رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

الخمس قليلاً كان أو كثيراً (١).

واستشكل بظهور النص في مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأوّل (٢).

ولا يخلو عن نظر ، لأنّ الظاهر كون المقصود من السؤال والجواب فيه إنّما هو مبدأ تعلّق الخمس والمساواة مع الزكاة فيه.

( وكذا يعتبر ) النصاب المزبور ( في المعدن على رواية البزنطي ) الصحيحة وفيها : « ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة ، عشرين ديناراً » (٣).

وعمل به الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة (٤) والمتأخرون قاطبة.

خلافاً للخلاف والسرائر والقاضي فلا نصاب فيه أصلاً (٥) ، كما هو ظاهر كثير من القدماء ، كالإسكافي والعماني والمفيد والديلمي وابن زهرة والمرتضى (٦) ، وادّعى الأوّلان عليه إجماعنا ؛ للعمومات كتاباً وسنةً. ويخصّ بما مضى.

ويذبّ عن الإجماع بوهنه من الخلاف برجوعه في المبسوط إلى‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٤٩.

(٢) المدارك ٥ : ٣٧٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٩١ ، الوسائل ٩ : ٤٩٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(٤) النهاية : ١٩٧ ، المبسوط ١ : ٢٣٧ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٣٨.

(٥) الخلاف ٢ : ١١٩ ، السرائر : ١١٣ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧٩.

(٦) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٢٠٣ ، المفيد في المقنعة : ٢٨٣ ، الديلمي في المراسم : ١٣٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، المرتضى في المسائل الموصليات الثالثة ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٢٧.

٢٤١

المختار كما مضى ، ومن السرائر بوقوع دعواه ، بنحو لفظة لا خلاف ، ولا ريب في ضعفه بعد وجود الخلاف من واحد فضلاً عن كثير كما هنا ، نعم هذا القول أحوط وأولى.

وللحلبي ، فاعتبر بلوغ قيمته ديناراً (١) ، قيل : ورواه الصدوق في المقنع والفقيه (٢).

وهو ضعيف ؛ لضعف الخبر الدال عليه (٣) سنداً ومقاومة لما مضى ، لصحته واعتضاده بالشهرة العظيمة المتأخّرة التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة دون هذا ، فليطرح ، أو يحمل على الاستحباب ، أو يصرف النصاب فيه إلى الغوص المسئول عن حكمه فيه أيضاً دون المعدن.

( ولا ) يجب الخمس ( في الغوص ) أيضاً ( حتى تبلغ ) قيمته ( ديناراً ) على الأشهر الأقوى ، بل لعلّه عليه عامة أصحابنا ، عدا المفيد في الرسالة العزّية ، فجعل النصاب عشرين ديناراً (٤). وهو مع عدم وضوح مستنده نادر ، بل على خلافه الاتّفاق في صريح التنقيح وظاهر المنتهى والسرائر (٥) ، مضافاً إلى مخالفته عموم ما دلّ على وجوب الخمس فيه بقول مطلق ، خرج منه ما نقص عن الدينار بالإجماع الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (٦) وبقي الباقي.

__________________

(١) كما في الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٢) المقنع : ٥٣ وفيه ذكر الغوص دون المعدن ، الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٢ ؛ حكاه عنهما في المهذب البارع ١ : ٥٦٠.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٦ ، الوسائل ٩ : ٤٩٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٥) التنقيح الرائع ١ : ٣٣٨ ، المنتهى ١ : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ٤٨٨.

(٦) كما نقله ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

٢٤٢

هذا مضافاً إلى النصّ السابق. وعمل الأصحاب هنا لضعف سنده جابر ، مع كون الراوي (١) عن موجِبه ممّن لا يروي إلاّ عن ثقة ، كما عن شيخ الطائفة (٢).

ويعتبر النصاب في الثلاثة بعد المئونة التي يغرمها على تحصيله من حفرٍ وسبكٍ في المعدن ، وآلة غوص أو أرشها وأُجرة الغواص في الغوص ، وأُجرة الحفر ونحوه في الكنز ، كما صرّح به جماعة (٣) من غير خلاف فيه بينهم ولا غيرهم أجده ، بل الظاهر الإجماع عليه ، كما يفهم من جمع ، وبه صرّح في الخلاف في الركاز والمعدن (٤) ، وفي الروضة يعتبر النصاب بعدها مطلقاً في ظاهر الأصحاب (٥).

وفي الصحيح : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الخمس أُخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب : « بعد المئونة » (٦).

وفي اعتبار اتحاد الإخراج فيها مطلقاً (٧) ، أو العدم كذلك (٨) ، أو الفرق بين ما لو طال الزمان أو قصد الأعراض فالأوّل وغيره فالثاني (٩) ، أوجه ، بل‌

__________________

(١) وهو البزنطي عن محمّد بن علي بن أبي عبد الله.

(٢) حكاه عنه في الذخيرة : ٤٧٩.

(٣) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٤٩ ، والشهيد في الروضة ٢ : ٧١ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣٩٢ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٢٧.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢٣.

(٥) الروضة ٢ : ٧١.

(٦) الكافي ١ : ٥٤٥ / ١٣ ، الوسائل ٩ : ٥٠٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ١.

(٧) كما عليه الحلّي ( السرائر ١ : ٤٨٩ ). منه رحمه‌الله.

(٨) كما عليه شيخنا الشهيد الثاني ( الروضة ٢ : ٧١ ) ، وسبطه ( المدارك ٥ : ٣٩٢ ) ، وغيرهما. منه رحمه‌الله.

(٩) كما عليه الفاضل في المنتهى : ٥٤٩. منه رحمه‌الله.

٢٤٣

وأقوال ، من إطلاق النصّ ، وقوة احتمال اختصاصه بحكم التبادر بالمتحد مطلقاً ، أو على التفصيل. ولا ريب أنّ الأوّل أحوط ، وإن كان التفصيل لا يخلو عن وجه.

ثم في اعتبار اتحاد النوع فيها ، أو العدم ، أو نَعَم في الكنز والمعدن دون غيرهما ، أوجه ، أوجهها الثاني ، وفاقاً لجماعة (١). خلافاً للروضة فالثالث ، قال : وفاقاً للعلاّمة (٢).

ولو اشترك جماعة اعتبر بلوغ نصيب كلّ نصاباً بعد مئونته.

( ولا في أرباح التجارات إلاّ فيما فضل منها عن مئونة السنة له ولعياله ) الواجبي النفقة ومندوبيها ، والنذور ، والكفارات ، ومأخوذ الظالم غصباً ومصانعةً ، والهدية والصلة اللائقتين بحاله ، ومئونة الحج الواجب عام الاكتساب ، وضروريات أسفار الطاعات ، ونحوه.

بلا خلاف أجده في أصل اعتبار مئونة السنة له ولعياله وإن اختلفت عباراتهم في تفصيل المئونة بما ذكرناه وفاقاً لجماعة (٣) ، أو بغيره من تخصيص العيال بواجبي النفقة من غير إشارة إلى مندوبيها كما في السرائر وغيره (٤).

لكن ما ذكرناه أقوى ، لكونه المفهوم والمتبادر من لفظ المئونة الواردة في المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها (٥) ، التي هي المستند‌

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٥ : ٣٦٧ ، والذخيرة : ٤٧٨ ، في المعدن. منه رحمه‌الله.

(٢) الروضة ٢ : ٧٢.

(٣) منهم : الشهيد في الروضة ٢ : ٧٦ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣٨٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٢٧ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٣٥٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٨٩ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٣٩.

(٥) الوسائل ٩ : ٤٩٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

٢٤٤

في أصل اعتبارها ، مضافاً إلى الإجماعات المحكية. وهي وإن كانت مجملة غير مبيّن كون المراد بها ما يتعلّق بالسنة ، إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بكونه المراد ، من غير خلاف بينهم أجده ، بل عليه الإجماع في صريح السرائر وظاهر المنتهى والتذكرة (١) ، ولعلّه المفهوم منها عند الإطلاق في مثل هذه الأخبار عرفاً وعادةً.

ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة بينهما. أوجه ، أحوطها الأوّل ثم الثالث.

( ولا يعتبر في ) الأموال ( الباقية مقدار ) ونصاب بلا خلاف أجده إلاّ من المفيد فيما يحكى عنه في الغنيمة ، فاعتبر في وجوب الخمس فيها بلوغها عشرين ديناراً (٢). وهو مع ندوره لم نعثر على مستنده.

وكما لا يعتبر النصاب فيها كذا لا يعتبر الحول فيها ولا في غيرها مما مضى ، بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر (٣) ، وفي المنتهى : أنّه قول العلماء كافّة إلاّ من شذّ من العامة (٤) ؛ للعمومات كتاباً وسنةً.

نعم يحتاط في الأرباح بالتأخير إلى كماله ، لاحتمال تجدّد مئونته. ولا خلاف فيه ، بل يُعزى إلى الحلّي عدم مشروعية الإخراج قبله ، وإن علم زيادته عن مئونة سنته (٥).

وفي استفادته من عبارته الموجودة في السرائر إشكال ، بل ظاهر سياقها عدم وجوب الإخراج قبله فوراً ، كما هو ظاهر باقي الأصحاب‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٩ ، المنتهى ١ : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٣) كالمدارك ٥ : ٣٩٠ ، والذخيرة : ٤٨٤.

(٤) المنتهى ١ : ٥٤٧.

(٥) نقله عنه في المدارك ٥ : ٣٩١ ، وهو في السرائر ١ : ٤٨٩.

٢٤٥

أيضاً.

ومع ذلك فهو على تقديره ضعيف يدفعه ظاهر إطلاق الأدلّة ، بل في بعض الأخبار : « الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانَق » (١) لكنّه مع قصور سنده بل ضعفه يجب تقييده بأدلّة استثناء مئونة السنة.

( ويقسّم الخمس ستة أقسام على ) الأظهر ( الأشهر ، ثلاثة ) منها ( للإمام ) سهمه وسهم الله وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وثلاثة ) منها ( لـ ) لأصناف الثلاثة الباقية : ( لليتامى والمساكين وأبناء السبيل ).

لظاهر الآية الكريمة (٢) ، والمعتبرة المستفيضة (٣) ، المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة ، لعدم ظهور قائل بخلافها منّا ، وإن حكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى تبعاً للشيخ عن بعض أصحابنا أنّه يقسّم خمسة أسهم : سهم له عليه‌السلام ، وسهم لأقرباء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثلاثة للثلاثة ، كما عليه أكثر العامة وحكي عن الشافعي وأبي حنيفة (٤) ؛ لندوره ، وعدم معروفية قائله ، مع عدم وضوح مستنده عدا الصحيح الفعلي (٥) ، وهو مع عدم وضوح دلالته بعد كونه قضيّة في واقعة فلا تفيد الكليّة ، وموافقته لأكثر العامة لا يكافئ ما مرّ من‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ / ١٨٠ ، الوسائل ٩ : ٥٠٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٨.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٠٩ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٢٨ ، المنتهى ١ : ٥٥٠ ، والشيخ في الاستبصار ٢ : ٥٧ ذيل الحديث ١٨٦ ، وحكاه عن الشافعي في بداية المجتهد ١ : ٣٩٠ ، وعن أبي حنيفة في بدائع الصنائع ٧ : ١٢٤.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ / ١٨٦ ، الوسائل ٩ : ٥١٠ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

٢٤٦

الأدلة.

ويشترط في الأصناف الثلاثة أن يكونوا ( ممن يُنسب إلى عبد المطلب ) ولو ( بالأب ) خاصة ، على الأظهر الأشهر أيضاً ، بل لا خلاف فيه يظهر جدّاً إلاّ من الإسكافي ، فلم يشترطه بل جوّز صرفه إلى غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه (١).

وهو مع ندوره مستنده غير واضح عدا إطلاق الأدلّة المقيّد بالنصوص المستفيضة ، المنجبر قصورها أو ضعفها بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع حقيقة كما في الانتصار (٢).

وأمّا الاستدلال له بإطلاق الصحيح الماضي فغفلة واضحة ، إذ الفعل لا عموم له كما عرفته.

ومنه ومن المفيد ، فجوّزا دفعه إلى بني المطلب مطلقاً (٣). ومرّ ضعفه في بحث الزكاة (٤).

( وفي استحقاق من يُنسب إليه بالأُمّ ) خاصة ( قولان ، أشبههما ) وأشهرهما ( أنّه لا يستحق ) بل عليه عامّة أصحابنا عدا المرتضى (٥). وهو نادر ، ومستنده مع ذلك غير واضح ، عدا إطلاق الولد ونحوه عليه حقيقة.

وهو بعد تسليمه غير مُجدٍ فيما نحن فيه بعد معلومية عدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر إلى مثله ، مع ورود النصّ المعمول عليه عند الأصحاب بحرمانه.

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٦٣٠.

(٢) الانتصار : ٨٧.

(٣) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٦٣١.

(٤) في ص : ٢٤١١.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٠٥.

٢٤٧

ففيه : « من كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر القريش فإنّ الصدقة تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‌ء » (١).

وحمله على التقية بناءً على أنّه مذهب الجمهور كافّة يأباه سياقه وتضمّنه أحكاماً كثيرةً كلّها موافقة لمذهب الإمامية.

هذا ، مع أنّ إدخاله في الهاشمي بناءً على الصدق الحقيقي معارض بمثله ، وهو اندراجه تحت إطلاق القريشي مثلاً الذي يحرم عليه الخمس إجماعاً ، فترجيح الإطلاق الأوّل على هذا ليس بأولى من عكسه ، لو لم نقل بكونه الأولى ، لكون جانب الأب أرجح قطعاً ، زيادةً على ما مضى من ورود النصّ المنجبر بالعمل حتى من الحلّي الذي لا يعمل بالآحاد إلاّ بعد كونها مقطوعاً بها ، فتأمّل جدّاً.

( وهل يجوز أن يخصّ به ) أي بالخمس ( طائفة ) من الثلاثة ( حتى الواحد ) منهم؟ ( فيه تردّد ) واختلاف بين الأصحاب.

فبين موجِب للتعميم ، كما يُحكى عن ظاهر المبسوط والحلبي والتنقيح (٢) ؛ لظاهر الآية ، فإنّ اللام للملك أو الاختصاص ، والعطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم.

ومجوّز للتخصيص ، كالفاضلين ومَن تأخّر عنهما (٣) ؛ لظاهر الصحيح : أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟ فقال : « ذلك‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٦ ، الوسائل ٩ : ٥١٣ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٦٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٣ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٤١.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٣١ ، المختلف : ٢٠٥ ؛ وانظر المسالك ١ : ٦٨ ، والمدارك ٥ : ٤٠٥.

٢٤٨

إلى الإمام عليه‌السلام ، أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف صنع ، إنّما كان يعطي على ما يرى ، وكذلك الإمام عليه‌السلام » (١).

ولأجله تُصرف الآية عن ظاهرها بالحمل على بيان المصرف كما في الزكاة مؤيّداً بثبوته فيها ، فإنّ الخمس زكاة في المعنى ، مضافاً إلى اشتهاره هنا بين متأخّري أصحابنا ، كما صرّح به جماعة (٢).

( و ) لكن ( الأحوط بسطه عليهم ولو متفاوتا ؛ ) لعدم صراحة الصحيحة في جواز التخصيص بطائفة ، نعم هي صريحة في عدم وجوب استيعاب الثلاثة وجواز البسط عليهم متفاوتاً ، ولا كلام فيه أصلاً ، بل في المدارك والذخيرة أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (٣) ، ونفى الخلاف عنه في غيرهما (٤).

وحيث انتفت الصراحة أشكل صرف الآية عن ظاهرها ، وإن سلّم ظهور الرواية أيضاً ، لأنّ الصرف بظهورها فرع كونه أوضح من ظهور الآية وأقوى ، وهو غير معلوم جدّاً.

فاحتياط تحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة ، بل استيعابها أيضاً ، إلاّ أن يشقّ ذلك فيقتصر على مَن حضر البلد ويبسط عليهم مع الإمكان ، كما هو ظاهر السرائر والدروس (٥) ، وإن‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٤ / ٧ ، قرب الإسناد : ٣٨٣ / ١٣٥١ ، الوسائل ٩ : ٥١٩ أبواب قسمة الخمس ب ٢ ح ١.

(٢) كصاحب المدارك ٥ : ٤٠٥ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٢٩ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٣٧٩.

(٣) المدارك ٥ : ٤٠٣ ، الذخيرة : ٤٨٨.

(٤) كما في المفاتيح ١ : ٢٢٨.

(٥) السرائر ١ : ٤٩٢ ، الدروس ١ : ٢٦٢.

٢٤٩

ضعّفه مَن تأخّر عنهما (١) معربين عن عدم خلاف في فساده ، كما مضى. فإنّ تمّ إجماعاً ، وإلاّ فما فيهما قويّ جدّاً ، وإن كان خيرة المتأخّرين لعلّه أقوى ، بل ربما يفهم من عبارة المبسوط المحكية كون البسط مطلقاً على الاستحباب.

( ولا يحمل الخمس إلى غير بلده ) كما هنا وفي الشرائع والإرشاد والتحرير والدروس والمنتهى (٢) ، وفيه : لأنّ المستحق مطالِب من حيث الحاجة ، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع المطالبة فيكون ضامناً.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني وسبطه وغيرهما (٣) ، فجوّزا النقل مع الضمان. ولعلّه أقوى كما في الزكاة قد مضى (٤) ، خصوصاً لطلب المساواة بين المستحقين والأشدّ حاجة.

نعم ، الأوّل أحوط وأولى ( إلاّ مع عدم المستحق فيه ) فيجوز النقل حينئذٍ قولاً واحداً ؛ لأنّه توصّل إلى إيصال الحق إلى مستحقه ، فيكون جائزاً بل واجباً.

( ويعتبر الفقر في اليتيم ) وهو الطفل الذي لا أب له ، وفاقاً لجماعة (٥) ، بل في الروضة وغيرها أنّه المشهور (٦) ؛ لأنّ الخمس عوض‌

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٥ : ٤٠٣ ، والحدائق ١٢ : ٢٨٢.

(٢) الشرائع ١ : ١٨٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٣ ، التحرير : ٧٤ ، الدروس ١ : ٢٦٢ ، المنتهى ١ : ٥٥٢.

(٣) كما في المسالك ١ : ٦٨ ، والمدارك ٥ : ٤١٠ ، والذخيرة : ٤٨٩.

(٤) في ص : ٢٤٤٧.

(٥) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٦٣٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٣٣١.

(٦) الروضة ٢ : ٨٢ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٣٨٥.

٢٥٠

الزكاة ، ومصرفها الفقراء في غير من نصّ على عدم اعتبار فقره ، فكذا العوض.

ولأنّ الإمام عليه‌السلام يقسّمه بينهم على قدر حاجتهم والفاضل له والمُعوَز عليه كما يأتي (١) ، وإذا انتفت الحاجة انتفى النصيب.

ولأنّه لو كان له أب لم يستحق شيئاً قطعاً ، فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى ، إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب ، هذا.

وفي بعض المعتبرة : « وليس في مال الخمس زكاة ، لأنّ فقراء الناس جُعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم ، فلم يبق منهم أحد ، وجعل لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس ، فأغناهم به عن صدقات الناس ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ، ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ وقد استغنى ، فلا فقير » (٢) الحديث. وهو كالصريح في اعتبار الفقر.

خلافاً للمبسوط والسرائر ، فلا يعتبر (٣) ؛ لعموم الآية. ويخصّص بما مرّ من الأدلّة.

ولأنّه لو اعتبر الفقر لم يكن قسماً برأسه.

ويضعّف : باحتمال كون ذلك لمزيد التأكيد ، كالأمر بالمحافظة على الصلاة والصلاة الوسطى مع اندراجها في الصلاة المذكورة قبلها ، مع أنّ مثل ذلك وارد في آية الزكاة مع الاتّفاق على اعتبار الفقر في مستحقيها جميعاً إلاّ‌

__________________

(١) في ص : ٢٤٨٥.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، يب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٦ ، الوسائل ٩ : ٥١٣ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٣) المبسوط ١ : ٢٦٢ ، السرائر ١ : ٤٩٦.

٢٥١

مَن خرج بالنصّ والفتوى ، فما هو الجواب عنه هناك فهو الجواب هنا ؛ والدليل الصارف عن الظاهر موجود هنا أيضاً ، هذا.

والمسألة مع ذلك لا تخلو عن تردّد ، كما هو ظاهر جماعة ، إلاّ أنّ مقتضاه وجوب الأخذ بجادّة الاحتياط بتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقيناً ، ومرجعه إلى اعتبار الفقر.

( ولا يعتبر ) الفقر ( في ابن السبيل ) إجماعاً كما في المنتهى ، وفيه : نعم يشترط فيه الحاجة في السفر (١) ؛ والبحث فيه قد تقدّم (٢) ، وبمثله صرّح جملة من الأصحاب (٣) ، بل في الروضة : وظاهرهم هنا عدم الخلاف فيه ، وإلاّ كان دليل اليتيم آتياً فيه (٤).

وفيه : أنّ ظاهر العبارة هنا وفي السرائر (٥) المخالفة ، حيث أُطلق فيهما عدم اعتبار الفقر بحيث يشمل بلد التسليم ، بل في السرائر استدل على عدم اعتباره هنا وفي اليتيم بظاهر الآية ، وهو مؤيّد لاحتمال المخالفة وإن احتمل حمل إطلاق عبارتهما هنا على عدم اعتباره في الجملة ، يعني في بلده لا بلد المسافر كما في الذخيرة (٦) ، لكنّه بعيد في عبارة السرائر في الغاية.

وكيف كان ، فلا ريب في اعتباره أيضاً في بلد التسليم ؛ لما مرّ إليه الإشارة ، مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً كما يفهم من‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٢.

(٢) في ص : ٢٣٩٢.

(٣) كصاحب المدارك ٥ : ٢٣٦ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٠٧ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٣٨٥.

(٤) الروضة ٢ : ٨٣.

(٥) السرائر ١ : ٤٩٦.

(٦) الذخيرة : ٤٨٩.

٢٥٢

الروضة بل وغيرها (١) ، بل في الإرشاد : ويعتبر في ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده (٢).

( ولا تعتبر العدالة ) هنا بلا خلاف أجده ؛ لإطلاق الأدلّة السليمة هنا عما يصلح للمعارضة ، نعم ربما يظهر من الشرائع وجود مخالف في المسألة (٣) ، وفي المدارك : انّه مجهول (٤).

أقول : ولعلّه المرتضى ، فإنّه وإن لم يصرّح باعتبارها هنا لكنّه اعتبرها في الزكاة ، مستدلاً بما يجري هنا ، وهو : كلّ ظاهر من قرآن أو سنّة مقطوع عليها يقتضي النهي عن معاونة الفساق والعصاة (٥). فتأمّل جدّاً.

( وفي اعتبار الإيمان تردّد ) من إطلاق الأدلّة ، ومن أنّ الخمس عوض الزكاة ، وهو معتبر فيها إجماعاً ، فتوًى وروايةً ، وأنّ غير المؤمن محادّ لله بكفره ، فلا يُفعل معه ما يؤذن بالمودّة ، للنهي عنها في الآية الكريمة (٦).

( و ) لا ريب أن ( اعتباره أحوط ) خروجاً عن الشبهة ، وتحصيلاً للبراءة اليقينية. وجزم باعتباره جماعة (٧) من غير مخالف صريح لهم أجده ، قال المحقق الثاني : ومن العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أُميّة‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٨٣.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٩٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٨٣.

(٤) المدارك ٥ : ٤١١.

(٥) الانتصار : ٨٢.

(٦) المجادلة : ٢٢ ، الممتحنة : ١.

(٧) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ٢٦٢ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٨٣ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٢٨ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٣٨٩.

٢٥٣

لعنهم الله فيشترط الإيمان لا محالة (١).

( ويلحق بهذا الباب مسائل ) ثلاث :

( الأُولى : )

( ما يختصّ به الإمام ) ويزيد به عن فريقه ( من الأنفال ) جمع نَفل بسكون الفاء وفتحها ، وهو الزيادة ، ومنه سمّيت النافلة لزيادتها على الفريضة.

( وهو : ما مُلك من الأرض بغير قتال ) أو أرض ( سلّمها أهلها ) للمسلمين طوعاً من غير قتال مع بقائهم فيها ( أو انجلوا ) عنها وتركوها.

( والأرض الموات التي باد ) وهلك ( أهلها ) مسلمين كانوا أو كفّاراً ( أو ) مطلق الأرض التي ( لم يكن لها أهل ) معروف.

( ورءوس الجبال وبطون الأودية ) والمرجع فيهما إلى العرف والعادة.

( والآجام ) بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ ، جمع أجَمَة بالتحريك ، وهي الأرض المملوّة من القَصَب ونحوه في غير الأرض المملوكة.

( وما يخصّ به ملوك أهل الحرب من الصوافي والقطائع ) وضابطه : كلّ ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه واختصّ به من الأموال المنقولة المعبّر عنها بالأوّل ، وغيرها كالأراضي المعبّر عنها بالثاني ( غير المغصوبة ) من مسلم أو مسالم.

( وميراث من لا وارث له ) ممّن عدا الإمام عليه‌السلام ، وإلاّ فهو عليه‌السلام

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عندنا ، وحكاه عنه في المدارك ٥ : ٤١١.

٢٥٤

وارث مَن يكون كذلك كما هو الفرض.

وما يصطفيه من الغنية لنفسه ، من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك.

بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده غير ما سيأتي إليه الإشارة ، بل عَزا الأخيرين في المنتهى إلى علمائنا أجمع (١) ، مؤذناً بدعوى إجماعهم عليهما ، ولم ينقل خلافاً في سابقتهما مشعراً بكونها ممّا لا خلاف فيه بين العلماء.

والمعتبرة بالجميع مستفيضة جدّاً ، بل كادت تكون متواترة (٢).

وإطلاق جملة ما يتعلّق منها برؤوس الجبال وتالييها يشمل ما لو كانت الثلاثة في الأراضي المملوكة له عليه‌السلام أم غيرها ، ونحوها كلمة أكثر الأصحاب.

خلافاً للحلّي ، فقيّدها بما كانت في الأُولى خاصة (٣).

وردّه الشهيد في البيان بأنّه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين (٤).

وقيل : هو جيّد لو كانت الأخبار المتضمّنة لاختصاصه بها على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم ، لكنّها ضعيفة السند ، فيتّجه المصير إلى ما ذكره الحلّي ، قصراً لما خالف الأصل على موضع الوفاق ؛ انتهى (٥).

وهو حسن لولا انجبار الضعف بإطلاق فتوى الأكثر ، مع أنّ في جملة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١.

(٣) السرائر ١ : ٤٩٨.

(٤) البيان : ٣٥٢.

(٥) قال به صاحب المدارك ٥ : ٤٠٩.

٢٥٥

أخبار حسنة بإبراهيم بل صحيحة (١) عُدّ بطون الأودية ، ويلحق الآخران بها بعدم قائل بالفرق بين الطائفة.

فإذاً : المتّجه الإطلاق كما عليه الجماعة ، سيّما مع كثرة الروايات بعدّ الثلاثة.

( وفي اختصاصه عليه‌السلام بالمعادن ) الظاهرة والباطنة في غير أرضه ( تردّد ) واختلاف :

فبين قائلٍ به ، كما هو إطلاق الشيخين على ما في التنقيح (٢) ، وزاد في المختلف الديلمي والقاضي وغيره (٣) ، والقمي في تفسيره ، والكليني (٤) ؛ للمروي في التفسير موثّقاً ، وفيه : عن الأنفال ، فقال : « هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله تعالى والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان للملوك فهو للإمام عليه‌السلام ، وما كان في أرض خربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولىً فماله من الأنفال » (٥).

وفي الوسائل : عن العياشي في تفسيره ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لنا الأنفال » قال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : « منها المعادن ، والآجام ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٢٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ١ ، وص ٥٢٦ ح ١٠.

(٢) التنقيح ١ : ٣٤٣ ، وهو في المقنعة : ٢٧٨ ، وفي المبسوط ١ : ٢٦٣.

(٣) المختلف : ٢٠٦ ، الديلمي في المراسم : ١٤٠ ، القاضي في المهذب ١ : ١٨٣ ؛ وانظر الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الكافي ١ : ٥٣٨.

(٥) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الوسائل ٩ : ٥٣١ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٢٠.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ / ١١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٣ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٢٨.

٢٥٦

وعن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : « بطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، والمعادن ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرضٍ ميتة قد جلا أهلها ، وقطائع الملوك » (١).

وقصور السند أو ضعفه مجبور بعمل الجماعة ، ولذا قال به أيضاً في الذخيرة (٢).

وقائلٍ بأنّ ( أشبهه أنّ الناس فيها شَرَع ) سواء ، كالحلّي والماتن هنا وفي المعتبر ، والفاضل في التحرير ، والشهيدين في اللمعتين (٣) ، وادّعى أوّلهما عليه الشهرة في المعادن الظاهرة (٤).

ولعلّه للأصل ، وعدم وضوح سند الروايات إلاّ الأُولى منها ، وهي وإن كانت من الموثّقة ، لكن متنها مختلف النسخة ، فبدل « منها » في بعض النسخ « فيها » وعليه فلا دلالة لها إلاّ على المعادن في أرضه عليه‌السلام ، ونحن نقول به.

بل على تقدير تعيّن نسخة « منها » كما هي الأكثر الدلالة أيضاً غير واضحة ، لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا الأنفال ، سيّما مع قرب المرجع ، واستلزام الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو مع أنّ الأصل فيها العطف ، سيّما مع كونه مغنياً عن قوله : « منها » كما لا يخفى ، فزيادته دليل‌

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٤٩ / ٢١ ، الوسائل ٩ : ٥٣٤ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ٣٢ وفيهما : داود بن فرقد بدل داود بن سرحان.

(٢) الذخيرة : ٤٩٠.

(٣) السرائر ١ : ٤٩٨ ، المعتبر ٢ : ٦٣٥ ، التحرير : ٧٥ ، الروضة ٢ : ٨٥.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٤.

٢٥٧

على ما قلنا.

وفي بلوغ عمل الجماعة الشهرة الجابرة لما عدا الموثّقة مناقشة ، سيّما وأنّ الشهرة على الخلاف كما في الدروس (١) ، فلا يخرج به عن مقتضى الأصل المقطوع ، سيّما مع تأيّده بخلوّ الأخبار الكثيرة المعتبرة البالغة حدّ التواتر عن عدّ المعادن ، وبالأخبار الكثيرة القريبة من التواتر بل المتواترة الدالة على أنّ المعادن مما يجب فيه الخمس (٢) ، وهو منافٍ لكونها من الأنفال ، إذ لا معنى لوجوبه في ماله عليه‌السلام على الغير.

لكن أجاب عن هذا في الذخيرة : بأنّه يجوز أن يكون الحكم في المعادن أنّ من أخرجه بإذنه عليه‌السلام يكون خمسه له والباقي له (٣) ، كما صرّح به الكليني وسلاّر (٤) ، ومعنى كونه مالكاً للمجموع أنّ له التصرف في المجموع بالإذن والمنع ، فمعنى تلك الأخبار أنّ من أخرجها على الوجه الشرعي كان عليه الخمس ، وهو إنّما يكون مع إذنه عليه‌السلام.

ولا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يتمشّى على تقدير ثبوت كونها له فيرتكب جمعاً ، وإلاّ فلا ريب أنّه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن عند فقد الدليل من تلك الأخبار.

( وقيل : إذا غَزا قوم بغير إذنه فغنيمتهم له ) والقائل الثلاثة وأتباعهم كما صرّح به جماعة (٥) ؛ للخبر : « إذا غَزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٦٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٩١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣.

(٣) الذخيرة : ٤٩٠.

(٤) كما في الكافي ١ : ٥٣٨ ، والمراسم : ١٤٠.

(٥) صرَّح به في المعتبر ٢ : ٦٣٥ ، والتنقيح ١ : ٣٤٣ ، والمدارك ٥ : ٤١٧ ، وهو في المقنعة : ٢٧٩ ، والنهاية : ٢٠٠ ، والمهذب ١ : ١٨٦.

٢٥٨

الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس » (١).

( و ) هذه ( الرواية ) وإن كانت ( مقطوعة ) أي مرسلة ضعيفة ، إلاّ أنّها منجبرة بالشهرة العظيمة المقطوع بها ، المحكية في التنقيح والمسالك والروضة وغيرها من كتب الجماعة (٢) ، بل في الأوّل : أنّ عليها عمل الأصحاب ، وفي الأخير : أنّه لا قائل بخلافها ، وعن الخلاف والحلّي دعوى الإجماع (٣) ؛ وهو حجّة أُخرى. مضافاً إلى التأيّد برواية صحيحة مروية في الكافي في كتاب الجهاد في أوّل باب قسمة الغنيمة ، وفيها : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم ، كيف تقسّم؟ قال : « إن قاتلوا عليها مع أميرٍ أمّره الإمام عليهم ، أُخرج منها الخمس لله تعالى والرسول وقسّم بينهم ثلاثة (٤) أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعل حيث أحبّ » (٥).

وبجميع ذلك يقيّد إطلاق الآية الكريمة بما إذا كان بالإذن ، كما هو المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها ، ولا بُعد في جعل ذلك أيضاً دليلاً على ضعف إطلاقها.

وأمّا الصحيح : في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : « يؤدّي خمسها وتطيب له » (٦) فلندوره وعدم مقاومته‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٥ / ٣٧٨ ، الوسائل ٩ : ٥٢٩ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ١ ح ١٦.

(٢) التنقيح ١ : ٣٤٣ ، المسالك ١ : ٦٨ ، الروضة ٢ : ٨٥ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٤٧٨.

(٣) الخلاف ٤ : ١٩٠ ، السرائر ١ : ٤٩٧.

(٤) كذا في النسخ ، وفي المصدر : « أربعة ».

(٥) الكافي ٥ : ٤٣ / ١ ، الوسائل ١٥ : ٨٤ أبواب جهاد العدو وما يناسبه ب ٤١ ح.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٧ ، الوسائل ٩ : ٤٨٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٨.

٢٥٩

لمقابله يحتمل الحمل على تحليله عليه‌السلام لذلك الرجل بخصوصه حيث إنّه من الشيعة حقّه من ذلك ، فما استجوده بعض المتأخّرين : من العمل بظاهره وفاقاً لمقوّى المنتهى (١) فيه ما فيه.

( الثانية : ).

( لا يجوز التصرف فيما يختصّ به ) مطلقاً ( مع وجوده ) وعدم غيبته ( إلاّ بإذنه ) بالكتاب والسنة المستفيضة ، قال الله سبحانه : ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (٢) الآية ، وقال عليه‌السلام : « لا يحلّ مال أمر مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسه » (٣).

واستدل عليه في المنتهى (٤) بالنصوص المتضمّنة لتأكيدهم عليهم‌السلام في إخراج الخمس ، وعدم إباحتهم له مطلقاً.

ففي الصحيح : يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ ، فإنّي أنفقتها ، فقال : « أنت في حلّ » فلمّا خرج قال عليه‌السلام : « أحدهم يَثِب على أموال آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ، ثم يجي‌ء فيقول : اجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول : لا أفعل ، والله ليسألنّهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثا » (٥).

وفي الخبر : كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله الإذن في الخمس ، فكتب : « بسم الله الرّحمن الرّحيم ، إنّ‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٤ ، المدارك ٥ : ٤١٨.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ / ٣٠٩.

(٤) المنتهى ١ : ٥٥٤.

(٥) أُصول الكافي ١ : ٥٤٨ / ٢٧ ، التهذيب ٤ : ١٤٠ / ٣٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٦٠ / ١٩٧ ، الوسائل ٩ : ٥٣٧ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٣ ح ١.

٢٦٠