رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

( و ) صوم ( الصمت ) بأن ينوي الصوم ساكتاً ، فإنّه محرّم في شرعنا ، لا الصوم ساكتاً بدون جعله وصفاً للصوم بالنيّة.

( و ) صوم ( الوصال ) كذلك : ( وهو ) عند الأكثر كما في المدارك والذخيرة (١) بل المشهور كما في المسالك (٢) ـ : ( أن يجعل عشاءه سحوره ) كما في الصحيحين (٣) ، وغيرهما (٤).

وفي السرائر وعن الاقتصاد والمعتبر : إنّه صوم يومين بليلة (٥) ؛ للخبر (٦). وفي سنده ضعف.

وفي المسالك والروضة (٧) وغيرهما (٨) : حصوله بكلّ منهما.

وهو حسن إن أُريد من حيث التحريم ؛ لعموم بعض الأدلّة ، وهو كونه بدعة.

وإن أُريد من حيث حصول الوصال الشرعي ، المنهي عنه بالخصوص في النصوص ، حتى لو نذر أن لا يأتي به كفّر لو أتى به بالتفسير الثاني ، فمشكل ، لضعف ما دلّ عليه سنداً وعدداً واشتهاراً ، بالإضافة إلى ما دلّ على الأول.

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٨٣ ، الذخيرة : ٥٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ٩٥ / ٢ ، ٤٣ الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٧ ، ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٢ / ٤٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٥.

(٥) السرائر ١ : ٤٢٠ ، الاقتصاد : ٢٩٣ ، المعتبر ٢ : ٧١٤.

(٦) الكافي ٤ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ / ٩٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٨ / ٤٥٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٩٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٣.

(٧) المسالك ١ : ٨١ ، الروضة ٢ : ١٤١.

(٨) كالحدائق ١٣ : ٣٩٣.

٤٨١

والأصل في تحريم الثلاثة بعد الإجماع الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (١) ـ : الاعتبار المتقدّمة إليه الإشارة ، والنصوص المستفيضة ، المتكفّل جملة منها للجميع كرواية الزهري (٢) ، والفقه الرضوي (٣) وجملة منها لآحادها ، وفيها الصحيح وغيره (٤).

وفي العامّة لها التصريح بحرمتها ، ومقتضاها فسادها أيضاً ، كما نقل عن ظاهر الأصحاب في المدارك والذخيرة (٥) وغيرهما (٦).

وربما احتمل صحّتها ما عدا الأول وإن حرمت ؛ لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النيّة ، وتوجّه النهي إلى خارج العبادة (٧).

وهو ضعيف ، بعد وجود النصّ المُضيف للتحريم إلى نفس الصوم ، المنجبر ضعف سنده أو قصوره بفتوى الأصحاب.

مع أنّ الصوم عبادة تتوقّف صحّتها على قصد القربة ، وهي في الصيام المزبورة غير حاصلة ، فتفسد أيضاً من هذه الجهة. ولعلّه لذا ورد النهي عنها.

وبموجب ذلك يصحّ الصوم نهاراً صمتاً ووصلاً ، حيث لم يحصلا في النيّة ابتداءً ، وإن حصلا أخيراً اتّفاقاً ، وبذلك صرّح بعض أصحابنا (٨) ،

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٦ : ٢٨٢ ، والذخيرة : ٥٢٢.

(٢) الكافي ٤ : ٨٣ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٦ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٥١٣ أبواب الصوم المحرم ب ١ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٢ ، المستدرك ٧ : ٥٥٦ أبواب الصوم المحرم ب ٩ ح ١.

(٤) انظر الرسائل ١٠ : أبواب المحرم الأبواب ٤ ، ٥ ، ٦.

(٥) المدارك ٦ : ٢٨٢ ، الذخيرة : ٥٢٢.

(٦) كما في الحدائق ١٣ : ٣٩١.

(٧) المدارك ٦ : ٢٨٣.

(٨) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨١ ، والروضة ٢ : ١٤٢.

٤٨٢

وعزاه في المدارك إلى الأصحاب ، لكن قال : الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك ، إذ المستفاد من الرواية تحقّق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقاً (١).

وأشار بالرواية إلى الصحيح : « الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره » (٢).

وفيه نظر ؛ إذ ظاهره تعريف الوصال في الصيام الشرعي ، يعني : الذي يُقرَن بالقربة ، لا مطلق الصيام.

وأظهر منه الصحيح الآخر في تعريفه : « يصوم يوماً وليلة ، ويفطر في السحر » (٣) لمكان لفظ « الصوم » المضاف إلى الليلة ، وذكر الإفطار بعده ، لصيرورته حقيقة شرعية أو متشرّعة في التناول بعد الإمساك الخاص ، لا مطلق الإمساك ، فتدبّر.

( وصوم الواجب سفراً ) على وجه موجب للقصر ( عدا ما استثني ) ممّا مرّ من المنذور المقيّد به ، وثلاثة الهدي ، وبدل البدنة.

وفُهِمَ من تقييده بالواجب جوازُ المندوب ، وقد مرّ الكلام في الجميع مفصّلاً (٤).

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٨٣.

(٢) الكافي ٤ : ٩٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٩٦ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٥٢١ أبواب الصوم المحرم ب ٤ ح ٩.

(٤) في ص : ٢٥٨٤ ٢٥٨٦.

٤٨٣

( الخامس ) ( في اللواحق )

( وهي مسائل ) :

( الاولى : المريض ) المتضرّر بالصوم ( يلزمه الإفطار ) ولو ( مع ظنّ الضرر )

بلا خلافٍ يظهر ، بل عليه الإجماع في كلام جمع (١) ، والنصّ بجوازه مستفيض (٢) ، مضافاً إلى العقل ، والكتاب : ( فعدّةٌ من أيّامٍ أُخَر ) (٣) فتدبّر.

والمرجع في الظنّ إلى ما يجده ولو بالتجربة في مثله سابقاً ، أو بقول من يفيد قوله الظنّ ولو كان كافراً.

ولا فرق في الضرر بين كونه لزيادة وشدّة بحيث لا يتحمّل عادةً ، أو لبُطء برئه.

( و ) حيث يحصل الضرر ( لو تكلّفه لم يجزه ) إجماعاً ؛ للنهي عنه المفسد للعبادة عندنا.

وهل الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام يباح له الفطر؟

تردّد فيه في المنتهى ، قال : من وجوب الصيام بالعموم وسلامته من‌

__________________

(١) منهم : العلامة في المنتهى ٢ : ٥٩٦ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٢٨٦ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٢٣ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١٦٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢١٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٨.

(٣) البقرة : ١٨٤ ١٨٥.

٤٨٤

المرض ، ومن كون المرض إنّما أُبيح له الفطر لأجل التضرّر به ، وهو حاصل هنا ، لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى (١).

وقيل (٢) : ويمكن ترجيح الثاني بعموم قوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٤) وقوله : عليه‌السلام في صحيحة حريز : « كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » (٥).

أقول : بل في صدرها دلالة عليه أيضاً ؛ حيث قال : « الصائم إذا خاف على عينيه الرمد أفطر » (٦) وهو بإطلاقه يشمل صورة السلامة من الرمد ، ولا قائل بالفرق.

ثم إنّ إطلاق الخوف فيه يشمل ما لو لم يظنّ الضرر ، بل احتمله احتمالاً متساوياً ؛ لصدق الخوف عليه حقيقةً عرفاً وعادةً ، وعليه فيتوجّه الإفطار حينئذ.

لكن ظاهر العبارة ونحوها اعتبار الظنّ ، فإن تمّ إجماعاً ، وإلاّ فلعلّ المتوجّه العدم وكفاية الاحتمال المتساوي.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٦٩.

(٢) الحدائق ١٣ : ١٧١.

(٣) الحج : ٧٨.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٢١٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ١١٨ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

٤٨٥

( الثانية : المسافر ) حيث يجب عليه قصر الصلاة ( يلزمه الإفطار ) أيضاً :

( ولو صام عالماً بوجوبه قضاه ) بإجماعنا الظاهر المصرّح به في جملة به في جملة من العبائر ، كالإنتصار والخلاف والمنتهى والمدارك (١).

( و ) فيه (٢) وفي غيره (٣) : الإجماع على أنّه ( لو كان جاهلاً ) بالحكم ( لم يقض ) كما هو الظاهر ؛ وهو الحجّة في المقامين.

مضافاً إلى النهي المفسد للعبادة في الأول ، والصحاح المستفيضة فيه وفي الثاني :

منها : « إن كان بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٤).

وفي إلحاق الناشي به أم بالعامد وجهان ، بل قولان :

من تقصيره في التحفّظ.

ومن فوات وقته ، ومنع تقصير الناسي ، ولرفع الحكم عنه.

والأحوط : الثاني ؛ لإطلاق النصّ (٥) الشامل لمحلّ الفرض ، وإن احتمل اختصاصه بحكم التبادر بالعمد. وعلى هذا الشهيد في اللمعة ، ويميل إلى الآخر شارحها (٦).

__________________

(١) الانتصار : ٦٦ ، الخلاف ٢ : ٢٠١ ، المنتهى ٢ : ٥٩٧ ، المدارك ٦ : ٢٨٥.

(٢) المدارك ٦ : ٢٨٥.

(٣) الحدائق ١٣ : ٣٩٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢ / ٦٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٠ : ١٧٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ١ ، ٤.

(٦) الروضة ٢ : ١٢٦.

٤٨٦

ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا ، وقضيا قطعاً.

( الثالثة : الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ) بلا خلاف أجده فتوًى ورواية ، إلاّ ما سبقت إليه الإشارة في كتاب الصلاة.

( و ) لكن ( يشترط في قصر الصوم تبييت النيّة ) للسفر من الليل ، عند الماتن هنا وفي الشرائع والمعتبر (١) ، وفاقاً للشيخ في النهاية والجمل والقاضي (٢) في الجملة (٣).

للنصوص المستفيضة ، أظهرها سنداً الموثّق : في الرجل يسافر في شهر رمضان ، أيفطر في في منزله؟ قال : « إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ، ثم بدا له في السفر من يومه ، أتمّ صومه » (٤).

ونحوه المراسيل الثلاثة ، أكثرها لجملة ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، كصفوان وابن مسكان ، وهي بجملتها أو أكثرها ظاهرة في الخروج قبل الزوال.

فإنّ في بعضها : « فإن هو أصبح ولم ينو السفر قصّر ولم يفطر » (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢١٠ ، المعتبر ٢ : ٧١٥.

(٢) النهاية : ١٦١ ، الجمل ( الرسائل العشر ) : ٢٢١ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٤.

(٣) متعلق بقوله « وفاقاً » ؛ وذلك لأن ظاهر المصنف جواز القصر ، بل وجوبه مع التبييت أيّ وقتٍ سافر ، وظاهر الشيخ في النهاية أنه مع التبييت لو سافر بعد الزوال كان عليه الإمساك والقضاء ، وكذلك في المبسوط ، لكنه لم يذكر وجوب القضاء ( منه رحمه‌الله ).

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٥ / ٦٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٦ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١١.

٤٨٧

وفي آخر : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم ، واعتدّ به من شهر رمضان » (١).

وفي الثالث : « إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل ، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر ، وعليك قضاء ذلك اليوم » (٢).

وعليها ينزّل إطلاق المستفيضة الآمرة بالصيام إذا سافر في النهار ، كالحسن أو الموثّق : عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : « يتمّ صومه ذلك » (٣).

والخبر : « إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم ، إلاّ أن يدلج دُلْجَة » (٤).

بحملها على ما إذا لم يبيّت ، بل ظاهر الحسن ذلك ، للفظ : « يتمّ صومه » الظاهر في نيّته من الليل ، فتأمّل.

وعلى صورة التبييت يحمل ما دلّ على الإفطار ، ولو مع السفر بعد الزوال.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣٢٠ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٨ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٧ / ٦٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ / ٣١٧ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٦ ، والدُّلْجَة : سير الليل ، يقال أدْلَج بالتخفيف : إذا سار من أول الليل ، وبالتشديد : إذا سار من آخره مجمع البحرين ٢ : ٣٠٠ ٣٠٢.

٤٨٨

وهو حسن ، لولا المعتبرة المستفيضة الآتية المفصّلة بين السفر قبل الزوال فيفطر ، وبعده فيتمّ ، فإنّها لا تقبل الحمل على شي‌ء من ذلك ، إلاّ بتكلّف بعيد (١) لا وجه له ، عدا الجمع بين النصوص المختلفة في المسألة ، وهو غير منحصر في ذلك.

فيحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو : حمل نصوص هذا القول بجملتها مفصّلها ومطلقها ، بعد التنزيل على التقية ، فقد حكي القول بوجوب الصوم مع تبييت نيّته عن جماعة من العامّة ، كالشافعي ومالك والأوزاعي وأبي ثور والنخعي وأبي حنيفة (٢).

بل هذا الجمع أولى ؛ لرجحان المستفيضة الآتية سنداً واعتضاداً بفتوى جماعة من أعيان القدماء وأكثر المتأخّرين ، مع وضوح الشاهد عليه نصّاً (٣) واعتباراً.

( و ) لذا ( قيل : الشرط خروجه قبل الزوال ) فيفطر معه مطلقاً (٤) ، ويصوم مع عدمه ، كذلك.

والقائل : المفيد ، والإسكافي ، والحلبي لكنّه أوجب القضاء مطلقاً والصدوق في ظاهر الفقيه ، والمقنع ، والكليني في الكافي ، وإليه ذهب الفاضل في أكثر كتبه ، وولده ، والشهيدان (٥) ، وغيرهم من‌

__________________

(١) وهو حمل الإفطار قبل الزوال فيها على صورة التبييت ، والصوم بعده على صورة العدم ( منه رحمه‌الله ).

(٢) حكاه العلامة في المنتهى ٢ : ٥٩٩ ؛ وأنظر المغني لابن قدامة ٣ : ٩٠.

(٣) وهو قوله « خذ بما خالف العاقة » ( منه رحمه‌الله ) ، أنظر الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ / ١٨ ، التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.

(٤) سواء بيَّت نية السفر أم لا ( منه رحمه‌الله ).

(٥) المفيد في المقنعة : ٣٥٤ ، عن الإسكافي في المختلف : ٢٣٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٢ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ، المقنع : ٦٢ ، الكافي ٤ : ١٣١ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٥٩٨ ٥٩٩ ، والمختلف : ٢٣١ ، والتحرير ١ : ٨٣ ، فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٤٤ ، الشهيدان في اللمعة وشرحها ( الروضة ٢ : ١٢٧ ).

٤٨٩

المتأخّرين (١).

للمعتبرة المستفيضة ، الراجحة على مقابلتها بما عرفته.

منها : الصحيح : عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، قال : فقال : « إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ صومه » (٢).

والصحيح : في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : « إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم » فقال : « يعرف ذلك بقول علي عليه‌السلام : أصوم وأُفطر حتى إذا زالت الشمس عزم عليّ » يعني الصيام (٣).

ونحوهما الموثّق (٤) بابني فضّال وبكير ، المجمع على تصحيح ما يصحّ عنهما.

وقريب منها الصحيح (٥) الدال على الحكم الأول (٦) بالمفهوم ، وعلى الثاني بالمنطوق.

__________________

(١) كصاحب المدارك ٦ : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٣١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ / ٦٧١ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٣١ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ١٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١.

(٦) هو الإفطار مع السفر قبل الزوال ( منه رحمه‌الله ).

٤٩٠

وهذه النصوص مع ما هي عليه من الاستفاضة واعتبار أسانيدها جملة ، بالصحّة في أكثرها ، والقرب منها في باقيها ، وصراحة أكثرها معتضدة في الحكم الأول بعموم الكتاب والسنّة المتواترة بوجوب القصر على كلّ مسافر.

وخصوصِ المعتبرة والإجماعات ، القائلة على الكلّية : « إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت » (١).

ونفيِ الخلاف عنه للمحكي في السرائر ، لكن مع التبييت خاصّة (٢).

وفي الثاني إلى الإجماع المحكي في الخلاف عليه مطلقاً (٣).

( وقيل : ) يجب أن ( يقصّر ) في الصوم مطلقاً ( ولو خرج قبل الغروب ) ولم يبيّت نيّة السفر ليلاً.

والقائل بذلك : والد الصدوق في الرسالة والحلّي في السرائر صريحاً (٤) ، والسيّدان والعماني والفاضل في الإرشاد ظاهراً (٥).

للعمومات ، وخصوص الخبر : في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨ / ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ / ٥٥١ ، الوسائل ١٠ : ١٨٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

(٢) السرائر ١ : ٣٩٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٠١.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٣٠ ، السرائر ١ : ٣٩٢.

(٥) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٧١ نقله عن العماني في المختلف : ٢٣٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ / ٣٢٤ ، الوسائل ١٠ : ١٨٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٤.

٤٩١

والرضوي : « فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر » (١).

والعمومات مخصّصة بما عرفته.

والخبر مقطوع ، ومع ذلك في سنده ضعف بالجهالة.

والرضوي مع قصوره عن الصحّة معارض بمثله المذكور في كتاب الصلاة منه ، وهو قوله : « وإن خرجت بعد طلوع الفجر أتممت صوم ذلك اليوم ، وليس عليك القضاء ، لأنه دخل عليك وقت الفرض على غير مسافرة » (٢).

ومع ذلك ، فهو كسابقه قاصر عن مقاومة الأدلّة المتقدمة ، فلا يمكن المصير إليهما بالكلّية.

وهنا أقوال أُخر غير واضحة المأخذ ، عدا ما عن المبسوط من جعل الشرط التبييت والخروج قبل الزوال معاً (٣) ، وما في المختلف من التخيير بين الصوم والإفطار بعد الزوال (٤) ، وتبعه جماعة من متأخّري المتأخّرين ، لكن لم يقيّدوه ببَعد الزوال (٥).

لإمكان استناد الأول إلى الجمع بين النصوص الواردة بالأمرين ، بتقييد إطلاق ما دلّ على الإفطار بما إذا خرج قبل الزوال ، وما دلّ عليه في صورة القيد بما إذا بيّت ، لأنّ التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه ، فيقيّد عموم كلٍّ منهما بخصوص الآخر ، فإنّ الظاهر يحمل على‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٠٨ ، المستدرك ٧ : ٣٨١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٧ ح ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٠.

(٣) المبسوط ١ : ٢٨٤.

(٤) المختلف : ٢٣٢.

(٥) كما في المدارك ٦ : ٢٩٠ ، والذخيرة : ٥٣٨.

٤٩٢

النصّ.

ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد ، وهو أولى من الجمع بينهما بالاكتفاء بأحد الأمرين كما في الوسائل (١) ، فإنّه يحتاج إلى شاهد ، ومع ذلك فهو كسابقه فرع التكافؤ بين المتعارضين ، المفقود في البين ؛ لرجحان ما دلّ على التحديد بالزوال بما عرفته.

واستنادِ الثاني إلى الصحيح : « إذا أصبح في بلده ثم خرج ، فإن شاء صام ، وإن شاء أفطر » (٢).

وهو حسن إن وُجد به من القدماء قائل ، وليس.

ومع ذلك ، فليس لنصوص المختار بمكافئ ، فليطرح أو يحمل على أنّ المراد : صام بتأخير المسافرة إلى بعد الزوال وأفطر بتقديمها عليه.

هذا ، مع أنّ العمل بالمختار ليس فيه خروج عن مقتضى هذا الصحيح ، فالأحوط الاقتصار عليه على كلّ حال ، وأحوط منه عدم المسافرة إلاّ قبل الزوال مع تبييت النية.

( وعلى التقديرات ) والأقوال ( لا ) يجوز أن ( يفطر ، إلاّ حيث تتوارى جدران البلد الذي خرج منه ، أو يخفى أذانه ) اتّفاقاً ، فتوًى ونصّاً ، كما مضى.

الرابعة : ( الشيخ والشيخة إذا عجزا ) عن الصيام أصلاً ، أو مع مشقّة شديدة ، جاز لهما الإفطار إجماعاً ، فتوًى ودليلاً ، كتاباً (٣) وسنّة (٤) ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ عنوان الباب.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٧ / ١٠١٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٧.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥.

٤٩٣

و ( تصدّقا عن كلّ يوم بمدّ من الطعام ) أو مدّين على الخلاف.

بلا خلاف أجده في الصورة الثانية ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الكتاب (٢) ، والسنّة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : « الشيخ الكبير والذي به العُطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شي‌ء عليهما » (٣).

ونحوه آخر لراويه أيضاً ، إلاّ أنّه بدّل المدّ فيه بالمدّين (٤).

وحمله الأصحاب على الاستحباب ومنهم الشيخ في الاستبصار (٥) جمعاً بينه وبين سائر أخبار المسألة المتضمّنة للمدّ خاصّة ، ومنها الرواية الأُولى لراوي هذه الرواية كما عرفته.

وحمله في التهذيب على اختلاف مراتب الناس في القدرة (٦). ولا شاهد له.

وفيه (٧) : عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، قال‌

__________________

(١) منهم السيد المرتضى في الانتصار : ٦٨ ، والعلامة في المختلف : ٢٤٥.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) الكافي ٤ : ١١٦ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٠٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ / ٣٣٩ ، الوسائل ١٠ : ٢١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٢.

(٥) الإستبصار ٢ : ١٠٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٨ ٢٣٩.

(٧) أي في الصحيح ( منه رحمه‌الله ).

٤٩٤

« يتصدّق في كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين » (١) ونحوه آخر (٢).

وفي مرسلة ابن بكير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في قول الله عزّ وجل : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (٣) قال : « الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك ، فعليهم لكلّ يوم مدّ » (٤).

وفي المروي في تفسير العيّاشي كما حكي في تفسيرها أنّه : « هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ، والمريض » (٥).

وفي المروي فيه أيضاً فيه أنّه : « المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير » (٦).

وإطلاق أكثر هذه النصوص يشمل الصورة الأُولى ، فتجب فيها الفدية أيضاً ، كما عليه الشيخ في النهاية والاقتصاد والمبسوط ، والعماني ، والإسكافي ، وابنا بابويه ، والقاضي ، والماتن هنا وفي الشرائع ، والفاضل في الإرشاد والقواعد والمنتهى ، والشهيد في الدروس واللمعة ، وابن فهد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢١١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٧ / ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٦ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٩.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) الكافي ٤ : ١١٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢١١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٦.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٧٨ / ١٧٧ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٧.

(٦) تفسير العياشي ١ : ٧٩ / ١٨٠ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٨.

٤٩٥

في المهذّب فيما حكي (١) ، وغيرهم (٢).

( وقيل : لا تجب عليهما ) الفدية ( مع العجز ، و ) أنّه إنّما ( يتصدّقان مع المشقّة ) خاصّة.

والقائل به : المفيد والمرتضى وابن زهرة والديلمي والحلّي والحلبي فيما حكي والفاضل في المختلف وشيخنا في المسالك والروضة والمحقق الثاني (٣) ، وكثير (٤) ، وعن التذكرة والمنتهى : أنّه مذهب الأكثر (٥).

ولعلّه الأظهر ؛ للأصل ، وظاهر الخبر المروي في الفقيه والتهذيب : قلت له عليه‌السلام : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال : « ليومئ برأسه إيماءً ) إلى أن قال : قلت له : فالصيام؟ قال : « إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع الله تعالى عنه ، وإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ ، وإن لم يكن له يسار فلا شي‌ء عليه » (٦).

__________________

(١) النهاية : ١٥٩ ، الاقتصاد : ٢٩٤ ، المبسوط ١ : ٢٨٥ ، حكاه عن العماني والإسكافي وابن بابويه في المختلف : ٢٤٤ ، الصدوق في المقنع : ٦١ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، الشرائع ١ : ٢١٠ ، الإرشاد ١ : ٣٠٤ ، القواعد : ٦٧ ، المنتهى ٢ : ٦١٨ ، الدروس ١ : ٢٩١ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٢٧ ، المهذب البارع ٢ : ٨٦.

(٢) كصاحب المدارك ٦ : ٢٩٣ ، وانظر مجمع الفائدة ٥ : ٣٢١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٣٥١ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الديلمي في المراسم : ٩٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٤٠٠ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٢ ، المختلف : ٢٤٤ ، المسالك ١ : ٨١ ، الروضة ٢ : ١٢٨ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٥٤.

(٤) كالفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٢.

(٥) التذكرة ١ : ٢٨٠ ، المنتهى ٢ : ٦١٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١٠ ، وفيها : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام.

٤٩٦

وقريب منه الصحيحة الأُولى (١) ، على احتمال (٢) لا يخلو عن قرب.

وضعف السند مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكية (٣) ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه في الانتصار (٤) ، ونفي الخلاف عنه في الغنية (٥) ، وأقلّهما إن لم نقل بكونهما حجّة مستقلّة إفادة الشهرة العظيمة القديمة بلا شبهة ، فيجبر بها مضافاً إلى ما مرّ ضعف الرواية.

وبهذا يقيّد إطلاق المستفيضة إن سلم عن دعوى اختصاصه بحكم التبادر بالصورة الثانية ، وإلاّ كما هو ظاهر جماعة (٦) فلا معارضة له لما قدّمناه من الحجّة.

نعم ، ربّما كان ظاهر بعض الأخبار الإطلاق ، بل خصوص الصورة المقابلة (٧) ، لكنه لضعف السند ، وعدم المعارضة لا يصلح للحجّية.

هذا ، والمسألة مع ذلك لا تخلو عن شبهة ، ولذا تردّد فيها جماعة (٨) ، فالأحوط ما في العبارة ، وإن كان ما اخترناه لا يخلو عن قوّة.

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢٦٥٦.

(٢) وهو كون المراد بما لا يقدر عليه : الصوم ، لا الفدية. ووجه القرب إشعار لفظة : « لا حرج عليهما » بالقدرة في الجملة ، وممّا ذكرنا يظهر فساد دعوى كون هذه الصحيحة مطلقة شاملة للصورة الأولى أيضاً ؛ إذ فإن تقدير تساوي الاحتمالين تكون الرواية بالنسبة إليها مجملة ، محتملة لها وللصورة الأخرى خاصة. ودعوى ظهور الاحتمال المقابل بعيدة ، بل لعلّها فاسدة. ( منه رحمه‌الله ).

(٣) انظر الحدائق ١٣ : ٤٢٣.

(٤) الانتصار : ٦٧.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.

(٦) كالفيض في المفاتيح ١ : ٢٤٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٤٢٢.

(٧) الوسائل ١٠ : ٢١٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ الأحاديث ٧ ، ١١ ، ١٢.

(٨) انظر المهذب البارع ٢ : ٨٦ ، والذخيرة : ٥٣٦ ، والكفاية : ٥٣.

٤٩٧

وهل يجب عليهما القضاء مع القدرة؟

قيل : نعم (١) ، وهو الأشهر على ما صرّح به جمع (٢).

وقيل : لا (٣) ، كما هو ظاهر سياق العبارة ، وحكي عن والد الصدوق أيضاً (٤).

ولعلّه الأقوى ؛ للأصل ، وإطلاق الصحيحة الأُولى (٥) ، والرضوي (٦).

وحملهما كالعبارة ونحوها على الغالب من عدم القدرة على القضاء ، وإن كان متوجّهاً ، إلاّ أنّ ثبوت القضاء في غيره هنا لم نجد له دليلاً ، لا خصوصاً ولا عموماً ، لاختصاص نحو الكتاب : ( فعدّةٌ من أيّامٍ أُخر ) (٧) بالفائت مرضاً أو سفراً ، وليس محلّ الفرض منهما ، فيكون الوجوب فيه بالأصل مدفوعاً.

( وذو العُطاش ) بضمّ أوله ، وهو : داء لا يَروى صاحبه ، ولا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار ( يفطر ) إجماعاً على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالتحرير والتذكرة والمنتهى (٨) ، وغيرها (٩) ، وللكتاب (١٠) ، والسنّة المستفيضة عموماً وخصوصاً ، ومنه الصحيح الذي‌

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٢١١ ، والمختلف : ٢٤٥.

(٢) الكفاية : ٥٣ ، المفاتيح ١ : ٢٤١ ، الحدائق ١٣ : ٤٢٣.

(٣) المفاتيح ١ : ٢٤١.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٥.

(٥) المتقدمة في ص : ٢٦٥٦.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٣٨٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٣.

(٧) البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥.

(٨) التحرير : ٨٥ ، التذكرة ١ : ٢٨١ ، المنتهى ٢ : ٦١٩.

(٩) كالذخيرة : ٥٣٦.

(١٠) البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥.

٤٩٨

مضى (١) ، والموثق (٢) ، وغيرها (٣).

( ويتصدّق عن كلّ يوم بمدٍّ ) من طعام.

( ثم إن بري‌ء قضى ) بلا خلافٍ في وجوبه ، كما في ظاهر المختلف (٤) وغيره (٥) وصريح الحلّي (٦) ؛ لأنّه مريض ، فيشمله عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.

ونفيه على الإطلاق في الصحيح الماضي محمول على صورة العجز عنه باستمرار المرض وعدم برئه ؛ جمعاً بينه وبين سابقه (٧) ، لرجحانه بشهرته وقطعيّته ، دون الصحيح ، لظنيّته.

وليس التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقاً ، فيكون الصحيح لخصوصيّته بالتقديم أولى ؛ لأنّ خصوصيّته إنّما هي بالنسبة إلى خصوص المرض ، وأمّا بالنسبة إلى انقطاعه واستمراره فعامّ.

كما أنّ سابقه بالإضافة إلى انقطاع المرض خاص ، وبالإضافة إلى نفسه (٨) عام (٩).

فيمكن تخصيص كلّ منهما بصاحبه ، فلا بدّ من الترجيح. ولا ريب‌

__________________

(١) في ص : ٢٦٥٦.

(٢) الكافي ٤ : ١١٧ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ / ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ / ٧٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٢١٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢١٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٣ ، ٦ وب ١٦ ح ٢.

(٤) المختلف : ٢٤٥.

(٥) المسالك ١ : ٨١.

(٦) السرائر ١ : ٤٠٠.

(٧) أي : عموم ما دلّ على وجوبه في حقّه.

(٨) أي نفس المرض.

(٩) يشمل العطاش وغيره ( منه رحمه‌الله ).

٤٩٩

أنّه مع العموم دون الصحيح ؛ لقطعيّة متنه واشتهاره ، بل عدم ظهور خلاف فيه فيما نحن فيه ، فينبغي تقييد الصحيح به ، وحمله على صورة بقاء المرض واستمراره.

فمَيلُ بعض متأخّري المتأخّرين إلى العمل بإطلاق الصحيح وتخصيص العموم به (١) ، فيه ما فيه.

وأمّا التصدّق ، ففي وجوبه خلاف. والأجود فيه وفاقاً لكثير ، ومنهم : الفاضل في جملة من كتبه ، والمرتضى ، والحلّي (٢) التفصيل بين استمرار المرض فيجب بدلاً عن القضاء ، وعدمه فلا.

استناداً في الأول إلى الصحيح الماضي (٣) ، مضافاً إلى عموم ما دلّ على وجوبه على كلّ مريض استمرّ به المرض من رمضان إلى آخر ، كما مرّ (٤).

وفي الثاني إلى الأصل ، وعدم ظهور دليل على تخصيصه ، عدا إطلاق الصحيح الماضي ، وهو بعد تنزيله بالنسبة إلى القضاء على خصوص صورة الاستمرار غير معلوم الشمول لما نحن فيه ، فيحتمل تنزيله بالنسبة إليه عليه أيضاً احتمالاً متساوياً إن لم يكن أولى.

خلافاً للشيخ (٥) وجماعة (٦) ، فأوجبوه مطلقاً ؛ ولم أقف لهم على‌

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٤٢٦.

(٢) الفاضل في المنتهى ٢ : ٦١٩ ، والمختلف : ٢٤٥ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٦. الحلي في السرائر ١ : ٤٠٠.

(٣) المتقدم في ص : ٢٦٥٦.

(٤) في ص : ٢٦١١.

(٥) المبسوط ١ : ٢٨٥ ، النهاية : ١٥٩.

(٦) منهم الصدوق في المقنع : ٦١ ، الأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٣٢٦.

٥٠٠