رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

خلافاً للشيخ ، فخيّر بين صوم أربعاء بين خميسين ، أو خميس بين أربعاءين (١) ؛ للخبر (٢).

وللإسكافي ، فهكذا في شهر ، وهكذا في آخر (٣) ؛ لآخر (٤).

وليس في الخبرين مقاومة لما مرّ بوجه.

وللعماني ، فجعل الأربعاء الوسط الأخير من العشر الثاني (٥). ولم أعثر له على خبر ، فضلاً عن أن يقاوم ما مرّ.

وللحلبي ، فأطلق الخميس في العشر الأول ، والأربعاء من الثاني ، والخميس من الثالث ؛ لإطلاق جملة من النصوص (٦) ، المقيّدة بما مرّ ، حَملَ المطلق على المقيّد.

( وصوم أيّام البيض ) بالإجماع كما في المختلف والغنية (٧) ، وعن المنتهى والتذكرة أنّه مذهب العلماء كافّة (٨) ؛ لروايتي الزهري (٩) والفقه الرضوي (١٠) ، وغيرهما المروي في الوسائل عن بعض الكتب (١١).

__________________

(١) كما في الاستبصار ٢ : ١٣٧ ذيل حديث ٤٤٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٤ / ٩١٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٧ / ٤٤٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٢٩ أبواب الصوم المندوب ب ٨ ح ١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٣٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٠٣ / ٩١٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٧ / ٤٤٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٢٩ أبواب الصوم المندوب ب ٨ ح ٢.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٣٨.

(٦) الوسائل ١٠ : ٤١٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧.

(٧) المختلف : ٢٣٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٨) المنتهى ٢ : ٦٠٩ ، التذكرة ١ : ٢٧٨.

(٩) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١١ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ١.

(١٠) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧ ، المستدرك ٧ : ٥٠٧ أبواب الصوم المندوب ب ٤ ح ١.

(١١) الوسائل ١٠ : ٤٣٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٢.

٤٦١

ورواه أيضاً الصدوق في العلل ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع علّته تسمية الأيّام بالبيض (١) ، بما يرجع حاصله إلى أنّ آدم عليه‌السلام لمّا أصابته الخطيئة اسودّ لونه فالهم صوم هذه الأيّام.

وفيه : أنّه الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، من كلّ شهر ، كما هو المشهور ، بل قيل : إنّه مذهب العلماء كافّة.

وعن العماني : أنّها الثلاثة الأيّام من كلّ شهر المتقدّمة (٢). ولا أعرف وجهه.

والمشهور في وجه التسمية خلاف ما في الرواية من أنّها إنّما سُمّيت بذلك لبياض لياليها جُمَع بضوء القمر. وعلى هذا الوجه يحتاج إلى حذف الموصوف في العبارة أي أيام الليالي البيض وعلى الوجه الآخر العبارة جارية على ظاهرها من غير حذف.

ثم إنّ الصدوق ذكر بعد نقل الرواية ـ : أنّه منسوخ بصوم الخميس والأربعاء (٣). وربّما يشعر به بعض الصحاح (٤) ، لكنّه لما عرفت شاذ.

( ويوم الغدير ، ومولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومبعثه ، ودحو الأرض )

وهذه الأيّام هي الأربعة التي يصام فيهنّ في السنة ، كما في النصوص :

منها : عن الأيّام التي تصام في السنة ، فقال : « اليوم السابع عشر من‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٧٩ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٤٣٦ أبواب الصوم المندوب ب ١٢ ح ١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٣٨.

(٣) علل الشرائع : ٣٨٠.

(٤) الكافي ٤ : ٩٠ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٢٣ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١٦.

٤٦٢

ربيع الأول ، وهو اليوم الذي وُلد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واليوم السابع والعشرون من رجب ، وهو اليوم الذي فيه بُعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو اليوم الذي دُحيَت فيه الأرض من تحت الكعبة » أقول : أي بُسطت « واليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهو يوم الغدير » (١).

والنصوص بتأكّد استحباب صوم آحادها بالخصوص مستفيضة ، ولا سيّما في الأول ، فإنّها فيه كادت تبلغ التواتر ، بل لعلّها متواترة.

ففي جملة منها : « إنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة » (٢).

وفي بعضها : « كفّارة ستّين سنة » (٣).

وفي آخر : « يعدل عند الله عزّ وجلّ في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عيد الله الأكبر » (٤).

وما في الرواية من تفسير الأيّام الأربعة بما فيها (٥) ممّا لا خلاف فيه بيننا فتوًى وروايةً ، إلاّ من الكليني في مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعله الثاني عشر من الشهر (٦) ، كما صحّحه الجمهور ، ومال إليه شيخنا الشهيد الثاني‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٥٤ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٧٥٩ / ٧٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٥ أبواب الصوم المندوب ب ١٩ ح ٣.

(٢) الموجود فيها هو صوم ستّين شهراً ، وفي بعضها : أفضل من عمل ستّين سنة ، أنظر الوسائل ١٠ : ٤٤٠ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٢ ، ٧ ، ١٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٥ / ٢٤٣ ، ثواب الأعمال : ١٠٢ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٤٢ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ١٤٣ / ٣١٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٤٢ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٠٥ / ٩٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٤١ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٣.

(٦) انظر الكافي ١ : ٤٣٩.

٤٦٣

في فوائد القواعد ، كما في المدارك والذخيرة (١) ، وفيهما وفي الروضة : إنّ الأول هو المشهور (٢).

أقول : وبه زيادة على ما مضى نصوص مذكورة في غير الكتب الأربعة (٣) ، وضعف أسنادها بالشهرة فتوًى وعملاً مجبور.

( ويوم عرفة ، لمن لم يضعفه عن الدعاء ) المقصود له في ذلك اليوم كمّيةً وكيفيّةً ( مع تحقّق الهلال ) وعدم التباس فيه لغيم أو غيره ؛ للمعتبرة المستفيضة ، وفيها : الصحيح ، والموثّق ، وغيرهما.

في بعضها : « إن صومه يعدل السنة » (٤).

وفي آخر : « إنّه كفّارة سنتين ستين » (٥).

وإنّما حُملت على صورة اجتماع الشرطين للمعتبرة الأُخر ، الدالّة على الكراهة مع فقدهما أو أحدهما :

منها الصحيح : « من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء ، فإنّه يوم دعاءٍ ومسألة ، فأتخوّف أن يضعفني عن الدعاء ، وأكره أن أصومه ، أتخوّفُ أن يكون يومُ عرفة يومَ أضحى وليس يوم صوم » (٦).

وعليهما ينزَّل إطلاق بعض الأخبار المانعة (٧) ، بحمله على صورة فقد‌

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٦٤ ، الذخيرة : ٥١٩.

(٢) الروضة ٢ : ١٣٤.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٥٤ أبواب الصوم المندوب ١٩ الأحاديث ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٩٠٠ ، الإستبصار ٢ : ١٣٣ / ٤٣٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ٢٣ ح ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣١ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١١.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٣ / ٢٣٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩٩ / ٩٠٣ ، الاستبصار ٢ : ١٣٣ / ٤٣٥ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ١١.

(٧) الكافي ٤ : ١٤٦ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠٠ / ٩٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦.

٤٦٤

أحد الشرطين.

وربّما يجمع بين النصوص جملةً ، بحمل المرغّبة منها على التقيّة كما يفهم من بعضها من أنّه يومئذٍ مذهب العامّة (١) والناهية على صومه بنيّة السنّة ، كما هم عليه. ومرجعه إلى عدم خصوصية لهذا اليوم في الترغيب ، ومساواته لسائر الأيّام في الاستحباب المطلق (٢).

وما ذكرناه أظهر ؛ لوضوح الشاهد عليه من الفتوى والنصّ ، مع أنّ في الغنية الإجماع عليه (٣) ، كما هو الظاهر.

هذا ، مع أنّ المانع قاصر سنداً ، لا يكافئ المرغّبة ؛ لصحّة جملة منها ، وانجبار باقيها بأدلّة التسامح في السنن وأدلّتها.

وأمّا ما ورد في جملة منها من أنّه لم يصمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ نزل شهر رمضان ، وكذا الحسنان عليهما‌السلام حال إمامتهما فوجهه لئلاّ يتأسّى الناس بهم ، كما صرّح به في بعضها.

وخوفهم عليه‌السلام عن التأسّي لعلّه ليس لتوهّم الوجوب كما قيل (٤) ، بل لئلاّ يحرم الضعفاء به عن الدعاء ، الذي هو أفضل منه هنا ، كما مضى.

( وصوم يوم عاشوراء حزناً ) بمصاب آل محمّدٍ عليهم‌السلام ، بغير خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (٥).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٠ : ٤٦٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٦.

(٢) انظر الحدائق ١٣ : ٣٦٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٤) قاله الحرّ العاملي في الوسائل ١٠ : ٤٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ذيل الحديث ١٣.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

٤٦٥

قالوا : جمعاً بين ما ورد في الأمر بصومه « وأنّه كفّارة سنة » (١) وما ورد من أنّ : « من صامه كان حظّه من ذلك حظّ آل زياد وابن مرجانة » (٢) عليهم اللعنة.

ولا شاهد على هذا الجمع من رواية ، بل في جملة من الأخبار المانعة ما يشيّد خلافه ، وأنّ صومه مطلقاً بدعة ليس فيه رخصة.

منها : « إنّ الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون إلاّ شكراً للسلامة ، وإنّ الحسين عليه‌السلام أصيب يوم عاشوراء ، فإن كنت فيمن أُصيب به فلا تصم ، وإن كنت [ شامتاً ] ممّن سرّه سلامة بني أُميّة فصم شكراً لله تعالى » (٣).

لكنّها كغيرها غير نقيّة الأسانيد ، فلا يمكن أن يثبت بها التحريم كما هو ظاهرها.

ومال إليه بل قال به لذلك بعض مَن عاصرناه ، وحَمَل المعارضة على التقيّة (٤) ، كما يفهم من بعضها.

وهو ضعيف في الغاية ؛ لما عرفته ، مضافاً إلى شذوذ المنع مطلقاً ولو كراهةً ، إذ لم نعثر على قائل به من الطائفة ، بل كلّ من وصل إلينا كلامه مفتٍ بما في العبارة.

وعليه فلا يمكن أن تخصَّص العمومات القطعية باستحباب الصوم في نفسه وأنّه من النار جُنّة ، وخصوص الأخبار المرغّبة وإن قصرت‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٠ / ٩٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٤ / ٤٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٧ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٠١ / ٩١٢ ، الإستبصار ٢ : ١٣٥ / ٤٥٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٦١ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٤.

(٣) أمالي الطوسي : ٦٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٤٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٧.

(٤) الحدائق ١٣ : ٣٧٥.

٤٦٦

أسانيدها جملةً ؛ لانجبارها بعمل الأصحاب جملةً ولو في الجملة ، حتى نحو الحلّي وابن زهرة (١) ، ممّن لم يعمل بأخبار الآحاد إلاّ حيث تكون مخففةً بالإجماع وغيره من القرائن القطعية.

نعم يبقى الإشكال في الاستحباب من حيث الخصوصية ، ولو في الجملة (٢). وهو لم ينعقد عليه إجماع محلّ مناقشة ؛ لعدم دليل عليها إلاّ النصوص المرغبة ، وهي مع قصور أسانيدها ، وعدم ظهور عامل بإطلاقها بالكلّية معارَضة بأكثر منها كثرة زائدة ، تكاد تقرب التواتر.

ولأجلها لا يمكن العمل بتلك ، ولو من باب المسامحة ؛ إذ هي حيث لم تحتمل منعاً ولو كراهةً ، وهي محتملة من جهة الأخبار المانعة.

إلاّ أن يقال : إنّ أكثرها يقبل الحمل الذي ذكره الجماعة ، وما لا تقبله منها قليلة نادرة ، لا يُعبأ بما فيها من احتمال حرمةٍ أو كراهةٍ في مقابلة الإجماع المنقول كما عرفته المعتضد بالشهرة العظيمة ، على وجه الجمع الذي ذكره الجماعة.

وهو حسن ، وإن كان في النفس بعد ذلك منه شي‌ء ، سيّما مع احتمال تفسير الصوم على وجه الحزن في العبائر بما ذكره جماعة ، من استحباب الإمساك عن المفطرات إلى العصر (٣) ، كما في النصّ : « صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة ، على شربة من ماء ، فإنّه في ذلك الوقت من‌

__________________

(١) الحلّي في السرائر ١ : ٤١٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٢) أي من جهة الحزن خاصة ( منه رحمه‌الله ).

(٣) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٠ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٨٤ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٩٠ ، والحدائق ١٣ : ٣٧٦.

٤٦٧

ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانكشفت الملحمة عنهم » (١).

قالوا : وينبغي أن يكون العمل على هذا الحديث ، لاعتبار سنده (٢). انتهى. وهو حسن.

( ويوم المباهلة ) في المشهور بين الطائفة ، ولم أجد به رواية مسندة ، وإنّما عُلّل بالشرافة (٣).

نعم ، رواها الخال العلاّمة عليه الرحمة مرسلةً ، وفيها كما قالوا ـ : « إنّه الرابع والعشرون من ذي الحجّة » (٤).

وفي المسالك : قيل إنّه الخامس والعشرون (٥). ولم أجد قائله.

وذكر الحلّي والكفعمي (٦) : أنّ فيه تصدّق أمير المؤمنين عليه‌السلام بخامته في ركوعه ، ونزلت فيه آية الولاية (٧).

( وكلّ خميسٍ وجمعة ) وقيل : لشرفهما (٨).

وفي روايةٍ عاميّة : « الاثنين والخميس » (٩).

والإسكافي لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة ، إلاّ أن يصوم معه ما قبله أو‌

__________________

(١) كما في المدارك ٦ : ٢٦٨ ، والحدائق ١٣ : ٣٧٦.

(٢) كما في المنتهى ٢ : ٦١١.

(٣) زاد المعاد : ٣٥٩.

(٤) المسالك ١ : ٨٠.

(٥) الحلّي في السرائر ١ : ٤١٨ ، مصباح الكفعمي : ٦٨٨.

(٦) إنَّما وليِّكم الله ورسوله .. » ، المائدة : ٥٥.

(٧) قال به صاحب المدارك ٦ : ٢٧٠.

(٨) سنن البيهقي ٤ : ٢٩٣ ، المغني لابن قدامة ٣ : ١١٥ / ٢١٤٠.

٤٦٨

ما بعده ، وبه خبر عامّي (١) قال : وصوم الاثنين والخميس منسوخ ، وصيام السبت منهيّ عنه (٢). والمشهور خلافه.

نعم ، ورد من طرقنا ذمّ يوم الاثنين (٣) ، فالأولى ترك صيامه ، بل ترك صيام الجمعة أيضاً.

للمكاتبة الصحيحة : رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر ، أو أضحى ، أو يوم جمعة ، أو أيّام التشريق ، أو سفر ، أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، أو كيف يصنع ذلك يا سيّدي؟ فكتب إليه : « قد وضع الله الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يومٍ إن شاء » (٤).

وليس في أُخرى قوله : « أو يوم جمعة » (٥) وكأنّه الصحيح.

أقول : وتعضد هذه المكاتبة جملة من المعتبرة الواردة بالترغيب إلى الصوم فيها :

منها الصحيح : في الرجل يريد أن يعمل شيئاً من الخير ، مثل الصدقة ، والصوم ، ونحو هذا ، قال : « يستحبّ أن يكون ذلك اليوم الجمعة ، فإنّ العمل يوم الجمعة يضاعف » (٦).

ومنها : رأيته عليه‌السلام صائماً يوم الجمعة ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ‌

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٤ : ٣١٥ / ٩٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١٣ أبواب الصوم المندوب ب ٦ ح ٦ ؛ وانظر المغني لابن قدامة ٣ : ١٠٥ / ٢١٢٢ ، ٢١٢٣.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٥١ أبواب آداب السفر الى الحج وغيره ب ٤.

(٤) الإستبصار ٢ : ١٠١ / ٣٢٨ ، الوسائل ١٠ : ١٩٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٤ / ٦٨٦ ، الوسائل ١٠ : ٥١٤ أبواب الصوم المحرم ب ١ ح ٦.

(٦) الخصال : ٣٩٢ / ٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٤.

٤٦٩

الناس يزعمون أنّه يوم عيد ، قال : « كلاّ ، إنّه يوم خفض ودعة » (١).

ومنها النبوي المروي عن العيون : « من صام يوم الجمعة صبراً واحتساباً اعطي ثواب [ صام ] عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيّام الدنيا » (٢).

وعليه فلتطرح المكاتبة الاولى مع شذوذها ، أو تحمل على التقية ، كما ربّما يستأنس له بملاحظة الرواية الثانية ، مضافاً إلى كونها مكاتبة.

والرواية الناهية عن إفرادها بالصوم عاميّة ، والخاصّية الموافقة لها فيه (٣) لأجلها محتملة للحمل على التقيّة ، مع أنّها ضعيفة السند أيضاً ، غير مقاومة لإطلاق المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، التي فيها الصحيحان وغيرهما ، المعتضدة بفتوى أصحابنا ، إلاّ النادر منهم ، المتقدم إليه الإشارة.

( وأول ذي الحجّة ) وهو مولد إبراهيم الخليل على نبيّنا وآله وعليه السلام.

وصيامه يعدل صيام ستّين شهراً كما في الخبر (٤) ، بل ثمانين كما في آخر (٥) ، وفيه « فإن صام التسع كتب الله تعالى له صوم الدهر » (٦).

( ورجب كلّه ، وشعبان كلّه ) أو ما تيسّر منهما ، فقد استفاضت‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٦ / ٩٥٩. الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٥ / ٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصدرين.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٧٣ / ٣٤٦ ، الوسائل ١٠ : ٤١٢ أبواب الصوم المندوب ب ٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٩ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠٤ / ٩١٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣٠ ، ثواب الأعمال : ٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٣٠ ، ثواب الأعمال : ٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٥٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ٣.

٤٧٠

النصوص ، بل تواترت بذلك (١).

وما ورد بخلافه في شعبان (٢) مع ندوره ، وإجماع الأصحاب على خلافه فيما أجده ، ويستفاد أيضاً من الغنية (٣) فقد أجاب عنه الكليني ، فقال :

فأمّا الذي جاء في صوم شعبان : أنّه سأل عليه‌السلام عنه ، فقال : « ما صامه رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أحد من آبائي » (٤).

قال ذلك لأنّ قوماً قالوا : إنّ صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان ، ووجوبه مثل وجوب شهر رمضان ، وأنّ من أفطر يوماً منه فعليه من الكفّارة مثل ما على من أفطر يوماً من شهر رمضان. وإنّما قال العالم عليه‌السلام : « ما صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أحد من آبائي » أي ما صاموه فرضاً واجباً ؛ تكذيباً لقول من زعم أنّه فرض ، وإنّما كلّفوا بصومه سنّة ، فيها فضل ، وليس على من لم يصمه شي‌ء (٥).

ونحواً منه ذكر الشيخ ، وذكر : أنّ أبا الخطّاب لعنه الله تعالى وأصحابه يذهبون إلى أنّ صوم شعبان فريضة وذكر : أنّ الأخبار التي تضمّنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان (٦) فالمراد به النهي عن الوصال ، الذي بيّنا فيما مضى أنّه محرّم (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٧١ و ٤٨٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ و ٢٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٩ ، الوسائل ١٠ : ٤٩١ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ١٧.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٤) الكافي ٤ : ٩١ ذيل الحديث ٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٨٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ٩١ ذيل حديث ٦ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الوسائل ١٠ : ٤٩٥ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩.

(٧) راجع التهذيب ٤ : ٣٠٩.

٤٧١

( ويستحب الإمساك ) تشبها بالصائمين ( في سبعة مواطن ) :

( المسافر قدم بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة ) عشرة فصاعدا ( بعد الزوال ) مطلقا ( أو قبله وقد كان تناول ) مفطرا.

( وكذا المريض إذا برئ )

( و ) كذا ( تُمسك الحائض ، والنفساء ، والكافر ، والصبي ، والمجنون ، والمغمى عليه ، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ) مطلقاً ( ولو ) قبل الزوال ، و ( لم يتناولوا ).

بالنصّ (١) والإجماع في الجميع ، إلاّ الصبي والكافر إذا زال ، عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا ، فقيل بوجوب الصوم عليهما حينئذ.

وقد مضى الكلام فيه مفصّلاً (٢).

( ولا ينعقد صوم الضيف من غير إذن مُضيفه ) إذا كان ( ندباً ، ولا المرأة من غير إذن الزوج ، ولا الولد من غير إذن الوالد ، ولا المملوك من غير إذن المولى ).

للنهي عنه في الجميع في النصوص المستفيضة جدّاً (٣) ، إلاّ أنّ ما يتعلّق منها بمن عدا المرأة غير نقيّة الأسانيد ، مع قصور دلالة جملة منها على التحريم ، بل ظهور بعضها في الكراهة ، للتعبير عن المنع فيه بـ : « لا ينبغي » الظاهر فيها عرفاً ، فكذا شرعاً ، للأصل ، وجعل النهي عن صوم هؤلاء في أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرّم كما في رواية‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٠ : أبواب من يصح منه الصوم الأبواب ٧ ، ٢٣ ، ٢٨.

(٢) راجع ص : ٢٦٠٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٢٧ ٥٢٨ ، ٥٢٩ أبواب الصوم المحرم ب ٨ ، ٩ ، ١٠.

٤٧٢

الزهري (١) ، والفقه الرضوي (٢) ، وغير ذلك من أمارات الكراهة.

وأمّا ما يتعلّق بالمرأة ، فهو وإن صحّ سنده ، إلاّ أنّه معارَض بمثله ، المروي في الوسائل ، عن علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه عليه‌السلام : عن المرأة تصوم تطوّعاً بغير إذن زوجها ، قال : « لا بأس » (٣).

ومقتضى الجمع بينهما الكراهة ، كما عليه السيّدان في الجمل والغنية (٤) ، وغيرهما (٥) ، وفيها : دعوى الإجماع عليها فيها (٦) ، وفي صوم العبد بغير إذن مولاه ، والضيف بغير إذن مضيفه ، لكن عبّر عن الكراهة باستحباب الترك.

والمشهور فيها وفي المملوك : المنع تحريماً ، بل عن المعتبر (٧) وفي غيره (٨) : دعوى الاتّفاق عليه في المرأة. وعن المنتهى (٩) وفي غيره (١٠) : دعواه في العبد.

وهذه الإجماعات المنقولة أقوى من إجماع الغنية ، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المتأخّرة ، فترجّح بها الصحيحة المانعة على مقابلتها.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٢٩ أبواب الصوم المحرم ب ١٠ ح ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٢ ، المستدرك ٧ : ٥٥٦ أبواب المحرم ب ٩ ح ١.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٧٩ / ٣٣٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٢٨ أبواب الصوم المحرم ب ٨ ح ٥.

(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٩ ، لم نعثر عليه في الغنية.

(٥) المراسم : ٩٦ ، الوسيلة : ١٤٧ ، وانظر الروضة ٢ : ١٣٨.

(٦) أي : في الغنية دعوى الإجماع على الكراهة في المرأة.

(٧) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٨) كما في المدارك ٦ : ٢٨٤.

(٩) المنتهى ٢ : ٦١٤.

(١٠) كما في المدارك ٦ : ٢٨٤.

٤٧٣

اللهمّ إلاّ أن تخصَّص هذه الإجماعات بصورة نهي الزوج والمولى ، كما يشعر به بعضها ، والتحريم فيها مقطوع به جدّاً. وعليه فيكون النهي في غيرها للكراهة ؛ جمعاً بين الصحيحين وإجماع الغنية.

ولا بأس به ، وإن كان الأحوط : المنع مطلقاً ؛ للشهرة العظيمة ، وإطلاق بعض الإجماعات المنقولة.

هذا بالنسبة إلى صوم المرأة والمملوك.

وأمّا غيرهما ، فالأصحّ الكراهة مطلقاً إلاّ مع النهي في الولد ، فيحرم قطعاً وعليها الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (١) ؛ لما مرّ ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليها في الغنية في الضيف ، ولا قائل بالفرق ، فتدبّر.

( ومن صام ندباً ، ودُعِيَ إلى طعام ، فالأفضل ) له ( الإفطار ) للنصوص المستفيضة (٢) ، وفيها الصحيح وغيره :

ولا فرق في إطلاقها كالفتوى بين دعائه أول النهار أو آخره ، ولا بين مهيّئ الطعام له وغيره ، ولا بين من تشقّ عليه المخالفة وغيره. نعم ، يشترط كونه مؤمناً.

والحكمة في ذلك إجابة دعوة المؤمن ، وإدخال السرور عليه ، وعدم ردّ قوله ، لا مجرّد كونه أكلاً.

وليس في العبارة وجملة من الروايات اشتراط عدم الإخبار بالصوم كما قيل (٣) ، بل هي مطلقة. نعم ، في بعضها التقييد بذلك (٤). ولعلّه محمول على اشتراطه في ترتّب الثواب المذكور فيه ، وهو : أنّه يُكتَب له صوم سنة.

__________________

(١) كما في المدارك ٦ : ٢٧٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب آداب الصائم ب ٨.

(٣) جامع المقاصد ٣ : ٨٧.

(٤) الوسائل ١٠ : ١٥٢ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٤ ، ٥.

٤٧٤

وبذلك يجمع بينه وبين ما دلّ على أنّه يُكتَب له بذلك صوم عشرة أيّام (١) ، بحمل هذا على من أخبر بصومه ، والأول على من لم يُخبر.

لكن في ثالث : « لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفاً ، أو تسعين ضعفاً » (٢).

والأمر سهل.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٠ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥١ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ / ٦ ، المحاسن : ٤١١ / ١٤٥ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢١ ، علل الشرائع : ٣٨٧ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٥٣ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٦.

٤٧٥

( والمحظور ) من الصوم :

( صوم العيدين ) مطلقاً ؛ بإجماع العلماء ، كما عن المعتبر والتذكرة (١) ، بل قيل (٢) : بالضرورة من الدين ، استفاضة النصوص (٣).

( وأيّام التشريق ) وهي : الثلاثة بعد العيد ؛ بإجماعنا عليه في الجملة على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (٤).

ولكن اختلفت العبارات في الإطلاق ، أو التقييد ب : ( لمن كان بمنى )

وهذا أقوى ؛ أخذاً بموضع الوفاق ، وتمسّكاً في غيره بالأصل ، والصحيح : « أمّا بالأمصار فلا بأس » (٥) والمطلق يحمل على المقيّد.

هذا ، وفي المختلف : إنّ من أطلق أراد به المقيّد (٦).

وتبعه شيخنا في الروضة ، بل زاد ، فقال : ولا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعاً وإن أُطلق تحريمها في بعض العبارات كالمصنّف في الدروس ، فهو مراد من قيّده. وربّما لحظ المُطلِق أنّ جَمعها كافٍ عن تقييد كونها بمنى ؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، وأيّام التشريق لا تكون ثلاثة إلاّ بمنى ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١٢. التذكرة ١ : ٢٨٠.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٨٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥١٣ أبواب الصوم المحرم ب ١.

(٤) منهم : المحقّق المعتبر ٢ : ٧١٣ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٦١٦ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٨٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩ ، الوسائل ١٠ : ٥١٦ أبواب الصوم المحرم ب ٢ ح ١.

(٦) المختلف : ٢٣٨.

٤٧٦

فإنّها في غيرها يومان لا غير ، وهو لطيف (١).

ثم إنّ إطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق بين الناسك بحجّ أو عمرة وغيره ، ولا بين من يصومها عن كفّارة قتل وغيره.

خلافاً للفاضل في القواعد ، فقيّده بالناسك (٢).

ولعلّه ناظر إلى حمل الإطلاق على الغالب ، ولا يخلو عن وجه ، إلاّ أنّه نادر.

وللشيخ ، فقيّده بمن لم يصمها عن الكفّارة ، وإلاّ فهو جائز (٣).

وإلى قوله أشار بقوله : ( وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ، وإن دخل فيهما العيد وأيّام التشريق

( لرواية زرارة ) الصحيحة : قال : قلت للباقر عليه‌السلام : رجل قتل رجلاً في الحرم ، قال : عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستّين مسكيناً قال : قلت : فيدخل في هذا شي‌ء ، قال : « وما يدخل »؟ قلت : العيدان وأيّام التشريق ، قال يصوم ، فإنّه حقّ لزمه » (٤).

وإليه يميل بعض متأخّري المتأخّرين (٥) ، زاعماً فتوى الشيخ بها في كتابي الحديث (٦) ، وانحصار جواب القوم عنها في ضعف الطريق لما اتّفق‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ١٣٨.

(٢) القواعد ١ : ٦٨.

(٣) كما في المبسوط ١ : ٢٨١.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٠ / ٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٠ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ٢.

(٥) الشيخ حسن في منتقى الجمان ٢ : ٥٦٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣١.

٤٧٧

في بعض طرقها ، مع أنّه رواها الشيخ في كتاب الديات بطريق صحيح (١) ، وكذلك رواها الصدوق في الفقيه (٢).

( والمشهور ) على الظاهر المصرّح به هنا وفي المختلف (٣) وغيرهما (٤) : ( عموم المنع ) لمورد الرواية وغيرها.

ولعلّه الأقوى ، لندرة الرواية وشذوذها ، كما أشار إليه في المختلف ، فقال في الجواب عنها : إنّ العمومات المعلومة بالإجماع وبالأخبار المتواترة لا يجوز تخصيصها بمثل هذا الخبر الشاذّ النادر.

ثم قال : مع قصوره عن إفادة المطلوب ؛ إذ ليس فيه أن يصوم العيد ، وإنّما أمره بصوم أشهر الحرم ، وليس في ذلك دلالة على صوم العيد ، وأيّام التشريق يجوز صومها في غير منى (٥).

ومنه يظهر فساد الزعم الثاني المتقدّم ؛ حيث إنّ الفاضل لم يُجب عنه يضعف السند ، بل بالندرة ، مؤذناً بمخالفتها الإجماع.

ويمكن تطرّق النظر إلى الزعم الأول أيضاً ؛ بناءً على ما يقال من عدم ظهور فتوى الشيخ في كتابي الحديث. نعم ، في التنقيح : أنّه خيرته أيضاً في المبسوط (٦).

وأمّا ما ذكره الفاضل في الجواب علاوة بصور الدلالة فهو بعيد غايته عن سياق الرواية ، كما لا يخفى على من تدبّره.

__________________

(١) المختلف : ٢٣٨.

(٢) الفقيه ٤ : ٨١ / ٢٥٦ ، ٢٥٧.

(٣) المختلف : ٢٣٨.

(٤) كما في المنتهى ٢ : ٦١٦ ، والحدائق ١٣ : ٣٨٨.

(٥) المختلف : ٢٣٩.

(٦) التنقيح الرائع ١ : ٣٩٠.

٤٧٨

( وصوم آخر شعبان ) الذي يشكّ فيه أنّه من رمضان بالغيم ، أو تحدّث الناس برؤية الهلال فيه ، أو شهادة من لا يثبت بقوله ( بنيّة الفرض ) المعهود ، وهو رمضان ، وإن ظهر كونه منه ، بلا خلافٍ فيه أجده ، وعليه الإجماع في الغنية (١) ؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة (٢).

وبعضها وإن كان مطلقاً إلاّ أنّه محمول على ذلك ، جمعاً بينه وبين ما دلّ على الجواز منها ، وعملاً بما دلّ على التفصيل ، كرواية الزهري ، والفقه الرضوي (٣) ، وغيرهما ممّا سبقت إليه الإشارة في بحث استحباب صومه بنيّة شعبان (٤).

وأمّا ما لا يقبل الحمل على ذلك ، كالموثّق : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم ، فقال : « لا تصم في السفر ، ولا في العيدين وأيّام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه » (٥).

فمحمول على التقية ؛ لكونه مذهب العامّة ، كما صرّح به جماعة (٦) ، واستفيد من جملة من النصوص ، منها زيادة على ما مرّ ثمّة ـ :

الموثّق : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صام يوماً ، ولا يدري أمن رمضان هو أو من غيره ، فجاء قوم فشهدوا أنّه كان من رمضان ، فقال بعض‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦.

(٣) المتقدمتان في ص : ٢٦٤١.

(٤) راجع ص : ٢٥٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٤١ / ١ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ٥١٥ أبواب الصوم المحرم ب ١ ح ٨.

(٦) منهم الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٩ ، والمجلسيان في روضة المتقين ٣ : ٣٥٣ ، ومرآة العقول ١٦ : ٣٥٠ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤١.

٤٧٩

الناس عندنا : لا يعتدّ به ، فقال : « بلى » فقلت : إنّهم قالوا : صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره ، فقال : « بلى ، فاعتدّ به ، فإنّما هو شي‌ء وفّقك الله تعالى له ، إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان » الحديث (١).

هذا ، مضافاً إلى إجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً كما مضى (٢) على استحباب صومه بنيّة شعبان.

مؤيّداً بجملة من النصوص المستفيضة ، الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه من رمضان أنّه وفّق له (٣) ، والمتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبّ إليّ من أن أُفطر يوماً من شهر رمضان » (٤).

فإنّها ظاهرة غاية الظهور في استحباب صوم اليوم المزبور بالنهج المذكور (٥).

فما يوجد في كلام بعض متأخّري المتأخّرين من أنّ الأولى ترك صومه مطلقاً ، لإطلاق الموثّق المزبور (٦) ففي غاية الضعف والقصور.

( وصوم نذر المعصية ) بجعله شكراً على ترك الواجب أو فعل المحرّم ، وزجراً على العكس.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ / ٥٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٢١ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤ وما بين المعقوفين من المصادر.

(٢) في ص : ٢٥٠٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٠ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٩ / ٣٤٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٩.

(٥) على أنّه من شعبان ( منه رحمه‌الله ).

(٦) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٨٦.

٤٨٠