رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

وكيف كان ، فلا تعلّق له بصحة الغسل بلا خلاف ، على ما حكاه بعض مشايخي (١) سلّمه اللّه تعالى. فلو أثم بالتأخير عمداً على القول بالوجوب صحّ غسله ولزمه الإتيان به لمشروط به من العبادة. وهو العالم.

__________________

١ ـ الوحيد البهباني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٢٤١

( الثاني )

( غسل الحيض ) وهو لغة في المشهور : السيل ، من قولهم : حاض الوادي إذا سال وفي القاموس : الدم السائل من المرأة (١).

( والنظر فيه وفي أحكامه ، وهو ) دم تقذفه الرحم إذا بلغت المرأة ، ثمَّ تعتاده في أوقات معلومة غالباً لحكمة تربية الولد ، فإذا حملت صرف اللّه تعالى ذلك الدم إلى تغذيته ، فإذا وضعت الحمل خلع اللّه تعالى عنه صورة الدم وكساه صورة اللبن غالباً لاغتذاء الطفل ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي ذلك الدم بلا مصرف فيستقر في مكانه.

ثمَّ يخرج في الغالب في كلّ شهر ستة أيام أو تسعة أيام أو أقلّ أو أكثر بحسب قرب المزاج من الحرارة وبعده عنها.

وهو شيء معروف بين الناس ، له أحكام كثيرة عند أهل الملل والأطبّاء ، ليس بيانه موقوفاً على الأخذ من الشرع ، بل هو كسائر الأحداث كالمني والبول وغيرهما من موضوعات الأحكام التي لا نحتاج في معرفتها إلى بيان منه ، بل متى تحقّق وعرف تعلّق به أحكامه المترتبة عليه عرفاً وشرعاً ولو خلت من الأوصاف المتعارفة لها غالباً ، كترتب أحكام الأحداث عليها بعد معرفتها ولو خلت عن أوصافها الغالبة لها.

نعم ربما يتحقق الاشتباه بينه وبين غيره من الدماء فاحتيج إلى مميّز شرعي يميّزه عمّا عداه ، فإن اشتبه بالاستحاضة ودار الأمر بينهما رجع في الحكم به إلى الصفات الثابتة له ( في الأغلب ) لحصول المظنة به وهي أنه ( دم أسود

__________________

١ ـ القاموس ٢ : ٣٤١.

٢٤٢

أو أحمر ) كما هنا وفي الشرح وعن التذكرة (١) وفي الشرائع وعن النهاية والمبسوط والوسيلة والمنتهى والتبصرة والإرشاد والتلخيص والتحرير : الاقتصار على الأوّل (٢). وعن المقنعة الاقتصار على الثاني (٣).

( غليظ حارّ ) عبيط ( له دفع ).

للنصوص ، منها : الصحيح : « الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد ، إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ » (٤).

وفي آخر : « دم الحيض ليس به خفاء ، وهو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد » (٥).

وفي الحسن : عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد » (٦).

وظاهره يعطي الاقتصار على وصف الأول ، إلّا أنّ توصيف الاستحاضة بالصفرة وجعله في مقابلة توصيفه بالسواد قرينة إرادة الأعم من السواد الشامل لمثل الحمرة من الأسود في توصيفه. مضافاً إلى الاعتبار وشهادة بعض الأخبار الموصف له ب‍ « البحراني » (٧) المفسّر في كتب اللغة بالحمرة الشديدة

__________________

١ ـ المعتبر ١ : ١٧٩ ، التذكرة ١ : ٢٦.

٢ ـ الشرائع ١ : ٢٨ ، النهاية : ٢٣ ، المبسوط ١ : ٤١ الوسيلة : ٥٦ ، المنتهي ١ : ٩٥ ، التبصرة : ٨ ، الإرشاد ١ : ٢٢٦ ، التحرير ١ : ١٣.

٣ ـ المقنعة : ٥٤.

٤ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣٠ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

٦ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

٧ ـ الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٧٦ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

٢٤٣

الخالصة (١) وعن المعتبر والتذكرة : أنه الشديد الحمرة والسواد (٢).

هذا مع ما في المرسل الآتي في الحبلى وفيه : « إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء » (٣).

ونحوه المرسل الآخر : « إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة » الخبر (٤).

فظهر وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الوصفين وعدم الاقتصار على أحد الأمرين.

وليس في هذه الأخبار ـ لاختلافها في بيان الأوصاف ـ دلالة على كونها خاصةً مركّبةً للحيض متى وجدت حكم بكون الدم حيضاً ومتى انتفت انتفى إلّا بدليل من خارج كما زعم (٥) ، بل المستفاد من بعضها الرجوع إليها عند الاشتباه بينه وبين الاستحاضة خاصة. مضافاً إلى أنّ الخاصة المركّبة شيء غير قابل للتخلف ، وتخلّفها عنه غير عزيز.

هذا ، مع ما عرفت من أنه كغيره من الموضوعات التي يرجع فيها إلى غير الشرع ، فلو قطع فيه بكون مسلوب الصفات منه حيضا ما كان لنفيه معنى والحكم له بغيره ، كما هو الحال في المني. ولما ذكرناه قيّدها المصنف ـ كالأكثر ـ بالأغلب.

( فإن اشتبه بالعذرة ) بضم العين المهملة والذال المعجمة : البكارة ،

__________________

١ ـ كما في المصباح المنير : ٣٦.

٢ ـ المعتبر ١ : ١٩٧ ، التذكرة ١ : ٢٦.

٣ ـ الكافي ٣ : ٩٦ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٤ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٠٧ / ٣ ، الفقيه ١ : ٥١ / ١٩٨ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ / ١٢٣٦ ، الوسائل ٢ : ٣٣٥ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٢.

٥ ـ انظر روض الجنان : ٦٠ ، والمدارك ١ : ٣١٣ ، والحدائق ٣ : ١٥٢.

٢٤٤

بفتح الباء ( حكم لها ) أي للعذرة ( بتطوّق القطنة ) التي تستدخلها ، وللحيض بانغماسها ، كما قطع به أكثر الأصحاب للصحيحين (١) ، وبمعناهما الرضوي : « وإن افتضّها زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة ، فعليها أن تدخل قطنة ، فإن خرجت القطنة مطوقّة بالدم فهو من العذرة ، وإن خرجت منغمسة هو من الحيض » (٢).

خلافاً لظاهر المصنف هنا وفي الشرائع وصريحه في المعتبر (٣) في الثاني ، ويحتمله القواعد (٤) ، ووجّهه الشهيد بأنه قد لا يستجمع مع ذلك الشرائط ، ولذا اعترضه فقال : قلنا بثبوت الحيض فيه إنما هو بالشرائط المعلومة ، ومفهوم الخبرين أنه ملتبس بالعذرة لا غير (٥). انتهى.

ويحتمل لما ذكره عدم المخالفة ، وإنما لم يحكما بالحيضية في صورة الانغماس اتكالاً منهما إلى فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة ، فإذا تميّز دم العذرة عن دم الحيض بمميّزه فقد ارتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض وما ذكراه ـ تبعا للأصحاب من غير خلاف ـ من أنّ الأصل في دم المرأة الحيضية وأنّ كل ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض.

____________

١ ـ الأول :

الكافي ٣ : ٩٢ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٥ / ١١٨٤ ، المحاسن : ٣٠٧ / ٢٢ ، الوسائل ٢ ، ٢٧٢ أبواب الحيض ب ٢ ح ١ ، ٣.

الثاني :

الكافي ٣ : ٩٤ / ٢ ، التهذيب ١ : : ١٥٢ / ٤٣٢ ، المحاسن : ٣٠٧ / ٢١ الوسائل ٢ : ٢٧٣ أبواب الحيض ب ٢ ح ٢.

٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٤ ، السمتدرك ٢ : ٦ أبواب اليحض ب ٢ ح ١.

٣ ـ الشرائع ١ : ٢٩ ، المعتبر ١ : ١٩٨.

٤ ـ قواعد الاحكام ١ : ١٤.

٥ ـ كما في الذكرى : ٢٨.

٢٤٥

وإن اشتبه بالقرحة حكم لها إن خرج من الأيمن وللحيض إن انعكس ، على الأصح الأشهر ، كما في الفقيه والقواعد والبيان والنهاية وعن المقنع والمبسوط والمهذّب والسرائر والوسيلة والإصباح والجامع (١).

للخبر المنجبر ضعفه بالشهرة ، وفيه : « مرها فلتستلق على ظهرها وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة » (٢) كما في التهذيب ، وفي الكافي بالعكس ، وهو وإن كان أضبط إلّا أن القرينة على ترجيح الأول هنا موجودة ، لشهرة مضمونه ، والتصريح به في الرضوي (٣).

فظهر ضعف العكس المحكي عن الإسكافي (٤).

وقصور الخبرين ـ مع قوة الثاني وحجيته في نفسه ـ منجبر بالشهرة. فلا وجه لعدم اعتبار الجانب بالمرّة كما عن المعتبر وظاهر المتن والشرائع (٥).و الاضطراب في متن الخبر مدفوع بما مضى من الترجيح. ومخالفة الاعتبار غير مسموعة في مقابلة النص ، لا سيّما مع شهادة المتديّنة من النسوة بذلك ، على ما حكاه بعض المشايخ (٦).

( ولا حيض مع ) رؤيته بعد ( سنّ اليأس ) وهو خمسون مطلقاً ، أو ستّون كذلك ، أو الأول فيما عدا القرشية والثاني فيها ، على الاختلاف الآتي‏

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٥٤ ، القواعد ١ : ١٤ ، البيان : ٥٧ ، النهاية : ٢٤ ، المقنع : ١٦ ، المبسوط ١ : ٤٣ ،

المهذّب ١ : ٣٥ ، السرائر ١ : ١٤٦ ، الوسيلة : ٥٧ ، الجامع للشرائع : ٤١.

٢ ـ الكافي ٣ : ٩٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٥ / ١١٨٥ ، الوسائل ٢ : ٣٠٧ أبواب الحيض ب ١٦ ح ٢.

٣ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ١٤ أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

٤ ـ نقله عنه في المعتبر ١ : ١٩٩ والمختلف : ٣٦.

٥ ـ المعتبر ١ : ١٩٩ والشرائع ١ : ٢٩.

٦ ـ الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( المخطوط ).

٢٤٦

في بحث العدد إن شاء اللّه تعالى ( ولا مع الصغر ) أي قبل إكمال تسع سنين ، إجماعاً فيهما حكاه جماعة (١) ؛ للنصوص المستفيضة.

منها : الصحيح : « ثلاث يتزوجن على كل حال » وعدّ منها : « التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » (٢).

( وهل يجتمع ) الحيض ( مع الحمل ) مطلقاً؟ كما هو الأشهر الأظهر ، وعن الفقيه والمقنع والناصريات والقواعد والمبسوط (٣).

أو بشرط عدم استبانة الحمل؟ كما عن الخلاف والسرائر (٤) والإصباح ، وفي الأوّل الإجماع عليه.

أو لا مطلقاً؟ كما عن الإسكافي والتلخيص وفي الشرائع (٥) وظاهر المتن.

أو بشرط تأخره عن العادة عشريني يوماً؟ كما عن النهاية وفي كتابي الحديث (٦).

أقوال و ( فيه روايات ) أكثرها و ( أشهرها ) مع صحتها واستفاضتها وتأيدها بغيرها من المعتبرة مع الأوّل ، منها : الصحيح : عن الحبلى ترى الدم‏

__________________

١ ـ منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٩٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٤٢ ، وصاحب الحدائق ٣ : ١٦٩.

٢ ـ الكافي ٦ : ٨٥ / ٤ ، التهذيب ٨ : ١٣٧ / ٤٧٨ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٧ / ١٢٠٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٦ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٦.

٣ ـ الفقيه ١ : ٥١ ، المقنع : ١٦ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩١ ، القواعد ١ : ١٤ ، المبسوط ٥ : ٢٤٠.

٤ ـ الخلاف ١ : ٢٣٩ ، السرائر ١ : ١٥٠.

٥ ـ نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٦ ، ونقله عن التلخيص في كشف اللثام ١ : ٨٦ ، الشرائع ١ : ٣٢.

٦ ـ النهاية : ٢٥ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٠.

٢٤٧

أتترك الصلاة؟ قال : « نعم إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم » (١).

وأشهرها بين العامة كما حكاه جماعة (٢) ( أنه لا يجتمع ) مطلقاً ، رواه السكوني وفيه : « ما كان اللّه تعالى ليجعل حيضا مع حبل » (٣) وهو ( لضعفه ) (٤) من وجوه لا يبلغ درجة المعارضة لتلك فيحمل على التقية ، أو إرادة بيان الغلبة فلا تترك لأجله الصحاح المستفيضة.

فظهر ضعف القول الثالث وحجّته.

وليس في أخبار الاستبراء بالحيض في العدد (٥) دلالة عليه لو لم نقل بدلالته على خلافه ، كيف لا؟! ولو صحّ عدم الجمع مطلقاً لاكتفى بالحيضة الواحدة في مطلق الاستبراء البتة ، فاعتبار التعدد دليل على مجامعته له.

ومن هنا يتضح الجواب بالمعارضة عن الاستدلال بالأخبار الدالة على وجوب استبراء الأمة بالحيضة الواحدة (٦) من حيث إنّ الاجتماع لا يجامع الاستبراء بها ؛ وذلك بأن يقال : عدم اجتماعهما يوجب الاكتفاء بالحيضة الواحدة في عدّة الحرّة المطلّقة ، فقد تعارضا فليتساقطا ، فلا دلالة في كلّ منهما على شيء من القولين.

هذا ، ويمكن أن يقال بصحة الاستدلال للمختار بأخبار عدّة المطلّقة ،

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٩٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٨٦ / ١١٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ / ٤٧٤ ، الوسائل ٢ : ٣٢٩ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١.

٢ ـ راجع التذكرة ١ : ٢٦ والمنتهي ١ : ٩٦ ، والحدائق ٣ : ١٧٩ ، وقال به ابن قدامة في المغني ١ : ٤٠٥ ، والكاساني في بدائع الصنائع ١ : ٤٢ ، وابن رشد في مقدماته ١ : ٩٥.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨١ ، الوسائل ٢ : ٣٣٣ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٢.

٤ ـ في « ح » مع ضعفه.

٥ ـ الوسائل ٢٢ : ١٩٨ أبواب العدد ب ١٢.

٦ ـ الوسائل ١٨ : ٢٥٩ أبواب بيع الحيوان ب ١٠ ح ٦ ، وب ١١ ح ٤ و ٥.

٢٤٨

ويذبّ عن المعارضة باستبراء الأمة بإمكان كون اكتفاء الشارع فيه بالحيضة الواحدة ليس من حيث استحالة الاجتماع بل من حيث غلبته عادة ، كما مرّت إليه الإشارة ولا ريب في حصول المظنة بها بعدم الاجتماع ، والشارع قد اعتبر هذه المظنة في هذه المسألة وإن كانت من الموضوعات ، كما اعتبرها في مواضع كثيرة منها بلا شبهة ، فلا يكون فيه دلالة على استحالة الاجتماع ، كما هو مفروض المسألة.

وكذا ليس في عدم صحة طلاقها حين رؤيته مع صحة طلاق الحامل مطلقاً ولو رأته دلالة عليه ، إلّا مع قيام الدليل على عدم صحته في مطلق الحائض ، وهو في حيّز المنع ، كيف لا؟! وقد صحّ طلاق الحائض مع غيبة زوجها عنها.

ويدل على الرابع الصحيح : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف وتصلّي ، وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها ، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ » (١).

وهو صريح فيه ، لكنه لوحدته وعدم اشتهاره لا يبلغ لمقاومة الصحاح مع ما هي عليه من الشهرة والاستفاضة والمخالفة للعامة ـ فتأمّل ـ والتعليلات‏

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٩٥ / ١ ، التهذيب ١ ٣٨٨ / ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ / ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٠ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣.

٢٤٩

الواردة فيها المخرجة لها عن حيّز العموم المقرّبة لها من حيّز الخصوص الذي لا يصلح معه التخصيص.

ولم نعثر للقول الثاني على دليل إلّا الصحيح المتقدم لو أريد بالاستبانة مضيّ عشرين يوماً من العادة ، فتأمل ، وإلّا فدليله غير واضح.

نعم في الرضوي بعد الحكم بما تضمنته الصحاح : « وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صحّ لها الحمل فلا تدع الصلاة ، والعمل من خواص الفقهاء على ذلك » (١).

وهو ـ مع ضعفه بالإرسال ـ مقدوح بالفتوى في الصدر على خلافه ، معارض بما تقدّم ، وخصوص الصحيح : عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم ، قال : « تلك الهراقة إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين » (٢).

والمرسل : عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم ، قال : « تلك الهراقة من الدم إن كان دماً أحمر كثيرا فلا تصلّي ، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا الوضوء » (٣).

فلم يبق إلّا الإجماع المحكي ، ولا يعترض به ما تقدّم من الأدلة سيّما مع الوهن فيه بمصير معظم الأصحاب على خلافه.

هذا ، وربما يجمع بين الأخبار بحمل ما دلّ على الاجتماع على صورة اتصاف الدم بلون الحيض وكثرته وعدم تقدمه وتأخره عن أيام العادة كثيرا ، وما

__________________

١ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ٢٣ أبواب الحيض ب ٢٥ ح ١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩١ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٩٦ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٣٣٤ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٦.

٢٥٠

دلّ على المنع منه على غيرها.

وهو حسن إن لم يكن إحداث قول خامس في المسألة ، وفي الخبرين الأخيرين ربما كان دلالة عليه ، كالرضوي المصرّح بأنه : « إذا رأت الدم كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم ، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة » (١) والموثق : « عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : « إن كان دماً عبيطاً فلا تصلي ذينك اليومين ، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين » (٢). والاحتياط لا يترك.

( وأقلّه ) أي الحيض ( ثلاثة أيام ) متوالية ( وأكثره ) كأقل الطهر عشرة أيام بالإجماع منّا ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، منها :الصحيح : « أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة » (٣).

والصحيح المخالف للثاني لتحديده بالثمانية (٤) شاذّ مؤوّل بإرادة بيان الغالب. وهو كذلك.

وكذا الخبران المخالفان للثالث ـ الدالّان على جواز حصول الطهر بخمسة أيام أو ستة كما في أحدهما (٥) ، أو ثلاثة أو أربعة كما في الآخر (٦) ، وأنها

__________________

١ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، المستدرک ٢ : ٢٣ أبواب الحيض ب ٢٥ ح ١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٨٧ / ١١٩٢ ، الاستبصار ١ : ١٤١ / ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٣٣١ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٦.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١٠

٤ ـ التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٠ ، الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥١ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١٤

٥ ـ التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٢ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٨٦ أبواب الحيض ب ٦ ح ٣.

٦ ـ الكافي ٣ : ٧٩ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٥ أبواب الحيض ب ٦ ح ٢.

٢٥١

برؤية الدم تعمل بمقتضى الحيض ، وبرؤية الطهر تعمل بمقتضاه إلى ثلاثين ـ محمولان على أنها تفعل ذلك لتحيرها واحتمالها الحيض عند كل دم والطهر عند كل نقاء إلى أن يتعين لها الأمران بما أمر به الشارع ، لا أنّ كلاً من هذه الدماء حيض وكلا ممّا بينها من النقاء طهر شرعاً ، كما قد يتوهم من الفقيه والمقنع والاستبصار والنهاية والمبسوط (١) ، كذا فسّر به المصنف كلام الاستبصار (٢) ، وهو جيّد. وتوقف العلّامة في المنتهى (٣).

ولا حدّ لأكثر الثالث بلا خلاف ، كما عن الغنية (٤).

وعن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر (٥) ، وحمل على الغالب ؛ وعن البيان احتمال أن يكون نظره إلى عدّة المسترابة (٦).

( فلو رأت يوماً أو يومين ) ولم تر إلى العشرة دماً ( فليس حيضًا ) إجماعاً ؛ لما عرفت ، وصرّح به الرضوي : « وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات » (٧).

( ولو كمّلت ) المرأة اليوم أو اليومين ( ثلاثاً في جملة العشرة ) من يوم رأت الدم ففي كونه حيضاً ( قولان ) أصحّهما وأشهرهما العدم ، وهو المحكي عن الصدوقين في الرسالة والهداية والإسكافي والشيخ في الجمل والمبسوط والمرتضى وابني حمزة وإدريس (٨).

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٥٤ ، المقنع : ١٦ الاستبصار ١ : ١٣٢ ، النهاية : ٢٤ المبسوط ١ : ٤٣.

٢ ـ كما في المعتبر ١ : ٢٠٧.

٣ ـ المنتهي ١ : ١٠٥.

٤ ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

٥ ـ الكافي في الفقه : ١٢٨.

٦ ـ البيان : ٥٨.

٧ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٢ ، المستدرك ٢ : ١٢ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١.

٨ ـ نقله الصدوق عن والده في الفقيه ١ : ٥٠ ، الهداية : ٢١ ، نقله عن الاسكافي في المختلف :

٢٥٢

للرضوي المتقدم الصريح المعتضد ـ مضافاً إلى قوّته في نفسه ـ بالشهرة العظيمة ، فلا تقاومه المرسلة الآتية وإن كانت في الدلالة على الخلاف صريحة.

ولا دليل في المقام سواه ، عدا ما زعم من ثبوت الصلاة في الذمة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا مع تيقن السبب ، ولا يقين بثبوته مع فقد التوالي. ومن تبادره من قولهم عليهم‌السلام : أدنى الحيض ثلاثة وأقلّه ثلاثة. وأصالة عدم تعلّق أحكام الحائض بها.

ويضعّف الأوّل : بالمنع من ثبوتها في الذمة في المقام ، كيف لا؟! وهو أول الكلام ، مع أنّ مقتضى الأصل عدمه. والتمسك بذيل الاستصحاب في صورة رؤيتها الدم المزبور بعد دخول الوقت ومضي مقدار الطهارة والصلاة ، وإلحاق ما قبله به بعدم القائل بالفرق ، معارض بالتمسك به في صورة رؤيتها إياه قبل الدخول ، ويلحق به ما بعده بالإجماع المزبور. هذا مع ضعف هذا الأصل من وجوه أخر لا يخفى على من تدبّر.

والثاني : بتوقف صحته على ما لو ذهب الخصم إلى كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضاً خاصة ، وهو غير معلوم ، بل مقتضى إطلاق الإجماعات المنقولة في عدم كون الطهر أقلّ من عشرة كونها مع الباقي حيضا. فليس الاستدلال في محلّه إذ الكلام حينئذ يرجع إلى اشتراط التوالي في الثلاثة الأوّل من أكثر الحيض أم لا ، وإلّا فالأقل لا بدّ فيه منه إجماعاً.

والثالث : بمعارضته بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة بالطهارة.

__________________

٣٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦ ، المبسوط ١ : ٤٢ ، نقله عن المرتضي في المعتبر ١ : ٢٠٢ ابن حمزة في الوسيلة : ٥٦ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ١٤٥.

٢٥٣

و ( المروي ) في المرسل ( أنه حيض ) (١) كما عن الشيخ في النهاية والقاضي (٢). وهو ضعيف ؛ لعدم معارضته ـ بعد إرساله ـ لما تقدّم.

وليس في الموثق : « إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة » (٣) ومثله الحسن (٤) دلالة عليه بوجه ، كما حقّقناه في بعض التحقيقات.

وعلى هذا القول فهل النقاء المتخلل طهر كما يظهر من صدر المرسل؟ أم حيض كما يظهر من ذيلها؟ بل وربما يتأمل في دلالة الصدر على الأوّل.

مقتضى الإطلاقات بعدم قصور أقلّ الطهر عن عشرة كإطلاقات الإجماعات المنقولة فيه هو الثاني. وربما ينسب إلى القائل بهذا القول : الأوّل. وفيه نظر.

وعلى المختار فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بلياليها بحيث متى وضعت الكرسف تلوّثت؟ كما عن المحقّق الشيخ علي والمحرّر ومعطي الكافي للحلبي والغنية (٥). أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبها؟ كما عن الروض وظاهر العلّامة واختاره في المدارك وعزاه إلى الأكثر (٦). أم يعتبر وجوده في أول الأول وآخر الآخر وجزء من الثاني؟ أقوال.

وظاهر إطلاق النص مع الثاني ؛ لصدق رؤيته ثلاثة أيام بذلك ، لأنها

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٧٦ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٢ ، الوسائل ٢ ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

٢ ـ النهاية ٢٦ ، القاضي في المهذّب ١ : ٣٤.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٩ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١.

٤ ـ الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٨ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.

٥ ـ المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١ : ٢٨٧ ، المحرّر في الفتوي لابن فهد الحلّي مطبوع ضمن رسائله العشر : ١٤٠ : ، الكافي في الفقه ١٢٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

٦ ـ روض الجنان : ٦٢ ، العلامة في القواعد ١ : ١٤ ، والإرشاد ١ : ٢٢٦ ، المدارك ١ : ٣٢٢.

٢٥٤

ظرف له ولا يجب المطابقة بين الظرف والمظروف.

ويؤيده ما حكي عن التذكرة ونهاية الإحكام : من أنّ لخروج الدم فترات معهودة لا تخلّ بالاستمرار وفي الأوّل الإجماع عليه (١).

لكن عن المبسوط : أنه إذا رأت ساعة دماً وساعة طهراً كذلك إلى العشرة لم يكن ذلك حيضا على مذهب من يراعي ثلاثة أيام متواليات ومن يقول يضاف الثاني إلى الأوّل يقول : ينتظر ، فإن كان يتم ثلاثة أيام من جملة العشرة كان الكلّ حيضا ، وإن لم يتم كان طهرا (٢).

وعن المنتهى : أنه لو تناوب الدم والنقاء في الساعات في العشرة يضم الدماء بعضها إلى بعض على عدم اشتراط التوالي (٣). وكذا عن الجامع (٤).

وعن ابن سعيد انه لو رأت يومين ونصفاً وانقطع لم يكن حيضا ، لأنه لم يستمر ثلاثا بلا خلاف (٥).

وظاهر هم كما ترى ـ سيّما الشيخ وابن سعيد ـ مسلّمية اعتبار الاستمرار عند القائلين بالتوالي ، وربما أشعر عبارة الثالث بالإجماع.

فدعوى الشهرة على الاكتفاء بالمسمى مشكلة. والتعلّق بذيل إطلاق النص ـ مع ظهور عبارات هؤلاء الأعاظم في الشهرة على الاستمرار بل وإشعار بالإجماع ـ مشكل ، لا سيّما مع احتمال وروده على الغالب من أحوال النساء في رؤيتهن الحيض ولعلّه لم يخل عن الاستمرار ولو بحصول تلويثٍ ما ضعيفٍ في القطنة متى ما وضعته فتنزيله عليه متعيّن.

وعلى هذا فلا يضرّه فترات الدم المعهودة للنساء في حيضهنّ ، كما تقدّم‏

__________________

١ ـ التذكرة ١ : ٣٥ ، نهاية الإحكام ١ : ١٦٤.

٢ ـ المبسوط ١ : ٦٧.

٣ ـ المنتهي ١ : ١٠٨.

٤ و ٥ ـ الجامع للشرائع : ٤٣.

٢٥٥

عن التذكرة ونهاية الإحكام مع دعوى الإجماع عليه في الأوّل. فهذا القول في غاية القوّة.

وعلى قول الشيخ فالظاهر اشتراط ثلاثة أيام كاملة بلا تلفيق في العشرة ؛ لكونه المتبادر من الأيام. فما تقدّم عن المبسوط والمنتهى من الاكتفاء بها مطلقاً ولو ملفّقة من الساعات في ضمن العشرة غير واضح.

ثمَّ على المختار هل يعتبر الثلاثة أيام بلياليها؟ كما عن الإسكافي والمنتهى والتذكرة (١) ، مع دعوى فهم الإجماع عليه منهما. أم يكفي ما عدا الليلة الاُولى؟ كما احتمله بعض المحقّقين (٢) ، ولعلّه الظاهر من النص ، إشكال ، وإن كان الأخير لا يخلو عن قوة ، إلّا أن يصح دعوى الإجماع المذكورة ، وفيها تأمل.

هذا مع احتمال الاقتصار على النهار خاصة ؛ لصدق الثلاثة أيام ، لعدم تبادر الليالي منها. إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف في دخول الليلتين فيها. واللّه العالم.

( وما ) تراه المرأة ( بين الثلاثة ) المتوالية أي بعدها ( إلى ) تمام ( العشرة ) من أول الرؤية ممّا يمكن أن يكون حيضاً إمكانا مستقرا غير معارض بإمكان حيض آخر فهو ( حيض وإن اختلف لونه ) وكان بصفة الاستحاضة ( ما لم يعلم أنه لعذرة أو قرح ) أو جرح ، بلا خلاف بين الأصحاب قطعاً فيما لو اتصف بصفة الحيض مطلقا ، أو وجد في أيام العادة وإن لم يكن بصفته.

ولا إشكال فيهما لعموم أخبار التميز في الأوّل (٣) ، وخصوص الصحيح‏

__________________

١ ـ نقله عنه عن الاسكافي في المعتبر ١ : ٢٠٢ ، المنتهي ١ : ٩٧ ، التذكرة ١ : ٢٦.

٢ ـ الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٧.

٣ ـ الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣.

٢٥٦

في الثاني وفيه : عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها » الحديث (١).

وعلى الأشهر الأظهر فيما عداهما أيضاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، بل عن المعتبر والمنتهى (٢) : الإجماع عليه ؛ لأصالة عدم كونه من قرح أو مثله.

ولا يعارض بأصالة عدم كونه من الحيض بناء على أنّ الأصل في دماء النساء كونها للحيض ، كيف لا؟! وقد عرفت أنها خلقت فيهن لغذاء الولد وتربيته وغير ذلك ، بخلاف مثل الاستحاضة فإنّه من آفة ، كما صرّح به في بعض الأخبار (٣).

مضافاً إلى الأخبار المستفيضة الدالة على جعل الدم المتقدم على العادة حيضاً ، معلّلا بأنه ربما تعجّل بها الوقت ، مع تصريح بعضها بكونه بصفة الاستحاضة ، ففي الموثق : عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال : « فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت » (٤).

وفي آخر : « الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيام الحيض فليس من الحيض ، وهي في أيام الحيض حيض (٥) وفي معناه أخبار كثيرة. فتأمّل.

ويشهد له أيضاً إطلاق الأخبار الدالة على ترتب أحكام الحائض على‏

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٧٨ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ / ١٢٣٠ ، الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

٢ ـ المعتبر ١ : ٢٠٣ ، المنتهي ١ : ٩٨.

٣ ـ روي في الدعائم ١ : « وقالوا : ما فعلت هذا امرأة مستحاضة احتساباً إلاّ أذهب الله عنها ذلك الداء » ورواها في المستدرك ٢ : ٤٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ٧٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ / ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١.

٥ ـ الكافي ٥ / ٧٨ : ٣ الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٦.

٢٥٧

مجرد رؤية الدم ، ففي الخبر : « أيّ ساعة رأت الصائمة الدم تفطر » (١).

وفي آخر : « تفطر إنما فطرها من الدم » (٢) وفي معناهما غيرهما (٣).

ويعضده أيضاً ـ بعد فحوى إطلاق أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها الشامل لغيرها بطريق أولى ـ إطلاق الموثق : « إذا رأت الدم قبل العشرة فهو من الحيضة الاولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيام فهو من حيضة أخرى مستقبلة » (٤) ومثله الحسن (٥).

ويؤيده أيضاً إطلاق ما مرّ في أخبار اشتباه الدم بالعُذزة من الحكم بكونه حيضاً مع الاستنقاع (٦) ؛ وفي أخبار اشتباهه بالقرحة من الحكم بكونه كذلك بمجرّد خروجه من الأيسر أو الأيمن ، على الخلاف المتقدم (٧).

قيل : ولو لم يعتبر الإمكان لم يحكم بحيض إذ لا يقين ، والصفات إنما تعتبر عند الحاجة إليها لا مطلقاً ، للنص والإجماع على جواز انتفائها فلا جهة لما قيل من أصل الاشتغال بالعبادات ، والبراءة من الغسل وما على الحائض ، وخصوصا إذا لم يكن الدم بصفات الحيض (٨).

وهو حسن ، ولكن الاحتياط مطلوب.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٩٤ / ١٢١٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩ ، الوسائل ٢ : ٣٦٦ أبواب الحيض ب ٥٠ ح ٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٥٣ / ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٦٧ أبواب الحيض ب ٥٠ ح ٧.

٣ ـ التهذيب ١ : ١٥٣ / ٤٣٤ ، الوسائل ٢ : ٣٦٧ أبواب الحيض ب ٥٠ ح ٦.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٥٦ / ٤٤٨ ، الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٩٩ ، الوسائل ٢ : ٢٩٦ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٧٧ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٨ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.

٦ ـ راجع ص ٢٤٥.

٧ ـ راجع ص ٢٤٦.

٨ ـ كشف اللثام ١ : ٨٨.

٢٥٨

وفي حكمه النقاء المتخلل بين الثلاثة والعشرة فما دون فالمجموع حيض مطلقاً ؛ لما تقدّم سيّما الخبرين الأخيرين ، مع عموم الأدلة الدالة على عدم نقص أقلّ الطهر عن عشرة.

هذا إذا لم يتجاوز الدم عن العشرة.

( و ) أمّا ( مع تجاوزه عن العشرة ترجع ذات العادة إليها ) مطلقاً وقتية وعددية كانت ، أو الأوّل خاصة ، أو بالعكس ؛ لكنها في الأخيرتين ترجع إلى أحكام المضطربة في الذي لم يتحقق لها عادة فيه ، فتجعل ما يوافقها خاصة حيضاً مع عدم التميز المخالف اتفاقاً نصًّا وفتوىً ، ومطلقاً على الأشهر الأظهر ، كما سيأتي إن شاء اللّه.

( والمبتدأة ) بفتح الدال وكسرها ، وهي من لم يستقر لها عادة ، أمّا لابتدائها كما يستفاد من المعتبرة كرواية يونس الطويلة (١) وموثقتي ابن بكير (٢) وسماعة (٣) ؛ أو بعده مع اختلافه عدداً ووقتاً كما قيل (٤). ولم أقف له على دليل.

( والمضطربة ) وهي من نسيت عادتها وقتاً أو عدداً أو معاً ؛ وربما اُطلقت على ذلك وعلى من تكرّر لها الدم مع عدم استقرار العادة. وتخص المبتدأة على هذا التفسير بمن رأته أول مرّة. وعن المشهور الأوّل (٥). وتظهر فائدة الاختلاف في رجوع ذات القسم الثاني من المبتدأة إلى عادة أهلها

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ / ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ / ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ٧٩ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ / ١١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٣٠٤ أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

٤ ـ قال به الشهيد الثاني في الروضة ١ : ١٠٣.

٥ ـ كما حكاه في المسالك ١ : ١٠.

٢٥٩

وعدمه (١).

وكيف كان : هما ترجعان أوّلا ( إلى التميز ) كما قطع به الشيخ وجماعة (٢) ، بل عن المعتبر والمنتهى : الإجماع عليه فيهما (٣) وعن صريح الخلاف والتذكرة : الإجماع في المبتدأة (٤) للعمومات الدالة على اعتبار الصفات والنصوص ، منها الصحيح : عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره ، فقال لها : « إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة بارد أصفر ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (٥).

وليس في ظاهره كغيره اختصاص الحكم بالرجوع إلى التميز في حق المضطربة دون المبتدأة ، بل يعمّهما.

نعم : ظاهر مرسلة يونس الطويلة الاختصاص بها دونها. لكنها لا تبلغ قوةً لمعارضة العمومات القوية الدلالة بالتعليلات الواردة فيها مثل إنّه : « ليس به خفاء » (٦) وغيره الوارد مناطا للرجوع إلى الصفات منها الصحيح المزبور ، والإجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة وعدم ظهور مخالف. فيخص الروايات في رجوعها إلى أهلها بقول مطلق بها ، وتحمل المرسلة على أنّ مبنى ذلك على ندور الاختلاف في دم المبتدأة لغلبة دمها ، كما يشعر به ما ورد من جعلها الحيض في الدور الأول عشرة أيّام (٧). فتأمل.

____________

١ ـ في « ح » زيادة : وظاهر اختصاص ما دلّ الرجوع إلى أهلها بالمبتدأة بالمعنى الأول هو الثاني.

٢ ـ الشيخ في المبسوط ١ : ٤٩ ، المحقق في الشرائع ١ : ٣٣ ، والمعتبر ١ : ٢٠٤ ، العلامة في القواعد ١ : ١٤.

٣ ـ المعتبر ١ : ٢٠٤ ، المنتهي ١ : ١٠٤.

٤ ـ الخلاف ١ : ٢٣٠ ، التذكرة ١ : ٣١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

٦ ـ الكافي ٣ : ٩١ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ / ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

٧ ـ انظر الوسائل ٢ : ٢٩١ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ ، ٦.

٢٦٠