رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٥

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-107-9
الصفحات: ٥٦٤

وضيعة عليها » (١).

خلافاً للدروس فللمالك (٢) ؛ ولم أعرف له مستنداً.

( و ) يستحب ( الإيصاء بها ) إذا لم تحضره الوفاة ؛ لئلاّ يشتبه على الورثة لو مات فجأةً كما علّل به في المنتهى (٣). فإذا حضرته وجب ؛ لتوقّف الواجب عليه ، ولعموم الأمر بالوصيّة. وأوجب الشهيد في الدروس العزل مع الوصيه أيضا (٤) وهو أحوط.

والمعتبر فى الوصيه ما يحصل به الثبوت الشرعي ، وفي الصحيح : رجل مات وعليه زكاة ، وأوصى أن تُقضى عنه الزكاة ، وولده محاويج ، إن دفعوها أضرّ بهم ضرراً شديداً ، فقال : « يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئاً [ فيدفع إلى غيرهم ] » (٥).

الرابعة : ( لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له ) يختصّ به ( ورثه أرباب الزكاة ) كما في الصحيح (٦) ، وبه عبّر أكثر الأصحاب ، أو فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة كما في الموثق (٧) ، وبه عبّر المفيد قال : لأنّه اشتري بحقهم من الزكاة (٨) ، وفي المختلف : أن الظاهر أنّ مراده‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٠ / ٢ ، الوسائل ٩ : ٣٠٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

(٢) الدروس ١ : ٢٤٧.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٤) الدروس ١ : ٢٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٠ / ٦٩ ، الوسائل ٩ : ٢٤٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٥. أضفنا ما بين المعقوفين من المصادر.

(٦) علل الشرائع : ٣٧٢ / ١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٥٥٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٢.

(٨) المقنعة : ٢٥٩.

١٨١

ليس تخصيص الفقراء والمساكين ، بل أرباب الزكاة ، لأنّ التعليل يعطيه (١).

وفي المدارك والذخيرة : الأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصّة ، لأنّهم من أرباب الزكاة في حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممّن لا وارث له ، فيكون الصرف إليهم مجزياً على التقديرين (٢). انتهى. ولا بأس به.

وهذا الحكم من أصله مشهور بين الأصحاب ، حتى أنّ في المعتبر والمنتهى عزياه إلى علمائنا أجمع كالمرتضى في الانتصار ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه (٣) ؛ وهو الحجة ، مضافاً إلى الخبرين المزبورين المتقدمين في بحث الرقاب (٤).

( و ) ذكر الفاضلان هنا وفي الشرائع والمعتبر والمنتهى : أنّه ( فيه وجه آخر ) بكون إرثه للإمام عليه‌السلام ، قالا : لأنّهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة ، لأنّه أحد مصارفه ، فيكون كالسائبة (٥) ، ولضعف الرواية ، وأشارا بها إلى الموثّقة قالا : لأنّ في طريقها ابن فضال وهو فطحي ، وابن بكير وفيه ضعف ، ثم قالا : غير أنّ القول بها أقوى ، لمكان سلامتها عن المعارض وإطباق المحققين منّا على العمل بها. كذا في المعتبر وقريب منه في المنتهى (٦).

( و ) منه يظهر الوجه في كون ( هذا ) أي ما ذكره أوّلاً وفاقاً للأصحاب ( أجود ).

ولكن ذهب الفاضل في الإرشاد والقواعد وولده في الشرح إلى‌

__________________

(١) المختلف : ١٩١.

(٢) المدارك ٥ : ٢٧٨ ، الذخيرة : ٤٦٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٨٩ ، المنتهى ١ : ٥٣١ ، الانتصار : ٨٥.

(٤) في ص : ٢٣٨٣ ، ٢٣٨٤.

(٥) السائبة : العبد يُعتق ولا يكون لمعتقه عليه وَلاء ولا عقل بينهما ولا ميراث ، فيضع مالَه حيث شاء ، صحاح اللغة ١ : ١٥٠ ، مجمع البحرين ٣ : ٨٤.

(٦) الشرائع ١ : ١٦٦ ، المعتبر ٢ : ٥٨٩ ، المنتهى ١ : ٥٣١.

١٨٢

الثاني (١). وهو ضعيف ، كتوقّفه في المختلف (٢).

وفصّل الشهيد (٣) بين ما لو اشترى لعدم المستحق فالأوّل ، لأنّه يكون مصروفاً عن حقّ الفقراء ، ويحمل عليه الرواية المشعرة بذلك ، ويكون تسلّط المكلّف على الشراء موجباً للولاء لهم ؛ وبين ما لو اشترى من سهم الرقاب كالعبد تحت الشدّة فالإمام عليه‌السلام ، لأنّه لم يشتر بمالهم ، وقوّاه الفاضل المقداد في الشرح (٤).

وهو اجتهاد في مقابل النصّ المعتبر بما مرّ.

ودعوى إشعار التعليل بالأوّل مضعّفة بأنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء لجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها ، ولعلّ المقصود أنّه اشتري بمال يسوغ صرفه في الفقراء ، لا أنّه مالهم حقيقة ، والغرض منه توجيه الحكمة المقتضية للحكم.

الخامسة : ( أقلّ ما يعطى الفقير ) الواحد ( ما يجب في النصاب الأوّل ) وهو نصف مثقال في الذهب وخمسة دراهم في الفضة ، وفاقاً للأكثر على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جمع ومنهم الفاضلان في المنتهى والشرائع والمعتبر (٥) ؛ للصحيح (٦) وغيره (٧) المنجبر ضعفه بالشهرة بل‌

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٢٩٠ ، القواعد : ٥٩ ، الإيضاح ١ : ٢٠٧.

(٢) المختلف : ١٩١.

(٣) الدروس ١ : ٢٤٤.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٣٢٧.

(٥) المنتهى ١ : ٥٣٠ ، الشرائع ١ : ١٦٦ ، المعتبر ٢ : ٥٩٠.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٦ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٢.

(٧) التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٧ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٤.

١٨٣

الإجماع كما في الانتصار والغنية (١) ، وهو بنفسه حجة اخرى مستقلّة.

( وقيل : ) إنّه ( ما يجب في النصاب الثاني ) من درهم أو عُشر دينار ، والقائل الإسكافي والديلمي وغيرهما (٢).

ومستندهما غير واضح عدا الإجماع المحكي من المرتضى في المسائل المصرية (٣). وهو مع وهنه بمصير الأكثر إلى خلافه معارض بمثله المعتضد بمثله (٤) وبالصحيح وغيره.

( و ) عليه فيكون القول ( الأوّل أظهر ).

ويظهر من العبارة ونحوها انحصار القول في المسألة فيهما ، مع أنّ هنا قولاً ثالثاً للحلّي والمرتضى في الجمل (٥) ، فلم يقدَّر المدفوع بقدر ، واختاره جمع ممن تأخّر (٦) ؛ للأصل ، والإطلاقات كتاباً وسنةً ، والصحاح المستفيضة.

وهي ما بين مصرّحة بجواز دفع درهمين أو ثلاثة ، كالصحيح : هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب : « ذلك جائز » (٧) ونحوه آخر‌

__________________

(١) الانتصار : ٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٨٦ ، المراسم : ١٣٤ ، والسيّد المرتضى في المسائل الموصليات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٢٥.

(٣) لم نعثر عليه في المسائل المصريات ، وهو موجود في المسائل الموصليات ( رسائل المرتضى ١ ) : ٢٢٥.

(٤) أي : إجماع منقول آخر وهو ما نقله ابن زهرة. منه رحمه‌الله.

(٥) الحلّي في السرائر ١ : ٤٦٤ ، جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٧٩.

(٦) منهم : العلاّمة في المختلف : ١٨٦ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٧٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٦٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٦٣ / ١٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٨ ، الوسائل ٩ : ٢٥٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٥.

١٨٤

لراويه (١) ، فيحتملان الاتحاد.

وقائلةٍ بأنّه لا تقدير في المدفوع وأنّه بحسب ما يراه الإمام ، كالصحيحين (٢).

وفي الجميع نظر ؛ لوجوب الخروج عن الأوّلين بما مرّ ، وقوة احتمال ورود الصحاح للتقيّة ، فإنّ القول بعدم التقدير مذهب الجمهور كافّة ، كما صرّح به جماعة (٣) ، ويشهد له كون الروايتين الأُوليين منها مكاتبة.

مع أنّهما لم يدلاّ على عدم اشتراط التقدير ، بل غايتهما الدلالة على جواز دفع الدرهمين والثلاثة في الجملة ، وهو لا ينافي التقدير بما دونها ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

ومع ذلك فيحتملان التقييد بما إذا أدّى ما وجب في النصاب الأوّل ، كما صرّح به جمع (٤) ، وكذلك الصحيحان الأخيران يحتملان التقييد بما بعد النصاب الأوّل ، يعني أنّه لا يقدر بشي‌ء بعد ذلك التقدير.

مع أنّ التقدير المنفي في أحدهما يحتمل التقدير بحسب البسط على الأصناف وعدمه ، لا المقدار ، كما يشهد لهذا سياقه.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٠ / ٢٨ ، الوسائل ٩ : ٢٥٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الأوّل : الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ / ٣١١ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٣. الثاني : الكافي ٥ : ٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٨ / ٢٦١ ، الوسائل ٩ : ٢٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١.

(٣) منهم : السيّد المرتضى في الانتصار : ٨٢ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٣٢٨.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٩٠ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣٠.

١٨٥

وكيف كان فلا ريب أنّ القول الأوّل مع كونه أقوى أحوط وأولى.

وهل هذا التقدير على الوجوب؟ كما هو ظاهر أكثر العبارات ، بل صريح جملة منها قد ادّعي فيها الإجماع (١) ؛ تبعاً لظاهر النهي في الصحيح ، ولفظة « لا يجوز » في غيره. أم الاستحباب؟ كما صرّح به جمع من المتأخّرين ، ومنهم الفاضل في التذكرة (٢) مدّعياً كونه إجماعيّاً.

إشكال ، ولا ريب أنّ الأوّل أحوط إن لم نقل بكونه أظهر.

ثم هل الحكم المذكور يختص بزكاة الفضّة لكونها مورد نصوص المنع في المسألة؟ أم يعمّها وغيرها حتى الأنعام ، فلا يجوز أن يدفع فيها أقلّ مما يجب في أوّل نصابها أو أوّل نصاب الفضة ، كما يستفاد من فحواها ، لتضمن بعضها تعليل المنع عن أداء الخمسة دراهم بأنّها أقلّ الزكاة؟

إشكال ، ولكنّ التعميم أحوط وأولى.

ولو أعطى ما في الأوّل ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الثاني أخرج زكاته ، وسقط اعتبار التقدير إذا لم يجتمع معه ما يبلغ الأوّل.

ولو كان له نصابان أول وثانٍ ، فالأحوط دفع الجميع لواحد.

خلافاً للشهيد وغيره ، فجوّزوا دفع ما في الأوّل لواحد وما في الثاني لغيره (٣).

ويضعّف بإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة ، وإمكان الامتثال بدفع الجميع لواحد.

__________________

(١) كما في الانتصار : ٨٢ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٢٨١ ، والذخيرة : ٤٦٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤٤ ، المختلف : ١٨٦.

(٣) الشهيد في المسالك ١ : ٦٢ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٩٠.

١٨٦

( ولا حدّ للأكثر ) أي أكثر ما يعطى الفقير الواحد منه ، فيجوز أن يعطى ما يغنيه وما يزيد على غناه بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة ، كالمنتهى والمدارك والغنية (١) ، والمعتبرة به مع ذلك من طرقنا مستفيضة (٢).

مضافاً إلى النبوية المشهورة المشار إليها في العبارة بقوله ( فخير الصدقة ما أبقت غنى ) (٣).

لكن الدلالة لعلّها لا تخلو عن مناقشة أشار إلى وجها في الذخيرة ، قال : لأنّ الظاهر أنّ المراد ما أبقت غنى لمُعطيها ، أي لا يوجب فقره واحتياجه ، فإنّ الإبقاء ظاهره ذلك (٤).

السادسة : ( يكره أن يَملك ) دافع الزكاة بل مطلقاً ( ما أخرجه في الصدقة اختياراً ) إجماعاً كما في المدارك (٥) ، وفي المنتهى : أنّه لا خلاف فيه بين العلماء ؛ لأنّها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره ، ولأنّه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه ويكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها ، وربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها (٦).

وذهب بعض العامة إلى التحريم ، ولا خلاف بيننا في عدمه ، وعن جمع دعوى الإجماع عليه (٧).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٨ ، المدارك ٥ : ٢٨٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤.

(٣) مسند أحمد ٣ : ٤٣٤.

(٤) الذخيرة : ٤٦٦.

(٥) المدارك ٥ : ٢٨٥.

(٦) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٩١ ، المنتهى ١ : ٥٣٠ ، المدارك ٥ : ٢٨٥.

١٨٧

ويدلُّ عليه بعده الأصل والعمومات كتاباً وسنة السليمة عن المعارض بالكليّة ، حتى أنّه لولا الإجماع على الكراهة لكانت أيضاً محلّ مناقشة ، لعدم دليل عليها عدا الوجوه المتقدمة ، وهي لإثبات الحكم غير صالحة ، نعم تصلح أن تكون وجهاً للحكمة.

وخصوصِ الخبر : « إذا أخرجها يعني الشاة فليقوّمها فيمن يزيد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يُردها فليبعها » (١).

( ولا بأس بعوده إليه بميراث وشبهه ) كشراء الوكيل العام ، ومعنى نفي البأس أنّه يملكه ولا يستحب له إخراجه عن ملكه.

والأصل فيه بعد الأصل واختصاص دليل المنع بغير هذا الفرض نفي الخلاف عنه في المنتهى (٢) ، قال : إلاّ من الحسن بن حي وابن عمر ؛ والنبوي المروي فيه : إنّ رجلاً تصدّق على أبيه بصدقة ثم مات ، فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « وقد قبل الله تعالى صدقتك وردّها إليك بالميراث » (٣).

واحترز بالاختيار عن فرضنا هذا ، وعمّا لو احتاج إلى شرائها ، بأن يكون الفرض جزء من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك ، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره ، فإنّه تزول الكراهة حينئذٍ ويجوز الشراء إجماعاً ، كما عن التذكرة والمنتهى (٤).

السابعة : ( إذا قبض الإمام ) (٥) ( الصدقة دعا لصاحبها ) وكذا الساعي ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٨ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٩٦ / ٢٧٦ ، الوسائل ٩ : ١٣١ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٣.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١٥١.

(٤) التذكرة ١ : ٢٤٢ ، المنتهى ١ : ٥٣١.

(٥) في النافع زيادة : أو الفقيه.

١٨٨

إجماعاً كما في المنتهى (١) ؛ ولقوله تعالى : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) وللنبوي : إذا اتي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصدقة قال : « اللهم صلّ على أبي فلان ».

ويكون ذلك ( استحباباً على الأظهر ) وفاقاً للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلاّ من الشيخ في الخلاف في كتاب الزكاة ، والماتن في المعتبر والفاضل في الإرشاد والشهيد في الدروس (٣).

وقد رجعوا عنه إلى الاستحباب في الكتاب وكتاب قسمة الصدقات من الخلاف والمبسوط والمختلف واللمعة (٤) ؛ ولعلّه للأصل ، وعدم صراحة الآية في كون الصلاة المأمور بها لأجل أداء الزكاة وبعد قبضها ، بل لا يبعد دعوى عدم ظهورها فيه أيضاً ؛ والرواية بعد الإغماض عن سندها غير دالّة على الوجوب كما لا يخفى ، هذا.

وينبغي القطع بعدم الوجوب بالنسبة إلى الفقيه والفقير ، أمّا الثاني : لدعوى الإجماع على عدم الوجوب فيه صريحاً في الروضة وغيرها (٥). وأمّا الأوّل : فللأصل ، واختصاص أدلّة الوجوب كتاباً وسنّةً على تقدير تسليمها بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، أو الإمام عليه‌السلام على احتمال ، فلا وجه للمنع فيه جدّاً ، وبذلك صرّح جملة من متأخّري متأخّري أصحابنا (٦).

الثامنة : ( يسقط مع غيبة الإمام سهم السعاة والمؤلّفة ) بلا خلاف‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٣١.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) الخلاف ٢ : ١٢٥ ، المعتبر ٢ : ٥٩٢ ، الإرشاد ٢ : ٢٨٩ ، الدروس ١ : ٢٤٦.

(٤) الخلاف ٤ : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٢٤٤ ، المختلف : ١٨٨ ، الروضة ٢ : ٥٦.

(٥) الروضة ٢ : ٥٧ ؛ وانظر المسالك ١ : ٦٢.

(٦) المدارك ٥ : ٢٨٤ ، الذخيرة : ٤٦٧ ، الحدائق ١٢ : ٢٥٠.

١٨٩

ولا إشكال حيث لا يحتاج إليهما ، كما في زماننا هذا وما ضاهاه غالباً.

ويشكل فيما لو احتيج إليهما ، كما إذا تمكّن الفقيه النائب عنه عليه‌السلام من نصب السعاة ، أودَهم المسلمين عدوّ يخاف منه العياذ بالله تعالى منه بحيث يجب عليهم الجهاد ويحتاج إلى التأليف ، فإنّ الظاهر عدم السقوط هنا ، وفاقاً للشهيدين في الدروس واللمعتين وجماعة من متأخّري المتأخّرين (١) ؛ للعمومات السليمة عن المعارض.

ومن هنا يظهر ما في القول بسقوط سهم المؤلّفة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عن الصدوق (٢) وبعض العامة (٣) بطريق أولى ، مع أنّ المحكي من دليلهما في غاية الضعف جدّاً (٤).

( وقيل : يسقط ) معها ( سهم السبيل ) أيضاً (٥) ، بناءً على اختصاصه عنده بالجهاد المفقود في هذا الزمان.

وفيه ما قدّمناه من إمكانه فيه أيضاً ، فلا يستقيم الحكم بالسقوط مطلقاً ، ( و ) مع ذلك فـ ( على ما اخترناه ) من عدم اختصاص هذا السهم بالجهاد ( لا يسقط ) مطلقاً.

التاسعة : ( ينبغي أن تعطى زكاة الذهب والفضة ) والثمار والزروع ( أهل ) الفقر و ( المسكنة ، وزكاة النعم أهل التجمّل ) كما في النص ،

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٤٨ ، الروضة ٢ : ٥٧ ، وصاحب المدارك ٥ : ٢٨٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٤٥٤.

(٢) كما في الفقيه ٢ : ٣.

(٣) انظر بدائع الصنائع ٢ : ٤٥ ، والمغني والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٤) وهو كما حكاه في المدارك ٥ : ٢١٥ ـ : إنّ الله سبحانه أعزّ الدين وقوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف.

(٥) قال به في النهاية : ١٨٥.

١٩٠

معلّلاً بأنّ أهل التجمّل يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عندهم (١).

( والتوصّل إلى المواصلة بها مَن يستحيي من قبولها ) للنص (٢) ، فيوصل إليه هدية ، ويحتسب عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله مع بقاء عينها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠١ / ٢٨٦ ، علل الشرائع : ٣٧١ / ١ ، المحاسن : ٣٠٤ / ١٣ ، الوسائل ٩ : ٢٦٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٨.

١٩١

( القسم الثاني : )

( في زكاة الفطرة )

وتُطلق على الخلقة وعلى الإسلام ، والمراد بها على الأوّل زكاة الأبدان مقابل الأموال ، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام.

( وأركانها أربعة : )

( الأوّل : في ) بيان ( من تجب عليه : )

اعلم : أنّه ( إنّما تجب على الحرّ البالغ العاقل الغني ).

فلا تجب على الصبي ولا المجنون إجماعاً ، كما في المعتبر والتحرير والمنتهى (١) ؛ لحديث رفع القلم (٢) وللصحيح في الأوّل : الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : « لا زكاة على يتيم » (٣).

ولا على المملوك إجماعاً أيضاً ، كما في صريح الخلاف والسرائر وغيرهما ، وظاهر المنتهى بل صريحه أيضاً (٤).

ولا شبهة فيه على القول بأنّه لا يملك شيئاً. وكذا على القول الآخر ؛ للإجماع المنقول ، وعموم الصحيح : « ليس في مال المملوك شي‌ء » (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، التحرير : ٧٠ ، المنتهى ١ : ٥٣١.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٩ / ٤٨ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤١ / ٨ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠ / ٧٤ ، المنتهى ٩ : ٨٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٤.

(٤) الخلاف ٢ : ١٣٠ ، السرائر ١ : ٤٦٦ ؛ وانظر المدارك ٥ : ٣٠٧ ، المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ١ ، الوسائل ٩ : ٩١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ١.

١٩٢

وفي الصحيح : قلت له : مملوك بيده مال ، أعليه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فعلى سيّده؟ فقال : « لا ، إنّه لم يصل إلى سيّده وليس هو للمملوك » (١) فتدبّر.

ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين القنّ والمدبّر والمكاتب ، إلاّ إذا تحرّر بعض المطلق فتجب عليه بحسابه ، على المشهور.

خلافاً للصدوق ، فتجب على المكاتب (٢) ؛ للصحيح (٣).

ويعارض بالمرفوع المعمول به : « يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه » (٤). وحمله على صورة العيلولة ليس بأولى من حمل المعارض على المبعّض بالنسبة إلى الحريّة. بل هو أولى ، للشهرة.

وللمبسوط في المبعّض ، فنفاها عنه رأساً (٥). وهو نادر محجوج بالعموم المؤيّد بكثرة النظائر.

ولا على الفقير على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي المعتبر والمنتهى : أنّه مذهب علمائنا أجمع إلاّ الإسكافي (٦) ، فأوجب عليه إذا فضل عن مئونته ومئونة عياله ليوم وليلة صاع.

وهو نادر ، وإن نقله في الخلاف عن كثير من الأصحاب (٧) ، محجوج‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٣ ، علل الشرائع : ٣٧٢ / ١ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ٤.

(٢) كما في الفقيه ٢ : ١١٧.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٧ / ٥٠٢ ، التهذيب ٤ : ٣٣٢ / ١٠٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٦٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ / ٢٠ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٥ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ٣٦٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٢.

(٥) المبسوط ١ : ٢٣٩.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٧) الخلاف ٢ : ١٤٧.

١٩٣

بالمعتبرة المستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ، الدالة على أنّ الفقير ومن أخذ الزكاة لفقره لا فطرة عليه (١).

وهي أصرح دلالةً على عدم الوجوب من إطلاق الكتاب والسنة ، وخصوص ما ورد بإيجابها عليه من المعتبرة ، كالصحيح : الفقير الذي يتصدّق عليه هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم ، يعطي ممّا يتصدّق به عليه » (٢) بتقييد الإطلاق بمن عداه ، وصرف الموجب إلى الاستحباب ، أو تقييده أيضاً بما إذا حصل له الغنى بما يتصدّق عليه.

وربما يشير إلى هذا : الموثق وغيره : أعلى مَن قَبِل الزكاة زكاة؟ قال : « أما مَن قَبِل زكاة المال فإنّ عليه الفطرة ، وليس على مَن قَبِل الفطرة فطرة » (٣) بناءً على أنّه لا قائل بهذا التفضيل إلاّ على تقدير حمل الوجوب على مَن قَبل الزكاة على ما إذا حصل له بها الغنى ، وعدمه على مَن قَبل الفطرة على غيره.

وضابطه على الأظهر الأشهر : من ملك مئونة سنة له ولعياله فعلاً أو قوّةً ، لأنّ من عداه تحلّ له الزكاة على ما مرّ في بحثها ، فلا تجب عليه الفطرة ، كما دلّت عليه نصوص المسألة التي منها الصحيح : رجل أخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ١١ ، التهذيب ٤ : ٧٤ / ٢٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٤١ / ١٣٢ ، الوسائل ٩ : ٣٢٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٨ ، المقنعة : ٢٤٨ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٥ ، الوسائل ٩ : ٣٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

١٩٤

وفي الخبر : « من أخذ الزكاة فليس عليه فطرة » (١) وبمعناه آخر (٢).

وفي ثالث : قلت له : لمن تحلّ الفطرة؟ قال : « لمن لا يجد ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له » (٣).

وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بالشهرة.

خلافاً لجماعة من أعيان القدماء بل أكثرهم ، فعبّروا عن الغنى بمن ملك أحد النُّصُب الزكوية (٤) ، مشعرين بكونه المعيار لوجوب الفطرة مطلقاً (٥) إثباتاً ونفياً ، ولذا جعلهما محل الخلاف في المختلف (٦).

ولكنّه في الثاني بعيد في الغاية ، بل الظاهر أنّ مرادهم الأوّل ، أي الوجوب بملك النصاب وإن لم تُملك مئونة السنة ، لذلك (٧) ، ولدلالة عبارة بعضهم عليه كالشيخ في الاستبصار ، ، حيث قال في جملة كلام له : لأنّ الفرض يتعلّق بمن كان غنيّاً ، وأقلّ أحواله إذا ملك مقدار ما تجب فيه الزكاة (٨).

ولم نقف لهم على حجّة يعتدّ بها عدا دعوى الإجماع عليه في‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ / ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٣ / ذ ج ٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٤١ / ذ ج ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٣ / ٢٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٤١ / ١٢٧ ، الوسائل ٩ : ٣٢٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

(٤) كالشيخ في الخلاف ٢ : ١٤٦ ، والقاضي في المهذب ١ : ١٧٤.

(٥) أي سواء ملك مئونة السنة أم لا.

(٦) المختلف : ١٩٣.

(٧) أي : للبُعد.

(٨) الاستبصار ٢ : ٤٢.

١٩٥

السرائر والغنية (١) ، وهي معارضة بالأخبار المتقدمة المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة القريبة من الإجماع ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مضافاً إلى أصالة البراءة.

ومع الشروط يجب عليه أن ( يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحرّ وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرّعاً ) كالضيف إجماعاً ، على الظاهر المصرّح به في كلام جماعة (٢) ، بل في المنتهى أنّ عليه الإجماع ممن عدا أبي حنيفة (٣).

والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها : عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدّي عنه الفطرة؟ قال : « نعم ، الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى ، صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك » (٤).

وفي رواية : « كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه » (٥).

وأمّا ما في الصحيح : عن رجل يُنفق على رجل ليس من عياله ، إلاّ أنّه يتكلّف له نفقته وكسوته ، أيكون عليه فطرته؟ قال : « لا إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه » وقال : « العيال : الولد ، والمملوك ، والزوجة ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٦٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.

(٢) منهم : الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ٢١٥ ، وصاحب المدارك ٥ : ٣١٥.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٣ / ١٦ ، الفقيه ٢ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٤ : ٣٣٢ / ١٠٤١ ، الوسائل ٩ : ٣٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٧ / ١ ، التهذيب ٤ : ٧١ / ١٩٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

١٩٦

وأُمّ الولد » (١) فمعناه أنّه لم يضمّه إلى عياله ، بل يتصدّق عليه بالنفقة والكسوة.

وفي تفسير الضيف المُعال سبعة أقوال : الضيافة طول الشهر ، أو النصف الأخير منه ، أو العشر الأخير منه ، أو ليلتين من آخره ، أو ليلة واحدة ، أو جزء منه بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته وإن لم يأكل ، أو صدق العيلولة عرفاً.

ولم نجد لشي‌ء منها دليلاً يعتدّ به عدا الإجماع المنقول في الانتصار والخلاف على الأوّل (٢) ، وظواهر النصوص المتقدمة على الأخير ، فإنّ مقتضاها أنّ الوجوب تابع للعيلولة لا لوجوب النفقة ، ولا لتكلّف التصدّق بها عليه ، ولا الضيافة المحضة من دون عيلولة.

وهو المعتمد ، وعليه العمل ، لوهن الإجماع المنقول بشدّة هذا الاختلاف والتشاجر بين الأصحاب. هذا على تقدير تخالفهما ، وإلاّ فيرجع إلى شي‌ء واحد مآلهما.

والمشهور وجوبها عن الزوجة والمملوك مطلقاً ولو لم يكونا في عياله ، بل ظاهر المنتهى وصريح السرائر دعوى الإجماع عليه (٣) ؛ ولعلّه لإطلاق نحو الموثق : « الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك وأُمّك وولدك وخادمك وامرأتك » (٤) مضافاً إلى الصحيح السابق.

وفيهما نظر ؛ لقوّة احتمال ورود إطلاقهما مورد الغالب من حصول‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥٠٩ ، الوسائل ٩ : ٣٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

(٢) الانتصار : ٨٨ ، الخلاف ٢ : ١٣٣.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٣ ، السرائر ١ : ٤٦٦.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥١٠ ، الوسائل ٩ : ٣٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٤.

١٩٧

العيلولة الفعليّة ، مع أنّ جماعة منهم صرّحوا باعتبارها فيمن عدا الزوجة والمملوك والاكتفاء بوجوب الإنفاق فيهما (١) ، والروايتان لا تصلحان دليلاً على هذا التفصيل. وحيث لا عموم فيهما باختصاص موردهما بالغالب بقي غيره مندرجاً تحت الأصل المعتضد بفحوى الأخبار السابقة ، المقتضية لدوران وجوب الفطرة مدار العيلولة الفعلية لا وجوب النفقة.

وإجماع المنتهى غير واضح الدلالة على الوجوب من غير عيلولة فعليّة في الزوجة.

وإجماع السرائر وإن كان صريحاً ، إلاّ أنّه على جعل السبب نفس الزوجيّة حتى مع النشوز والانقطاع الذين لا يجب معهما النفقة إجماعاً ، وهو كذلك نادر ، بل عن المعتبر وفي المنتهى أنّه متفرّد بذلك (٢) ، فالتمسك للوجوب بمثل ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم هو أحوط ، سيّما في العبد ؛ لصراحة عبارة المنتهى في دعوى الإجماع عليه منّا ومن أكثر العلماء (٣).

( وتعتبر النية ) أي الخلوص والقربة ، وقصد كونها فطرة لا صدقة ( في أدائها ) أي عنده ؛ لعموم ما دلّ على وجوبها في كلّ عبادة.

( وتسقط عن الكافر لو أسلم ) بعد الهلال ، بالنصّ عموماً وخصوصاً ، كما يأتي ، والإجماع الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٤).

( وهذه الشروط ) إنّما ( تعتبر عند هلال شوال ) أي قبله ، بأن يكون قبل غروب الشمس ليلة الفطرة ولو بلحظة ( فلو أسلم الكافر أو بلغ الصبي

__________________

(١) الروضة ٢ : ٥٨ ، المدارك ٥ : ٣١٧ ، الحدائق ١٢ : ٢٦٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٠٢ ، المنتهى ١ : ٥٣٣.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٤) كما في المنتهى ١ : ٥٣٢ ، والمدارك ٥ : ٣٢٠.

١٩٨

أو ملك الفقير القدر قبل الهلال وجبت الزكاة ، ولو كان بعده لم تجب ، وكذا لو ولد له أو ملك عبداً ) قبله وجبت عليه ، وإلاّ فلا ، إجماعاً ، على الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة (١).

للخبرين ، أحدهما الصحيح : عن مولود وُلد ليلة الفطر ، عليه الفطرة؟ قال : « لا ، قد خرج الشهر » وعن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : « لا » (٢) ونحوه الثاني (٣).

وأخصّية المورد غير قادح بعد استفادة العموم من الإجماع ، وما في الأوّل من قوله عليه‌السلام : « قد خرج الشهر » وفي الثاني من قوله : « ليس الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر » المفيدين للعموم.

( وتستحب لو كان ذلك ) أي استجماع هذه الشروط ( ما بين الهلال وصلاة العيد ) بلا خلاف ظاهر ولا محكي إلاّ من ظاهر الصدوق ، فأمر بها في المقنع (٤) ، كما في الخبرين (٥) ؛ قيل : والظاهر أنّ مراده به الاستحباب (٦) ، لتصريحه به في الفقيه (٧) ؛ وإنّما حملهما الأصحاب على الاستحباب جمعاً بينهما وبين الخبرين السابقين الصريحين في عدم‌

__________________

(١) المدارك ٥ : ٣٢٠ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٢١٦ ، الذخيرة : ٤٧٣.

(٢) الكافي : ١٧٢ / ١٢ ، التهذيب ٤ : ٧٢ / ١٩٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٥٠٠ ، الوسائل ٩ : ٣٥٢ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ١.

(٤) المقنع : ٦٧.

(٥) الأوّل : الفقيه ٢ : ١١٨ / ٥١١ ، الوسائل ٩ : ٣٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦. الثاني : فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٠ ، مستدرك الوسائل ٧ : ١٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح.

(٦) قال به في المدارك ٥ : ٣٢٢.

(٧) الفقيه ٢ : ١١٦.

١٩٩

الوجوب ، مضافاً إلى الأصل.

( والفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه وعن عياله وإن قبلها ، ومع الحاجة يدير على عياله صاعاً ثم يتصدق به على غيرهم ).

أمّا الأوّل : فلما مرّ في تحقيق معنى الغنى (١) ، وفي المنتهى : أنّ عليه علماءنا أجمع إلاّ من شذّ (٢) ، ولعلّه الإسكافي القائل بالوجوب كما مرّ (٣).

وأمّا الثاني : فللموثّق : الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلاّ ما يؤدّي عن نفسه وحدها ، يعطيه غريباً ، أو يأكل هو وعياله؟ قال : « يعطي بعض عياله ، ثم يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » (٤).

وليس فيه دلالة على أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي ، كما في صريح العبارة هنا وفي السرائر والقواعد بل التحرير والشرائع وعن البيان (٥) ؛ ولعلّهم أخذوه من عموم ما دلّ على كراهية الصدقة ، مع أنّ في قوله عليه‌السلام : « يكون عنهم جميعاً فطرة واحدة » إشعاراً بذلك.

ومورد النصّ كون العيال بأجمعهم مكلّفين ، فيشكل التعدي إلى غيرهم.

خلافاً لشيخنا الشهيد الثاني (٦) وظاهر العبارة ، فيتولّى الولي ذلك عن‌

__________________

(١) راجع ص ٢٣٦٩.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٦.

(٣) في ص : ٢٤٢٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ / ١٠ ، الفقيه ٢ : ١٥٥ / ٤٩٦ ، التهذيب ٤ : ٧٤ / ٢٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ / ١٣٣ ، الوسائل ٩ : ٣٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

(٥) السرائر ١ : ٤٦٧ ، القواعد : ٦٠ ، التحرير : ٧٢ ، الشرائع ١ : ١٧١ ، البيان : ٣٣٢.

(٦) كما في المسالك ١ : ٦٤.

٢٠٠