رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ١

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-089-7
الصفحات: ٥١٩

أيضاً.

وفي الصحيح : عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع ، فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم (١) أو : ظاهره على اختلاف النسختين.

وظهوره فيما ذكرناه بناءً على إطلاق اللفظتين لما ارتفع وليس من القدم إلّا وسطه.

وينقدح منه وجه الاستدلال بالخبرين الموصف عليه‌السلام له في أحدهما في ظهر القدم (٢) ، والواضع يده عليه قائلاً : « إنّ هذا هو الكعب » في ثانيهما (٣).

وحمل الثلاثة الأخيرة ـ ككلام أكثر الأصحاب ـ على قول من يذهب منّا إلى أنه المفصل بين الساق والقدم ، بإرادة العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق والقدم الناتئ في وسط القدم عرضا نتوّا غير محسوس ، من العظم (٤) الناتئ في وسط القدم ، كما في عبارات الأكثر ، ومن ظهر القدم كما في الثلاثة.

بعيد مخالف للظاهر والمتبادر منهما كما اعترف به الحامل (٥) ، فلا وجه له أصلا سيّما بعد ذلك ، مضافا إلى عدم قبول ظاهر عبارات الأكثر ذلك ، لوصفه بالنتوّ في ظهر القدم عند معقد الشراك في عبارة ، وكونه معقد الشراك في أخرى ، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في ثالثة ، وأنهما في معقد

__________________

١ ـ تقدّم مصدره في ص : ١٣٨ ـ ـ ١٣٧.

٢ ـ التهذيب ١ : ٧٥ / ١٨٩ ، الوسائل ١ : ٤٥٣ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١.

٣ ـ التهذيب ١ : ٧٥ / ١٩٠ ، الوسائل ١ : ٣٩١ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٩.

٤ ـ متعلق بـ : إرادة.

٥ ـ وهو البهائي في الحبل المتين : ١٨.

١٤١

الشراك في رابعة.

ولعل الحامل للحامل بهذا الحمل واختياره ذلك مذهباً نسبة ذلك إلى الشيعة في كلام جماعة من العامة (١) ، وكلام أهل التشريح ، وظاهر الصحيح بزعمه ، وفيه : قلنا : أين الكعبان؟ فقال : « ها هنا » يعني المفصل دون عظم الساق ، فقلنا : هذا ما هو؟ فقال : « هذا عظم الساق » (٢) كذا في التهذيب ، وفي الكافي بزيادة قوله : « والكعب أسفل من ذلك » (٣).

وفي الجميع نظر :

ففي الأول بالمعارضة بنسبة من تقدّم من علمائهم أيضاً ما ذكرناه إلينا.

والثاني بالمعارضة بكلام اللغويين منّا وغيرهم ممّن خالفنا كما عرفت ، مضافاً إلى المعارضة بالإجماعات المستفيضة فيهما.

والثالث بالمعارضة بالصحيح الأول وتاليه الصريحين فيما ذكرنا ، واحتمال أن يراد بالمفصل فيه مقطع السارق أي المفصل الشرعي ، بل لعلّه الظاهر بملاحظة بعض المعتبرة كالرضوي : « يقطع السارق من المفصل ويترك العقب يطأ عليه » (٤) لإيمائه إلى معروفية المفصل عند الإطلاق في ذلك الزمان ، وأنه الذي في وسط القدم ، حيث أطلق عليه مجرّداً عن القرينة ابتداء اتكالا على معروفيته.

ومنه ينقدح وجه استدلال المعظم من أصحابنا به لما ذهبوا إليه.

__________________

١ ـ كالفخر رازي في التفسير الكبير ١١ : ١٦٢ ، والنسيابوري (هامش تفسير الطبري) : ٧٤.

٢ ـ التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩١ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٣ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٥.

٤ ـ لم نعثر عليها في فقه الرضا وقد ، نقلها صاحب الوسائل ٢٨ : ٢٥٤ أبواب حد السرقه ب ٤ ح ٧ عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي ، ولعلّ منشاء النسبة إلى الرضوي امتزاج نوادر أحمد ابن محمد بن عيسي بالفقه الرضوي في بعض نسخه.

١٤٢

هذا ، مضافاً إلى دلالته على ما ذكرنا أيضاً ـ مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكر ـ بملاحظة لفظ الدون الدالّ على لزوم مسافة ولو في الجملة بين المفصل وعظم الساق ، وليست مع إرادة المفصل بين عظم الساق والقدم من لفظ المفصل فيه ، بل المفصل حينئذ عين عظم الساق أو جزؤه ، لكونه عبارة عن مجمع العظمين منه ومن القدم فكيف يكون دونه. وتتأيد الدلالة بملاحظة نسخة الكافي (١) كما لا يخفى.

فالمصير إلى هذا القول ليس بحسن مصير كما عن المختلف والشهيد في الرسالة وصاحب الكنز وغيرهم من متأخري المتأخرين (٢).

هذا ، وربما يؤوّل كلام الأول إلى ما يؤول إلى الأول ويدّعى عدم مخالفته له بتوجيه حسن مع شاهد جميل.

وكيف كان فالمذهب : الأول ، والأحوط : الثاني مع تأمل فيه. فتأمّل.

ويؤيد المختار ما نصّ من الأخبار على المسح على النعلين من غير استبطان الشراكين ، خصوصاً على دخول الكعبين في الممسوحين كما هو أحوط القولين المتقدمين قبيل المقام (٣).

( ويجوز ) المسح هنا كالرأس ( منكوساً ) على الأشهر الأظهر ، لما تقدّم ، مضافاً إلى خصوص الخبر ، بل الصحيح : أخبرني من رأى أبا الحسن بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم ويقول : « الأمر في مسح الرّجلين موسّع ، من شاء مسح مقبلا ومن شاء

____________

١ ـ الكافي ٣ : ٢٥ / ٥.

٢ ـ المختلف : ٢٤ ، الرسالة ( الألفية في الصلاة اليومة) : ٢٨ و ٢٩ ، كنز العرفان ١ : ١٨ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ٤٦.

٣ ـ راجع ص ١٣٩.

١٤٣

مسح مدبراً ، فإنه من الأمر الموسّع » (١).

والصحيح المتقدم ثمّة المروي بطريق آخر هكذا : « لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومدبراً » (٢).

خلافاً لمن تقدّم لما تقدّم ؛ والجواب ما عرفت ثمّة (٣).

( ولا يجوز على حائل من خفّ وغيره ) ومنه الشعر المختص على الأحوط لندرة إحاطة الشعر بالرّجل ، فلا يعمّه الإطلاق ، وعموم الأرجل بالنسبة إلى المكلّفين ، وكذا النهي عن البحث عمّا أحاط به الشعر (٤).

والأصل في المقام ـ مضافاً إلى ما تقدّم في المسح الأول من الإجماع منّا وغيره ـ النصوص (٥).

( إلّا لضرورة ) اتفاقاً على الظاهر ؛ للعمومات ، وأخبار الجبائر ، منها خبر وضع المرارة على الإصبع (٦).

ومنها التقية ؛ لخبر أبي الورد المعتبر بورود المدح فيه (٧) ، ورواية حمّاد عنه ، واشتهاره بين الأصحاب : عن الخفّين هل فيهما رخصة؟ فقال : « لا إلّا من عدوّ تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك » (٨).

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣١ / ٧ ، التهذيب ١ : ٥٧ / ١٦٠ ، الاستبصار ١ : ٥٨ / ١٧٠ ، قرب الإسناد : ٣٠٦ / ١٢٠٠ بتفاوت ، الوسائل ١ : ٤٠٧ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٣.

٢ ـ التهذيب ١ : ٨٣ / ٢١٧ ، الوسائل ١ : ٤٠٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٢.

٣ ـ راجع ص ١٢٩.

٤ ـ الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٨ ، التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٦ ، الوسائل ١ : أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٢ ، ٣.

٥ ـ انظر الوسائل ١ : ٤٥٧ أبواب الوضوء ب ٣٨.

٦ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٤ ، ٣٦٣ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٤٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٤ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

٧ ـ الكافي ٤ : ٢٦٣ / ٤٦.

٨ ـ التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٩٢ ، الاستبصار ١ : ٧٦ / ٢٣٦ ، الوسائل ١ : ٤٥٨ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ٥.

١٤٤

وما ورد في المعتبرة من عدم التقية في المسح على الخفّين ومتعة الحج (١) ـ مع مخالفته الاعتبار والأخبار عموماً وخصوصاً ـ يحتمل الاختصاص بهم عليهم‌السلام ، كما قاله زرارة في الصحيح ، وأنه (٢) لا حاجة إلى فعلهما غالباً للتقية ، لعدم إنكار العامة خلعهما للوضوء ولا متعة الحج ، وإن كان فعلهما على بعض الوجوه مما يوهمهم الخلاف.

وفي حكمه (٣) غسل الرّجلين ، فيجوز للتقية. ولو دارت بينه وبين ما تقدّم قيل : هو أولى ، كما عن التذكرة (٤) ، لخروج الخفّ من الأعضاء.

وفي وجوب إعادة الوضوء حينئذ مع زوال السبب من غير حدث وجهان ، بل قولان ، أحوطهما : الأول لو لم يكن أقوى ؛ لتعارض أصالة بقاء الصحة بأصالة بقاء يقين اشتغال الذمة بالمشروط بالطهارة ، وعدم ثبوت أزيد من الاستباحة من الخبر المجوّز له للضرورة ، وهي تتقدّر بقدرها. وهو خيرة المنتهى ومقرب التذكرة (٥) ، وفي التحرير ما ذكرناه (٦).

خلافاً للمشهور ، لاختيارهم الثاني كما قيل (٧). فلو زال قبل فوات الموالاة وجب المسح لبقاء وقت الخطاب ، كما عن مقتضى المبسوط والمعتبر والمنتهى (٨) ، ويأتي العدم (٩) على الثاني.

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٩٣ ، الاستبصار ١ : ٧٦ / ٢٣٧ ، الوسائل ١ : ٤٥٧ أبواب الوضوء ب ٣٨ ح ١.

٢ ـ عطف على قوله : الاختصاص. منه رحمه الله.

٣ ـ أي المسح على الخفين. منه رحمه الله.

٤ ـ التذكرة ١ : ١٨.

٥ ـ المنتهي ١ : ٦٦ ، التذكرة ١ : ١٨.

٦ ـ قال في التحرير ١ : ١٠ فلو زال السبب ففي الإعادة نظر.

٧ ـ قال به صاحب الحدائق ٢ : ٣١٣.

٨ ـ المبسوط ١ : ٢٢ ، المعتبر ١ : ١٥٤ ، المنتهي ١ : ٦٦.

٩ ـ أي عدم وجوب الإعادة. منه رحمه الله.

١٤٥

( والسادس : الترتيب ) بالكتاب والسنّة والإجماع ، وهو أن ( يبدأ بالوجه ، ثمَّ باليمنى ، ثمَّ باليسرى ، ثمَّ بالرأس ، ثمَّ بالرّجلين ) بلا خلاف في شيء من ذلك فتوىً وروايةً.

ففي الصحيح : « تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّوجل ، ابدأ بالوجه ، ثمَّ باليدين ، ثمَّ بمسح الرأس والرّجلين ، ولا تقدّمنّ شيئاً بين يدي شيء تخالف ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرّجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرّجل ثمَّ أعد على الرّجل ، ابدأ بما بدأ اللّه عزّوجل به » (١).

وفي آخر : في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » (٢) وبضمّه مع الأول يتم المطلوب وفي الموثّق تمامه (٣).

ويكفي قصده (٤) مع عدمه حسّاً بوقوع الوضوء في المطر ، وينوي الأول فالأول ، وعليه يحمل الخبر الصحيح المجوّز له فيه (٥) ، وإلّا فهو غير باق على ظاهره إجماعاً.

وفي وجوب الترتيب بين الرّجلين بتقديم اليمنى على اليسرى أقوال ،

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨ / ٨٩ ، التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥١ ، الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٣ ، الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ / ٢٥٨ ، الوسائل ١ : ٤٥١ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٢.

٣ ـ الكافي ٣ : ٣٥ / ٦ ، التهذيب ١ : ٩٩ / ٢٥٨ ، الاستبصار ١ : ٧٤ / ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٤٥٢ أبواب الوضوء ب ٨ ح.

٤ ـ أي الترتيب. منه رحمه الله.

٥ ـ التهذيب ١ : ٣٥٩ / ١٠٨٢ ، الاستبصار ١ : ٧٥ / ٢٣١ ، قرب الاسناد : ١٧٦ / ٦٤٩ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٣ / ٣٥٣ ، الوسائل ١ : ٤٥٤ ابواب الوضوء ب ٣٦ ح ١.

١٤٦

ثالثها : نعم مع انفرادهما (١) ولا مع العدم (٢) ، كما في الذكرى عن بعض (٣) ، واختاره جمع من متأخري المتأخرين (٤) للمروي في الاحتجاج : « يمسح عليهما جميعاً معاً ، فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلّا باليمين » (٥).

ولا حجّة فيه لقصور السند ، ولا جابر.

وقيل بالوجوب مطلقاً ، كما اختاره الشهيدان في اللمعة وشرحها (٦) ، وعن الصدوقين والإسكافي وسلّار (٧) ، وهو مختار جمع ممّن تقدم ، ومنهم الشيخ في ظاهر الخلاف مدّعيا عليه الإجماع (٨).

للأصل ، والصحيح أو الحسن : « امسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن » (٩).

ومروي النجاشي مسنداً في رجاله عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه كان يقول : « إذا توضّأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده » (١٠). وهو عامّ.

وما روي عن مولانا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان إذا توضأ

____________

١ ـ بأن يمسح اليمين أو اليسار فقط. منه رحمه الله.

٢ ـ أي عدم الانفراد بأن يمسحهما معاً. منه رحمه الله.

٣ ـ الذكرى : ٩٠.

٤ ـ منهم المحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٥ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٧١.

٥ ـ الاحتجاج : ٤٩٢ الوسائل ١ : ٤٥٠ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٥.

٦ ـ الروضة ١ : ٧٧.

٧ ـ الفقيه ١ : ٢٨ ، نقله عم الصدوقين والإسكافي في المختلف : ٢٥ ، سلار في المراسم : ٣٨.

٨ ـ الخلاف ١ : ٩٥.

٩ ـ الكافي ٣ : ٢٩ / ٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٩ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٢.

١٠ ـ رجال النجاشي : ٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٩ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٤.

١٤٧

بدأ بميامنه (١).

والوضوء البياني مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به » (٢).

وحمل هذه الأخبار على الاستحباب ـ كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والنفلية (٣) ـ وجهه غير واضح ، سوى الأصل (٤) ، وإطلاق الآية وغيرها. وهما غير صالحين ؛ له لما فيها من معتبر السند المؤيد بالأصل والباقي (٥) ، فيقيّد الجميع بها.

( و ) المشهور أنه ( لا ترتيب فيهما ) بل عن الحلّي في بعض فتاويه نفي الخلاف عنه (٦) ، فإن تمَّ إجماعاً وإلّا فالوجوب مطلقاً قوي ، لضعف مستند العدم بما تقدّم ، والاحتياط لا يترك.

( والسابع : الموالاة ) بالنص والإجماع ، والمراد بالوجوب هنا معناه الشرعي لا الشرطي خاصة كما ربما يتوهم من أدلتها لا لها (٧) ، بل لعموم الناهي عن إبطال الأعمال.

( وهي أن يكمل ) المتوضئ طهارته ( قبل ) حصول ( الجفاف ) في العضو السابق على اللاحق ، وإن لم يتتابعا حقيقةً أو عرفاً ، كما هنا وفي اللمعة وشرحها (٨) ، وعن الجمل والعقود والمراسم والغنية والوسيلة والسرائر والشرائع‏

__________________

١ ـ أمالي الطوسي : ٣٩٧ ، الوسائل ١ : ٤٤٩ أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ٣.

٢ ـ الفقيه ١ : ٢٥ / ٧٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١١.

٣ ـ المعتبر ١ : ١٥٦ ، المنتهي ١ : ٦٩ ، التذكرة ١ : ١٩ ، النفلية : ٦.

٤ ـ أي أصالة براءة الذمة. منه رحمه الله.

٥ ـ أي باقي الأخبار. منه رحمه الله.

٦ ـ نقله عنه في الذخيرة : ٣٥.

٧ ـ أي الوجوب الشرعي ليس من جهة أدلة وجوب الموالاة. منه رحمه الله.

٨ ـ الروضة البهيّة ١ : ٧٧.

١٤٨

والذكرى والدروس والبيان والألفية (١) وظاهر الكامل ، وهو المشهور بين الأصحاب.

للأصل ، وإطلاق الآية والنصوص ، وإطلاق الصحيح فيمن توضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين إنه : « يغسل اليمين ويعيد اليسار » (٢) الشامل للعامد.

وعن المقنعة والنهاية والتهذيب والمبسوط والخلاف والاقتصار وأحكام الراوندي والمعتبر وكتب العلّامة (٣) : المتابعة الحقيقية حتى يجب أن يعقّب كلّ عضو بالسابق عليه عند كماله من دون مهلة.

للاحتياط.

والوضوء البياني مع قوله عليه‌السلام : « هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلّا به ».

والفورية المستفادة من الآية إمّا من الأمر فيها أو الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة أو الإجماع.

والحسن : « أتبع وضوءك بعضه بعضاً » (٤).

والخبر فيمن نسي الذراع والرأس إنه : « يعيد الوضوء ، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً » (٥).

__________________

١ ـ الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٥٩ ، المراسم : ٣٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، الوسيلة : ٥٠ ، السرائر ١ : ١٠١ ، الشرائع ١ : ٢٢ ، الذكرى : ٩١ ، الدروس : ٤ ، البيان : ٤٩ الألفية : ٢٩ ، وحكاه عن الكامل في الذكرى : ٩١.

٢ ـ التهذيب ١ : ٩٧ / ٢٥٣ ، الاستبصار ١ : ٧٣ / ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٤٥١ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٢.

٣ ـ المقنعة : ٤٧ ، النهاية : ١٥ ، التهذيب ١ : ٩٨ ، المبسوط ١ : ٢٣ ، الخلاف ١ : ٩٣ ، الاقتصاد : ٢٤٣ فقه القرآن : ٢٩ ، المعتبر١ : ١٥٧ ؛ انظر نهاية الإحكام ١ : ٤٩ ، والمنتهي ١ : ٧٠ ، والمختلف : ٢٥.

٤ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٤ ، الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ١.

٥ ـ الكافي ٣ : ٣٥ / ٩ ، علل الشرائع : ٢٨٩ / ١ ، : الوسائل ١ : ٤٤٨ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٦.

١٤٩

والأول معارض بالأصل ، إمّا بنفسه ، لجريانه في المقام ولو كان عبادة ، بناءً على عدم شرطيتها فيها ، بل هي واجبة خارجية لا يبطل الوضوء بفواتها ، كما هو ظاهر أكثر أصحاب هذا القول ، حيث جعلوا الشرط خصوص عدم الجفاف ، وأبطلوا الوضوء به لا بفواتها ، من حيث عدم تعلقه حينئذ بالعبادة مطلقاً بل بالتكليف الخارجي ، ولا فرق حينئذ بينها وبين غيرها.

أو به بمعونة ما دلّ على عدم البطلان إلّا بالجفاف من الأخبار لو قيل باشتراطها في الصحة لا وجوبها على حدة ، كما عن المبسوط (١).

والثاني معارض بهما (٢) ، مضافاً إلى عدم انطباقه (٣) على قول الأكثر من أصحاب هذا القول.

والثالث مردود بعدم إفادة الأمر الفورية على الأظهر الأشهر ، والشك في إفادة الفاء المزبور لها للاختلاف فيها ، ومنع الإجماع في مثل المقام. وعلى تقدير تسليم الفورية فالثابت منها إنما هو بالنظر إلى نفس الوضوء ومجموعه لا أبعاض أفعاله وأجزائه ( ولو سلّم فمفادها الفورية بالنسبة إلى غسل الوجه بالإضافة إلى إرادة القيام إلى الصلاة ، ولا قائل بها ، وصرفها إلى غسل اليدين وما بعده خاصة ممّا كاد أن يقطع بفساده ) (٤).

والاتباع المأمور به في الخبرين مراد به الترتيب ظاهراً على ما يشهد به سياقهما ، ومع التنزل فالاحتمال كاف في عدم الدلالة.

وهل يعتبر في الجفاف ـ على القول به ـ جفاف جميع ما سبق؟ كما هو الأشهر الأظهر ، وعن المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والبيان وظاهر

__________________

١ ـ المبسوط ١ : ٢٣.

٢ ـ أي الأصل وما دلًّ على عدم البطلان. منه رحمه الله.

٣ ـ من حيث دلالته على الشرطية وعدم القبول الا بها. منه رحمه الله.

٤ ـ ما بين القوسين في « ل ».

١٥٠

الخلاف والنهاية والكامل والكافي لأبي الصلاح (١) لاستصحاب بقاء الصحة ، والاتفاق فتوىً وروايةً على جواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق على اليدين ، وظاهر النصوص الناطقة بالبطلان بجفاف الوضوء الظاهر في جفاف الجميع خاصة ، منها الموثق : « إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد على وضوئك ، فإنّ الوضوء لا يتبعّض » (٢) والمفهوم منه عدم لزوم الإعادة مع عدم يبس الوضوء بمجموعه ، وهو حجة على الأصح.

أو جفاف البعض مطلقاً؟ كما عن الإسكافي (٣) ، ليقرب من الموالاة الحقيقية ، ولعموم جفاف الوضوء الوارد في الأخبار الشامل لجفاف البعض مطلقاً ، ولا يخفى ضعفه.

أو الأقرب (٤)؟ كما عن الناصريات والمراسم والسرائر والإرشاد والمهذّب (٥) ، بناء على تفسير الموالاة بذلك ، فإنها إتباع الأعضاء بعضها بعضا ، فالجفاف وعدمه إنما يعتبران في العضوين المتصلين. وهو مع ضعفه بما تقدم لا دليل عليه.

وفي الصحيح : قلت : ربما توضأت ونفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، فقال : « أعده » (٦).

__________________

١ ـ المعتبر ١ : ١٥٧ ، المنتهي ١ : ٧٠ ، التذكرة ١ : ٢٠ نهاية الإحكام ١ : ٤٩ ، البيان ٤٩ ، الخلاف ١ : ٩٣ ، النهاية : ١٥ ، حكاه عن الكامل في الذكرى : ٩١ الكافي في الفقه : ١٣٣.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣٥ / ٧ ، التهذيب ١ : ٩٨ / ٢٥٥ ، الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢٢٠ ، علل الشرائع : ٢٨٩ / ٢ ، الوسائل ١ : ٤٤٦ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٢.

٣ ـ حكاه عنه في المختلف : ٢٧.

٤ ـ عطف على قوله البعض مطلقاً أي جفاف الأقرب. منه رحمه الله.

٥ ـ الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٥ ، المراسم : ٣٨ ، السرائر ١ : ١٠١ ، الارشاد ١ : ٢٢٣ ، المهذب ١ : ٤٥.

٦ ـ الكافي ٣ : ٣٥ / ٨ ، التهذيب ١ : ٩٨ / ٢٥٦ ، الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢٢١ ، الوسائل ١ : ٤٤٧

١٥١

والمستفاد منه ومن الموثق السابق بطلان الوضوء بالجفاف مع التأخير خاصة لا مطلقاً ، فإطلاق القول ببطلانه به غير وجيه ، بل مقتضى استصحاب بقاء الصحة صحته لو جفّ بدونه.

وبالجملة الأصل مع فقد ما يدل على البطلان حينئذ ـ لاختصاص الخبرين بحال الضرورة الخاصة ـ دليل الصحة لو جفّ مع الموالاة لشدة حرارة ومثلها ، بحيث لولاها واعتدل الهواء لما جفّ وتمَّ الوضوء. ويظهر من الذكرى ـ كما سيأتي ـ كونه وفاقاً بين الأصحاب (١) ، مضافاً إلى الرضوي ، وفيه : « فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمّه ، ثمَّ اُوتيت بالماء ، فأتمّ وضوءك إذا كان ما غسلته رطباً ، فإن كان قد جفّ فأعد الوضوء ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي ، جفّ وضوؤك أو لم يجف » (٢).

وبمضمونه أفتى الصدوقان في الرسالة والمقنع (٣). وينبغي حمله ـ ككلام الصدوقين ـ على الجفاف لنحو شدّة الحرّ لا على اعتدال الهواء ؛ لعدم تبادر غير ما ذكر منهما. ويؤيده ظاهر خبر حريز عن مولانا الصادق عليه‌السلام كما عن مدينة العلم (٤) ، وعن التهذيب وغيره الوقف على حريز قال : فإن جفّ‏

__________________

أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٣.

١ ـ الذكرى : ٩٢.

٢ ـ فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٨ ، المستدرك ١ : ٣٢٨ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١.

٣ ـ نقله عن والده في الفقيه ١ : ٣٥ ، المقنع : ٦.

٤ ـ حكاه عنه في الذكرى : ٩١ وكتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق ، أبي جعفر ، محمد بن علي ابن الحسين بن موسي بن بابويه القمي ، وهو أكبر من كتاب من لا يحضره الفقيه ، ولكنّه ليس مرتبا على الأبواب ، بل هو نظير روضة الكافي ، وقد عده بعض علمائنا الأبرار خامس اُصولنا الأربعة التي عليها مدار الشيعة في جميع الأعصار ؛ فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمي من بين أظهرنا وأيدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي ، مع نهاية اهتمام علمائنا في تحصيله ،

١٥٢

الأول قبل أن أغسل الذي يليه ، قال : « جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي » (١) إلّا أن الظاهر حمله على التقية كما يشهد به تتمته (٢).

والأصح اعتبار الجفاف حسّاً لا تقديراً ، فلو لم يحصل لعارض في مدّة مديدة لو فرض فقده لحصل قبلها ولو بكثير صحّ الوضوء ، وفاقاً للشهيدين (٣).

وتقييد الأصحاب الجفاف بالهواء المعتدل ليخرج طرف الإفراط في الحرارة كما ذكرنا ، لا لإخراج ما فرضناه ، صرّح به شيخنا في الذكرى (٤) ، وكلامه هذا كما ترى ظاهر فيما قدّمناه من عدم البطلان بالجفاف في غير الضرورة الخاصة الناشئة عن التأخير.

( والفرض في الغسلات ) التي يتحقق به الامتثال ( مرّة ) واحدة إجماعا من الكلّ.

( و ) الغسلة ( الثانية ) جائزة بلا خلاف ، كما صرّح به بعض المحقّقين ونقله عن أمالي الصدوق (٥) ، ودل عليه الأخبار (٦) حتى الأخبار النافية للاستحباب عنها ، كالخبر المروي في الخصال : « هذه شرائع الدين لمن تمسّك بها وأراد اللّه تعالى هداه : إسباغ الوضوء كما أمر اللّه تعالى في كتابه‏

__________________

وانفاقهم المبالغ الخطيرة في سبيلة. راجع الفهرست : ١٥٧ ، معالم العلماء : ١٢ ، روضات الجنات ٦ : ١٣٦ ، الذريعة ٢٠ : ٢٥٢.

١ ـ التهذيب ١ : ٨٨ / ٢٣٢ ، الاستبصار ١ : ٧٢ / ٢٢٢ ، الذكري ٩١ ، الوسائل ١ : ٤٤٧ أبواب الوضوء ب ٣٣ ح ٤

٢ ـ حيث جعل الوضوء مثل غسل في عدم اعتبار الموالاة وجواز التعويق إلى العصر. منه رحمه الله.

٣ ـ الشهيد الأول في الذكرى : ٩٢ ، والشيهد الثاني في الروضة البهيه ١ : ٧٧.

٤ ـ الذکرى : ٩٢.

٥ ـ انظر حاشية المدارک للبهبهاني ( المدارك الطبع الحجري ) : ٣٥ ، وأمالي الصدوق : ٥١٤.

٦ ـ الوسائل ١ : ٤٣٥ أبواب الوضوء ب ٣١.

١٥٣

الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرّة مرّة ، ومرّتان جائز » (١).

والقول المنقول في الخلاف (٢) عن بعض الأصحاب بعدم مشروعيتها ضعيف قطعاً.

و ( سنّة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والغنية والسرائر (٣) ؛ للمسامحة في أدلة السنن ، بناء على ما عرفت من الجواز قطعا ، وللصحاح وغيرها المستفيضة المؤيدة بالشهرة والإجماعات المنقولة وأدلة المسامحة ، مع صراحة بعضها وعدم قبوله شيئاً من الاحتمالات التي ذكرت للجمع بينها وبين الأخبار المانعة من الاستحباب ، مع بُعدها بالنسبة إلى غيره ، إمّا في نفسه أو لقرائن ظاهره.

كمروي الكشّي في الرجال بسنده فيه عن داود الرقّي ، وفيه الأمر بالثلاث أوّلا للتقية ثمَّ بعد ارتفاعها الأمر بالثنتين (٤).

ومثله بل وأصرح : مروي المفيد رحمه‌الله في إرشاده عن علي بن يقطين ، وفيه بعد الأمر بالثلاث وغسل الرّجلين وتبطين اللحية تقية وظهور ارتفاع التقية : « ابتدئ الآن يا علي بن يقطين ، توضأ كما أمر اللّه تعالى ، اغسل وجهك مرّة فريضة واخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وقدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف عليك » (٥).

وقصور سندهما منجبر بما تقدّم ، مضافا إلى اعتبار متنيهما من حيث‏

____________

١ ـ الخصال : ٦٠٣ / ٩ ، الوسائل ١ : ٣٩٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٨.

٢ ـ الخلاف ١ : ٨٧.

٣ ـ الانتصار : ٢٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ السرائر ١ : ١٠٠.

٤ ـ رجال الكشي ٢ : ٦٠٠ / ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

٥ ـ إرشاد المفيد ٢ : ٢٢٨ ، الوسائل ١ : ٤٤٤ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

١٥٤

تضمنهما الإعجاز.

فتترجح على غيرها من بعض الأخبار المانعة من استحبابها ، كما تقدّم (١) ، ومرسل الفقيه : « من توضّأ مرّتين لم يوجر » (٢) مضافا إلى ضعفه سنداً.

وليس منه الإخبار البيانية لورودها في بيان الواجبات ، لخلوّها من كثير من المستحبات.

وكذا الأخبار الدالة على أنّ الوضوء مرّة مرّة لحملها على الواجبي.

وكذا الأخبار الدالة على كون وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام مرّة مرّة (٣) لعدم التصريح فيها بعدم استحباب الثانية ، مع ما علم من حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاقتصار في الأعمال (٤) على ما وجب اشتغالا منه بالأهم ، وإظهار الاستحباب وجواز الترك ، مضافاً إلى معارضتها بما دلّ على تثنيتهما في غسله ، ففي الخبر : « إني لأعجب ممّن يرغب أن يتوضأ اثنتين ، وقد توضّأ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنتين اثنتين » (٥) مضافا إلى ضعف أسانيدها.

فالقول بعدم استحبابها مع الجواز ـ كما عن البزنطي والكليني والصدوق في الفقيه والأمالي (٦) ـ ضعيف جداً لا يلتفت إليه ، سيّما مع عدم التئامه مع ما

__________________

١ ـ أي مثل الخبر المتقدم عن الخصال. منه رحمه الله.

٢ ـ الفقيه ١ : ٢٦ / ٨٣ ، الوسائل ١ : ٤٣٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٤.

٣ ـ الفقيه ١ : ٢٥ / ٧٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٠.

وضوء علي عليه‌السلام : الكافي ٣ : ٢٧ / ٩ ، التهذيب ١ : ٨٠ / ٢٠٧ ، الوسائل ١ : ٤٣٧ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٧.

٤ ـ في « ل » : العمل.

٥ ـ الفقيه : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٣٩ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٦.

٦ ـ نقله عن البزنطي في الوسائل ١ : ٣١٠ الكليني في الكافي ٣ : ٢٧ ، الفقيه : ٢٦ ، الأمالي : ٥١٤.

١٥٥

دلّ على وجوب رجحان العبادة وكون المسح ببقية البلّة.

( و ) منه يظهر أنّ ( الثالثة بدعة ) مضافاً إلى استفادتها من المعتبرة المنجبرة بالشهرة ، ففي المرسل : أنها بدعة (١).

وفي الخبر : « من توضأ ثلاثا فلا صلاة له » (٢).

وفي آخر : « توضأ مثنى مثنى ولا تزدن عليه ، فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك » (٣).

خلافاً لمن شذّ ، كالمفيد حيث جعلها تكلّفا والزائد عليها بدعة (٤) ، والإسكافي فجعل الثالثة غير محتاج إليها (٥).

ومال إليه المصنف في المعتبر ، قال : لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي (٦).

وهو ضعيف لعدم انحصار دليل المنع في وجوب المسح بالبلّة ، ومع ذلك فهو غير تام في نفسه ، من حيث إنّ المستفاد من الأدلة المسح بالبلّة والمتبادر منه عدم ممازجتها بشي‏ء آخر غيرها.

( ولا تكرار في المسح ) عندنا ، لا وجوباً ولا استحباباً ؛ للإجماع ، والنصوص ، والأصل ، والوضوءات البيانية.

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٨١ / ٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٧١ / ٢١٧ ، الوسائل ١ : ٤٣٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٣.

٢ ـ رجال الكشي ٢ : ٦٠٠ / ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

٣ ـ رجال الكشي ٢ : ٦٠٠ / ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٤٤٣ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

٤ ـ المقنعة : ٤٩.

٥ ـ نقله عنه العلامة في المختلف : ٢٢.

٦ ـ المعتبر ١ : ١٦٠.

١٥٦

خلافاً للشافعي فاستحب تثليثه (١) ، وابن سيرين فأوجب التثنية (٢).

ولكن لا ضرر في مجرد فعله ، وفاقاً للشهيد (٣) من غير قصد المشروعية مطلقاً (٤). ومعه حرام وبدعة البتة ، كما عن التذكرة (٥) ، وعليه ينزل إطلاق التحريم عليه في كلام الشيخين وابني حمزة وإدريس (٦). ويكون حينئذ آثماً ووضوؤه صحيحاً ، وفاقا للتذكرة (٧) لخروجه بالمسح الأول عن العهدة. وعن الذكرى عدم الخلاف فيه وكذا عن السرائر (٨).

( ويحرّك ) أو ينزع ( ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالخاتم ) والدملج ونحوهما ، ومنه الوسخ تحت الأظفار الخارج عن العادة قطعا وغيره ، على الأحوط وجوبا لعدم صدق الامتثال بدونه ، وللنصوص ، منها الصحيح : عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحته أم لا ، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟ قال : « تحرّكه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه » (٩).

والحسن : عن الخاتم إذا اغتسلت ، قال : « حوّله من مكانه ، وفي الوضوء

__________________

١ ـ كما في الام ١ : ٢٦.

٢ ـ نقله عنه الشيخ في الخلاف ١ : ٧٩.

٣ ـ كما في الذكرى : ٩٥

٤ ـ أي وجوباً أو استحباباً.

٥ ـ التذكرة ١ : ٢١

٦ ـ المفيد في المقنعة : ٤٩ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٥١ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ١٠٠.

٧ ـ التذکره ١ : ٢١.

٨ ـ الذكرى : ٥٩ ، السرائر ١٠٠.

٩ ـ الكافي ٣ : ٤٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ٨٥ / ٢٢٢ ، قرب الأسناد : ١٧٦ / ٦٤٧ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ١.

١٥٧

تديره » (١).

( ولو لم يمنع ) قطعاً ( حرّكه استحباباً ) ولا وجه له إلّا أن يكون تعبّداً ، وهو فرع الثبوت.

( والجبائر ) أي الألواح والخرق التي تشدّ على العظام المنكسرة ، وفي حكمها ما يشدّ على الجروح أو القروح ، أو يطلى عليها أو على الكسور من الدواء ، اتفاقاً فتوىً وروايةً ( تنزع ) وجوباً اتفاقاً تحصيلاً للامتثال ، والتفاتاً إلى ما يأتي من فحاوي الأخبار. أو يكرّر الماء ، أو يغمس العضو فيه حتى يصل البشرة ( إن أمكن ) شيء منها لذلك.

على الترتيب بينها على الأحوط ، بل قيل بتعينه كما عن التذكرة (٢) ، والتخيير على الأظهر ، وفاقا لظاهر التحرير ونهاية الإحكام (٣) للأصل ، وحصول الغسل المعتبر شرعاً ، وظاهر الإجزاء في الموثق في ذي الجبيرة : كيف يصنع؟ قال : « إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناءً فيه ماء ويضع موضع الجبر في الإناء حتى يصل إلى جلده ، وقد أجزأه ذلك من غير أن يحلّه » (٤).

ولهذا (٥) يحمل عليه الأمر بالنزع الوارد في الحسن : « وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمَّ ليغسلها » (٦).

هذا إذا كان في محلّ الغسل ، وأما إذا كان في محل المسح تعيّن الأول‏

__________________

١ ـ الكافي ٣ : ٤٥ / ١٤ ، الوسائل ١ : ٤٦٨ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ٢.

٢ ـ التذكرة ١ : ٢١.

٣ ـ التحرير ١ : ١٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٦٤.

٤ ـ التهذيب ١ : ٤٢٦ / ١٣٥٤ ، الاستبصار ١ : ٧٨ / ٢٤٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٧.

٥ ـ أي للفظ الأجزاء في هذه الموثقة. منه رحمه الله.

٦ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٣٩ ، الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

١٥٨

مع الإمكان ، ومع عدمه يمسح على الجبيرة.

وقيل بوجوب التكرار والوضع هنا أيضاً ؛ تحصيلا لما تيسّر من مباشرة الماء أصل المحل ولو في الجملة (١). والاكتفاء به عن المسح على الجبيرة مشكل ، والجمع بين الأمرين احتياط لا يترك.

( وإلّا ) أي وإن لم يمكن النزع ولا شيء من الأمرين المذكورين بتعذر الحل أو عدم طهارة المحل مع عدم قبوله لها ( مسح عليها ) أي الجبائر ( ولو ) كانت ( في موضع الغسل ) اتفاقا ، كما عن الخلاف والتذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر (٢).

للحسان ، منها : عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع الوضوء ، فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ ، فقال : « إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة » الحديث (٣).

وفي آخر : قال ، قلت له : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤). امسح عليه » (٥).

ومثله في آخر : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ » (٦).

__________________

١ ـ قال به المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٣٣.

٢ ـ الخلاف ١ : ١٥٩ ، التذكرة ١ : ٢١ ، المنتهي ١ : ٧٢ ، المعتبر ١ : ١٦١.

٣ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٧٧ / ٢٣٩ ، الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢.

٤ ـ الحج : ٧٨.

٥ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢٤٠ / ٧٧ : ١ ، الوسائل ٤٦٤ : ١ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

٦ ـ التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١١٠٠ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨.

١٥٩

وفي الحسن : عن الدواء إذا كان على يدي الرجل ، أيجزيه أن يمسح على طلاء الدواء؟ قال : « نعم ، يجزيه أن يمسح عليه » (١) وإطلاقه مقيد بتلك مع شيوعه هنا في المقيد.

وليس فيما في الصحيح وغيره (٢) من الاقتصار على غسل ما حوله منافاة لذلك ؛ إذ من المحتمل أن يكون المراد منها الاقتصار في بيان الغسل لا مطلق الواجب ، ولعلّه الظاهر من الصحيح ، فلا ينافي وجوب المسح على الجبيرة.

وظاهر المعتبر كفاية المسح ولو بأقلّ مسمّاه لكن من دون تجفيف (٣).

وعن العلّامة في النهاية احتمال لزوم مراعاة أقلّ الغسل معه (٤) ، وظاهره لزوم تحصيل الماء للمسح على الجبيرة تحصيلاً لذلك لو جفّ الماء ولم يف به. وهو أحوط ؛ مصيراً إلى ما هو أقرب إلى الحقيقة.

ومنه يظهر عدم جواز المسح على الجبيرة مع إمكانه ـ بنزعها ـ على البشرة ، وفاقاً للمصنف في المعتبر والعلّامة في النهاية (٥) ، إلّا إذا كانت البشرة نجسة فإشكال ، والأحوط الجمع بين المسحين (٦). بل قيل (٧) بتعين المسح على البشرة مطلقاً (٨). وهو حسن إن لم يكن إجماع على اشتراط طهارة محل الطهارة مطلقا (٩).

__________________

١ ـ التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٥ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩.

٢ ـ الكافي ٣ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١٠٩٦ الوسائل ١ : ٤٦٤ ابواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

٣ ـ المعتبر ١ : ١٦١.

٤ ـ نهاية الإحكام ١ : ٦٥.

٥ ـ المعتبر ١ : ١٦١ ، نهاية الاحكام ١ : ٦٤.

٦ ـ أي المسح على الجيرة والمسح على البشرة. منه رحمه الله.

٧ ـ قال به كشف اللثام ١ : ٧٤.

٨ ـ اي ولو كانت البشرة نجسة.

٩ ـ أي اختياراً اضظرارأ.

١٦٠