رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

« الاستظهار إذا أمكن » (١).

( و ) ( السابع : الغسل بصاع ) بالإجماع ، والصحاح منها : « كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمدّ ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (٢).

وحمله الشيخ على أرطال المدينة (٣) ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي والكلام في تحديده يأتي في بحث الزكاة إن شاء اللّه تعالى.

ولا يجب بإجماع علمائنا وأكثر أهل العلم. خلافاً لأبي حنيفة كما في المعتبر والمنتهى (٤). وأخبارنا بإجزاء مثل الدهن (٥) حجّة لنا وما في الصحيح : « من انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من الصاع » (٦) محمول على الاستحباب أو التقية فتأمّل.

__________________

١ ـ تقدم مصدره في الهامش ٥ ص : ٢٢٠.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤٠٩ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ١.

٣ ـ الخلاف ١ : ١٢٩.

٤ ـ المعتبر ١ : ١٨٦ ، المنتهي ١ : ٨٦.

٥ ـ الوسائل ١ : ٤٨٤ أبواب الوضوء ب ٥٢ ، ووسائل ٢ : ٢٤٠ أبواب الجنابة ب ٣١.

٦ ـ الفقيه ١ : ٢٣ / ٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٠ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ١.

٢٢١

( وأمّا أحكامه ) أي الجنب‏‏ ( فيحرم عليه قراءة ) إحدى ( العزائم ) بالإجماع كما عن المعتبر والمنتهى وأحكام الراوندي والتذكرة وغيرها (١) للمعتبرة منها الموثق : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ما شاءا إلّا السجدة » (٢). ومثله في الحسن (٣).

والمراد بالسجدة فيهما نفس السورة كما فهمه الأصحاب ؛ لشيوع التعبير عن السور بأشهر ألفاظها كالبقرة وآل عمران والأنعام والرحمن والواقعة وغير ذلك ، وللرضوي : « ولا بأس بذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن وأنت جنب إلّا العزائم التي يسجد فيها ، وهي : الم تنزيل وحم السجدة والنجم وسورة اقرأ » (٤).

فاحتمال تخصيص التحريم بنفس السجدة لا وجه له ، مع أنّ في المعتبر بعد التعميم : رواه البزنطي عن المثنّى عن الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام (٥). ولا بأس بضعف السند بعد الانجبار بالفتاوى.

وعلى هذا فتحرم قراءة أجزائها المختصة بها مطلقاً ، والمشتركة بينها وبين غيرها مع النيّة.

( ومسّ كتابة القرآن ) إجماعاً من علماء الإسلام كما عن المعتبر والمنتهى (٦) ، إلّا داود كما عن التذكرة (٧) لفحوى ما دلّ على تحريمه على‏

____________

١ ـ المعتبر ١ : ١٨٦ / ١٨٧ ، المنتهي ١ : ٨٦ ، فقه القرآن ١ : ٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٤ ؛ وانظر كشف اللثام ١ : ٨٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ٢٦ / ٦٧ ، الاستبصار ١ : ١١٥ / ٣٨٤ ، علل الشرائع : ٢٨٨ / ١ ، الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٤.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٧.

٤ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١.

٥ ـ المعتبر ١ : ١٨٧ ، الوسائل ٢ : ٢١٨ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ١١.

٦ ـ المعتبر ١ : ١٨٧ ، المنتهي ١ : ٨٧.

٧ ـ التذكرة ١ : ٢٤.

٢٢٢

المحدث بالحدث الأصغر ، ولورود النهي عنه في النبوي (١) والرضوي (٢) : « لا تمسّ القرآن إن كنت جنباً أو على غير وضوء ».

وخلاف الإسكافي والشيخ في المبسوط فيه لفتواهما بالكراهة (٣) غير معلوم لاحتمال إرادتهما التحريم منها كما عن المختلف والذكرى (٤).

والمراد بالكتابة صور الحروف ، قيل : ومنه المدّ والتشديد لا الإعراب (٥). ويعرف كونها قرآناً بعدم احتمالها غير ذلك وبالنية ، وأمّا مع انتفائهما فلا تحريم.

( ودخول المساجد ) مطلقاً (٦) وفاقاً للمعظم ، بل عن المنتهى عدم الخلاف (٧) ، وفي الخلاف الإجماع (٨) ، بالكتاب المفسّر بهذا في الصحيح : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال : « لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول ( وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ ) » (٩) مضافاً إلى الصحاح الأخر (١٠).

والقول بالجواز مع استحباب الترك مطلقاً للأصل ، كما عن سلّار (١١) ، أو

__________________

١ ـ سنن الدار قطني ١ : ١٢١ ، سنن الترمذي ١ : ٩٨.

٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٦٤ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١.

٣ ـ حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٦ ، المبسوط ١ : ٢٣.

٤ ـ المختلف : ٢٦ ، الذكرى : ٣٣.

٥ ـ قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٦٧ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٧٩.

٦ ـ بوضوء أم لا ، للنوم أم لا. منه رحمه الله.

٧ ـ المنتهي ١ : ٨٧.

٨ ـ الخلاف ١ : ٥١٤.

٩ ـ علل الشرائع : ٢٨٨ / ١ ، تفسير القمي ١ : ١٣٩ ، الوسائل ٢ : ٢٠٧ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٠ ، والآية في النساء ب ١٥.

١٠ ـ الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥.

١١ ، المراسم : ٤٢.

٢٢٣

للنوم خاصة ، كما عن الصدوق في الفقيه والمقنع (١) ، شاذّ والأصل مخصّص بالدليل ؛ وليس في الخبر : عن الجنب ينام في المسجد ، فقال : « لا يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (٢) ـ مع قصور السند ـ دلالة على شيء منهما ، وحمله على التقية ممكن ، لمصير بعض العامة إلى مضمونه كما حكي (٣).

( إلّا اجتيازاً ) فيها ـ لا مطلق المرور والمشي في الجوانب كما قيل (٤) ـ على الأصح للصحيح المتقدم وغيره.

( عدا المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فيحرم الدخول مطلقاً بالإجماع كما في المدارك (٥) ، وعن المعتبر وظاهر الغنية والتذكرة (٦) ؛ للمعتبرة المستفيضة منها الصحيح : « ولا يقربان المسجدين الحرامين » (٧).

وليس في عدم تعرض الصدوقين والمفيد وسلّار والشيخ في الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والكيدري له مع إطلاقهم جواز الاجتياز في المساجد (٨) تصريح بالمخالفة ، بل ولا ظهور بملاحظة الإجماعات المنقولة. فتأمّل.

__________________

١ ـ الفقيه ١ : ٤٨ ، المقنع : ١٤.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٤ ، الوسائل ٢ : ٢١٠ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٨.

٣ ـ انظر الخلاف ١ : ٥١٤ ، والحدائق ٣ : ٥١.

٤ ـ قال به صاحب المدارك ١ : ٢٨١.

٥ ـ المدارك ٢٨٢.

٦ ـ المعتبر ١ : ١٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩ ، التذكرة ١ : ٢٥.

٧ ـ التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢٠٩ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٧.

٨ ـ حكاه عن والد الصدوق في الذكرى : ٣٤ ، الصدوق في الفقية ١ : ٤٨ ، المفيد في المقنعة : ٥١ ، سلار في المراسم : ٤٢ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٠ ، الاقتصاد : ٢٤٤ ، مصباح المتجهد : ٨.

٢٢٤

( ولو احتلم فيهما ) نوماً أو يقظةً ، أو دخلهما سهواً أو عمداً ، لضرورة أم لا ، لإطلاق النص وعدم تعقل الفرق بين الأفراد ، كذا قيل (١) ، فتأمّل ( تيمّم لخروجه ) منهما على الأشهر الأظهر ؛ للصحيح : « إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً » (٢).

وقول شاذ منّا بالاستحباب (٣) ضعيف خال عن المستند ، ولا عبرة بالأصل في مقابلة الصحيح.

( ووضع شيء فيها ) مطلقاً (٤) ( على الأظهر ) الأشهر ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه (٥) ؛ للمعتبرة منها الصحيح : عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : « نعم ، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا » (٦).

ويظهر منه عدم تحريم الأخذ منها كما هو المجمع عليه. وعلّل الأمران في آخر : بأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلّا منه ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره (٧).

وعن سلّار وموضع من الخلاف (٨) الكراهة. وهو ضعيف ، والأصل بما قدّمناه مخصّص.

__________________

١ ـ انظر كشف اللثام ١ : ٨٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ٤٠٧ / ١٢٨٠ ، الوسائل ٢ : ٢٠٦ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٦.

٣ ـ قال به ابن حمزة في الوسيلة : ٧٠.

٤ ـ أي سواء الستلزم اللبث أم لا. منه رحمه الله.

٥ ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٤٩ و ٥٥٠.

٦ ـ الكافي ٣ : ٥١ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٣ أبواب الجنابة ب ١٧ ح ١.

٧ ـ علل الشرائع : ٢٨٨ / ١ ، الوسائل ٢ : ٢١٣ أبواب الجنابة ب ١٧ ح ٢.

٨ ـ سلار في المراسم : ٤٢ ، الخلاف ١ : ٥١٣.

٢٢٥

( ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات ) للمضمر : عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : « ما بينه وبين سبع آيات » (١).

وتشتد فيما زاد على سبعين للمضمر الآخر : قال بدل ما تقدّم : « ما بينه وبين سبعين آية » (٢).

أمّا الجواز فمقطوع به بين أكثر الأصحاب كما في المختلف (٣) ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية وأحكام الراوندي والمعتبر : الإجماع عليه (٤) ، والصحاح بذلك مستفيضة (٥) كغيرها من المعتبرة المعتضدة بالأصل والعمومات والشهرة ( العظيمة ) (٦). وليس شيء من المضمرين وغيرهما ممّا سيأتي يصلح لتخصيصها بالبديهة ولا سيّما لإثبات الحرمة ، لعدم الصراحة ، لكن باب المسامحة في أدلّة الاستحباب والكراهة مفتوحة ، فلأجل ذلك حكم بها في موردهما تبعا للجماعة.

ولا يمكن الحكم بها في مطلق القراءة ؛ لموافقة الناهية عنها كذلك (٧) ـ مع ضعفها ـ للتقية (٨) ، مع مخالفته للشهرة العظيمة ، فلا يمكن مع ذلك المسامحة ، سيّما مع معارضتها بالمسامحة في أدلّة السنن ، لفتوى الأصحاب‏

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٥٠ ، الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨٣ ، الوسائل ٢١٨ : ٢ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٩.

٢ ـ التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٥١ ، الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨٣ ، الوسائل ٢١٨ / ٢ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ١٠.

٣ ـ المختلف : ٣٢.

٤ ـ لانتصار : ٣١ ، الخلاف ١ : ١٠٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٩ ـ ٥٥٠ ، فقه القرآن ١ : ٥٠ ، المعتبر ١٨٧ - ١٨٦ : ١.

٥ ـ الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩.

٦ ـ ليست في « ل » و « ح ».

٧ ـ الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٣ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب القراءة ب ٤٧ ح ١.

٨ ـ انظر المغني والشرح الكبير ١ : ١٦٥.

٢٢٦

بالاستحباب في الباب ، ودلالة النصوص عليه.

فظهر ضعف القول بها مطلقاً كما عن الخصال والمراسم وابن سعيد (١) ، لإطلاق النهي عنه في الخبر المروي في الأوّل : « سبعة لا يقرؤون القرآن : الراكع ، والساجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمّام ، والجنب ، والنفساء ، والحائض » (٢).

والقول (٣) بنفيها كذلك كما عن الجمل (٤).

والقول بالتحريم كذلك كما عن سلّار (٥) ، للنبوي : « يا علي من كان جنباً في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن ، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (٦).

وهو مع ضعفه واحتماله للتقية محتمل لخصوص العزائم ، بل صرّح بكونهما المراد منه في الفقيه (٧).

أو (٨) ما زاد على السبع خاصة ، كما عن القاضي وظاهر المقنعة والنهاية ومحتمل التهذيبين (٩) ، وبعض الأصحاب كما حكاه في الخلاف (١٠).

__________________

١ ـ الخصال : ٣٥٨ ، المراسم : ٤٢ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٩.

٢ ـ الهداية : ٤٠ ، الخصال : ٣٥٧ / ٤٢ ، المستدرك ٢ : ٢٧ أبواب الحيض ب ٢٧ ح ٤.

٣ ـ أي ظهر ضعف القول منه رحمه الله.

٤ ـ الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦١.

٥ ـ حكاه عنه في الذكرى : ٣٤.

٦ ـ الفقيه ٣ : ٣٥٨ / ١٧١٢ ، الأمالي : ٤٥٤ / ١ ، علل الشرائع : ٥١٤ / ٥ ، الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٣.

٧ ـ الفقيه ٣ : ٣٥٩.

٨ ـ عطف على قوله : كذلك ، أي ظهر ضعف القول بالتحريم فيما زاد على السبع. منه رحمه الله.

٩ ـ القاضي في المهذّب ١ : ٣٤ ، المقنعة : ٥٢ ، النهاية : ٢٠ ، التهذيب ١ : ١٢٨ ، الاستبصار ١ : ١١٥.

١٠ ـ الخلاف ١ : ١٠٠.

٢٢٧

أو على السبعين كذلك ، كما في المنتهى عن بعض الأصحاب (١) ، وفي نهاية الإحكام عن القاضي (٢).

وعن المبسوط الاحتياط أن لا يزيد على سبع أو سبعين (٣). وهو راجع إلى ما ذكرناه.

( ومسّ المصحف وحمله ) للصحيح : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب » الحديث (٤).

وفي الخبر : « لا تمس خيطه ولا تعلقه » (٥).

وفي الاستدلال به للكراهة نظر ؛ لاختلاف النسخة في « الخيط » فذكر بدله في بعضها « الخط » والنهي عنه حينئذ للتحريم ، واحتمال ما نهي عن تعلقه ما يباشر البدن من الكتابة ، بل وهما قريبان بملاحظة تعليل النهيين فيه بالآية الكريمة (٦). فتأمّل.

ولا يحرم وفاقاً للمشهور للأصل ، والرضوي : « ولا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ، ومسّ الأوراق » (٧).

فيحمل الصحيح على الكراهة جمعاً ، وليس الصحيح أقوى من الرضوي بعد اعتضاده بالأصل والشهرة ، بل هو حينئذ مع اعتباره في نفسه أقوى منه. فظهر ضعف القول بالتحريم ومستنده كما عن المرتضى (٨).

__________________

١ ـ المنتهي ١ : ٨٧.

٢ ـ لم نعثر في نهاية الإحكام حكاية ذلك عن القاضي.

٣ ـ المبسوط ١ : ٢٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٧١ / ١١٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٧ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٧.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٢٧ / ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ / ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٨٤ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

٦ ـ الواقعة : ٧٩.

٧ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٣٠٠ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ١.

٨ ـ حكاه عنه المحقق في المعتبر ١ : ١٩٠ ، والعلامة في المنتهي ١ : ٨٧.

٢٢٨

( والنوم ما لم يتوضأ ) إجماعاً كما عن المعتبر والمنتهى والغنية وظاهر الذكرى (١) ؛ للمعتبرة منها الصحيح : عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال : « يكره ذلك حتى يتوضأ » (٢).

وظاهره كالمتن وغيره انتفاء الكراهة مع الوضوء ، إلّا أنّ مقتضى مثله سنداً بقاؤها إلى الاغتسال ، لتعليل الأمر بالغسل فيه بعد الفراغ ب‍ « أنّ اللّه تعالى يتوفّى الأنفس في منامها ولا يدري ما يطرقه من البلية » (٣).

ولذا قيل بها مع الخفة بالوضوء (٤) ، وحكي عن ظاهر النهاية والسرائر (٥) وهو حسن ؛ وفي الموثّق : عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم ، قال : « إن أحبّ أن يتوضأ فليفعل ، والغسل أفضل من ذلك » (٦) إشعار بذلك. ولا خلاف في الجواز ، كما في آخره والصحيح.

ولو لم يتمكن من الطهارتين بالماء أمكن استحباب التيمم ؛ للعموم ، وخصوص الخبر : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلّا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد » (٧).

ويتخير في نية البدلية عن أحد الطهورين. واختيار نية البدلية عن الغسل أفضل ، فتأمّل. وعن الاقتصاد إطلاق الكراهية (٨) ، وعن المهذّب تخصيصها

__________________

١ ـ المعتبر ١ : ١٩١ ، المنتهي ١ : ٨٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، الذكرى : ٣٤.

٢ ـ الفقيه ١ : ٤٧ / ١٧٩ ، الوسائل ١ : ٣٨٢ أبواب الوضوء ب ١١ ح ١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٣٧٢ / ١١٣٧ ، الوسائل ٢ : ٢٨٢ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٤.

٤ ـ قال بها الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٣.

٥ ـ النهاية : ٢١ ، السرائر ١ : ١١٨.

٦ ـ الكافي ٣ : ٥١ / ١٠ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٢٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٨ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٦.

٧ ـ علل الشرائع : ٢٩٥ / ١ ، الخصال ٦١٠ / ١٠ ، الوسائل : ٢ : ٢٢٧ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٣.

٨ ـ الاقتصاد : ٢٤٤.

٢٢٩

بعدم الاغتسال أو الاستنشاق والمضمضة (١).

( والأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق ) في المشهور ، بل عن الغنية والتذكرة الإجماع عليه (٢) ؛ لورود النهي عنهما في المعتبرة.

منها : خبر المناهي في آخر الفقيه : « نهى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأكل على الجنابة وقال : إنه يورث الفقر » (٣).

ومنها : الرضوي : « وإذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك وتمضمض واستنشق ثمَّ كل واشرب إلى أن تغتسل ، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص ، ولا تعوّد على ذلك » (٤).

وفي الخبر : « لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنه يخاف منه الوضح » (٥) أي البرص.

والنهي فيها مع قصور أسانيدها للكراهة ؛ للأصل ، مع ما تقدم من الإجماع ، والموثق : عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال : « نعم ويذكر ما شاء » (٦) مع إشعار سياقها بالكراهة.

فالقول بالحرمة قبل الأمرين وغسل اليدين ـ كما عن الفقيه (٧) ـ مع شذوذه ضعيف ، مع احتمال عدم مخالفته ، لإشعار التعليل في عبارته بعدمها بل‏

__________________

١ ـ المهذّب ١ : ٣٤.

٢ ـ الغنية ( الجوامع الفقيهة ) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٢٥.

٣ ـ الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٥.

٤ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٦ ، أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٢.

٥ ـ الكافي ٣ : ٥١ / ١٢ ، التهذيب ١ : ١٣٠ / ٣٥٧ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٩١ ، الوسائل ٢ : ٢١٦ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٢.

٦ ـ الكافي ٣ : ٥٠ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٢١٨ / ٣٤٦ ، الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٧٩ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٢.

٧ ـ الفقيه ١ : ٤٦.

٢٣٠

بالكراهة.

وظاهر المتن ـ كالمحكي عن المشهور (١) ـ انتفاؤها بالأمرين ؛ ولا مستند له من الأخبار في البين. كما لا مستند للمحكي عن المنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والدروس (٢) من التخيير في نفيها بهما أو بالوضوء ؛ وليس في الصحيحين النافيين لها به خاصة ـ كما في أحدهما (٣) ـ أو مع غسل اليد مخيّراً بينهما مع أفضلية الوضوء ـ كما في ثانيهما (٤) ـ دلالة عليه.

وظاهر الفقيه والهداية والأمالي : انتفاؤها بالأمرين في المتن مع غسل اليدين (٥) للرضوي المتقدّم.

وعن المعتبر انتفاؤها بغسلهما وبالأول منهما (٦) وليس في الصحيح : « الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه » (٧) دلالة عليه ، لزيادة الثالث. كما لا دلالة فيه على ما حكي عن النفلية وإن زيد فيها (٨) ، لازدياد الاستنشاق أيضاً مع خلوه عنه.

والكلّ حسن ـ إن شاء اللّه ـ مع ترتب الكلّ في الفضيلة ، فأكملها الوضوء ، ثمَّ الأمران مع غسل الوجه واليدين ، ثمَّ هما مع الثاني ، ثمَّ هما فقط ، ثمَّ هو خاصة.

ونصّ الشرائع بثبوت الخفة بذلك لا الانتفاء بالكلية (٩) ، كما عن‏

__________________

١ ـ كما في المسالك ١ : ٨.

٢ ـ المنتهي ١ : ٨٩ ، التحرير ١ : ١٢ ، نهاية الإحكام ١ : ١٠٤ ، الدروس : ١ : ٩٦.

٣ ـ الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٧.

٤ ـ التهذيب ١ : ٣٧٢ / ١١٣٧ ، الوسائل ٢ : ٢٢٠ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٧.

٥ ـ الفقيه ١ : ٤٦ ، الهداية : ٢٠ ، أمالي الصدوق : ٥١٦.

٦ ـ المعتبر ١ : ١٩١.

٧ ـ الكافي ٣ : ٥٠ / ١ ، التهذيب ١ : ١٢٩ / ٣٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ١

٨ ـ النفلية : ١٠ ـ ١١.

٩ ـ الشرائع ١ : ٢٧.

٢٣١

الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر والنهاية (١) ولا بأس به ؛ لرواية المناهي المتقدمة (٢) المعلّل فيها النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر والفاقة ، وشي‏ء من الأمور المذكورة لا ترفع الجنابة التي هي المناط في هذه الآفة.

( والخضاب ) وهو ما يتلون به من حنّاء وغيره في المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٣) للمستفيضة الناهية عن ذلك المعلّل في بعضها بإصابة الشيطان ، رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مكارم الأخلاق من كتاب اللباس للعيّاشي ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام (٤).

ولا يحرم إجماعاً ؛ للمستفيضة النافية للبأس عنه ، منها الموثق : عن الجنب والحائض يختضبان؟ قال : « لا بأس » (٥). ومثله الحسن في الجنب على نسخة وبدلها يحتجم في أخرى (٦) مع إشعار المعلّل به.

وعلى ظاهر الأخيرة جمد في الفقيه فنفى البأس مطلقاً (٧) ، ويمكن حملها ككلامه على نفي التحريم المجامع للكراهة جمعاً بينها وبين الأدلة ، فلا خلاف فيها نصّا وفتوى.

وهي كما دلّت على ثبوتها في الخضاب بعد الجنابة كذا دلّت على العكس ، وعلّل هذا أيضاً في الخبر المعلّل بما علّل ، ولكن حدّت هنا بعدم أخذ الحنّاء مأخذه ، وسُلبت معه ، ففي الخبر ـ بعد النهي عنه ـ : « أفلا أدلّك‏

__________________

١ ـ الاقتصاد : ٢٤٤ ، مصباح المتهجد : ٩ ، السرائر ١ : ١١٧ ، النهاية : ٢١.

٢ ـ في ص : ٢٣٠.

٣ ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠.

٤ ـ مكارم الأخلاق : ٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٢٣ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ١٠.

٥ ـ التهذيب ١ : ١٨٢ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣١٩ ، الوسائل ٢ : ٢٢٢ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٦.

٦ ـ الكافي ٣ : ٥١ / ١١ ، الوسائل ٢ : ٢٢٣ أبواب الجنابة ب ٢٣ ح ١.

٧ ـ الفقيه ١ : ٤٨.

٢٣٢

على شيء تفعله؟ » قلت : بلى ، قال : « إذا اختضبت بالحنّاء وأخذ الحنّاء مأخذه فحينئذ فجامع » (١). ومثله المرسل (٢).

ومقتضى حمل المطلقات على الأفراد المتبادرة تخصيص الاختضاب بالحنّاء ونحوه بالكراهة ، فلا يكره غيره ؛ للأصل. وما يوجد في عبارة المقنعة من تعليل الكراهة بمنع الخضاب وصول الماء إلى الجسد (٣) وإن اقتضى العموم فيما له لون ، إلّا أنه فرع ثبوته ؛ مع ما فيه من اقتضائه التحريم لا الكراهة.

( ولو رأى بللاً بعد الغسل إعادة إلا مع البول ) قبله ( أو الاجتهاد ) كما تقدم الكلام فيه وفي صور المسألة في بحث الاستبراء.

( ولو أحدث ) بالأصغر ( في أثناء غسله ، ففيه أقوال أصحّها : الإتمام والوضوء ) بعده ، وفاقاً للمرتضى (٤) وجماعة (٥).

فعدم الإعادة للأصلين : البراءة واستصحاب الصحة المتيقنة.

والقدح فيهما بعدم جريانهما في العبادة مع معارضتهما بمثلهما من الأصل (٦) والقاعدة (٧) ، مقدوح بعموم الأدلة لحصول الطهارة لما جرى عليه الماء من أعضاء الجنابة ، كما ورد في المعتبرة ، منها : « ما جرى عليه الماء فقد

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ١٨١ / ٥١٧ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٣٨٦ ، الوسائل ٢ : ٢٢١ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٤.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥١ / ذيل الحديث ٩ ، الوسائل ٢ : ٢٢١ أبواب الجنابة ب ٢٢ ح ٢.

٣ ـ المقنعة : ٥٨.

٤ ـ حكاه عن المرتضي في المعتبر ١ : ١٩٦ ، والمنتهي ١ : ٩٢.

٥ ـ منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٥٨ ، والبهائي في الحبل المتين : ٤١.

٦ ـ أي أصالة بقاء الجنابة. منه رحمه الله.

٧ ـ وهي أن شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية. منه رحمه الله.

٢٣٣

طهر » (١) ومنها : « كل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته » (٢) وضعف (٣) المعارضين من حيث مهجورية العمل بهما هنا عند الجماعة بالبديهة ، كيف لا؟! والعمل بمقتضاهما لا يحصل إلّا بالعمل بالأقوال الثلاثة في المسألة ، وهو إحداث قول رابع بالبديهة ، وليس فيهما تعيين لأحد الأقوال بالضرورة ، فتأمل. فلا إعادة.

ووجوب الوضوء لعموم ما دلّ على إيجاب الأصغر إياه لحصول الاستباحة في المشروط بالطهارة من العبادة ، خرج منه ما كان منه قبل غسل الجنابة بالإجماع والأدلّة.

وقيل بوجوب الإعادة خاصة (٤) ؛ التفاتاً إلى أنّ الصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه الأحداث الصغار بالمرّة ، ومثل هذا الغسل بعد إتمامه لا يرفع ما تخلّله بالبديهة.

وأنّ المتخلّل حدث ، ولا بدّ له من أثر ، فهو إمّا موجب الغسل فلا كلام ، أو الوضوء وليس مع غسل الجنابة.

وأنّ الحدث بعد تمامه ينقض حكمه من إباحة الصلاة ، فنقض حكم بعضه المتقدم أولى ، ولا يكفي البعض في الإباحة ، ولا يخلو عنها غسل جنابة.

وفي الجميع نظر ، لمنع كون شأن الصحيح منه ذلك على الإطلاق ، كيف لا؟! ولا تساعده الأدلة المثبتة لذلك فيه ، بل غايتها الثبوت في الجملة.

ومنع المنع عن الوضوء مع غسل الجنابة مطلقاً حتى المقام ، لعدم تبادر

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ / ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤٢٠ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

٣ ـ عطف على عموم الأدلة. منه رحمه الله.

٤ ـ انظر ص : ٢٣٦.

٢٣٤

مثله من أدلته.

ولاقتضاء الأولوية المزبورة ثبوت ما للأصل للفرع ، وليس له إلّا الوضوء ونحن نقول به ، وليس له إعادة الغسل فتثبت له.

توضيحه : أن لغسل الجنابة حكمين :

أحدهما : رفع الأثر الحاصل من الجنابة المانع من استباحة الدخول في المشروط بالطهارة.

والآخر : رفع الأثر الحاصل من الحدث الأصغر المانع من ذلك.

ولا ينقض الحدث الأصغر بعد الإتمام منهما إلّا الثاني دون الأوّل إجماعاً. ومقتضى الأولويّة انتقاض هذا الحكم في بعض الأجزاء بالحدث في الأثناء ، ونحن نقول به.

والقول بنقضه هنا للأوّل أيضاً ـ مع عدم ثبوته من الأولوية ـ فرع التلازم بين النقضين ، وهو ممنوع ، كيف لا؟! والتفكيك ثابت فيه بعد صدوره بعده ، ولا استبعاد فيه مطلقاً إلّا بتقدير انحصار معنى صحة الغسل في حصول الاستباحة ، وتطرّق المنع إليه جلي.

كيف لا؟! وما عدا غسل الجنابة صحيح مع عدم استباحة الدخول في المشروط بالطهارة به بخصوصه إلّا بعد الإتيان بالوضوء على الأظهر الأشهر ، وإليه ذهب أصحاب هذا القول. فليس معنى صحة الغسل هنا (١) إلّا رفع الأثر الموجب له.

ولا امتناع في إرادته من الصحة في المقام فالمراد بصحة الغسل فيه ارتفاع الأثر الموجب له وإن لم يستبح به الصلاة إلّا بالوضوء بعده كما في نظائره ؛ ولا دليل على كون صحة غسل الجنابة خاصة هو حصول الاستباحة

__________________

١ ـ في « ش » زيادة أي ما عدا غسل الجنابة.

٢٣٥

مطلقاً ، ولا إجماع ، كيف؟! وهو أوّل الكلام.

وربما يمكن الاستدلال لهذا القول بالرضوي : « فإن أحدثت حدثاً من بول أو غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوّله » (١).

وهو مع قوّته في نفسه معتضد بالشهرة المحكية عن بعض المحقّقين في شرح الألفية (٢) والخبر الذي بمعناه عن عرض المجالس (٣).

فهو أقوى ، وفاقاً للفقيه والهداية والنهاية والمبسوط والإصباح والجامع (٤) وجماعة (٥). ولكن الأحوط الجمع بين القولين بالإعادة ثمَّ الوضوء.

وربما قيل بالاكتفاء بالإتمام ، كما عن الحلّي وابن البرّاج والشيخ علي (٦) بناء على عدم إيجاب المتخلّل الغسل فلا وجه للإعادة ، ولا وجه للوضوء بناء على عدمه مع الغسل عن الجنابة.

وضعفه ظاهر بما تحرّر. ولا احتياط في مراعاته ، وإن قيل به فلا بأس به.

( ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء ) مطلقاً بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا (٧) وإن اختلف في استحبابه وعدمه ، إلّا أنّ المشهور الثاني. ويدلّ عليه جملة من أخبارنا الحاكمة ببدعيّة الوضوء قبل الغسل وبعده (٨) ، ويدل عليه أيضاً

__________________

١ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٧٤ أبواب الجنابة ب ٢١ ح ١.

٢ ـ الظاهر أنه المحقق الكركي كما ذكرة الوحيد البهبهاني في حاشيه المدارك.

٣ ـ لم نعثر عليه في أمالي الصدوق ، وقد نقله في الذكرى : ١٠٦ ، والمدارك ١ : ٣٠٨ ، ورواه في الوسائل ٢ : ٢٣٨ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٤ عن المدارك والشهيدين وغير هما.

٤ ـ الفقيه ١ : ٤٩ ، الهداية : ٢١ ، النهاية ٢٢ ، المبسوط ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ، الجامع للشرائع : ٤٠.

٥ ـ منهم العلامة في نهاية الإحكام ١ : ١١٤ ، والشهيد في البيان : ٥٥.

٦ ـ انظر السرائر ١ : ١١٩ ، جواهر الفقه : ١١ ، جامع المقاصد ١ : ٢٧٦.

٧ ـ منهم الشيخ في الخلاف ١ : ١٣١ ، المحقق في المعتبر ١ : ١٩٥ ، العلامة في المختلف : ٣٣.

٨ ـ الوسائل ٢ : ٢٤٤ أبواب الجنابة ب ٣٣ الاحاديث ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٩ ، ١٠ ، والباب ٣٤.

٢٣٦

ما سيأتي.

وما ربما يتوهم منه الجواز (١) ـ فمع متروكية ظاهره للأمر به فيه ، مع قصور سنده ـ يوافق مذاهب جميع من خالفنا ، إذ هم ما بين موجب (٢) ومستحب (٣) له فيه ، فحمله على التقية مقتضى القواعد المقرّرة عن أئمتنا عليهم‌السلام.

فمصير الشيخ في التهذيب إلى الاستحباب (٤) حملاً للخبر عليه غير واضح ؛ ولا يبعد ذكره ذلك لمجرّد الجمع بين الأخبار ، لا لأجل الفتوى ، فنسبة ذلك إليه لا يخلو عن شي‏ء.

( وفي ) إجزاء ( غيره ) عنه ( تردّد ، أظهره أنه لا يجزي ) وفاقاً لجمهور أصحابنا ، بل كاد أن يكون إجماعا بيننا كما صرّح به بعض أصحابنا (٥). وعن الصدوق في الأمالي كونه من دين الإمامية (٦) ، وعبارته وإن قصرت عن التصريح بالوجوب إلّا أنّها كعبارة المرسل كالصحيح الآتي الظاهر في الوجوب.

لإطلاق الآية الآمرة به للصلاة (٧) من دون تقييد.

وعموم ما دلّ على وجوبه بحدوث أحد أسبابه ، كما في الصحاح المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل متواترة بالضرورة ، فإجزاء الغير عنه يحتاج إلى دليل ، وليس ، كما يأتي.

وخصوص المرسل كالصحيح ـ على الصحيح ـ : « كلّ غسل قبله وضوء إلّا

__________________

١ ـ انظر الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٦.

٢ ـ نقله عن داود في عمدة القاري ٣ : ١٩١.

٣ ـ المغني والشرح الكبير ١ : ٢٤٩.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٤٠.

٥ ـ كالشيهد في الذكرى : ٢٥.

٦ ـ أمالي الصدوق : ٥١٥.

٧ ـ المائدة : ٦.

٢٣٧

غسل الجنابة » (١) وظاهره بنفسه اللزوم والمشروعية على التحتم ، أو بمعونة الشهرة ، أو الأخبار الأخر التي هي دليل برأسها ، كالرضوي : « وليس في غسل الجنابة وضوء ، والوضوء في كلّ غسل ما خلا الجنابة ، لأنّ غسل الجنابة فريضة [ مجزية عن الفرض الثاني‏‏ ] ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء ، لأن الغسل سنّة والوضوء فريضة ، ولا تجزي سنّة عن فريضة ، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما ، وإذا اغتسلت لغير الجنابة فابدأ بالوضوء ثمَّ اغتسل ولا يجزيك الغسل عن الوضوء ، فإن اغتسلت ونسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة » (٢).

ولا يخفى ما فيه من الأمر به فيه والتأكيد في إيجابه والأمر بإعادة الصلاة مع تركه ومثله حجّة لقوّته ، سيّما مع اشتهاره.

ومثله في الأمر به والتأكيد في وجوبه المروي في الغوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلّا الجنابة » (٣).

هذا مع ما في الصحيح : « إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل » (٤) والأمر للوجوب ، ولا قائل بالفصل ، فيتمّ المطلوب.

خلافاً للمرتضى والمحكي في المختلف عن الإسكافي (٥) ، فحكما بالإجزاء مع استحبابه.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٤٥ / ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ١.

٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام ٨٢ : ، السمتدرك ١ : ٤٧٦ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٣ ـ عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٣ / ١١٠ ، المستدرك ١ : ٤٧٧ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٣.

٤ ـ التهذيب ١ : ١٤٢ / ٤٠١ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٤ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٣.

٥ ـ حكاه عنهما في المختلف : ٣٣.

٢٣٨

واستدل لهما بعض المتأخرين (١) تارة : بالصحيحين الحاكمين بالإجزاء ، معلّلين له بأيّ وضوء أطهر من الغسل؟! (٢).

وهما لعدم عمومهما ـ لفقد اللفظ الدال عليه فيهما ، وانصرافهما إلى الفرد المتبادر الغالب الذي هو الغسل عن الجنابة ، مع ظهور صدر أحدهما فيه وبه تعلّق الجواب ـ لا يصلحان لصرف الأخبار المتقدمة عن ظواهرها. وليس في التعليل إشعار بالعموم لاحتمال الخصوصية ، ونفيها هنا فاسد بالبديهة.

واُخرى : بما دلّ على بدعيته مع الغسل كالصحيح وغيره (٣).

وفيه ـ مع ما تقدّم من الإطلاق المنصرف إلى ما تقدّم ـ : متروكية ظاهرها على تقدير تعميمها ، كيف لا؟! والاستحباب معتقد الخصم ، والرجحان والمشروعية في الجملة مجمع عليه ، وهو من أعظم الشواهد على حمل الغسل المطلق فيها وفي غيرها على ما ذكرنا.

واخرى : بالأخبار النافية له عن غسل مثل الجمعة والعيد ، معلّلاً في بعضها بما تقدّم من العلّة (٤).

وهي ـ مع قصور أسنادها كملاً ، وضعف أكثرها قطعا ـ معارضة بالصحيح المتقدم (٥) الآمر به في غسل الجمعة. ولا شيء منها تبلغ قوة المقاومة له ولو

__________________

١ ـ كالعالمه في المختلف : ٣٣ ، وصاحب المدارك ١ : ٣٥٩ وصاحب الحدائق ٣ : ١٢٠ ـ ١٢١.

٢ ـ الاول :

التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٧ ، الوسائل ٢ : ٢٤٤ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ١.

الثاني :

التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤.

٣ ـ المتقدم في ص : ٢٣٦.

٤ ـ الوسائل ٢ : ٢٤٤ أبواب الجنابة ب ٣٣.

٥ ـ في ص : ٢٣٨.

٢٣٩

صحت ، لاعتضاده بإطلاق الآية ، والشهرة العظيمة ، وصريح غيره من المعتبرة (١).

واُخرى : بالصحاح في غسل الحائض والمستحاضة والنفساء الظاهرة في عدم وجوبه ، للاكتفاء فيها بذكر الغسل خاصة ، وعدم تعرّضها له بالمرة مع ورودها في مقام الحاجة.

وفيها : أنّ الظاهر من سياقها الحاجة إلى معرفة الرافع للأحداث الثلاثة وبيانه ، لا بيان غيره من الرافع للأصغر ، فقد يكون وجوب رفعه في حقّهنّ معروفاً معلوماً من الخارج. ولو سلّم فلا عبرة بها بعد الثبوت ، وإن هي حينئذ إلّا كالعام المخصّص أو المطلق المقيّد أو الظاهر المؤوّل.

ثمَّ على المختار هل يستحب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن النهاية والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر وموضع من المبسوط والشرائع القواعد (٢) ، وادّعي عليه الشهرة (٣) ، بل عن الحلّي الإجماع عليه (٤).

أم يجب؟ كما عن ظاهر الصدوقين والمفيد والحلبيّين (٥).

قولان ، وظاهر أكثر الأخبار مع الثاني ، وإطلاق بعضها مع الأوّل ، إلّا أنّ مقتضى القاعدة إرجاعه إلى الأوّل (٦) ، وإن كان القول بالاستحباب ليس بذلك البعيد ، للإجماع المنقول المعتضد بالشهرة.

__________________

١ ـ الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥.

٢ ـ النهاية ٢٣ ، الوسيلة : ٥٦ ، السرائر ١ : ١١٣ و ١٥١ ، الجامع للشرائع ٣٣ ، المعتبر ١ : ١٩٦ ، المبسوط ١ : ٣٠ ، الشرائع ١ : ٣١ ، القواعد ١ : ١٥.

٣ ـ كما في الحدائق ٣ : ١٢٧.

٤ ـ السرائر ١ : ١١٣.

٥ ـ حكاه عن الصدوقين في المختلف : ٣٤ ، المفيد في المقنعة : ٥٣ أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقيه ) : ٥٥٤.

٦ ـ أي الوجوب.

٢٤٠