السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤
حجّة تعتدّ بها.
( والحامل المقرب ) وهي التي قرب زمان وضعها ( والمرضع القليلة اللبن ، يجوز لهما الإفطار ) إذا خافتا على ولدهما أو أنفسهما ، بإجماع فقهاء الإسلام كما في المنتهى (١) ؛ للضرورة المبيحة لكلّ محظور بالكتاب والسنّة والإجماع والاعتبار ، ولخصوص ما سيأتي من النصوص.
( وتتصدّقان لكلّ يوم بمدٍّ ) من طعام ، بإجماعنا على الظاهر المصرّح به في المنتهى فيما إذا خافتا على ولدهما (٢) ، وفي الخلاف مطلقاً (٣) ؛ وهو الحجّة على الإطلاق.
مضافاً إلى إطلاق الصحيح بل ظاهره ـ : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنّهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدّق كلّ واحدة منهما في كلّ يوم تفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد » (٤).
وعلى هذا الإطلاق جماعة من الأصحاب ، كابن حمزة ، والفاضلين في ظاهر إطلاق العبارة هنا وفي الشرائع والإرشاد ، وصريح المعتبر والتحرير (٥) وغيرهما (٦) ، بل ظاهر المعتبر كونه مجمعاً عليه بيننا ، حيث عَزا
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦١٩.
(٢) المنتهى ٢ : ٦١٩.
(٣) الخلاف ٢ : ١٩٦.
(٤) الكافي ٤ : ١١٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ١.
(٥) ابن حمزة في الوسيلة : ١٩٠ ، الشرائع ١ : ٢١١ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، المعتبر ٢ : ٧١٨ ، التحرير : ٨٥.
(٦) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٢٧ ، والذخيرة : ٥٣٦.
التفصيل بين الخوف على الولد فيجب ، وعلى النفس فلا إلى الشافعي خاصة (١).
خلافاً للفاضل في المنتهى ، وولده في الإيضاح ، وثاني المحققين ، وثاني الشهيدين ، فالتفصيل (٢) ، ولا وجه له بعد إطلاق الصحيح بل ظاهره والإجماع المحكي كما مضى.
نعم ، في مستطرفات السرائر رواية صريحة في الخوف على النفس ، ولم يذكر فيها الصدقة ، بل الفطر والقضاء خاصة (٣).
لكنّها مع ضعف سندها تقبل الإرجاع إلى الصحيح الذي هو أقوى منها سنداً ، فيكون بالترجيح أولى ، سيّما مع اعتضاده بإطلاق الخبر : قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إنّ امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين ، فوضعت ولدها وأدركها الحبل ، ولم تقوِ على الصوم ، قال : « فلتصدّق مكان كلّ يوم بمدٍّ على مسكين » (٤).
( وتقضيان ) ما فاتهما على الأشهر الأقوى ، بل عليه إجماع أصحابنا مطلقاً كما في الخلاف (٥) ، أو من عدا سلاّر كما في صريح المنتهى ـ (٦) وظاهر غيره.
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٧١٩.
(٢) المنتهى ٢ : ٦١٩ ، إيضاح الفوائد ١ : ٢٣٥ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٥٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٢.
(٣) مستطرفات السرائر : ٦٧ / ١١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ١٣٧ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ٢.
(٥) الخلاف ٢ : ١٩٦.
(٦) المنتهى ٢ : ٦١٩.
وظاهر المختلف والتنقيح (١) وغيرهما (٢) عدم الخلاف فيه إلاّ من والد الصدوق ، وعزاه (٣) في السرائر إلى الديلمي والفقيه (٤).
أقول : ولم يذكره المرتضى ، فكأنّه مخالف أيضاً.
وكيف كان ، فالخلاف ممّن كان ضعيف جدّاً ، يدفعه الصحيح السابق ورواية السرائر صريحاً ؛
ولم أجد للمخالف مستنداً ، عدا الأصل المخصّص بما مرّ.
والخبرِ الأخير الساكت عن الأمر به مع وروده في مقام الحاجة. وهو مع ضعفه وعدم جابر له فيما نحن فيه لا حجّة فيه ، بعد ورود الأمر به في الصحيح وغيره ، المعتضدين بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل الإجماع حقيقة كما عرفت حكايته.
والرضوي (٥) ، وهو وإن كان قويّاً في سنده صريحاً في نفيه (٦) ، إلاّ أنّه غير مقاوم لمقابله.
وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الامّ وغيرها ، ولا بين المتبرّعة والمستأجرة إذا لم يقم غيرها مقامها.
أمّا لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل ضرر على الطفل أصلاً ـ
__________________
(١) المختلف : ٢٤٥ ، التنقيح الرائع ١ : ٣٩٦.
(٢) كما في المفاتيح ١ : ٢٤٢.
(٣) أي : الخلاف.
(٤) السرائر ١ : ٤٠٠ وفيه : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا قضاء عليهما ، وهو الفقيه سلاّر. انتهى. فنسبة الخلاف فيه إلى الفقيه سهو ، مع أن ظاهر الفقيه ٢ : ٨٤ وجوب القضاء حيث أورد الصحيح الموجب له.
(٥) فقه الرضا رحمهالله : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٣٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٣.
(٦) أي القضاء.
فالأجود عدم جواز الإفطار ؛ لانتفاء الضرورة المسوّغة للفدية ، ولرواية السرائر المتقدمة إليها الإشارة ، فإنّ فيها : « إن كانت ممّن يمكنها اتّخاذ ظئر (١) استرضعت لولدها وأتمّت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها ».
( الخامسة : لا يجب صوم النافلة بـ ) مجرّد ( الشروع فيه ) بل يجوز الإفطار فيه إلى الغروب ، كما في النصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره (٢) ، ولا خلاف فيه أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (٣).
( و ) لكن ( يكره إفطاره بعد الزوال ) للنصّ المصرّح بوجوبه حينئذ (٤) ، المحمول على تأكّد الاستحباب جمعاً ، والتفاتاً إلى قصوره عن الإيجاب سنداً ومقاومةً لمقابله من وجوه شتّى ، وإن صرّح به متناً.
ويستثنى من الكراهة من دُعي إلى طعام ؛ لما مرّت إليه الإشارة (٥).
( السادسة : كلّ ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر ) في الأثناء ( لعذر ) كحيض ومرض وسفر ضروري ( بنى ) بعد زواله مطلقاً ، كان قبل تجاوز النصف أو بعده ، كان الصوم شهرين أم ثمانية عشر أم ثلاثة.
بلا خلاف أجده إلاّ من الفاضل في القواعد ، والشهيد في الدروس ،
__________________
(١) الأصل في الظئر : العطف .. فسمّيت المرضعة ظِئراً لأنّها تعطف على الرضيع مجمع البحرين ٣ : ٣٨٦.
(٢) الوسائل ١٠ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ب ٤.
(٣) منهم العلامة في المنتهى ٢ : ٦٢٠ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٧٣.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ / ٣٩٧ ، الوسائل ١٠ : ١٩ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ١١.
(٥) في ص : ٢٦٤٢.
وشيخنا في المسالك والروضة ، وسبطه (١) ، فجزموا بوجوب الاستئناف في كلّ ثلاثة يجب تتابعها ، سواء كان لعذر أم لا ، إلاّ ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد.
بل زاد الأخير ، فاستجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين ، والاستئناف في غيره ، قال : لأنّ الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى المكلّف تحت العهدة إلى أن يتحقّق الامتثال. انتهى.
وهو حسن إن لم يستفد من الاعتبار والنصوص الواردة في الشهرين ما يتعدّى به الحكم إلى غيرهما ، وإلاّ فلا. وما نحن فيه من قبيل الثاني ؛ لشهادة الاعتبار بالعموم ، كجملة من الأخبار ، وفيها الصحيح وغيره.
أمّا الأول فواضح.
وأمّا الثاني فلتضمنّه تعليل الحكم بأنّ الله تعالى حبسه ، كما في الصحيح (٢) ، وأنّ هذا ممّا غلب الله تعالى وليس على ما غلب الله تعالى شيء ، كما في غيره (٣).
وهو كما ترى عامّ يشمل محلّ النزاع وغيره. واختصاص المورد بالشهرين غير قادح ؛ فإنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوصه.
ومن العجب أنّه استدلّ بهذا التعليل لتعميم العذر للمرض ونحوه (٤) ،
__________________
(١) القواعد ١ : ٦٩ ، الدروس ١ : ٢٩٦ ، المسالك ١ : ٧٩ ، الروضة ٢ : ١٣١ ، المدارك ٦ : ٢٤٧.
(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧١ ، أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٠.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٢.
مع أنّ المورد خصوص المرض ، وقد وَرَد فيه (١) في الشهرين وجوب الاستئناف في الصحيح (٢) وغيره (٣) ، وهو رحمهالله قد حملهما لذلك ـ (٤) على الاستحباب ، ناقلاً عن الشيخ حملهما على مرض لا يمنع الصوم (٥).
وذلك فإنّ التعليل كما صلح حجّة لمّا ذكره فكذا لما ذكرنا ، بل بطريق أولى ، لخلوّه عن المعارض الصريح ، دون ما ذكره ، لما عرفت من الصحيح وغيره الآمرين بالاستئناف.
وبالجملة : فما في العبارة ونحوها كعبارة الشرائع والإرشاد واللمعة ، وصريح التحرير والسرائر والغنية ـ (٦) من التعميم أولى : سيّما وأنّ في الكتاب الأخير ادّعى عليه إجماعنا.
وأمّا الصحيح : « كلّ صوم يفرق إلاّ ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين » (٧).
فمحمول على أنّ المراد : أنّ بقيّة الكفّارات يجوز تفريقها في الجملة بعد تجاوز النصف لا مطلقاً ، أو الحصر إضافي وإلاّ فهو شاذّ لا نجد به قائلاً ، حتى الشهيدين وسبط ثانيهما كما لا يخفى (٨).
__________________
(١) المدارك ٦ : ٢٤٨.
(٢) أي في المرض.
(٣) الكافي ٤ : ١٣٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٤ / ٨٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ / ٤٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٧١ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٣.
(٤) الكافي ٤ : ١٣٩ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٥ ، الوسائل ١٠ : ٣٧٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٦.
(٥) أي لعموم التعليل ( منه رحمهالله ).
(٦) المدارك ٦ : ٢٤٩ ، وهو في الاستبصار ٢ : ١٢٥ ذيل حديث ٤٠٥.
(٧) الشرائع ١ : ٢٠٥ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٣١ ، التحرير : ٨٥ ، السرائر ١ : ٤١١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٨) لعدم قولهم بحصر ما يجب فيه التتابع مطلقاً ولو مع العذر في كفارة اليمين ، بل تعميمهم لكل ثلاثة ( منه رحمهالله ).
( ولو أفطر لا لعذر استأنف ) قطعاً ، وإجماعاً فتوًى ودليلاً ( إلاّ ثلاثة مواضع ) :
الأول : ( من وجب عليه صوم شهرين متتابعين ، فصام شهراً ومن الثاني شيئاً ) ولو يوماً ؛ بإجماعنا المحقّق المصرّح به في الغنية والتذكرة والمنتهى (١) وغيرها (٢) ، وأخبارنا المستفيضة جدّاً ، وفيها الصحاح وغيرها (٣).
( و ) الثاني : ( من وجب عليه صوم شهر بنذر ) وشبهه ( فصام خمسة عشر يوماً ) على الأشهر الأقوى ، بل ظاهر المختلف (٤) وغيره (٥) : أنّه لا خلاف فيه أصلاً. وسيأتي بيانه وبيان سائر ما يتعلّق بهذه المسائل في كتاب الكفّارات مفصّلاً.
( و ) الثالث : ( في ) صوم ( الثلاثة الأيّام ) بدلاً ( عن هدي التمتّع ، إذا صام يومين ) منها ( وكان الثالث العيد ، أفطر وأتمّ الثالث بعد أيّام التشريق إن كان بمنى ).
بلا خلاف فيه أجده في الجملة ، إلاّ من بعض متأخّري متأخّري الطائفة ، فتردّد فيه (٦). وهو ضعيف ، بل على خلافه الإجماع في المختلف (٧) ، وعن السرائر مطلقاً (٨) ، وفي الغنية مع الضرورة (٩).
__________________
(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، التذكرة ١ : ٢٨٢ ، المنتهى ١ : ٦٢١.
(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ١٠٠.
(٣) الوسائل ١٠ : ٣٧١ ، أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣.
(٤) المختلف : ٢٤٨.
(٥) كالذخيرة : ٥٣٥.
(٦) المدارك ٨ : ٥١.
(٧) المختلف : ٣٠٥.
(٨) السرائر ١ : ٥٩٣.
(٩) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
وقريب من الأول (١) المنتهى ، فإنّ فيه : أجمع علماؤنا على إيجاب التتابع فيها ، إلاّ إذا فاته قبل يوم التروية ، فإنّه يصوم التروية ويوم عرفة ويفطر العيد ، ثم يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق ( ولو غيّر ) (٢) هذه الأيّام وجب فيها التتابع ثلاثة (٣). انتهى.
وهو الحجّة ، مضافاً إلى جملة من المعتبرة ولو بالشهرة ، مع أنّ فيها الصحيح كما قيل (٤) ، ولا يبعد ، أو الموثق أو الحسن كما في الذخيرة (٥) : عن رجل قدم يوم التروية متمتّعاً وليس له هدي ، فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوماً آخر بعد أيّام التشريق » (٦) وبمعناه
__________________
(١) أي من المختلف.
(٢) في « ح » : ولو كان غير ، وفي المنتهى : ولو صام غير.
(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٣.
(٤) القائل السيد نعمة الله الجزائري في شرحه على التهذيب ، حيث قال في الردّ على ضعّف هذا الحديث ، فقال : إنّه ممنوع ؛ وذلك لأنّ يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الثقة الذي يروي عنه صفوان ، وقد سبق التصريح به في باب الخروج الى الصفا ، حيث قال : عن صفوان وعلي بن النعمان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق ، والذي حمله على تصنيفه أنّ الصدوق روى الحديث في الفقيه عن يحيى الأزرق ، وقال في مشيخته : وكلّ ما في هذا عن يحيى الأزرق فقد رويته عن فلان عن فلان عن أبان بن عثمان عن يحيى بن حسّان الأزرق. و [ لم ] يذكر طريقه إلى يحيى بن عبد الرحمن الأزرق أيضاً ، فالتمييز مشكل ، وهذا غير مناف لما قلنا من أنّ جماعة من محقّقي علماء الرجال حكموا باتحاد الرجلين ، وهو غير بعيد. انتهى. أقول : ونحوه بعض من [ بيّن ] وصف أحاديث الاستبصار الموجود عندي ، فكتب في الحاشية : صح ، وكتب يحيى الأزرق : الظاهر أنّه يحيى بن عبد الرحمن الأزرق. ( منه رحمهالله ) وقد وصف الرواية بالصحة المحقق الأردبيلي أيضاً في مجموع الفائدة ٧ : ٢٩٥.
(٥) الذخيرة : ٦٧٢ ، وفيه : وعن يحيى الأزرق بإسناد لا ينبغي أن يعدّ موثقاً.
(٦) الفقيه ٢ : ٣٠٤ / ١٥٠٩ ، التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩٢ ، الوسائل ١٤ : ١٩٦ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٢.
غيره (١).
وهي بإطلاقها بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال تعمّ صورتي الاختيار والضرورة ، كما هو ظاهر العبارة هنا وفي الشرائع ، والتحرير والمنتهى والقواعد ، والتهذيبين ، واللمعتين ، والسرائر ، وعن المبسوط والجمل (٢) ، بل صريحها وصريح ابن حمزة على ما حكاه بعض الأجلّة (٣) ، قال : وخالف فيه القاضي والحلبيّان والمحقّق الثاني ، فاشترطوا الضرورة (٤).
أقول : وظاهر الغنية دعوى الإجماع.
وعليه فيمكن الجمع بين ما مرّ من المعتبرة والصحاح المعارضة ، منها : في متمتّع دخل يوم التروية ولا يجد هدياً : « فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ، ويتسحّر ليلة الحصبة (٥) ، فيصبح صائماً ، وهو يوم النفر ،
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩١ ، الوسائل ١٤ : ١٩٥ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ١.
(٢) الشرائع ١ : ٢٦٢ ، التحرير : ١٠٥ ، المنتهى ٢ : ٧٤٣ ، القواعد : ٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٣١ ، الإستبصار ٢ : ٢٨٠ ، الروضة ٢ : ١٣٢ ، السرائر ١ : ٥٩٢ ، المبسوط ١ : ٣٧٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٦.
(٣) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٦٣ ، ولم يعدّ فيه المحقق الثاني من جملة المخالفين ، ولم نعثر على مخالفته في جامع المقاصد.
(٤) القاضي في المهذب ١ : ٢٠٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.
(٥) المُحَصَّب : موضع الجمار عند أهل اللغة ، والمراد به هنا كما نَصَّ عليه بعض شرَّاح الحديث الأبطح ، إذ المُحَصَّب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصباؤه ، والأبطح ميل واسع فيه دقاق الحصى ، وهذا الموضع تارة يسمى بالأبطح وأخرى بالمحُحَصَّب ، أيّ عند منقطع الشّعب من وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى عند أهل مكة بالمعلّى ، وليس المراد بالمخَصَّب موضع الجمار بمنى ، وذلك لأنّ السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار وأول وقته بعد الزوال وليس له أن يلبث حتى يمسي ، وقد صلى به النبي المغرب والعشاء الآخرة وقد رقد به رقدة ، فعلمنا أن المراد من المحصّب ما ذكرناه. و « التَّحصيب » المستحب هو النزول في مسجد المحصبة والاستلقاء فيه ، وهو في الأبطح ، وهذا الفعل مستحب تأسياً بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان ، فتتأدى لسنة بالنزول في الأبطح قليلاً ثم يدخل البيوتَ من غير أن ينام بالأبطح ، و « ليلة الحَصْبة » بالفتح بعد أيام التشريق ، وهو صريح بأن يوم الحَصْبة هو يوم الرابع عشر لا يوم النَّفْر ، يؤيده ما روي عن أبي الحسن عليهالسلام وقد سُئل عن متمتع لم يكن له هدي؟ فأجاب : « يصوم أيام منى ، فإن فاته ذلك صام صبيحة يوم الحَصبة ويومين بعد ذلك » مجمع البحرين ٢ : ٤٣ ٤٤.
ويصوم يومين بعده » (١).
بحمل الأوّلة على حال الضرورة ، وهذه على الصورة المقابلة.
ولا ريب أنّ هذا التفصيل أحوط ، وإن كان الجمع بينهما بحمل الأخيرة على الاستحباب لعلّه أظهر ، للأصل ، وشهرة الإطلاق ، والعموم للصورتين ، الموجب لوهن الإجماع ، الذي هو الشاهد على الجمع الأول.
ومنه يظهر ضعف ما يحكى عن بعض المتأخّرين من اشتراط الجهل بكون الثالث العيد (٢).
( ولا ) يجوز أن ( يبني لو كان الفاصل ) بينها ( غيره ) أي غير العيد مطلقاً ، على الأشهر الأقوى ؛ لعموم ما دلّ على وجوب التتابع فيها من النصّ (٣) والفتوى.
خلافاً للمحكي عن ابن حمزة ، فاستثنى ما لو كان الفاصل يوم عرفة
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٧ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٥.
(٢) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٦٣.
(٣) الوسائل ١٤ : ١٩٨ أبواب الذبح ب ٥٣.
لمن يخاف بصومه الضعف عن الدعاء (١) ، ونفى عنه البأس في المختلف ، والبعد في المدارك (٢).
استناداً إلى أنّ التشاغل فيه مطلوب للشارع ، فجاز الإفطار.
وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلك لا يوجب حصول التتابع المأمور به شرعاً ، بل مع الإفطار يجب عليه استئناف الثلاثة من أولها.
وأظهر من هذا ضعفاً ما يحكى عن المبسوط والجمل من اغتفار التفريق بينها إذا صام يومين منها مطلقاً (٣) ؛ إذ لم أرَ له حجّةً يعتد بها ، عدا ما في المختلف من أنّ تتابع الأكثر يجري مجرى تتابع الجميع (٤). وهو كما ترى.
وهل تجب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر؟ وجهان :
من إطلاق النصوص (٥) وأكثر الفتاوي.
ومن وجوب الاقتصار في ترك الواجب للضرورة على قدرها. وهذا أحوط وأولى ، وبه أفتى صريحاً بعض أصحابنا (٦) ، حاكياً له عن ابن سعيد.
والحمد لله تعالى
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٥.
(٢) المختلف : ٣٠٥ ، المدارك ٨ : ٥٤ ، لم ينف البعد عن قول ابن حمزة بل استبعده.
(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٢٤٩.
(٤) المختلف : ٢٤٩.
(٥) انظر الوسائل ١٤ : ١٩٥ أبواب الذبح ب ٥٢.
(٦) الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٦٣.
( كتاب الاعتكاف )
وهو لغةً : الاحتباس واللبث الطويل. وشرعاً : اللبث المخصوص للعبادة.
وشرعيته ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع.
قال الله سبحانه : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (١).
وقال عزّ وجل : ( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٢).
وفي الصحيح : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه » الحديث (٣).
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.
(٢) البقرة : ١٢٥.
(٣) الكافي ٤ : ١٧٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٣ أبواب الاعتكاف ب ١ ح ١.
ويستفاد منه ومن غيره من النصوص (١) أنّ أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان ، حتى أنّ في بعضها « لا اعتكاف إلاّ في العشر الأواخر من شهر رمضان » كما في نسخة (٢) ، أو العشرين منه ، كما في أُخرى (٣).
وفي الخبر : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين » (٤).
وهو في الأصل مستحب ، وإنّما يجب بالنذر ويمضي يومين فيجب الثالث ، وكذا كل ثالث كالسادس والتاسع ، على الخلاف الآتي.
( والكلام ) في هذا الكتاب يقع ( في ) أمور ثلاثة : ( شروطه ، وأقسامه ، وأحكامه ).
( أمّا الشروط ) هي ( خمسة )
الأول : ( النيّة ) بلا خلاف ، كما في كلّ عبادة ، وقد مضى تحقيقها في كتاب الطهارة.
( و ) الثاني : ( الصوم ) بالإجماع ، والمعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح وغيره ـ : « لا اعتكاف إلاّ بصوم » (٥).
وفي الصحيح : « تصوم ما دمت معتكفاً » (٦) ونحوه في إيجاب الصوم
__________________
(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٣ أبواب الاعتكاف ب ١.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٠ / ٨٨٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٦ / ٤١١ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٤ أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٥.
(٣) الكافي ٤ : ١٧٦ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٤ أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٥.
(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣١ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٤ أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٣.
(٥) الوسائل ١٠ : ٥٣٥ أبواب الاعتكاف ب ٢.
(٦) الكافي ٤ : ١٧٦ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٥ أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ١.
حال الاعتكاف كثير (١).
والمراد بالوجوب فيها : الشرطي كما في سابقها لا الشرعي ، وإلاّ لزاد الشرط على مشروطه.
وإطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في الصوم بين كونه ندباً أو واجباً ، لرمضان أو غيره ، ومحصّله : أنّه لا يعتبر وقوعه لأجله ، بل يكفي حصوله على أيّ وجهٍ اتّفق ، وبه صرّح جماعة (٢) ، معربين عن عدم خلاف فيه كما صرّح به بعضهم (٣) ، وعن المعتبر : أنّ عليه فتوى علمائنا (٤).
أقول : ويدلّ عليه بعد الإجماع والإطلاقات صريح ما مرّ من النصوص المرغّبة لإيقاعه في شهر رمضان ؛ بناءً على ما مرّ في الصوم من أنّه لا يقع في شهر رمضان غيره إجماعاً (٥).
وعلى هذا الشرط ( فلا يصحّ ) الاعتكاف ( إلاّ في زمانٍ يصحّ صومه ، ممّن يصحّ منه ) الصوم ، فلا يصحّ الاعتكاف في العيدين ، ولا من الحائض والنفساء والمريض المتضرّر بالصوم.
( و ) الثالث : ( العدد ، وهو ثلاثة أيّام ) فلا اعتكاف في أقلّ منها ؛ بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (٦) ، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّاً ، ففي جملةٍ منها : « لا يكون اعتكاف أقلّ من
__________________
(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٥ أبواب الاعتكاف ب ٢.
(٢) المدارك ٦ : ٣١٥ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٢٧٦ ، الحدائق ١٣ : ٤٥.
(٣) كالفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٧٧.
(٤) المعتبر ٢ : ٧٢٦.
(٥) راجع ص : ٢٤٩٥.
(٦) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٧٢٨ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٢٨٤ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤١٨ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٧٦.
ثلاثة أيّام » (١).
ولا خلاف في دخول ليلتي الثاني والثالث ممّن عدا الشيخ في موضعٍ من الخلاف ـ (٢) بل عليه الإجماع في ظاهر جملة من العبائر ، كالمعتبر والمنتهى (٣) وغيرهما (٤).
وقول الشيخ بالخروج متروك كما في عبائر ، ومنها الدروس (٥).
وفي دخول ليلة الأول خلاف ، الأقرب الخروج ، وفاقاً للمشهور ، ومنهم : الشيخ في موضع من الخلاف ، والفاضلان في المعتبر والتحرير ، والشهيدان في الروضة والدروس ، والفاضل المقداد في التنقيح (٦) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (٧).
لأنّ المتبادر من لفظ « اليوم » الوارد في الفتوى والنصّ : إنّما هو من عند الفجر إلى الغروب.
وإنّما قلنا بدخول الليلتين لما مرّ من الإجماع المنقول على دخولهما بالخصوص. مضافاً إلى الإجماع على أن أقلّ الاعتكاف ثلاثة ؛ إذ لو لم يدخلا لتحقّق الخروج منه بدخول الليل ، فجاز فعل المنافي ، فانقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفرداً ، فحصل اعتكاف أقلّ من ثلاثة
__________________
(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٤ أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٢ ، ٤ ، ٥.
(٢) الخلاف ٢ : ٢٣٩.
(٣) المعتبر ٢ : ٧٢٨ ، المنتهى ٢ : ٦٣٠.
(٤) كالتذكرة ١ : ٢٨٤ ، والحدائق ١٣ : ٤٥٩.
(٥) الدروس ١ : ٢٩٨.
(٦) الخلاف ٢ : ٢٣٨ ، المعتبر ٢ : ٧٢٨ ، التحرير : ٨٦ ، الروضة ٢ : ١٥٠ ، الدروس ١ : ٢٩٨ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٠٠.
(٧) منهم صاحب المدارك ٦ : ٣١٧ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٧٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٤٠ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٦٠.
أيّام ، وهذا خلف.
والحاصل : أنّ الليل لا يدخل في مسمّى اليوم إلاّ بقرينة أو دليل من خارج ، وهما مختصّان بالأخيرتين.
وأمّا دخول الليلة المستقبلة في مسمّاه كما نقل قولاً ـ (١) فلا وجه له.
وتتفرّع على الخلاف فروع جليلة لا يليق بهذا المختصر ذكرها جملة.
نعم ، لا بأس بذكر ما يتعلّق منها بأمر النيّة ، وهو ابتداء الاعتكاف الذي يجب مقارنتها له ، وهو على المختار عند طلوع الفجر ، وعلى غيره عند الغروب.
( و ) الرابع : ( المكان ، وهو كلّ مسجد جامع ) جمع فيه إمام عدل ، ولو غير إمام الأصل :
وفاقاً للمفيد ، وعليه الماتن في كتبه ، والشهيدان (٢) ، وجماعة من محقّقي متأخّري المتأخّرين (٣).
لعموم الآية ، والنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما : « لا اعتكاف إلاّ بصوم في المسجد الجامع » كما في بعضها (٤) ، أو « مسجد جماعة » كما في أُخرى (٥).
__________________
(١) نقله صاحب المدارك ٦ : ٣١٧.
(٢) المفيد في المقنعة : ٣٦٣ ، الماتن في المعتبر ٢ : ٧٣٢ ، والشرائع ١ : ٢١٦ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٩٨ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٥٠.
(٣) منهم : صاحب المدارك ٦ : ٣٢٣ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٣٩ ، والفيض في مفاتيح الشرائع ١ : ٢٧٧.
(٤) الفقيه ٢ : ١١٩ / ٥١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٣٨ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١.
(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٠ / ٨٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٧ / ٤١٤ ، الوسائل ١٠ : ٤٣٩ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ٦.
( وقيل : لا يصحّ إلاّ في أحد المساجد الأربعة : مكّة ، والمدينة ، وجامع الكوفة والبصرة ).
والقائل : الشيخ ، والسيّدان ، والحلبي ، والقاضي ، وابن حمزة ، والحلّي ، والفاضل في القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى ، والمحقّق المقداد في التنقيح (١) ، وغيرهم (٢).
وبالجملة : الأكثر كما في كلام جماعة (٣) ، بل المشهور كما في كلام آخرين (٤) ، بل عليه الإجماع في صريح الانتصار والغنية والخلاف وظاهر السرائر (٥) ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى الصحيح المروي في الفقيه : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال : « لا يعتكف إلاّ في مسجد جماعة صلّى فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة » (٦).
__________________
(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٩ ، المرتضى في الانتصار : ٧٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، الحلبي في الكافي : ١٨٦ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٠٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٣ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٢١ ، قواعد الأحكام ١ : ٧٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٥ ، التحرير ١ : ٨٧ ، المنتهى ٢ : ٦٣٢ ، التنقيح الرائع ١ : ٤٠١.
(٢) كسلاّر في المراسم : ٩٩.
(٣) منهم : العلامة في التذكرة ١ : ٢٨٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٥٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٤٠١.
(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٣٢.
(٥) الانتصار : ٧٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، الخلاف ٢ : ٢٣٣ ، السرائر ١ : ٤٢١.
(٦) الكافي ٤ : ١٧٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٩ ، التهذيب ٤ : ٢٩٠ / ٨٨٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٦ / ٤٠٩ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٠ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ٨.
وما يقال : من أنّ الإجماع ممنوع ، والحديث لا دلالة فيه ، فإنّ الإمام العدل لا يختصّ بالمعصوم عليهالسلام كالشاهد العدل ، إلاّ أن يُجعل ذكر هذه المساجد قرينة على إرادته عليهالسلام ، فيحمل على نفي الفضيلة (١).
فمردود بعدم وجه لمنع الإجماع ، عدا وجود الخلاف ، وهو على أصلنا غير ضائر ، فينبغي قبول دعواه ، سيّما مع استفاضة نقله ، وشهرة الفتوى به اشتهاراً محقّقاً ومحكيّاً.
مع عدم ظهور مخالف يعتدّ به من القدماء ، عدا العماني ، حيث جوّز الاعتكاف في كلّ مسجد (٢) ؛ لعموم الآية ، والموثّق المروي في المعتبر والمنتهى : « لا اعتكاف إلاّ بصوم ، وفي مسجد المصر الذي أنت فيه » (٣).
والمفيد ، حيث جوّزه في المسجد الأعظم (٤) ، المرجوع إلى الجامع ، كما في كلام الماتن.
والصدوقين ، حيث جوّزه أولهما في المساجد الأربعة ، مبدلاً البصرة منها بالمدائن (٥) ، وثانيهما في الخمسة (٦).
ولا ريب في ندرة الأول وشذوذه ، ومخالفته الإجماع القطعي والنصّ المستفيض ، المخصّص بهما عموم دليلَيه ، على تقدير تسليمه.
وكذلك الصدوقان ، مع عدم وضوح دليل لهما ، عدا الرضوي لأولهما ،
__________________
(١) كما في المدارك ٦ : ٣٢٥ ، والمفاتيح ١ : ٢٧٧ ، والذخيرة : ٥٤٠.
(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٥١.
(٣) المنتهى ٢ : ٦٣٣ ، المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٤١ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١١.
(٤) انظر المقنعة : ٣٦٣.
(٥) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٥١.
(٦) الصدوق في المقنع : ٦٦.
ففيه : « صوم الاعتكاف في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومسجد الكوفة ، ومسجد المدائن ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد الأربعة ؛ والعلّة في هذه : أنّه لا يُعتكَف إلاّ في مسجد جَمَع فيه إمام عدل ، وجمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكّة والمدينة ، وأمير المؤمنين عليهالسلام في هذه الثلاثة المساجد » (١).
وما روي أنّ مولانا الحسن عليهالسلام صلّى في مسجد المدائن جماعة (٢) لثانيهما.
وهما مع قصور سنديهما ، بل ضعفهما في مقابلة ما مضى لا مخالفة لهما لما عليه أصحابنا ، من حيث اتّفاقهما لهم في اعتبار مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعة ، كما عليه أكثرهم ، ومنهم جملة من نقلة الإجماع كالسيّدين والحلّي (٣) ، أو جماعةً ، كما هما عليه.
ولذا أنّ كثيراً من أصحابنا (٤) ألحقوهما بالمشهور.
فلم يبق مخالف لهم سوى المفيد ، وهو بالإضافة إليهم نادر وإن وافقه الماتن ، لتأخّره عنهم.
ومع ذلك ، لا مستند له حيث قيّد المسجد بالأعظم ، إلاّ إذا أُريد به الجامع يعني : الذي يجتمع فيه أهل البلد دون نحو مسجد القبيلة فتدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة (٥) ، لكن قد عرفت أنّ في جملة منها بدل
__________________
(١) فقه الرضا عليهالسلام : ٢١٣ ، المستدرك ٧ : ٥٦٢ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١.
(٢) المعتبر ٢ : ٧٣٢ ، وليس فيه لفظة « جماعة » ، إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٦ ، روضة المتقين ٣ : ٤٩٨ ، مرآة العقول ١٦ : ٤٢٨.
(٣) المرتضى في الانتصار : ٧٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٢١.
(٤) كصاحب الحدائق ١٣ : ٤٦٤.
(٥) في ص : ٢٦٧٢.