رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

« الجامع » « مسجد جماعة » ولا ريب أنّه أعمّ من الجامع ، لصدقه على مسجد القبيلة إذا صُلّي فيه جماعة ، ولم يقولوا به.

وتقييده بالجامع على تقدير تسليم صحّته ليس بأولى من تقييدهما بما عليه أصحابنا من مسجد صلّى فيه إمام الأصل جمعةً أو جماعة. بل هو أولى ؛ للإجماعات الكثيرة ، والشهرة القديمة العظيمة ، وقاعدة توقيفيّة العبادة ، ووجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ثبوته من الشريعة. مضافاً إلى الصحيحة المتقدمة (١).

والجواب عنها بالحمل على الفضيلة بعد الاعتراف بالدلالة لا وجه له ؛ لاشتراطه بالتكافؤ المفقود في البين ، لأرجحيّة هذه بالإضافة إلى المستفيضة بما عرفته من الشهرة والإجماعات المحكيّة ، وبمرجوحيّته بالإضافة إلى حمل المطلق على المقيّد (٢).

هذا ، مع احتمال ورود المستفيضة للتقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جماعة من العامّة ، كأبي حنيفة ومن تبعه (٣).

وبالجملة : المشهور في غاية القوة ، سيّما مع اعتضاده أيضاً بما رواه في المختلف عن الإسكافي ، أنّه قال : روى ابن سعيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام جوازه في كلّ مسجد صلّى فيه إمام عدلٍ صلاة جماعة ، وفي المسجد الذي تصلّى فيه الجمعة بإمام وخطبة (٤). فتأمّل.

( و ) الخامس : ( الإقامة في موضع الاعتكاف ) بإجماع العلماء‌

__________________

(١) في ص : ٢٦٧٢.

(٢) أي : مرجوحيّة حمل الصحيحة على الفضيلة بالإضافة إلى حمل المطلق وهو المستفيضة على المقيّد.

(٣) انظر عمدة القارئ ١١ : ١٤٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٣.

(٤) المختلف : ٢٥١ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٢ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١٤ ، بتفاوت.

٥٢١

كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى (١) ، والصحاح وغيرها به مستفيضة من طرقنا.

ففي الصحيح : « ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلاّ إلى الجمعة أو جنازة أو غائط » (٢).

وفي آخرَين : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلاّ لحاجة لا بدّ منها ، ثم لا يجلس حتّى يرجع ، والمرأة مثل ذلك » (٣).

وزيد في أحدهما : « ولا يخرج في شي‌ء إلاّ لجنازةٍ أو يعود مريضاً » (٤).

وما فيهما من أنّ المرأة مثل الرجل مجمع عليه بيننا ، وبه صرّح في الخلاف (٥) وغيره (٦) أيضاً.

وعليه ( فلو خرج ) كلّ منهما عن المسجد بجميع بدنه لا ببعضه على الأقوى ـ ( أبطله ).

وكذا لو صعد سطحه على قول (٧) ، والأقوى : لا ، وفاقاً للمحكي عن المنتهى ، لأنّه من جملته (٨).

نعم ، الأحوط ترك هذا وسابقه ( إلاّ لضرورة ) كتحصيل مأكول‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، التذكرة ١ : ٢٩٠ ، المنتهى ٢ : ٦٣٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٦ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥٢١ ، التهذيب ٤ : ٢٩٠ / ٨٨٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٦ / ٤١١ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٠ : ٥٤٩ أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٩ أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٢.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٢٧.

(٦) المدارك ٦ : ٣٢٦ ، الحدائق ١٣ : ٤٦٨.

(٧) انظر الدروس ١ : ٣٠٠.

(٨) المنتهى ٢ : ٦٣٥.

٥٢٢

ومشروب ، وفعل الأول في غيره (١) لمن عليه فيه غضاضة ، وقضاء حاجة من بول أو غائط ، واغتسال واجب لا يمكن فعله فيه ، ونحو ذلك ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، ولا يتقدّر معها (٢) بقدر إلاّ زوالها.

نعم ، لو خرج عن كونه معتكفاً بطل مطلقاً ، وكذا لو خرج مكرهاً أو ناسياً فطال ، وإلاّ رجع حيث ذكر ، فإن أخّر بطل.

كلّ ذلك على الأظهر ، وفاقاً لجمع (٣).

خلافاً للمحكي عن المعتبر في المكره ، فيبطل بقول مطلق ؛ لمنافاته لماهيّة الاعتكاف (٤).

وفيه على إطلاقه نظر ، والأصل يقتضي الصحّة ، والنهي الموجب للفساد غير متوجّه في هذه الصورة ، ولذا قال كالأكثر بعدم البطلان في الناسي (٥) ، وسؤال الفرق متوجّه.

( أو طاعة ، مثل تشييع جنازة مؤمن ) للصحيحين المتقدّمين ، وليس فيهما التقييد المؤمن.

( أو عيادة مريض ) لفحواهما ، مع التصريح به في أحدهما ، وهو مطلق كالأول ، فالتفصيل (٦) غير ظاهر الوجه.

وعلى جواز الأمرين بقول مطلق الإجماع في الانتصار والغنية والتذكرة (٧).

__________________

(١) أي المسجد.

(٢) أي مع الضرورة.

(٣) المسالك ١ : ٨٤ ، المدارك ٦ : ٣٣١ ، الحدائق ١٣ : ٤٧٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٣٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٣٦.

(٦) بتقييد الجنازة بالمؤمن وإبقاء المريض على إطلاقه ( منه رحمه‌الله ).

(٧) الانتصار : ٧٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، التذكرة ١ : ٢٩١.

٥٢٣

( أو شهادة ) تحمّلاً وإقامةً ، إن لم يمكن بدون الخروج ، سواء تعيّنت عليه أم لا.

بلا خلاف ولا إشكال في الصورة الأُولى ؛ لكونها من الحاجة المرخّص في الخروج لأجلها.

ويشكل في الثانية ، وإن ذكر جواز الخروج فيها أيضاً جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى ، معلّلاً بكونها من الحاجة المرخّص لها (١).

وهو مشكل جدّاً ، إلاّ أن يتمسّك بفحوى الجواز للتشييع وعيادة المريض ، لكونهما مستحبّاً ، فالجواز لهما يستدعي الجواز للواجب ولو كفايةً بطريق أولى.

( ولا ) يجوز أن ( يجلس لو خرج ) لشي‌ء من الأُمور المذكورة ( ولا ) أن ( يمشي تحت الظلال ) اختياراً.

بلا خلاف في الأول في الجملة ، وإن اختلف العبارات في الإطلاق كما في الصحيحين الماضيين (٢) ، أو التقييد بتحت الظلال كما في الخبر (٣) ، لكنّه قاصر عن المقاومة لهما سنداً ودلالة ، فإذاً الأول أظهر ، مع أنه أحوط.

وعلى الثاني جماعة ، ومنهم : الشيخ في أكثر كتبه ، والحلّي ، والحلبي كما حكي ، والمرتضى في الانتصار ، مدّعياً عليه الإجماع (٤) ، كما هو ظاهر المحقّق الثاني ، حيث عزاه إلى الشيخ والجماعة (٥).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣٤.

(٢) المتقدمين في ص : ٢٦٧٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ / ٨٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٠ أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٩٣ ، والنهاية : ١٧٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٤٢٥ ، الحلبي في الكافي : ١٨٧ ، الانتصار : ٧٤.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٥٦.

٥٢٤

فإن تمّ كان هو الحجّة ، وإلاّ فالأصل يقتضي الجواز ، كما في الغنية ، وعن الشيخ في المبسوط ، والمفيد ، والديلمي (١) ، وأكثر المتأخّرين (٢).

ولكن في النسبة مناقشة ، فإنّ القدماء المحكي عنهم ذلك ليست عباراتهم المحكيّة صريحة في ذلك ، وإنّما الموجود فيها النهي عن الجلوس تحت الظلال خاصّة ، من غير تعرّض للمشي ، وهو ليس بصريح في جواز المشي تحتها.

وأمّا المتأخّرون ، فلم أقف على مصرّح به ، سوى الماتن في المعتبر ، والفاضل في المختلف ، وشيخنا في المسالك والروضة (٣) ، وبعض من تأخّر عنهم (٤) ، والأولان وافقا الجماعة في أكثر كتبهما (٥). والشهيد في الدروس وإن كان ظاهره الميل إليه (٦) إلاّ أنّه في اللمعة وافق الجماعة (٧).

وكيف كان ، فلا ريب أنّ المنع أحوط ، إن لم نقل بكونه أظهر.

( ولا ) يجوز أن ( يصلّي خارج المسجد ) الذي اعتكف فيه ، بلا خلاف ؛ للصحيحين (٨).

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المبسوط ١ : ٢٩٣ ، المفيد في المقنعة : ٣٦٣ ، ٥٨ الديلمي في المراسم : ٩٩.

(٢) منهم صاحب المدارك ٦ : ٣٢٩ ، والحدائق ١٣ : ٤٧٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٣٥ ، المختلف : ٢٥٥ ، المسالك ١ : ٨٤ ، الروضة ٢ : ١٥٢.

(٤) كصاحب المدارك ٦ : ٣٢٩ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٤١ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٧٢.

(٥) كما في الشرائع ١ : ٢١٧ ، والتذكرة ١ : ٢٩١ ، المنتهى ١ : ٦٣٥.

(٦) الدروس ١ : ٢٩٩.

(٧) اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٥١.

(٨) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩٢ ، ٨٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٧ ، ٤١٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٥١ أبواب الاعتكاف ب ٨ ح ٢ ، ٣.

٥٢٥

فيرجع الخارج لضرورة إليه وإن كان في مسجد آخر أفضل منه إلاّ مع الضرورة كضيق الوقت فيصلّيها حيث أمكن ، مقدّماً للمسجد مع الإمكان احتياطاً.

ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره : إقامة الجمعة فيه دونه ؛ وللصحيح الماضي (١) ، فيخرج إليها.

وبدون الضرورة لا تصحّ الصلاة أيضاً للنهي.

( إلاّ بمكّة ) فيصلّي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء ، ولا يختصّ بالمسجد ، ولا خلاف في هذا أيضاً ؛ للصحيحين المشار إليهما.

( وأمّا أقسامه )

( فهو ) على قسمين : ( واجب ، ومندوب )

فالواجب : ما وجب بنذر وشبهه ) من عهد ويمين وبنيابةٍ حيث تجب.

ويشترط في النذر وما في معناه : إطلاقه ، فيحمل على ثلاثة ، أو تقييده بها فصاعداً ، أو بما لا ينافيها كنذر يوم لا أزيد.

وأمّا غيرهما ، فبحسب الملتزم (٢) ، فإن قصر عن الثلاثة اشترط إكمالها في صحّته ، ولو عن نفسه.

( وهو ) أي الواجب ( يلزم بالشروع ) فيه ، بلا إشكال مع تعيّن الزمان ، ويستشكل فيه مع إطلاقه ، لعدم ما يقتضيه.

ولذا قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضيّ فيه قبل‌

__________________

(١) المتقدم في ص : ٢٦٧٥.

(٢) في « ص » : الملزم.

٥٢٦

اليومين (١) ؛ وهو بناءً على منع العموم الدالّ على حرمة إبطال الأعمال.

ولو قيل به إلاّ ما أخرجه الدليل ، وهو المندوب على الإطلاق ، كما هو ظاهر الأصحاب لم يكن بعيداً من الصواب.

ونحو المتن في الحكم باللزوم بالشروع الشرائع والقواعد (٢) ، وربّما عزي إلى المشهور (٣) ، وفي التنقيح : أنّه لا خلاف فيه (٤).

( والمندوب : ما يتبرّع به ) من غير موجب.

( ولا يجب بالشروع ) فيه ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ للأصل ، وصريح الصحيحين الآتيين.

خلافاً للمحكي عن المبسوط والحلبي ، فيجب (٥).

ولعلّه لعموم النهي عن إبطال العمل ، كما في التنقيح (٦).

أو لإطلاق نحو الصحيح : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم ، وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد الذي هي فيه ، فتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة ، ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها ما على المظاهر » (٧).

__________________

(١) انظر المدارك ٦ : ٣٣٩.

(٢) الشرائع ١ : ٢١٨ ، القواعد ١ : ٧٠.

(٣) الحدائق ١٣ : ٤٧٩.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٣.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٦) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٣.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٨ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦ بتفاوت.

٥٢٧

وهما مقيّدان بما يأتي من صريح الصحيحين المعتضدين بالأصل والشهرة العظيمة القريبة من الإجماع.

هذا ، وفي الناصرية والسرائر : أنّ عندنا العبادة المندوب إليها لا تجب بالدخول فيها (١).

وهو كما ترى ظاهر في انعقاد إجماعنا عليه (٢) مطلقاً (٣).

ويشهد لصحّة دعواه تتبّع كثير من المستحبّات المحكوم فيها عند الأصحاب بعدم وجوبها بالشروع فيها.

( فإذا مضى يومان ، ففي وجوب الثالث قولان ) بين الأصحاب.

( و ) لكن ( المروي : أنّه يجب ) ففي الصحيح : « إذا اعتكف الرجل يوماً ، ولم يكن اشترط ، فله أن يخرج وأن يفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ، ولم يكن اشترط ، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام » (٤) ونحوه آخر سيذكر.

وعليه أكثر القدماء والمتأخّرين ، وفي التنقيح واللمعتين والنكت : أنّه الأشهر (٥).

خلافاً للمرتضى والحلّي والفاضلين في المعتبر والمختلف ، فلا يجب (٦) ؛ للأصل ، وبعض الأُمور الاعتباريّة ، المخصّصين على تقدير‌

__________________

(١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧ ، السرائر ١ : ٤٢٤.

(٢) أي على عدم الوجوب بالشروع ( منه رحمه‌الله ).

(٣) أي ولو في غير الاعتكاف ( منه رحمه‌الله ).

(٤) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٣ أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ١ بتفاوت يسير.

(٥) التنقيح ١ : ٤٠٤ ، الروضة ٢ : ١٥٤.

(٦) المرتضى في الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٢٤ ، المعتبر ٢ : ٧٣٧ ، المختلف : ٢٥٢.

٥٢٨

تسليمهما بما مرّ من الصحيحين المعتضدين مضافاً إلى الشهرة بإطلاق نحو الصحيحة السابقة.

والجواب عن الصحيحين بضعف السند كما في المختلف (١) ، أو الدلالة كما في الذخيرة (٢) ، لا وجه له.

لاختصاص ضعف السند برواية الشيخ (٣) ، وإلاّ فهما في الكافي والفقيه مرويّان صحيحاً كما قلنا.

ومع ذلك ، الضعف بابن فضّال ، وهو موثّق ، وهو حجّة على الأصح ، سيّما إذا اعتضد بالشهرة الظاهرة والمحكية في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة.

وأمّا ضعف الدلالة فلا وجه له بالكلّية ، عدا احتمال إرادة الكراهة ، وهو مرجوح في الغاية بالنسبة إلى لفظ : « ليس له » الوارد في الرواية ، وليس كلفظ النهي المحتمل لها قريناً أو متساوياً في أخبار الأئمّة عليهم‌السلام ، كما عليه صاحب الذخيرة.

مع أنّه اختار ذلك في النهي حيث لم تنضمّ إليه الشهرة ، وإلاّ فهو قد جعل الشهرة دائماً قرينة على تعيّن الحرمة ، وهي أيضاً في المسألة حاصلة.

فمناقشته في الدلالة على أيّ تقدير ضعيفة ، بل واهية.

( وقيل : لو اعتكف ثلاثاً فهو بالخيار في الزائد ، فإن اعتكف يومين آخرين وجب الثالث ).

للصحيح : « ومن اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٢.

(٢) الذخيرة : ٥٣٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، و ٢٨٩ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠ و ٤٢١ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٣ أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ١ ، ٣.

٥٢٩

زاد ثلاثة أُخرى ، وإن شاء خرج من المسجد ، وإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يُتمّ ثلاثة أيّام أُخر » (١).

والقائل : الشيخ والإسكافي والتقي (٢) ، بل في التنقيح : أنّه فرع القول بالوجوب بالثالث فيما سبق (٣). وهو ظاهر في عدم القائل بالفرق.

لكن في الروضة ما يدلّ على وجوده ، فإنّه قال : وعلى الأشهر يتعدّى إلى كلّ ثالث على الأقوى ، كالسادس والتاسع لو اعتكف خمسةً وثمانية ، وقيل : يختصّ بالأول خاصّة ، وقيل في المندوب ، دون ما لو نذر خمسةً فلا يجب السادس ، ومال إليه المصنّف في بعض تحقيقاته (٤). انتهى.

ولم أجد القائل الذي حكاه مؤذناً بعدم تفرّع هذه المسألة على سابقتها ، كما هو ظاهر المتن أيضاً.

وكيف كان ، فما قوّاه في محلّه ؛ لصراحة الصحيح فيه ولو في الجملة ، وتتمّ الكلّية بعدم القائل بالفرق بين مورده وغيره على الظاهر ، المصرّح به في المدارك (٥) وغيره.

( وأمّا أحكامه )

( فمسائل ) ثلاثة :

( الاولى : يستحبّ للمعتكف أن يشترط ) في ابتدائه الرجوع فيه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٤ أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

(٢) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٩٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٥١ ، التقي في الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٤.

(٤) الروضة البهية ٢ : ١٥٤.

(٥) المدارك ٦ : ٣١٣.

٥٣٠

عند العارض ( كالمُحرم ) بإجماع العلماء عدا مالك ، كما عن التذكرة والمنتهى (١) ، والنصوص به مستفيضة جدّاً (٢). فيرجع عنده وإن مضى يومان.

وقيل : يجوز اشتراط الرجوع فيه مطلقاً ولو اقتراحاً فيرجع متى شاء وإن لم يكن لعارض (٣). ولعلّه الأقوى ، وفاقاً لجماعة ومنهم الشهيد الأول ـ (٤) عملاً بالصحيحين المتقدّمين (٥) ، الظاهرين في ذلك :

أحدهما : الوارد في المعتكفة بإذن زوجها ، الخارجة من المسجد بعد أن بلغها قدومه ؛ لظهور أنّ حضور الزوج ليس من الأعذار المرخّصة للخروج.

وثانيهما : المتضمّن لقوله : « وإن أقام يومين ، ولم يكن اشترط ، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يُمضي ثلاثة أيّام » لظهور أنّ الفرق في جواز الرجوع بعد اليومين وعدمه بالاشتراط وعدمه إنّما يظهر مع عدم الضرورة المسوّغة للخروج بنفسها.

وحيث ثبت منهما جواز اشتراط الرجوع لغير ضرورة ، ظهر أنّ المراد من التشبيه بالمُحرم فيما عداهما : التشبيه في أصل جواز الاشتراط ، لا كيفيّته.

نعم ، هما مجملان بالإضافة إلى مطلق العارض والاقتراح.

وحيث إنّ المشهور بين الأصحاب انحصار القول بينهم في الاقتراح أو الضرورة المسوّغة خاصّة ، أمكن تتميم دلالتهما على الأول بعدم القائل بينهم بالعارض المطلق ، فيكون من قبيل التتميم بالإجماع المركّب.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٩٣ ، المنتهى ٢ : ٦٣٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٥٢ أبواب الاعتكاف ب ٩.

(٣) العلامة في القواعد ١ : ٧٠.

(٤) كما في الدروس ١ : ٣٠١.

(٥) المتقدمين في ص : ٢٦٧٩.

٥٣١

وهو وإن كان لا يخلو عن إشكال لعدم معلوميّة بلوغ ذلك مرتبة الإجماع ، سيّما مع وجود قائل به كما يأتي إلاّ أن التمسّك بالأصل لعلّه كافٍ في ذلك.

بيانه : أنّ الأصل عدم وجوب الاعتكاف بأحد موجباته ، إلاّ ما قام الدليل القاطع على خلافه ، ومورده بحكم التبادر وغيره مختصّ بصورة عدم الاشتراط مطلقاً ، أمّا معه ولو في الجملة فلا.

خلافاً لآخرين (١) ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ـ (٢) فاختاروا الأول (٣).

لتشبيهه بشرط المُحرم في الصحيح أو الموثّق : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم » (٤).

وأظهر منه غيره : « واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ، أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض من علّة تنزل بك من أمر الله تعالى » (٥).

وليسا بمكافئين لما قدّمنا سنداً ودلالةً ، فليحملا على أنّ المراد : جواز اشتراط ذلك لا الحصر فيه ، مع احتمال الأول كالعبارة ونحوها الحمل على جعل التشبيه في أصل الاشتراط لا كيفيّته.

ولبعض المتأخّرين هنا قول آخر ، هو : التقييد بالعارض ، مع تعميمه‌

__________________

(١) عطف على قوله : وفاقاً لجماعة ، في ص ٢٦٨٢.

(٢) الروضة البهية ٢ : ١٥٤ ١٥٥ ، المسالك ١ : ٨٥.

(٣) أي القول باشتراط الرجوع في الاعتكاف عند العارض.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٥ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٢ أبواب الاعتكاف ب ٩ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤١٩ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٢ أبواب الاعتكاف ب ٩ ح ٢.

٥٣٢

للعذر وغيره (١).

وهو ضعيف جدّاً ؛ لما مضى.

ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره ، لكن محلّه في الأول عند الأصحاب وقت النذر وأخويه ، لا وقت الشروع.

بخلاف المندوب ، فإنّه عنده ، كما هو ظاهر النصوص. وإنّما خُصّت به دون المنذور مع إطلاقها لهما بناءً على أنّ إطلاق النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه وعدم سقوطه ، فلا يؤثّر فيه الشرط الطارئ ، سيّما مع تعيّن زمانه ، ووجوبه في المطلق بمجرّد الشروع فيه عندهم ، كما مرّ (٢).

وأمّا جواز هذا الشرط حين النذر فلعلّه لا خلاف فيه في الجملة ، بل يفهم من التنقيح دعوى الإجماع عليه (٣) ، كما يأتي.

وينبغي تقييده هنا بالعارض لا اقتراحاً ، لمنافاته لمقتضى النذر ، صرّح بذلك المحقّق الثاني (٤) وغيره (٥).

وفائدة الشرط : ما أشار إليه بقوله : ( فإن شرط جاز له الرجوع ) مطلقاً ، حتى في الواجب ، ولو بدخول الثالث في المندوب على المشهور.

خلافاً للمبسوط ، فخصّه فيه (٦) باليومين ومنعه في الثالث (٧). وهو ضعيف.

__________________

(١) المدارك ٦ : ٣٤٢.

(٢) في ص : ٢٦٧٨.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٦.

(٤) جامع المقاصد ٣ : ٩٥.

(٥) كصاحب الحدائق ١٣ : ٤٨٥.

(٦) أي الرجوع في المندوب.

(٧) المبسوط ١ : ٢٨٩.

٥٣٣

( ولم يجب القضاء ) في المندوب مطلقاً (١) ، وكذا الواجب المعيّن ، إجماعاً كما في التنقيح (٢).

أمّا المطلق فلعلّه ليس كذلك ، كما قطع به جماعة ومنهم شيخنا الشهيد الثاني ، حاكياً له عن الماتن ـ (٣) لبقاء الوقت ، مع عدم دليل على السقوط بالشرط ، وإنّما الثابت به جواز الرجوع عن الاعتكاف حيث يجب ، ولا تلازم بينه وبين سقوط الأمر الباقي وقته.

هذا ، مضافاً إلى إطلاق الخبرين الآتيين ، الشاملين لما نحن فيه أيضاً ، بل للمندوب والواجب المعيّن الوقت بنذرٍ وشبهه ، لكنّهما خرجا منه بفحوى ما دلّ على عدم لزوم الأول من أصله ففرعه أولى ، والإجماع المنقول في الثاني كما مضى.

وإطلاقهما فيما نحن فيه يشمل صورتي اشتراط التتابع فيه حين الإيجاب (٤) وعدمه ، لكن أحدهما ظاهر في وجوب الإعادة من رأس ، والآخر يحتمل إعادة ما بقي.

ويمكن الجمع بينهما ، بحمل الأول على ما إذا لم يتمّ أقلّ الاعتكاف ، والثاني على ما إذا أتى به فصاعداً ولمّا يُتمّ العدد الواجب.

وهذه صور أربع من الواجب بالنذر الذي يقترن بالشرط ، يجب القضاء في المطلق منها مطلقاً (٥) على التفصيل (٦) ، ولا في المعيّن منها‌

__________________

(١) مضى يومان أم لا ( منه رحمه‌الله ).

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٦.

(٣) الروضة البهية ٢ : ١٥٥.

(٤) بالنذر وشبهه.

(٥) أي سواء اشترط فيه التتابع أم لا ( منه رحمه‌الله ).

(٦) بين ما إذا لم يأت بأقلّ الاعتكاف فيقضي المنذور تماماً ، وما إذا أتى به فصاعداً فيأتي بالباقي ( منه رحمه‌الله ).

٥٣٤

مطلقاً (١).

( ولو لم يشترط ) على ربّه ( ثم مضى يومان ) في المندوب ( وجب الإتمام ، على الرواية ) السابقة وكذا إذا أتمّ الخامس وجب السادس ، وهكذا ، على الرواية الأُخرى ، المعمول بهما كما مضى (٢).

( ولو عرض عارض ) ضروري من مرض وطمث ونحوهما ( حرج ، فإذا زال ) العارض ( وجب القضاء ).

كما في الصحيح : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته ، ثم يعيد إذا برئ ويصوم » (٣).

وفي آخر أو الموثّق : في المعتكفة إذا طمثت ، قال : « ترجع إلى بيتها ، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها » (٤).

وهما بإطلاقهما يشملان ما لو كان مندوباً فوجب ، أو واجباً بالنذر وشبهه ، معيّناً كان أو مطلقاً ، مشروطاً فيه التتابع أم لا. وهو ظاهر العبارة أيضاً.

لكنّهما اختلفا من جهةٍ أُخرى ، فدلّ الأول على وجوب الإعادة الظاهرة في الاستئناف مطلقاً ، والثاني على قضاء ما عليها كذلك ، وهو مجمل يحتمل الأول وإعادة ما بقي خاصّة.

__________________

(١) أي سواء اشترط التتابع أم لا ، أتى بأقلّ الاعتكاف أم لا ( منه رحمه‌الله ).

(٢) راجع ص : ٢٦٧٩ ، ٢٦٨١.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٤ أبواب الاعتكاف ب ١١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٤ أبواب الاعتكاف ب ١١ ح ٣.

٥٣٥

ولا ريب في تعيّن الأول حيث لم يُتمّ أقلّ الاعتكاف مطلقاً (١) ، ويحتمله والثاني لو أتى به فصاعداً ولمّا يُتمّ العدد الواجب ، سواء تعيّن النذر أو أطلق ، لم يشترط في شي‌ء منهما التتابع أو شرط.

خلافاً للمبسوط في المعيّن المشروط ، فيستأنف (٢).

وللمختلف (٣) وغيره (٤) فيه أيضاً ، فيبني.

ولبعضهم ، فعيّن البناء فيما عداه مطلقاً (٥) ، إلاّ إذا كان مطلقاً واشترط فيه التتابع ، فيستأنف. ولا يخلو عن وجه.

خلافاً للمحكي عن التذكرة في المستثنى ، فاستشكل فيه بأنّه بالشروع فيه صار واجباً ، فيكون كالمعيّن ، فيبني على ما مضى كما في المعيّن (٦).

هذا ، ولا ريب أنّ الاستئناف في جميع الصور أحوط وأولى ؛ عملاً بإطلاق الصحيح الراجح على مقابله سنداً ودلالة.

الثانية : ( يحرم على المعتكف ) حيث يجب عليه ( الاستمتاع بالنساء ) لمساً وتقبيلاً وجماعاً ، بلا خلاف في تحريم الثلاثة قيل (٧) : لإطلاق الآية الكريمة ـ (٨) ولا في البطلان بالأخير ، بل عليه الإجماع في‌

__________________

(١) أي في جميع الصور الأربع التي سيشار إليها ( منه رحمه‌الله ).

(٢) المبسوط ١ : ٢٩١.

(٣) المختلف : ٢٥٣.

(٤) كالذخيرة : ٥٤١.

(٥) في جميع الصور الثلاث الأُخر ( منه رحمه‌الله ).

(٦) حكاه في المهذب البارع ٢ : ١٠٨ ، وهو في التذكرة ١ : ٢٩٣.

(٧) قال به صاحب الحدائق ١٣ : ٤٩١.

(٨) وهو قوله تعالى( « وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ » ) البقرة : ١٨٧.

٥٣٦

عبائر جماعة (١).

وألحق بها الاستمناء بأيّ شي‌ء كان في الخلاف ، مدّعياً الإجماع (٢) ؛ ولعلّه لأنّه أشدّ من اللمس والتقبيل بشهوة ، فيستلزم تحريمهما تحريمه بالأولويّة.

ولا بأس به إن أُريد من حيث التحريم ، سيّما مع تحريم أصله ، إن لم يكن مع حلاله.

ويشكل إن أُريد من حيث البطلان ووجوب الكفّارة به ، كما هو ظاهر الخلاف (٣) ، فإن تمّ إجماعه عليه ، وإلاّ فالأجود عدمهما فيه ، بل وفي الملحق بهما ، للأصل ، مع عدم دليل على شي‌ء منهما.

( والبيع ، والشراء ، وشمّ الطيب ) على الأشهر الأظهر ، بل لا خلاف في شي‌ء من ذلك يظهر ، إلاّ من المبسوط في الأخير ، فلم يحرّمه (٤) ، ومن اللمعتين في الأولَين ، فلم يذكراهما (٥).

وهما نادران ضعيفان ، محجوجان بالصحيح : « المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع » (٦).

مع أنّ في الخلاف الإجماع على حرمة استعمال الطيب بقول مطلق (٧).

__________________

(١) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٤٠٦ ، فإنه قال : الجماع لا خلاف في تحريمه وإفساده. وكذا في المفاتيح ١ : ٢٧٩ ( منه رحمه‌الله ).

(٢) الخلاف ٢ : ٢٣٨.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٣٨.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(٥) انظر الروضة ٢ : ١٥٥ ١٥٦.

(٦) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٥٥٣ أبواب الاعتكاف ب ١٠ ح ١.

(٧) الخلاف ٢ : ٢٤٠.

٥٣٧

وفي الانتصار الإجماع على حرمة الأولَين ، بل كلّ تجارة ، بل فساد الاعتكاف بها (١) ، وتقرب منه في دعوى الإجماع على تحريمهما عبارتا المدارك والذخيرة (٢).

فإن تمّ إجماع السيّد على الفساد بهما مع عدم وضوح دعواه فيه وإلاّ فالمتّجه عدم الفساد بهما ، بل ولا بشي‌ء ممّا عدا الجماع ، للأصل ، وتعلّق النهي بالخارج ، وبه أفتى جماعة (٣).

خلافاً لآخرين ، فأفسدوه بهما (٤) ، وهو أحوط.

( وقيل : يحرم عليه ما يحرم على المُحرم )

القائل به : الشيخ في الجمل (٥) ، وربّما يحكى عن القاضي وابن حمزة (٦).

( ولم يثبت ) ذلك من حجة ولا أمارة.

نعم ، في التنقيح (٧) : جعله في المبسوط رواية ، قال : وذلك مخصوص بما قلناه ، لأنّ لحم الصيد لا يحرم عليه ، وكذا المخيط وتغطية الرأس (٨).

__________________

(١) الانتصار : ٧٤.

(٢) المدارك ٦ : ٣٤٤ ، الذخيرة : ٥٤٢.

(٣) نقله العلامة في المختلف : ٢٥٥ عن المبسوط ، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٩٢.

(٤) كالحلي في السرائر ١ : ٤٢٦.

(٥) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٢.

(٦) حكاه عنهما في المختلف : ٢٥٣ ، وهو في المهذب ١ : ٢٠٤ ، والوسيلة : ١٥٤.

(٧) التنقيح ١ : ٤٠٦.

(٨) المبسوط ١ : ٢٩٣.

٥٣٨

ولا حجّة في مثل هذه الرواية ؛ لكونها مرسلة ، ومخالفة بعمومها للإجماع ولو في الجملة بلا شبهة.

ولذا قال في التذكرة : إنّ الشيخ لا يريد به العموم ؛ لأنّه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعاً ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح (١).

وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ، كالقول ببطلانه بكلّ ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيّئات ، كما عليه الحلّي (٢) ؛ لعدم دليل عليه ، عدا دعواه منافاتها لحقيقة الاعتكاف وماهيّته. وفيه ما فيه.

نعم ، الأولى تركها ، وترك النظر في معايشه ، والخوض في المباح زيادةً على قدر الضرورة ، ويجوز له معها البيع والشراء اللذان مُنع عنهما ، لكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به ، حتى لو تمكّن من التوكيل فَعَل.

الثالثة : ( يُفسِد الاعتكاف ما يفسد الصوم ) من حيث فوات الصوم ، الذي هو شرط فيه بلا خلاف.

( وتجب الكفّارة بالجماع فيه ، مثل كفّارة ) من أفطر ( شهر رمضان ، ليلاً كان ) الجماع فيه ( أو نهاراً ).

بلا خلاف في أصل وجوب الكفّارة ليلاً أو نهاراً على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٣) ، وفي الغنية الإجماع عليه (٤)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٨٦ ، وقد نُسب فيها إلى بعض علمائنا لا إلى الشيخ ، ولعلّ المصنف أخذ النسبة من الحدائق ١٣ : ٤٩٥.

(٢) السرائر ١ : ٤٢٦.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٤٠٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

٥٣٩

والمعتبرة بذلك مستفيضة جدّاً :

ففي الصحيح : عن المعتكف يجامع ، قال : « إذا فعل فعليه مثل ما على المظاهر » (١) ونحوه آخر قد مرّ (٢).

وفي الموثّق : « عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً » (٣).

وفي الخبر : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ قال : « عليه كفّارتان » (٤).

وما دلّ عليه الموثّق من أنّ عليه كفّارة رمضان مخيّرة مشهور بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً (٥) ، وعليه الإجماع في الغنية (٦) ، وعزاه في المختلف إلى الأصحاب فهو الأقوى ، سيّما مع اعتضاده بالأصل.

خلافاً للمحكي عن ظاهر المقنع : فما دلّ عليه الصحيحان من أنّها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٦ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٢) في ص : ٢٦٧٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٩ ، الوسائل ١٠ : ٥٤٧ أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٤.

(٥) كالتنقيح ١ : ٤٠٨ ، والروضة ٢ : ١٥٧ ، والمدارك ٦ : ٢٤٤ ، والذخيرة : ٥٤٢ ، والمفاتيح ١ : ٢٦١ ، وفي المختلف : ٢٥٤ ، أنّ الموثقة أوضح عند الأصحاب .. وفيه إشعار بقرب الشهرة من الإجماع ( منه رحمه‌الله ).

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

٥٤٠