رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

وظاهرها الإطلاق ، بل العموم للرجل والمرأة ، فتحمل الخمسة في المرأة في الصحيحة الأولى على الندب ، وفاقاً للجماعة. وعليه تحمل المرسلة المصرّحة بكونها فيها مطلقاً فريضة (١). مع ضعفها ، ومنافاة إطلاقها لإطلاق الرواية السابقة ومفهوم خصوص الصحيحة المزبورة.

وكيف كان : فمخالفة سلّار بإيجابه الثوب الواحد خاصة (٢) ضعيفة ، مع عدم الإيماء إليه في شيء من الأخبار المعتبرة وغيرها بالمرّة.

وأمّا الصحيح : « إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقلّ منه » (٣).

فلا دلالة له عليه ؛ إذ هي على تقدير كون الواو بمعنى أو ، أو رجحان النسخة الموجودة هي فيها دونها ، ولا دليل عليهما. مضافاً إلى فقدهما معا في أكثر النسخ المعتبرة ، فيكون كالأخبار السابقة في لزوم الثلاثة وعدم الاكتفاء بالواحد ، وإن كان الظاهر وجود أحدهما ، لاستلزام فقدهما حزازة العبارة ، مضافاً إلى وجود الواو في رواية الكليني المرجحة على رواية غيره ، للأضبطية.

وبعد تسليم اتفاق النسخ بلفظه « أو » يحتمل الحمل على الضرورة ، وإن كان لا يخلو عن المناقشة. والأقرب الحمل على التقية لكون الاكتفاء بالثوب الواحد مذهب العامة (٤).

والثلاثة الأثواب هي ( مئزر ) يستر ما بين السرّة والركبة ، كما عن المسالك وروض الجنان والروضة (٥) لأنه المفهوم منه في العرف والعادة.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٢٩١ / ٨٥١ ، الوسائل ٣ : أبواب التكفين ب ٢ ح ٧.

٢ ـ المراسم : ٤٧.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ٦ أبواب التكفين ب ٢ ح ١ و ٢.

٤ ـ كما في مغني المحتاج ١ : ٣٣٧.

٥ ـ المسالك ١ : ١٣ ، روض الجنان : ١٠٣ ، الروضة ١٢٩.

٣٨١

ويحتمل ما يسترهما كما عن بعض (١).

وعن المراسم والمقنعة : من سرّته إلى حيث يبلغ من ساقيه (٢).

وعن المصباح ومختصره : من سرّته إلى حيث يبلغ المئزر (٣).

وعن الوسيلة والجامع : استحباب ستره من الصدر إلى الساقين (٤).

وفي الذكرى : استحباب ستر الصدر والرّجلين (٥) ؛ للخبر : « يغطّي الصدر والرجلين » (٦) ولا بأس به لكن للورثة أو بإذنهم أو مع الوصية.

( وقميص ) يصل إلى نصف الساق لأنه المفهوم منه عرفاً ، كما عن الكتب الثلاثة المتقدمة وغيرها (٧).

وعن الأخير استحباب كونه إلى القدم ، واحتمال جوازه وإن لم يبلغ نصف الساق (٨). وهو مشكل ؛ لندرته ولا سيّما في زمان صدور أخباره.

( وإزار ) يشمل جميع بدنه طولاً وعرضاً ولو بالخياطة. ويستحب الزيادة طولاً بحيث يمكن عقده من قبل الرأس والرجلين ، وعرضاً بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخر. والأصح وجوبها ، وفاقا للروض وغيره (٩) ؛ لعدم تبادر مثل ذلك من الأخبار (١٠).

____________

١ ـ كالمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٨٢.

٢ ـ المراسم : ٤٩ ، المقنعة : ٧٨.

٣ ـ مصباح المتهجد : ١٩.

٤ ـ الوسيلة : ٦٦ ، الجامع للشرائع : ٥٣.

٥ ـ الذكرى : ٤٩.

٦ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٧ ـ المسالك ١ : ١٣ ، روض الجنان : ١٠٣ ، الروضة ١ : ١٢٩. وانظر جامع المقاصد ١ : ٣٨٢.

٨ ـ الروضة ١ : ١٢٩ ، وفيها استحباب كونه إلى القدم ، وأما احتمال الجواز مطلقاً فهو في الروض : ١٠٣.

٩ ـ روض الجنان : ١٠٣ ؛ وانظر جامع المقاصد ١ : ٣٨٢.

١٠ ـ أي مثل ما كان شاملاً ولو بالخياطة ، بل لمتبادر هو الزيارة بحيث يمكن عقده من قبل الرأس والرجلين. حاشية في « ش ».

٣٨٢

وتعيين الاُليين هو المشهور بين الأصحاب ودلّ عليه أكثر أخبار الباب ، فممّا دلّ منها عليهما الصحيحة السابقة أوّل المستفيضة ؛ للتصريح فيها للمرأة بالدرع الذي هو قميص ، والمنطق الذي هو إزار ، ولا فرق بينها وبين الرجل في ذلك إجماعاً ، والزائد لها إنّما هو الخمار واللفافة الثانية.

والصحيح : كيف أصنع بالكفن؟ قال : « خذ خرقة فتشدّ على مقعدته ورجليه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنها لا تعدّ شيئاً ، إنما تصنع لتضم ما هناك وأن لا يخرج منه شيء » إلى أن قال : « ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف » (١).

ودلالته واضحة على كون المراد فالإزار هنا المئزر بقرينة توهّم عدم لزومه بشد الخرقة ، ولا وجه له لو كان المراد به اللفافة ، لبعدها عن محل التوهم.

مضافاً إلى أنّ بالإزار هو المئزر ، لغةً ، كما عن الصحاح : المئزر : الإزار (٢) ومجمع البحرين : معقد الإزار من الحقوين ، ويستفاد منه أيضاً أنّ إطلاق الإزار على الثوب الشامل للبدن على ندرة (٣). وفي الكنز :الإزار : لنگ كوچك (٤).

وشرعاً كما يستفاد من النصوص المستفيضة الواردة في باب ستر العورة لدخول الحمّام ، ففي الموثق في جماعة دخلوا الحمّام بغير إزار : « ما يمنعكم من الإزار؟! فإن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام » (٥).

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٨ أبواب التكفين ب ٢ ح ٨. وفي الجميع بتفاوت يسير.

٢ ـ صحاح الجوهري ٢ : ٥٧٨.

٣ ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٠٤.

٤ ـ كنز اللغات : ١١٨ مادة « ازار ».

٥ ـ الكافي ٦ : ٤٩٧ / ٨ : الفقيه ١ : ٦٦ / ٢٥٢ ، الوسائل ٢ : ٣٩ أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٤.

٣٨٣

وفي الخبر : كنت في الحمّام في البيت الأوسط ، فدخل عليّ أبو الحسن وعليه النورة وعليه الإزار فوق النورة (١).

والأخبار كثيرة في ذلك جداً في مقامات عديدة كما ذكر ، ومبحث كراهة الاتزار فوق القميص ، وبحث ثوبي الإحرام كما يأتي ، بحيث يظهر كون الاستعمال بطريق الحقيقة.

ومنه يظهر دلالة الموثق : « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها من الذريرة ، ثم الإزار طولاً حتى يغطّي الصدر والرّجلين ، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم القميص » (٢) مضافا إلى ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر ؛ للتصريح بتغطية الرجلين والصدر به خاصة ، واللفافة تعمّ البدن.

والخبر : « يكفن الميت في خمسة أثواب : قميص لا يزرّ عليه ، وإزار ، وخرقة يعصب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه ، وعمامة يعمّم بها » (٣) وفي تخصيص لفّ الميت بالبرد خاصة إشعار بعدمه في المئزر كالقميص ، وليس إلّا لعدم وفائه بجميع بدن الميت.

والمرسل : « ابسط الحبرة بسطاً ،ثم ابسط عليه الإزار ، ثم ابسط القميص عليه » (٤) لظهور كون الحبرة فيه هي اللفافة ، وعرفت أنّا الإزار حيث يطلق هو المئزر.

وأظهر منها الرضوي : « ويكفّن بثلاثة أثواب : لفّافة وقميص وإزار » (٥) إذ

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥١ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٤٧ ، الوسائل ٢ : ٣٩ أبواب آداب الحمام ب ٩ ح ٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، التهذيب ١ : ٣١٠ / ٩٠٠ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٨ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٣.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢ ابواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

٥ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٢ ، المستدرك ٢ : ٢٠٥ أبواب الكفن ب ١ ح ١.

٣٨٤

لو كان المراد بالإزار اللفّافة لكان اللازم أن يقال : قميص ولفافتان.

وبهذه الأخبار المستفيضة يحمل إطلاق غيرها من المعتبرة المتقدمة.

هذا ، مع أنّ المستفاد من بعض الصحاح كون الثوبين اللذين كفّن بهما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما في المعتبرة هما الإزار والقميص ، ففي الصحيح : « كان ثوبا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اللذان أحرم فيهما يمانيين ، عبري وأظفار ، وفيهما كفّن » (١).

لما سيأتي ـ إن شاء اللّه تعالى ـ في الحج أنّ ثوبي الإحرام إزار يتزر به ورداء يتردى به ، كما يستفاد من الأخبار كالصحيح : « والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء » (٢).

وبذلك ثبت أن من أجزاء كفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله الإزار.

ونحوه الكلام في الصحيح عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إني كفّنت أبي في ثوبين شطويّين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه » (٣).

وظاهر الحسن المتقدم (٤) في تكفين أبي جعفر عليه‌السلام أيضاً ذلك ، حيث إنّ الظاهر من الرداء الحبرية عدم شموله البدن فليس إلّا الإزار.

وحيث إنّ هذه الأخبار أفصحت عن المراد بالثلاثة الأثواب المأمور بها في الأخبار ظهر أن القطع الثلاث المزبورة مأمور بها واجبة وإن قصرت أكثر هذه الأخبار بنفسه عن إفادة الوجوب.

__________________

١ ـ الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٥ ، الوسائل ٣ : ١٦ أبواب التكفين ب ٥ ح ١.

٢ ـ الكافي ٤ : ٢٤٩ / ٧ ، الوسائل ١١ ، ٢٢٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٥.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٩ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤٢ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٥.

٤ ـ في ص : ٣٨٠.

٣٨٥

مع أنه يكفي في الوجوب وجوب تحصيل البراءة اليقينية ، ولا ريب في حصولها بالقَطع الثلاث المزبورة ؛ للأخبار المذكورة ، مضافاً إلى الشهرة العظيمة. وبدونها ولو كان ثلاثة أثواب شاملة لم تحصل ؛ للشك في أرادتها ممّا دلّ على الأثواب بقول مطلق ، فيحتمل القطع المزبورة الواردة في هذه الأخبار.

ومن جميع ما ذكر يظهر ضعف القول بالتخيير بين الثلاثة الأثواب الشاملة للبدن وبين القميص والثوبين الشاملين (١) ، مضافاً إلى أنه ليس في شيء من الأخبار قيد الشمول ، وإطلاقه يعمّه وغيره ، فهو كالمجمل المعيّن بما قدّمناه من الأخبار المبيّنة.

وليس في الحسن : قلت : فالكفن؟ قال : « تؤخذ خرقة يشدّ بها سفله ويضمّ فخذيه بها ليضمّ ما هناك ، وما يصنع من القطن أفضل ، ثمَّ يكفّن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن » (٢) دلالة على عدم المئزر وإبداله بلفّافة اُخرى.

وذلك لأنّ الظاهر من اللفافة وإن كان ما يعمّ البدن إلّا أنّ المراد منها هنا ما يلفّ به الحقوان لا جميع البدن بقرينة أنه لم يقل : لفّافتان. ومع ذلك قوله : « برد يجمع فيه الكفن » مشعر باختصاص شمول البدن به دون اللفافة ، فتأمل.

وربما دلّ بعض الأخبار على عدم وجوب القميص كالخبر : عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أ يكفّن فيها؟ قال : « اُحبّ ذلك الكفن يعني قميصاً » قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقميص أحب إليّ » (٣).

__________________

١ ـ قال به ابن الجنيد على ما نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٩٧.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٥ ، الاستبصار ١ : ٢٠٥ / ٧٢٣ وفيهما : « سفليه » بدل « سفله » ، الوسائل ٣ : ٣٤ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٥.

٣ ـ التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٥ ، الوسائل ٣ : أبواب التكفين ب ٢ ح ٥.

٣٨٦

لكنه قاصر سنداً ، بل ودلالةً ؛ لاحتمال كون الألف واللام في القميص للعهد ، أي القميص الذي يصلي فيه أحب إليّ لا مطلق القميص حتى يقال إنه يجوز تركه. وهو وإن كان بعيداً إلّا أنه لا بأس بالمصير إليه جمعاً بين الأدلة فالقول باستحبابه ـ كما عن الإسكافي والمعتبر وبه صرّح غيره (١) ـ ضعيف.

ثم إنّ المشهور في كيفية التكفين بالقطع الثلاث الابتداء بالمئزر فوق خرقة الفخذين ،ثم القميص ، ثم اللفافة ،ثم الحبرة المستحبة ؛ حكي عن المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر والذكرى والدروس والبيان (٢).

ولم أقف في الأخبار على ما يدل عليه ، بل دلّت على الابتداء بالقميص قبل المئزر كما حكي عن العماني.

ولعلّ متابعتهم أولى لقصور الأخبار عن إفادة الوجوب ، وحصول الامتثال بذلك. وإن كان حصوله بما ذكره العماني أيضاً غير بعيد ؛ للإطلاق ، مع التصريح به في تلك الأخبار.

ويجب أن يكون الكفن ( ممّا تجوز الصلاة فيه للرجال ) اختياراً كما في القواعد وعن الوسيلة (٣). فيحرم من الذهب والحرير المحض للميت مطلقاً حتى المرأة ، كما عن المعتبر ونهاية الإحكام والذكرى والتذكرة (٤).

وعن الكافي والغنية : اشتراط جواز الصلاة بقول مطلق من دون تصريح به للرجال (٥).

____________

١ ـ المعتبر ١ : ٢٧٩ ؛ وانظر المدارك ٢ : ٩٤.

٢ ـ المقنعة : ٧٧ ـ ٧٩ ، النهاية : ٣٥ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٦٤ ، الذكرى : ٤٩ ، الدروس ١ : ١١٠ ، البيان : ٧١.

٣ ـ القواعد ١ : ١٨ ، الوسيلة : ٦٦.

٤ ـ المعتبر ١ : ٢٨٠ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٢ ، الذكرى : ٤٦ ، التذكرة ١ : ٤٣.

٥ ـ الكافي في الفقه : ٢٣٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣.

٣٨٧

ولا دليل على هذه الكلية من الأخبار ؛ إذ غاية ما يستفاد منها المنع عن الحرير المحض خاصة ، كما في الخبر : في ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قزّ وقطن ، هل يصلح أن يكفّن فيها الموتى؟ قال : « إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس » (١).

وفي المرسل في بعض الكتب : « ونهى أن يكفّن الرجال في ثياب الحرير » (٢).

والأخبار الناهية عن التكفين في كسوة الكعبة (٣).

وهي ـ كالأول ـ عامة للرجل والمرأة.

مضافاً إلى المرسل : كيف تكفّن المرأة؟ قال : « كما يكفّن الرجل » (٤) فتأمل. مضافا إلى دعوى الإجماع عليه (٥).

فلا ينافيه تخصيص النهي عنه في المرسل السابق بالرجال ، مع عدم الاعتبار بمفهومه. فاحتمال العلّامة رحمه‌الله في النهاية والمنتهى (٦) جوازه للنسوة ـ استصحاباً للحالة السابقة ـ محل مناقشة.

ولاختصاص الأدلة بالمنع عن الحرير خاصة اقتصر عليه جماعة ، كما في الشرائع وعن المبسوط والاقتصاد والنهاية والجامع والتحرير والمعتبر ونهاية الإحكام والتذكرة (٧) ، مع الإجماع على المنع منه في الكتب الثلاثة الأخيرة

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٩ / ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٠ / ٤١٥ التهذيب ... ١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٥ ابواب التكفن ب ٢٣ ح ٢.

٢ ـ دعائم الاسلام ١ : ٢٣٢ ، المستدرك ٢ : ٢٢٦ أبواب الكفن ب ١٩ ح ٢.

٣ ـ الوسائل ٣ : ٤٤ أبواب التكفين ب ٢٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٤ / ٩٤٤ ، الوسائل ٣ : ١١ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٦.

٥ ـ انظر الذكرى : ٤٦.

٦ ـ نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٢ ، المنتهي ١ : ٤٣٨.

٧ ـ الشرائع ١ : ٣٩ ، المبسوط ١ : ١٧٦ ، الاقتصاد : ٢٤٨ ، النهاية : ٣١ ، الجامع للشرائع : ٥٣ ،

٣٨٨

كالذكرى (١).

ويمكن الاعتذار عمّا في المتن وغيره باختصاص أخبار التكفين بحكم التبادر بالقطن ، مضافاً إلى النهي عن الكتّان في الخبر (٢) ، وإشعار به في آخر (٣) ، المستلزم ذلك للنهي عن غيره بطريق أولى ، ويلحق به ما اجمع على جوازه كالصوف ممّا يؤكل لحمه ، ودلّ عليه الرضوي : « ولا بأس في ثوب صوف » (٤) ويبقى جواز الباقي ـ ومنه ما لا يتم الصلاة فيه ـ خاليا عن الدليل. وهو كاف في المنع ، بناءً على وجوب تحصيل البراءة اليقينية في مثل المقام.

ومن هنا ينقدح وجه المنع عن الجلد مطلقاً ، وفاقا للمعتبر والنهاية والتذكرة والذكرى (٥) وإن استشكل في الثاني في جلد المأكول المذكى ، مضافاً إلى عدم إطلاق الثياب عليه.

وكذا الشعر والوبر ، وفاقا للإسكافي (٦) ، خلافاً للكتب المزبورة.

( ومع الضرورة تجزي اللفافة ) الواحدة الشاملة لجميع البدن إن أمكن ، وإلّا فما تيسر ولو ما يستر العورتين خاصة. وتجب إجماعاً ؛ لأصالة بقاء الوجوب ، وما دلّ على أنّ « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٧).

ولو أحوجت إلى ما منع عنه سابقاً ، فإن كان المنع للنهي عنه كالحرير

____________

التحرير ١ : ١٨ ، المعتبر ١ : ٢٨٠ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٢ ، التذكرة ١ : ٤٣.

١ ـ الذكرى : ٤٦.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٥١ / ١٤٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢١١ / ٧٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب التكفين ب ٢٠ ح ٢.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٩ / ٧ ، الفقيه ١ : ٨٩ / ٤١٤ / التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب التكفين ب ٢٠ ح ١.

٤ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٩.

٥ ـ المعتبر ١ : ٢٨٠ نهايه الإحكام ٢ : ٢٤٣ ، التذكرة : ٤٣ ، الذكرى : ٤٦.

٦ ـ كما نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٨٠.

٧ ـ عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٣٨٩

اتجه المنع هنا للإطلاق. مع احتمال الجواز للأصل ، واختصاص النهي بحكم التبادر بحال الاختيار.

وإن كان لغيره ممّا ذكرنا اتجه الجواز ؛ للأصل ، وانتفاء المانع ، لاختصاصه بصورة وجود غيره ممّا يجوز التكفين به. وأمّا الوجوب فمشكل لعدم الدليل عليه ، لعدم الإجماع فيه ، واختصاص الأمر بالتكفين في الأخبار بحكم التبادر بغيره. ويمكن جريان الإشكال في الأوّل (١) لوجود المانع من إضاعة المال وتفويته من دون رخصة. فالمسألة محل إشكال.

ومن هنا ينقدح وجه آخر للمنع عن الحرير هنا وحال الاختيار.

( و ) يجب التحنيط ـ فيمن عدا المُحرم فيحرم على الأشهر الأظهر ـ للإجماع عليه عن الخلاف والمنتهى والتذكرة (٢). خلافاً للمراسم فاستحبه (٣).

وينبغي الابتداء به قبل الأخذ في التكفين لظاهر المعتبرة ، منها الخبر الصحيح : « إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت آثار السجود » (٤) ونحوه الرضوي (٥) والمرسل (٦).

وبالوجوب صرّح في القواعد (٧). وفي استفادته منها إشكال.

وعن صريح المراسم والتحرير والمنتهى ونهاية الإحكام وظاهر النهاية

__________________

١ ـ أي الجواز.

٢ ـ الخلاف ١ : ٧٠٨ ، المنتهي ١ : ٣٤٩ ، التذكرة ١ : ٤٤.

٣ ـ المراسم : ٤٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٤٣٦ / ١٤٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٠ ، الوسائل ٣ : ٣٧ أبواب التكفين ب ١٦ ح ٦.

٥ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٨ ، المستدرك ٢ : ٢١٩ أبواب الكفن ب ١٣ ح ١.

٦ ـ الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

٧ ـ القواعد ١ : ١٨.

٣٩٠

والمبسوط والمقنعة والوسيلة : كونه بعد التأزير بالمئزر (١) ، بل عن المقنعة والمراسم والمنتهى : جواز التأخير عن لبس القميص ، وعن المهذّب : التأخير عن لبسه ولبس العمامة أو عن شدّ الخامسة (٢).

ولا ريب أنّ ما ذكرناه أحوط.

ويحصل ب‍ ( إمساس مساجده ) السبعة خاصة على الأشهر الأظهر ؛ للخبر : عن الحنوط للميت ، قال : « اجعله في مساجده » (٣).

وهو مع اعتبار سنده بالموثقية معتضد بالشهرة.

وعن العماني والمفيد والحلبي والقاضي والمنتهى : إلحاق طرف الأنف الذي يرغم به (٤) ؛ ولعلّه لعموم الخبر ، حيث إنّه من المساجد ، ولكن في وجوبه نظر.

وأما الزائد عليها فيستحب ـ إن لم يقم على النهي عنه دليل ـ كالمفاصل والراحة والرأس واللحية والصدر والعنق واللّبة وباطن القدمين وموضع القلادة ؛ لورود الأمر بها في المعتبرة (٥). وليس للوجوب ؛ للأصل ، ولاختلافها بالنسبة إلى المذكورات نقيصةً وزيادةً ، مع اشتمالها على كثير من المستحبات.

وأمّا ما قام الدليل على النهي عنه في الروايات كالمسامع والاُذن وغيرهما فالأحوط الاجتناب وإن ورد الأمر به في غيرها ؛ لموافقته العامة (٦) مع ما عن‏

____________

١ ـ المراسم : ٤٩ ، التحرير ١ : ١٨ ، المنتهي ١ : ٤٣٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٦ ، النهاية : ٣٥ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، المقنعة ٧٨ ، الوسيلة : ٦٦.

٢ ـ المهذّب ١ : ٦١.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٦ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦ أبواب التكفين ب ١٦ ح ١.

٤ ـ نقله عن العماني في المختلف : ٤٣ ، المفيد في المقنعة : ٧٨ ، الحلبي في الكافي : ٢٣٧ ، القاضي في المهذّب ١ : ٦١ ، المنتهي ١ : ٤٣٩.

٥ ـ الوسائل ٣ : ٣٧ أبواب التكفين ب ١٦ ح ٥ و ٦.

٦ ـ كما في المغني لابن قدامة ٢ : ٣٣٦.

٣٩١

الخلاف من الإجماع على أنه لا يترك على أنفه ولا اُذنه ولا عينيه ولا فيه (١).

ويحصل ( ب ) مسمّى ( الكافور وإن قلّ ) كما في القواعد والروضة وعن الجمل والعقود والوسيلة والسرائر والجامع (٢) للأصل ، والإطلاق ، وفي الموثق : « واجعل الكافور في مسامعه وأثر السجود منه وفيه ، وأقلّ من الكافور » (٣).

( وسننه ) :

( أن يغتسل ) الغاسل ( قبل ) الأخذ في ( تكفينه أو يتوضأ ) كما في الشرائع وعن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع (٤). وليس عليه رواية ، وعلّل بتعليلات عليلة معارضة باستحباب تعجيل التجهيز ، والصحيحين : « ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل » (٥) ونحوه المروي في الخصال (٦). فإذاً التأخير أولى ، وفاقاً لبعض الأصحاب (٧).

ثم ظاهر المتن ـ كغيره ـ استحباب تقديم غسل المس.

وعن الذكرى أنّ من الأغسال المسنونة الغسل للتكفين (٨). وعن النزهة

__________________

١ ـ الخلاف ١ : ٧٠٤.

٢ ـ القواعد ١ : ١٨ ، الروضة ١ : ١٣٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٦ ، الوسيلة : ٦٦ ، السرائر ١ : ١٦٠ ، الجامع للشرائع : ٥٣.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٤ ـ الشرائع ١ : ٣٩ ، النهاية ٣٥ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٦٤ ، الجامع للشرائع : ٥٢.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب التكفين ب ١٥ ح ١. والآخر في التهذيب : ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٣ ، أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٧.

٦ ـ الخصال ٦١٨ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب غسل المس ب ١ ح ١٣.

٧ ـ كصاحب المدارك ١ : ٩٩.

٨ ـ الذكرى : ٢٤.

٣٩٢

أنّ به رواية (١) ولم أقف عليها ، وليست الصحيح : « الغسل في سبعة عشر موطناً .. وإذا غسلت ميتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد » (٢) إلّا على تقدير حمل « إذا غسّلت » على إرادة التغسيل ، وهو مجاز ، مع منافاته السياق ، فتدبر.

نعم يستحب غسل اليدين من العاتق قبل التكفين ؛ للصحيحين ، في أحدهما : « ثمَّ يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرّات ، ثمَّ إذا كفنه اغتسل » (٣).

ودونه غسلهما إلى المرفقين ، والرّجلين إلى الركبتين لرواية عمّار (٤).

( وأن يزاد للرجل ) خاصة ، كما عن الإصباح والتلخيص والوسيلة (٥) ، أو المرأة أيضا ، كما هو ظاهر جماعة (٦) ( حبرة ) كعنبة : ضرب من برود اليمن ( يمنية ). ويستحب كونها ( عبرية ) بكسر العين أو فتحها منسوبة إلى العبر : جانب الوادي ، أو موضع كما هنا وفي الشرائع والمبسوط والوسيلة والإصباح والنهاية (٧) للرواية : « كفّن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في ثلاثة أثواب : ثوبين‏

__________________

١ ـ نزهة الناظر : ١٦.

٢ ـ الفقيه ١ : ٤٤٦ / ١٧٢ ، الخصال : ٥٠٨ / ١ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٤.

٣ ـ التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب التكفين ب ٣٥ ح ٢. والصحيح الاخر : الكافي ٣ : ١٦٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٣ : ابواب التكفين ب ٣٥ ح ١.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب التكفين ب ٣٥ ح ٣.

٥ ـ حكاه عنها في كشف اللثام ١ : ١١٦.

٦ ـ في « ح » زيادة : من المتأخرين. انظر التذكرة ١ : ٤٣ ، والذكرى : ٤٧ ، وجامع المقاصد ١ : ٥٢.

٧ ـ الشرائع ١ : ٤٠ المبسوط ١ : ١٧٦ : الوسيلة : ٦٥ ، حكاه عن الاصباح في كشف اللثام ١ : ١١٦ ، النهاية : ٣١.

٣٩٣

صحاريين ، وثوب يمنية عبري أو أظفار » (١).

والمستفاد منها ـ كسائر الأخبار ـ كونها أحد الثلاثة كما عن العماني (٢) ، لا زائدة كما في المشهور. بل المستفاد من بعض المعتبرة كون الزيادة موافقة للتقية كالحسن أو الصحيح : « كتب أبي في وصيته أن أكفّنه في ثلاثة أثواب : أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه يوم الجمعة ، وثوب آخر ، وقميص. فقلت لأبي : ولم تكتب هذا؟ فقال : أخاف أن يغلبك الناس ، فإن قالوا : كفّنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل » (٣). ونحوه بعينه الرضوي (٤).

ويؤيده النهي عن الزيادة على الثلاثة ، بل التصريح بأنها بدعة في بعض المعتبرة كالحسن أو الصحيح ، وفيه بعد ذكر الثلاثة المفروضة : « وما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنّة » (٥).

ولا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو العمامة والخرقة المعبّر عنها بالخامسة.

هذا مع ما في الزيادة من إتلاف المال والإضاعة المنهي عنهما في الشريعة.

إلّا أن الحكم بذلك مشهور بين الطائفة ، بل عليه الإجماع عن المعتبر والذكرى والتذكرة (٦) ، ويومئ إليه بعض أخبار المسألة.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٣ ، الوسائل ٣ : ٧ أبواب التكفين ب ٢ ح ٤.

٢ ـ نقله عنه في الذكرى : ٤٨.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٧ ، الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ٣ : ٩ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٠.

٤ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٣ ، المستدرك ٢ : ٢٠٥ أبواب الكفن ب ١ ح ١.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ٦ أبواب التكفين ب ٢ ح ١.

٦ ـ المعتبر ١ : ٢٨٣ ، الذكرى : ٤٦ ، التذكرة ١ : ٤٣.

٣٩٤

ففي الخبر عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام يقول : « إني كفّنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وعمامة كانت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع مائة دينار » (١).

ولكنه يحتمل التقية ، ولا سيّما مع شدتها في زمانه عليه‌السلام غاية الشدة. والاحتياط بالترك لعلّه غير بعيد ؛ إذ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة ، فتأمّل.

ويستحب أيضاً أن تكون ( غير مطرّزة بالذهب ) كما في الشرائع والمبسوط والوسيلة والجامع والمعتبر والنهاية (٢) ، ولا بالحرير كما عمّا عدا الأول من الكتب المزبورة ؛ لأنّه إضاعة للمال منهي عنها في الشريعة مع عدم الرخصة.

( و ) أن يراد أيضاً ( خرقة لـ ) ربط ( فخذيه ) بلا خلاف ؛ للمستفيضة. وطولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر كما في المرسل (٣) ، ولكن ليس فيه ذكر الطول ، أو ونصف كما في الخبر الموثق المتضمن للطول أيضاً (٤).

ويثفر بها الميت ذكرا أو اُنثى ، ويلفّ بالباقي حقويه إلى حيث ينتهي ، ثمَّ يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي إليه.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٩ / ٨ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤٢ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٥.

٢ ـ الشرائع ١ : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٧٦ ، الوسيلة : ٦٥ ، الجامع للشرائع : ٥٣ ، المعتبر ١ : ٢٨٢ ، النهاية : ٣١.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠١ / ٨٧٧ ، الوسائل ٢ : أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٣.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٣٩٥

سمّيت في عبارات الأصحاب خامسة ، نظراً إلى أنها منتهى عدد الكفن الواجب وهو الثلاث ، والندب وهو الحبرة والخامسة. وأمّا العمامة فلا تعدّ من أجزاء الكفن اصطلاحاً وإن استحبت ، ويشهد به بعض المعتبرة الآتية. لكن المستفاد من الصحيح وغيره (١) كونها منها. وكونها من المندوب دون المفروض ـ كما عن الشهيد (٢) ـ طريق الجمع. وتظهر الثمرة في الدخول والخروج بنذر الكفن المندوب ، فيأتي بها على الأوّل دون الثاني.

( وعمامة ) للرجل إجماعاً ؛ للمستفيضة منها الصحيح : فالعمامة للميت من الكفن؟ قال : « لا ، إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب » ثمَّ قال : « العمامة سنّة » وقال : « أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمامة وعمّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

ونحوه الحسن : « وعمّمه بعد عمامة ، وليس تعدّ العمامة من الكفن » (٤).

وقدرها طولاً ما يؤدي هيئتها المطلوبة المشهورة بأن يشتمل على ما ( تثني به محنّكاً ، ويخرج طرفا العمامة من الحنك ، ويلقيان على صدره ) للمرسل : « ثمَّ يعمم ويؤخذ وسط العمامة ، فيثنى على رأسه بالتدوير ، ثمَّ يلقى فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمدّ على صدره » (٥) ونحوه الرضوي (٦).

وعرضاً ما يصدق عليه معه اسم العمامة.

__________________

١ ـ انظر الوسائل ٣ : ٨ ، ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ٨ ، ١٣.

٢ ـ راجع الذكرى : ٤٧.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٩٢ / ٨٥٤ ، الوسائل ٣ : ٦ أبواب التكفين ب ٢ ح ١.

٤ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٧١ ، الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٣ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٧ ، الوسائل ٣ : ٩ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٠.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

٦ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٨ ، المستدرك ٢ : ٢١٧ أبواب الكفن ب ١٢ ح ١.

٣٩٦

وقد دلّ على استحباب التحنك ـ مضافاً إلى الإجماع المحكي (١) ـ خصوص المرسل لابن أبي عمير : في العمامة للميت ، قال : « حنّكة » (٢).

وقد ورد بالكيفية أخبار اُخر (٣) ، إلّا أن الأول أشهر.

( و ) أن ( يكون الكفن قطناً ) وفاقاً للأكثر ، بل عليه الإجماع عن التذكرة ونهاية الإحكام والمعتبر (٤) ؛ للخبر : « الكتان كان لبني إسرائيل يكفّنون به ، والقطن لاُمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٥).

وأن يكون أبيض بلا خلاف كما عن الخلاف (٦) ، بل إجماعاً كما عن نهاية الإحكام والمعتبر (٧) للخبرين أحدهما الموثق : « البسوا البياض فإنه أطيب وأطهر ، وكفّنوا فيه موتاكم » (٨).

ويستثنى منه الحبرة للمعتبرة (٩).

( و ) أن ( يطيّب ) الكفن ( بالذريرة ) إجماعاً من أهل العلم كافة كما عن المعتبر (١٠) للمعتبرة منها الموثق : « إذا كفّنت الميت فذر على كل ثوب شيئاً

__________________

١ ـ التذكرة ١ : ٤٣.

٢ ـ الكافي ٣ : ١٤٥ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٥ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٢.

٣ ـ الكافي ٣ : ١٤٤ / ٨ ، التهذيب ١ : ٣٠٩ / ٨٩٩ ، الوسائل ٣ : ٣٦ أبواب التكفين ب ١٦ ح ٢.

٤ ـ التذكرة ١ : ٤٣ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٢ ، المعتبر ١ : ٢٨٤.

٥ ـ الكافي ٣ : ١٤٩ / ٧ ، الفقيه ١ : ٨٩ / ٤١٤ ، التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٢ أبواب التكفين ب ٢٠ ح ١.

٦ ـ الخلاف ١ : ٧٠١.

٧ ـ نهاية الإحكام ٢ : ٢٤٢ ، المعتبر ١ : ٢٨٤.

٨ ـ الكافي ٦ : ٤٤٥ / ١ و ٢ الوسائل ٣ : ٤١ أبواب التكفين ب ١٩ ح ١. والآخر في : التعريف للصفواني : ٢ ، المتسدرك ٢ : ٢٢٣ أبواب الكفن ب ١٦ ح ٤.

٩ ـ الوسائل ٣ : ٧ أبواب التكفين ب ٢ ح ٣ ، وص ٣١ ب ١٣ ح ٢ و ٣.

١٠ ـ المعتبر ١ : ٢٨٥.

٣٩٧

من ذريرة وكافور » (١).

وفي آخر : « يطرح على كفنه ذريرة » (٢).

قيل : والظاهر أن المراد بها طيب خاص معروف بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها (٣).

وعن الشيخ في التبيان : أنها فتات قصب الطيب وهو قصب يجاء به من الهند كأنه قصب النشّاب (٤). وفي المبسوط : يعرف بالقمّحة بضم القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة (٥).

( و ) أن ( يكتب ) بالتربة الحسينية ـ على مشرّفها أفضل صلاة وسلام وتحية ـ إن وجدت ، كما عن الشيخين وسائر متأخري الأصحاب (٦) ؛ للتبرك ، والجمع بين وظيفتي الكتابة والتجاء الميت بالتربة ، المستفاد كلتاهما من الرواية المروية في احتجاج الطبرسي في التوقيعات الخارجة عن الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري : إنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب : « يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء اللّه » وسأل فقال : روي لنا عن الصادق عليه‌السلام أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه : « إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا اللّه » فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين‏

____________

١ ـ الكافي ٣ : ١٤٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٧ / ٨٨٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥ أبواب التكفين ب ١٥ ح ١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٣ ـ قال به صاحب المدارك ٢ : ١٠٦.

٤ ـ التبيان ١ : ٤٤٨.

٥ ـ المبسوط ١ : ١٧٧.

٦ ـ المفيد في المقنعة : ٧٨ ، الطوسي في المبسوط ١ : ١٧٧ ، العلامة في المختلف : ٤٦ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٩٥ الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٢٠.

٣٩٨

القبر؟ فقال : « يجوز والحمد للّه تعالى » (١).

ويشترط التأثير ببلّها بالماء ؛ عملاً بظاهر الكتابة ، كما عن السرائر والمختلف والمنتهى والذكرى والمفيد في الرسالة (٢). وعليه يحمل إطلاق الأكثر.

فإن فقدت فبالإصبع ، كما عن المشهور (٣). وعن الاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم (٤) التخيير من دون شرط الفقد.

والأولى بعد الفقد الكتابة بالماء والطين المطلق ؛ تحصيلاً لظاهر الكتابة كما عن الإسكافي وعزّية المفيد وكتب الشهيد (٥). فإن لم يتيسر فبالإصبع وإن لم تؤثر. واعتبار التأثير بنحو الماء حسن ؛ تحصيلاً لما يقرب من ظاهر الكتابة مهما أمكن.

والمستفاد من الرواية المتقدمة كون الكتابة على الإزار خاصة ، وفي غيرها على حاشية الكفن (٦) ، واستحبها الأصحاب كما زاد ( على ) المكتوب في الرواية في ( الحبرة والقميص واللفافة والجريدتين ) ولا بأس به ؛ لكونه خيراً محضاً ، وانفتاح باب الجواز مع أصالته ، ودعوى الإجماع عليه في الخلاف (٧) ؛ مضافاً إلى ما سيأتي من الأخبار المؤيدة.

__________________

١ ـ الاحتجاج : ٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٢٩ أبواب التكفين ب ١٢ ح ١ ، وص ٥٣ ب ٢٩ ح ٣.

٢ ـ السرائر ١ : ١٦٢ ، المختلف : ٤٦ ، المنتهي ١ : ٤٤١ ، الذكرى : ٤٩ ، نقله عن المفيد في المختلف : ٤٦.

٣ ـ انظر كشف اللثام ١ : ١٢٠.

٤ ـ الاقتصاد : ٢٤٨ ، مصباح المتهجد : ١٨ ، المراسم : ٤٨.

٥ ـ نقله عن الإسكافي وعزّيّة المفيد في المختلف : ٤٦ ، الشهيد في البيان : ٧٢ ، والذكرى : ٤٩ ، والدروس : ١ : ١٠٠.

٦ ـ التهذيب ١ : ٢٨٩ / ٨٤٢ ، الوسائل ٥١ : ٣ أبواب التكفين ب ٢٩ ح ١ ، وقد رواها في كمال الدين : ٧٢ ، ٧٣.

٧ ـ الخلاف ١ : ٧٠٦.

٣٩٩

وصورة الكتابة ( فلان ) كما في الرواية وكلام جماعة (١) ، وعن سلّار بزيادة ابن فلان (٢) ( يشهد أن لا إله إلّا اللّه ) وعن المبسوط والنهاية والمهذّب (٣) بزيادة وحده. لا شريك له ، ويشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، والإقرار بالأئمة عليهم‌السلام أنهم أئمته ، ويسمّيهم واحداً بعد واحد.

وعن كتب الشيخ والوسيلة والمهذّب والغنية وجماعة : الاكتفاء بكتابة أساميهم الشريفة وإن خلت عن الشهادة بهم (٤) للبركة.

وربما يزاد في الكتابة بمثل الجوشن الكبير ؛ للرواية عن السجاد المروية في جنة الأمان للكفعمي (٥). والقرآن بتمامه أو بعض آياته للمروي في العيون : أنّ مولانا الكاظم عليه‌السلام كفّن بكفن فيه حبرة استعملت له يبلغ ألفين وخمسمائة دينار كان معها القرآن كلّه (٦) فتأمل.

وعن كتاب الغيبة لشيخ الطائفة عن أبي الحسن القمي : أنه دخل على أبي جعفر محمّد بن عثمان العمروي ـ رضي اللّه عنه ـ وهو أحد النواب الأربعة لخاتم الأئمة ، فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيات من القرآن وأسماء الأئمة عليهم‌السلام على حواشيها ، فقلت : يا سيّدي ما هذه الساجة؟ فقال : لقبري تكون فيه وأو ضع عليها أو قال أسند إليها ، وفرغت منه ، وأنا في‏

__________________

١ ـ منهم الشيخ في الاقتصاد : ٢٤٨ ، ابن ادريس في السرائر ١ : ١٦٢ ، الشهيد في الذكرى : ٤٩ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٢٠.

٢ ـ المراسم : ٤٨.

٣ ـ المبسوط ١ : ١٧٧ ، النهاية : ٣٢ ، المهذّب ١ : ٦٠.

٤ ـ الشيخ في المبسوط ١ : ١٧٧ ، النهاية : ٣٢ ، مصباح المتهجد : ١٨ ، الوسيلة : ٦٦ ، المهذب ١ : ٦٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٣ ؛ وانظر الشرائع ١ : ٤٠ ، القوائد ١ : ١٩.

٥ ـ جنة الأمان ( الجوامع الفقهية ) : هامش ٢٤٦ ، المستدرك ٢ : ٢٣٢ أبواب الكفن ب ٢٨ ح ١.

٦ ـ العيون ١ : ٨١ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٥٣ أبواب التكفين ب ٣٠ ح ١.

٤٠٠