رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

الإخلاص دون أصل النيّة ، لعدم القدرة على تركها ، ولذا قيل : لو كلّفنا اللّه تعالى بإيقاع الفعل من دون نيّة لكان تكليفاً بما لا يطاق (١).

وممّا ذكر ظهر سقوط كلفة البحث عن المقارنة وتقديمها عند غسل اليدين ؛ لعدم انفكاك المكلّف على هذا التقدير عنها ، فلا يتصوّر فقدها عند القيام إلى العمل ليعتبر المقارنة لأول العمل الواجبي أو المستحبّي.

( والثاني : غسل الوجه ) بالنص والإجماع ( وطوله من قصاص شعر الرّأس ) أي منتهى منبته عند الناصية ، وهو عند انتهاء استدارة الرّأس وابتداء تسطيح الجبهة ، فالنزعتان من الرّأس.

( إلى ) محادر شعر ( الذقن ) أي المواضع الّتي ينحدر فيها الشعر عنه ويسترسل ، بالنّص والإجماع.

( وعرضه ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى ) بهما ، مراعياً في ذلك مستوي الخلقة في الوجه واليدين ، فيرجع فاقد شعر الناصية وأشعر الجبهة المعبّر عن الأول بالأنزع والثاني بالأغمّ. وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى وجهه ، إلى مستوي الخلقة لبناء الحدود الشرعيّة على الغالب.

وعليه يحمل الصحيح : « الوجه الذي قال اللّه عزّوجل ، وأمر اللّه عزّوجل بغسله ، الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر ، وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الإبهام والوسطى ، من قصاص شعر الرّأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوى ذلك فليس من الوجه » قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » (٢).

__________________

١ ـ نقله صاحب المدارك ١ : ١٨٥ عن بعض الفضلاء.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٧ / ١ ، الفقيه ٢٨ / ٧٧ ، التهذيب ١ : ٥٤ / ١٥٤ باختلاف في السند ، الوسائل ١ : ٤٠٣ أبواب الوضوء ب ١٧ ح ١.

١٢١

( و ) منه يعلم أنه ( لا يجب غسل ما استرسل من اللحية ) وزاد عليها طولاً وعرضاً إجماعاً ، كما حكي (١).

ولا الصدغ بجميعه لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة ، كما هو ظاهر الصحيح ، وجمع من الأصحاب ، بل وصريح بعضهم (٢).

أو بعضه (٣) ممّا لم يصل إليه الإصبعان لو فسّر بمجموع ما بين العين والاُذن ، كما عن بعض أهل اللغة (٤) وظاهر جماعة (٥).

وكيف كان فعدم دخوله مطلقاً أو في الجملة إجماعي ، بل قيل : إنه مذهب جمهور العلماء (٦) ، مضافا إلى دلالة الصحيح عليه من وجهين.

خلافاً للمنقول عن بعض الحنابلة (٧) وظاهر الراوندي في الأحكام (٨).

ولا ما (٩) يخرج من العذار ـ وهو ما حاذى الاذن من الشعر ـ عن إحاطة الإصبعين ، كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام (١٠).

ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقاً كما عن ظاهر المبسوط والخلاف (١١) ، وعدمه كذلك كما عن صريح التحرير والمنتهى (١٢). وربما احتاط

__________________

١ ـ انظر الخلاف ١ : ٧٧ ، والمدارك ١ : ٢٠١.

٢ ـ كالعلامة في المنتهي ١ : ٥٧ ، والشهيد في الذكرى : ٨٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٦٦.

٣ ـ عطف على جميعه. منه رحمه الله.

٤ ـ راجع القاموس المحيط ٣ : ١١٣ ، ومجمع البحرين ٥ : ١٣ ، والصحاح ٤ : ١٣٢٣.

٥ ـ منهم الشهيد الثاني في الماسلك ١ : ٥.

٦ ـ قال به السبزواري في الذخيرة : ٢٦.

٧ ـ كما في المغني ١ : ١٢٨.

٨ ـ فقه القرآن ١ : ١٣.

٩ ـ عطف على قوله : والصدغ ، أي لا يجب غسله. منه رحمه الله.

١٠ ـ المعتبر ١ : ١٤١ ، التذكرة ١ : ١٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٣٦.

١١ ـ المبسوط ١ : ٢٠ ، الخلاف ١ : ٧٧.

١٢ ـ التحرير ١ : ٩ و ١٠ المنتهي ١ : ٥٧.

١٢٢

بالأول شيخنا في الذكرى والدروس (١).

ومنه يعلم عدم وجوب غسل البياض الذي بينه وبين الاُذن بطريق أولى.

ولا ما خرج من العارض ـ وهو ما تحت العذار من جانبي اللحية إلى شعر الذقن ـ عن إحاطة الإصبعين كما عن نهاية الإحكام (٢).

ومنه يظهر ضعف القولين بوجوب غسله مطلقا كما عن الإسكافي والشهيدين (٣) ، وعدمه كذلك كما عن المنتهى (٤). ولكن الأول أحوط لدعوى ثانيهما الإجماع عليه.

ووجوب (٥) غسل ما نالته الإصبعان من مواضع التحذيف ، وهي : منابت الشعر الخفيف بين النزعة والصدغ أو ابتداء العذار ، كما عن الروضة والمسالك قطعا (٦) ، والذكرى احتياطاً (٧).

خلافاً للمنقول عن التذكرة والمنتهى (٨) ، بناء على دخولها في الرأس لنبات الشعر عليها. وضعفه ظاهر.

( ولا ) يجب ( تخليلها ) أي اللحية للأصل ، والإجماع ، كما عن نص الخلاف والناصريات (٩). وهو كذلك في الكثيفة ، وأمّا الخفيفة فربما يتوهم فيها

__________________

١ ـ الذكرى : ٨٣ ، الدروس ١ : ٩١.

٢ ـ نهاية الإحكام ١ : ٣٦.

٣ ـ نقله عن الإسكافي في الذكرى : ٨٣ الشهيد الأول في الدروس ١ : ٩١ ، والذكرى : ٨٣ ، الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٧٣.

٤ ـ المنتهي ١ : ٥٧.

٥ ـ أي ويعلم منه وجوب غسل موضع التحذيف. منه رحمه الله.

٦ ـ الروضه ١ : ٧٣ ، المسالك ١ : ٥.

٧ ـ الذكرى : ٨٤.

٨ ـ التذكرة ١ : ١٦ ، المنتهي ١ : ٥٧.

٩ ـ الخلاف ١ : ٧٧ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٤.

١٢٣

الخلاف ، والأشهر الأظهر : العدم للمعتبرة المستفيضة الصريحة الدلالة.

ففي الصحيح : « كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه » (١).

وفي آخر : عن الرجل يتوضأ ، أيبطن لحيته؟ قال : « لا » (٢).

وفي الموثق : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » (٣).

وتؤيده الصحاح المستفيضة المكتفية في غسل الوجه بالغرفة (٤).

والمراد بتخليلها : إدخال الماء خلالها لغسل البشرة المستورة بها.

أما الظاهرة خلالها فلا بدّ من غسلها بلا خلاف كما يفهم من بعض العبارات (٥) ، بل وعن صريح بعض الإجماع عليه (٦).

كما يجب غسل جزء آخر ممّا جاورها من المستورة من باب المقدمة ، وربما يحمل عليه كلام من أوجبه في الخفيفة ، فيصير النزاع لفظياً ، كما صرح به جماعة (٧).

وهل يستحب (٨) كما عن التذكرة ونهاية الإحكام والشهيد (٩) ، أم لا كما

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٣.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ / ١٠٨٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٧٨ / ٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٦٧ / ٢٠١ ، الوسائل ١ : ٤٣١ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦.

٤ ـ الوسائل ١ : ٤٣٥ أبواب الوضوء ب ٣١.

٥ ـ انظر الذخيرة : ٢٨ ، ومشارق الشموس : ١٠٤ ، والحدائق ٢ : ٢٣٨.

٦ ـ كما في المقاصد العليّة : ٥٢.

٧ ـ منهم صاحب المدارك ١ : ٢٠٣ ، وصاحب الحدائق ٢ : ٢٣٨ ، والوحيد البهبهاني في حاشية المدارك ( المخطوط ).

٨ ـ أي التخليل. منه رحمه الله.

٩ ـ التذكرة ١ : ١٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٨ ، والشهيد في الدروس ١ : ٩١.

١٢٤

عن المصنف والمنتهى وظاهر النفلية والبيان (١)؟

قولان ، الظاهر : الثاني لعدم الثبوت ، واحتمال الإخلال بالموالاة ، وظاهر النهي فيما تقدم ، واحتمال دخوله في التعدي المنهي عنه ، وكونه (٢) مذهب العامة كما صرّح به جماعة (٣) ، ويستفاد من بعض المعتبرة المروي عن كشف الغمة فيما كتب مولانا الكاظم عليه‌السلام إلى عليّ بن يقطين اتقاء : « اغسل وجهك [ ثلاثاً ] وخلّل شعر لحيتك « ثمَّ كتب إليه » توضّأ كما أمر اللّه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة واخرى إسباغاً إلى قال : « فقد زال ما كنّا نخاف عليك » (٤).

ولم يتعرض له ثانياً ، ولو كان مستحباً لأمر به كما أمر بالإسباغ.

ومع جميع ذلك لا يتم الثبوت من باب الاحتياط مع عدم تماميته مطلقاً (٥) ؛ للإجماع على عدم الوجوب في الكثيفة.

ويستوي في ذلك شعر اللحية والشارب والخدّ والعذار والحاجب والعنفقة (٦) والهدب (٧) مطلقاً ولو من غير الرجل ، مطلقا (٨) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٩).

__________________

١ ـ المصنف في المعتبر ١ : ١٤٢ ، المنتهي ١ : ٥٧ ، النفلية : ٦ و ٧ ، والبيان : ٤٥.

٢ ـ أي الاستحباب. منه رحمه الله.

٣ ـ منهم العلامة في المنتهي ١ : ٥٧ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٤٥ ؛ وانظر المغني ـ لابن قدامة ـ ١ : ١١٦.

٤ ـ كشف الغمة ٢ : ٢٢٥ ، ورواه المفيد في ارشاده ٢ : ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣ ؛ وما بين العقوفين من المصادر.

٥ ـ أي حتي في الكثيفة. منه رحمه الله.

٦ ـ شعرات بين الشفة السفلي والذقن. منه رحمه الله.

٧ ـ شعرات أشفار العين. منه رحمه الله.

٨ ـ ِأي ولو كان خفيفاً. منه رحمه الله.

٩ ـ الخلاف ١ : ٧٧.

١٢٥

( والثالث : غسل اليدين مع المرفقين ) بالنص والإجماع ، وهو ـ بكسر الميم وفتح الفاء أو بالعكس ـ مجمع عظمي الذراع والعضد ، لا نفس المفصل ، كما يستفاد من إطلاق الصحيحين الآمرين بغسل المكان المقطوع منه منهما (١) ، الشاملين لما لو قطع من المفصل.

وخصوص ظاهر الصحيح : عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال : « يغسل ما بقي من عضده » (٢).

بناء على جعل الموصول للعهد ، والجارّ ظرفاً مستقراً على أنه حال مؤكدة ، أو لغواً متعلقاً ب‍ : يغسل مع كونه للتبعيض. فتأمل.

ويظهر من هذا كون وجوب غسلهما أصالة لا من باب المقدمة ، مضافاً إلى ظواهر المعتبرة في الوضوءات البيانية المتضمنة لوضع الغرفة على المرفق كوضعها على الجبهة ، فكما أنّ الثاني ليس من باب المقدمة بل بالأصالة فكذا الأول ، وخصوص الإجماعات المنقولة عن التبيان والطبرسي والمنتهى (٣).

ومظهر ثمرة الخلاف (٤) ما ذكرناه ، وغسل الزائد على المفصل من باب المقدمة ، فيجب على الأول دون الثاني.

ويجب أن يكون فيه ( مبتدئاً بهما ، ولو نكس فقولان ، أشبههما ) وأشهرهما بل عن التبيان وغيره (٥) الإجماع عليه أنه لا يجوز للأصل ،

__________________

١ ـ الاول :

التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٧٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٠ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٤.

الثاني :

الكافي ٣ : ٢٩ / ٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٩ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ١.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٩ / ٩ ، الفقيه ١ : ٣٠ / ٩٩ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ / ١٠٨٦ ، الوسائل ١ : ٤٧٩ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٢.

٣ ـ التبيان ٣ : ٤٥١ ، والطبرسي في مجمع البيان ٢ : ١٦٤ ، والمنتهي ١ : ٥٨.

٤ ـ أي بين كونه أصالة أو من باب المقدمة. منه رحمه الله.

٥ ـ التبيان ٣ : ٤٥١ ؛ وانظر مجمع البيان ٢ : ١٦٤.

١٢٦

والوضوءات البيانية المستفادة من المعتبرة.

منها : الصحيح في بيان وضوء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه غمس كفه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردّها إلى المرفق ، ثمَّ غمس كفه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى (١).

مع قوله عليه‌السلام في المنجبر ضعفه بالشهرة : « هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به » (٢).

وخصوص المعتبرين المروي أحدهما في تفسير العيّاشي ، وفيه الأمر بصب الماء على المرفق ، وظاهره الوجوب ، مضافاً إلى تأيده بما في آخره : قلت له : يردّ الشعر؟ قال : « إذا كان عنده آخر فعل وإلّا فلا » (٣).

وفي ثانيهما : عن قول اللّه عزّوجل ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فقلت : هكذا؟ ومسحت من ظهر كفّي إلى المرافق ، فقال : « ليس هكذا تنزيلها ، وإنما هي : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق » ثمَّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه (٤).

وظاهره بل صريحه الوجوب ، وضعفها مجبور بما تقدّم.

وممّا ذكر ظهر وجوب البدأة بالأعلى في غسل الوجه أيضاً ، مضافا إلى الأمر به بخصوصه في بعض الأخبار المنجبر قصور سنده بالاشتهار ، رواه في قرب الإسناد ، وفيه : « لا تلطم وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسل من أعلى‏

____________

١ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩١ بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٢ ـ الفقيه ١ : ٢٥ / ٧٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١١.

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ٣٠٠ / ٥٤ ، المستدرك ١ : ٣١١ أبواب الوضوء ب ١٨ ح ٢.

٤ ـ الكافي ٣ : ٢٨ / ٥ ، التهذيب ١ : ٥٧ / ١٥٩ ، الوسائل ١ : ٤٠٥ أبواب الوضوء ب ١٩ ح ١.

١٢٧

وجهك إلى أسفله بالماء مسحا » الحديث (١).

خلافاً للمرتضى والحلّي (٢) في المقامين ، فلم يوجباه لإطلاق الآية. وهو ضعيف بما قدّمناه.

ويجب غسل ما اشتملت عليه الحدود من لحم زائد ويد وإصبع وشعر مطلقاً (٣) ، على الإشكال في الأخير ، دون ما خرج وإن كان يدا على الأظهر ، إلّا أن تشتبه بالأصلية فيغسلان معا من باب المقدمة ، قاصدا فيهما الوجوب أصالة ظاهرا.

( وأقلّ الغسل ) مطلقاً (٤) ( ما يحصل به مسمّاه ) بأن ينتقل كل جزء من الماء عن محله إلى غيره بنفسه أو بمعين ، فيكفي ذلك ( ولو ) كان ( دهناً ) بالفتح مع الجريان ، ولا يجزي ما دونه مطلقا ، على الأشهر الأظهر ، بل كاد أن يكون إجماعا.

لظاهر الآية (٥) ، والنصوص المستفيضة الآمرة بالغسل في موضعين والمسح في آخرين (٦) فلا يجوز العدول عنها ، وخصوص ظاهر المعتبرة ، منها الخبر : « الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما اجري من الدهن الذي يبلّ الجسد » (٧).

وعلى المبالغة في الاكتفاء بالمسمّى يحمل ما أطلق فيه الاجتزاء بالدهن‏

__________________

١ ـ قرب الاسناد : ٣١٢ / ١٢١٥ ، الوسائل ١ : ٣٩٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٢.

٢ ـ المرتضي في لانتصار : ١٦ ، الحلي في السرائر : ٩٩.

٣ ـ أي خفيفاً كان شعره أو كثيفاً. منه رحمه الله.

٤ ـ أي هنا وفي الغسل. منه رحمه الله.

٥ ـ المائدة : ٦.

٦ ـ الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

٧ ـ التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٤ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ٥ ، وفي الجميع : « ما أجزأ » بدل « ما اُجري».

١٢٨

من المعتبرة (١) ، والخبر المزبور شاهد بذلك ، لاعتبار الجريان فيه مع إطلاق الدهن فيه أيضا ، وإلّا (٢) فهي مخالفة لظاهر ما تقدم ، بل والضرورة من الدين ، لما اشتهر بين العامة والخاصة من أن الوضوء غسلتان ومسحتان أو مسحة وثلاث غسلات من دون تفصيل.

خلافاً للمقنعة والنهاية (٣) ، فاكتفيا به حال الضرورة ، ويمكن حملهما ـ كالمعتبرة ـ على المبالغة ، وإلّا فيتوجه عليهما ما تقدّم ، مضافاً إلى عدم ظهور المجوزة فيها ، فلا وجه لتخصيصها بها مع حصول الجمع بما تقدم (٤). وعلى تقدير عدم إمكانه به فطرحها متعيّن والأخذ بما قابلها لازم للشهرة العظيمة ، وظاهر الآية والأخبار المستفيضة ، المؤيدة بوجوب تحصيل البراءة اليقينية. فتأمّل.

( والرابع : مسح ) بشرة ( مقدّم الرأس ) أو شعره الغير المتجاوز بمدّه عن حدّه ، بالنصوص والإجماع.

ففي الصحيح : « مسح الرأس على مقدّمه » (٥) وفي آخر : « تمسح ببلّة يمناك ناصيتك » (٦).

وبها يقيد إطلاق الآية والأخبار.

وما في شواذ أخبارنا (٧) ـ ممّا يخالف بظاهره ذلك ـ فضعيف متروك‏

__________________

١ ـ كصحيحة زراره ومحمد بن مسلم ، انظر الوسائل ١ : ٤٨٤ أبواب الوضوء ٥٢ ح ١.

٢ ـ أي : وإن لم تحمل المعتبرة المذكورة عليه. منه رحمه الله.

٣ ـ المقنعة : ٥٩ ، النهاية : ١٥.

٤ ـ هذا دفع دخل ، وهو أنه قد يكون وجه التخصيص الجمع بين الروايات. منه رحمه الله.

٥ ـ التهذيب ١ : ٦٢ / ١٧١ ، الاستبصار ١ : ٦٠ / ١٧٦ ، الوسائل ١ : ٤١٠ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ١.

٦ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

٧ ـ الوسائل ١ : ٤١١ أبواب الوضوء ب ٢٢ الأحاديث ٥ و ٦ و ٧.

١٢٩

بإجماعنا ، محمول على التقية.

والمراد بالمقدّم ما قابل المؤخر ، لا خصوص ما بين النزعتين المعبّر عنه بالناصية ، فلو مسح القدر الواجب من أيّ موضع منه ـ ولو ارتفع الناصية ولم يصادف منها شيئا ـ كفى على ما يستفاد من ظاهر كلمة الأصحاب.

إلّا أن ظاهر الصحيح المتقدم يعطي تعيّن الثاني لظاهر الأمر ، بناءً على تفسير الناصية به ، إلّا أنه ربما فسّرت بمطلق شعر مقدّم الرأس أيضاً (١) ، وفي كتب جماعة من أهل اللغة (٢) : أنها خصوص القصاص الذي هو آخر منابت شعر الرأس. وبه يخرج عن صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدم ، ولكن مراعاته أحوط.

ويجب أن يكون المسح ( ببقية البلل ) ولو بالأخذ من مظانها إن لم تبق ، أو مطلقا.

والأول أظهر نظراً إلى الاحتياط ، والوضوءات البيانية ، والتفاتا إلى الحسن الآمر بمسح الناصية ، وظهر القدم اليمنى ببلّة اليمنى ، وظهر القدم اليسرى ببلّة اليسرى (٣) ، والمرسل المشترط في جواز الأخذ من بلّة اللحية والحاجب وأشفار العينين جفاف بلة اليد (٤) ، وفي معناه أخبار أخر (٥).

وقصور أسانيدها بالشهرة منجبر ، وحملها ـ ككلمة الأصحاب ـ على الغالب نافع مع وجود الدليل على إجزاء غيره وليس ، إذ المطلق منصرف إلى الشائع المتبادر ، فلا ينفع.

____________

١ ـ انظر مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٠٣.

٢ ـ كالقاموس ٤ : ٣٩٨ ، والمصباح المنير : ٦٠٩.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

٤ ـ الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٨.

٥ ـ الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢١.

١٣٠

ومنه يظهر ضعف القول بالثاني والمستند (١) لأصل الحكم ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه ، وبه يقيد إطلاق الآية والأخبار.

وربما نسب إلى الإسكافي تجويز استئناف ماء جديد مطلقاً ، أو مع الجفاف ، على اختلاف النقلين (٢).

للخبرين ، أحدهما الصحيح : أيجزي الرجل أن يمسح قدمه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : أ بماء جديد؟ فقال برأسه : نعم (٣).

ولآخر الموثق : أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال : « لا بل تضع يدك في الماء ثمَّ تمسح » (٤).

ودلالتهما كما ترى ، مع أن في الأول إشعاراً بالتقية فيحملان عليها ، ولا ينافيه مسح القدم في الأول لوجود القول به بينهم في سابق الزمان (٥).

وأقلّ الواجب منه الإتيان ( بما يسمّى ) به ( مسحاً ) ولو بجزء من إصبع ، ممّراً له على الممسوح ليتحقق اسمه ، لا بمجرّد وضعه ، على الأصح الأشهر ، بل عن التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازي وأحكام القرآن للراوندي وعن ابن زهرة العلوي : الإجماع عليه (٦).

للأصل ، والإطلاقات ، وخصوص الصحاح ، منها : « إذا مسحت بشي‏ ء

__________________

١ ـ عطف على ضعف أي ومنه يظهر المستند. منه رحمه الله.

٢ ـ نسبه إليه في المختلف : ٢٤ و ٢٥.

٣ ـ التهذيب ١ : ٥٨ / ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٥٨ / ١٧٣ ، الوسائل ١ : ٤٠٩ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٥.

٤ ـ التهذيب ١ : ٥٩ / ١٦٤ ، الاستبصار ١ : ٥٩ / ١٧٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٨ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٥.

٥ ـ حكاه في التفسير الكبير ١١ : ١٦١ عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي.

٦ ـ التبيان ٣ : ٤٥١ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٤ ، روض الجنان ٤ : ١٢٥ ذ فقه القران ١ : ١٧ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.

١٣١

من رأسك أو بشي‏ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك » (١).

وقيل : إنّ الأقل مقدار إصبع ، كما في المقنعة والتهذيب (٢) ، وعن الخلاف وجمل السيّد والغنية والمراسم وأبي الصلاح والمهذّب والراوندي في موضع آخر من الكتاب المزبور (٣).

للخبرين ، أحدهما المرسل : في الرجل يتوضأ وعليه العمامة ، قال : « يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه » (٤).

وثانيهما القاصر سنداً والمعيب متناً : عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه ، أيجزيه ذلك؟ فقال : « نعم » (٥).

وهما ـ مع ما هما عليه ـ غير واضحي الدلالة والمقاومة لما قدّمناه من الأدلة ، فيحملان على كون الإدخال لتحصيل المسمّى أو الاستحباب.

وقد حمل على الأول كلام الجماعة ، لكن عبارة التهذيب تأباه ، فإنّها صريحة في المنع عن الأقل من الإصبع الواحدة ، مستنداً إلى أنّ السنّة منعت منه.

__________________

١ ـ ١لتهذيب: ٩٠ / ٢٣٧ ، الاستبصار ١ : ٦١ / ١٨٢ ، الوسائل ١ : ٤١٤ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٤.

٢ ـ المقنعة : ٤٨ ، التهذيب ١ : ٨٩.

٣ ـ الخلاف ١ : ٨٢ ، جمل العلم والعمل ( رسائل لسيد المرتصي ٣ ) : ٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣ ، المراسم : ٣٧ ، أبو الصلاح في الكافي : ١٣٢ ، المهذب ، ١ : ٤٤ ، فقه القرآن ١ : ٢٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٩٠ / ٢٣٨ ، الاستبصار ١ : ٦٠ / ١٧٨ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٤ ١ح

٥ ـ التهذيب ١ : ٩٠ / ٢٤٠ ، الاستبصار ١ : ٦٠ / ١٧٩ ، الوسائل ١ : ٤١١ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٤.

١٣٢

وربما عكس الأمر فاُوّل كلام من تقدم بإرادتهم من المسمّى خصوص الإصبع. وهو مع بعده لا وجه له ، سيّما مع تصريح بعضهم بالاكتفاء بالأقل ، ولا ريب أنه أحوط.

( وقيل : أقلّه ) أي المسح أن يمسح مقدار ثلاث أصابع مضمومة مطلقاً ، كما عن الشيخ في بعض كتبه (١) ، والسيّد في خلافه (٢) لظاهر الصحيح : « المرأة تجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع ، ولا تلقي عنها خمارها » (٣).

وهو ؛ مع قصوره عن المقاومة لما تقدّم ، وإشعاره باختصاصه بالمرأة ، كما يعزى إلى الإسكافي حيث قال فيها بذلك ولكن في الرجل بالإصبع الواحدة (٤) غير صريح الدلالة ، لاحتمال إرادة الإجزاء من القدر المندوب لا الواجب ، بل ولا يبعد ظهوره بملاحظة ما في خبر آخر : « يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع ، وكذلك الرّجل » (٥) فإنّ عدم التفصيل في ذلك بين الرأس والرّجل ـ مع استحبابه في الرّجل إجماعا كما حكي (٦) ـ قرينة ( واضحة ) (٧) على كون الإجزاء بالنسبة إلى الرأس كذلك.

هذا والمنقول عن أبي حنيفة المصير إلى هذا القول (٨) ، فيتعيّن الحمل‏

__________________

١ ـ النهاية : ١٤.

٢ ـ كما نقله عنه الشهيد في الذكرى : ٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ : ٣٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ٧٧ / ١٩٥ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٣.

٤ ـ حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ٨٦.

٥ ـ الكافي ٣ : ٢٩ / ١ التهذيب ١ : ٦٠ / ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٦٠ / ١٧٧ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٥.

٦ ـ قال في مفتاح الكرامة ١ : ٢٥٢ : ولقد تتبّعت جملة من كتب الأصحاب فما وجدت أحداً وافق المصنف ـ أي العلامة ـ على هذا الاستحباب.

٧ ـ ليست في « ش ».

٨ ـ نقله عنه في بدائع الصنائع ١ : ٤ ، والمحلي لابن حزم ٢ : ٥٢.

١٣٣

على التقية ، ولا بأس بالحمل على الاستحباب وفاقاً للجماعة.

وربما قيل : حدّه أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة كذلك (١). ومستنده غير واضح.

وعن النهاية والدروس : وجوبها اختيارا والاكتفاء بالإصبع الواحدة اضطرارا (٢). وهو كسابقه في عدم وضوح مستنده ولعلّه للجمع بين خبري الإصبع والثلاث. ولا شاهد له ، وثقل نزع العمامة ليس بضرورة. هذا مع عدم التكافؤ بينهما ، لما عرفت.

( ولو استقبل ) الشعر في مسحه فنكس ( فالأشبه ) الجواز مع ( الكراهة ) وفاقا للمشهور للصحيح : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٣) مؤيّدا بالأصل والإطلاقات.

خلافاً لجماعة (٤) ؛ للاحتياط ، والوضوءات البيانية ، وغيرهما ممّا تقدم دليلا لعدم جواز النكس في الغسلتين. وهو كذلك لو لا الصحيح المعتضد بالشهرة.

وإنّما يكره تفصياً من الخلاف ، واحتياطاً عن الأدلة المزبورة ، والإجماع المنقول في الخلاف والانتصار (٥). وعدم مقاومته للصحيح ـ مع كونه في حكم الصحيح على الصحيح ـ لتطرق القدح إليه بمخالفته الشهرة الموهنة ، المخرجة له عن حيّز الحجية في نفسه.

____________

١ ـ قال به الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨.

٢ ـ النهاية ١٤ ، الدروس ١ : ٩٢.

٣ ـ التهذيب ١ : ٥٨ / ١٦١ ، الاسبتصار ١ : ٥٧ / ١٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٠٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ١.

٤ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٤٤ ، والشيخ في النهاية : ١٤ والشهيد في الدروس ١ : ٩٢.

٥ ـ الخلاف ١ : ٨٣ ، الانتصار : ١٩.

١٣٤

( ويجوز ) المسح ( على الشعر ) بالشرط المتقدم ؛ لإطلاق الأدلة مع كونه أغلب أفراده ( والبشرة ) بلا تأمل.

( ولا يجزي ) المسح ( على حائل كالعمامة ) وغيرها ، إجماعاً منا ؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وأخبار رفع العمامة والقناع ثمَّ المسح كما تقدّم ، وخصوص الصحيح : عن المسح على الخفّين وعلى العمامة ، قال : « لا تمسح عليهما » (١).

والمرفوع : في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمَّ يبدو له في الوضوء ، قال : « لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه الماء » (٢).

والخبر المروي في كتاب عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار؟ قال : « لا يصلح حتى تمسح على رأسها » (٣).

والمجوّز لمسحه على الحنّاء ـ كالصحيحين (٤) ـ مع شذوذه محتمل للضرورة أو اللون أو الإنكار أو غير ذلك.

ومن العامة من جوّزه على العمامة (٥) ، ومنهم من جوّزه على الرقيق الذي ينفذ منه الماء إلى الرأس (٦).

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٦١ / ١٠٩٠ ، الوسائل ١ : ٤٥٩ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٨.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣١ / ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣٤ ، الوسائل ١ : ٤٥٥ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ١.

٣ ـ مسائل علي بن جعفر : ١١٠ / ٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٦ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٥.

٤ ـ الأول : التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣٢ ، الوسائل ١ : ٤٥٥ أبواب الوضوء ب ٣٧ ح ٣.

الثاني : التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٨٠ ، الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣٣ الوسائل ١ : ٤٥٦ أبواب الوضو ب ٣٧ ح ٤.

٥ ـ انظر بداية المجتهد ١ : ١٣ ، والمغني ـ لابن قدامة ـ ١ : ١٤٢.

٦ ـ انظر بدائع الصنائع ١ : ٥.

١٣٥

ويخصّ ذلك بحال الاختيار ، فيجوز على الحائل حال الاضطرار اتفاقاً على ما حكي (١) لعموم أدلة جواز المسح على الجبائر ، كقوله عليه‌السلام في الحسن بعد أن سئل عن الرجل يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بخرقةٍ ويتوضأ : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة » (٢).

ويؤيّده ما دلّ على جوازه فيها في مسح الرجلين كما سيأتي.

فلا ينتقل حينئذ إلى التيمم. خلافاً لمن شذّ (٣).

( والخامس : مسح الرّجلين ) دون غسلهما بالضرورة من مذهبنا ، والمتواترة معنى من أخبارنا (٤). وما في شواذّها ممّا يخالف بظاهره ذلك (٥) محمول على التقية من أكثر من خالفنا ، أو غير ذلك (٦) ممّا ذكره بعض مشايخنا.

ومحلّه : ظهرهما إجماعاً ، فتوىً وروايةً ، وعن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لو لا أني رأيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح ظاهر قدميه لظننت أنّ باطنهما أولى بالمسح من ظاهرهما » (٧).

وما في الخبرين ـ من مسح الظاهر والباطن أمراً في أحدهما (٨) وفعلاً في‏

__________________

١ ـ حكاه صاحب الحدائق ١ : ٣١٠.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٣٩ ، الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

٣ ـ كصاحب المدارك ١ : ٢٢٤. قال : والانتقال ‘الي التيمم والحال هذه محتمل.

٤ ـ الوسائل ١ : ٤١٨ أبواب الوضوء ب ٢٥.

٥ ـ الوسائل ١ : ٤٢١ أبواب الوضوء ب ٢٥ الأحاديث ١٣ و ١٤ و ١٥.

٦ ـ كالحمل على التنظيف. انظر التهذيب ١ : ٦٤.

٧ ـ الفقيه ١ : ٢٩ / ٩٣ ، الوسائل ١ : ٤١٦ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٩.

٨ ـ التهذيب ١ : ٩٢ / ٢٤٥ ، الاستبصار ١ : ٦٢ / ١٨٥ ، الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٦.

١٣٦

الآخر (١) ـ محمول على التقية ، ولا مانع منه من جهة تضمنهما المسح ، إمّا لأن القائلين بغسلهما ربما يعبّرون بمسحهما ، وإمّا لأن منهم من أوجب مسحهما مستوعباً (٢) ، وإمّا لأجل إيهام الناس الغسل بمسحهما كذلك.

وربما يحمل على إرادة جواز الاستقبال والاستدبار. هذا مع قصور سندهما وشذوذهما.

وحدّه طولاً من رؤوس الأصابع ( إلى الكعبين ) إجماعاً كما في الخلاف والانتصار والتذكرة (٣) ، وظاهر المنتهى والذكرى (٤) استنادا إلى ظاهر الكتاب ، بجعل « إلى » غاية المسح. ولا يقدح فيه جعلها غاية للمغسول في اليدين بالإجماع ، لعدم التلازم. نعم ربما ينافيه جواز النكس كما يأتي. ( مع أنه على تقدير كونها غاية للممسوح يدل على لزوم الاستيعاب الطولي كما أن الأمر في غسل اليدين كذلك ، هذا مضافاً إلى ) (٥) الإجماعات والاحتياط والوضوءات البيانية ، ففي الخبر : أخبرني من رأى أبا الحسن عليه‌السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ، ومن الكعب إلى أعلى القدم الحديث (٦).

وخصوص الصحيح : عن المسح على القدمين ، كيف هو؟ فوضع كفه‏

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٨٢ / ٢١٥ ، الاستبصار ١ : ٦١ / ١٨١ ، الوسائل ١ : ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٧.

٢ ـ انظر أحكام القرآن ـ للجصاص ـ ٢ : ٣٤٥.

٣ ـ الخلاف ١ : ٩٢ ، الانتصار : ٢٧ ، التذكرة ١ : ١٨.

٤ ـ المنتهي ١ : ٦٣ ، الذكرى : ٨٨ و ٨٩.

٥ ـ بدل ما بين القوسين في « ل » : فالمعدة ....

٦ ـ الكافي ٣ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ١ : ٥٧ / ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٥٨ / ١٧٠ ، قرب الإسناد : ٣٠٦ / ١٢٠٠ بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٣.

١٣٧

على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم الحديث (١). فتأمل.

وربما احتمل الاكتفاء فيه بالمسمى ؛ بناءً على كون الآية لتحديد الممسوح ، بمعنى وجوب وقوع المسح على ما دخل في المحدود ، تسوية بينه وبين المعطوف عليه ، وللصحيح : « إذا مسح بشي‏ء من رأسه أو بشي‏ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه » (٢).

ويضعّفان بما تقدّم ، ويضعّف الثاني بالخصوص باحتمال موصولية ما المفيدة للعموم ، والإبدال (٣) من شيء ، فيفيد بمفهوم الشرط توقف الإجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما ، وهو يستلزم الوجوب ، بل لعلّه الظاهر سيّما بملاحظة ما تقدم ، فينهض دليلاً على لزوم الاستيعاب. فتأمل. وعرضاً مسمّاه إجماعاً ، كما عن المعتبر والمنتهى وظاهر التذكرة (٤) للصحيح المتقدم المعتضد بالأصل والإطلاق.

ويستحب بثلاث أصابع للخبر المتقدم في مسح الرأس.

وقيل بوجوبه حكاه في التذكرة (٥).

وعن النهاية وأحكام الراوندي : تحديد الواجب بالإصبع (٦).

وعن ظاهر الغنية تحديده بالإصبعين (٧).

ومستند الجميع غير واضح.

____________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ٩١ / ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٦٢ / ١٨٤ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٣ ـ عطف على الموصولية. منه رحمه الله.

٤ ـ المعتبر ١ : ١٥٠ ، المنتهي ١ : ٦٣ ، التذكرة ١ : ١٨.

٥ ـ التذكرة ١ : ١٨.

٦ ـ النهاية : ١٤ فقه القرآن ١ : ٢٩.

٧ ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.

١٣٨

وفي الصحيح المتقدم إيماء إلى الوجوب بكل الكف ، ولا قائل به ، فيحمل على الاستحباب.

وعن بعض الأصحاب استحباب تفريج الأصابع (١). ولعله لا بأس به للتسامح في مثله.

وفي وجوب مسح الكعبين وجهان ، بل قولان ، أحوطهما ذلك ، وإن كان ظاهر بعض الصحاح ـ المتقدم في كفاية المسمى في المسح والمعتبرة النافية لوجوب استبطان الشراكين (٢) ـ العدم.

( وهما ) أي الكعبان ( قبّتا القدم ) أمام الساقين ما بين المفصل والمشط (٣) ، عند علمائنا أجمع ، كما عن الانتصار والتبيان والخلاف ومجمع البيان والمعتبر والمنتهى والذكرى وابن زهرة (٤) ، وابن الأثير وغيره (٥) ، حيث نسبوا ذلك إلى الشيعة.

بل يستفاد من التهذيب كونه مجمعاً عليه بين كل من قال بوجوب المسح من الأمة ، صرح بذلك في شرح كلام المقنعة الصريح فيما ذكرناه بل هو عينه (٦).

وهو المتفق عليه بين لغويينا (٧) ، وجمع من لغوي العامة بل جميعهم (٨)

__________________

١ ـ كالشيخ أبي الحسن الحلبي في الإشارة : ٧١ ، ونقله عنه في كشف اللثام ١ : ٦٩.

٢ ـ الوسائل ١ : ٤١٤ ، ٤١٥ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٣ و ٤ و ٨.

٣ ـ مشط القدم : العظام الرقاق المفترشة فوق القدم دون الأصابع. لسان العرب ٧ : ٤٠٣

٤ ـ الانتصار : ٢٨ ، التبيان ٣ : ٤٥٦ ، الخلاف ١ : ٩٢ ، مجمع البيان ٢ : ١٦٧ ، المعتبر ١ : ١٥١ ، المنتهي ١ : ٦٤ ، الذكرى : ٨٨ وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣.

٥ ـ ابن الأثير في النهاية ٤ : ١٧٨ ، وانظر تفسير القرآن لابن كثير ٢ : ٤٩ ، ولسان العرب ١ : ٧١٨.

٦ ـ انظر المقنعة : ٤٤ والتهذيب ١ : ٧٤.

٧ ـ كالفراهيدي في العين ١ : ٢٠٧ والطريحي في مجمع البحرين ٢ : ١٦٠ ، ١٦١ ،

٨ ـ منهم الفيروز آبادي في القاموس ١ : ١٢٩ ، والمطرّزي في المغرب ٢ : ١٥٣ ، والفيومي في

١٣٩

لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعباً ، وإنّما الخلاف بينهم في تسمية ما عداه به ، كما صرّح بالأمرين جماعة ، بل وعن الصحاح كونه مذهب الناس عدا الأصمعي (١).

وهو المحكي في كلام الفرّاء ، عن الكسائي ، عن مولانا محمّد الباقر عليه‌السلام ، حيث إنه أشار في البيان (٢) إلى مشط الرّجل قائلا : إنه مذهب الخاصة (٣).

وأخبارنا به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : « وإذا قطع ـ أي مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ الرّجل قطعها من الكعب » (٤).

وهو فيما ذكرنا ظاهر بناءً على أن موضع القطع عند معقد الشراك بإجماعنا المستفيض نقله عن جماعة (٥) من أصحابنا ، وأخبارنا (٦).

ففي المروي مسندا في الفقيه والتهذيب والكافي عن مولانا الصادق عليه‌السلام : « إنما يقطع الرّجل من الكعب ، ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد اللّه » الحديث (٧).

وهو ـ كما ترى ـ صريح في المطلبين (٨) ، وسيأتي ما يدل على الثاني‏

__________________

المصباح المنير ٢ : ٥٣٤.

١ ـ الصحاح ١ : ٢١٣.

٢ ـ أي بيان الكعب. منه رحمه الله.

٣ ـ حكاه عنه في الذكرى : ٨٨.

٤ ـ الفقيه ٤ : ٤٦ / ١٥٧ ، أبواب حد السرقة ب ٤ ح ٨.

٥ ـ منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٩٣ ، والمبسوط ١ : ٢٢ ، المرتضي وفي الانتصار : ٢٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤٩ و ٥٠ ، أبو الصلاح في الكافي : ١٣٢. منه رحمه الله.

٦ ـ عطف على قوله بإجماعنا. منه رحمه الله.

٧ ـ الكافي ٧ : ٢٢٥ / ١٧ ، الفقيه ٤ : ٤٩ / ١٧١ ، التهذيب ١٠ : ١٠٣ / ٤٠١ ، الوسائل ٢٨ : ٢٥٧١ أبواب حد السرقة ب ٥ ح ٨.

٨ ـ أي كون الكعب وسط القدم وأنه مقطع رجل السارق. منه رحمه الله.

١٤٠