رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

وأمّا الثاني : فقد صرّح به جماعة (١) ، وعزاه في المنتهى إلى أصحابنا ، قال : لأنّه طاعة فعلت عن الميّت ، فيصل إليه ثوابها (٢).

وفيه نظر وفاقاً لجملة ممّن تأخّر (٣) ، إذ لا كلام في جواز التطوّع عنه ، وإنّما الكلام في قضاء الفائت عنه ، والوظائف الشرعية إنّما تستفاد من النقل ، ولم يرد التعبّد بذلك ، بل ورد خلافه صرحياً في الخبر : عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوّال ، وأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت عليه ، قال : « لا تقض عنها ، فإن الله تعالى لم يجعله عليها » قلت : فإنّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني ، قال : « فكيف تقضي شيئاً لم يجعله الله تعالى عليها » (٤)؟!

لكنّه غير واضح السند وإن الحقَ بالموثّق ؛ لعدم ظهور الوجه.

وما تقدّمه من الاعتبار حسن إن لم نكتف في نحو المقام (٥) بفتوى جماعةٍ فضلاً عن الجماعة كما هنا على ما قيل.

وأمّا معه (٦) كما هو الأقوى فلا. إلاّ أن يقال : إنّه (٧) حيث لا يحتمل التحريم ، وهو هنا يحتمل ، لظاهر الخبر المؤيّد بالنهي أو النفي‌

__________________

(١) منهم : المحقّق في المعتبر ٢ : ٧٠٠ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٦٠٣ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة : ٢٥٩ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٣٠٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٣) كصاحبي المدارك ٦ : ٢١١ ، والذخيرة : ٥٢٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٧ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٣٤٨ / ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٨ ، علل الشرائع : ٣٨٢ / ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(٥) من الاستحباب ( منه رحمه‌الله ).

(٦) أي مع الاكتفاء ( منه رحمه‌الله ).

(٧) أي الاكتفاء والتسامح ( منه رحمه‌الله ).

٤٤١

الراجع إليه في كثيرٍ من الأخبار.

فالترك لعلّه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر.

( وروى القضاء عن المسافر ) مطلقاً ( ولو مات في ذلك السفر ) ففي الصحيح (١) والموثّق (٢) : عن امرأةٍ مرضت أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يُقضى عنها؟ قال : « أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم » ونحوهما الخبر (٣).

وفي الموثّق الآخر : عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه ، قال : « يقضيه أفضل أهل بيته » (٤).

وهي مع قصور أكثرها سنداً وضعف بعضها دلالةً لم أرَ عاملاً بها صريحاً ، بل ولا ظاهراً ، عدا الشيخ في التهذيب (٥) ، مع أنّه رجع عنه في الخلاف إلى ما عليه الماتن وأكثر الأصحاب ، ( و ) هو : أنّ ( الأولى مراعاة التمكّن ، ليتحقّق الاستقرار ) مدّعياً عليه الإجماع (٦).

وهو الأقوى ؛ له ، مضافاً إلى الأصل وشذوذ الروايات ومعارضتها بما يدلّ على أنّ وجوب القضاء على الوليّ بل جوازه مشروط بوجوبه على‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٧ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٥ / ١٠٠٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٠٧.

٤٤٢

الميّت من الروايات.

منها زيادةً على الخبر المتقدّم قريباً المرسل كالموثّق : « فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ، ثم صحّ بعد ذلك فلم يقضه ، ثم مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه ، لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه » (١).

وقصور السند أو ضعفه منجبر بالعمل والموافقة لمقتضى الأصل.

ولشيخنا في المسالك والروضة قول آخر بالتفصيل بين السفر الضروري فالثاني (٢) ، وغيره فالأول (٣).

ولم أقف على مستنده ، عدا أمر اعتباري استنبطه ممّا ذكره في الدروس توجيهاً للرواية ، من أنّ السرّ فيها تمكّن المسافر من الأداء ، وهو أبلغ من التمكّن من القضاء إذا كان ترك السفر سائغاً ، وما ذكره في ردّه بقوله : وهو ممنوع ، لجواز كونه ضرورياً كالسفر الواجب ، فالتفصيل أجود (٤).

وهو كما ترى ، فإنّه اجتهاد صرف لا دليل عليه أصلاً ، فلا يمكن الاستناد إليه جدّاً.

( ولو كان ) له ( وليّان قضيا بالحصص ) وفاقاً للشيخ (٥) وجماعة (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١١٠ / ٣٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٠٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

(٢) أي لا يجب القضاء ( منه رحمه‌الله ).

(٣) المسالك ١ : ٧٨ ، الروضة ٢ : ١٢٤.

(٤) الروضة ٢ : ١٢٤.

(٥) انظر المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٦) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٧٠٣ ، والعلاّمة في المختلف : ٢٤٢ ، والشهيد في الروضة ٢ : ١٢٢ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٢٦.

٤٤٣

لعموم نحو الصحيح : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » (١) ؛ لشموله بإطلاقه المتّحد والمتعدّد ، ويتساوون ، لامتناع الترجيح من غير مرجّح.

خلافاً للقاضي ، فالتخيير ، ومع الاختلاف فالقرعة (٢).

وللحلّي ، فلا يجب على أحدهم بالكلّية (٣).

ولا حجّة لهما أجدها ، عدا ما استدلّ للأول من عموم ما دلّ على أنّ القرعة لكلّ أمر مشكل.

وهو بعد تسليم جريانه في نحو العبادات ، مع أنّه قد أنكره الفاضل في المختلف (٤) لا يتمّ بإثبات التخيير فتأمّل.

وللثاني من الأصل واختصاص الموجب للقضاء بالولد الأكبر ، وليس هنا بمقتضى الفرض.

وضعفه ظاهر إن سُلّم العموم المتقدّم. ولا يخلو عن نظر ؛ لتبادر الواحد ، مع ندرة المتعدد المتحدين بحسب السنّ لرجل واحد ، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر بشي‌ء ولو من نحو دقيقة ، بأن ينفصلا دفعةً واحدة.

فلما ذكره وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه كما هو الظاهر ؛ لعدم مخالف فيه عداه ، وهو نادر.

مع أنّه يمكن أن يقال : بأنّ المعتبر اتّحاد السنّ العرفي لا اللغوي ، ولا يشترط فيه ما مرّ (٥) ، بل لو انفصلا متعاقبين بينهما دقيقة بل دقائق كانا متّحدين سنّاً عرفاً ، والاتّحاد بهذا المعنى غير نادر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٣ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) المهذب ١ : ١٩٦.

(٣) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٤) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٥) وهو الانفصال دفعة واحدة.

٤٤٤

( ولو تبرّع بعضهم ) فأتى بعضاً ممّا يجب على الآخر ( صحّ ) عند الشيخ (١) ومَن تبعه (٢) ، بل والقاضي. أيضاً على ما يقتضيه مذهبه من التخيير كما عرفته (٣).

قيل : لأنّ المقصود براءة الذمّة وقد حصل (٤).

خلافاً للحلّي ، فمنع (٥). وللمنتهى ، فتردّد أولاً من الوجوب على الولي فلا يخرج عن العهدة بفعل المتبرّع ، كالصلاة عنه حيّا ـ ومن كون الحقّ على الميّت ، فأسقط بفعل المتبرع عنه الوجوب ، لكن استقرب أخيراً المنع فقال : والأقرب في ذلك كلّه عدم الإجزاء عملاً بالأصل (٦). وأشار ب : « كلّه » إلى التبرّع بالإذن ، أو الأمر أو الاستئجار.

وينبغي القطع ببراءة ذمّة الميّت ؛ لعموم ما دلّ على انتفاعه بما يرد عليه من العبادات ، حتى أنّه ليكون في شدّةٍ فيوسّع عليه (٧) ».

ويتعلّق الإشكال ببراءة الولي خاصّة ، لكن الأقرب فيه البراءة أيضا ، بناء على ما يستفاد من تتبّع الأخبار بل والفتاوي أنّ المقصود من أمر الولي بالقضاء ليس إلاّ إبراء ذمّة ميّته.

بل ورد في جملة من الأخبار : « فليقض عنه أفضل أهل بيته » (٨) أو « من‌

__________________

(١) كما في المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٢) كالمحقق في الشرائع ١ : ٢٠٤ ، والشهيد الأول في الدروس ١ : ٢٨٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٢٧.

(٣) المهذب ١ : ١٩٦.

(٤) المسالك ١ : ٧٨.

(٥) السرائر ١ : ٣٩٩.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٠٤.

(٧) الوسائل ٢ : ٤٤٣ أبواب الاحتضار ب ٢٨ ؛ وج ٨ : ٢٧٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢.

(٨) التهذيب ٤ : ٣٢٥ / ١٠٠٧ ؛ الوسائل ١٠ : ٣٣٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١ بتفاوت.

٤٤٥

شاء من أهل بيته » (١) فتأمّل.

وفي النبوي : إنّ أُمّي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان على أُمّك دينٌ أكنتَ تقضيه عنها؟ » قال : نعم ، قال : « فدَين الله تعالى أحقّ أن يُقضى » (٢).

وفي المختلف بعد نقله ـ : وهذا الحديث وإن أورده الجمهور في الصحيح إلاّ أنّه مناسب للمعقول (٣).

هذا ، مضافاً إلى الشهرة ، وعموم : « يقضيه أولى الناس بميراثه » (٤) ، بناءً على صدقه على المتعدّد.

والتزام التخصيص بينهم إنّما هو لدفع إلزام بعضهم بالتكليف من غير مرجّح ، وإلاّ فلو تكلّفه بعضهم صدق أنّه قضاه أولى الناس به. ولعلّه لهذا قال القاضي بالتخيير ، والشيخ ومَن تبعه بالصحّة مع التبرّع.

وكيف كان ، فما اختاروه في غاية القوّة.

( ويُقضى عن المرأة ما تركته ) من الصيام ، على نحو ما يُقضى عن الرجل ، بلا خلافٍ في جوازه.

و ( على تردّد ) في وجوبه على الولي :

من اشتراكها مع الرجل في الأحكام غالباً ، ودلالة الصحيح والموثّق صريحاً على أنّه يُقضى عنها ما فاتها سفراً (٥) ، وقريب منهما رواية أُخرى‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٤٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٢٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ / ١٥٥.

(٣) المختلف : ٢٤٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٣ / ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٥) راجع ص : ٤٤٢.

٤٤٦

مضت كالخبرين قريباً (١).

ومن الأصل ، وضعف الظنّ الحاصل من الاشتراك هنا ، وقصور دلالة الروايات على الوجوب ، وغايتها الجواز ، ونحن نقول به ، مع كونه مجمعاً عليه كما مضى. مع أنّ الخبرين الأولين لا يقول بمضمونهما الأكثر ؛ لتضمّنهما ثبوت القضاء على الولي مع عدم تمكّن الميّت منه.

وهذا الوجه أقوى ، وفاقاً للحلّي ، والمحقّق الثاني فيما يحكى عنه ، وشيخنا في المسالك (٢) وغيرهم (٣).

خلافاً للشيخ ، والفاضل في جملة من كتبه ومنها : المختلف ، حاكياً له فيه عن القاضي والشهيد في الدروس ، والفاضل المقداد في شرح الكتاب (٤) ، وغيرهم (٥) ، فاختاروا الأول ، ولا ريب أنّه أحوط.

( الثالثة : إذا كان الأكبر ) أي أكبر أولاده ( أُنثى فلا قضاء ) عليها ، على الأشهر الأقوى ؛ للأصل ، وصريح الصحيح (٦) والمرسل (٧) : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : « لا ، إلاّ الرجل ».

خلافاً للمفيد ، والصدوقين ، والإسكافي ، والقاضي ، فتقضي (٨).

__________________

(١) راجع ص : ٢٦١٧ الرقم (٧).

(٢) الحلي في السرائر ١ : ٣٩٩ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٥٤ ، المسالك ١ : ٧٨.

(٣) كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ١ : ٢٤١.

(٤) الشيخ في المبسوط ١ : ٢٨٦ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٦٠٥ ؛ التذكرة ١ : ٢٧٦ ، والمختلف : ٢٤٣ ، القاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، الدروس ١ : ٢٨٩ ، الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٨٤.

(٥) كصاحب المدارك ٦ : ٢٢٨.

(٦) المتقدم في ص : ٢٦١٨.

(٧) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٤٦ / ٧٣١ ، الإستبصار ٢ : ١٠٨٠ / ٣٥٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٣١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٦.

(٨) المفيد في المقنعة : ٣٥٣ ، نقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٢ ، المقنع : ٦٤ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٩٥.

٤٤٧

ولا حجّة لهم واضحة ، عدا الإطلاقات بإثبات القضاء على الولي.

والرضوي : « إذا كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه ، وإن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء » (١).

وفيهما نظر :

أمّا الأول : فلعدم معلوميّة حجّية مثله ، بعد قوّة احتمال وروده لإثبات القضاء في الجملة على الولي ، من غير نظر إلى تشخيصه.

وربّما يستأنس له ملاحظة سياق الخبرين الماضيين ، حيث إنّه أطلق في صدرهما الحكم بالقضاء عليه من غير تفصيل ، ثم فصّل في ذيلهما بعد السؤال بمن عدا النساء.

وأمّا الثاني : فلعدم مقاومته للصحيح وغيره ، سيّما بعد اعتضادهما بالأصل ، والشهرة المتأخّرة الظاهرة ، والمحكيّة في المسالك (٢) وغيره (٣) ، وفتوى : جماعة من القدماء ، كالشيخ في المبسوط والنهاية ، والحلّي ، وابن حمزة (٤).

ومع ذلك فلا قائل بها فيه عدا الصدوقين ، حتى المفيد ، والإسكافي ، والقاضي.

لقول الأول : بأنّه أكبر الأولاد ، ومع فقده فأكبر أهله من الذكور ، فإن فقدوا فالنساء.

والثاني : بأنّه أكبر أولاده الذكور ، أو أقرب أوليائه. وكذلك القاضي.

وأقوالهم متّفقة على تقديم أكبر الأولاد على أكبر مَن عداهم من‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١١ ، المستدرك ٧ : ٤٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٦ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ٧٨.

(٣) كالمهذّب البارع ٢ : ٧٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٨٦ ، النهاية : ١٥٧ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٩٩. ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٠.

٤٤٨

الرجال.

ولا كذلك الرضوي ؛ لدلالته على تقديم أكبر الرجال مطلقاً ، حتى لو اجتمع أبو الميّت وأكبر أولاده تحتّم على أبيه ، وينعكس على قول الباقين.

وعلى المختار ، هل يجب مع فقد أكبر الأولاد الذكور على أكبر الرجال ، كما يقتضيه إطلاق الصحيح وما بعده؟!

أم لا ، كما يقتضيه الأصل ، وعدم قائل به بعد نفي الوجوب عن أكبر النساء؟

وجهان ، ولا ريب أنّ الثاني أقوى إن أفاد عدم القائل به بعد ذلك إجماعاً ، ولعلّه الظاهر من تتبّع الفتاوى ، وتشير إليه العبارة هنا ، وفي التنقيح (١) ، وغيرهما (٢) ، كما لا يخفى على المتدبّر جدّاً ، ولعله لذا اشتهر بين المتأخّرين أن الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصّة.

مضافاً إلى الأصل ، مع إجمال في إطلاقات الولي كما عرفت ، فينبغي الاقتصار فيما خالفه على المجمع عليه فتوًى ورواية. ولعلّه إلى هذا نظر من استدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة إلاّ ما حصل الاتّفاق عليه (٣) ، فتدبّر.

ثم إنّ المراد بأكبر أولاده على ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (٤) وغيره (٥) هو : من ليس له أكبر منه ، وإن لم يكن له ولد متعدّدون ، مع بلوغه عند موته ؛ ولعلّه لإطلاق لفظ الولي في أكثر الأخبار.

__________________

(١) التنقيح الرائع ١ : ٣٨٤.

(٢) كالمختلف : ٢٤٢.

(٣) كما في المعتبر ٢ : ٧٠٢ ، والمختلف : ٢٤٢ ، والروضة ٢ : ١٢٣ ، والتنقيح ١ : ٣٨٤.

(٤) المسالك ٢ : ٧٨.

(٥) كصاحب المدارك ٦ : ٢٢٥.

٤٤٩

ووروده في بعضها بلفظ أفعل التفضيل (١) لا يقتضي التقييد ؛ لوقوعه جواباً عن السؤال عن الوليّين.

وفي وجوبه عليه عند بلوغه إذا كان صغيراً عند موته وجهان ، بل قيل : قولان (٢).

وكما لا قضاء كذا لا فداء على الأقوى ، وفاقاً لجماعة (٣) ؛ للأصل السليم عمّا يصلح للمعارضة.

( وقيل : يتصدّق من التركة عن كلّ يومٍ بمد ) والقائل الشيخ (٤) وجماعة (٥) ، بل المشهور ، كما في المختلف والدروس (٦) ؛ للصحيحة المتقدّمة في صدر المسألة الثانية (٧).

وليس لها عليه دلالة بالكلّية ، وبه صرّح أيضاً جماعة (٨).

( ولو كان عليه شهران متتابعان ، جاز أن يقضي الولي شهراً ، ويتصدّق عن شهر ) وفاقاً للشيخ (٩) وجمع (١٠).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

(٢) كما في الروضة ٢ : ١٢٢ ، المدارك ٦ : ٢٢٥ ، والذخيرة : ٥٢٨.

(٣) منهم : الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٠٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣٨٤ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٢٧٨.

(٤) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٥) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٠ ، والعلامة في الإرشاد ١ : ٣٠٣.

(٦) المختلف : ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، الدروس ١ : ٢٨٨.

(٧) راجع ص ٢٦١٥.

(٨) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٣٨٤ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٢٤ ؛ وانظر الحدائق ١٣ : ٣٢٨.

(٩) الشيخ في النهاية : ١٥٨.

(١٠) كالقاضي في المهذب ١ : ١٩٦ ، والعلامة في القواعد ١ : ٦٧ ، واللمعة ( الروضة البهية ٢ ) ١٢٥.

٤٥٠

للخبر : « إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّةٍ فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول ، ويقضي الشهر الثاني » (١).

وفيه ضعف سنداً.

خلافاً للحلّي ، فأوجب قضاءهما ، إلاّ؟ أن يكونا من كفّارة مخيّرة ، فيتخيّر بينه وبين العتق أو الإطعام من مال الميّت (٢) وجماعة (٣).

ولا يخلو عن قرب ، استناداً في وجوب القضاء إلى عموم جملة من النصوص الواردة في أصل المسألة ، ومورد أكثرها وإن كان قضاء رمضان خاصّةً إلاّ أنّ في الجواب ما هو ظاهر في العموم ، مع أنّه لا قائل بتخصيص الحكم بالمورد ، بل يتعدّى عنه ولو في الجملة إجماعاً ، فتأمّل.

وفي التخيير بينه غيره إلى الأصل السلم عمّا يصلح للمعارضة ، عدا الخبر السابق ، وقد عرفت جوابه ، مع عدم معلومية انصرافه إلى المخيّرة ، بل ظاهره غيرها ، كما صرّح به في الذخيرة (٤).

وبمثله يجاب عن إطلاق النصوص الواردة في أصل المسألة ، فإنّ أكثرها مختصّة بقضاء شهر رمضان ، وبعضها ظاهر في الصوم المتعيّن لا المخيّر.

ومن هنا يظهر ضعف القول بوجوب القضاء مطلقاً ، كما اختاره بعض متأخّري أصحابنا (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٤ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٩ / ٧٤٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٣٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

(٢) السرائر ١ : ٣٩٨.

(٣) منهم صاحب المدارك ٦ : ٢٣٠ ، وانظر مجمع الفائدة ٥ : ٢٧٩.

(٤) الذخيرة : ٥٢٩.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨.

٤٥١

ولو لا ظهور اتّفاق الأصحاب على اشتغال ذمّة الولي بشي‌ء ما هنا ، لكان القول ببراءتها متعيّناً ؛ لعدم دليل على شي‌ء من الأقوال ، حتى قول الحلّي ، لعدم دليل عليه بالخصوص ، والأصل أيضاً ينفيه ، لكن شبهة الإجماع دَعَتْنا إلى قبوله بعد ما ظهر فساد قول غيره بمخالفته بالأصل ، مع ضعف الدليل الخاص المستدلّ به عليه.

ثم إنّ ظاهر العبارة التخيير بين القضاء وما في الرواية ؛ وظاهرها تعيّن ما فيها.

( الرابعة : قاضي رمضان مخيّر ) : في الإفطار مع سعة الوقت ( حتى تزول الشمس ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ؛ للأصل ، والمعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها.

منها : في الذي يقضي شهر رمضان « أنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار » (١).

خلافاً لظاهر العماني ، والحلبي ، فلا خيار (٢) ؛ لعموم النهي عن إبطال العمل (٣) ، ويخصّص بما مرّ ، للصحيح (٤) وغيره (٥) ، وحُمِلا على الاستحباب أو على ضيق الوقت جمعاً (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ / ٣٩٦ ، الوسائل ١٠ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٤.

(٢) نقله عن العماني في المختلف : ٢٤٧ ، الحلبي في الكافي : ١٨٤.

(٣) محمد : ٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٦ / ٥٢٢ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٨ / ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٢ / ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٦) راجع الذخيرة : ٥٠٩.

٤٥٢

( ثم ) بعد الزوال ( يلزمه المضيّ ) به بلا خلاف ( فإن أفطر لغير عذر ) أثِمَ و ( أطعم عشرة مساكين ) لكلّ مسكين مدّ ( ولو عجز صام ثلاثة أيّام ) على الأظهر الأشهر ؛ للخبر (١) المنجبر بالعمل ، المؤيّد بالصحيح (٢) القريب منه دلالةً.

خلافاً للحلبي ، وابن زهرة ، فخيّرا بينهما (٣). وللقاضي ، فكفّارة يمين (٤).

ولم أقف على حجّةٍ للقولين ، عدا ما في الغنية من دعوى الإجماع على الأول ، ووهنها ظاهر ، مع قصوره عن مقاومة الخبر السابق.

وللصدوقين ، فكفّارة شهر رمضان (٥) ؛ للموثّق (٦) ، والرضوي (٧). وحُمِلا على الاستحباب (٨).

وللعماني ، فلا كفّارة أصلاً (٩) ؛ للموثّق (١٠). وهو محمول على التقيّة ؛

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٣) الحلبي في الكافي : ١٨٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.

(٤) المهذب ١ : ٢٠٠ ، ٢٠٣.

(٥) عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٦ ، المقنع : ٦٣.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٣ ، المستدرك ٧ : ٤٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢١ ح ١.

(٨) كما في المعتبر ٢ : ٧٠٥ ، والذخيرة : ٥٠٩.

(٩) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

(١٠) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٧٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

٤٥٣

لكونه مذهب الجمهور كافّة عدا قتادة ، كما في المنتهى (١).

وسيأتي مزيد تحقيق للمسألة في كتاب الكفّارات مستقصًى.

واحترز بقضاء رمضان عن غيره في الحكم التكليفي ، كقضاء النذر المعيّن حيث أخلّ به في وقته ، فلا تحريم فيه مطلقاً ، فضلاً عن الكفّارة. وكذا كلّ واجبٍ غير معيّن ، كالنذر المطلق والكفّارة ، وبه صرّح جماعة (٢).

خلافاً للحلبي (٣) وغيره (٤) ، فيحرم ، للنهي السابق (٥) ، مضافاً إلى الخبر : في قوله : « الصائم بالخيار إلى زوال الشمس » قال : « إنّ ذلك في الفريضة ، فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس » (٦).

ونحوه آخر : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وقضاء صوم الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (٧).

وفيه قوّة ، لا للخبرين ، لضعف سندهما ، وعدم صراحتهما في غير قضاء رمضان ، بل يحتملان الاختصاص به ، للغلبة ، أو التبادر.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٠٥.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٩ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٣٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٥٠٩.

(٣) الكافي في الفقيه : ١٨٥ ، ١٨٦.

(٤) حكاه في المختلف : ٢٤٧ ، عن الحسن بن أبي عقيل ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.

(٥) عن إبطال العمل ( منه رحمه‌الله ).

(٦) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤٣ ، الوسائل ١٠ : ١٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٨.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩ ، الوسائل ١٠ : ١٨ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٩.

٤٥٤

بل لعموم النهي عن الإبطال ، السالم هنا عن المعارض ، عدا فحوى ما دلّ على جواز الإفطار في قضاء رمضان قبل الزوال (١) ، ففي غيره أولى ، لما في بعض الأخبار من أنّه عند الله تعالى من أيّام شهر رمضان (٢) ، مؤيّداً باتّفاق أكثر الفتاوي بحرمة إفطاره ولو في الجملة دون غيره ، فهو آكد من غيره جدّاً ، فيخصَّص بالإضافة إلى قبل الزوال ، ويبقى ما بعده داخلاً في العموم ، ويعضده الخبران حينئذ.

نعم ، لا تجب الكفّارة قطعاً ؛ لعدم دليل عليه هنا أصلاً.

( الخامسة : من نسي غُسل الجنابة حتى خرج الشهر ، فالمروي ) في المعتبرة : أنّ عليه ( قضاء الصلاة والصوم ) معاً.

ففي الصحيح : عن رجل أجنب في شهر رمضان ، فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (٣).

ونحوه الخبران (٤) ، المنجبران بموافقة الصحيح ، وعمل الأكثر ، كالشيخ في النهاية والمبسوط ، والإسكافي (٥) ، وأكثر المتأخّرين ، بل عامّتهم ، حتى الماتن في المعتبر (٦).

( و ) لكنّه هنا قال :

( الأشبه : قضاء الصلاة حسبُ ) لكونه مجمعاً عليه نصّاً وفتوى ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٤٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٩٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢٠ ، ٣٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٣٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

(٥) النهاية : ١٦٥ ، المبسوط ١ : ٢٨٨ ؛ ونقله عن ابن الجنيد في المختلف : ٢٣٣.

(٦) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

٤٥٥

وبالإجماع عليه صرّح جماعة مستفيضاً (١) ، دون قضاء الصوم ، لعدم إجماع عليه.

والأمر به في الصحيح وغيره وإن أوجبه إلاّ أنّه معارَض بأجود منه ، وهو : الصحاح المستفيضة ، المتضمّنة لأنّ الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه (٢).

وهي أيضاً مشهورة ، معتضدة بأصالة البراءة ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، عدا دعوى اشتراط الصوم بالطهارة (٣) ، ، ولا حجّة عليها بالكلّية. ولأجل هذا اختار الحلّي العدم أيضاً (٤).

والجمع بينهما بتقييد ما هنا بما إذا عرض النسيان في الليلة الأُولى ، وانتبه قبل طلوع الفجر ، على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكراً ، أو أصبح في النومة الثانية ، كما اتّفق لبعض المتأخّرين (٥) وإن أمكن ، إلاّ أنّه فرغ وجود قائل بهذا التفصيل قبله ، ولم نجده.

لكن فتوى المشهور بالمتعارضين في المقامين تستلزم الجمع بينهما بما ذكر ، أو بحمل ما هنا على الناسي ، وتخصيص ذلك بالنائم عالماً عازماً.

وفي الروضة : أنّ هذا أوفق ، قال : بل لا تخصيص فيه لأحد النصّين ؛ لتصريح ذلك بالنوم عالماً عازماً ، وهذا بالناسي.

ثم قال : ويمكن الجمع أيضاً ، بأنّ مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر ، فيفرق بين اليوم والجميع ، عملاً بمنطوقهما ، إلاّ أنّه يشكل‌

__________________

(١) منهم الحلي في السرائر ١ : ٤٠٧ ، وصاحب المدارك ٦ : ٢٠٣٥ ، وانظر الحدائق ١٣ : ٢٩٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣.

(٣) كما في المختلف : ٢٣٣.

(٤) السرائر ١ : ٤٠٧.

(٥) المدارك ٦ : ٢٣٧.

٤٥٦

بأنّ قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض ، لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى. انتهى (١).

وفي بعض ما ذكره نظر لا يخفى.

واعلم أنّ هذا الذي تقدّم إنّما هو بعض أقسام الصوم الواجب.

( وأمّا بقيّة أقسام الصوم فسيأتي ) ذكرها ( في أماكنها إن شاء الله تعالى ) وفيها غنى عن ذكرها هنا.

__________________

(١) الروضة ٢ : ١١٧.

٤٥٧

( والندب من الصوم : ) أقسام أيضاً :

فـ ( منه ما لا يختصّ وقتاً ) معيّناً ، كصيام أيّام السنة عدا ما استُثني ( فإنّ الصوم جُنّة من النار ) كما في النبوي (١) ، وفيه : « الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً » (٢).

وفي الحديث القدسي : « الصوم لي ، وأنا أجزي به » (٣).

وفي الصادقي : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب » (٤).

وفيه : « من صام لله عزّ وجلّ يوماً في شدّة الحرّ ، فأصابه ظمأ ، وكّل الله تعالى به ألف ملك يمسحون وجهه ، ويبشّرونه بالجنّة ، حتى إذا أفطر قال الله جلّ جلاله : ما أطيب ريحك وروحك ، يا ملائكتي اشهدوا أنّي قد غفرت له » (٥).

ولو لم يكن في الصوم إلاّ الارتقاء من حضيض حظوظ النفس‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٨ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦ ، التهذيب ٤ : ١٥١ / ٤١٨ ، الوسائل ١٠ : ١٧٣ أبوا من يصح منه الصوم ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٧ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ / ٥٣٨ ، ثواب الأعمال : ٧٩ / ١ ، الوسائل ١٠ : ١٣٧ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٦٣ / ٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٩٧ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٧ وفيهما : أجزي عليه.

(٤) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٦ ، ثواب الأعمال : ٧٩ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٣ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ٢٤.

(٥) الكافي ٤ : ٦٥ / ٢٧ ، الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٥ ، ثواب الأعمال : ٨١ ، أمالي الصدوق : ٤٧٠ / ٨ ، الوسائل ١٠ : ٤٠٩ أبواب الصوم المندوب ب ٣ ح ١ ، وفي الجميع لا توجد : بالجنَّة.

٤٥٨

البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانية ، لكفى به فضلاً ومنقبة.

( ومنه ما يختصّ وقتاً ) معيّناً ، وهو كثير.

( و ) لكن ( المؤكّد منه أربعة عشر ) صوما ( صوم ) ثلاثة أيّام من كلّ شهر : ( أول خميس من الشهر ، وأول أربعاء من العشر الثاني ) منه ( وآخر خميس من العشر الأخير ) منه.

فقد كثر الحثّ عليه في السنّة المطهّرة :

ففي الصحيح : « يعدلن صوم الدهر ، ويذهبن بوَحَر الصدر » قال الراوي : الوَحَر : الوسوسة ، وفيه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض عليه (١).

وفي الموثّق إنّه : « جميع ما جرت به السنّة » (٢).

وفي رواية : « لا يقضي شيئاً من صوم التطوّع إلاّ الثلاثة الأيّام التي يصومها من كلّ شهر » (٣).

ويسقط القضاء مع السفر ، كما في الصحيح (٤) وغيره (٥).

وكذا المرض ؛ لأنّ ؛ لأنّ المريض أعذر ، وللخبر : « المرض قد وضعه الله تعالى عنك ، والسفر إن شئت فاقضه ، وإن لم تقضه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٣٦ / ٤٤٤ ، ثواب الأعمال : ١٠٨ / ٦ ، المحاسن : ٣٠١ / ٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٤ : ٩٣ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٥١ / ٢٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٤١٨ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ٦ بتفاوت.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٢ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٣ / ٦٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠٠ / ٣٢٧ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٠ / ٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٣٠ / ٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٤.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٠ / ٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٧ ح ٥ ، ومنهما : وإن لم تقضه فلا جناح عليك.

٤٥٩

لكنّه مع ضعف سنده ، ومخالفته الصحيح في السفر معارَض بآخر : « إن كان من مرض ، فإن برئ فليقضه ، وإن كان من كبر أو عطش فبدل كلّ يوم مدّ » (١).

والعمل بهذا وبسابقه في إثبات القضاء في السفر أحوط ؛ بناءً على المسامحة في أدلّة السنن ، وبحمل الصحيح في السفر على نفي التأكّد أو الوجوب ، كما يشعر به سياقه.

( ويجوز تأخيرها مع المشقّة من الصيف إلى الشتاء ) ويكون مؤدّياً للسنّة ، كما في النصوص المستفيضة (٢) ، بل يستفاد من إطلاقها جواز التأخير اختياراً ، كما صرّح به جماعة (٣).

( وإن عجز تصدّق عن كلّ يوم بمدّ ) من طعام ، أو بدرهم ، كما في النصوص المستفيضة (٤) ، وفيها الصحيح وغيره.

ثم إنّ ما في العبارة من الكيفية في ترتيب الأيّام الثلاثة هو الأظهر الأشهر فتوًى وروايةً ، كما صرّح به جماعة (٥) ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية (٦).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٩ / ٧٠٠ ، الوسائل ١٠ : ٤٣٢ أبواب الصوم المندوب ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٣٠ أبواب الصوم المندوب ب ٩.

(٣) منهم : المحقّق في الشرائع ١ : ٢٠٧ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٨٢ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ٣٥٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ٤٣٣ أبواب الصوم المندوب ب ١١.

(٥) كالعلاّمة في المختلف : ٢٣٨ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٢٨١ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١٨٣.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

٤٦٠