رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

الاستبصار (١) ، وفي التهذيب : إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفّارة والقضاء (٢).

ولا دليل عليه ، بل في المرسل كالصحيح : وفي الصائم يتمضمض ويستنشق ، قال : « نعم ، ولا يبالغ » (٣).

وفي الموثّق : عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : « ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمّد ذلك » قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإن تمضمض الثالثة؟ قال : فقال : « قد أساء ، وليس عليه شي‌ء ولا قضاء » (٤).

وفي المنتهى : لو تمضمض لم يفطر ، بلا خلافٍ بين العلماء كافّة ، سواء كان في الطهارة أو غيرها. أمّا لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه ، فإن تعمّد بابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفّارة ، وهو قول كلّ من أوجبهما بالأكل والشرب وإن لم يقصده بل ابتلعه بغير اختياره فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفّارة ، وإن كان للتبرّد أو العبث وجب عليه القضاء خاصّة ، وهو قول علمائنا (٥). انتهى.

والنصّ الوارد بوجوب الأمرين بالتمضمض والاستنشاق (٦) لا قائل بإطلاقه ؛ لشموله ما إذا لم يتعدّ الحق ، فينبغي تقييده بما إذا تعمّد الازدراد‌

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٩٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٧ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٧٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٦) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الإستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٦٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

٣٨١

جمعاً. وتقييده بصورة التعدّي خاصّةً فيه اطراح لما مرّ من الأدلّة.

وبما ذكرنا ظهر وجه سقوط الكفّارة مطلقاً ، حتّى في صورةٍ يجب فيها القضاء ؛ لمخالفتهما الأصل ، فيقتصر فيها على مورد النصّ والفتوى ، مضافاً إلى خلوّ النصوص الآمرة بالقضاء عن التعرّض لها أصلاً ، مع ورودها في مقام الحاجة.

ثم إنّ ظاهر ما مرّ من الأدلّة عدم الفرق في الطهارة بين كونها الفريضة أو نافلة ، وبه صرّح جماعة (١) ، ومنهم : الشيخ في الخلاف ، مع دعواه الإجماع (٢).

لكن نُقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى الفرق بينهما ، فيجب القضاء في الثانية ، وأمّا الاولى فلا (٣).

واحتاط به المحقّق الثاني (٤). وهو كذلك ؛ للصحيح : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (٥) وقريب منه المقطوع (٦).

وفي إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في إيجاب القضاء وجهان ، بل قولان‌

__________________

(١) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٥٧٩ ، وصاحب المدارك ٦ : ١٠١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢١٥.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٣ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٥٠ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٩٠.

(٤) جامع المقاصد ٣ : ٦٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٧ / ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٩٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١ بتفاوت يسير.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

٣٨٢

من الأصل ، واختصاص الموجب له بالمضمضة ، فلا يتعدّى.

ومن اتّحادهما في المعنى ، وعلى هذا ابن زهرة في الغنية ، مع دعواه الإجماع (١). وهو أحوط ، إن لم نقل بكونه المتعيّن.

وعلى الأول السيّد في المدارك وصاحب الذخيرة (٢) ، وتردّد بينهما الفاضل في المنتهى (٣).

( وفي إيجاب القضاء بالحقنة ) بالمائع ( قولان ) :

أولهما للمرتضى في الناصريات نافياً الخلاف عنه ، والشيخ في الجمل والاقتصاد والمبسوط والخلاف مدّعياً فيه عليه الإجماع ، وابن زهرة في الغنية مدّعياً له أيضاً في محتمل كلامه أو ظاهره ، والقاضي ، والحلبي ، والماتن في موضع من الشرائع ، والقواعد والتحرير والإرشاد والمختلف والدروس (٤).

ولا دليل عليه سوى ما في المختلف من أنّه قد أوصل إلى جوفه ، فأشبه ما لو ابتلعه ، لاشتراكهما في الاغتذاء.

والصحيح : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (٥) ؛ لأنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّية ، فيكون بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر ، وذلك يوجب‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٢) المدارك ٦ : ١٠٠ ، الذخيرة : ٥٠٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٤٢ ، جمل العقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٣ ، الاقتصاد : ٢٨٨ ، المبسوط ١ : ٢٧٢ ، الخلاف ٢ : ٢١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ القاضي في المهذب ١ : ١٩٢ ، الحلبي في الكافي : ١٨٣ ، الشرائع ١ : ١٩٢ ، القواعد : ٦٤ ، التحرير : ٧٨ ، الإرشاد ١ : ٢٩٦ ، المختلف : ٢٢١ ، الدروس ١ : ٢٧٥.

(٥) الكافي ٤ : ١١ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٤.

٣٨٣

عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان ، فوجب القضاء (١).

ويضعّف الأول : بأنّه قياس مع الفارق ، فإنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة ، ولا إلى موضع الاغتذاء ، كما عن المعتبر (٢).

والثاني : بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه ، واللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه لا عند حصوله وإن كان محرّماً.

فلم يبق إلاّ الإجماع المنقول. فإن تمّ ، وإلاّ كان ( أشبههما : أنّه لا قضاء ) وفاقاً للمرتضى في الجمل حاكياً له عن قوم والحلّي ، والشيخ في النهاية والاستبصار ، والفاضل في المنتهى ، وشيخنا في المسالك ، وسبطه في المدارك (٣) ، وجماعة ممّن تأخّر عنه (٤).

وهو ظاهر العماني (٥) حيث لم يذكرها في موجبات القضاء والإسكافي حيث استحب تركها (٦) وحكي عن المعتبر أيضا (٧).

للأصل واستصحاب بقاء صحة الصوم.

والنهي عن الاحتقان لا يقتضي فساده لاحتمال أن يكون حراما لا لكونه مفسدا كذا عن المعتبر (٨) وسلمه منه جملة ممن تأخر عنه (٩).

وفي الاحتمال بُعد ، بل الظاهر خلافه ، كما يشهد له التتبّع ، فيمكن‌

__________________

(١) المختلف : ٢٢١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٧٩.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٥٤ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٧٨ ، النهاية : ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ، المنتهى ٢ : ٦٨ ، المسالك ١ : ٧١ ، المدارك ٦ : ٩٩.

(٤) كالسبزواري في الكفاية : ٤٦ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٧.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٢١.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٢١.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٧٩.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٧٩.

(٩) كالسبزواري في الذخيرة : ٥٠٠.

٣٨٤

أن يوجّه به الإفساد الموجب للقضاء ، سيّما مع اعتضاده بنقل الإجماع عديداً ، معتضداً بشهرة القدماء.

وكيف كان ، لا ريب أنّه أحوط وأولى ، إن لم نقل بكونه متعيّناً.

( وكذا ) لا يجب القضاء على ( من نظر إلى امرأة ) ونحوها ، أو أصغى إليهما ( فأمنى ) محلّلةً كانت أو محرّمة.

إلاّ إذا كان معتاداً للإمناء عقيب النظر وقصد ذلك ، فيجب القضاء والكفّارة معاً ، على أصحّ الأقوال وأظهرها.

استناداً في الأول إلى الأصل ، مع عدم دليل على وجوب شي‌ء بمجرّد النظر مطلقاً ، ولو مع اعتياد الإمناء عقيبه من غير قصد إليه ، مع أنّ في الناصرية والخلاف الإجماع عليه (١).

وفي الثاني إلى أنّه ـ بقصده النظر واعتياده الإمناء عقيبه متعمّد له ، فيشمله ما دلّ على وجوب القضاء والكفّارة بالاستمناء عمداً.

والذي أظنّه أنّ هذا ليس محلّ خلاف لأحد في إيجابه الأمرين معاً ، وإنّما الخلاف في عدم وجوبهما في الأول مطلقاً ، كما هو خيرة السيّدين ، والقاضي ، والحلّي ، والفاضلين هنا وفي المعتبر والشرائع والإرشاد ، وشيخنا في المسالك ، وسبطه في المدارك (٢).

أو إذا لم يكن إلى محرّم ، وإلاّ فيجب القضاء مطلقاً ، كما عن الشيخين ، والديلمي ، وفي التنقيح ، والتحرير والمنتهى (٣) ، لكن فيهما‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٤٣ ، الخلاف ٢ : ١٩٨.

(٢) المرتضى في الانتصار : ٦٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٣ ، الحلّي في السرائر ١ : ٣٧٤ / ٨٨ ، الناقلين في المعتبر ٢ : ٦٧ ، والشرائع ١ : ١٩٢ ، والإرشاد ١ : ٢٩٦ ، المسالك ١ : ٧٣ ، المدارك ٦ : ١٠٢.

(٣) المفيد في المقنعة : ٣٤٥ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٢ ، الديلمي في المراسم : ٩٨ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٦٨ ، التحرير ١ : ٧٧ ، المنتهى ٢ : ٥٦٤.

٣٨٥

التقييد بشهوة ، كما عن المبسوط أيضاً (١).

أو إذا لم يقصد الإنزال ولا كرّر النظر ، وإلاّ فيجب بقصد الإنزال : القضاء والكفّارة معاً ، وبالتكرار : الأول خاصّة ، كما في المختلف (٢).

ولبعض الأصحاب هنا تفصيل آخر (٣) ، ولم أعرف وجهه.

والمستفاد من الأُصول ما حرّرناه.

( السادسة : تتكرّر الكفّارة ) مع فعل موجبها ( تغاير الأيّام ) ولو من رمضان وحد مطلقاً (٤) ؛ بإجماعنا على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة مستفيضاً (٥).

( وهل تتكرّر بتكرّر الوطء ) (٦) خاصّةً دون غيره مطلقاً في المقامين؟ كما رواه الصدوق في العيون والخصال ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام (٧) ، والفاضل في المختلف ، عن العماني ، عن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب ، عنهم عليهم‌السلام (٨).

أو بتكرّرهما مطلقاً ، كما هو خيرة المرتضى ، وثاني المحققين ، وإليه يميل ثاني الشهيدين (٩).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٢.

(٢) المختلف : ٢٢٣.

(٣) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : ٢٢٠ ، وانظر المهذب البارع ٢ : ٣٩.

(٤) أي : وإن لم يتخلّل التكفير ، واتّحد الجنس أو تغاير ( منه رحمه‌الله ).

(٥) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٦٨ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٥٨٠ ، وصاحب المدارك ٦ : ١١٠.

(٦) في المختصر المطبوع زيادة : في اليوم الواحد.

(٧) العيون ١ : ١٩٨ / ٣ ، الخصال : ٤٥٠ / ٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١١ ح ١.

(٨) المختلف : ٢٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١١ ح ٢.

(٩) نقله عن المرتضى في المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، جامع المقاصد ٣ : ٧٠ ، المسالك ١ : ٧٣.

٣٨٦

أو مع تخلّل التكفير ، وإلاّ فلا مطلقاً ، كما عن الإسكافي (١).

أو مع تغاير الجنس وإلاّ فلا ، إلاّ مع تخلّل التكفير فتتكرّر؟ كما عليه الفاضل في القواعد والمختلف والإرشاد (٢) ، إلاّ أنّ فيه تخصيص التكرّر بالاختلاف فقط.

أو بتكرّر الوطء مطلقاً ، وغيره بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير ، وإلاّ فلا؟ كما في الدروس واللمعة (٣).

أو لا تتكرّر مطلقاً؟ كما عليه الشيخ في المبسوط والخلاف (٤) ، وابن حمزة في الوسيلة (٥) ، والماتن في كتبه الثلاثة ، والفاضل في المنتهى (٦).

( قيل : نعم ) مطلقاً ، أو في الجملة ، على التفصيل الذي مضى لكلّ قائلٍ بحسب قوله.

( والأشبه : أنّها لا تتكرّر ) وفاقاً لمن مرّ ، وتبعهم جملة ممّن تأخّر (٧) ؛ للأصل ، واختصاص أكثر ما دلّ على وجوبها من النصوص بتعمّد الإفطار ، وهو إنّما يتحقّق بفعل ما يحصل به المفطر ويفسد به الصوم ، وهو الظاهر المتبادر من إطلاق باقيها ، فيرجع فيما عداه إلى مقتضى الأصل.

والخبران الأولان غير واضحي السند ، فيشكل الخروج بهما عن مقتضاه ، مع ندورهما ، لعدم ظهور قائل بما فيهما ، لأنّ الأقوال التي وصلت إلينا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٦٨.

(٢) القواعد ١ : ٦٥ ، المختلف : ٢٢٧ ، الإرشاد ١ : ٢٩٨.

(٣) الدروس ١ : ٢٧٥ ، الروضة ٢ : ٩٩.

(٤) المبسوط ١ : ٢٧٤ ، الخلاف ٢ : ١٨٩.

(٥) حيث قال : وبالتكرّر في يومٍ واحد لا تتكرّر ، وفي أكثر تتكرّر ( منه رحمه‌الله ) ، انظر الوسيلة : ١٤٦.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، الشرائع ١ : ١٩٤ ، المنتهى ٢ : ٥٨٠.

(٧) كصاحبي المدارك ٦ : ١١١ ، والذخيرة : ٥١١.

٣٨٧

هي ما قدّمنا ، وليس هو شيئاً منها ، فيشكل المصير إليه ولو كان الخبر صحيحاً.

ولم نجد لشي‌ء من الأقوال الأُخر حجّةً ودليلاً ، عدا ما في المختلف من أمرٍ اعتباري ضعيف ، مبني هو كما استدلّ به للقول الأول ، من أنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات على دعوى عموم أخبار الكفّارة للمتكرّر من موجبها لغةً. وقد عرفت ضعفها.

( ويعزَّر ) بما يراه الحاكم ( من أفطر ) في شهر رمضان عالماً عامداً لكن ( لا مستحلا ) بل معتقداً للعصيان ( مرّة ).

( و ) إن لم ينجع فيه ذلك ، بل عاد ( ثانيةً ) غُزِّر أيضاً.

( فإن ) لم ينجع فيه أيضاً و ( عاد ثالثةً قُتل ) فيها ، وفاقاً للأكثر كما في المدارك والذخيرة (١) ، وفي غيرهما : أنّه المشهور بين الأصحاب (٢).

لموثّقة سماعة المضمرة عن رجلٍ أُخذ في شهر رمضان ، وقد أفطر ثلاث مرّات ، وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات ، قال : « فليُقتَل في الثالثة » (٣).

مضافاً إلى عموم الصحيح : « أصحاب الكبائر إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة » (٤).

وقيل : يقتل في الرابعة (٥) ؛ لما رواه الشيخ عنهم عليهم‌السلام مرسلاً : « إنّ‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ١١١ ، الذخيرة : ٥١٢.

(٢) كما في الحدائق ١٣ : ٢٣٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٥ ، التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٧ : ٢١٩ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ / ٣٦٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٣٤ أبواب حد المسكر ب ١١ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٥) قال به الشهيد في المسالك ١ : ٧٤.

٣٨٨

أصحاب الكبائر يقتلون فيها » (١).

وهو أحوط ، وإن كان الأول أظهر ؛ للتعدّد ، واعتبار السند ، مضافاً إلى أخصّية الموثّق ، واعتضاده بالصحيحة والشهرة.

واحترز بقوله" لا مستحلا" عمّا لو كان مستحلا ، فإنّه مرتدّ إجماعاً إن كان ممّن عرف قواعد الإسلام ، وكان إفطاره بما علم تحريمه من دين الإسلام ضرورة ، كالأكل ، والشرب المعتادين ، والجماع قبلاً.

ولا يكفّر المستحلّ بغيره. خلافاً للحلبي ، فيكفّر (٢) ، ولا دليل له يظهر.

هذا إذا لم تدّع الشبهة المحتملة في حقّه ، وإلاّ دُرئ عنه الحدّ.

وفي الصحيح : عن رجلٍ شهد عليه شهود أنّه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيّام ، قال : « يُسأل : هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال : لا ، فإن على الإمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً » (٣).

واعلم : أنّه إنّما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رُفع إلى الإمام وغُزِّر في كلٍّ مرّة ، وإلاّ فإنّه يجب عليه التعزير خاصّة ، كذا عن التذكرة (٤) ، واستحسنه جماعة (٥). وهو كذلك ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن من الفتوى والرواية.

( السابعة : من وطئ زوجته مكرهاً لها لزمه كفّارتان ، ويعزَّر ) هو‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٢) كما في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٢٦٥.

(٥) كصاحبي المدارك ٦ : ١١٦ ، والذخيرة : ٥١٢.

٣٨٩

بخمسين سوطاً ، ولا شي‌ء عليها حتّى القضاء.

بلا خلافٍ إلاّ من العماني ، فأوجبه عليها (١).

وهو مع ندوره ، لم أعرف له مستنداً ، بعد فرض كونها مكرهة ؛ بناءً على ما مرّ من صحّة صوم المكره ، وأنّه لا شي‌ء عليه أصلاً (٢).

( ولو طاوعته ) ولو في الأثناء ( كان على كلّ واحدٍ منهما كفّارة ) عن نفسه ، زيادةً على القضاء.

( ويعزّران ) أي كلّ منهما بنصف ما مضى.

بلا خلاف ولا إشكال في هذا (٣) ؛ لإقدام كلّ منهما على الموجب اختياراً.

وإنّما هما (٤) في اجتماع الكفّارتين على المكرِه لها ؛ لمخالفته الأُصول ؛ بناءً على أنّه لا كفّارة ولا قضاء على المكرَهة ، لصحّة صومها ، فلا وجه لتحمّل الكفّارة عنها.

ولذا نفي عنه العماني الكفّارة عنها ، كما عزاه في المختلف إلى ظاهره (٥) ، ولكن باقي الأصحاب على خلافه.

وإيجابهما عليه للنصّ : في رجلٍ أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كانت طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً وضُربت خمسة وعشرين سوطاً » (٦).

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٢٢٣.

(٢) راجع ص : ٢٥٢٧.

(٣) أي لزوم القضاء والكفّارة على كلّ منهما ( منه رحمه‌الله ).

(٤) أي الخلاف والإشكال.

(٥) المختلف : ٢٢٣.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥ ، المقنعة : ٣٤٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١.

٣٩٠

وضعف السند مجبور بعمل الأكثر ، بل الإجماع ، كما في الخلاف وفي المنتهى والتنقيح (١).

وعن المعتبر : أنّها وإن كانت ضعيفة السند إلاّ أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على صحّة مضمونها ، مع ظهور الفتوى بها ، ونسبة الفتوى إلى الأئمّة عليهم‌السلام ، وإذا عُرِف ذلك لم يعتدّ بالناقلين ؛ إذ يُعلَم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم وإن استندت في الأصل إلى الضعفاء (٢). انتهى. وهو حسن.

وإطلاق الرواية بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق في المرأة بين كونها كونها زوجةً دائمة أو منقطعة ، وبه صرّح جماعة (٣) ، من غير خلاف بينهم أجده.

وفي التحمّل عن الأمة والأجنبية ، وتحمّل المرأة لو أكرهته ، وتحمّل الأجنبي لو أكرههما ، والنائمة ، اختلاف بين الأصحاب وإشكال.

ومقتضى الأصل : العدم ، حتى في الأمة والأجنبي ؛ لمنع الأولوية في الأخير بعد قوّة احتمال مانعية عظم الذنب قبوله للتكفير ، سيّما مع وجود النظير ، ومنع صدق المرأة مضافة إليه حقيقةً على الأمة عرفاً وعادة.

ولكن الأحوط : التحمّل في الجميع ، ولا سيّما ما صرّحنا فيه بالعدم ؛ لقوّة الشبهة فيه ، خصوصاً الأمة ، لتسميتها امرأة حقيقةً لغةً ، وهو مقدّم على العرف والعادة على قول جماعة لا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٨٢ ، المنتهى ٢ : ٥٨١ ، التنقيح ١ : ٣٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨١.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥١٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٢٣٧.

٣٩١

( الثالث )

في بيان ( من يصحّ منه ) الصوم.

( و ) اعلم أنّه ( يعتبر في ) صحة صوم ( الرجل : العقل ، والإسلام ).

( وكذا ) يعتبران ( في ) صوم ( المرأة مع ) شرط زائد ، وهو : ( اعتبار الخلوّ من الحيض والنفاس ).

( فلا يصحّ من الكافر ) بأنواعه ؛ لعدم تأتّي قصد القربة وامتثال الأمر به منه ، لإنكاره له ، مع أنّه شرط في الصحّة إجماعاً نصّاً وفتوى ، فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط تحقيقاً للشرطية.

( وإن وجب عليه ) عندنا ؛ بناءً على أنّه مكلّف بالفروع ، كما حُقّق في محلّه مستقصًى ، وفي المنتهى : أنّه مذهب علمائنا (١) أجمع :

( ولا من المجنون ).

قال في المنتهى : لأنّ التكليف يستدعي العقل ، لأنّ تكليف غير العاقل قبيح ، ولقوله عليه‌السلام : « وعن المجنون حتى يُفيق » (٢).

ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي به بلا خلاف ؛ لأنّه غير مميّز ، بخلاف الصبي فإنّه مميّز ، فكان للتكليف في حقّه فائدة ، بخلاف المجنون.

هذا إذا كان جنونه مطبقاً. أمّا لو أفاق وقتاً دون وقت ، فإن كانت إفاقته يوماً كاملاً وجب عليه الصيام فيه ؛ لوجود المقتضي بشرطه وهو العقل ذلك اليوم ، وعدم المانع وهو عدم التعقّل ؛ ولأنّ صوم كلّ يومٍ عبادة‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٢) الخصال : ٩٣ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١١.

٣٩٢

بانفراده ، فلا يؤثّر فيه ما يزيل الحكم عن غيره (١).

( و ) لا من ( المغمى عليه ، ولو سبقت منه عنه النيّة ، على الأشبه ).

وعليه الأكثر ، كما في المنتهى وغيره (٢) ، وفي شرح الشرائع للصيمري والذخيرة : أنّه المشهور بين الأصحاب (٣).

قيل : لأنّ زوال العقل مسقط للتكليف ، فلا يصحّ منه مع السقوط ؛ وأنّ كلّ ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه ، كالجنون والحيض ؛ وأنّ سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم ، والأول ثابت على ما يأتي ، فيثبت الثاني (٤).

وأُجيب عن الأول : بمنع الكبرى مستنداً بالنائم.

وعن الثاني : بمنع كون الإغماء في جميع النهار مع سبق النيّة مفسداً للصوم ، فإنّه أول البحث.

وعن الثالث : بمنع الاستلزام المذكور.

وهذه الأجوبة حسنة إلاّ الأوّل ؛ لابتنائه على عدم الفرق بين النوم والإغماء ، مع أنّ الفرق بينهما واضح ، كما نبّه عليه جماعة ، منهم شيخنا في المسالك ، وقد أطنب الكلام فيه بما لا مزيد عليه (٥).

أو أشار بـ : « الأشبه » إلى خلاف المفيد والمرتضى ، حيث صحّحا صومه مع سبق النيّة ، ونفيا عنه القضاء حينئذ (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٨٥ ، وانظر المدارك ٦ : ٣٣١.

(٣) الذخيرة : ٥٢٥.

(٤) قال به العلامة في المنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٥) المسالك ١ : ٧٤.

(٦) المفيد في المقنعة : ٣٥٢ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٧.

٣٩٣

ولا دليل عليه يعتدّ به. مع أنّه لا ثمرة بين القولين بالنسبة إلى القضاء ؛ لاتّفاقهما على نفيه ، بل سيأتي أنّ الأظهر الأشهر عدم وجوبه عليه مطلقاً ، ولو لم تسبق منه النيّة (١).

نعم ، تحصل الثمرة فيما لو أفطر عامداً في نهارٍ نوى صومه ثم أُغمي عليه في بعضه ، فتجب الكفّارة عليه على الثاني دون الأول. وهو الأقرب ، ويعضده زيادةً على ما دلّ على صحته الأصل.

( ولا من الحائض والنفساء ) باتّفاق العلماء ، كما عن المعتبر وفي المنتهى ، والنصوص به مستفيضة جدّاً (٢).

والحكم بذلك مطلق ( ولو ) في صورةٍ ( صادف ذلك ) أي الدم المدلول عليه بالمقام ( أول جزءٍ من النهار ، أو آخر جزء منه ).

وفي المنتهى : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء ، قال : ويدلّ عليه ما تقدّم من الأحاديث.

لا يقال : قد روى الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعةٍ أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد الزوال لتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب » (٣).

لأنّا نمنع صحّة سنده ؛ إذ في طريقه عليّ بن فضّال ، وهو فطحي.

قال الشيخ : هذا الحديث وهمٌ من الراوي ، لأنّه إذا كان رؤية الدم هو‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٦٠٨.

(٢) الوسائل ١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ، ٢٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٣ / ١٢١٦ ، الإستبصار ١ : ١٤٦ / ٥٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٨ ح ٤.

٣٩٤

المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ بذلك اليوم. وإنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال ؛ لما رواه محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة ترى الدم غدوةً أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ، قال : « تفطر ، وإن كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها ، ولتقض ذلك اليوم » (١) (٢).

( ويصحّ ) الصوم ( من الصبي المميّز ) وفاقاً للشيخ (٣) وجماعة ، ومنهم الفاضلان (٤) ، بل يظهر من ثانيهما في المنتهى عدم خلافٍ فيه بيننا.

فإنّه قال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعيّة ذلك ؛ لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر وليّ الصبي بذلك.

ومن طرق الخاصّة : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : « إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (٥).

ولأنّ فيه تمريناً على الطاعة ومنعاً عن الفساد ، فكان شرعة ثابتاً في نظر الشرع.

إذا ثبت ذلك فإنّ صومه صحيح شرعي ، ونيّته صحيحة شرعية ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٣ / ١٢١٧ ، الإستبصار ١ : ١٤٦ / ٥٠١ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٨ ح ٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٨٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٤) كما في الشرائع ١ : ١٩٧ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٤ ٥٨٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٤ / ١ ، الفقيه ١ : ١٨٢ / ٨٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٨ / ١٥٨٤ ، الإستبصار ١ : ٤٠٩ / ١٥٦٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣ بتفاوت يسير.

٣٩٥

وينوي الندب ، لأنّه الوجه الذي يقع عليه ، فلا ينوي غيره.

وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعي ، وإنّما هو إمساك عن المفطرات. وفيه قوّة.

وكذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ وهو تسع أو الإنزال ، أو الحيض على ما يأتي ؛ لأنّ المقتضي في الصبي موجود فيها ، فيثبت الأثر (١). انتهى.

لكنّه زيادةً على تقويته الخلاف هنا خالف صريحاً في المختلف ، ووافق ما قوّاه ، قال : لأنّ التكليف مشروط بالبلوغ ، ومع انتفاء الشرط ينتفي المشروط (٢). وهو خيرة ولده في الإيضاح (٣) وغيره (٤).

وهو غير بعيد ؛ لقوّة دليله ، وضعف ما استدلّ به على خلافه.

أمّا الأول : فلعموم رفع القلم ، الشامل للندب أيضاً. وما يقال في الجواب : من اختصاصه بالوجوب والمحرّم (٥) ، فغير واضح الوجه.

وأمّا الثاني : فلأنّ أمر الولي بأمر الصبي بالصيام ليس أمراً له به ، وعلى تقدير التسليم فالذي يظهر من جملة من النصوص أنّه أمرُ تأديب.

ففي رواية الزهري (٦) والفقه الرضوي (٧) : « وأمّا صوم التأديب : فإنّه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٤ ٥٨٥.

(٢) المختلف : ٢١٦.

(٣) الإيضاح ١ : ٢٤٣.

(٤) كالمحقق الثاني في المقاصد ٣ : ٨٢.

(٥) كما في الحدائق ١٣ : ٥٤.

(٦) الكافي ٤ : ٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ، الخصال : ٥٣٤ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٤ بتفاوت.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٢ ، المستدرك ٧ : ٣٩١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

٣٩٦

يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديباً ، وليس ذلك بفرض ».

وزاد في الأخير : « وإن لم يقدر إلاّ نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش ، وكذلك من أفطر لعلّةٍ أول النهار ثم قوي بقيّة يومه أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً ، وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أُمر بقيّة يومه بالإمساك تأديباً ، وليس بفرض » وزاد في الأُولى : « وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقيّة يومها ».

ونحوهما في التصريح التأديب رواية أُخرى ، مرويّة في الوسائل عن الخصال.

وظاهرها سيّما بعد ضمّ الزيادات أنّه ليس بصوم حقيقي ، بل هو إمساك بَحت.

وأمّا ما يستدلّ للصحّة بإطلاق الأمر فقد أجاب عنه في الذخيرة : بأنّه للإيجاب ، والظاهر عدم تعلّقه بالصبيان (١).

أقول : ولو أُريد به الأوامر المستحبّة ففيه أولاً : أنّها منساقة لبيان أصل الاستحباب ، وأمّا مَن يستحبّ له فالمتضمّن لها بالنسبة إليه مجمل ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ المتبادر منها بالنسبة إليه مَن عدا الصبيان.

ويتفرّع على الخلاف.

فروع :

منها : ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير المبطل ، فعلى الصحّة يجب الإتمام ، وعلى عدمها فلا.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٣٠.

٣٩٧

ومنها : ما لو وُقف للصائمين ، فيعُطى الصبيان على الأول ، دون الثاني.

( و ) يصحّ ( من المستحاضة ، مع فعل ما يجب عليها من الأغسال ) الثلاثة في الكثيرة ، والغسل الواحد في المتوسّطة ، بلا خلاف ولا ريبة ، فتوًى ورواية (١).

( ويصحّ من المسافر في النذر المعيّن المشترط سفراً وحضراً ) أو سفراً خاصّة ( على قولٍ مشهور ).

ذهب إليه الشيخان ، والأتباع (٢) ، على ما حكاه عنهم جماعة ، من غير نقل مخالف لهم بالكلّية.

فإن تمّ إجماعاً ، كما هو ظاهر المنتهى ، حيث نفى الخلاف عنه (٣) ، وصريح غيره ، حيث ادّعى اتّفاق الأصحاب عليه (٤).

وإلاّ ففيه إشكال ؛ لعدم وضوح مستنده ، عدا الموثّق : عن الرجل يجعل لله تعالى عليه صوم يوم مسمّى ، قال : « يصوم أبداً في السفر والحضر » (٥).

والمكاتبة الصحيحة : كتب إليه بندار مولى إدريس : يا سيّدي نذرتُ أن أصوم كلّ يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب وقرأته : « لا تتركه إلاّ من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض ، إلاّ‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٥٠ ، الطوسي في النهاية : ١٦٣ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٤ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٦٨٤.

(٢) المفيد في المقنعة : ٣٥٠ ، الطوسي في النهاية : ١٦٣ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٤ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٦٨٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٨٦.

(٤) الحدائق ١٣ : ١٩١.

(٥) الكافي ٤ : ١٤٣ / ٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٣٠ ، الوسائل ١٠ : ١٩٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٧.

٣٩٨

أن تكون نويت ذلك » (١).

وفيهما نظر ؛ لإطلاق الأول وشموله ما لم يقيّده بالسفر ، ولم يقولوا به عدا المرتضى (٢) ، وهو نادر ، ومع ذلك معارَض بأجود منه.

وإضمار الثاني ، واشتماله على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك.

ولعلّه لذا ضعّف الماتن الرواية في المعتبر ، فقال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً (٣). وإلاّ فهي صحيحة السند. ولا تضرّ جهالة الكاتب ؛ لأنّ مقتضى الرواية إخبار الثقة (٤) بقراءة المكتوب.

والأحوط عدم التعرّض لإيقاع مثل هذا النذر ، ولو أُوقع فالعمل على المشهور ، للإجماع المنقول ، الجابر لضعف الرواية.

( و ) يصحّ منه ( في ثلاثة أيّامٍ لدم المتعة ، وفي بدل البدنة ) وهو ثمانية عشر يوماً ( لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامداً ).

كما سيأتي بيانهما مع المستند في كتاب الحجّ إن شاء الله تعالى.

( ولا يصحّ ) منه ( في واجبٍ غير ذلك على الأظهر ) الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر.

للمعتبرة المستفيضة ، القريبة من التواتر ، بل لعلّها متواترة ، وفيها الصحاح والموثّقات وغيرها (٥) ، وهي ما بين عامّة لجميع الواجبات ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ / ٦٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣١ ، الوسائل ١٠ : ١٩٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١.

(٢) انظر جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨٤.

(٤) وهو على بن مهزيار.

(٥) الوسائل ١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ، ١١.

٣٩٩

وخاصة بجملةٍ منها ، كالنذر وغيره.

خلافاً للمرتضى في النذر المعيّن وإن لم يقيّد بالسفر (١) ؛ لما مرّ. وجوابه قد ظهر.

وللمفيد فيما حكاه عنه الفاضلان في المعتبر والمختلف (٢) وغيرهما (٣) في مطلق الواجب عدا رمضان.

وللصدوقين في جزاء الصيد (٤).

وهذه الأقوال مع ندورها ومتروكيتها ، كما صرّح به في الدروس والمنتهى (٥) لم أقف على دليلٍ على شي‌ء منها ، فلا إشكال في ضعفها.

( إلاّ أن يكون سفره أكثر من حضره ، أو يعزم الإقامة عشرة أيّام ) فإنّه يصوم في المقامين وما في المقامين وما في حكمهما قطعاً ، كما أنّه يتمّ الصلاة فيهما.

وأمّا المندوب : ففيه أقوال ، ثالثها الكراهة ، وعليها الأكثر ، عملاً بالخبرين الصريحين في الجواز (٦) ، إلاّ أنّهما ضعيفاً السند ، غير معلومي الجابر حتى الشهرة ، لكونها متأخّرة ، وأمّا القديمة فهي على المنع مطلقاً ، كما يستفاد من المفيد في المقنعة (٧).

فيشكل الخروج بهما عن مقتضى إطلاق النصوص المستفيضة ،

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٥ ، المختلف : ٢٢٩.

(٣) كالمهذب البارع ٢ : ٥١ ، والتنقيح الرائع ١ : ٣٧٢.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٢٩ ، الصدوق في المقنع : ٦٣.

(٥) الدروس ١ : ٢٧ ، المنتهى ٢ : ٥٨٦.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٠ / ١ و ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ / ٦٩٢ و ٦٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ / ٣٣٤ و ٣٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٤ و ٥.

(٧) المقنعة : ٣٥٠.

٤٠٠