رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

الإرشاد فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة (١).

وهو في غاية الجودة ، وإن تأمّل فيه في الذخيرة (٢) ، ولعلّه لأنّ المتبادر من الكبائر في عبائرهم هو كلّ من الذنوب التي تكون بنفسه كبيرة لا باجتماع الصغائر ، سيّما في عبائر النقلة لهذا القول كالمتن والشرائع والمنتهى (٣) ، حيث جعلوه في مقابل القول باعتبار العدالة مطلقاً ، فتأمّل جدّاً.

وكيف كان ، فما عليه القدماء لعلّه أقوى ؛ لما عرفت من الأدلّة المعتضدة بالرواية.

ولا يعارضها المرسل المروي عن العلل : قلت للرجل يعني أبا الحسن ـ : ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال : « يعطى المؤمن ثلاثة آلاف » ثم قال : « أو عشرة آلاف ، ويعطى الفاجر بقدر ، لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة الله ، والفاجر ينفقها في معصية الله » (٤).

لأنّه مع ضعفه بالإرسال وغيره غير دالّ على الجواز مطلقاً ، كما هو ظاهر القوم ، بل على إعطائه بقدر ، ولم يذكروا هذا الشرط ، فتأمّل.

ومع ذلك فيحتمل قويّاً حمله على التقيّة ، لكونه مذهب فقهاء العامّة كما تقدّم عن الخلاف (٥) ، وفي المعتبر والمنتهى عزياه إلى فقهائهم الأربعة (٦) ، وربما يعضده سياق الرواية ، كما لا يخفى على من تدبّر (٧).

__________________

(١) الروضة ٢ : ٥١.

(٢) الذخيرة : ٤٥٨.

(٣) الشرائع ١ : ١٦٣ ، المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) علل الشرائع : ٣٧٢ / ١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ٢.

(٥) في ص : ٢٤٠٠٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٨٠ ، المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٧) لكونها أولاً عن أبي الحسن عليه‌السلام ، والتقية في زمانه كانت في غاية الشدَّة ، وعدوله عليه‌السلام عن الجواب بما يوافق السؤال ويناسبه من تحديد المؤمن وحاله من فسق أو عدالة مثلاً إلى الجواب بتحديد مقدار ما يعطى من عشرة آلاف أو ثلاثة ، فان في ذلك تنبيهات واضحة على ورود الحكم فيها للتقية كما لا يخفى على من أنصف وأعطى التأمّل فيها حقه ( منه رحمه‌الله ).

١٦١

واعلم : أن محل الخلاف إنّما هو من عدا المؤلفة والعاملين عليها ، لاعتبار العدالة فيهم دون المؤلّفة إجماعاً ، على الظاهر ، المصرّح به في الدروس والروضة وغيرهما (١) في الأوّل ؛ ولتضمّن العُمالة الايتمان قطعاً ، وللصحيح : « ولا توكّل به إلاّ ناصحاً شفيقاً أميناً » (٢) ولا أمانة لغير العدل ، فتأمّل.

وعلى ما صرّح به جماعة ممّن اعتبرها فيمن عداهما في الثاني ، ومنهم الشيخ في الجمل والاقتصاد وابنا حمزة وزهرة والشهيدان في اللمعتين (٣) ، قال ثانيهما : لأنّ كفرهم مانع من العدالة والغرض منهم يحصل بدونها. انتهى. وهو حسن ، ومنه يظهر اتّفاق الكل عليه أيضاً.

الثالث : ( أن لا تكون ممّن تجب ) عليه ( نفقته ) شرعاً ( كالأبوين وإن عَلَوا والأولاد وإن سفلوا ) (٤) ( والزوجة ) الدائمة الغير الناشزة ( والمملوك ) إجماعاً على الظاهر المصرّح به مستفيضاً (٥) ، بل هو قول كل من يحفظ عنه العلم كما في المنتهى (٦) ؛ والنصوص به مع ذلك‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٤٢ ، الروضة ٢ : ٥٠ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٢٠٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ / ٢٧٤ ، المقنعة : ٢٥٦ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٣) الرسائل العشر : ٢٠٦ ، الاقتصار : ٢٨٢ ، الوسيلة : ١٢٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، الروضة ٢ : ٥٠.

(٤) في المختصر المطبوع : نزلوا.

(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المدارك ٥ : ٢٤٥ ، المفاتيح ١ : ٢٠٨.

(٦) المنتهى ١ : ٥٢٣.

١٦٢

مستفيضة.

ففي الصحيح (١) وغيره المروي في العلل وغيره (٢) : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب ، والأُمّ ، والولد ، والمملوك ، والزوجة ؛ وذلك أنّهم عياله لازمون له ».

والخبران المخالفان لذلك (٣) مع شذوذهما ضعيفان سنداً ، محتملان لمحامل أقربها الحمل على صورة العجز عن كمال نفقتهم الواجبة ، لجواز دفع التتمة منها حينئذٍ ، كما صرّح به جماعة (٤) من غير خلاف بينهم أجده ؛ للأصل وانتفاء المانع ، وخصوص جملة من المعتبرة.

بل قيل بجواز الدفع أيضاً للتوسعة (٥) ؛ لعدم وجوبها على المنفق ، ولفحوى التعليل في الصحيحة ، فإنّ مقتضاه أنّ المانع لزوم الإنفاق.

وردّ باحتمال كون المقصود منه التنبيه على أنّهم لكونهم لازمين له بناءً على وجوب نفقتهم عليه بمنزلة الأغنياء ، فلا يجوز الدفع إليهم ، فلا يقتضي التخصيص.

أقول : ويعضده ورود التعليل في غير الصحيح هكذا : « لأنّه يجبر على نفقتهم » فتدبّر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠١ ، الوسائل ٩ : ٢٤٠ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٣ ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٣٧١ / ١ ، الخصال : ٢٨٨ / ٤٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤١ أبواب المستحقّين للزكاة ب ١٣ ح ٤. وفيها : « لأنّه يجبر على النفقة عليهم ».

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٢ / ٩ و ١٠ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٥٢ ، الوسائل ٩ : ٢٤٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٣ و ٤.

(٤) منهم : الشيخ في التهذيب ٤ : ٥٧ ، والاستبصار ٢ : ٣٤ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٤٦.

(٥) البيان : ٣٦١ ، الذخيرة : ٤٥٩ ، الحدائق ١٢ : ٢١١.

١٦٣

لكن يضعّفه اقتضاء التعليل المنعَ عن الدفع للتوسعة إذا كان من غير المُنفق عليهم أيضاً. وهو خلاف مختار المورد وجماعة (١) حيث صرّحوا بجوازه له ؛ للعموم ، والصحيح : عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته ، أيأخذ من الزكاة شيئاً فيوسّع به إذا كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ قال : « لا بأس » (٢).

فالجواز لعلّه أقوى وإن كان الأحوط الترك مطلقاً حتى في غير المنفق ، وفاقاً للمحكي عن التذكرة (٣) ؛ لعموم : « لا يُعطون من الزكاة شيئاً » واحتمالِ كون مفاد التعليل ما ذكره المورد ، وعدمِ صراحة الصحيح في التوسعة ، لاحتماله الاختصاص بكمال النفقة وإن ذكر في صدره أنّه يكفونه مئونته ؛ لاحتمال كون المراد الكفاية في الجملة بحيث لا ينافي القصور عن كمال النفقة. وهو وإن بَعُد غايته إلاّ أنّه يقربه « لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه » في ذيل الرواية.

ويتأكّد الاحتياط في الزوجة ، بل صرّح من هؤلاء بإخراجها (٤) جملة ، لأنّ نفقتها كالعوض ، فتكون كذي العقار الذي يستعين بالأُجرة.

ولو امتنع المُنفق من الإنفاق جاز التناول للجميع قولاً واحداً ، كما صرّح به جماعة (٥).

__________________

(١) منهم : الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٢٤٢ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦١ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣١٠ ، المقنعة : ٢٦٤ ، الوسائل ٩ : ٢٣٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١١ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣١ ، ٢٣٤.

(٤) عن الحكم بإعطائها للتوسعة. منه رحمه‌الله.

(٥) منهم : صاحب المدارك ٥ : ٢٤٧ ، والفيض الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٠٩ ، والمحقق السبزواري في السبزواري في الذخيرة : ٤٥٩.

١٦٤

ويجوز للزوجة إعطاؤها زوجها وإنفاقه عليها على الأشهر الأقوى ؛ للأصل ، وانتفاء المانع.

خلافاً للصدوق في الأوّل (١) ، والإسكافي في الثاني (٢). ومستندهما غير واضح.

ثم إنّ هؤلاء إنّما يُمنعون من سهم الفقراء ، وإلاّ فيجوز الدفع إليهم من غيره ، على المقطوع به بين الأصحاب كما في الذخيرة (٣) ، وفي غيرها نفي الخلاف عنه (٤).

ولا ريب فيه ؛ للمعتبرة المتقدّمة المجوزة لقضاء دَين الأب منها وشرائه (٥).

واحترز بالدائمة وغير الناشزة عنها وعن المتمتّع بها ؛ لعدم وجوب الإنفاق عليهما اتّفاقاً.

وهل يجوز الدفع إليهما؟ الأقوى لا في الناشزة ؛ لفسقها ، أو تمكّنها من النفقة في كل وقت أرادت الطاعة فتشبه الأغنياء ، وفي المعتبر عليه الإجماع (٦).

ونعم في المتمتّع بها ؛ للعموم ، مع خروجها عن النصوص ، لعدم تبادرها من لفظ الزوجة المطلق فيها فلا تدخل فيه ، مع أنّها ليست بزوجة حقيقة على الأقوى ، بل مستأجرة كما في رواية ، مع فقد المناط للمنع فيها والعلّة ، وهي كونها من واجبي النفقة.

__________________

(١) كما في المقنع : ٥٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٨٣.

(٣) الذخيرة : ٤٥٩.

(٤) انظر المفاتيح ١ : ٢٠٩.

(٥) راجع ص : ٢٣٩٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٨٢.

١٦٥

( و ) يجوز أن ( يعطى باقي الأقارب ) بلا خلاف ؛ للأصل ، والعموم ، والنصوص المستفيضة.

بل الدفع إليهم أفضل ؛ لعموم : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (١) وصريح الموثق : قلت له : لي قرابة أُنفق على بعضهم وأُفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة أفأُعطيهم منها؟ قال : « مستحقّون لها؟ » قلت : نعم ، قال : « هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (٢).

وفي الخبر : أيّ الصدقة أفضل؟ فقال : « على ذي الرحم الكاشح » (٣) وقريب منه غيره (٤).

ويستفاد من الثّقة جواز الإعطاء ولو مع العيلولة. وهو كذلك حتى فيمن عدا الأقارب ؛ للأصل ، والعموم ، وانتفاء المانع وهو وجوب النفقة على ما مرّ في الصحيحة ، وعليه الإجماع في صريح المدارك والتذكرة على ما حكاه عنه في الذخيرة (٥) ، ونفى عنه الخلاف أيضاً بعض الأجلّة (٦).

الرابع : ( أن لا يكون هاشميّاً ، فإنّ زكاة غير قبيله محرّمة عليه ) في الجملة ، باتّفاق الخاصة والعامة ، كما صرّح به جماعة (٧) ؛ والصحاح به‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ / ١٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٠ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٣٨ / ١٦٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣٠١ ، المقنعة : ٢٦١ ، ثواب الأعمال : ١٧٣ / ١٨ ، الوسائل ٩ : ٤١١ أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ١. الكاشح : العدوّ الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه أي باطنه. النهاية لابن الأثير ٤ : ١٧٥.

(٤) الجعفريات : ٥٥ ، المستدرك ٧ : ١٩٣ أبواب الصدقة ب ١٨ ح ١.

(٥) المدارك ٥ : ٢٤٨ ، التذكرة ١ : ٢٣٤ ، الذخيرة : ٤٥٩.

(٦) الحدائق ١٢ : ٢١٤.

(٧) كالفاضلين في المعتبر ٢ : ٥٨٣ ، والتحرير ١ : ٦٩ ، والمنتهى ١ : ٥٢٤ ، والتذكرة ١ : ٢٣٥ ، وصاحبي المدارك ٥ : ٢٥٠ ، والحدائق ١٢ : ٢١٥.

١٦٦

وغيرها مستفيضة بل متواترة (١).

( دون زكاة الهاشمي ) فإنّها لا تحرم عليه مطلقاً ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في صريح الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى وغيرها (٢) ؛ والنصوص به مع ذلك مستفيضة جدّاً (٣).

( و ) كذا ( لو قصر الخمس عن كفايته جاز ) له ( أن يقبل الزكاة ) مطلقاً ( ولو ) كان ( من غير الهاشمي ) بإجماعنا الظاهر ، المحكي أيضاً في صريح الانتصار والغنية وظاهر المنتهى وغيرها (٤).

وللموثّق : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم » ثم قال : « إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئاً فيكون ممّن تحلّ له الميتة » (٥).

وعليه يحمل إطلاق أُخَر أو الخبر : « أعطوا من الزكاة بني هاشم مَن أرادها ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنما تحرم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى الإمام الذي يكون بعده ، وعلى الأئمة عليهم‌السلام » (٦).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩.

(٢) الانتصار : ٨٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، الخلاف ٣ : ٥٤ ، المنتهى ١ : ٥٤٢ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٢٥٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٧٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢.

(٤) الانتصار : ٨٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ، المنتهى ١ : ٥٢٦ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٢١٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ / ١١١ ، الوسائل ٩ : ٢٧٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٥٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٥ ، التهذيب ٤ : ٦٠ / ١٦١ ، الاستبصار ٢ : ٣٦ / ١١٠ ، المقنع : ٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٥.

١٦٧

ويكون وجه اختصاص الأئمة منهم بالذكر أنهم لا يضطرّون إلى أكل الزكوات والتقوّي بها ، وغيرهم قد يضطرّون إليها.

ويحتمل الحمل على المندوبة أن حرّمناها على الأئمة كما احتمله في المنتهى (١) ، لكن حكى خلافه عن أكثر علمائنا (٢) ؛ ويشهد لهم بعض الصحاح الآتية في جواز أخذهم من المندوبة (٣).

أو على ما إذا كانوا عاملين عليها ، بناءً على جواز أخذهم من سهم هؤلاء ، كما عليه قوم على ما حكى عنهم في المبسوط والسرائر (٤) ، ولكن الظاهر على ما في المختلف أنّهم من العامة العمياء ، قال : إذ لا أعرف في ذلك لعلمائنا قولاً وأكثرهم منع من إعطاء بني هاشم مطلقاً إلى أن قال ـ : وبالجملة فإن كان القوم الذين نقل الشيخ وابن إدريس عنهم من علمائنا صارت المسألة خلافية ، وإلاّ فلا. انتهى (٥).

هذا ، والمعتمد عدم جواز أخذهم مطلقاً ؛ لدعوى الشيخ بنفسه في الخلاف الإجماع عليه ، ولم يَحك خلافاً فيه إلاّ عن بعض أصحاب الشافعي (٦) ؛ ولإطلاق الأدلّة المانعة بل صريح بعضها كالصحيح : « إنّ أُناساً‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٦.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٥.

(٣) انظر ص : ٢٤١٠.

(٤) المبسوط ١ : ٢٤٨ ، السرائر ١ : ٤٦٠.

(٥) المختلف : ١٨٤.

(٦) فإنه قال في كتاب قسمة الصدقات ( الخلاف ٤ : ٢٣١ ) : لا يجوز لأحدٍ من ذوي القربى أن يكون عاملاً في الصدقات لأن الزكاة محرمة عليهم وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه ، وفي أصحابه من قال بجواز ذلك ، لأن ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجارات دليلنا إجماع الفرقة ، إلى آخر ما قاله ( منه رحمه‌الله ).

١٦٨

من بني هاشم أتَوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، قالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطّلب إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم ، ولكنّي قد وعدت الشفاعة » (١) الخبر.

وظاهر العبارة عدم تقدّر المأخوذ في الضرورة بقدرها ، وهو ظاهر كلّ من أطلق الجواز من غير تقدير ، كالسيّدين وغيرهما (٢) ، وجعله في المختلف أشهر واختاره ، قال : لأنّه أُبيح له الزكاة فلا تتقدّر بقدر ، أمّا المقدمة الاولى فلأنّ التقدير ذلك ، وأمّا الثانية فلما رواه .. (٣) ثم ساق بعض الروايات الدالة على جواز الإعطاء إلى أن يحصل الغنى.

وفيه : أن المتبادر منها غير مسألتنا ، ومع ذلك فالموثّقة السابقة لعلّها ظاهرة في تقدّرها بقدر الضرورة كأكل الميتة.

( و ) لعلّه لذا ( قيل : ) إنّه ( لا يتجاوز قدر الضرورة ) وحكاه في التنقيح عن الشيخ (٤) ، واستقر به الشهيدان في الدروس والروضة (٥) ، والفاضل في التحرير والمنتهى (٦) ، وجماعة من المتأخّرين منهم (٧). ولا ريب أنّه أحوط وأولى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٢) الانتصار : ٨٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ وانظر الحدائق ١٢ : ٢٢٠.

(٣) المختلف : ١٨٥.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٣٢٥.

(٥) الدروس ١ : ٢٣٤ ، الروضة ٢ : ٥٢.

(٦) التحرير : ٦٩ ، المنتهى ١ : ٥٢٦.

(٧) كصاحب المدارك ٥ : ٢٥٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٦١ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢١٩.

١٦٩

وفُسّر قدر الضرورة بقدر قوت يوم وليلة ، وما يفهم من الموثّقة أخصّ منه كما صرّح به جماعة (١).

( وتحلّ ) الزكاة ( لمواليهم ) أي عتقائهم ، كما صرّح به في التحرير والمنتهى (٢) ، قال : وعليه علماؤنا ؛ للعموم ، وخصوص النصوص المستفيضة المتضمنة للصحيح والحسن وغيرهما (٣).

وأمّا الموثّق : « مواليهم منهم ، ولا تحلّ الصدقة من الغريب لمواليهم ، ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم » (٤) فحمله الشيخ تارة على كونهم مماليك ، وأُخرى على الكراهة (٥) ، كما حكاها في المختلف عن الإسكافي واختارها (٦).

ولا بأس بهما جمعاً بين الأدلّة. لكنّ الأوّل ربما ينافيه ذيل الرواية ؛ لأنّ المملوك لا يملك شيئاً يتصدق به.

أقول : ويحتمل الحمل على التقيّة ، فقد حكى المنع في المنتهى عن بعض العامّة (٧).

( و ) اعلم أنّ الصدقة ( المندوبة لا تحرم على هاشمي ولا غيره ) بلا إشكال في الثاني.

__________________

(١) منهم : صاحبو المدارك ٥ : ٢٥٤ ، والذخيرة : ٤٦١ ، والحدائق ١٢ : ٢١٩.

(٢) التحرير : ٦٩ ، المنتهى ١ : ٥٢٥.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٧٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٧ / ١١٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٤ ح ٥.

(٥) راجع التهذيب والاستبصار ذيل الحديث.

(٦) المختلف : ١٨٤.

(٧) المنتهى ١ : ٥٢٥.

١٧٠

وأمّا الأوّل فهو المشهور بين الأصحاب حتى عزاه في المنتهى إلى علمائنا وأكثر العامة (١) ، وكذا في المدارك (٢) ، ونفى عنه الخلاف في المفاتيح (٣) ، وقريب منه في الذخيرة كما ستعرفه (٤) ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه ، كما صريح الخلاف (٥) ؛ والنصوص به مع ذلك مستفيضة.

منها الصحيح : « لو حرمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة ، لأنّ كلّ ما بين مكة والمدينة فهو صدقة » (٦).

والخبر أو الصحيح كما قيل ـ : أتحلّ الصدقة لبني هاشم؟ قال : « إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، هذه المياه عامّتها صدقة » (٧).

وفي آخَرَين : عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : « الزكاة المفروضة » (٨).

ويستفاد منهما جواز ما عدا الزكاة ولو كانت واجبة كالكفارة والموصى بها والمنذورة ، وبه صرّح في المدارك (٩) ، وقوّاه في الذخيرة ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٥.

(٢) المدارك ٥ : ٢٥٥.

(٣) المفاتيح ١ : ٢٣٢.

(٤) الذخيرة : ٤٦١.

(٥) الخلاف ٣ : ٥٤١.

(٦) التهذيب ٤ : ٦١ / ١٦٥ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ١ ، وفيه « كلّ ماء » بدل « كلّ ما ».

(٧) المدارك ٥ : ٢٥٥.

(٨) الكافي ٥٩ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٦ ، المقنعة : ٢٤٣ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ٣.

(٩) المدارك ٥ : ٢٥٦.

١٧١

قال : واحتمل المصنف المنع في التذكرة (١).

أقول : ولعلّه لعموم ما دلّ على منعهم من مطلق الصدقة من غير تقييد بالزكاة المفروضة ، مع سلامتها عمّا يصلح للمعارضة سوى الخبرين المتقدم إليهما الإشارة. وهما لضعفهما سنداً لا يصلحان لتقييد الإطلاقات بل العمومات المتواترة من طرق الخاصة والعامة ، وإنّما قيّدناها بهما بالإضافة إلى المندوبة لضرورة الإجماعات المحكية والاعتضاد بالصحيحة والشهرة العظيمة التي لا يكاد يوجد لها مخالف عدا ما يحكى أيضاً عن التذكرة.

قال فيها : وما روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام : أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقيل له أتشرب من الصدقة؟ فقال : « إنّما حرم علينا الصدقة المفروضة » (٢) مما تفرّد بروايته العامة (٣).

وهو كما ترى في غاية الغرابة إن صحّت الحكاية عنه والنسبة ، ويشبه أن تكون سهواً من الحاكي ، وإلاّ فلم يَحكِ عنه الخلاف أحد من علمائنا ، بل في الذخيرة مع نقله عنه احتمال المنع عن الكفارة لم ينقل عنه الخلاف في المندوبة ، بل قال : لا أعلم فيه خلافاً بين أصحابنا (٤).

وكيف كان ، لا شبهة في ضعفه وإن شهدت له جملة من النصوص الظاهرة القريبة من الصراحة (٥) ، لعدم مكافأتها الأدلّة المتقدّمة ، وإن تأيّدت بإطلاقات الأخبار المانعة.

__________________

(١) الذخيرة : ٤٦١ ، التذكرة ١ : ٢٣٥.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٢٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٥.

(٤) الذخيرة : ٤٦١.

(٥) انظر الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩.

١٧٢

( والذين تحرم عليهم ) الصدقة ( الواجبة وُلد عبد المطّلب ) بن هاشم بن عبد مناف دون عمّه المطلب (١) ، بلا خلاف ظاهر ولا محكي ، إلاّ عن شيخنا المفيد في الرسالة العزيّة والإسكافي ، فعمّما التحريم لوُلدهما (٢) ؛ للموثق المتقدم (٣).

__________________

(١) وذكر الفاضلان وغيرهما أن وُلد عبد المطّلب الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب. وذكر الشيخ في النهاية ( ص ١٨٦ ) أن بني هاشم هم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وعباس بن عبد المطّلب. وقال ابن إدريس في السرائر بعد نقل كلامه : وهذا القول ليس بواضح ، قال : والصحيح أن قصيّ بن كلاب واسمه زيد ، وكان يسمّى مجمعاً لأنه جمع قبائل قريش وأنزلها مكة ، وبنى دار الندوة وَلَد عبدَ مناف وعبد الدار وعبد العزّى. فأما عبد مناف فاسمه المغيرة فولد هاشماً وعبد الشمس والمطّلب ونوفلاً وأبا عمرو. فأما هاشم بن عبد مناف فولد عبدَ المطّلب وأسداً وغيرهما ممّن لم يعقب. فولد عبد المطلب عشرةً من الذكور وستّ بنات ، أسماؤهم : عبد الله وهو أبو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والزبير ، وأبو طالب واسمه عبد مناف ، والعباس ، والمقوّم ، وحمزة ، وضرار ، وأبو لهب واسمه عبد العزّى ، والحارث ، والغيداق واسمه جَحْل ، والجحل : اليعسوب العظيم. وأسماء البنات : عاتكة ، وأُميمة ، والبيضاء ، وبرّة ، وصفيّة ، وأروى. وهؤلاء الذكور والإناث لأُمّهات شتّى. فلم يعقب هاشم إلاّ من عبد المطّلب عليه‌السلام ، ولم يعقب عبد المطّلب من جميع أولاده الذكور إلاّ من خمسة وهم : عبد الله ، وأبو طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبو لهب. فجميع هؤلاء وأولاد هؤلاء تحرم عليهم الزكاة الفريضة مع تمكنهم من أخماسهم ومستحقاتهم ، وهؤلاء بأعيانهم أيضاً مستحقّو الخمس ». وإلى ما حرّرناه واخترناه يذهب شيخنا في مسائل خلافه ، وإنما أورده إيراداً في نهايته للحديث الواحد ، لا اعتقاداً. انتهى ( السرائر ١ : ٤٦١ ). وما ذكره من قوله : فولد عبد المطّلب عشرة من الذكور وستّ بنات ، حكاه في المدارك ( ٥ : ٢٥٧ ) عن جماعة من أهل النسب. ( منه رحمه‌الله ).

(٢) حكاه عنهما في المدارك ٥ : ٢٥٦ ، والمعتبر ٢ : ٥٨٥.

(٣) في ص : ٢٤٠.

١٧٣

وهو مع عدم صراحته نادر ، كما أجاب به عنه الفاضلان في المعتبر والمنتهى (١) ، مشعرين بدعوى الإجماع على خلافه ، فلا يخصّص بمثله عموم نحو الكتاب.

مضافاً إلى إشعار جملة من المستفيضة بالاختصاص ببني هاشم ، حيث اقترت على ذكرهم خاصة من غير إشارة في شي‌ء منها إلى غيرهم بالكلية.

بل قال في المنتهى : وتخصيص الصادق عليه‌السلام التحريم يدل على نفيه عمّا عدا المخصوص ، وذلك في قوله : « لا يحلّ لوُلد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » (٢) وكذا في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم يا بني عبد المطّلب » (٣) والمراد بذلك كله شرف المنزلة وتعظيم آله عليهم‌السلام ، فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكره ، لأنّه في معرض التعظيم لنسبه (٤).

( وأمّا اللواحق : فمسائل ) تسع :

الاولى : (يجب دفع الزكاة إلى الإمام عليه‌السلام إذا طلبها ) قطعاً لوجوب إطاعته وتحريم مخالفته.

( ويقبل قول المالك لو ادّعى الإخراج ) بنفسه ولا يكلّف يميناً ولا بيّنةً‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٨٥ ، المنتهى ١ : ٥٢٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ / ١٠٩ ، الوسائل ٩ : ٢٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٥٨ / ١٥٤ ، الوسائل ٩ : ٢٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٥.

١٧٤

بغير خلاف أجده ، قيل : لأنّ ذلك حقّ له كما هو عليه ولا يعلم إلاّ من قِبَله ، وجاز احتسابه من دَين وغيره مما يتعذّر الإشهاد عليه (١).

ويدلُّ عليه أيضاً جملة من النصوص الواردة في آداب المصدّق ، ففي الصحيح وغيره خطاباً له : « قل : يا عباد الله ، أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله تعالى في أموالكم ، فهل لله تعالى في أموالكم من حق فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه » (٢) الحديث.

وكذا يقبل دعواه عدم الحول وتلف المال وما ينقص النصاب ما لم يعلم كذبه ، ذكر ذلك شيخنا في الروضة ، قال : ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلاّ مع الحصر ، لأنّه نفي (٣).

( ولو بادر المالك بإخراجها ) إلى المستحق بنفسه أو وكيله قبل الدفع إلى الإمام أو نائبه حيث يجب عليه ( أجزأته ) كما هنا ، وفي الإرشاد والتذكرة (٤) ؛ لأنّه دفع المال إلى مستحقه ، فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى من يستحقه.

خلافاً للشيخ وجماعة (٥) ، فلا تجزئ ؛ لأنّه عبادة ولم يؤت بها على‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ، المقنعة : ٢٥٤ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٣) الروضة ٢ : ٥٤. قيل في تفسيره : أي لأنَّ دعواه تتضمن النفي ، والشهادة على النفي لا تكون إلاّ على وجه الحصر ، أو لأنَّ شهادتهم على نفي ما يدّعيه فيعتبر في الشهادة الحصر ، وهذا أنسب ( منه رحمه‌الله ).

(٤) الإرشاد ١ : ٢٨٨ التذكرة ١ : ٢٤١.

(٥) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٤٤ والخلاف ٤ : ٢٢٥ ؛ وانظر الوسيلة : ١٣٠ ، والدروس ١ : ٢٤٦ ، والروضة ٢ : ٥٣ ، والمدارك ٥ : ٢٦٠ ، والذخيرة : ٤٦٥.

١٧٥

وجهها المطلوب شرعاً ، فلا يخرج عن العهدة المكلّف بها ؛ ولأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص ، والنهي في العبادة مفسد لها.

والمسألة محل إشكال وتوقف ، كما في المنتهى والتحرير (١) ، وغيرهما ، وفيه : إلاّ أنّ الأمر فيه هيّن ، لاختصاص الحكم بطلب الإمام ، ومع ظهوره عجل الله فرجه يتضح الأحكام كلّها إن شاء الله تعالى (٢). انتهى.

وهو حسن ، إلاّ أنّ دعواه اختصاص الحكم بطلبه عليه‌السلام لعلّها لا يخلو عن شي‌ء ، إلاّ أن تُبنى على ما هو المشهور الآن ، من عدم وجوب دفعها إلى الفقيه المأمون في هذا الزمان.

وهو خيرة الماتن لقوله : ( ويستحب دفعها إلى الإمام ابتداءً ) أي من غير أن يطلبها ( ومع فقده إلى الفقيه المأمون من الإمامية ) المفسر في كلام جماعة من المتأخرين كما في الذخيرة (٣) بمن لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية.

وإنّما يستحب دفعها إليهما ( لأنّه ) أي كلا منهما ( أبصر بمواقعها ) وأخبر بمواضعها ، ولما فيه من الخروج من شبهة خلاف من أوجب الدفع إليهما ابتداءً ، كالمفيد والحلبي والقاضي وابن زهرة العلوي (٤) ، لكنّه والقاضي سوّغا تولّي المالك إخراجها مع غيبة الإمام كزماننا ، مطلقاً كما في‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٤ ، التحرير : ٦٧.

(٢) المدارك ٥ : ٢٦٠.

(٣) الذخيرة : ٤٦٥.

(٤) المفيد في المقنعة : ٢٥٢ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٢ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

١٧٦

عبارة المرتضى المنقولة في المختلف (١) ، أو بشرط المعرفة وإلاّ فيحمل إلى الفقيه المأمون من أهل الحق كما في الغنية ؛ ولا شبهة فيه ولا ريب يعتريه ، وعليه يحمل قطعاً إطلاق المرتضى وهما في المعنى الآن موافقان لنا ، وإنّما المخالف الأوّلان.

ولم أقف على دليل يدل على أصل وجوب الدفع إلى الإمام عليه‌السلام فضلاً عن نائبه.

والاستدلال عليه بآية ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (٢) الآية ، لا وجه له ، كما صرّح به جماعة (٣) ، لأنّ غايتها وجوب الدفع مع المطالبة ، وهو لا يستلزم وجوبه قبلها كما هو مفروض المسألة.

والأصحّ الأوّل ؛ للأصل والعمومات كتاباً وسنةً ، واستفاضة الروايات بجواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله لإخراجها (٤) ، مع عدم وضوح مقيِّد لها ، لما مضى ، مع أنّ في ظاهر الغنية الإجماع عليه مع الغيبة والمعرفة (٥) ، كما هو مفروض المسألة ، وهو صريح الخلاف في كتاب قسمة الصدقات (٦) ، وظاهره عدم خلاف في ذلك في الأموال الباطنة بين العامة والخاصة ، ومورد عبارته وإن كان الإمام دون الفقيه ، لكنّه هنا ملحق به بالأولوية ، وما استدلّ به من عموم الأدلة.

الثانية : ( يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف ) الثمانية.

__________________

(١) المختلف : ١٨٧.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) منهم : العلاّمة في المختلف : ١٨٧ ، وصاحبا المدارك ٥ : ٢٥٩ ، والحدائق ١٢ : ٢٢٢.

(٤) انظر الوسائل ٩ ، أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٦ ، ٣٧ ، ٤٠.

(٥) أي : معرفة المالك لأهل الزكاة.

(٦) الخلاف ٤ : ٢٢٥.

١٧٧

بل ( ولو ) خصّ بها شخصاً ( واحداً ) جاز بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في التذكرة وغيرها (١) ، ونفى عنه الخلاف من متأخّري المتأخّرين جماعة (٢) ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة (٣).

وبها تصرف الآية الكريمة عن ظاهرها بحملها على أُمور أجودها ما في المنتهى : من أنّها سيقت لبيان المصرف خاصة (٤) ؛ ولكن لعلّ مراعاة ظاهرها أحوط.

( و ) لعلّه لذا يكون ( قسمتها على الأصناف أفضل ) مع ما فيه من عموم النفع وشمول الفائدة ، أو لما فيه من التخلّص من الخلاف ، وحصول الإجزاء يقيناً كما في المنتهى والتذكرة (٥) ، وكأنّه أراد بذلك خلاف العامة ، لتصريحه بالإجماع على عدم وجوب البسط في التذكرة.

( وإذا قبضها الإمام ) أو الساعي ( أو الفقيه برئت ذمّة المالك ولو تلفت ) بعد ذلك ، بغير خلاف أجده ، وبه صرّح في الذخيرة (٦) ، وفي المدارك : أنّه مما لا خلاف فيه بين العلماء ؛ لأنّ الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السهمان ، فكان قبضهما جارياً مجرى قبض المستحق ؛ ولفحوى الصحيح « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها » (٧) (٨).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤ ؛ وانظر المفاتيح ١ : ٢١٠.

(٢) كالسبزواري في الذخيرة : ٤٥ ، وصاحب الحدائق ١٢ : ٢٢٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٨.

(٥) المنتهى ١ : ٥٢٨ ، التذكرة ١ : ٢٤٤.

(٦) الذخيرة : ٤٦٧.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٨) المدارك ٥ : ٢٧٤.

١٧٨

الثالثة : ( لو لم يوجد مستحق استحب ) للمالك ( عزلها ) بل عن التذكرة والمنتهى : استحبابه بعد الحول مطلقاً (١) ، لوجوه اعتبارية يشكل التمسك بها في إثبات ما هو العمدة والمقصود من العزل من صيرورة نصيب المالك ملكاً للمستحقين قهراً حتى لا يشاركهم عند التلف أصلاً.

نعم ، تدل عليه الصحيحة المتقدمة قريباً ، ونحوها أخبار أُخر معتبرة منها الصحيح : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت ، أو أرسل بها إليهم فضاعت ، فلا شي‌ء عليه » (٢).

والموثق : زكاتي تحلّ عليّ شهراً ، أفيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني مَن يسألني يكون عندي عدّة؟ قال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت » قال ، قلت : فإن كتبتها وأثبتّها يستقيم لي؟ قال : « نعم » (٣).

وهي حجّة على مَن منع من صحة العزل مع وجود المستحق ، كشيخنا الشهيد الثاني (٤).

والصحة مطلقاً خيرة الفاضلين (٥) كما مضى والشهيد في الدروس (٦).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٨ ، المنتهى ١ : ٥١١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ / ٤٧ ، التهذيب ٤ : ٤٧ / ١٢٣ ، الوسائل ٩ : ٢٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ / ١١٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين ب ٥٢ ح ٢.

(٤) الروضة ٢ : ٦٠ ، المسالك ١ : ٦٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٥٣ ، التذكرة ١ : ٢٣٨.

(٦) الدروس ١ : ٢٤٧.

١٧٩

ولعلّه الأقوى ، إلاّ أن يحمل إطلاق النصوص على صورة فقد المستحق بدعوى تبادرها منها. لكنّها محلّ نظر ، مع أنّ صدر الموثق ظاهر في خلافها.

والمراد بالعزل تعيينها في مال خاص ، وصحّته تقتضي كونها أمانة في يده ، لا يضمن عند التلف إلاّ مع التفريط أو تأخير الدفع مع التمكن من الإيصال إلى المستحق. ولازم ذلك أنّه ليس للمالك إبدالها ، لصيرورتها بالعزل كالمقسوم مال الفقراء.

لكن في صحيح الوارد في آداب الساعي : « اصدع المال صدعين » إلى أن قال : « حتى يبقى وفاء لحق الله في ماله فاقبض حقّ الله تعالى منه ، وإن استقالك فأقله » (١) دلالة على جواز التبديل كما قيل (٢).

ولعلّه لا يخلو عن نظر ، ومع ذلك فعدم التبديل أحوط إن لم نقل بكونه المتعيّن.

والنماء تابع لها مطلقاً (٣) على الأقوى ، وفاقاً للمدارك وغيره (٤) ؛ لما مضى (٥) ، وللخبر : عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أُؤدّيها ، قال : « اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت ضامن لها ولها الربح » إلى أن قال : « وإن لم تعزلها واتّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ / ٢٧٤ ، المقنعة : ٢٥٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٦ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) قال به في الذخيرة : ٤٦٨.

(٣) أي : متصلاً كان أو منفصلاً.

(٤) المدارك ٥ : ٢٧٥ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٢٤٢.

(٥) من صيرورتها بالعزل مال الفقراء.

١٨٠