منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

ووجوب (١) العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة (٢) الشريعتين ما لم (٣) يلزم منه الاختلال ،

______________________________________________________

لا يجدي الكتابي أصلا ، إذ لازم اعتباره في هذه الشريعة ارتفاع الشريعة السابقة ، حيث ان اعتقاده باعتبار الاستصحاب في هذه الشريعة يتوقف على تصديق هذه الشريعة ، ضرورة أن حجية الاستصحاب من أحكامها ، فالإذعان بحجيته موقوف على تصديق أصل الشريعة ، وتصديقها مساوق لليقين بارتفاع الشرع السابق ، فيلزم من استصحاب ذلك الشرع عدمه ، وهو ما أفاده بقوله : «محال» وضمير «يجديه» راجع إلى «الكتابي».

هذا تمام ما أفاده المصنف في منع تمسك أهل الكتاب بالاستصحاب لإثبات بقاء شريعتهم وعدم نسخها ، وهو موافق للوجه الأول الّذي اختاره الشيخ الأعظم في منع هذا الاستصحاب ، فانه (قده) بعد أن تعرّض لأجوبة عديدة عن هذا الاستصحاب وناقش فيها أجاب عنه بوجوه خمسة ، قال في أولها : «ان المقصود من التمسك به ان كان الاقتناع به في العمل عند الشك فهو ... فاسد جدا ، لأن العمل به على تقدير تسليم جوازه غير جائز إلّا بعد الفحص والبحث ، وحينئذ يحصل العلم بأحد الطرفين. وإن أراد به الإسكات والإلزام ، ففيه : أن الاستصحاب ليس دليلا إسكاتيا ، لأنه فرع الشك ، وهو أمر وجداني كالقطع لا يلزم به أحد» فراجع.

(١) معطوف على «لزوم المعرفة» يعني : أن الكتابي الشاك ليس له أن يقنع بالاستصحاب الّذي لا يفيد إلّا حكما ظاهريا ، بل عليه الفحص والنّظر لتحصيل المعرفة مع الإمكان ، وبدونه ليس له الاعتماد على الاستصحاب في أعماله ، بل عليه أن يعمل بمقتضى العلم الإجمالي وهو العمل بكلتا الشريعتين ما لم يلزم منه اختلال النظام. والحاصل : أن الاستصحاب لا يجدي الكتابي لا اعتقادا ولا عملا.

(٢) متعلق بـ «بالاحتياط» وقوله : «عقلا» قيد لـ «وجوب» و «في حال» متعلق بـ «العمل» ويمكن تعلقه بـ «وجوب».

(٣) قيد لوجوب الاحتياط ، يعني : يجب الاحتياط بمراعاة الشريعتين ما

٦٨١

للعلم (١) بثبوت إحداهما على الإجمال ، إلّا (٢) إذا علم بلزوم البناء على

______________________________________________________

لم يلزم من الاحتياط اختلال النظام ، وضمير «منه» راجع إلى «الاحتياط».

(١) متعلق بـ «وجوب العمل» وتعليل له ، يعني : يجب الاحتياط عقلا لأجل العلم الإجمالي بثبوت إحدى الشريعتين. وضمير «إحداهما» راجع إلى «الشريعتين».

(٢) استثناء من وجوب الاحتياط عقلا ، وحاصل الاستثناء : أنه إذا ثبت اعتبار الاستصحاب بالنسبة إلى حجية الحجج بنظر العقل ـ كثبوت اعتباره في عدم الحجية عند الشك في حدوثها ـ لم يجب الاحتياط بمراعاة الشريعتين ، بل يعمل بما يقتضيه الاستصحاب من بقاء الشريعة السابقة ، هذا. ولكنه مجرد فرض ، إذ لا فرق في اعتبار الاستصحاب وعدمه بين موارده.

فتحصل من جميع ما أفاده المصنف (قده) : أن استصحاب النبوة لا يجري مطلقا سواء أريد بها الصفة الكمالية التكوينية أم الموهبة الإلهية التشريعية ، أم الأحكام الفرعية ، وسواء أريد بالاستصحاب إلزام الخصم أم إقناع النّفس ، لأنه بناء على إرادة الصفة التكوينية من النبوة لا شك في بقائها أوّلا ، وعدم ترتب أثر شرعي عليها على تقدير الشك فيها ثانيا ، من غير فرق في ذلك بين قصد الإلزام والإقناع بالاستصحاب ، لإناطته في كلتا الصورتين بالشك في البقاء والأثر الشرعي.

وبناء على إرادة الصفة التشريعية الإلهية منها ـ وإن كانت النبوة بنفسها حينئذ أثرا شرعيا قابلا للاستصحاب ـ لكنه مع ذلك لا يجري فيها ، لا إلزاما للمسلم لليقين بارتفاعها ، مع وضوح أنه يعتبر في إلزامه بالاستصحاب الجدلي من كونه متيقنا بالثبوت وشاكا في البقاء ، ولا إقناعا لنفسه ، لكون النبوة من الأمور الاعتقادية التي يجب تحصيل اليقين والمعرفة بها ، ومن المعلوم أن الاستصحاب لا يوجب المعرفة ، بل هو حكم على الشك.

وبناء على إرادة الشريعة من النبوة وإن كانت بنفسها حكما شرعيا موردا للاستصحاب ، إلّا أنه لا يجري فيها أيضا ، لا إلزاما ، ليقين المسلم بارتفاعها

٦٨٢

الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال (*).

______________________________________________________

بنسخها بهذه الشريعة ، وإلّا فليس بمسلم. ولا إقناعا ، للزوم الدور إن كان دليل اعتبار الاستصحاب من الشرع السابق ، لتوقف بقائه على اعتبار الاستصحاب ، وتوقف اعتباره على بقاء الشرع. وإن كان دليل اعتباره من هذا الشرع لزم الخلف وهو ارتفاع الشرع السابق.

وبالجملة : فلا مجال لاستصحاب الكتابي لإثبات نبوة موسى أو عيسى عليهما‌السلام ، لا لإقناع نفسه ، ولا لإلزام خصمه.

__________________

(*) قد عرفت تفصيل ما أفاده المصنف (قده) في رد استصحاب الكتابي ، ولا بأس بالتعرض لبعض الوجوه التي أفادها غيره في رده ، وهو ما نسب إلى مولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وسلامه عليه في جواب الجاثليق مع توجيهه الّذي ذكره الشيخ الأعظم (قده) أما جوابه عليه‌السلام فمضمونه هو ما أجاب به بعض السادة عن استصحاب الكتابي «من أنّا نؤمن ونعترف بنبوة كل موسى وعيسى عليهما‌السلام أقر بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكافر بنبوة كل من لم يقرّ بذلك».

وهذا الجواب بظاهره كما أفاده الشيخ مخدوش بما عن الكتابي من أن موسى ابن عمران أو عيسى بن مريم عليهم‌السلام شخص واحد وجزئي حقيقي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوته ، فعلى المسلمين إثبات نسخ شريعته ، هذا.

وأما توجيه الشيخ (قده) لجواب الإمام عليه‌السلام فهو الجواب الخامس في الرسائل ، وحاصله : أن معاشر المسلمين لمّا علموا أن النبي السالف أخبر بمجيء نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن ذلك كان واجبا عليه ، وكان الإيمان به متوقفا على إقراره بنبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبليغ ذلك إلى أمته صحّ لهم أن يقولوا : ان المسلّم نبوة النبي السالف على تقدير تبليغ نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبوة التقديرية لا تضرنا ولا تنفعهم في بقاء شريعتهم. ولا بأس بهذا التوجيه ، وإلّا فظاهر ما أجاب به بعض الفضلاء عنه مخدوش. وإن شئت الوقوف على سائر الأجوبة فراجع الرسائل.

٦٨٣

الثالث عشر (١) : أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام (٢) ، لكنه (٣) ربما يقع

______________________________________________________

(التنبيه الثالث عشر : موارد الرجوع إلى العام واستصحاب حكم المخصص)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر الّذي جعله في الرسائل عاشر التنبيهات هو : أنه إذا خرج فرد من أفراد العام في زمان ، وشك فيه بعد ذلك الزمان ، فهل يجري فيه الاستصحاب أم يتمسك فيه بالعامّ؟ وبعبارة أخرى : هل المرجع فيه عموم العام أم استصحاب حكم الخاصّ؟

وهذا البحث مما يترتب عليه ثمرة فقهية كمسألة فورية خيار الغبن كما عن ثاني المحققين (قده) تمسكا بعموم «أوفوا بالعقود» حيث انه يدل على وجوب الوفاء بالعقد الّذي هو كناية عن اللزوم في كل آن ، وقد خرج عنه آن الالتفات إلى الغبن والتمكن من الفسخ ، فان لم يفسخ المغبون في آن الالتفات وشك في بقاء الخيار فيما بعده من الآنات يحكم بسقوطه ، لعموم «أوفوا بالعقود» كما أن القائل بعدم فورية خيار الغبن يستند إلى استصحاب حكم الخاصّ وهو الخيار ، وجواز العقد الموجب لكون الخيار على التراخي.

(٢) لكونه دليلا اجتهاديّاً حاكما على الأصول التي منها الاستصحاب كما سيجيء إن شاء الله تعالى. والتعبير بالمثل للإشارة إلى عدم خصوصية للعام ، بل كل دليل اجتهادي وإن كان إطلاقا أو إجماعا يقدم على الاستصحاب وغيره من الأصول العملية.

(٣) هذا هو المطلب الأصلي الّذي عقد هذا التنبيه لبيانه ، ومحصله : أن في التمسك بالعموم أو الاستصحاب بعد الزمان الّذي خصص فيه العام أقوالا :

منها : ما عن المحقق الثاني من التمسك بالعموم مطلقا.

ومنها : استصحاب حكم الخاصّ كذلك كما عن السيد بحر العلوم (قده).

ومنها : التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي ، بالتمسك بالعامّ في الأول ،

٦٨٤

الإشكال (١) والكلام فيما إذا خصص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان (٢) مورد الاستصحاب أو التمسك بالعامّ.

______________________________________________________

وبالاستصحاب في الثاني كما عن صاحب الرياض (قده).

ومنها : التفصيل بين كون الزمان مفرّدا للعام وبين كونه مأخوذا ظرفا لاستمرار حكمه ، بالتشبث بالعامّ في الأول ، وبالاستصحاب في الثاني ، كما اختاره الشيخ الأعظم (قده).

ومنها : تفصيل آخر ذهب إليه المصنف ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(١) منشأ الإشكال هو : أن التخصيص هل يسقط العام عن الحجية رأسا بحيث يمنع عن أصالة العموم مطلقا؟ أم لا يسقطه كذلك ، أم يسقطه في الجملة ، وقوله : «في أن» متعلق بـ «يقع».

(٢) أي : زمان التخصيص كزمان اطلاع المغبون على الغبن في خيار الغبن. ولا يخفى أن تعبير المتن في تحرير محل النزاع أولى من التعبير المشهور «الرجوع إلى العام أو استصحاب حكم المخصص» لوضوح أن البحث في المقام صغروي بمعنى : أن الغرض من عقد هذا البحث تمييز مورد الرجوع إلى العام عن مورد الرجوع إلى الاستصحاب ، وليس المقصود الحكم بالرجوع إلى أحدهما مع صلاحية المورد للعام والاستصحاب ، لوضوح أنه مع وجود العام لا مجال للتمسك بالاستصحاب الّذي يقدم عليه كل دليل اجتهادي ، فإذا كان الشك في التخصيص الزائد كان المرجع العموم بلا شبهة ، كما أنه إذا شك في بقاء حكم المخصص مع كون الزمان ظرفا في كل من العام والخاصّ كان المرجع استصحاب حكم الخاصّ.

كما أنه قد لا يكون المورد صغرى للتمسك بالعامّ ولا بالاستصحاب ، بل لا بد من تعيين الوظيفة بدليل آخر ولو كان أصلا عمليا كما سيظهر ذلك كله ، وكان المقصود من هذا الكلام التنبيه على أن البحث في المقام لتعيين صغرى مرجعية العموم والاستصحاب وعدم كون البحث كبرويا.

٦٨٥

والتحقيق (١) أن يقال : ان مفاد العام تارة يكون بملاحظة

______________________________________________________

(١) اعلم : أن تفصيل المصنف (قده) في هذا التنبيه بفرض صور أربع أو أكثر ـ كما سيأتي في استدراكه بقوله : «نعم» ـ ناظر إلى كلام شيخنا الأعظم في التنبيه العاشر ، حيث انه اقتصر على بيان صورتين : إحداهما : ظرفية الزمان لاستمرار حكم العام ، وثانيتهما : قيديته الموجبة لتكثر أفراد العام كما ستقف عليه. وكان الأنسب تقرير كلام الشيخ أوّلا ثم التعرض لمورد نظر المصنف فيه ثانيا ، لكن لمّا كان ما أفاده الشيخ مطويّا في كلام المصنف مع تفصيل زائد عليه ابتكره ، فتوضيح المتن يغني عن التعرض لكلام الشيخ مستقلا ، مع أنه سيأتي في آخر البحث نقل شيء من كلامه عند تعرض الماتن له ، وعليه فالأولى توضيح المتن مع ملاحظة ما حققه في حاشية الرسائل ، فنقول وبه نستعين :

ان الدليل الدال على ثبوت حكم لموضوع عام إما أن يتكفل لثبوته في جميع الأزمنة كقوله : «أكرم العلماء دائما» وإما أن يتكفل لثبوته في زمان خاص كقوله : «أكرم العلماء إلى أن يفسقوا» بناء على اعتبار مفهوم الغاية ، وإما أن لا يتكفل للحكم في الزمان الثاني نفيا وإثباتا ، إما لإجماله كما إذا أمر بالجلوس إلى الليل وتردد مبدؤه بين استتار القرص وذهاب الحمرة ، أو لقصور دلالته كقوله : «الماء إذا تغير تنجس» لعدم دلالته على بقاء النجاسة وارتفاعها بعد زوال التغير. وحكم هذه الصور واضح ، فالمرجع في الأوليين نفس الدليل ، لدلالته على العموم الأزماني كما في الصورة الأولى ، وعلى الاختصاص بزمان العدالة في الصورة الثانية ، كما أن الاستصحاب هو المرجع في الصورة الثالثة.

إنما الكلام فيما إذا ورد عموم أفرادي يتضمن العموم الأزماني بدليل لفظي أو بمقدمات الحكمة ، وخرج بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن العموم ، ولم يتكفل الدليل الخاصّ لكيفية خروجه وأنه خرج في بعض الأزمنة أو في جميعها ، فهنا صور يرجع في بعضها إلى العام وفي بعضها إلى استصحاب حكم المخصص وفي بعضها إلى حجة أخرى غير العام والاستصحاب.

٦٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

توضيحه : أن خطاب العام الدال على ثبوت الحكم لكل فرد من أفراده إن كان الزمان مأخوذا فيه قيدا بحيث يكون لكل فرد في كل قطعة من ذلك الزمان حكم مستقل ، كما إذا قال : «أكرم العلماء من هذا اليوم إلى عشرة أيام» وكان للعام عشرة أفراد ، كان إكرام كل واحد منهم في كل يوم واجبا مستقلا غير مرتبط بإكرامه في يوم آخر ، فإكرام زيد في اليوم الأول فرد من العام ، وإكرامه في اليوم الثاني فرد آخر منه وهكذا ، ولكل إكرام إطاعة ومعصية تخصه ، فيحصل في المثال مائة فرد مثلا للعام ، ويكون عموم العام شاملا. لجميع هذه الأفراد في عرض واحد ، وينحل إليها على حد سواء ، غايته أن عموم العام بالنسبة إلى ذوات العلماء عموم أفرادي ، وبالقياس إلى قطعات الزمان عموم أزماني.

وإن كان الزمان مأخوذا فيه ظرفا محضا بحيث يكون الحكم الثابت لكل فرد حكما واحدا مستمرا من أول حدوثه إلى آخر اليوم العاشر ، فيكون للعام العموم الأفرادي خاصة دون الأزماني ، فالإكرامات في المثال المتقدم عشرة بناء على الظرفية ، كما أنها مائة بناء على القيدية بلحاظ قطعات الأزمنة.

وهذا التفصيل هو الّذي اختاره شيخنا الأعظم. والمصنف أجرى فرض ظرفية الزمان وقيديته في ناحية المخصص أيضا ، فمثل «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» يحتمل فيه كل من التقييد والظرفية ، فيحصل من قسمي المخصص مع قسمي العام أربعة أقسام.

وعليه فصور المسألة أربع ، فيؤخذ الزمان تارة قيدا لكل من العام والخاصّ كقوله : «الجلوس في المسجد في كل آن واجب ، والجلوس في وقت الزوال ليس بواجب» وأخرى ظرفا للحكم فيهما كقوله : «يجب دائما إكرام العلماء ، ولا يجب أبدا إكرام زيد العالم» وثالثة قيدا للعام وظرفا للخاص كقوله : «أكرم العلماء في كل آن ، ولا تكرم زيدا النحوي يوم السبت» وعلم من الخارج أن السبت ظرف لعدم وجوب إكرامه لا قيد له. ورابعة عكس ذلك ، بأن يكون الزمان

٦٨٧

الزمان (١) ثبوت (٢) حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام. وأخرى (٣) على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذلك العام. وكذلك مفاد مخصصه تارة (٤) يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه (٥) ، وأخرى (٦) على نحو يكون مفرّدا ومأخوذا

______________________________________________________

ظرفا للعام وقيدا للخاص ، كقوله : «أكرم العلماء مستمرا ، ولا تكرم العالم البصري في شيء من الأيام» وسيأتي أحكام هذه الصور.

(١) الّذي يكون بطبعه ظرفا للزماني ، كالمكان الّذي هو ظرف للمكاني ، وتحتاج قيديته ثبوتا وإثباتا إلى مئونة زائدة.

(٢) بالنصب خبر «يكون» وجملة «يكون» مع خبره خبر «ان» و «على نحو» متعلق بـ «ثبوت» يعني : ثبوت الحكم لموضوعه يكون بنحو الاستمرار والدوام ، وضميرا «حكمه ، لموضوعه» راجعان إلى العام ، والمستتر في «يكون» الّذي هو اسمه راجع إلى «مفاد» وهذا إشارة إلى كون الزمان ظرفا لا قيدا مفرّدا للعام ، فإكرام كل فرد من أفراد العلماء في جميع الأزمنة يكون فردا واحدا لا أفرادا بتعدد الأزمنة.

(٣) معطوف على «تارة» وهذا إشارة إلى قيدية الزمان ومفرديته للعام.

(٤) متعلق بـ «مفاد» يعني : وكذلك التحقيق أن يقال : ان مفاد مخصصه ... إلخ ، وضمير «مخصصه «راجع إلى العام.

(٥) يعني : لم يلاحظ في الزمان إلّا ما هو مقتضى طبعه من الظرفية. وهذا هو القسم الأول من المخصص ، فزيد العالم مثلا الخارج عن عموم «أكرم العلماء» فرد واحد في جميع الأزمنة.

(٦) معطوف على «تارة» وهذا إشارة إلى القسم الثاني من المخصص وهو كون الزمان مفرّدا فيه ، وقد تقدم مثاله ، وضمير «موضوعه» راجع إلى «مخصصه».

٦٨٨

في موضوعه. فان كان مفاد كل من العام والخاصّ على النحو الأول (١) فلا محيص عن استصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته (٢) ، لعدم (٣)

______________________________________________________

(١) هذا شروع في بيان أحكام الأقسام الأربعة المتقدمة ، وإشارة إلى حكم القسم الأول ، وهو كون الزمان في كل من العام والخاصّ مأخوذا ظرفا لاستمرار الحكم بحيث لا مدخلية للزمان فيه أصلا ، والحكم فيه بعد زمان الخاصّ هو الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ ، فإذا خرج وجوب إكرام زيد في يوم الجمعة عن وجوب إكرام العلماء ، وشك بعد يومها في وجوب إكرام زيد وعدمه يستصحب حكم الخاصّ وهو عدم الوجوب ، ولا يتمسك بعموم العام ، إذ ليس الفرد الخارج إلّا فردا واحدا ، وليس متعددا بتعدد الأزمنة حتى يقال : ان المتيقن هو تخصيص العام بفرد واحد ، والشك في تخصيصه بعد زمان الخاصّ شك في تخصيصه بفرد آخر ، وهو من صغريات الشك في التخصيص الزائد الّذي يرجع فيه إلى العام.

كما لا يتشبث بالخاص أيضا ، لعدم كون الزمان مأخوذا فيه إلّا بنحو الظرفية ، فلا يدل إلّا على انتفاء الحكم في زمانه وهو يوم الجمعة ، ولا يدل على حكم ما بعده نفيا وإثباتا ، فلا بد من الرجوع فيه إلى الأصل وهو الاستصحاب.

(٢) أي : دلالة الخاصّ ، والمراد بغير مورد دلالته هو ما بعد زمان الخاصّ.

(٣) تعليل لقوله : «فلا محيص» يعني : أن الرجوع إلى الاستصحاب دون العام إنما هو لأجل عدم دلالة العام على حكم الخاصّ بعد الزمان المعلوم ، حيث ان دلالته عليه منوطة بأمرين : أحدهما : كون الخاصّ بعد ذلك الزمان فردا مستقلا للعام وموضوعا على حدة لحكمه. والآخر : بقاء حكمه وعدم انقطاع استمراره. والمفروض انتفاء كليهما.

أما الأول فلفرض عدم كون الزمان مفرّدا للعام حتى يكون الخاصّ بعد زمان التخصيص فردا مستقلا للعام. وأما الثاني فلانقطاع استمراره في الزمان المعلوم وهو زمان الخاصّ ، ومع عدم دلالة العام على حكمه بعد الزمان المعلوم وكذا الخاصّ ـ إذ المفروض عدم دلالته أيضا إلّا على ارتفاع الحكم في الزمان المفروض

٦٨٩

دلالة للعام على حكمه ، لعدم (١) دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع (٢) الاستمرار بالخاص (٣) الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق (٤) من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق ، فلا مجال (٥) إلّا لاستصحابه. نعم (٦) لو كان الخاصّ غير قاطع لحكمه ،

______________________________________________________

ظرفا له أيضا ـ لا محيص عن الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ ، لاجتماع شرائطه من اليقين والشك والحكم الشرعي ولو نفيا.

(١) تعليل لـ «لعدم دلالة» وإشارة إلى الأمر الأول المذكور بقولنا : «أحدهما كون الخاصّ ... إلخ» وضميرا «دخوله ، حكمه» راجعان إلى «الخاصّ» وضمير «موضوعه» إلى العام.

(٢) معطوف على «عدم» وإشارة إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا : «والآخر بقاء حكمه وعدم انقطاع استمراره ... إلخ».

(٣) الباء للسببية ، والمجرور متعلق بـ «انقطاع» وضمائر «له ، دلالته ، لاستصحابه» راجعة إلى «الخاصّ».

(٤) أي : في زمان الخاصّ من دون دلالته على ثبوت حكم الخاصّ في الزمان اللاحق وهو زمان الشك في ثبوت حكم الخاصّ أو العام ، وضمير «ثبوته» راجع إلى الحكم.

(٥) هذه نتيجة تعليل عدم جريان الاستصحاب ، لكن الإيجاز الّذي يهتم به المصنف (قده) يقتضي حذفه ، للاستغناء عنه بقوله : «فلا محيص» الّذي هو جواب قوله : «فان كان».

(٦) هذا استدراك على ما أفاده في القسم الأول بقوله : «فلا محيص عن استصحاب حكم الخاصّ في غير مورد دلالته» ومحصل هذا الاستدراك ـ الّذي هو تقييد لحكم الشيخ بمرجعية استصحاب حكم المخصص فيما كان الزمان ظرفا للعام ـ هو : تعيّن الرجوع إلى العام فيما كان التخصيص في الابتداء أو الانتهاء دون الأثناء

٦٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيانه : أن عموم وجوب الوفاء بكل عقد قد يخصص بدليل خياري المجلس والحيوان مما يكون متصلا بالعقد ومانعا من لزومه من أول زمان وقوعه ، وقد يخصص بدليل خيار الغبن بناء على دلالته على ثبوت الخيار من زمان العلم به ، إذ لو دل على انكشافه بالعلم لكان كخيار المجلس ونحوه متصلا بالعقد.

فان كان الخاصّ مخصصا للعام من أول الأمر كخياري المجلس والحيوان والقبض في المجلس في بيع الصرف حيث يكون مبدأ تشريع حكم العام وهو اللزوم بعد زمان الخاصّ ، فمبدأ وجوب الوفاء بعد افتراق المتبايعين في خيار المجلس ، وبعد انقضاء ثلاثة أيام في خيار الحيوان ، وبعد حصول القبض في بيع الصرف ، فالمرجع في مورد الشك بعد زمان الخاصّ هو عموم العام لا استصحاب حكم الخاصّ ، فإذا افترق المتبايعان عن مجلس البيع بمقدار شبر مثلا وشك في بقاء خيار المجلس ، أو شك بعد مضي ساعة من ثلاثة أيام في بقاء خيار الحيوان أو من حصول القبض في بيع الصرف ، فاللازم التمسك بعموم «أوفوا» والحكم بلزوم البيع ، ولا يتشبث بالاستصحاب ، وذلك لدلالة عموم وجوب الوفاء بكل عقد بالإضافة إلى كل فرد من أفراده على أمرين :

أحدهما : ثبوت وجوب واحد مستمر للوفاء ، أخذا بمقتضى ظرفية الزمان للعام ، وثانيهما : كون مبدأ ثبوت هذا الحكم الوحدانيّ أول زمان وجود الموضوع كزمان تحقق عقد البيع في الخارج ، وهو مقتضى إطلاق وجوب الوفاء بكل عقد ، ومن المعلوم أن الخاصّ كدليل خيار المجلس إذا كان مخصصا في الابتداء كان مانعا عن دلالة العام على الثاني ويقدم عليه ، لتقدم كل خاص على عامه ، وأما دلالة العام على الأول فلا مانع لها ، فاللازم الأخذ بها.

فان قلت : دلالة العام على الأمر الأول لا تقتضي كون مبدأ ثبوته الزمان الثاني المتصل بزمان الخاصّ وهو آن الافتراق عن مجلس المعاملة ، إذ كان الاتصال المزبور شأن الإطلاق الّذي هو المدلول الثاني ، لا شأن العام ، فكيف يحكم بأن

٦٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

مبدأ اللزوم هو حين التفرق؟

قلت : أجاب المصنف عن هذا الإشكال في حاشية الرسائل بما توضيحه : أن التقييد يرجع لا محالة إما إلى موضوع وجوب الوفاء أعني عقد البيع وإما إلى الحكم. فان كان راجعا إلى الموضوع فلا إشكال ، لأن العقد الّذي يجب الوفاء به هو العقد حال الافتراق عن المجلس ، لا نفس الإيجاب والقبول الواقعين قبل الافتراق ، ومن المعلوم أن أول زمان وجود هذا الموضوع المقيد هو حال الافتراق عن المجلس وقد حكم عليه باللزوم ، فكأنه قال : «المراد من العقد الّذي يجب الوفاء به هو العقد حال الافتراق» فيثبت المطلوب وهو كون مبدأ للزوم الافتراق ، فيجب الوفاء بهذا العقد حال الافتراق مطلقا سواء تفرقا بشبر أم بأزيد منه ، لحجية إطلاق المتعلق أعني العقد في كل من الشك في أصل التقييد وزيادته.

وإن كان التقييد راجعا إلى الحكم أي تخصيص وجوب الوفاء بحسب الأزمان فيرتفع الإشكال أيضا ، لأن مقتضى إطلاق دليل وجوب الوفاء ثبوته لموضوعه ـ وهو العقد ـ على نحو الاستمرار من أول زمان وقوع العقد بالأوليّة الحقيقية ، وإذا تعذر فبالأولية الإضافية ، فإذا لم يكن الزمان الأول مبدأه كان الزمان الثاني مبدأه لا محالة ، وأما تأخيره عن هذا الزمان الثاني فلا وجه له ، للزوم الاقتصار في تقييد إطلاق الحكم على مقدار يساعده الدليل ، فالآية الشريفة دلّت على وجوب الوفاء بكل عقد في جميع الأزمنة من زمان اجتماعهما في مجلس العقد ، ومن زمان افتراقهما عنه بشبر أو أزيد ، فإذا خرج زمان اجتماعهما في المجلس عن لزوم الوفاء بالعقد وشك بعد افتراقهما بخطوة أو خطوتين في بقاء الخيار فلا بد من التمسك بإطلاق وجوب الوفاء ، لكون الشك حينئذ في التخصيص الزائد ، إذ المتيقن من التخصيص هو زمان عدم افتراقهما عن نفس المجلس. هذا كله في التخصيص من الابتداء.

وإن كان التخصيص في الأثناء كالتخصيص بدليل خيار الغبن ، فلا وجه للرجوع إلى العام لإثبات فورية الخيار ، وذلك لفرض أن وجوب الوفاء بالمعاملة الغبنية

٦٩٢

كما (١) إذا كان مخصصا له من الأول لما (٢) ضرّ به في غير مورد دلالته ، فيكون (٣) أول زمان استمرار حكمه بعد زمان

______________________________________________________

حكم وحداني مستمر ، وقد انقطع بتشريع خيار الغبن في حق المغبون بعد التفاته إلى الغبن ، ولا معنى لدخول الفرد في العام بعد خروجه عنه ، ومن المعلوم أن الالتزام بوجوب الوفاء بالعقد بعد الالتفات إلى الغبن وعدم الأخذ بالخيار ليس التزاما بلزوم الوفاء المتحقق قبل العلم بالغبن ، لانقطاع ذلك الواحد المستمر بمجرد الاطلاع على الغبن ، فلو ثبت بعده لكان مماثلا له مفصولا عنه ، وإثبات الحكم المماثل مع تخلل العدم معناه الالتزام بجعلين لوجوب الوفاء ، أحدهما قبل ظهور الغبن ، وثانيهما بعد ظهوره. والالتزام بهذين الحكمين خلف ، إذ المفروض كون الزمان ظرفا محضا لحكم العام لا قيدا له حتى يتعدد الحكم بتبع تعدد موضوعه.

فتحصل : أن منع مرجعية العام فيما كان الزمان ظرفا له إنما يصح فيما إذا كان التخصيص في الأثناء ، فلو كان في الابتداء أو الانتهاء لزم التمسك به.

(١) بيان لكون الخاصّ غير قاطع لاستمرار حكم العام ، بأن يكون مانعا عن حدوث حكم العام ، وضميرا «حكمه ، له» راجعان إلى العام.

(٢) جواب «لو» يعني : لو كان الخاصّ مخصصا للعام من الأول لما ضرّ الخاصّ بالعامّ في غير مورد دلالة الخاصّ عليه ، فيتمسك بعموم العام لا باستصحاب حكم الخاصّ ، كما إذا ورد «أكرم العلماء تمام الشهر» ثم قال : «لا تكرم زيدا في اليوم الأول» فيتمسك بالعامّ لإكرام زيد من اليوم الثاني إلى آخر الشهر لدلالة الخاصّ على أن مبدأ هذا الإكرام الوحدانيّ المستمر من اليوم الثاني لا الأول. وكذا الحال إذا ورد المخصص في الأخير ، كما إذا قال : «لا تكرم زيدا في اليوم الأخير من الشهر» فالعام حجة من أول الشهر إلى ما قبل اليوم الأخير.

(٣) هذه نتيجة كون الخاصّ مخصصا للعام من أول الأمر ، وحاصله : أن هذا التخصيص الابتدائي يوجب أن يكون مبدأ زمان تشريع حكم العام بعد زمان دلالة الخاصّ ، فيكون أول زمان وجوب الوفاء بالعقد بعد افتراق المتعاقدين عن مجلس

٦٩٣

دلالته (١) ، فيصح (٢) التمسك بـ «أوفوا بالعقود» ولو خصّص بخيار المجلس ونحوه (٣) ، ولا يصح (٤) التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في

______________________________________________________

البيع ، وبعد ثلاثة الحيوان ، حيث ان عموم وجوب الوفاء قد خصص بخياري المجلس والحيوان ، ففي زمانيهما ـ وهما زمانا كونهما في المجلس والأيام الثلاثة في الحيوان ـ لا يجب الوفاء بالعقد ، لكونهما زماني دلالة الخاصّ عليهما.

(١) أي : دلالة الخاصّ ، وضمير «حكمه» راجع إلى العام.

(٢) هذا متفرع على كون الخاصّ مخصصا للعام من الأول ، وحاصله : أنه في صورة تخصيص العام من الأول يتشبث في زمان الشك ـ وهو غير زمان دلالة الخاصّ ـ بعموم العام لا باستصحاب حكم الخاصّ ، لما مر آنفا من أن للعام عموما أزمانيا كما أن له عموما أفراديا ، فالشك فيما بعد زمان التخصيص شك في التخصيص الزائد في عمومه الأزماني ، فكما يتشبث بالعامّ في الشك في التخصيص الزائد في عمومه الأفرادي ، فكذلك يتمسك به في الشك في التخصيص الزائد في عمومه الأزماني.

(٣) كخيار الحيوان وخيار الغبن بناء على ثبوته حين العقد ، وكون العلم بالغبن كاشفا عنه لا شرطا له.

(٤) معطوف على «يصح التمسك» يعني : يصح التمسك بـ «أوفوا» ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص «أوفوا» بخيار لا في أوّله بل في أثنائه ، بأن انقطع استمرار وجوب الوفاء كتخصيصه بخيار الشرط ـ المشروط بعد مضي مدة من لزوم العقد ـ للمتعاقدين أو لأحدهما ، وبخيار التأخير المتحقق فيما إذا باع شيئا ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع ، فانه يلزم البيع ثلاثة أيام ، فان جاء المشتري بالثمن فهو أحق بالسلعة ، وإلّا فللبائع الخيار في فسخ البيع ، وبعد انقطاع اللزوم لا يصح التمسك بعد الثلاثة بـ «أوفوا» لانقطاع حكمه. ففرق بين التخصيص في الأول وبينه في الأثناء ، وهو : أن إطلاق دليل اللزوم بحسب الزمان وإن كان مقتضيا لثبوت اللزوم من الأول ، إلّا أن الخاصّ منعه عن ذلك بمقدار دلالته ، وأما

٦٩٤

أوّله (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

في غير ذلك المقدار كزمان افتراق المتعاقدين فلا مانع منه ، ويكون هذا الزمان مبدأ ثبوت حكم العام.

وهذا بخلاف التخصيص في الأثناء ، فانه قاطع لاستمرار حكمه ، والمفروض أن الزمان ظرف لا قيد له حتى يكون الموضوع أو المتعلق فردا مستقلا كي يرجع الشك في خروجه عن العام إلى الشك في التخصيص الزائد ويتمسك فيه بالعامّ ، بل لا محيص حينئذ عن الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ.

(١) يعني : لا في أول العقد كخيار المجلس ، بل في أثنائه كالخيارات الحادثة بعد العقد. ونظيره في التكليفيات ما إذا ورد «أكرم العلماء تمام الشهر ولا تكرم زيدا في اليوم الخامس عشر» فلا دلالة للعام على حكم إكرام زيد في ما بقي من الشهر ، لانقطاع الحكم الواحد بسبب ورود الخاصّ في الأثناء.

(٢) لعله إشارة إلى : أنه بناء على ظرفية الزمان لكل من العام والخاصّ ـ كما هو المفروض ـ لا فرق بين تخصيص العام من الأول وبين تخصيصه في الأثناء في عدم حجية العام فيما بعد زمان التخصيص ، لما قد يقال تارة : من امتناع التمسك بالعامّ مطلقا إذا كان الحكم واحدا شخصيا لا واحد نوعيا ، إذ كما يمتنع تقييده في الأثناء حذرا من لزوم الخلف ، لاستلزام بقائه بعد التخصيص تعدد الحكم والمفروض وحدته ، فكذا يمتنع تقييده في الأول ، لامتناع تبعض البسيط ، لفرض أن المجعول حكم واحد شخصي ، وهذا الواحد الحقيقي كما يستحيل تعدده كذلك يستحيل تبعّضه. وعليه فلا فرق في امتناع التقييد بين الابتداء والأثناء ، ولو قيّد امتنع التمسك بالعامّ الدال على استمرار حكم واحد شخصي لكل فرد من أفراده (١).

وأخرى : من الفرق بين استفادة العموم والاستمرار من دليل خارجي واستفادته من نفس دليل الحكم ، فانه على الأول يتجه التفصيل بين التخصيص في الأثناء والابتداء ، كما إذا دلّ العموم على إثبات الحكم للفرد في الجملة ، ودل دليل آخر

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١١٨

٦٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على استمراره ، بأن يقول الجاعل : «ان حكم الفرد الثابت بالعموم مستمر» ، فإذا خصص حكم هذا الفرد من الأول جاز الرجوع إلى العموم ، لدلالة التخصيص على أن هذا الحكم الواحد المستمر ثابت للفرد بعد زمان التخصيص ، بخلاف تخصيصه في الأثناء ، لانقطاع الاستمرار. بخلافه على الثاني أعني ثبوت الاستمرار بنفس الدليل الأول الدال على ثبوت أصل الحكم كما في المقام ، لاستفادة اللزوم والاستمرار معا من آية وجوب الوفاء بالعقود ، ولا فرق في امتناع التمسك بالعامّ بين ورود التخصيص من الأول وفي الوسط ، لأن الحكم المستمر المدلول عليه بالآية الشريفة قد انقطع ، والمصنف يعترف بأن الحكم لو انقطع احتاج إثباته إلى دليل ، ولا يكفي الدليل الأول لإثباته (١) (*).

__________________

 (*) لكن الظاهر متانة تفصيل الماتن بين الابتداء والأثناء ، واندفاع كلا الإشكالين ، أما أولهما فبأن المفروض تكفل العام لأحكام شخصية لموضوعات كذلك ، وإطلاق كل واحد من هذه الأحكام الشخصية يقتضي اتصاله بنفس زمان انعقاد العقد ، وورود المخصص في الابتداء يزاحم هذا الإطلاق ويقدم عليه لأقوائيته ، ونتيجة الجمع بين الدليلين أن مبدأ هذا الواحد الشخصي هو ما بعد زمان دلالة الخاصّ من دون لزوم تبعض البسيط أصلا ، وإنما يتأخر هذا البسيط عن زمان الخاصّ إلى زمان افتراق المتبايعين أو غيره ، وهذا بخلاف التخصيص في الأثناء ، فانه قاطع لاستمرار الحكم.

وأما ثانيهما فبما ذكرناه في توضيح كلام المصنف (قده) فان دليل أصل لزوم العقد واستمراره وإن كان هو الآية الشريفة لا غيرها ، إلّا أن دليل وجوب الوفاء هو الآية المباركة ، ودليل اعتبار اتصال اللزوم بالعقد هو إطلاقها الأزماني ، وحينئذ فالفرق بين دليلي خياري المجلس والغبن هو : أن الأول مانع عن الحكم المستمر ، والثاني رافع استمرار الحكم ، ومن المعلوم أن قاطع الاستمرار ورافعه يكون

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٢١٩

٦٩٦

وإن كان (١) مفادهما على النحو الثاني (٢) فلا بد من التمسك بالعامّ بلا كلام ، لكون (٣) موضوع الحكم بلحاظ

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «فان كان مفاد كل من العام والخاصّ» وإشارة إلى القسم الثاني من الأقسام الأربعة ، وهو كون الزمان مفرّدا وقيدا لكل من العام والخاصّ ، ومحصله : أن الزمان إن كان قيدا لكل منهما كما إذا وجب الجلوس في كل آن في المسجد ، ثم خرج منه الجلوس في الساعة الأولى من النهار مثلا فلا بد حينئذ من التمسك بالعامّ في غير مورد دلالة الخاصّ عليه كالساعة الثانية من النهار ، بداهة أن الجلوس فيها فرد آخر للعام يشك في خروجه ، فيتمسك بالعامّ لكونه شكا في التخصيص الزائد ، إذ المفروض أن للعام عموما أزمانيا كعمومه الأفرادي كما تقدم توضيحه في شرح قوله : «والتحقيق». وضمير «مفادهما» راجع إلى العام والخاصّ.

(٢) وهو كون الزمان مفرّدا لكل من العام والخاصّ.

(٣) تعليل لقوله : «فلا بد من التمسك بالعامّ» وحاصل التعليل : أن العام يدل على حكم كل ما ثبتت فرديته له بنحو من أنحاء الدلالة ، فقولنا : «كل مستطيع يجب عليه الحج» يشمل كل فرد من أفراد المستطيع ، وإذا خرج عنه فرد لمرض أو غيره لا يضر ذلك بدلالته على وجوب الحج على سائر الأفراد. ففي المقام إذا كان الزمان مفرّدا للعام لا يضر خروج فرد منه في زمان بدلالة العام على حكمه في غير زمان الخاصّ ، إذ المفروض فردية ذلك الزمان أيضا للعام ، فيشمله حكمه ، فالمراد بالحكم هو حكم العام.

__________________

بعد ثبوت أصل الحكم ، إذ لو لم يجب الوفاء من أول الأمر لم يصدق قطع الاستمرار ورفعه ، فلا يجوز التمسك بالعامّ في التخصيص في الأثناء. بخلاف التخصيص في الأول فانه مانع عن أصل الحكم المستمر ، فمدلول الآية هو الحكم المستمر ، وهذا المستمر يتأخر مبدؤه عن العقد إلى التفرق عن مجلس المعاملة ، وعليه فلا يرد على المصنف ما أفيد من الفرق بين ثبوت الاستمرار بنفس الدليل الأول وغيره.

٦٩٧

هذا الزمان (١) من أفراده ، فله (٢) الدلالة على حكمه ، والمفروض (٣) عدم دلالة الخاصّ على خلافه.

وإن كان (٤) مفاد العام

______________________________________________________

(١) أي : ما بعد زمان الخاصّ ، فان الجلوس في الساعة الثانية في المثال المزبور أيضا من أفراد الجلوس في كل آن ، فيتمسك بالعامّ أعني قوله : «اجلس في كل آن في المسجد».

(٢) هذا متفرع على فردية ما بعد زمان الخاصّ للعام ، إذ لازم فرديته له دلالة العام عليه كدلالته على سائر أفراده ، وضمير «فله» راجع إلى العام ، وضمير «حكمه» إلى «موضوع» المراد به ما بعد زمان الخاصّ كالجلوس في الساعة الثانية.

(٣) غرضه أن المقتضي لكون ما بعد الخاصّ محكوما بحكم العام وهو دلالة العام عليه موجود ، والمانع عنه مفقود ، إذ المانع لا بد أن يكون هو الخاصّ ، وذلك منحصر بمقدار دلالته وهو زمان الخاصّ كالساعة الأولى في المثال المزبور ، وليس له دلالة على خلاف العام فيما بعد زمان الخاصّ ، لعدم المفهوم لدليل الخاصّ. وعليه فلا مانع من دلالة العام على حكم ما بعد الخاصّ ، وضمير «خلافه» راجع إلى «العام» ويمكن رجوعه إلى «حكمه».

(٤) معطوف على «فان كان» وإشارة إلى القسم الثالث من الأقسام الأربعة وهو ما إذا كان الزمان ظرفا للعام وقيدا للخاص ، وحاصله : أنه لا يرجع فيه إلى العموم كما لا يجري فيه الاستصحاب ، فلا بد في تعيين الوظيفة من الرجوع إلى حجة أخرى. أما عدم مرجعية العام فيه فلفرض ظرفية الزمان لاستمرار حكم وحداني لكل واحد من أفراده ، وقد انقطع هذا الحكم بورود المخصص الّذي كان الزمان قيدا له. وأما عدم جريان استصحاب حكم الخاصّ فيه فلتعدد الموضوع ، حيث ان زمان الخاصّ فرد مغاير لما بعده من الزمان ، فاستصحاب حكم الموضوع الواقع

٦٩٨

على النحو الأول (١) والخاصّ على النحو الثاني (٢) فلا (٣) مورد للاستصحاب ، فانه (٤) وإن لم يكن هناك دلالة

______________________________________________________

في زمان خاص إلى الموضوع الواقع بعد زمان الخاصّ تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر مغاير للموضوع الأول ، وهذا أجنبي عن الاستصحاب الّذي هو إبقاء حكم ثبت لموضوع قطعا في ظرف الشك في بقاء ذلك الحكم ، إذ لا يصدق هذا إلّا مع وحدة الموضوع في حالتي اليقين والشك ، فمع تعدد الموضوع يكون قياسا ، لا استصحابا ، مثلا إذا ورد «أكرم العلماء دائما» بنحو يكون الزمان ظرفا محضا لاستمرار حكم كل واحد من أفراده ، ثم ورد «لا تكرم زيدا يوم الجمعة» مع كون الزمان قيدا له ، لدخله في ملاك النهي عن إكرامه ، ففي يوم السبت وما بعده لا يتمسك بالعامّ ، لانقطاع حكمه ، ولا باستصحاب حرمة الإكرام ، لكون موضوعه لتقيده بالزمان مغايرا لحرمة الإكرام في يوم آخر على تقدير حرمته فيه ، ومن المعلوم أجنبية ذلك عن الاستصحاب المتقوم بوحدة الموضوع بل وبوحدة المحمول أيضا.

(١) وهو كون الزمان ظرفا للعام لا مفردا له.

(٢) وهو كون الزمان قيدا ومفردا للخاص.

(٣) جواب «وإن كان» وقد عرفت وجه عدم موردية الخاصّ للاستصحاب وهو تعدد الموضوع ، ضرورة أنه مع قيدية الزمان للخاص يكون الموضوع المقيد بزمان الخاصّ مغايرا للموضوع المقيد بغير زمان الخاصّ ، ومن المعلوم تقوم الاستصحاب بوحدة الموضوع ، وعدم جريانه مع تعدده كما تقدم آنفا.

(٤) الضمير للشأن ، وغرضه أن عدم جريان استصحاب الخاصّ في هذا القسم ليس لأجل وجود دليل اجتهادي حاكم عليه ، إذ المفروض عدمه ، حيث انه دائر بين العام والخاصّ ، ومن المعلوم عدم دلالة شيء منهما على حكم ما بعد زمان الخاصّ. أما العام فلانقطاع استمرار حكمه بالخاص ، وعدم كون ما بعد الزمان فردا آخر للعام حتى يدل على حكمه ، إذ المفروض كون الزمان ظرفا للعام ، لا مفرّدا له. وأما

٦٩٩

أصلا (١) ، إلّا (٢) أن انسحاب الحكم الخاصّ إلى غير مورد دلالته من (٣) إسراء حكم موضوع إلى آخر ، لا استصحاب (٤) حكم الموضوع ، ولا مجال (٥) أيضا للتمسك بالعامّ (*) ،

______________________________________________________

الخاصّ فلعدم دلالته إلّا على خروج خصوص المقيد بزمانه عن العام ، فلا يدل على خروج فرد آخر وهو ما بعد زمانه ، فالدلالة في ناحية كل من الخاصّ والعام مفقودة.

(١) أي : لا للعام ولا للخاص بشيء من الدلالات الثلاث كما مر آنفا.

(٢) غرضه بيان المانع عن جريان استصحاب حكم الخاصّ بعد نفي مانعية دليلي العام والخاصّ ، لعدم دلالتهما على حكم ما بعد زمان الخاصّ ، ومحصل ما أفاده في وجه عدم جريان الاستصحاب هو تعدد الموضوع ، ضرورة أنه بعد فرض مفرّدية الزمان للخاص يكون الموضوع في غير زمان الخاصّ مغايرا لما هو الموضوع في زمانه ، فالجلوس في الساعة الأولى التي هي زمان الخاصّ في المثال المذكور غير الجلوس في الساعة الثانية التي هي بعد زمان الخاصّ ، ومع تعدد الموضوع يخرج عن باب الاستصحاب ، ويندرج في القياس الّذي يحرم استشمام رائحته عندنا ، وضمير «دلالته» راجع إلى الخاصّ.

(٣) متعلق بـ «انسحاب» وتسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر قياس لا استصحاب حكم موضوع واحد لا يختلف إلّا بحسب زماني اليقين والشك.

(٤) معطوف على «إسراء» يعني : أن انسحاب حكم الخاصّ إلى غير مورد دلالته يكون من تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، لا من استصحاب حكم موضوع واحد.

(٥) معطوف على «فلا مورد للاستصحاب» يعني : لا مورد للاستصحاب ، ولا مجال أيضا للتمسك بالعامّ ، فلا بد من الرجوع إلى غير الاستصحاب من الأصول العملية ، وهو في المقام أصالة البراءة ، حيث إنه يشك بعد الزوال في وجوب الجلوس ، ومن المعلوم أن مرجع الشك في التكليف أصل البراءة.

__________________

(*) لمّا كان الغرض منع جريان استصحاب حكم الخاصّ بعد نفي دلالة

٧٠٠