رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

نظرت لم يكن عليك شي‌ء ».

بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال ، الشامل لما نحن فيه ، بل ولغيره ، المعتضد في محلّ البحث بعدم معلومية الفساد ، لعدم معلومية حصول الإفطار الشرعي بمثله وإن فسد الصوم اللغوي والعرفي ، لعدم التلازم بينه وبين الفساد الشرعي ، فكم من صوم شرعي ليس بصوم لغوي ولا عرفي وبالعكس ، كما إذا تناول ناسياً ، فإنّه ليس بصوم لغوي ولا عرفي قطعاً ، مع أنّه صوم شرعي إجماعاً.

فلعلّ ما نحن فيه من قبيله وإن لم نقطع به. فإذا لم يثبت الفساد شرعاً وجب عليه إمساكه ؛ تحصيلاً لامتثال الأمر القطعي بصومه.

ولا يجب القضاء ؛ لكونه بفرض جديد ، ولم يثبت إلاّ بدليل مفقود فيما نحن فيه وأمثاله ، ممّا يكون المكلّف فيه غير مقصّر في إفطاره بوجهٍ لاجتهاده ، فيكون كالناسي.

فيبعد غاية البعد شمول ما دلّ على القضاء بتناول المفطرات لمثله ، سيّما مع اختصاصه بصوم رمضان ، فلا يعمّ ما نحن فيه.

وهذا الأصل يختصّ بالواجب المعيّن ؛ لأنّه الذي يفرض فيه القضاء المتوقّف على أمر جديد منفيّ فيما نحن فيه.

ولا كذلك الواجب المطلق ؛ لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق ، فلا بدّ من اخرج من عهدته ، ولا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته وفساده.

ومن هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه (١).

وهذا الوجه (٢) لعلّه أقوى ، وفاقاً لجماعة من متأخّري متأخّري‌

__________________

(١) أي المطلق والمعيَّن ( منه رحمه‌الله ).

(٢) أي شمول الحكم بعدم وجوب القضاء مع المراعاة للواجب المعيّن أيضاً.

٣٦١

أصحابنا (١).

ويذبّ عن اختصاص الموثّق برمضان بعدم معارضته لعموم الدليل بعد وجوده.

وعن إطلاق الصحيح وتاليه مع ضعف سنده باختصاصه بحكم التبادر الموجب عن ملاحظة سياقهما بما إذا لم يراع ، فلا يعارض عموم الصحيح المذكور في الوجه الثاني ، المعتضد بالأصل الماضي (٢).

ولا يعارضه الحسن بعدهما ؛ لقصور سنده وإن اعتُبِر ، مع وروده كالخبر التالي في قضاء رمضان.

وهل يجوز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر؟

قال في الخلاف (٣) : لا. وربّما تشير اليه نصوص القضاء ، مضافاً إلى تعلّق الأمر بإمساك النهار ، الذي هو اسم لما هو نهار واقعاً ، فيجب ولو من باب المقدّمة.

وهذا الدليل جارٍ فيما إذا حصل له الظنّ بالبقاء ؛ لعدم اعتبارٍ به في نحو ما نحن فيه (٤).

لكن في المدارك : لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظنّ الحاصل من استصحاب بقاء الليل ، بل مع الشكّ في طلوع الفجر (٥).

ويعضد مضافاً إلى الأصل (٦) ظاهر الآية الكريمة : ( حَتّى يَتَبَيَّنَ

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٦ : ٩٣ ، والذخيرة : ٥٠١.

(٢) وهو عدم وجوب القضاء ، ووجوب صوم ذلك اليوم ؛ تحصيلاً للبراءة اليقينية من أمره ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الخلاف ٢ : ١٧٤.

(٤) أي مما هو من موضوعات ( منه رحمه‌الله ).

(٥) المدارك ٦ : ٩١.

(٦) أي أصالة إباحة الفعل ( منه رحمه‌الله ).

٣٦٢

لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (١). والموثّق : عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما : هوذا ، وقال الآخر : ما أرى شيئاً ، قال : « فليأكل الذي لم يستبن له الفجر ، وقد حرم على الذي زعم أنّه رأى الفجر ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ ) الآية » (٢).

وهذا أقوى ، وفاقاً لشيخنا الشهيد الثاني أيضاً (٣).

ودلالة لزوم القضاء على منع الفعل ضعيف جدّاً ؛ لعدم التلازم بينهما.

وعليه فهل يكفي في وجوب الكفّ حصول الظنّ بالفجر ، أم لا بدّ من حصول القطع به؟

الأوجه : الثاني ؛ لأنّ الظنّ في الموضوعات لا عبرة به.

ولو تناول حينئذٍ (٤) فصادف الفجر ، فهل يجب القضاء به ، أم لا؟ يحتمل الثاني ؛ للأصل ، والشكّ في انصراف ما دلّ على وجوبه إلى نحو ما نحن فيه ، بعد وقوع الفعل برخصةٍ من الشارع وأمره.

ويحتمل الأول ؛ لإطلاق ما دلّ على القضاء بتناول المفطر وفعله ، مع عدم معلومية صلوح الشكّ بالمسبّب المذكور مقيّداً له.

ولعلّ هذا أقرب ، سيّما مع تأيّده بما دلّ على وجوبه مع الظنّ ببقاء الليل ، وعدم خروجه بإخبار المختبر مضافاً إلى استصحاب بقائه.

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٨٢ / ٣٦٥ ، التهذيب ٤ : ٣١٧ / ٩٦٧ ، الوسائل ١٠ : ١١٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٨ ح ١.

(٣) كما في المسالك ١ : ٧٢.

(٤) أي مع الظنّ بالفجر ( منه رحمه‌الله ).

٣٦٣

( وكذا ) يجب القضاء خاصّةً ( لو أخلد إليه ) أي إلى المخبر ( في دخول الليل فأفطر ، وبان كذبه ، مع القدرة على المراعاة ).

بلا خلاف ، إلاّ من السيّد في المدارك ، فاستشكل في إطلاق الحكمين ، وخصّ وجوب القضاء بما إذا لم يَجُز للمفطر الإخلاد إليه ، وإلاّ فلم يجب أيضاً ، وعدمَ وجوب الكفّارة بما إذا جاز ، وإلاّ وجبت أيضاً (١).

ولا مخالفة له مع الأصحاب في الأول ، إلاّ مع فرض وجود مخبرٍ يجوز الإخلاد إليه في الإفطار ، ولم يذكره الأصحاب ، بل مقتضى أُصولهم العدم ، إلاّ إذا كان المخبر عدلين.

ومَنْ جوّز الإخلاد إليهما كالمحقّق الثاني (٢) صرّح بما ذكره من انتفاء القضاء. ومَنْ لا ، فلا وجه للتخصص عنده ، بل يجب عنده القضاء مطلقاً.

وتدلّ عليه مضافةً إلى إطلاق ما دلّ على وجوبه بتناول المفطر وفعله ـ فحوى ما دلّ على وجوبه مع الإخلاد إليه في طلوع الفجر ، فإنّه مع جواز المفطر يظنّ استصحاب بقاء الليل كما قلنا إذا وجب القضاء ، فلئن يجب مع عدم جوازه بظنّ استصحاب بقاء النهار بطريقٍ أولى.

وفي الغنية والخلاف : الإجماع على وجوبه خاصّةً هنا إذا أفطر شاكّاً (٣).

وإذا أُريد بالشكّ في عبارتهما ما قابل اليقين كما هو معناه لغةً ، ويفهم من كثيرٍ من الأخبار الواردة في بحث الشكوك في الصلاة ، بل‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ٩٤.

(٢) انظر جامع المقاصد ١ : ١٥٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الخلاف ٢ : ١٧٥.

٣٦٤

وفتاوى القدماء دلّ على وجوبه مع الظنّ أيضاً ، فإنّه أحد أفراده ، ولا فرق فيه بين المستفاد من خبر العدلين وغيرهما ، كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى هنا أيضاً من غير خلاف إلاّ ممّن قدّمنا.

ويمكن أن يكون التخصيص (١) لإخراج نحو الأعمى ممّن لا يتمكّن مع المراعاة لعدم وجوب القضاء عليه ، كما يأتي بناءً على أنّ عبارة الشرائع مطلقة بالنسبة إليه أيضاً ، حيث لم يقيّد فيها بصورة القدرة على المراعاة (٢).

فمراده بالإطلاق هذا ، فهو المخصَّص ، لا إطلاق ما هنا (٣) ؛ لعدم فردٍ له يمكن إخراجه ، حتّى العدلين عند السيّد ، لتصريحه بانتفاء ما يدلّ على جواز التعويل عليهما على وجه العموم ، خصوصاً في موضعٍ يجب فيه تحصيل اليقين كما هنا (٤).

وحينئذٍ فإشكاله متوجّه ، إلاّ أنّ دخول نحو الأعمى في إطلاق عباراتهم غير معلوم ، ولا سيّما عبارة الشرائع ، كما لا يخفى على مَن تدبّرها ، بل الظاهر المتبادر منها : مَن لا يسوغ له التقليد خاصّة. ولا مخالفة له على هذا التقدر أيضاً.

ولا في الثاني (٥) ، إلاّ على تقدير وجود دليلٍ يدلّ على وجوب‌

__________________

(١) أي : تخصيص صاحب المدارك وجوب القضاء بما إذا لم يجز للمفطر الإخلاد إلى المخبر.

(٢) الشرائع ١ : ١٩٢.

(٣) أي : مراد صاحب المدارك بالإطلاق الذي استشكل فيه ، إطلاق الشرائع لا إطلاق النافع.

(٤) المدارك ٦ : ٩٥.

(٥) عطف على قوله : في الأول راجع ص ٢٥٥٦ أي ، ولا مخالفة لصاحب المدارك مع الأصحاب.

٣٦٥

الكفّارة بمطلق الإفطار من غير إذنٍ شرعي.

ولم نجده كذلك ؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الفتوى والنصوص مع كثرتها بحكم التبادر وغيره بما إذا أفطر عامداً متعمّداً عالماً بكون الزمان الذي أفطر فيه نهاراً.

وما نحن فيه لا ريب في عدم تبادره منها عند الإطلاق جدّاً ، واللازم حينئذٍ الرجوع في غير المتبادر (١) إلى مقتضى الأصل ، وهو العدم كما ذكره الأصحاب ، وقد صرّح السيّد بذلك في غير باب.

ولعلّه إلى هذا نظر صاحب الذخيرة في اعتراضه على السيّد بعد نقل تفصيله بقوله : وفيه تأمّل ، فإنّ مقتضى كون المفطر ممّن لا يسوغ له التقليد ترتّب الإثم على الإفطار لا القضاء والكفّارة.

ثم قال : ولا يبعد أن يقال : إن حصل الظنّ بإخبار المختبر اتّجه سقوط القضاء والكفّارة ؛ لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (٢) ، ولا يبعد انتفاء الإثم أيضاً.

وإلاّ فالظاهر ترتّب الإثم ؛ لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فإنّ مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظنّ بالامتثال ، وهو منتفٍ في الفرض المذكور.

وأمّا وجوب القضاء ففيه تأمّل ؛ لعدم دليلِ دالّ عليه ، وعدم الاستلزام بين حصول الإثم ووجوب القضاء (٣). انتهى.

وهو حسن ، إلاّ أنّ ما ذكره من سقوط القضاء بالظنّ الحاصل من‌

__________________

(١) أي الإفطار إخلاداً إلى المخبر مع عدم الجواز ( منه رحمه‌الله ).

(٢) في ص : ٢٥٦٢.

(٣) الذخيرة : ٥٠٢.

٣٦٦

الخبر بدعوى دلالة الصحيحة عليه محلّ نظر ، وجهه سيذكر.

وكذا ما ذكره من عدم دليلٍ دالّ على القضاء في صورة الشكّ ؛ لأنّك قد عرفت الدليل الدالّ عليه هنا فيما مضى (١).

واحترز بالقدرة على المراعاة عمّن تناول كذلك (٢) مع عدم إمكانها لغيم أو حبس أو عمى ، حيث لا يجد من يقلّده ، فإنّه لا يقضي.

وهو كذلك ، لا لما قيل من أنّ المرء متعبّد بظنّه (٣) ؛ إذ لم أقف على دليل عليه على إطلاقه.

بل للأصل ، وعدم دليل على وجوب القضاء حينئذٍ ؛ لاختصاص ما دلّ عليه من الأولوية ونحوها بما إذا أفطر قادراً على المراعاة ، لا مطلقاً.

والشكّ في عبارتي الخلاف والغنية (٤) ليس نصّاً في المعنى الأعم. فيحتمل الأخصّ ، الذي ليس منه محلّ الفرض ؛ لحصول الظنّ بإخبار الغير غالباً. ولو فرض العدم اتّجه الوجوب ؛ لعموم الإجماع المنقول.

هذا ، ويؤيّد عدم وجوب القضاء في أصل الفرض (٥) ما سيأتي من النصوص في المسألة الآتية (٦).

ويفهم من العبارة ونحوها انتفاء القضاء إذا راعى. ولا ريب فيه مع اليقين بدخول الليل ، ومع الظنّ به إشكال. مقتضى الأصل الانتفاء إذا جاز الاعتماد عليه شرعاً ، وإلاّ فالثبوت أقوى ، عملاً بعموم ما دلّ على إيجاب‌

__________________

(١) من الفحوى والإجماعين المحكيين ( راجع ص ٢٥٥٧ ) ( منه رحمه‌الله ).

(٢) أي إخلاد إلى المخبر ( منه رحمه‌الله ).

(٣) أنظر المسالك ١ : ٧٢ ، الروضة ٢ : ٩٣.

(٤) راجع ص : ٢٥٥٦.

(٥) وهو الإفطار مع الإخلاد مع عدم القدرة على المراعاة ( منه رحمه‌الله ).

(٦) انظر ص : ٢٥٦٢.

٣٦٧

فعل المفطرات القضاء.

ويحتمل وجوب الكفّارة أيضاً هنا وفي ما مضى ، كما ذكره في المدارك وفاقاً لجدّه (١).

إمّا لصدق التعمّد عليه حقيقةً كما ذكراه ، أو لعموم بعض النصوص الصحيحة بوجوبها بفعل المفطر مطلقاً (٢) ، من غير تقييدٍ بالتعمّد ، وإنّما هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصّة ، فلا يصلح مقيّداً لما أُطلق من أخبارها.

وحينئذٍ فالأصل وجوبها مطلقاً ، إلاّ ما قام الدليل على العدم فيه ، وليس منه ما نحن فيه.

وبعض الأخبار الدالّة على اشتراط التعمّد بالنسبة إليها بل والقضاء أيضاً (٣) ضعيفة السند ، بل والدلالة ، كما بيّنته في محلٍّ أليق به وأحرى (٤).

اللهُمَّ إلاّ أن يقال بالاتّفاق على التقييد بالعمد فيها.

وفيه : أنّه لا يتمّ في محلّ النزاع.

وكيف كان لا ريب أنّها أحوط وأولى.

هذا هو الأمر الرابع.

وأمّا الخامس : فهو ما أشار إليه بقوله ( والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ).

بلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء ، إن أُريد بالوهم معناه‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ٩٤ ، المسالك ١ : ٧٢.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٧٤٤ ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٤) في حاشيتي على الحدائق في بحث سقوط القضاء والكفارة عن المفطر جاهلاً ( منه رحمه‌الله ).

٣٦٨

المعروف وهو الطرف المرجوح أو الشكّ ، المقابلان للظنّ ، وانكشف فساد الوهم وبقاء النهار.

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد موجباته ، مضافاً إلى ما مرّ من إجماع الغنية والخلاف على وجوبه مع الشكّ (١) ، فمع الوهم بالمعنى الأول أولى.

ويشكل الحكم بعدم وجوب الكفّارة حينئذٍ ، بل قطع جماعة من متأخّري الأصحاب بوجوبها (٢) ، تبعاً للحلّي (٣).

ولعلّه الأقوى ؛ عملاً بعموم ما دلّ على وجوبها ، إلاّ ما أخرجه النصّ والفتوى اتّفاقاً ، وليس منه ما نحن فيه جدّاً.

خلافاً للمختلف ، فخطّأ الحلّي في ذلك ، وقال : إنّه كلام من لا يحقّق شيئاً (٤).

ولم أعرف له وجهاً.

نعم ، لو تبيّن دخول الليل كان ما ذكره حقّا ، كما لو استمرّ الاشتباه على الأقوى ، وفاقاً للمنتهى (٥) ؛ للأصل ، واختصاص ما دلّ على القضاء بتناول المفطر بصورة العلم بوقوعه نهاراً.

وإن أُريد بالوهم الظنّ ، بناءً على أنّه أحد معانيه أيضاً ، وربّما تومئ اليه المقابلة له بقوله : ( ولو غلب على ظنّه دخول الليل لم يقض ).

__________________

(١) في ص : ٢٥٥٧.

(٢) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد : ٦٥ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢٠ : ٩٤ ، وصاحب المدارك ٦ : ٩٧.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٤.

(٤) المختلف : ٢٢٤.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٧٨.

٣٦٩

كان وجوب القضاء محلّ إشكال ؛ لاختلاف الأصحاب فيه على قولين بل أقوال بعد اتّفاقهم على عدم وجوب الكفّارة على الظاهر ، المصرّح به في الروضة ، وإن احتمل فيها وجوبها مع ظهور الخطأ ، بل مع استمرار الاشتباه أيضاً (١). ولكنّه نادر جدّاً.

فالمشهور بين القدماء بل مطلقاً ، كما في المختلف والدروس (٢) وجوبه مطلقاً ، ومنهم : المفيد ، والشيخ في المبسوط ، والمرتضى ، والحلبي ، والديلمي ، وغيرهم (٣) ، وهو صريح الفاضلين في المعتبر والتحرير والمنتهى (٤) ، ويميل الفاضل إليه في المختلف (٥).

لعموم ما دلّ على وجوبه بفعل أحد أسبابه ، وللصحيح أو الموثّق : في قومٍ صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فأفطر بعضهم ، ثم إنّ السحاب انجلى فاذا الشمس ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ؛ لأنّه أكل متعمّداً » (٦).

خلافاً للشيخ في النهاية ، والصدوق ، والقاضي فيما حكي ، والفاضل‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٩٤.

(٢) المختلف : ٢٤٤ ، الدروس ١ : ٢٧٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٣٥٧ ، المبسوط ١ : ٢٧١ ، نقله عن المرتضى في المختلف : ٢٢٤ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، الديلمي في المراسم : ٩٨ ؛ وحكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : ٢٢٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٧٧ ، التحرير ١ : ٨٠ ، المنتهى ٢ : ٥٧٨.

(٥) المختلف : ٢٢٤.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١.

٣٧٠

في الإرشاد والقواعد (١) ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين (٢).

للنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً » (٣) ونحوه الخبر (٤).

ومنها الصحيح أيضاً على الظاهر ، كما قيل (٥) ـ : عن رجلٍ صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب قد انجلى فاذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه » (٦) ونحوه الخبر (٧).

ومنها الموثّق كالصحيح بل الصحيح كما قيل (٨) ـ : في رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ، ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : « ليس عليه قضاء » (٩).

__________________

(١) النهاية : ١٥٥ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٥٠ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٢ ، الإرشاد ١ : ٢٩٧ ، القواعد : ٦٤.

(٢) كصاحبي المدارك ٦ : ٩٥ ، والذخيرة : ٥٠٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ / ٨١٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٦ ، الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٩ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ / ١٠٣٩ ، الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.

(٥) انظر روضة المتقين ٣ : ٣٣٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٦ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣ ، وفي الجميع : غيم بدل علة.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ / ٨١٧ ، الإستبصار ٢٣ : ١١٥ / ٣٧٥ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٤.

(٨) انظر المدارك ٦ : ٩٥.

(٩) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٦٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢.

٣٧١

وهذه النصوص مع استفاضتها ، وصراحة ما عدا الصحيحة الأُولى منها وظهورها أيضاً ، واعتبار أسانيد أكثرها وإن سلّمنا عدم صحّتها لا معارض لها عدا الإطلاقات ، واللازم على تقدير انصرافها إلى محلّ البحث تقييدها بهذه لأخصّيتها بالإضافة إليها.

والصحيح المتقدّم سنداً للقدماء وهو بعد الإغماض عن سنده غير واضح الدلالة على مطلوبهم ؛ إذ ليس فيه إلاّ الأمر بصيام ذلك اليوم ، والمراد به إتمامه ، دفعاً لتوهّم أنّ الإفطار في الأثناء يبيحه في الباقي.

ولا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة ، بل يؤكّده ؛ لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقاً ، أكل في الأثناء أم لا. وكذا قوله تفريعاً عليها : « فمن أكل » إلى آخره.

بل قوله في تعليل القضاء بأنّه « أكل متعمّداً » يؤكّد إرادة ما ذكرناه ، وإلاّ فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلاً متعمّداً ، كما لا يخفى.

ولئن تنزلّنا ، فلا أقلّ من احتمال ما ذكرناه احتمالاً متساوياً ، فتكون به الرواية مجملةً لا تصلح للحجّية ، فضلاً عن أن تُعارَض بها تلك الأخبار المستفيضة ، التي في الدلالة هي ما بين صريحة وظاهرة.

مع أنّها موافقة لما عليه الجمهور ، كما صرّح به في المنتهى (١) ، فينبغي حملها على التقيّة وإن سلمت عمّا قدّمناه من وجوه المناقشة.

فهذا القول في غاية القوّة ، سيّما مع اعتضاده بأصالة البراءة.

وإن كان الأول أحوط ؛ للشهرة العظيمة القريبة من الإجماع من القدماء لولا مخالفة الصدوق ، لرجوع الشيخ في المبسوط عمّا في النهاية ، وعدم معلومية مذهب القاضي في المسألة ؛ لاختصاص عبارته المنقولة في‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٧٨.

٣٧٢

المختلف بصورة الشكّ ، كعبارتي الخلاف والغنية (١).

ويحتمل إرادتهم منهم معناه المعروف لغةً ، المقابل لليقين ، الشامل للظنّ أيضاً ، فتكون فتواهم فيه الحكم بوجوب القضاء مع دعوى الإجماع عليه ، كما مضى.

وأمّا الفاضل ، فهو وإن اختار الثاني فيما مرّ من كتبه ، لكنّه في المختلف الذي هو آخر مؤلّفاته قد رجع عنه ومال إلى الأول (٢).

فيمكن ترجيح الإطلاقات على ما قابلها من النصوص ؛ لقطعيّتها وشذوذه على ما فرضنا ، سيّما مع قصور سند أكثره عن الصحّة ، وعدم صراحة دلالة الصحيحة بما ذكره في المختلف ، من أنّ مضيّ الصوم لا يستلزم عدم القضاء (٣).

أقول : مع أنّها بإطلاقها شاذّة لا عامل بها ؛ لشمولها لصور الوهم والشكّ والظنّ ، مع العجز من تحصيل العلم بالمراعاة وعدمه. ولا قائل بها في الأُوليين منها قطعاً ، وكذا في الأخيرة مع إمكان العلم.

خلافاً لصاحب الذخيرة فيها ، فظاهره عدم وجوب القضاء (٤) ؛ لإطلاق هذه الصحيحة ، بل جملة نصوص المسألة.

وفيه : أنّ سياق ما عداها ظاهر في الاختصاص بصورة عدم الإمكان كما لا يخفى. وأمّا هي فيمكن تخصيصها بهذه الصورة ، توفيقاً بينها وبين الأُصول المقتضية لاعتبار تحصيل العلم بدخول الليل ، المؤيّدة بجملة من‌

__________________

(١) المتقدمتين في ص : ٢٥٥٧.

(٢) المختلف : ٢٢٤.

(٣) المختلف : ٢٢٤.

(٤) الذخيرة : ٥٠٢.

٣٧٣

النصوص الدالة على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص أو الحمرة (١) ، مع دلالة بعضها كما قيل (٢) على أنّه مع عدم العذر لا بدّ في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

هذا ، وما أبعد ما بين هذا وبين ما يستفاد من كلام المفيد المحكي في المختلف في المسألة ، من عدم جواز التعويل على الظنّ مع الضرورة ، ولزوم التأخير إلى تيقّن الوقت ، تحصيلاً للبراءة اليقينية (٣).

ولا ريب أنّ هذا أوفق بالأُصول ، بل يتعيّن العمل عليه ، لولا فحوى ما دلّ على جواز التعويل على الظنّ بدخول الوقت في الصلاة (٤) ، فهنا أولى ، أمّا معها فلا.

سيّما وفي المدارك : لا خلاف بين علمائنا ظاهراً في جواز الإفطار عند ظنّ الغروب إذا لم يكن للظانّ طريق إلى العلم (٥) وقريب منه عبارة الفاضل في المختلف (٦).

لكن قد عرفت خلاف المفيد ، مع أنّه يتوجّه عليه ما في الذخيرة‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٢.

(٢) الحدائق ١٣ : ١٠٢.

(٣) المختلف : ٢٢٤.

(٤) كالروايات الدالّة على التعويل في دخول الوقت على صياح الديك وأذان الثقة. انظر الوسائل ٤ : ١٧٠ ب ١٤ أبواب المواقيت ، وج ٥ : ٣٧٨ ب ٣ أبواب الأذان والإقامة.

(٥) المدارك ٦ : ٩٥.

(٦) حيث قال في جملة كلام له ( ص : ٢٢٤ ) : وقول الشيخ : أنّه مكلّف بالظنّ ، قلنا : ما لم يظهر الكذب فيه ، ولهذا لو ظنّ الطهارة لوجبت عليه الصلاة ، فلو انكشف فساد ظنّه وجبت عليه الإعادة ، وهو كثير النظائر. فعلم أنّ مطلق الظن غير كافٍ في السقوط ، بل ما لم يظهر فساده. انتهى. وهو كما ترى ظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في جواز الاعتماد على الظن وإلاّ لمنعه ولو جدلاً ، فتأمّل جدّاً. ( منه رحمه‌الله ).

٣٧٤

من أنّ ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإنّ أكثر عباراتهم خالٍ عن التصريح ، وقال المصنّف في التذكرة : الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتّى تيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب إلى تيقّن خلافه. ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل وظاهره وجود الخلاف في الحكم المذكور ، وما قربه متّجه ، لصحيحة زرارة (١).

أقول : وممّن ظاهره المخالفة ، وعدم جواز التعويل على الظنّ : الحلّي في السرائر ، لكن في الظنّ غير القوي ، كما يستفاد من عبارته ، حيث أوجب فيها القضاء مع الظنّ ونفاه مع غلبته ، معلّلاً الثاني بصيرورة تكليفه في عبادته غلبة ظنّه (٢).

وهو ظاهر بل صريح في أنّ تكليفه مع الظنّ غير الغالب الصبر وعدم جواز الاعتماد عليه.

وما ذكره الحلّي من هذا التفصيل في أصل المسألة غير واضح المأخذ والحجّة ، بل إطلاق النصوص المتقدّمة يدفعه. مع أنّ مراتب الظنّ غير منضبطة ؛ إذ ما من ظنٍّ إلاّ وفوقه أقوى ودونه أدنى ، لاختلاف الأمارات الموجبة له ، فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقّق ، بل ولا على ما فوقه. وبذلك ردّه من المتأخّرين جماعة (٣).

وقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : وجوب القضاء مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين ضعيف الظنّ فالأول ، وقويّه فالثاني ، وخيرها : أوسطها ، لولا ما قدّمناه ، وأحوطها : أولها قطعاً.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٠٢ ، وتقدّمت صحيحة زرارة في ص ٢٥٦٢ الرقم (١٠).

(٢) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٢ ، وصاحب المدارك ٦ : ٩٧.

٣٧٥

( و ) السادس : ( تعمّد القي‌ء ) مع عدم رجوع شي‌ء إلى حلقه اختياراً ( وإن ذَرَعَه (١) لم يقض ).

بلا خلافٍ في الثاني ، إلاّ من الإسكافي ، فيقضي من المحرّم ، ويكفّر أيضاً لو استكره (٢).

وهو مع ندوره ، ومخالفته لما يأتي من النصوص دليله غير واضح ، وفي صريح المنتهى وغيره : الإجماع على خلافه (٣).

وعلى الأظهر الأشهر في الأول ، بل عليه عامّة من تأخّر ، وفي صريح الخلاف ومحتمل الغنية بل ظاهره وظاهر المنتهى ـ : الإجماع عليه (٤).

وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل في الجملة ، والمعتبرة المستفيضة :

منها : الصحيح المروي بطريقين كذلك : « إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه » (٥).

والصحيح المروي عن كتاب علي بن جعفر : « إن كان تقيّأ متعمّداً فعليه قضاؤه ، وإن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي‌ء » (٦).

والموثّق : « إن كان شي‌ء يبدره فلا بأس ، وإن كان شي‌ء يكره نفسه‌

__________________

(١) ذَرَعَه القي‌ء سَبَقَه وغلبه الصحاح ٣ : ١٢١٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٢ ؛ والمحكي عنه في الجواهر ١٦ : ٢٨٩ : « استكثر » بدل : « استكره ».

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٩ ، التذكرة ١ : ٢٦٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٧٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٠ ، الوسائل ١٠ : ٨٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ١.

(٦) مسائل علي بن جعفر : ١٧٧ / ٥٥ ، الوسائل ١٠ : ٨٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ١٠.

٣٧٦

عليه أفطر وعليه القضاء » (١).

خلافاً للمرتضى والحلّي ، فلا قضاء به وإن حرم (٢) ؛ للأصل ، والصحيح الحاصر (٣). ويخصّصان بما ذكر.

وللصحيح أو الموثّق كما قيل (٤) ـ : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة » (٥).

وليس فيه تصريح بالتعمّد ، فيقدّ بغيره جمعاً ، حَملَ المطلق على المقيّد. وهو أولى من حمل تلك الأدلّة على الاستحباب ؛ لرجحانه في حدّ ذاته على الثاني ، مضافاً إلى رجحانه في المسألة برجحان أدلّة القضاء بالكثرة والشهرة.

مع أنّ الإجماع المنقول لا يقبل الحمل على الاستحباب كبعض النصوص : « من تقيّأ متعمّداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة ، فإن شاء الله عذّبه ، وإن شاء غفر له » (٦) ولا بأس بقصور السند أو ضعفه بعد العمل.

ولبعض أصحابنا في ما حكاه عنه المرتضى ـ : أنّه يكفّر أيضاً (٧).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٩١ ، الوسائل ١٠ : ٨٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٥.

(٢) المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٧٨.

(٣) المتقدّم في ص : ٢٥١.

(٤) العلاّمة المجلسي في ملاذ الأخبار ٧ : ٤٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٨ ، الوسائل ١٠ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٦.

(٧) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٤.

٣٧٧

وهو غير معروف ، ومع ذلك مستنده غير واضح ، عدا تضمّن جملة من النصوص أنّه مفطر (١) ، فيدخل في عموم الأخبار الكثيرة : أنّ من تعمّده كان عليه الكفّارة (٢).

ويضعفه بعد الأصل ، والإجماع على خلافه على الظاهر أنّ تلك النصوص كما تضمّنت ذلك دلّت هي كباقي الأخبار على عدم وجوبها ، من حيث تضمّنها جملةً وجوب القضاء خاصّة ، من غير إشارة إلى الكفّارة ، مع أنّها واردة في مقام الحاجة.

مع أنّ المتبادر من الإفطار إفسادُ الصوم بالأكل والشرب ، فيجب الحمل عليه خاصّة ؛ لأنّ اللفظ إنّما يحمل على الحقيقة. وإطلاق الوصف (٣) عليه فيما مرّ من النصوص لا يستلزم كونه من أفرادها ؛ لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، والمجاز أولى من الاشتراك.

إلاّ أن يقال : إنّ التجوّز يستلزم الشركة في وجوه الشبه ، ومنها هنا لزوم الكفّارة.

وهو حسن إن تساوت في التبادر ونحوه. وفيه مناقشة ، بل المتبادر منها الإثم ولزوم القضاء خاصّة.

( و ) السابع : ( إيصال الماء إلى الحلق متعدّياً لا للصلاة ).

يعني : من أدخل فمه الماء ، فابتلعه سهواً ، فإن كان في غير المضمضة للطهارة كأن كان متبرّداً أو عابثاً فعليه القضاء خاصّة ، وإن كان في المضمضة لها فلا قضاء أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٨٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.

(٣) أي المفطر ( منه رحمه‌الله ).

٣٧٨

ولا خلاف في هذا التفصيل في الجملة بين علمائنا ، بل عزاه في المنتهى إليهم ، مشعراً بكونه إجماعاً (١) ، كما هو صريح الانتصار والخلاف والغنية أيضاً (٢).

وإن اختلفت عبائرهم في التعبير عمّا لا يجب فيه القضاء بالتمضمض للطهارة ولو لنحو البقاء عليها والطواف ، كما في عبارة الانتصار وكثير (٣) ، وبه صرّح في السرائر (٤) ، ولعلّه يفهم من الغنية والمنتهى.

أو به للصلاة خاصّةً ، كما في عبارة الخلاف (٥) وجماعة (٦).

وجَعَلَ هذا محلَّ خلاف في السرائر ، وجعل الأول (٧) هو الصحيح ، حاكياً له (٨) عن الشيخ في الجمل والعقود والنهاية (٩).

وعمّا يجب فيه القضاء بمطلق ما عدا الطهارة أو الصلاة ، كما في عبارتي الأولين (١٠) ، أو بالتبرّد خاصّةً من غير إشارة إلى غيره مطلقاً كما في عبارتي الأخيرين (١١).

ويظهر من الإرشاد كون هذا أيضاً محلّ خلاف أيضاً ، حيث ألحق‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩. ٥‌

(٢) الانتصار : ٦٤ ، الخلاف ٢ : ٢١٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٣) الانتصار : ٦٤ ، النهاية : ١٥٤ ، الشرائع ١ : ١٩٢.

(٤) السرائر ١ : ٣٧٨.

(٥) الخلاف ٢ : ٢١٥.

(٦) كالعلامة في القواعد ١ : ٦٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ٢٧٤ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٥٠ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٩٠.

(٧) أي : إنّ المضمضة للطهارة مطلقاً لا توجب القضاء.

(٨) أي : للخلاف.

(٩) السرائر ١ : ٣٧٥.

(١٠) أي : المنتهى والانتصار.

(١١) أي : الخلاف والغنية.

٣٧٩

المضمضة به للتداوي والعبث بها للصلاة ، قائلاً بعده : على رأي (١).

والأصحّ في المقامين ما في الانتصار والمنتهى ؛ استناداً بعد الإجماع المنقول فيهما عليهما إلى فحوى الصحيح وغيره (٢) ، بل صريحهما في الجملة في الثاني (٣).

والموثّق فيهما : عن رجلٍ عبث بالماء يتمضمض به من عطشٍ فدخل حلقه ، قال : « عليه القضاء ، وإن كان في وضوءٍ فلا بأس » (٤).

ومنطوقه يعمّ الوضوء للصلاة وغيرها كما صرّح به الحلّي (٥) ومفهومه العبث به وغيره.

ولكن ينبغي أن يستثني من هذا : ما إذا كان لإزالة النجاسة أو التداوي ، وفاقاً للتذكرة والدروس (٦) وغيرهما (٧) ؛ للأمر بهما شرعاً ، فلا يستعقبان شيئاً ، مع بُعد انصراف الإطلاق إليهما جدّاً.

بل لولا النصّ والإجماع لكان القول بعدم لزوم القضاء مطلقاً متوجّهاً ؛ للصحيح الحاصر (٨) ، ولوقوع الفعل سهواً مع جوازه من أصله ، بلا خلاف أجده ، إلاّ من الشيخ في كتابي الحديث ، فمنع عنه للتبرّد في‌

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٢٩٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣.

(٣) أي في المقام الثاني ، وهو عدم الاختصاص بالتبرّد ( منه رحمه‌الله ).

(٤) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٠ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٩١ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.

(٥) السرائر ١ : ٣٧٨.

(٦) التذكرة ١ : ٢٦٢ ، الدروس ١ : ٢٧٤.

(٧) كالمدارك ٦ : ١٠١.

(٨) المتقدم في ص : ٢٥١٤.

٣٨٠