عن الصدوق والمفيد (٤) ، وعليه الماتن في الشرائع وغيره (٥).

خلافاً للفاضل وولده ومن تأخّر عنهما (٦) ، كما في المدارك ، قال : وادّعيا عليه في التذكرة والشرح الإجماع (٧). وهو ضعيف.

وظاهر المتن تعلّق الزكاة بالقيمة لا بالسلعة ، كما صرّح به في‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ١٦٧.

(٢) الذخيرة : ٤٤٩.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٤٦.

(٤) المقنع : ٥٢ ، الفقيه ٢ : ١١ ، المقنعة : ٢٣٩.

(٥) الشرائع ١ : ١٥٧ ، المعتبر ٢ : ٥٤٧.

(٦) كما في التذكرة ١ : ٢٢٩ ، الإيضاح ١ : ١٨٧ ، البيان : ٣٠٧ ، المسالك ١ : ٥٨.

(٧) المدارك ٥ : ١٧٢.

١٠٢

الشرائع (١) ، وتبعه الفاضل في المنتهى وغيره (٢) ، وعزاه في المدارك إلى الشيخ وأتباعه (٣) ؛ والحجّة عليه غير واضحة عدا أمر اعتباري ضعيف ، وروايةٍ قاصرة الدلالة (٤) ، فلا يصلحان صارفاً لظواهر جملة من النصوص الدالة على تعلّقها بعين مال التجارة (٥) ؛ ولعلّه لذا جعل الماتن مدلولها في المعتبر مع جواز العدول إلى القيمة بدلاً عن الزكاة أنسب بالمذهب ، ونفى عنه البأس في التذكرة ، على ما نقله عنهما في المدارك واستحسنه (٦).

( ويشترط في ) زكاة ( الخيل حول الحول ) السابق عليها ( والسوم ، وكونها إناثاً ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في التذكرة والمنتهى (٧) ، وقد مرّ الصحيح (٨) المستفاد منه اعتبار الثلاثة في بحث عدم الزكاة مطلقاً فيما عدا الخيل والحمول الثلاثة.

وحيث اجتمعت الشروط الثلاثة ( فيخرج عن العتيق ) الذي أبواه عربيان كريمان ( ديناران ، وعن البِرْذَون ) الذي هو خلافه ( دينار ) واحد بلا خلاف ؛ للصحيح : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً » (٩).

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٥٧.

(٢) المنتهى ١ : ٥٠٨ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٣٦٥.

(٣) المدارك ٥ : ١٧٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ / ١٢١ ، الوسائل ٩ : ١٣٩ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٧.

(٥) الوسائل ٩ : ٧٠ و ٧٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ و ١٤.

(٦) المدارك ٥ : ١٧٣ ، وهو في المعتبر ٢ : ٥٤٧ ، والتذكرة ١ : ٢٢٨.

(٧) التذكرة ١ : ٢٣٠ ، المنتهى ١ : ٥١٠.

(٨) في ص : ٢٢٩٤.

(٩) الكافي ٣ : ١٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤ ، الوسائل ٩ : ٧٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ١.

١٠٣

( و ) كلّ ( ما يخرج من الأرض ممّا تستحب فيه الزكاة حكمه حكم الأجناس الأربعة في اعتبار السقي و ) المؤمن ( قدر النصاب وكمّية الواجب ) إخراجه منها ، بلا خلاف فيه أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (١) ، وفي المدارك أنّه متّفق عليه بين الأصحاب (٢) ، بل قال في المنتهى : إنّه لا خلاف فيه بين العلماء (٣) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الصحاح المستفيضة في اعتبار النصاب والسقي.

ففي الصحيح : إنّ لنا رطبة وأُرزاً ، فما الذي علينا فيها؟ فقال عليه‌السلام :

« أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، وأمّا الأرز فما سَقَت السماء العُشر وما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما كِلت بالصاع » أو قال : « وكيل بالمكيال » (٤).

وفي آخر : « الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة » (٥).

ولا قائل بالفرق ، مع أنّ في بعضها : « كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب » (٦).

وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الشروط المزبورة.

__________________

(١) الذخيرة : ٤٥١.

(٢) المدارك ٥ : ١٥٩.

(٣) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥١١ / ٥ ، الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧ ، الوسائل ٩ : ٦٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ١٠.

(٦) الكافي ٣ : ٥١١ / ٤ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ١.

١٠٤

( الركن الثالث في ) بيان ( وقت الوجوب )

اعلم : أنّه فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت : التسمية أو الاحمرار والاصفرار والانعقاد على ما مرّ من الخلاف (١).

وأمّا ما يعتبر فيه فقد مرّ (٢) أيضاً أنّه ( إذا أهلّ ) الشهر ( الثاني عشر وجبت الزكاة ) بلا خلاف ، وإن اختلف في استقرار الوجوب به كما هو ظاهر النصّ والفتاوى بالتقريب الماضي ، أو تزلزله وعدم استقراره إلاّ بتمام الحول اللغوي والعرفي كما عليه شيخنا الشهيد الثاني (٣) ، ولكنّه نادر ، حتى أن سبطه في المدارك قال : إنّه لم يعرف له من السلف موافق (٤).

( ويعتبر ) استكمال ( شرائط الوجوب ) من النصاب وإمكان التصرف والسوم في الماشية وكونها دراهم أو دنانير منقوشة في الأثمان ( فيه ) (٥) أي في الحول المدلول عليه بالسياق لا الشهر الثاني عشر ، بلا خلاف ولا إشكال.

( وعند الوجوب ) واستقراره ( يتعيّن دفع الواجب ) مطلقاً حتى في الغلاّت إن جعلنا وقته فيها ووقت الإخراج واحداً وهو التسمية بأحدها‌

__________________

(١) في ص : ٢٣٠٢.

(٢) في ص : ٢٣٠٢.

(٣) كما في المسالك ١ : ٥٣.

(٤) المدارك ٥ : ٧٣.

(٥) في النافع زيادة : كلّه.

١٠٥

عرفاً كما هو مختار الماتن (١) ، وإلاّ كما هو المشهور فالوقتان متغايران.

ويمكن أن يريد بوقت الوجوب وجوب الإخراج لا وجوب الزكاة وإن خالف ظاهر العبارة ليناسب مذهب الكل ، إذ على التفصيل يجوز التأخير عن أوّل وقت الوجوب إلى وقت الإخراج إجماعاً كما مضى ، وبه صرّح في الروضة هنا (٢).

( و ) أمّا بعد وقت الإخراج فـ ( لا يجوز تأخيره ) مطلقاً ( إلاّ لعذر كانتظار المستحق وشبهه ) من خوفٍ أو غيبة المال ، فيجوز التأخير حينئذٍ بلا خلاف (٣) وأمّا عدم الجواز لغير عذر فهو الأشهر بين أصحابنا ، حتى أنّ الفاضل في المنتهى عزاه إلى علمائنا (٤) ، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ، كما هو ظاهر الغنية أيضاً (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة كما ادّعاه المفيد في المقنعة (٦).

منها زيادةً على ما يأتي من الصحيح المشبِّه للزكاة بالصوم في عدم جواز التأخير عن وقته إلاّ قضاءً ونحوه الرضوي الآتي (٧) الصحيح : عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات ، أيؤخرّها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : « متى حلّت أخرجها » (٨).

__________________

(١) راجع ص : ٢٣٣٦ ، والشرائع ١ : ١٥٣ ، والمعتبر ٢ : ٥٣٤.

(٢) الروضة ٢ : ٣٨.

(٣) في « ح » زيادة : بل عليه الإجماع في المنتهى ١ : ٥١١.

(٤) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٦) المقنعة : ٢٤٠.

(٧) في ص : ٢٣٦٠.

(٨) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ١.

١٠٦

والخبر المروي في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب بسندٍ فيه ضعف بالجوهري ، ولكنّه بالشهرة مجبور ـ : « وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها » (١).

( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية (٢) : ( إذا عزلها ) عن ماله ( جاز تأخيرها شهراً أو شهرين ) للصحيح : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (٣).

وإطلاقه وإن اقتضى جواز تأخيرها إلى الشهرين مطلقاً ، لكنّه مقيّد بصورة العزل ، للموثق : زكاتي تحلّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني؟ فقال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‌ء ، ثم أعطها كيف شئت » قال ، قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتّها أيستقيم لي؟ قال : « نعم لا يضرّك » (٤).

وإطلاقه بجواز التأخير مع العزل مقيّد بما إذا لم يتجاوز المدة ، للصحيحة. وبه تصرف المستفيضة المتقدّمة عن ظواهرها ، بحمل الإخراج المستفاد منها لزومه فوراً على العزل لا الدفع ، أو يحمل على الاستحباب.

وفيه : أنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود في هذين الخبرين ، لأرجحيّة ما ما قابلهما بالاستفاضة والشهرة وحكاية الإجماع المتقدمة ؛ مع‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٩٩ / ٢٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٤.

(٢) النهاية : ١٨٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٦ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

١٠٧

قوة احتمال ورود صحيحهما للتقية ، فقد حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة وغيره من العامة (١) ، وهما وإن أطلقا جواز التأخير ما لم يطلب فيعمّ ما لو تأخّر عن المدّة ، لكن تحديد التأخير بها في الصحيح يحتمل التمثيل ، لورود أخبار أُخر في التعجيل والتأخير بها وبزيادة من ثلاثة كما في بعضها (٢) ، أو أربعة كما في آخر (٣) ، أو خمسة كما في غيرها (٤) ، وليس ذلك إلاّ لعدم الحصر في مدّة ، ويعضده خلوّ الموثقة عن التقييد بها بالكلية.

ولعلّه لذا افتى الشهيد في الدروس (٥) بجواز التأخير مطلقاً لانتظار الأفضل ، أو التعميم من غير تقييد بمدّة ، وكذا في البيان (٦) بزيادة التأخير لمعتاد الطلب بما لا يؤدّي إلى إهمال.

لكنّه محلّ نظر أيضاً ، لتضمّن الموثق الأمر بالعزل ، وهو لم يذكره أصلاً ، وعمومه بجواز التأخير بعد العزل من غير تقييد بكونه لانتظار الأفضل ونحوه وهو قد قيّده به ، هذا.

مع أنّ الخبرين قد تضمّنا ما لا يقول به الشيخ ، لتضمّن الأوّل جواز تعجيل الزكاة ، والثاني جواز الاكتفاء عن العزل بالكتابة والإثبات ، ولم يذكره هو ، إلاّ أن يكون مراده بالعزل ما يعمّه ، هذا.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٨ ، مستطرفات السرائر : ٩٩ / ٢٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٣) المقنعة : ٢٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٠٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٧ بتفاوت فيهما ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٢.

(٥) الدروس ١ : ٢٤٥.

(٦) البيان : ٣٣٤.

١٠٨

ويمكن الجمع بينهما وبين المستفيضة بإبقائها على حالها وتقييدهما بحال العذر والضرورة ، ولا ريب أنّ هذا الجمع أقوى ، لما مضى (١).

وظاهر الحلّي جواز التأخير إيثاراً لبعض المستحقين ، وإن ضمن مع التلف ولو بغير تفريط ، ولا يأثم بغير خلاف ، وادّعى بعد ذلك أيضاً الإجماع صريحاً ، قال : لأنّه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيراً دون فقير ، ولا يكون مخلًّا بواجب ولا فاعلاً لقبيح (٢).

وفي ثبوت الإجماع بمثل هذا التعليل ما ترى ، مع أنّه موهون جدّاً بمصير الأكثر إلى خلافه كما مضى.

ولشيخنا الشهيد الثاني هنا قول آخر قد تبعه فيه سبطه ومَن عنهما تأخّر (٣) ، وهو جواز التأخير لشهرٍ وشهرين مطلقاً (٤) ؛ ولعلّه للصحيح الماضي سنداً للشيخ ، وقد مرّ ما فيه.

والعجب ممّن تبعه في الاستدلال عليه بما دلّ على جواز التقديم والتأخير زيادة على الشهرين من ثلاثة أشهر أو أربعة ، مع أنّهم لم يذكروها بالكليّة ، اللهم إلاّ أن يكون ذكرهم الشهرين تمثيلاً لا حصراً كما مضى.

( و ) كيف كان ( الأشبه أنّ جواز التأخير مشروط بالعذر فلا يتقدّر بغير زواله ) مطلقاً (٥).

( ولو أخّر ) الدفع ( مع إمكان التسليم ضمن ) بلا خلاف أجده‌

__________________

(١) من رجحان المستفيضة بما عرفته. منه رحمه‌الله.

(٢) السرائر ١ : ٤٥٤.

(٣) الروضة ٢ : ٣٩ ، المدارك ٥ : ٢٨٩ ، الذخيرة : ٤٢٨.

(٤) من غير تقييد بعذر ولا بانتظار الأفضل ونحوه. منه رحمه‌الله.

(٥) أي لا شهرٍ ولا شهرين ولا مع مراعاة الأفضل ونحوه. منه رحمه‌الله.

١٠٩

حتى ممن جوّز التأخير لغير عذر ، كالحلّي وغيره (١) ، فقد صرّحا بهذا الحكم ؛ للنصوص.

منها الصحيح : رجل بعث بزكاة ماله لتُقسم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ قال : « إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد من يدفعها إليه فبعض بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان » (٢).

ونحوه الصحيح الآتي في الضمان بنقلها من البلد مع وجود المستحق ، وغيره (٣).

وفي هذه النصوص تأييد لما قدّمناه من عدم جواز التأخير لغير عذر مطلقاً ، لبُعد الضمان مع كون التأخير برخصة الشارع ، بل الظاهر أنّه من حيث الإثم به وعدم رخصة من الشارع فيه.

وما دلّ عليه الصحيح الأوّل من انسحاب الحكم في الوصي بالتفرقة لها قد صرّح به جماعة (٤) من غير خلاف بينهم أجده ، وألحقوا به الوكيل والوصي بتفرقة غيرها ، وصرّحوا بجواز التأخير لهما أيضاً مع خوف الضرر ولو مع وجود المستحق. ولا ريب فيه ، لاتّحاد الدليل ، وهو عموم نفي‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٥٤ ؛ وانظر الروضة ٢ : ٣٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٣) في ص : ٢٣٦٣.

(٤) منهم المحقق في الشرائع ١ : ١٦٥ ، والعلاّمة في التحرير ١ : ٦٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٤٥.

١١٠

الضرر.

وهل الحكم بالضمان بالتأخير مع التمكن من الدفع يعمّ ما لو كان لتعميمها لمستحق البلد مع كثرتهم وغيره كما هو ظاهر إطلاق النصّ والفتوى ، أم يختص بالثاني؟ وجهان : من الإطلاق ، وقوّة احتمال اختصاصه بالثاني بحكم التبادر وغيره ، فإنّ التأخير في الأوّل لا يسمّى تأخيراً عرفاً.

ولعلّ هذا هو الأقوى ، وفاقاً لبعض المتأخّرين (١) خلافاً للفاضل فبقي على التردّد في التحرير والمنتهى (٢). وممّا ذكرنا يظهر جواز هذا التأخير كما قطع به في الكتابين أيضاً.

( ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب ) بنيّتها ( على أشهر الروايتين ) وأظهرهما ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، بل وقدمائهم أيضاً ، إلاّ ما يُحكى عن ظاهر العماني والديلمي (٣) ، وعبارته المحكيّة غير صريحة فيه ولا ظاهرة ، بل ولا مشعرة وإن ادّعاه الفاضل في المختلف (٤) ، وعلى تقدير ثبوت المخالفة فهما نادران ، بل على خلافهما الإجماع في الخلاف (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأُصول والنصوص.

منها الصحيح : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول وتحلّ عليه ، إنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصومنّ أحد شهر‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٩١.

(٢) التحرير ١ : ٦٦ ، المنتهى ١ : ٥١١.

(٣) حكاه عن العماني في المختلف : ١٨٨ ، الديلمي في المراسم : ١٢٨.

(٤) المختلف : ١٨٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٤٣.

١١١

رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاءً ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت » (١).

والصحيح : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : « لا ، أيصلّي الاولى قبل الزوال؟! » (٢)

والرواية الثانية كثيرة ، لكنّها مع ندرتها وضعف جملة منها مختلفة في تحديد مدّة التعجيل ، فبين محدّدٍ لها بشهرٍ وشهرين خاصة ، كالصحيح المتقدم إليه الإشارة (٣) ، أو ثلاثة بل وأربعة كالصحيح : إنّها لا تحلّ عليه إلاّ في المحرّم ، فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : « لا بأس » (٤) أو بخمسة كما في رواية (٥) ، أو من أوّل السنة كما في أُخرى (٦) ، غير مكافأة لما مرّ من الأدلّة.

فلتطرح ، أو تحمل على التقية ، فقد حكي جواز التعجيل في المعتبر والمنتهى عن أحمد والشافعي وأبي حنيفة (٧).

ولا ينافيه تحديد جملة منها التعجيل بمدّةٍ مع أنّه لم يُحكَ عنهم التحديد بها ، لأنّ اختلافها فيها لعلّه كاشف عن كون التحديد بها تمثيلاً لا حصراً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٣ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ / ١١٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١ / ٩٢ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ / ١١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

(٣) في ص : ٢٣٥٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٧ بتفاوت في النص ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٤ / ١١٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ / ٩٥ ، الوسائل ٩ : ٣٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٠.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٥٤ ، المنتهى ١ : ٥١١.

١١٢

أو على كون التعجيل قرضاً ، لجوازه بل استحبابه اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، كما سيأتي ، ويشهد له الرضوي : « إنّي أروي عن أبي عليه‌السلام في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر (١) ، إلاّ أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك ، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة ، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلاّ أن يكون قضاءً ، وكذلك الزكاة ، وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرج به عن مؤمن فاجعلها ديناً عليه ، فإذا حلّت وقت الزكاة فاحسبها له زكاة ، فإنّه يحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض والزكاة » (٢).

ولا ينافيه أيضاً التحديد بالمدة لما عرفته.

( ويجوز ) بل يستحب ( دفعها إلى المستحق ) بل مطلقاً ( قرضاً واحتساب ذلك عليه من الزكاة إن تحقق الوجوب ) بدخول وقته مع حصول شرائطه ( وبقي القابض ) لها ( على صفة الاستحقاق ) أو حصلت ؛ لما مرّ من الرضوي.

مضافاً إلى النصوص المستفيضة المنجبر ضعف أسانيدها بالشهرة ، منها : إنّي رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال عليه‌السلام له : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إن كنت كما تقول موسراً أعطيته؟ فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة ، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند الله عظيم » (٣).

ومنها : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير ، إن أيسر أدّى وإن مات‌

__________________

(١) في المصدر زيادة : أو ستة أشهر.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٧ ، المستدرك ٧ : ١٣٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤ / ٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠٠ أبواب المستحقين ب ٤٩ ح ٢ بتفاوت يسير.

١١٣

احتسب من الزكاة » (١).

وفيها تأييد ما للمختار من المنع عن تقديمها زكاة كما لا يخفى.

وكما يجوز احتسابه عليه من الزكاة مع بقائه على صفة الاستحقاق كذا يجوز مطالبته بعوضه ودفعه إلى غيره ، ودفع غيره إلى غيره ؛ لأنّ حكمه حكم الديون مع عدم ظهور ما يخالفه من النصوص ، إذ غايتها جواز الاحتساب عليه من الزكاة لا وجوبه ، وبهذا الحكم صرّح جماعة من الأصحاب من غير خلاف (٢).

( ولو تغيّر حال المستحق ) عند تحقق الوجوب بأن صار غنيّاً مثلاً أو فُقِد فيه أحد شروط الاستحقاق ( استأنف المالك الإخراج ) بلا خلاف ولا إشكال على المختار من عدم جواز التعجيل إلاّ قرضاً ، وكذا على غيره ، وفاقاً للمنتهى وغيره (٣) ، قالا : لأنّ الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقاً فكذا القابض. وفيه نظر.

نعم في الصحيح : رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة ، فقال : « يعيد المعطي الزكاة » (٤).

( ولو عُدِم المستحق في بلده نقلها ) إلى غيره جوازاً بل وجوباً ( ولم يضمن لو تلف ) بغير تفريط ( ويضمن لو نقلها مع وجوده ) فيه ، بغير خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح جماعة ، مؤذنين بدعوى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٣٢ / ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٥٥٧ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥١٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٩٧.

(٣) المنتهى ١ : ٥١٢ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٢٩٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٤ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ / ٩٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٠ ح ١.

١١٤

الإجماع عليه ، كما في صريح الخلاف في الجميع (١) ، والمنتهى في الثاني (٢) ؛ وهو الحجّة مضافاً إلى الأُصول والنصوص.

ومنها : الصحيحان الماضي أحدهما قريباً (٣) ، وفي الثاني : عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : « ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان » قلت : فإن لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها؟ قال : « لا ، ولكن إن عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (٤).

وعليهما ينزّل إطلاق ما دلّ على نفي الضمان كالموثق : الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق ، فقال : « قد أجزأت عنه ، ولو كنت أنا لأعدتها » (٥) والحسن : « ليس عليه شي‌ء » (٦) بحملهما على صورة النقل مع عدم المستحق.

وفي جواز النقل في غير هذه الصورة (٧) أم تحريمه قولان.

من الأصل ، واستفاضة النصوص بالجواز على الإطلاق ، ومنها الصحيح : في الرجل يعطي الزكاة ليقسّمها ، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيره؟ قال : « لا بأس » (٨).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٨.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٣) في ص : ٢٣٥٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٤ ، التهذيب ٤٨ / ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٩ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٦.

(٦) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٥.

(٧) وهو صورة النقل مع وجود المستحق. منه رحمه‌الله.

(٨) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٧ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٥٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

١١٥

ومن أنّ فيه نوع خطر وتغرير بالزكاة وتعريضاً لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى مستحقّها ، فيكون حراماً ، وأنّه مناف للفوريّة.

وعلى هذا الشيخ في الخلاف مدّعياً عليه الإجماع (١) ، كما هو ظاهر التذكرة حيث عزاه إلى علمائنا (٢). فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ كما هو الظاهر لمصير الناقلين له إلى الجواز في جملة من كتبهما (٣) ، وعزاه في المنتهى إلى شيخنا المفيد والشيخ في كتبه واختاره (٤) ، وفي المختلف إليه في المبسوط بشرط الضمان ، وإلى ابن حمزة مع الكراهة واستقربه (٥) فالأوّل أقوى ؛ لما مضى ، وضعفِ الوجهين للمنع ، فالأوّل باندفاعه بالضمان ، والثاني بمنعه ، لأنّ النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافياً للفورية.

هذا إن قلنا بوجوبها (٦) كما هو الأقوى ، وإلاّ فهو غير متوجّه من أصله جدّاً.

نعم الأحوط الثاني ؛ لشبهة دعوى الإجماع المعتضدة بالشهرة المنقولة في عبارة بعض الأصحاب (٧) ، مضافاً إلى التأيّد بما دلّ على الضمان بناءً على ما قدّمنا من بُعد ثبوته مع كون النقل برخصة الشرع وتجويزه.

هذا مع ضعف أكثر النصوص المجوّزة أو بعضها ، مع موافقتها‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٨ ، وح ٤ : ٢٢٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٩ ، المختلف : ١٩٠ ، الاقتصاد : ٢٧٩.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٩ ، المفيد في المقنعة : ٢٤٠ ، الشيخ في الاقتصاد : ٢٧٩.

(٥) المختلف : ١٩٠ ، المبسوط ١ : ٢٤٥ ، الوسيلة : ١٣٠.

(٦) أي وجوب الفورية.

(٧) كصاحب الحدائق ١٢ : ٢٣٩.

١١٦

لمذهب أبي حنيفة كما حكاه عنه في المنتهى (١).

وفي الصحيح : « لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب للمهاجرين » (٢).

وفي آخر « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر » (٣) وفيهما تأييد ما للمنع ، ويفهم من الكافي كونهما من روايات المسألة ، حيث نقلهما في بابها.

ثم على القولين لو نقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء ، عند علمائنا أجمع ، كما في المنتهى وغيره (٤) ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه. كما صرّح في المختلف (٥) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل وصدق الامتثال ، وفي المنتهى : إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي وجد المستحق فيها ، استحباب عندنا ووجوباً عند القائلين بتحريم النقل (٦). وهو حسن.

واعلم : أنّ نقل الواجب إنّما يتحقق مع عزله قبله بالنية ، وإلاّ فالذاهب من ماله كما عليه شيخنا الشهيد الثاني ، قال : لعدم تعيّنه (٧) ؛ أو منه ومن الزكاة على الشركة وإن ضمنها مع التلف كما هو الظاهر ، وهو خيرة سبطه (٨).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ١٠ ، المقنعة : ٢٦٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٤ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ / ٢٩٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٩ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٢٤٤ ، والمدارك ٥ : ٢٦٩.

(٥) المختلف : ١٩٠.

(٦) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٧) كما في المسالك ١ : ٦٢.

(٨) المدارك ٥ : ٢٦٧.

١١٧

ولا فرق على القولين بين وجود المستحق وعدمه.

ثم إنّه لا ريب في جواز العزل مع عدم وجود المستحق ، بل يستحب كما يأتي.

وفي جوازه مع وجوده نظر لشيخنا الشهيد الثاني ، قال : من أنّ الدين لا يتعيّن بدون قبض مالكه أو ما في حكمه مع الإمكان. واستقرب في الدروس جواز العزل بالنية مطلقاً ، وعليه تبنى المسألة هنا. وأمّا نقل قدر الحق بدون النيّة فهو كنقل شي‌ء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقاً ، فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر ، من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال ، وجوازِ كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد ، وعليه يتفرّع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره. انتهى (١).

وفي كلّ من وجهي المنع في النظرين نظر ، لمخالفتهما عموم ما دلّ على جواز العزل من النصوص ، من غير تخصيص فيها بفقد المستحق ، بل ظهور بعضها في جوازه مع وجوده ، كما حكاه هو عن الدروس ، وسبطه عنه وعن ظاهر المعتبر وصريح التذكرة (٢) ، وما دلّ على جواز إخراج القيمة عن الزكاة من غير تخصيص ببلد المال ، مع أنّ جواز كون الحكمة نفع المستحقين أمر مستنبط فلا يكون حجة من أصله فضلاً عن أن يعارض به النصّ ، سيّما مع قيام الإجماع على خلافه في نفس الزكاة إذا نُقلت مع وجود المستحق وأُوصلت إلى الفقراء ، فإنّها تجزي كما مضى.

__________________

(١) الروضة ٢ : ٤٠ ، وهو في الدروس : ٦٥.

(٢) حكاه عنه في المدارك ٥ : ٢٦٧ ، المعتبر ٢ : ٥٨٨ ، التذكرة ١ : ٢٣٨.

١١٨

ثم إنّ في كلّ من دعوى ابتناء المسألة (١) على جواز العزل بالنية مطلقاً وعدم شبهة في إطلاق جواز نقل قدر الحق بدون النية نظراً أيضاً : أمّا الأُولى فلإمكان تحقق الضمان بالنقل بتقدير وجود المستحق بعد العزل ، فلا يتوقف على القول بإطلاق جواز العزل ، ويتوجّه على القول بالمنع أيضاً مع وجود المستحق.

ثم إنّها على تقدير تسليمها لا يجامع النظر في جواز العزل مع وجود المستحق ، لأنّ فيها اعترافاً باتفاق الأصحاب على جوازه ، حيث فرضوا الضمان في المسألة ، وهو لا يتم إلاّ على تقدير صحة جواز العزل كما ذكره ، فتدبّر.

وأمّا الثانية فلأنّ قدر الحق المنقول مشترك بينه وبين الزكاة ، فيتوجّه المنع عن نقلها على القول به ، إلاّ أن يبنى هذا على ما اختاره سابقاً (٢).

( والنيّة معتبرة في إخراجها وعزلها ) بإجماع العلماء عدا الأوزاعي كما في المعتبر والمنتهى وغيرهما (٣).

ولا بُدّ فيها من مقارنتها للدفع إلى المستحق أو الإمام أو الساعي أو وكيل المستحق ، على قول قويّ في الأخير للمبسوط والفاضل في المختلف (٤) ، حيث جوّزا الدفع إليه لكونه توكيلاً في المباح فيجوز.

خلافاً للقاضي والحلّي فلا يجوز (٥) ، ومال إليه في الذخيرة‌

__________________

(١) وهي ضمان الزكاة بالنقل مع وجود المستحق. منه رحمه‌الله.

(٢) من أن نقل الواجب مع عدم عزله بالنية قبله يوجب كون الذاهب من ماله. منه رحمه‌الله.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٥٩ ، المنتهى ١ : ٥١٦ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٢٤٢ ، والمفاتيح ١ : ٢٠٩.

(٤) المبسوط ١ : ٢٣٣ ، المختلف : ١٩٢.

(٥) نقله عن القاضي في السرائر ٢ : ٨١ ، السرائر ٢ : ٨١.

١١٩

والمدارك (١) ، قالا : لأنّ إقامة الوكيل مقام الموكّل في ذلك تحتاج إلى دليل ولم يثبت.

ويضعّف : بأنّ الدليل بالخصوص غير مشترط قطعاً ، والعام ثابت ، وهو ما قدّمنا.

واعتبار المقارنة بمعنى عدم جواز التقديم متّفق عليه بيننا كما في المدارك وغيره (٢) ، وعزاه في الأوّل إلى أكثر العامة.

وفي جواز التأخير مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الفاضلين (٣) أو بشرط بقاء العين ، أو علم القابض بكون المدفوع زكاة وإلاّ فإشكال ، إشكال ، والاحتياط يقتضي المصير إلى الثاني.

ولا بُدّ فيها أيضاً من التعيين وقصد القربة قطعاً ، والوجوب أو الندب على الأحوط كما في كل عبادة. ولا تفتقر إلى تعيين الجنس الذي يخرج منه إجماعاً كما في المنتهى (٤) ، وفي غيره نفي الخلاف عنه (٥).

__________________

(١) الذخيرة : ٤٦٨ ، المدارك ٥ : ٣٠١.

(٢) المدارك ٥ : ٣٠١ ؛ وانظر الذخيرة : ٤٦٨.

(٣) كما في الشرائع ١ : ١٦٨ ، والإرشاد ١ : ٢٨٩.

(٤) المنتهى ١ : ٥١٦.

(٥) المفاتيح ١ : ٢٠٩.

١٢٠