منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

العمل بهما (١) بدون علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (٢) ، كاستصحاب وجوب أمرين (٣) حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب ، فهو (٤) من باب تزاحم (*) الواجبين.

______________________________________________________

في وجوب إنقاذ غريقين أو إطفاء حريقين أو تجهيز ميتين من دون تعارض بين الاستصحابين في مقام التشريع ، غاية الأمر أن المكلف لا يقدر على امتثال كلا الأمرين.

وأخرى : يكون مع العلم إجمالا بانتقاضها في أحدهما ، وهذا يتصور على وجهين : الأول : أن يكون أحد الشكين مسببا عن الشك الآخر وفي طوله.

الثاني : أن يكون الشكان عرضيين ومعلولين لعلة ثالثة ، وهذا الوجه الثاني قد يكون جريان الاستصحاب فيهما مستلزما للمخالفة العملية ، وقد لا يكون مستلزما لها. هذه أصول صور تعارض الاستصحابين ، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى عند تعرض المصنف لها.

(١) أي : بالاستصحابين ، وهذه هي الصورة الأولى أعني عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحد المستصحبين مع حصول التضاد المعجّز للمكلف عن الامتثال في زمان الاستصحاب.

(٢) إذ بدون العلم بانتقاضها لا يكون تعارض بين الاستصحابين ، لعدم مانع من تشريعهما معا كاستصحاب وجوب إنقاذ الغريقين ، وهذا هو التزاحم المصطلح.

(٣) كوجوب إطفاء حريقين مثلا لا يقدر المكلف على امتثال كليهما من باب الاتفاق ، لا دائما حتى يندرج في باب التعارض ، ولذا قيّد التضاد بـ «زمان الاستصحاب» المراد به زمان الامتثال.

(٤) إشارة إلى حكم الصورة الأولى ، يعني : أن تعارض الاستصحابين اللذين لم يعلم انتقاض الحالة السابقة في أحدهما ولم يمكن العمل بهما يندرج في باب

__________________

(*) فيتخير بينهما ان لم يكن أحد المستصحبين أهم ، وإلّا فيتعين الأخذ

٧٨١

وإن (١) كان مع (*) العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، فتارة يكون المستصحب (٢) في أحدهما

______________________________________________________

تزاحم الواجبين ، فان كان أحدهما أهم من الآخر تعين الأهم ، وإلّا فالحكم التخيير بينهما. ففي الغريقين إن كان أحدهما أهم كما إذا كان وليّا من أوليائه تبارك وتعالى تعيّن إنقاذه ، وإلّا تخير.

(١) معطوف على «ان كان» يعني : وإن كان التعارض لأجل العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما لا لعجز المكلف عن امتثال كليهما كإنقاذ الغريقين فتأتي فيه الأقسام التي تقدمت إجمالا ، وسيجيء تفصيلها عند تعرض المصنف لها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا هو المعروف بالشك السببي والمسببي ، والتعبير بكون المستصحب

__________________

بالأهم ، ولا مجال لتوهم أنه لا يكاد يكون هناك أهم لأجل أن إيجابهما إنما يكون من باب واحد وهو استصحابهما من دون مزية في أحدهما أصلا كما لا يخفى. وذلك لأن الاستصحاب إنما يتبع المستصحب ، فكما يثبت به الوجوب ، والاستصحاب يثبت به كل مرتبة منهما ، فتستصحب ، فلا تغفل.

(*) حق العبارة أن تكون هكذا : «وإن كان للعلم بانتقاض الحالة السابقة ... إلخ» إذ المقصود من قوله : «ان كان» بيان التعارض المأموري وهو التزاحم المصطلح ، ولذا جعله من باب تزاحم الواجبين ، ومن قوله : «وان كان مع العلم ... إلخ» بيان التعارض المصطلح ، إذ العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما مانع عن تشريع أحد الاستصحابين.

وبالجملة : قوله : «فالتعارض بين الاستصحابين» معنى عام ومقسم للتزاحم المصطلح ، وهو قوله : «ان كان لعدم إمكان العمل» وللتعارض المصطلح وهي صور العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد المستصحبين ، فكأنه قال : «التعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم قدرة المكلف على الامتثال فهو من باب تزاحم الواجبين ، وإن كان للعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما فتارة ... إلخ».

٧٨٢

من الآثار الشرعية (١) لمستصحب الآخر ، فيكون الشك فيه (٢) مسببا عن الشك فيه ، كالشك في نجاسة الثوب (*) المغسول بماء مشكوك

______________________________________________________

في أحدهما مسببا عن الآخر أو من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر كما في المتن وغيره لا يخلو عن مسامحة واضحة ، لأن المسبب في الشك المسببي هو الشك في بقاء مستصحبه كبقاء نجاسة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، ضرورة نشوء الشك في بقاء نجاسته عن الشك في طهارة الماء ، فالمستصحب في الثوب وهو نجاسته ليس من الآثار الشرعية لطهارة الماء التي هي مورد الاستصحاب ، بل ارتفاعها من آثار طهارة الماء كما هو المطلوب.

وكيف كان فالمقصود من الشك المسببي هو الشك المعلول عن شك آخر بحيث يكون أصله رافعا لموضوع أصل الشك المسببي.

(١) وأما إذا كان من الآثار العقلية لمستصحب الآخر كتسبب بقاء الكلي عن الشك في حدوث الفرد الباقي فلا يكون المسبب وهو بقاء الكلي من لوازم وجود الفرد شرعا بل من لوازمه العقلية ، فلا يكون استصحابه حاكما على استصحاب الكلي كما تقدم تفصيله في التنبيه الثالث. والأولى تبديل قوله : «لمستصحب الآخر» بـ «للمستصحب في الآخر» ليكون نظيرا لقوله : «في أحدهما».

(٢) أي : فيكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر.

__________________

(*) لا يخفى أنه مثال لتسبب الشك المسببي عن الشك السببي ، بداهة أن علة الشك في بقاء نجاسة الثوب هي الشك في طهارة الماء ، وليس مثالا لكون المستصحب في الشك المسببي من الآثار الشرعية للمستصحب في الشك السببي كما هو ظاهر العبارة ، لوضوح أن أثر طهارة الماء شرعا هو طهارة الثوب لا نجاسته كما مر في التوضيح ، فالأولى أن يعبر عن الشك السببي والمسببي بتسبب أحد الشكين عن الآخر مع كون ارتفاع مستصحب الأصل المسببي من الآثار الشرعية لمستصحب الأصل السببي ، وهذا التعريف ينطبق على مثال الثوب المذكور وغيره من الأمثلة بلا تكلف.

٧٨٣

الطهارة (*) وقد كان طاهرا (١) ، وأخرى (٢) لا يكون كذلك.

فان كان (٣) أحدهما أثرا للآخر ، فلا مورد إلّا للاستصحاب

______________________________________________________

(١) يعني : وقد كان الماء طاهرا ، وغرضه من هذا القيد التنبيه على أن اندراج هذا المثال في أمثلة تعارض الاستصحابين في الشك السببي والمسببي منوط بطهارة الماء سابقا حتى يجري فيه الاستصحاب ، وإلّا فالحكم بطهارة الثوب المغسول بالماء المشكوك الطهارة والنجاسة ليس منوطا بجريان الاستصحاب في طهارة الماء ، لكفاية ثبوت طهارة الماء بقاعدتها في طهارة الثوب ، لحكومتها على استصحاب نجاسة الثوب ، حيث ان مقتضى طهارة الماء الثابتة باستصحابها أو بقاعدتها هو طهارة المتنجس المغسول به كارتفاع الحدث مطلقا به ، وغيره من الآثار المترتبة على طهارته.

(٢) معطوف على «فتارة» يعني : وأخرى لا يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الاستصحاب الآخر بأن لا يكون شكه مسببا عن الشك فيه وناشئا منه ، كما إذا كان الشكان عرضيين من دون ترتب وطولية بينهما.

(٣) هذا إشارة إلى الشك السببي والمسببي ، وقد اختلفت كلماتهم في حكمه ،

__________________

(*) وأما تسبب كل منهما عن الآخر بحيث يكون كل منهما علة للآخر ومعلولا له فغير معقول كما أفاده الشيخ ، لاستلزامه اجتماع النقيضين ، لأن كلّا من الشكين لعلّيته للآخر موجود قبله ، ولمعلوليته له معدوم كذلك ، ومن المعلوم امتناع وجود شيء وعدمه في رتبة واحدة ، والتمثيل له بالعامين من وجه بتقريب : أن الشك في أصالة العموم في كل منهما مسبب عن الشك في أصالة العموم في الآخر غير صحيح ، لما في الرسائل من أن منشأ الشك فيهما شيء ثالث وهو العلم الإجمالي بتخصيص أحد العامين ، فالشكان عرضيان وكلاهما معلول لعلة ثالثة ، وليس كل منهما علة للآخر ، ففي مثل إكرام الأمير الفاسق الّذي هو مورد اجتماع «أكرم الأمراء» و «لا تكرم الفساق» يكون الشك في أصالة العموم في كل من هذين العامين ناشئا من العلم الإجمالي بتخصيص أحدهما.

٧٨٤

في طرف السبب ،

______________________________________________________

فذهب المحقق القمي وبعض المتأخرين إلى إجراء حكم المتعارضين عليهما ، والمعروف من زمن الشيخ الأعظم إلى عصرنا تقديم الأصل السببي على المسببي وإن اختلفوا في كونه للورود أو الحكومة أو التخصيص ، فالمستظهر من بعض كلمات الشيخ أن التقديم من باب الورود ، ووافقه الماتن هنا وفي حاشية الرسائل ، والمستفاد من بعضها الآخر هو الحكومة ووافقه المحقق النائيني وغيره. وظاهر كلام المحقق الأصفهاني (قده) بعد مناقشته في الحكومة بوجوه عديدة هو الثالث ، حيث قال في آخر البحث : «فلو فرض كونه ـ أي التقديم ـ تخصيصا ودوران الأمر بين تخصيصين لكان أحدهما أرجح من الآخر».

وحيث انك عرفت إجمالا اختلاف الكلمات في وجه التقديم ، فينبغي توضيح المتن بعد التنبيه على عبارة الشيخ الأعظم المستفاد منها الورود ، قال (قده) في ثاني الأدلة التي أقامها على تقديم الأصل السببي على المسببي ما لفظه : «ان قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشك باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب في الشك السببي مانع للعام عن قابلية شموله لجريان الاستصحاب في الشك المسببي يعني : أن نقض اليقين له يصير نقضا بالدليل لا بالشك ، فلا يشمله النهي في لا تنقض» وقد ذكر ما يقرب من هذا الكلام أيضا بعد أسطر ، فراجع ما أفاده قبل قوله : «وإن شئت قلت» وأما وجه دلالته على كون التقديم للورود فهو : أنه بعد التصرف في اليقين والشك بإرادة الدليل واللادليل منهما يصير نقض اليقين في المسبب بالدليل ، فينتفي موضوع الأصل المسببي أعني «نقض اليقين بالشك» بإجراء الأصل في السبب.

وكيف كان فما أفاده المصنف في المتن من وجه التقديم هو الوجه العام الّذي سبق منه في تقديم الأمارة على الاستصحاب وفي تقديمه على سائر الأصول ومحصله : لزوم التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، وتوضيحه : أن المناط في تقديم الأصل السببي على المسببي ترتب الثاني على الأول ترتبا شرعيا مع اقتضاء الأصل

٧٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

السببي زوال الشك في المسبب ، كما في المثال المعروف أعني غسل الثوب المتنجس بماء مستصحب الطهارة ، حيث ان الشك في بقاء نجاسة الثوب ناش عن الشك في طهارة الماء ونجاسته ، ولو كان الماء طاهرا لكان أثره الشرعي المستفاد من النصوص : «ما يغسل بالماء الطاهر طاهر» هو طهارة الثوب ، فطهارة الماء سبب شرعي لطهارة الثوب.

ولا عكس يعني : ليس نجاسة الماء أثرا شرعيا لنجاسة الثوب ، فان الملاقي وإن كان تابعا لحكم ملاقاة ، ومقتضى هذه التبعية نجاسة ما يلاقي النجس ، إلّا أن المقام أجنبي عن مسألة الملاقي للنجس ، للفرق بين تطهير المتنجس بالماء وبين ملاقاة الماء القليل للمتنجس ، إذ لو كان مطلق الملاقاة بينهما حتى بنحو الصّب للتطهير موجبا لانفعال القليل لتعذر التطهير به ، وانحصر التطهير في الكر ونحوه. وهذا اللازم واضح البطلان ، ويكشف بطلانه عن عدم كون انفعال القليل أثرا لنجاسة الثوب ، فالتسبب من طرف واحد ، فبقاء نجاسة الثوب لازم نجاسة الماء من أول الأمر ، لا نجاسته الحاصلة بالغسل.

وعلى هذا فبعد غسل الثوب بالماء وإن تحقق في كل منهما يقين وشك ، ولمتوهم أن يتوهم شمول دليل الاستصحاب لكل منهما على حد سواء ، لكن قد تقدم في بحث ورود الأمارة على الاستصحاب أن موضوع التعبد الاستصحابي «نقض اليقين بالشك» لا نفس اليقين والشك ، وحيث ان المراد باليقين الناقض هو الدليل ، فيتعين جريان الأصل في الماء ، وجريانه فيه يقتضي ترتيب آثار الطهارة السابقة ومنها معاملة الطهارة مع الثوب المتنجس المغسول به ، بحيث لو لم يعامل مع الثوب معاملة الطاهر لكان ذلك نقضا للاستصحاب الجاري في الماء ، ضرورة اقتضاء النهي عن نقض اليقين بطهارة الماء ترتيب جميع الآثار الشرعية المترتبة على طهارته التي منها طهارة الثوب المغسول به ، ويكون رفع اليد عن اليقين بنجاسة الثوب بحجة على الطهارة لا بالشك فيها.

٧٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوهم العكس بأن يجري الأصل في الثوب ويحكم بسببيته لنجاسة الماء مندفع باستلزامه التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، وبيانه : أن عنوان «نقض اليقين بطهارة الماء بالشك فيه» مصداق فعلي لعموم «لا تنقض اليقين بالشك» وإخراجه عن هذا العموم يتوقف على مخصص ، إذ لو لم يكن مخصص في البين لكان العام شاملا للأصل السببي بلا شبهة ، لكونه فردا فعليا له ، وما يتوهم من كونه مخصّصا منحصر في الأصل الجاري في المسبب بأن يكون جريانه فيه مانعا عن جريان الأصل في السبب.

لكن هذا التخصيص محال ، لأن مخصصية الأصل المسببي موقوفة على فرديته لعموم «لا تنقض» حتى يكون حجيته موجبة لخروج الأصل السببي عن العام مع أن دخول الأصل المسببي في عموم «لا تنقض» متوقف على خروج الأصل السببي عنه ، إذ لو كان فردا لعموم «لا تنقض» لانتفى موضوع الأصل المسببي. ونتيجته توقف خروج السببي عن العموم على شمول العموم للمسببي ، مع أن شموله له منوط بخروج السببي عنه ، وهو دور صريح. وهذا بخلاف العمل بالأصل السببي ، فانه عمل بأصالة العموم بلا لزوم محذور أصلا ، لعدم توقف فعلية فرديته له على شيء.

فان قلت : مقتضى قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» حصر الناقض في خصوص اليقين ، ومن المعلوم أن الأصل السببي وإن كان حجة ، إلّا أنه لا يوجب اليقين بضد الحالة السابقة في المتيقن ، ولا عبرة بصدق نقض اليقين بالدليل مع كون الناقض بحسب الخبر هو خصوص اليقين لا مطلق الحجة.

قلت : النقض بالدليل أيضا نقض باليقين ، لكن لا اليقين بالحكم الواقعي ، بل بالحكم الظاهري ، ولا يلزم تعلق اليقين الناقض بعين ما تعلق به اليقين المنقوض ، بداهة نقض اليقين بالحرمة الواقعية باليقين بالحلية الظاهرية أو الاضطرارية ، كما إذا قامت أمارة معتبرة على الحلية ظاهرا أو اضطرارا. والمقام كذلك ، فيكون

٧٨٧

فان (١) الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب (٢) وجواز (٣) نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم (٤) ترتيب أثره الشرعي ، فان (٥) من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع (٦) نجاسته ، فاستصحاب (٧) نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته ، بخلاف (٨)

______________________________________________________

اليقين الناقض في المسبب نفس عموم خطاب «لا تنقض» للسبب. هذا تمام ما أفاده المصنف هنا وفي الحاشية لتقريب الورود.

(١) تعليل لقوله : «فلا مورد» وبيان للورود ، وقد عرفته مفصلا.

(٢) وهو «لا تنقض اليقين بالشك» وقد عرفت توضيحه ، وأن البناء على نجاسة الثوب نقض لليقين بالشك ، وهذا تخصيص في عموم «لا تنقض» في طرف الاستصحاب السببي وهو طهارة الماء ، لأن البناء على بقاء نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارة الماء بالشك فيها كما مر.

(٣) معطوف على «تخصيص» ومفسّر له ، يعني : وموجب لجواز نقض اليقين.

(٤) متعلق بـ «نقض» وضمير «أثره» راجع إلى «اليقين».

(٥) غرضه بيان لزوم نقض اليقين بالشك من طرف السبب ، وحاصله : ما عرفته من أن النقض يتحقق بعدم ترتيب آثار اليقين ، ومن آثار اليقين بطهارة الماء التي هي مورد الاستصحاب السببي طهارة الثوب المغسول به شرعا ، فلو بني على بقاء نجاسته باستصحابها كان هذا البناء نقضا لليقين بطهارة الماء بالشك فيها ، وهو منهي عنه.

(٦) بالنصب معطوف على «طهارة الثوب» ومفسر له ، لكن المفسر ـ بالفتح ـ أوضح منه.

(٧) بعد أن أثبت كون طهارة الثوب من آثار طهارة الماء اتضح أن بقاء نجاسة الثوب المغسول به نقض لليقين بطهارة الماء ، وضمير «بطهارته» راجع إلى الماء.

(٨) يعني : بخلاف استصحاب طهارة الماء وهو الاستصحاب الجاري في

٧٨٨

استصحاب طهارته ، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشك ، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته ، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته (١).

وبالجملة : فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب (٢) ، إلّا أن الاستصحاب في الأول بلا محذور ، بخلافه في الثاني (٣) ، ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلّا بنحو محال (٤) ،

______________________________________________________

الشك السببي ، فانه لا يلزم منه المحذور المذكور وهو نقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك فيها ، بل يلزم نقض اليقين بما جعل شرعا رافعا لنجاسته ، حيث ان الماء الّذي غسل به الثوب جعله الشارع طاهرا ، وطهارته ولو ظاهرا كافية في طهارة المتنجس الّذي يغسل به الثوب ، فقوله : «إذ لا يلزم» تعليل لقوله : «بخلاف استصحاب طهارته» وضمير «منه» راجع إلى استصحاب طهارة الماء ، وضمير «هو» راجع إلى «ما» الموصول ، وضمير «لنجاسته» إلى الثوب.

(١) أي : بطهارة الماء ببركة استصحابها.

(٢) لكون كل منهما واجدا لليقين والشك الفعليين ، وهذا يوجب جريان الاستصحاب في كل منهما وتعارضهما كما تقدم آنفا ذهاب جماعة إليه. إلّا أن الاستصحاب في الأول وهو السبب لا محذور فيه ، بخلافه في الثاني أعني المسبب كما هو مختار الشيخ الأعظم وجمع من المحققين (قدس‌سرهم) فان في جريان الاستصحاب فيه محذور التخصيص اقتراحا أو بنحو دائر كما مر توضيحه.

(٣) وهو المسبب ، فان في استصحابه محذور التخصيص بلا وجه أي اقتراحا.

(٤) قد عرفت تقريب كلا محذوري الدور وعدم الوجه. ويمكن تقريب الدور بوجه آخر وهو : أن خروج الاستصحاب السببي عن عموم «لا تنقض» منوط بدخول الاستصحاب المسببي تحت عمومه حتى يصلح للمخصصية ، ودخوله كذلك منوط بخروج الاستصحاب السببي عن عمومه ، إذ لو لم يخرج عنه كان رافعا لموضوع الاستصحاب المسببي وموجبا لنقض يقينه باليقين لا بالشك ، فخروج

٧٨٩

فاللازم (١) الأخذ بالاستصحاب السببي (*) (*).

______________________________________________________

السببي عن العموم منوط بدخول المسببي فيه ، وهو منوط بخروج السببي عن العموم ، وهذا هو الدور.

(١) حيث ان محذور الأخذ بالاستصحاب المسببي من الدور وعدم الوجه أوجب الأخذ بالاستصحاب السببي.

__________________

(*) وسرّ ذلك أن رفع اليد عن اليقين في مورد المسبب يكون فردا لخطاب «لا تنقض اليقين» ونقضا لليقين بالشك مطلقا بلا شك ، بخلاف رفع اليد عن اليقين في مورد المسبب ، فانه إنما يكون فردا له إذا لم يكن حرمة النقض يعم النقض في مورد السبب ، وإلّا لم يكن بفرد له ، إذ حينئذ يكون من نقض اليقين باليقين ، ضرورة أنه يكون رفع اليد من نجاسة الثوب المغسول بماء محكوم بالطهارة شرعا باستصحاب طهارته لليقين بأن كل ثوب نجس يغسل بماء كذلك يصير طاهرا شرعا.

وبالجملة : من الواضح لمن له أدنى تأمل أن اللازم في كل مقام كان للعام فرد مطلق وفرد كان فرديته معلقة على عدم شمول حكمه لذلك الفرد المطلق كما في المقام ، كما لو كان هناك عامّان كان لأحدهما فرد مطلق وللآخر فرد كان فرديته معلقة على عدم شمول حكم ذلك العام لفرده المطلق كما هو الحال في الطرق في مورد الاستصحاب هو الالتزام بشمول حكم العام لفرده المطلق حيث لا مخصص له ، ومعه لا يكون فرد آخر يعمه أو لا يعمه. ولا مجال لأن يلتزم بعدم شمول حكم العام للفرد المطلق ليشمل حكمه لهذا الفرد ، فانه يستلزم التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ، كما لا يخفى على ذوي البصائر.

(*) ويمكن توجيه هذا اللزوم مضافا إلى ما في المتن وغيره بأن المقام من صغريات المقتضي واللامقتضي ، حيث ان الأصل السببي يقتضي بمدلوله ارتفاع موضوع الأصل المسببي ، ومن المعلوم تبعية الحكم لموضوعه حدوثا وبقاء ، فبارتفاعه ينتفي الحكم ، ولا يصلح الحكم لحفظ موضوعه ، فلا يبقى شك في الأصل المسببي

٧٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

حتى يجري فيه الاستصحاب. وعليه فالأصل يقتضي ارتفاع موضوع المسببي ، والأصل المسببي لا يقتضي بقاء موضوعه ، فيكون التعارض بينهما من تعارض المقتضي مع اللامقتضي ، ومن المعلوم تقدم الأول على الثاني. ففي المثال المعروف المذكور في المتن وغيره تقتضي الطهارة الثابتة للماء بالاستصحاب ارتفاع الحدث والخبث به ، فغسل الثوب المتنجس ونحوه به يوجب طهارته وارتفاع نجاسته ، فلا يبقى شك في نجاسته حتى يجري فيها الأصل المسببي ، والمفروض تبعية الحكم لوجود موضوعه ، وعدم صلاحية الحكم لحفظه. ولا عكس أي لا يكون بقاء نجاسة الثوب علة لنجاسة الماء ، بل بقاؤها معلول نجاسة الماء ، بداهة أنه مع طهارة الماء يطهر الثوب ، فاستصحاب طهارته مقتض لطهارة المتنجس المغسول به ، إذ المستفاد من النصوص هو أن المتنجس يطهر بغسله بماء طاهر وإن ثبتت طهارته بالتعبد كالاستصحاب وقاعدة الطهارة. وأما استصحاب نجاسة الثوب المتنجس المغسول به فهو غير مقتض لنجاسة الماء ، بل بقاء نجاسته كما مر آنفا لازم لنجاسة الماء ومعلول لها لا مقتض لها ، إذ لو كان الماء طاهرا لأزال نجاسة الثوب ، فنجاسته المستصحبة معلقة على عدم نهوض حجة على طهارته ، فلا مقتضي لبقائها مع اقتضاء استصحاب طهارة الماء لارتفاع نجاسته ، ومن الواضح تقدم المقتضي على اللامقتضي.

فلا ينبغي الإشكال في تقدم الأصل السببي على المسببي وإن كان كل من الشك السببي والمسببي فردا فعليا لعموم «لا تنقض» وذلك لعدم كون الترتب العلّي بينهما مانعا عن شمول العام لهما مع فرض فردية كليهما فعلا بحسب الوجود الخارجي للعام ، لفعلية اليقين والشك في كل منهما ، فان مجرد الترتب العلّي الموجب لصدور أحدهما عن الآخر غير مانع عن الفردية للعام ، فإذا ورد أن حمل مشكوك النجاسة في الصلاة مانع فلا شبهة في شموله لكل من الملاقى وملاقيه.

فالوجه في تقدم السببي على المسببي هو ما تقدم من اندراجهما في المقتضي واللامقتضي ، واختلاف الخطابين في الاقتضاء كاختلافهما كذلك في باب الترتب

٧٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الموجب لصحته كما تقدم في محله ، هذا.

ثم ان في تقريرات سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده) : «نعم يترتب على استصحاب نجاسته نجاسة ماء الغسالة الخارجة عن الثوب بعد الغسل» (١). ولم يظهر المراد منه ، فانه بناء على نجاسة الغسالة يكون الماء الخارج من الثوب المتنجس محكوما بالنجاسة مطلقا سواء جرى استصحاب نجاسة الثوب أم لم يجر ، لأن الثوب كان نجسا قطعا ، والشك في نجاسته نشأ من غسله بالماء المستصحب الطهارة كما هو مفروض المتن وغيره ، فالماء المستعمل في تطهيره نجس يقينا ، إما لنجاسته في نفسه قبل غسل الثوب به ، وإما لكونه غسالة ، فجعل نجاسة الماء المغسول به الثوب المتنجس ثمرة لاستصحاب نجاسة الثوب غير ظاهر ، فليتأمل في كلامه زيد في علو مقامه.

نعم ثمرة استصحاب نجاسته نجاسة ملاقيه ، ونجاسة ما عدا الغسالة مما بقي من الماء بناء على حجية الأصل المثبت ، حيث ان بقاء نجاسة الثوب بالاستصحاب بعد غسله بالماء المزبور مع اجتماع شرائط التطهير من لوازم نجاسة الماء قبل غسل الثوب به ، فنجاسة الماء غير الغسالة ليست مسببة عن نجاسة الثوب وناشئة منها ، بل بقاء نجاسة الثوب من لوازم نجاسة ذلك الماء الّذي غسل ببعضه الثوب. وأما نجاسة غير الغسالة فهي من اللوازم العقلية لبقاء نجاسة الثوب دون الشرعية ، ضرورة أن انفعاله شرعا مستند إلى ملاقاته سابقا للنجاسة ، إذ المفروض أن بقية الماء وهي غير الغسالة لم تلاق الثوب حتى تتنجس بملاقاتها له. نعم بقاء نجاسة الثوب وعدم طهره بالماء المستصحب الطهارة يستلزم عقلا نجاسة بقية الماء التي لم تستعمل في تطهير الثوب ، وإلّا لم يكن وجه لبقاء نجاسة الثوب بعد الغسل به. وحجية الاستصحاب في اللوازم منوطة باعتبار الأصول المثبتة.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في تقدم الاستصحاب في الشك السببي في المثال المزبور بين كون نجاسة الثوب حين غسله بالماء المحكوم بالطهارة للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة معلومة وبين كونها مستصحبة ، فان استصحاب طهارة الماء أو قاعدتها

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ٢١٣

٧٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

يرفع تلك النجاسة ظاهرا بكلا قسميها ، غاية الأمر أنه في صورة العلم يكون شروع الاستصحاب المسببي بعد غسل الثوب ، وهذا غير قادح في تقدم الاستصحاب السببي على المسببي. لكن نظرهم في هذا المثال إلى الفرض الأول وهو كون الثوب معلوم النجاسة ، والشك في بقاء نجاسته ناشئا من غسله بماء مستصحب الطهارة.

وأما تقريب الورود بما في المتن فيتوقف على ما اختاره في تقدم الأمارة على الاستصحاب من الورود حيث جعل قيام الأمارة مفيدا لليقين بالحكم بعنوان ثانوي ، فيكون نقض الحالة السابقة باليقين لا بأمر آخر. وهو كما ترى منوط بالتصرف في متعلق اليقين ، لظهور «لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر» في تعلق اليقين الناقض بنفس ما تعلق به اليقين المنقوض وهو نفس الحكم الواقعي بعنوانه لا بعنوان «مما قامت الأمارة عليه» ولو لا هذا التصرف لا يقين بطهارة الثوب ، وإنما هو يقين بغسل الثوب بماء محكوم بالطهارة تعبدا ، وبينهما فرق واضح.

نعم لا بأس بهذا الكلام بناء على ثبوت الحالة السابقة بالأمارة أيضا ، لاتحاد متعلقي اليقينين. وكذا لو تصرفنا في اليقين والشك بإرادة الحجة واللاحجة منهما كما هو كذلك ، فان الاستصحاب الجاري في السبب حجة شرعية على طهارة الثوب بضميمة ما يدل على أن «ما يغسل بالماء الطاهر طاهر» فيندرج نقض اليقين بالنجاسة بالحجة على الطهارة لا بالشك فيها ، ويتم المطلوب.

وبناء على هذا التصرف لا فرق في الأصل الجاري في السبب بين كونه استصحاب الطهارة وقاعدتها ، إذ المهم صدق نقض الحجة على النجاسة بالحجة على الطهارة سواء أكانت أصلا محرزا أم غيره. فما يظهر من المحقق الأصفهاني (قده) من تقريب الورود بإرادة الحجة واللاحجة من اليقين والشك ثم تخصيصه بما كان الأصل الجاري في السبب الاستصحاب لا قاعدة الطهارة «إذ ليست القاعدة حجة منجزة للواقع أو واسطة في وصوله عنوانا حتى يرتفع بها موضوع الاستصحاب» (١) لا يخلو

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٣١

٧٩٣

نعم (١) لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا ، فانه (٢) لا محذور فيه حينئذ (٣) مع وجود أركانه (٤)

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على لزوم الأخذ بالاستصحاب السببي ، وغرضه أن الأخذ بالاستصحاب المسببي إنما يكون فيما إذا لم يجر الاستصحاب السببي لمحذور كابتلائه بمعارض ، كما إذا غسل الثوب المتنجس بأحد الماءين المشتبهين اللذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، فان استصحاب نجاسة الثوب الّذي هو استصحاب مسببي يجري ، ولا يجري استصحاب طهارة الماء الّذي هو أصل سببي ، لكونه معارضا بالاستصحاب في الآناء المشتبه الآخر.

والوجه في جريان الأصل في المسبب هو : أن كل واحد من الأصلين فرد لعموم «لا تنقض» وإنما المانع عن جريانه في المسبب هو كون الأصل السببي فردا فعليا للعام ، بخلاف الأصل المسببي ، فان فرديته للعام تقديرية ، فإذا سقط الأصل الفعلي ارتفع المانع عن شمول العام للفرد الآخر ، لصيرورته فردا محقّق الوجود ، فيجري.

(٢) تعليل لجريان الاستصحاب المسببي ، وقد عرفت توضيحه. وضمير «فانه» للشأن ، وضمير «فيه» راجع إلى الجريان المفهوم من قوله : «جاريا».

(٣) أي : حين عدم جريان الأصل السببي مع وجود أركان الاستصحاب المسببي من اليقين والشك وعموم خطابه مثل «لا تنقض» والحاصل : أن المقتضي لجريان الاستصحاب المسببي موجود والمانع وهو الاستصحاب السببي مفقود.

(٤) يعني : مع وجود المقتضي لجريانه ، وقوله : «لا محذور فيه» إشارة

__________________

من تأمل ، فان القاعدة وإن لم تكن موصلة إلى الواقع ، لكن حجيتها بمعنى المنجزية عند الإصابة والاعذار عند المخالفة ، فهي حجة على الأحكام الواقعية وتصلح لنقض اليقين السابق بها.

وأما تقريب الحكومة بما في كلمات الشيخ والمحقق النائيني وغيرهما فلا يخلو من إشكالات نبّه على جملة منها المحقق الأصفهاني ، فراجع.

٧٩٤

وعموم خطابه.

وإن (١) لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر فالأظهر

______________________________________________________

إلى عدم المانع. وضميرا «أركانه ، خطابه» راجعان إلى الاستصحاب ، والأولى تقديم المقتضي على عدم المانع ، بأن يقال : «لكان الاستصحاب المسببي جاريا ، لوجود أركانه وعموم خطابه وعدم محذور فيه».

(١) معطوف على قوله : «فان كان أحدهما أثرا للآخر» وهذا إشارة إلى صورة كون الشكين عرضيين مع العلم إجمالا بانتقاض أحد المستصحبين وعدم لزوم المخالفة العملية من جريان الاستصحاب فيهما ، ومحصل ما أفاده فيه هو : أن الاستصحاب يجري في كليهما ، لوجود المقتضي وعدم المانع.

أما الأول فلعموم دليل الاستصحاب الشامل لأطراف العلم الإجمالي ، لكون كل منهما معلوما سابقا مشكوكا لاحقا ، فالمحدث المتوضئ غفلة بمائع مردد بين الماء والبول يجري استصحاب الحدث وطهارة الأعضاء ، لكون كل منهما متعلقا لليقين والشك ، ولا يلزم من جريانهما مخالفة عملية لتكليف فعلي معلوم إجمالا. أما جريان استصحاب الطهارة فلاحتمال كون المائع ماء ، فالأعضاء باقية على طهارتها وإن ارتفعت واقعا ، وأما جريان استصحاب الحدث فلعدم العلم بارتفاعه ، وتقتضي قاعدة الاشتغال حينئذ لزوم إحراز الطهارة للصلاة وغيرها من المشروط بالطهارة. وعليه فلا يلزم من إجراء الاستصحابين مخالفة عملية لتكليف إلزامي فعلي معلوم.

وبالجملة : ففي هذا المثال لا يكون شيء من الشكين مسببا عن الآخر ، بل هما عرضيان مسببان عن علة ثالثة ، وهي دوران أمر المائع بين البول والماء ، فانه منشأ الشك في بقاء كل من الحدث وطهارة البدن ، فيجري كلا الاستصحابين مع العلم الإجمالي بانتقاض أحد المستصحبين ، لارتفاع طهارة البدن إن كان ذلك المائع بولا أو ارتفاع الحدث إن كان ماء. لكن هذا العلم الإجمالي بالانتقاض مع عدم لزوم المخالفة العملية غير مانع عن جريانهما ، إذ لا تنافي بين نفس المستصحبين ضرورة اجتماع الحدث القائم بالنفس ، والطهارة القائمة بالبدن.

٧٩٥

جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا ، لوجود المقتضي إثباتا (١)

______________________________________________________

نعم يقع التنافي بينهما باعتبار لوازمهما ، إذ لازم بولية المائع بقاء الحدث ونجاسة البدن ، ولازم مائيته ارتفاع الحدث وبقاء طهارة الأعضاء ، فلا يمكن الجمع ـ لأجل هذه اللوازم ـ بين بقاء الحدث وطهارة البدن. لكن التفكيك في اللوازم في مرحلة الظاهر مما لا محذور فيه ، وإنما المحذور هو المخالفة العملية ، وذلك غير لازم من الحكم بوجوب الوضوء وطهارة الأعضاء. والحاصل : أن المانع ـ أعني المخالفة ـ غير لازم ، واللازم وهو التفكيك في اللوازم ظاهرا غير مانع.

(١) يعني : أن المقتضي لجريان كلا الاستصحابين وهو دلالة الدليل ـ التي هي مقام الإثبات ـ موجود ، وقوله : «إثباتا» تعريض بما أفاده الشيخ الأعظم (قده) من قصور دليل الاستصحاب إثباتا عن شموله لأطراف العلم الإجمالي ، بتقريب : أن مقتضى عموم «لا تنقض» حرمة نقض اليقين بالشك مطلقا وإن كان مقرونا بالعلم الإجمالي ، ومقتضى «انقضه بيقين آخر» وجوب نقضه بيقين آخر ولو كان إجماليا ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل ، فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد إناءين كانا طاهرين فقد علم بانتقاض الطهارة في أحدهما ، ولا وجه لجريان استصحاب الطهارة في كليهما ، للمناقضة مع اليقين بنجاسة أحدهما إجمالا مناقضة السلب الكلي للإيجاب الجزئي ، ولا في أحدهما المعين ، لكونه بلا مرجح ، ولا في غير المعين ، لأنه ليس للعام فرد آخر غير الفردين المتشخصين في الخارج.

وبالجملة : فمقتضى عموم الصدر عدم جواز النقض في كليهما ، ومقتضى الذيل جوازه في أحدهما ، وهذا التناقض يوجب إجمال الدليل وقصوره عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي وسقوط الأصول فيها. هذا ملخص إشكال الشيخ (قده) على شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي. وقد تكرر ذكر كلام الشيخ في مواضع كبحث الموافقة الالتزامية ومقدمات الانسداد وأوائل الاشتغال ، ونقلنا نصّ كلامه في الموافقة الالتزامية ، فراجع.

٧٩٦

وفقد المانع عقلا (١). أما وجود المقتضي فلإطلاق الخطاب وشموله (٢) للاستصحاب في أطراف المعلوم بالإجمال ، فان (٣) قوله عليه‌السلام

______________________________________________________

(١) لعدم لزوم المعصية كما سيأتي. والمخالفة الالتزامية ليست مانعة عقلا ولا شرعا كما سبق في محله.

(٢) عطف تفسيري لـ «إطلاق الخطاب» والأولى تبديل الإطلاق بالعموم كما سيأتي في قوله : «عن عموم النهي». ووجه شموله هو وقوع جنس اليقين في حيّز النهي ، ومبغوضية الجنس تقتضي مبغوضية جميع أفراده ، كمبغوضية جميع أفراد الخمر المستفادة من قوله : «لا تشرب الخمر» وهذا هو السلب الكلي.

(٣) شروع في الجواب عن الإشكال المتقدم عن الشيخ. وقد أجاب عنه في حاشية الرسائل بوجوه ثلاثة ، تعرض لاثنين منها في المتن ، الأول : ما أشار إليه بقوله : «لو سلم وهو الّذي جعله في الحاشية ثاني الوجوه ، وبيانه : أن قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ليس حكما تعبديا بجواز النقض باليقين مطلقا ولو إجماليا حتى يناقض مدلول «لا تنقض» وهو حرمة نقض اليقين بالشك ولو كان مقرونا بالعلم الإجمالي ، بل هو حكم عقلي ذكر تأييدا وتأكيدا للنهي ، وإرشادا إلى أن اليقين لمّا كان أمرا وثيقا فلا بد من استمرار الجري على مقتضاه وعدم رفع اليد عنه إلى أن يحصل ما هو مثله في الوثاقة والإبرام ، ويتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق ، وليس ذلك إلّا العلم التفصيليّ ، إذ العلم الإجمالي مشوب بالشك أوّلا ، وغير متعلق بعين متعلق ذلك اليقين ثانيا ، لتعلق العلم التفصيليّ بواحد معين أو بصورة تفصيلية معينة ، وتعلق العلم الإجمالي بعنوان «أحدهما» أو بالصورة الإجمالية المرددة بين أمرين ، فيتعدد متعلق العلمين. وحيث ان ارتفاع أثر اليقين السابق يكون بالحجة الذاتيّة وهي العلم ، فالنقض به ليس حكما تعبديا ، فحمل الذيل على الإرشاد كما أفاده في الحاشية في محله ، فوجود الذيل حينئذ كعدمه. وعليه فلا مانع من الاستدلال بالصدر على جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ، إذ لا موضوع للمناقضة بين الصدر والذيل.

٧٩٧

في ذيل بعض أخبار الباب «ولكن تنقض اليقين باليقين» لو سلّم أنه (١) يمنع عن شمول قوله عليه‌السلام في صدره : «لا تنقض اليقين بالشك» لليقين (٢) والشك في أطرافه ، للزوم (٣) المناقضة في مدلوله ، ضرورة (٤) المناقضة بين السلب الكلي والإيجاب الجزئي ، إلّا أنه (٥) لا يمنع

______________________________________________________

(١) أي : أن الذيل ، وهذا كلام الشيخ في مناقضة الصدر للذيل.

(٢) متعلق بـ «شمول» وقوله : «في أطرافه» متعلق بمحذوف صفة لليقين والشك.

(٣) متعلق بـ «يمنع عن الشمول» للزوم المناقضة التي مرّ بيانها ، وضمير «أطرافه» راجع إلى «المعلوم بالإجمال» وضمير «مدلوله» إلى قوله في صدره : «لا تنقض» يعني : أن الذيل يوجب المناقضة في مدلول الصدر.

(٤) هذا بيان المناقضة ، وقد مر آنفا تقريب المراد بالسلب الكلي. وأما الإيجاب الجزئي فالمراد به ما يستفاد من وقوع طبيعة اليقين في الذيل في حيّز الإثبات ، فالمراد به النقض بيقين ما الصادق على العلم الإجمالي. ثم ان كلام المصنف من «أنه يمنع عن شمول» إلى قوله : «والإيجاب الجزئي» كان في مقام تقريب إشكال الشيخ على التمسك بأخبار الاستصحاب لجريانه في أطراف العلم الإجمالي ، وقد تقدم توضيحه مفصلا.

(٥) يعني : إلّا أن الذيل لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار ، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني ، وحاصله : أنه بعد الغض عن الجواب الأول ـ وتسليم أن الذيل ليس في مقام الإرشاد بل سيق لبيان حكم تعبدي في قبال حكم الصدر يمنع عن شمول الصدر لأطراف العلم الإجمالي لما مر في كلام الشيخ من المناقضة ـ يجاب عن الإشكال بوجه آخر ، وهو : أنه يكفينا سائر الأخبار مما لم يشتمل منها على هذا الذيل ، وهو «نقض اليقين باليقين» فان عموم «لا تنقض» يشمل أطراف العلم الإجمالي من دون محذور. وإجمال ما اشتمل على الذيل المزبور لا يسري إلى سائر

٧٩٨

عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه (١) هذا الذيل ، وشموله (٢) لما (٣) في أطرافه ، فان (٤) إجمال ذاك الخطاب لذلك (٥) لا يكاد يسري إلى غيره مما (٦) ليس فيه ذلك (*).

______________________________________________________

الأخبار الخالية عنه ، ولا يوجب إجمالها ، لانفصال هذا الذيل عنها وعدم اتصاله بها حتى يصلح لصرفها عن ظاهرها ، فإطلاق الأخبار المجردة عن هذا الذيل محكّم ولا مانع من الاستدلال به لجريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي. هذا محصل الجواب الثاني.

(١) الضمير راجع إلى «ما» الموصول المراد به الأخبار التي ليس فيها هذا الذيل ، فانها تدل على عدم نقض شيء من أفراد اليقين والشك وإن كان مقرونا بالعلم الإجمالي.

(٢) معطوف على «عموم» يعني : إلّا أن الذيل لا يمنع عن عموم النهي وعن شموله لأطراف المعلوم بالإجمال.

(٣) متعلق بـ «شموله» وضمير «أطرافه» راجع إلى المعلوم بالإجمال ، والمراد بـ «ما» في «لما» هو اليقين والشك ، وحاصله : أن الذيل لا يمنع عن شمول النهي في سائر الأخبار لليقين والشك المتعلقين بأطراف العمل الإجمالي.

ولو سقط الموصول والظرف وقيل : «وشموله لأطرافه» لكفى وكان أخصر.

(٤) تعليل لقوله : «لا يمنع عن عموم النهي» وقد عرفت آنفا تقريبه ، وحاصله : عدم سراية إجمال الخطاب المقرون بذلك الذيل إلى غيره مما ليس فيه هذا الذيل ، وذلك لظهور الأخبار المجردة عنه في العموم بلا مانع ، إذ المفروض عدم احتفافه بما يمنع ظهوره في العموم.

(٥) أي : لذلك الذيل ، وضمير «غيره» راجع إلى ذلك الخطاب وهو المقرون بالذيل.

(٦) يعني : من الأخبار التي ليس فيها ذلك الذيل ، فضمير «فيه» راجع إلى

__________________

(*) لا يخلو من تأمل ، فان إجمال الذيل في الأخبار المذيلة وإن لم يوجب

٧٩٩

وأما فقد المانع (١) فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف

______________________________________________________

إلى «ما» وقوله : «ذلك» إشارة إلى الذيل. هذا تمام الكلام في إثبات وجود المقتضي لجريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي مع عدم لزوم مخالفة عملية من جريانه فيها ، بعد الجواب عن إشكال الشيخ (قده) في المتن بوجهين تقدم بيانهما.

(١) بعد أن أثبت وجود المقتضي لجريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي صار بصدد تحقيق عدم المانع عن تأثير المقتضي ، وقد أفاد في ذلك أن المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي هو المخالفة العملية للتكليف الفعلي ، وهي لا تلزم في مفروض كلامنا ، كما قال في صدر البحث : «فالأظهر

__________________

إجمال الأخبار الخالية عنه ، لمكان الانفصال ، إلّا أنه يوجب عدم حجية ظهور المطلق الخالي عن القيد ، ولا فرق في عدم الحجية بين عدم الظهور أصلا وعدم حجيته مع وجوده. وعليه فحال الأخبار المجردة عن الذيل حال الأخبار المذيلة في عدم حجية الإطلاق ، فتأمل. هذا ما يتعلق بالوجهين المذكورين في المتن.

وأما الوجه الثالث الّذي أفاده في تعليقة الرسائل ولم يتعرض له في المتن لا صراحة ولا إشارة فهو : أن ظهور الصدر في شموله لليقين والشك في أطراف العلم الإجمالي أقوى من ظهور قوله : «ولكن تنقضه» في شموله لليقين بانتقاض الحالة السابقة إجمالا في أحد الأطراف ، وذلك لوقوع «اليقين» في حيّز النهي الواقع في مقام بيان الكبرى ، بخلافه في الذيل ، فانه لا موجب لدلالته على العموم لا وضعا كما هو واضح ، ولا إطلاقا ، لعدم سوق القضية في مقام البيان من هذه الجهة. وعليه فالمقتضي بمعنى العموم اللفظي للاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي موجود ، وليس العلم بارتفاع الحالة السابقة في بعض الأطراف بنفسه مانعا من شمول العموم لها. نعم يمنع عن جريانه فيها مخالفة التكليف الفعلي المعلوم ، وبدون مخالفته له عملا لا مانع من جريانه. وقد تقدم في أول بحث الاشتغال التعرض للوجوه المذكورة وغيرها مما أورده المصنف على كلام الشيخ ، فراجع.

٨٠٠