رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

وقع فيه النزاع ، كالصحيح المتقدم في الحمول الثلاثة ، والصحاح في سؤر السنّور معللاً في بعضها بأنها من السباع (١) ، وهو مشعر بالتعميم فيها ، والصحيح في سؤر الفأرة (٢) ، والموثق : عمّا يشرب منه باز أو صقر أو عقاب ، فقال : « كلّ شيء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دماً ، فلا توضأ منه ولا تشرب » (٣).

وفي الثاني بالاحتياط ، والمرسل : إنه كان يكره سؤر كل شيء لا يؤكل لحمه (٤) ومفهوم الموثّق الآتي.

خلافاً للمبسوط والحلّي (٥) في الانسي منه ، فمنعا منه ، عدا ما لا يمكن التحرّز عنه ؛ لكن في الأول لم ينص على النجاسة بل إنما منع عن الاستعمال خاصة ، وهو أعم منها.

للموثق : عن ماء شرب منه الحمام فقال : « كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب » (٦).

وهو ـ مع قصوره سنداً عن المقاومة لما تقدّم ـ لا دلالة فيه إلّا بالمفهوم الضعيف.

( وكذا في ) طهارة ( سؤر المسوخ ) قولان ، الأشهر هنا أيضاً الكراهة ؛

__________________

١ ـ الوسائل ١ : ٢٢٧ أبواب الأسآر ب ٢.

٢ ـ الفقيه ١ : ١٤ / ٢٨ ، التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٢.

٣ ـ الفقيه ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٠ / ٧ ، الوسائل ١ : ٢٣٢ أبواب الاسار ب ٥ ح ٢.

٥ ـ المبسوط ١ : ١٠ ؛ وانظر السرائر ١ : ٨٥.

٦ ـ الكافي ٣ : ٩ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

٨١

لعين ما تقدم. خلافاً لمن شذّ (١) ، ودليله غير واضح.

( وكذا ) الكلام ( فيما أكل الجيف مع خلو موضع الملاقاة عن النجاسة ). والجلّال. وما تقدّم من الخبر في الباز والصقر والعقاب كالصريح في رفع المنع في الأول واختصاصه بوجود أثر الدم خاصة ، ومع ذلك فدليل المنع فيهما غير واضح ، فخلاف من شذّ (٢) ، ضعيف.

( والطهارة في الكل ) لما ذكرنا ( أظهر ) وإن كره ، لما تقدّم.

( وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان ، أحوطهما النجاسة ).

تقدّم الكلام في المقام في مسألة القليل الراكد. وربما أشعر كلام المصنف بالطهارة ، وهو ضعيف (٣).

( ولو نجس أحد الإناءين ) مثلاً واشتبه بالآخر ( ولم يتعين اجتنب ماؤهما ) إجماعاً ، كما عن صريح الخلاف والغنية والمعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام للعلّامة والمختلف وظاهر السرائر (٤).

ولتوقف الاجتناب عن النجس الواجب على الاجتناب عنهما.

وللموثقين : عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ، قال : « يهريقهما ويتيمم » (٥).

__________________

١ و ٢ ـ حكاهما عن ابن الجنيد في المختلف : ١٢.

٣ ـ راجع ص ٢٣.

٤ ـ الخلاف ١ : ١٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، المعتبر ١ : ١٠٣ ، التذكرة ١ : ١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٤٨ ، المختلف : ١٦ ، السرائر ١ : ٨٥.

٥ ـ الأول : الكافي ٣ : ١٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٩ / ٦٦٢ ، لاستبصار ١ : ٢١ / ٤٨ ، الوسائل ١ : ١٥١ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٢.

الثاني : التهذيب ١ : ٢٤٨ / ٧١٢ ، الوسائل ١ : ١٥٥ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٤.

٨٢

وفي وجوب الإراقة مطلقاً ، كما عن الشيخين » (١) ؛ لظاهر الخبرين.

أو بشرط إرادة التيمم ليتحقق فقدان الماء الموجب له ، كما عن ظاهر الصدوقين (٢).

أو العدم مطلقاً ، كما هو ظاهر الأكثر ، ومنهم : الفاضلان والحلّي (٣) ؛ للأصل ، وقوة احتمال إرادة الكناية عن النجاسة في الخبرين ، لورود الأمر بالإراقة في كثير من المياه القليلة الراكدة بوقوع النجاسة فيها مع عدم كونه فيها للوجوب قطعا.

أقوال ، ولعلّ الأخير أقرب ، وإن كان ما عداه أحوط.

ولو لاقى ماء أحدهما طاهراً فالظاهر بقاؤه على الطهارة للأصل ، مع عدم المانع ، وكونهما في حكم النجس يراد به المنع من الاستعمال خاصة ، فاندفع القول بخلافها من هذه الجهة.

وفي حكمه المشتبه بالمغصوب للدليل الثاني ، مع عدم ظهور الخلاف فيه.

ولا كذلك المشتبه بالمضاف ، فتجب الطهارة بكل منهما ، ثمَّ الصلاة. ومع انقلاب أحدهما يجمع بين التيمم مع الطهارة بالباقي ، مخيّراً في تقديم أيهما شاء ، وإن كان الأحوط تقديم الطهارة ثمَّ الإتيان بالتيمم كما قيل (٤).

ولو اشتبه الإناء المتيقن طهارته بأحد الإناءين المشتبهين بالنجاسة أو المغصوب ، اتجه المنع من استعمالهما من باب المقدمة ، وفاقاً للمنتهى (٥).

__________________

١ ـ المفيد في المقنعة : ٦٩ ، الطوسي في الخلاف ١ : ١٩٨ ، والنهاية : ٦ ، والتهذيب ١ : ٢٤٨.

٢ ـ حكاه عن والد الصدوق في المعالم : ١٦٠ ، والصدوق في المقنع : ٩.

٣ ـ المحقق في المعتبر ١ : ١٠٤ ، العلامة في المختلف : ١٦ ، الحلي في السرائر ١ : ٨٥.

٤ ـ انظر المدارك ١ : ١٠٩.

٥ ـ المنتهي ١ : ٣٠.

٨٣

ولا كذلك لو اشتبه بالإناء المشكوك في نجاسته من حيث الشك في ملاقاته النجاسة ؛ لجواز الاستعمال به ـ للأصل ـ فاستعمال المشتبه به أولى.

ولا ريب فيما ذكرناه ، بل ولا خلاف. ولكن في ثبوت نجاسته بظن الملاقاة مطلقاً ، أو بشرط كونه معتبراً شرعاً ، أو العدم مطلقا أقوال ، أقواها : الأخير ، وأحوطها : الثاني ، وفي الأول احتياط.

( وكلّ ماء حكم بنجاسته ) شرعاً ولو بالاشتباه بالنجس ( لم يجز استعماله ) في الطهارة مطلقاً والشرب اختياراً إجماعاً ؛

والمراد بعدم الجواز بالنسبة إلى الأخير مطلقاً التحريم قطعا ؛

وكذا بالنسبة إلى الأول مع اعتقاد حصولها به لاستلزامه التشريع المحرم. ومع عدمه فالظاهر عدمه ، بل المراد منه حينئذ عدم الاعتداد به ؛ إذ لا دليل للمعنى الأول هنا.

( ولو اضطر معه إلى الطهارة تيمم ) لدفع الضرورة هنا به. بخلاف ما لو اضطر معه إلى شربه لعدم المندوحة عنه ، وعدم اندفاعها إلّا به.

٨٤

( الركن الثاني في الطهارة المائية )

( وهي : وضوء وغسل ) :

( والوضوء يستدعي بيان أمور ) :

( الأول : في موجباته ) الباعثة لخطاب المكلّف بالطهارة وجوباً أو ندباً ، لمشروط بها فعله أو كماله ، أو لا له ، وإن حدثت قبل التكليف.

( وهي : خروج البول والغائط والريح ) من الموضع الطبيعي ( المعتاد ) خروجه منه لعامة الناس وإن لم يحصل الاعتياد.

بالإجماع كما عن المعتبر والمنتهى وغيرهما (١) ، والصحاح المستفيضة.

منها : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم » (٢).

ومنها : « لا يوجب الوضوء إلّا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها » (٣).

وتقييد الريح الناقض في هذا الصحيح بأحد الأمرين المذكورين محمول على صورة حصول الشك بدونهما ، وأما مع التيقن فلا ريب في عدم اعتباره وناقضيته مطلقاً ؛ للرضوي : « فإن شككت في ريح أنها خرجت منك أو لم تخرج ، فلا تنقض من أجلها الوضوء إلّا أن تسمع صوتها أو تجد ريحها ، فإذا استيقنت أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع ، وشممت‏

__________________

١ ـ المعتبر ١ : ١٠٦ ، المنتهي ١ : ٣١ والمدارك ١ : ١٤٢ ، والدخيرة : ١٢.

٢ ـ التهذيب ١ : ٦ / ٢ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ٢٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٤٨ ابواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٤٦ / ١٠١٦ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقص الوضوء ب ١ ح ٢.

٨٥

ريحها أو لم تشم » (١).

وفي رواية عليّ بن جعفر رواها في كتابه : أنه سأل أخاه عن رجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها ، قال : « يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتدّ بشي‏ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً » (٢).

وفي حكمه ما لو اتفق المخرج في غيره خلقةً أو انسدّ الطبيعي وانفتح غيره ، وعليه الإجماع في المنتهى (٣) ، وظاهره عدم اعتبار الاعتياد فيه ، فينقض الخارج ولو مرة.

وفي ناقضية الخارج من غيره مع عدم انسداده أقوال ، أشهرها : نعم مع الاعتياد ولا مع العدم.

وقيل بالأول مع الخروج من تحت المعدة وبالثاني مع الخروج من فوقها مطلقاً (٤).

والقول بالعدم مطلقاً قوي للأصل ، وفقد المانع ، لعدم عموم في الأخبار يشمل ما نحن فيه ، وضعف حجج الأقوال الاُخر. ولكن الاحتياط واضح بحمد اللّه وسبحانه.

وفي اعتبار الاعتياد في نفس الخروج حتى لو خرجت المقعدة ملوثة بالغائط ثمَّ عادت ولم ينفصل لم يوجب أم العدم ، إشكال.

والأصل مع فقد العموم من الأخبار ، وتبادر الخروج المعتاد من المطلقات يقتضي العدم ، وبه صرّح بعض المحقّقين (٥) ، وفاقا للذكرى (٦).

__________________

١ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ، المستدرك ١ : ٢٢٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٢.

٢ ـ قرب اللاسناد : ٢٠٠ / ٧٦٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٩.

٣ ـ المنتهي ١ : ٣٢.

٤ ـ قال به الشيخ في الخلاف ١ : ٨٢.

٥ ـ انظر جامع المقاصد ١ : ٨٢.

٦ ـ الذكرى : ٢٦.

٨٦

والمعتاد للريح هو الدبر ، فلا يوجبه الخارج منه من القبل مطلقاً ، وفاقاً للمنقول عن السرائر والمهذّب والمنتهى والبيان (١) ؛ لما تقدّم.

وعن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة (٢) ، واستقر به في المعتبر والذكرى (٣) مع الاعتياد. ولم نقف على مستندهما.

( والنوم الغالب على الحاستين ) السمع والبصر ( تحقيقاً أو تقديرا ) مطلقاً ، إجماعا كما في التهذيب وعن الانتصار والناصريات والخلاف (٤) ، وللصحاح المستفيضة ، وبعضها صريح في الإطلاق.

ففي الصحيح : « من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء » (٥).

وفي آخر : « من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش أو على أي الحالات فعليه الوضوء » (٦).

وما سواها من الروايات المنافية (٧) ـ مع شذوذها وضعفها ـ محمولة على الخفقة أو التقية ، كما يشعر به بعضها. وحصر الناقض فيما يخرج من السبيلين (٨) إضافي بالنسبة إلى ما يخرج وليس بحقيقي إجماعا. ونسبة المخالفة

__________________

١ ـ السرائر ١ : ١٠٧ ، المهذب ١ : ٤٩ ، المنتهي ١ : ٣٢ ، البيان : ٤٠.

٢ ـ التذكرة ١ : ١١.

٣ ـ المعتبر ١ : ١٠٨ ، الذكرى : ٢٦.

٤ ـ التهذيب ١ : ٥ ؛ وانظر لانتصار ا : ٣٠ واناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٦ ، والخلاف ١ : ١٠٩.

٥ ـ الكافي ٣ : ٣٧ / ١٥ ، الوسائل ١ : أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٩.

٦ ـ التهذيب ١ : ٦ / ٣ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ٢٤٧ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٣.

٧ ـ انظر الوسائل ١ : ٢٥٤ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ الاحاديث ١١ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥.

٨ ـ انظر الوسائل ١ : ٢٤٩ ابواب نواقض الوضوء باب ٢ الاحاديث ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٦.

٨٧

إلى الصدوقين ضعيفة (١) ، وعبارتهما مؤوّلة لدعوى أحدهما الإجماع على النقض به في الخصال (٢).

وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي ناقضية النوم بنفسه ، لا من حيث كونه محتملاً لخروج الحدث معه ، كما نسب إلى العامة (٣) ، وفي الحسن تصريح به ، حيث قال عليه‌السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا حدث ، والنوم حدث » (٤).

وما ربما يتوهم منه المخالفة (٥) لعلّه محمول على التقية لما ذكر ، ولتصريح بعض المعتبرة بعدم نقض الطهارة باحتمال طروّ الناقض شكاً أو ظناً.

ففي الصحيح : « عمّن حرّك إلى جنبه شيء وهو لم يعلم به ، قال : « لا حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجي‏ء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ، ولكن ينقضه بيقين آخر » (٦).

وفي الموثق : « إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ ، وإياك أن تحدث وضوءاً حتى تستيقن أنك أحدثت » (٧) وبذلك صرّح جمع من الأصحاب (٨).

__________________

١ ـ راجع المعتبر ١ : ١١٠ ، والتذكرة ١ : ١١ ، الذخيره : ١٣.

٢ ـ لم نعثر على هذا الإجماع في الخصال. نعم ، نسبه ، إلى دين الامامية في الأمالي : ٥١٤.

٣ ـ نسبه إليهم المحقق في المعتبر ١ : ١٠٩ والعلامة في التذكرة ١ : ١١ ، وانظر بداية المجتهد ١ : ٣٦ ، والمغني ١ : ١٩٧.

٤ ـ التهذيب ١ : ٦ / ٥ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ٢٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٤.

٥ ـ انظر الوسائل ١ : ٢٥٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١٣.

٦ ـ التهذيب ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

٧ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ / ٦٢٨ بتقاوت يسير ، الوسائل ١ : ٢٤٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٧.

٨ ـ منهم السبزواري في الذخيرة : ١٤ ، وصاحب الحدائق ٢ : ٩٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٦.

٨٨

وفي حكمه الإغماء والجنون والمزيل للعقل مطلقاً بإجماع المسلمين كما في التهذيب (١) ، وبلا خلاف بين أهل العلم كما عن المنتهى (٢) ، وفي الخصال : إنه من دين الإمامية (٣) ، وفي الصحيحين (٤) المعلّق فيهما الحكم بالنقض في النوم على ذهاب العقل دلالة عليه.

وعن بعض الكتب عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : « إنّ المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء » (٥).

وربما استدل ببعض الصحاح (٦) ، ولا دلالة [ له‏‏ ] (٧) عليه. وبالتنبيه المستفاد من الصحاح في النوم ، فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث وجب بالإغماء والسكر والجنون بطريق أولى ، وهو كما ترى.

( والاستحاضة القليلة ) الغير المثقبة للكرسف ، على الأشهر الأظهر

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٥.

٢ ـ المنتهي ١ : ٣٤.

٣ ـ لم نعثر عليه في الخصال ، وقال في الأمالي في بيان دين الإمامية : لاينقض الوضوء إلا ما خرج من الطرفين من بول أو غائط أوريح أو مني والنوم اذ ذهب بالعقل. الأمالي : ٥١٤.

٤ ـ الأول :

الكافي ٣ : ٣٦ / ٦ ، الفقيه ١ : ٣٧ / ١٣٧ ، التهذيب ١٥ / ٩ :١ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢.

الثاني :

التهذيب ١ : ٦ / ٤ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ٢٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٢.

٥ ـ دعائم الاسلام ١ : ١٠١ ، المستدرك ١ : ٢٢٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ج ٤.

٦ ـ وهي صحيحة معمر بن خلاّد ، استدل بها الشيخ في التهذيب ١ : ٩ / ١٤. انظر الوسائل ١ : ٢٥٧ أبواب نواقض الوضوء ب ٤ ح ١.

٧ ـ أضفناه لاستقامة المتن.

٨٩

للصحاح.

خلافاً للعماني ، فلم يوجب بها وضوءا ولا غسلاً (١).

وللإسكافي فأوجب بها غسلاً واحداً في اليوم والليلة (٢).

وهما ضعيفان ، كما سيأتي تحقيقه في محلّه إن شاء اللّه.

( وفي ) إيجاب ( مسّ باطن الدبر أو باطن الإحليل ) للوضوء ، وكذلك المذي ـ بالتسكين ـ وهو ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل ، وكذا في التقبيل.

( قولان ) الأشهر ( الأظهر : العدم ) للأصل ، والإجماع المحكي عن التذكرة ونهاية الإحكام للعلّامة (٣) ، والصحاح المستفيضة ، ومثلها من المعتبرة ، عموماً وخصوصاً.

ففي الصحيح : « ليس في القبلة ولا مسّ الفرج ولا الملامسة وضوء » (٤).

وفيه في المذي ينقض الوضوء؟ قال : « لا » (٥).

وفي المرسل كالصحيح : « ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد » (٦).

خلافاً للإسكافي في الجميع ، مقيدا للأخيرين بكونهما عن شهوة (٧) ،

__________________

١ ـ نقله عنه في المختلف : ٤٠.

٢ ـ نقله عنه في المختلف : ٤٠.

٣ ـ التذكرة ١ : ١١ ، نهاية الإحكام ١ : ٧٤.

٤ ـ التهذيب ١ : ٢٣ / ٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ ابواب نواقض الوضوء ب ٩ ج ٣.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٧ / ٤٠ ، الاستبصار ١ : ٩١ / ٢٩٣ ، الوسائل ١ : ٢٧٧ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٥.

٦ ـ التهذيب ١ : ١٩ / ٤٧ ، الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠٠ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ح ٢.

٧ ـ حكاه عنه في المختلف : ١٧.

٩٠

ووافقه الصدوق في الأول ، وزاد فتح الإحليل (١) لأخبار ضعيفة أو محمولة على التقية (٢) ، ومع ذلك ليست لما تقدّم مكافئة من وجوه عديدة ، وربما تحمل على الاستحباب بناء على الاحتياط والمسامحة.

وعلى ذلك تحمل أيضاً الأخبار المتضمنة لناقضية غير ما ذكر ؛ لما ذكر ، مضافاً إلى مخالفتها لإجماع الطائفة على ما حكاه جماعة (٣).

____________

١ ـ كما في الفقيه ١ : ٣٩.

٢ ـ انظر الوسائل ١ : ٢٧٢ و ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٩ ج ٩ ، ١٠. وب ١٢ ح ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٦ ، ١٧.

٣ ـ منهم العلامة في التذكرة في ١ : ١١ ، وصاحب المدارك ١ : ١٥٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ١٤.

٩١

( الثاني : في ) بيان ( آداب الخلوة ) من واجباتها ومستحباتها.

( فالواجب ) على المتخلي بل مطلقاً ( ستر العورتين ) قبلاً ودبراً عن الناظر المحترم ، بالإجماع والكتاب والنصوص.

في المرسل : عن قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم ْ ) (١) فقال : « كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا في هذا الموضع ، فإنه للتحفظ من أن ينظر إليه » (٢).

وعلى التحريم يحمل لفظ الكراهة في بعض الأخبار (٣) ، مضافا إلى عدم ثبوت كونه حقيقة في المعنى المصطلح.

( ويحرم ) عليه حين التخلي ، أو مطلقاً ولو حال الاستنجاء على الأحوط كما في الخبر (٤) ( استقبال القبلة ) بمقاديم البدن خاصة ، أو الفرج أيضاً على الأحوط ( واستدبارها ) بالمآخير مطلقاً ( ولو كان في الأبنية على الأشبه ) وعليه الأكثر ، بل عن الخلاف والغنية (٥) عليه الإجماع.

للمستفيضة (٦) وإن قصرت أسانيدها لانجبارها بالشهرة مع حكاية اتفاق الطائفة مؤيّداً بالاحتياط ، ووجوب تعظيم القبلة ، وما دلّ على حرمة الأمرين عند المباشرة ، بل ولعن فاعلهما عندها (٧) فمع جميع ذلك لا حكم للأصل هنا.

اشتمال بعضها على بعض المكروهات غير ضائر ، وإن هو إلا كالعام‏

__________________

١ ـ النور : ٣٠.

٢ ـ الفقيه ١ : ٦٣ / ٢٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٠٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٣.

٣ ـ الوسائل ٢ : ٣٣ و ٣٦ أبواب آداب الحمام ب ٣ و ٦ ح ٣ و ٢.

٤ ـ نظر الوسائل ١ : ٣٥٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٧.

٥ ـ الخلاف ١ : ١٠١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

٦ ـ الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢.

٧ ـ انظر الوسائل ٢٠ : ١٣٧ أبواب مقدمات النكاح وآدابه ب ٦٩.

٩٢

المخصص سيما بعد ملاحظة ما ذكرناه.

وإشعار بعض الحسان بالكراهة بمجرده غير صالح لصرف ظواهر المستفيضة إليها ، سيّما مع عدم التكافؤ.

والحسن ـ المتضمن لبناء الكنيف مستقبل القبلة في منزل مولانا الرضا عليه‌السلام (١) ـ مع عدم تكافئه لما تقدّم غير واضح الدلالة على جواز الاستقبال ، مضافاً إلى قوة احتمال بناء بابه إليها.

فسقط حجج القول بالجواز مع الكراهة مطلقاً ، كما ربما نسب إلى المقنعة (٢) ، أو في البنيان خاصة كما نسب إلى سلّار (٣).

( ويجب غسل ) ظاهر ( مخرج البول ) لا باطنه إجماعا ( ويتعيّن الماء لإزالته ) فلا يجزي غيره مطلقاً (٤) ، بإجماعنا المحكي عن جماعة (٥) ، والصحاح المستفيضة.

منها : « ولا يجزي من البول إلّا الماء » (٦).

ومنها : الأخبار الدالة على وجوب غسل الذكر على من صلّى قبل غسله من دون استفصال ، ففي الصحيح في التارك لغسله : « بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه » (٧).

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٥٢ / ١٠٤٣ ، الوسائل ١ : ٣٠٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٧.

٢ ـ نسبه إلى المقنعة في المختلف : ١٩ ، وهو في المقنعة : ٤١.

٣ ـ نسبه إلى سلار في المختلف : ١٩ وهو في المقنعة : ٣٢.

٤ ـ ولو حال الاضطرار ، نبّه بذلك على رد ما يستفاد من عبارة الشرايع من إجزاء غيره مع الضرورة وعدم القدرة. منه رحمه الله.

٥ ـ منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٢٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٣ والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٦.

٦ ـ التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ الوسائل ١ ، ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٢.

٧ ـ التهذيب ١ : ٤٨ / ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٥٣ / ١٥٤ الوسائل ١ ، ٢٩٤ أبواب نوقض الوضوء

٩٣

وبعض الأخبار المنافي لذلك (١) مع ضعفه وشذوذه وعدم وضوح دلالته وعدم مقاومته لما تقدم مؤوّل بتأويلات جيّدة ، أقربها الحمل على التقية ، لاشتهاره بين العامة.

وأمّا ما في الموثق : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد ذلك عليّ ، فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك ، فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك » (٢).

فليس بمناف لما تقدم كما يتوهم ، إذ مع حصول الطهارة بالتمسح لا وجه لمسح الذكر بالريق بعده ، ولا قول « هذا من ذاك » بعد وجدان البلل.

وظني أن المراد به بيان حيلة شرعية يتخلص بها عمّا يوجد من البلل بعد التمسح ، بأن يمسح الذكر دون المخرج بالريق ويجعل وسيلة لدفع اليقين بنجاسة ما يجده من البلل بعد ذلك باحتمال كونه منه لا من الخارج من المخرج التفاتا إلى ما ورد في المعتبرة من عدم نقض يقين الطهارة بالشك في حصول النجاسة ، فهو بالدلالة على خلاف ما توهم أشبه.

وفيه دلالة حينئذ على كون المتنجس منجّساً مطلقاً ، لا على الخلاف كما توهّم (٣).

مضافاً إلى ضعفه في نفسه ومخالفته الإجماع وغيره من الأدلة ، كالمعتبرة المستفيضة الآمرة بغسل الأواني والفرش والبسط متى تنجس شيء منها (٤) ، وليس ذلك إلّا لمنع تعدي نجاستها إلى ما يلاقيها برطوبة ممّا يشترط

__________________

ب ١٨ ح ٤.

١ ـ وهي رواية سماعة ، انظر الوسائل ١ : ٢٨٣ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٤.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٠ / ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٠ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ / ١٠٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٨٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٧.

٣ ـ انظر الوافي ٦ : ١٥٠.

٤ ـ انظر الواسائل ٣ : أبواب النجاسات الابواب ٥ ، ٧ ، ٥١ ، ٥٣.

٩٤

فيه الطهارة. ولو كان مجرّد زوال العين فيها كافياً لعرى الأمر فيها بذلك عن الفائدة ، لعدم استعمال شيء منها في مشروط بالطهارة ، ولأشير في خبر منها بكفاية التمسح. فتأمّل.

وصرف الحيلة في الموثق إلى دفع اليقين بنقض الوضوء السابق بالبلل الذي يحس به بعد التمسح بفرض كون البلل المحسوس من الريق دون المخرج ، ضعيف.

أولاً : بعدم التعرض للوضوء وعدم الاستبراء فيه.

وثانياً : بأولوية الجواب بالاستبراء حينئذ من الأمر بالحيلة المزبورة.

وثالثاً : بعدم المنافاة بين حصول هذه الحكمة وبين القول بتعدي النجاسة فجعله لذلك دليلا لعدم تعديها فاسد بالبديهة.

ورابعاً : بأن هذا الاحتمال بعد تسليمه ليس بأولى ممّا ذكرناه من الاحتمال ، فترجيحه عليه وجعله دليلاً غير واضح.

وبالجملة فشناعة هذا التوهم أظهر من أن يبيّن.

( وأقلّ ما يجزئ ) من الماء هنا ( مثلاً ما على الحشفة ) على الأشهر ؛ للخبر (١). وضعفه ـ لو كان ـ بالشهرة قد انجبر ، وإلّا فهو حسن على الأظهر ، وهو حجة في نفسه على الأصح ، والعمل عليه متعيّن كيف كان.

والأظهر في تفسيره كون المراد بالمثلين الكناية عن الغسلة الواحدة ، بناءً على اشتراط الغلبة في المطهّر ، وهو لا يحصل بالمثل.

وبه يظهر وجه القدح في تفسيره بالغسلتين (٢) ، وما قيل في دفعه تكلّف مستغنى عنه.

____________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٥ / ٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٣٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٥.

٢ ـ كما في الذكرى : ٢١ ، وجامع المقاصد ١ : ٩٤

٩٥

ومنه يظهر كون النزاع بين المشهور وبين من قال بكفاية مسمّى الغسل ـ تمسكاً بالأصل والإطلاقات ـ لفظيا ، كما نقل التصريح به عن البيان (١).

إلّا أن يقال بحصول الثمرة فيما إذا تحقّق المسمّى بالمثل ونصفه ، فظاهر القول الأخير كفايته ، وظاهر الأول العدم تمسّكا بالخبر.

هذا ، والقول بالغسلتين إن لم نقل بقوته فلا ريب في أنه أحوط للشبهة ، وللأخبار الآمرة بالمرّتين في غسله من الجسد (٢) والثلاث أكمل ، للصحيح : « كان يستنجي من البول ثلاث مرّات » (٣).

( و ) كذا يتعيّن ( غسل ) ظاهر ( مخرج الغائط ) لا باطنه إجماعا للموثق : « إنما عليه ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها » (٤) وفي معناه الصحيح (٥).

( بالماء ) إن تعدّى الخارج إلى محل لا يعتاد وصوله إليه ، ولا يصدق اسم الاستنجاء على إزالته ، إجماعا كما عن المعتبر (٦) للخبر « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة » (٧).

وكذا مع استصحاب نجاسة خارجية مع الخارج على الأحوط بل الأقوى ، صرّح به شيخنا في الذكرى (٨).

__________________

١ ـ البيان : ٥٠.

٢ ـ الوسائل ١ : ٣٤٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ الأحاديث ١ و ٤ و ٩.

٣ ـ التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٦ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٦.

٤ ـ التهذيب ١ : ٤٥ / ١٢٧ ، الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٤٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ٢.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٧ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢١ / ٦٠ ، التهذيب ١ : ٤٥ / ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ٥١ / ١٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٤٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ١.

٦ ـ المعتبر ١ : ١٢٨.

٧ ـ المعتبر ١ : ١٢٨.

٨ ـ الذكرى : ٢١.

٩٦

( وحدّه : الإنقاء ) كما في الحسن : قلت له : للاستنجاء حدّ؟ قال : « لا ، حتى ينقى ما ثمّة » (١).

وربما فسّر بزوال العين والأثر (٢). والمراد به على الأظهر : الأجزاء الصغار التي لا تزول بالأحجار ، لا اللون ـ كما توهّم ـ لدلالته على بقاء العين (٣) لمنع الدلالة أوّلاً ، ثمَّ منع كون تلك العين الباقية على تقدير تسليمها غائطاً ثانياً ، والنقض بعدم البأس بلون الدم بعد إزالة عينه ـ كما في الخبر المعتبر ـ (٤) ثالثاً.

ولا عبرة بالرائحة الباقية على المحل أو اليد خاصة إجماعاً كما حكي (٥) للأصل ، ولذيل الحسن المتقدم ، قال : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها ».

وربما حد بالصرير وخشونة المحل حتى يصوت (٦). وهو كما ترى.

( وإن لم يتعدّ المخرج تخيّر ) في التطهير ( بين الماء والأحجار ) إجماعاً ؛ للمعتبرة المستفيضة (٧).

وكذا غيرها من الأجسام الطاهرة المزيلة للعين ، على الأشهر الأظهر ، بل عن الخلاف عليه الوفاق (٨) لعموم الحسن السابق ، والموثق (٩) ، والنبوي :

____________

١ ـ الكافي ٣ : ١٧ / ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.

٢ ـ كما في المبسوط ١ : ١٦ ، والسرائر ١ : ٩٧.

٣ ـ انظر التنقيح ١ : ٧٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ٥٩ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٠ ، الوسائل ٢ : ٣٦٩ أبواب الحيض ب ٥٢ ح ١.

٥ ـ حكاه صاحب المدارك ١ : ١٦٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٨.

٦ ـ حكاه عن سلار في المختلف : ٢٠.

٧ ـ الوسائل ١ : ٢٤٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠.

٨ ـ الخلاف ١ : ١٠٦.

٩ ـ التهذيب ١ : ٤٧ / ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخوة ب ٩ ح ٥.

٩٧

« إذا مضى أحدكم لحاجته فليمسح بثلاثة أحجار ، أو بثلاثة أعواد ، أو ثلاث حثيات من تراب » (١).

وخصوص الصحاح في الكرسف والمدر والخرق والخزف (٢) ، وإشعار الأخبار الناهية عن العظم والروث (٣) به.

خلافاً للإسكافي في الآجر والخزف (٤). وما تقدّم حجة عليه.

ولسلّار فيما ليس أصله أرضاً (٥) ، وفسّر في البيان بما ليس بأرض ولا نبات (٦). وهو أحوط.

( ولا يجزئ أقلّ من ثلاثة أحجار ) أو ما قام مقامها إذا لم يحصل النقاء به إجماعا.

( ولو نقي بما دونها اعتبر الإكمال ثلاثاً ) وجوباً على الأشهر الأظهر.

لاستصحاب النجاسة ، والاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد الاستجمار في الصلاة ونحوها على القدر المجمع عليه ، وورود الأمر بالتثليث والنهي عمّا دونه في العامية (٧) المنجبرة بالشهرة والأصول المتقدمة ، والصحيحين المتضمنين لجريان السنّة به (٨) ، كالمرسل : « جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار » (٩) مع إطلاق الإجزاء عليه في أحدهما ، وخبر

____________

١ ـ انظر الخلاف ١ : ١٠٦ بتفاوت يسير ، وسنن البيهقي ١ : ١١١.

٢ و ٣ ـ انظر الوسائل ١ : ٣٥٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥.

٤ ـ نقله عنه في الذكرى : ٢١.

٥ ـ كما في المراسم : ٣٢

٦ ـ البيان : ٤٢.

٧ ـ سنن البيهقي ١ : ١٠٢.

٨ ـ الأول : التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣.

الثاني : التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

٩ ـ التهذيب ١ : ٤٦ / ١٣٠ الوسائل ١ : ٣٤٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٤.

٩٨

آخر (١) ، المقتضي لعدمه فيما دونه.

خلافاً لجماعة (٢) ، فاكتفوا بالأقل مع حصول النقاء به ؛ التفاتاً إلى الحسن السابق ، والموثق : « يغسل ذكره ويذهب الغائط » (٣).

وهما ـ مع قصورهما عن المقاومة لما تقدم ـ غير صريحي الدلالة ؛ لاحتمال الحسن الاستنجاء بالماء كما يشعر به ذيله (٤) ، وإجمال الموثق فيحمل على الطريق المعروف من السنّة.

وممّا ذكر يظهر عدم كفاية ذي الجهات الثلاث عنها ، وفاقا لجماعة (٥).

خلافاً لآخرين (٦) ؛ لاعتبارات هيّنة واستبعادات ظنّية غير لائقة بالأحكام الشرعية التعبدية.

( وتستعمل الخرق ) جمع خرقة ونحوها ( بدل الأحجار ) وفاقاً للمعظم لما تقدّم.

وفي وجوب إمرار كل من الثلاث على مجموع المحل ، أم الاكتفاء

__________________

١ ـ هو قوله عليه‌السلام : « يجزي من الغائط المسح بلأحجار ولايجزي من البول إلاّ الماء » لأن أقل الجمع ثلاثة ( الجواهر ٢ : ٣٦ ) والرواية في التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٢.

٢ ـ منهم القاضي في المهذب ١ : ٤٠ ، وابن سعيد في الجامع : ٢٧.

٣ ـ التهذيب ١ : ٤٧ / ١٣٤ ، الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٥١ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٥.

٤ ـ وهو أنّ الراوي سأل بعد ذلك بقاء الريح فقال : « الريح لاينظر إليها » إذ فيه قرينة على كون محط السؤال والجواب إنّما هو الاستنجاء بالماء إذ هو الذي يحسّ بالريح بعده لا الاستنجاء بالحجر. فتأمل. منه رحمه الله.

٥ ـ مهم المحقق في المعتبر ١ : ١٣١ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٨٤ ، وصاحب المدارك ١ : ١٧٢.

٦ ـ كالقاضي في المهذب ١ : ٤٠ ، والعلامة في القواعد ١ : ٣ ، والمختلف : ١٩ ، والشهيد الأول في الذكرى : ٢١ ، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع ١ : ٤٢.

٩٩

بالتوزيع ، قولان ، أصحّهما : الأول ، يعرف وجهه ممّا تقدم من الاُصول وأخبار التثليث ، لعدم تبادر المقام منها.

ولو لم ينق بها وجب الزيادة عليها إجماعاً ، تحصيلاً للنقاء المأمور به في الأخبار.

ويستحب الوتر مع حصول النقاء بدونه للنبويين ، في أحدهما : « من استجمر فليوتر ، فإن فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج » (١).

( ولا ) يجوز أن ( يستعمل ) النجس بغير الاستعمال إجماعاً ، كما عن المنتهى (٢) قيل : لخبر الأبكار (٣). ولا ما يزلق (٤) عن النجاسة لعدم تحقق النقاء. والأحوط مراعاة الجفاف ، بل قيل بوجوبه (٥).

ولا ( العظم ولا الروث ) بإجماعنا المحكي عن الفاضلين وظاهر الغنية (٦) ، والمعتبرة المنجبرة بالشهرة ، منها : « من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٧).

ومنها : « لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام ، فإنه زاد إخوانكم من الجن » (٨).

__________________

١ ـ انظر سنن ابن ماجة ١ : ١٢١ / ٣٣٧ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٧١ ، وسنن البيهقي ١ : ١٠٤.

وأيضاً : التهذيب ١ : ٤٥ / ١٢٦ ، الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٤٨ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٤.

٢ ـ المنتهي ١ : ٤٦.

٣ ـ قال به صاحب المدارك ١ : ١٧٢ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠.

٤ ـ في « ل » و « ح » : يلزق.

٥ ـ كما في نهاية الإحكام ١ : ٨٨.

٦ ـ المحقق في المعتبر ١ : ١٣٢ والعلامة في المنتهي ١ : ٤٦ ؛ وانظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩.

٧ ـ سنن البيهقي ١ : ١١٠ بتفاوت يسير ، سنن أبي داود ١ : ٩ / ٣٦.

٨ ـ كنز العمال ٩ : ٣٥٤ / ٢٦٤١٦.

١٠٠