منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

اقتضاء الأمر للاجزاء (١) ، بتقريب : أن (٢) الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف (٣) وعدم (٤) حرمته شرعاً ، وإلّا (٥) لَلزم عدم اقتضاء ذلك الأمر (٦) له مع اقتضائه شرعاً (٧)

______________________________________________________

ظاهري يقتضي الاجزاء ، فينتج أن الاستصحاب يقتضي الاجزاء».

وعليه فتعليل عدم وجوب إعادة الصلاة بعد الانكشاف بالاستصحاب يكون تعليلاً بما هو سبب العلة ومولِّد لها كما لا يخفى.

(١) بأن يكون العلة لعدم وجوب الإعادة مجموع الصغرى ـ وهي حرمة نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها ـ والكبرى وهي اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء.

(٢) يعني : أن القول بوجوب الإعادة يستلزم أن يكون إما لأجل انتفاء الصغرى وهي جواز نقض اليقين بالشك بالنسبة إلى ما قبل الانكشاف ، وإما لأجل انتفاء الكبرى وهي اقتضاء الأمر الظاهري الناشئ عن الاستصحاب للاجزاء ، والمفروض اقتضاؤه له.

(٣) إذ بعد الانكشاف يكون من نقض اليقين باليقين ولذا وجب غَسل الثوب.

(٤) معطوف على «نقض» أي : موجبة لعدم حرمة النقض شرعاً.

(٥) يعني : وان لم تكن الإعادة موجبة لنقض اليقين بالشك ، بل كان نقض اليقين بالشك حراماً ، ومع ذلك كانت الإعادة واجبة لَلزم أن تكون الإعادة لأجل عدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، وهو خلاف الفرض من اقتضائه له.

وبالجملة : فغرضه أن وجوب الإعادة إما مستند إلى جواز نقض اليقين بالشك ، وإما إلى عدم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء.

(٦) أي : الأمر الظاهري للاجزاء ، وضمير «له» راجع إلى الاجزاء.

(٧) كما إذا فرض اشتمال المأتي به على مقدار من المصلحة الداعية إلى التشريع مع كون الفائت بمقدار الإلزام وممكن التدارك ، فان الاجزاء حينئذ لا بد وأن يكون بحكم الشارع ، فيكون الاجزاء شرعياً.

١٦١

أو عقلاً (١) ، فتأمل (٢) (*).

ولعل ذلك (٣) مراد من قال بدلالة الرواية على اجزاء الأمر الظاهري. هذا (٤) غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل.

______________________________________________________

(١) كما إذا فرض اشتمال المأتي به على تمام مصلحة المأمور به أو معظمها ولكن لم يكن الفائت بمقدار الإلزام ، أو كان بذلك المقدار ولكن لم يمكن استيفاؤه ، فان الاجزاء حينئذ يكون عقلياً ، لسقوط الأمر بارتفاع ملاكه الداعي إلى تشريعه.

وبالجملة : فاقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء إما شرعي وإما عقلي.

(٢) وجه التأمل ما أفاده في الهامش. وما في بعض الشروح من أن «المصنف ضرب على هذه الحاشية مؤخراً» كأنه نشأ من خلط هذه بحاشية أخرى على قوله : «ثم أشكل» حيث ضرب عليها في النسخة المصححة بقلمه بعد طبعته الأولى.

ويمكن بيان وجه آخر للتأمل ، وهو : أن مقتضى تعليل عدم الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بطلان صلاة من علم بالطهارة الخبثية وصلى عالماً بها ثم انكشف بعد الصلاة خلافه ، وأن صلاته وقعت في النجس ، إذ ليس هنا أمر ظاهري يقتضي الاجزاء ، بخلاف ما إذا كان الشرط الفعلي إحراز الطهارة ، لصحة صلاة من علم بعدم النجاسة وصلى ثم انكشف الخلاف ، لأنه أحرز الطهارة ، فتأمل.

(٣) أي : ولعل ما ذكرناه بقولنا : «اللهم إلّا أن يقال ان التعليل به انما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء» هو مراد القائل بدلالة الرواية ... إلخ.

(٤) أي : ما تقدم من كون المعتبر في حق الملتفت إحراز الطهارة من الخبث ، ومن اجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي بناءً على توجيه المصنف له.

__________________

(*) وجه التأمل : أن اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ليس بذاك الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة ، كما لا يخفى.

١٦٢

مع (١) أنه لا يكاد يوجب الإشكال فيه والعجز (٢) عن التفصي عنه إشكالاً في دلالة الرواية على الاستصحاب ، فانه (٣) لازم على كل حال كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين ، مع بداهة عدم خروجه (٤)

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثاني الّذي أفاده المصنف (قده) في دفع إشكال عدم مناسبة التعليل للحكم المعلّل ، وحاصله : أنه ـ على فرض عدم تمامية ما تقدم في الوجه الأول من اعتبار إحراز الطهارة ـ لا يوجب الإشكالُ في توجيه التعليل وكيفية تطبيقه على المعلّل إشكالاً في دلالة الرواية على الاستصحاب ، ضرورة أن دلالة «لا تنقض اليقين بالشك» على الاستصحاب مما لا ينبغي إنكاره ، فعويصة التطبيق لا توجب قصوراً في دلالته عليه.

(٢) معطوف على «الإشكال» وضميرا «فيه ، عنه» راجعان إلى التوجيه ، و «الإشكال» فاعل «يوجب» و «إشكالاً» مفعوله.

(٣) أي : فان الإشكال لازم على كل حال ، وغرضه أن الإشكال في تطبيق العلة على المورد لازم على كل تقدير سواء أكان مدلول الصحيحة قاعدة اليقين بناءً على ما عرفت من احتمال إرادة اليقين الحاصل بالنظر والفحص ، أم الاستصحاب. والوجه في لزوم الإشكال على كل حال هو : أن الإعادة بعد انكشاف الخلاف وحصول العلم بوقوع الصلاة في النجس تكون من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، ولو كان الإشكال يندفع بإرادة قاعدة اليقين لَتعيّن حمل التعليل عليها بدلالة الاقتضاء ، لكنه لا يندفع بها ، فلا موجب للعدول عن ظهورها في الاستصحاب إلى غيره. وعليه فالإشكال على المتن بما في بعض الكلمات «من عدم لزوم محذورٍ في التطبيق إذا كان مفاد الجملة قاعدة اليقين دون الاستصحاب» (١) لم يظهر وجهه ، إذ بناءً على كل منهما لا بد من توجيه تعليل الإمام عليه‌السلام عدمَ الإعادة مع فرض علم زرارة بعد الفراغ بوقوع صلاته في ثوب متنجس.

(٤) أي : عدم خروج مفاد التعليل من الاستصحاب أو قاعدة اليقين ، لأن نقض

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ٦٦

١٦٣

عنهما ، فتأمل جيداً (*).

______________________________________________________

اليقين بالشك لا يتصور إلّا في هاتين القاعدتين ، إذ اليقين السابق إما يرتفع بالشك اللاحق رأساً وإما لا يرتفع به ، بل يكون الشك متعلقاً بالبقاء ولا يسري إلى الحدوث ، والأول قاعدة اليقين والثاني هو الاستصحاب. ولا يمكن إرادة أمر ثالث حتى يحمل عليه التعليل ليسلم من الإشكال ، إذ لا يتوهم إلّا إرادة قاعدة المقتضي والمانع ، ولا مجال لاحتمالها ، لأن المورد مما علم فيه المانع وهو النجاسة ، فلا معنى للبناء على المقتضي عند الشك في مانعة في خصوص المورد.

__________________

(*) الظاهر أن الاعتراف بالعجز عن تطبيق كبرى الاستصحاب على المورد مع فرض عدم إخلاله بالاستدلال بالصحيحة المباركة أولى من الوجه المتقدم ، وذلك لأن مشكلة التطبيق نشأت من عدم مناسبة العلة بحسب دلالة ظاهر الكلام للحكم بعدم وجوب الإعادة. وتوجيهه بأنه بلحاظ حال الدخول في الصلاة ـ حيث لم ينكشف الخلاف بعدُ ـ غير ظاهر ، لعدم مناسبته لسؤال زرارة عن علة عدم وجوب الإعادة مع تبين فقد الشرط أو الاقتران بالمانع.

نعم قد يتجه الربط بين العلة والسؤال بعدم كون قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت ...» تعليلاً لعدم الإعادة بحسب لُبِّ الواقع ، فان الإعادة وعدمها حكم عقلي مترتب على بقاء الأمر من جهة عدم موافقة المأتي به للمأمور به ، فالتعليل وان كان ظاهراً في رجوعه إلى عدم الإعادة ، لكن لا بد من كونه بلحاظ التصرف في منشئها أي الإرشاد إلى سقوط الأمر ، وعدم اشتغال ذمته بالصلاة المأتي بها في ثوب مستصحب الطهارة.

ويؤيد هذا المطلب ظهور قوله عليه‌السلام : «لأنك كنت» في الماضوية ، ويكون محصل جوابه عليه‌السلام عدم وجوب الإعادة ، للتوسعة في شرطية الطهارة من الخبث ، وكفاية إحرازها ولو بالاستصحاب المتحقق قبل افتتاح الصلاة ، لاجتماع أركانه من اليقين بالطهارة والشك في الإصابة.

نعم يشكل كون التعليل بلحاظ ما قبل انكشاف الخلاف بما أفاده شيخنا المحقق

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

العراقي (قده) أولا : من أن قوله عليه‌السلام : «وليس ينبغي لك» مسوق لتنبيه ذهن السائل على ما هو المرتكز في الأذهان في نحو هذه الأوامر من الطريقية المحضة لليقين لا الموضوعية ، إذ تكون إعادة الصلاة حينئذ بانكشاف وقوعها في النجس من نقض اليقين باليقين. ولو كان مقصوده عليه‌السلام بيان كفاية إحراز الطهارة حال الدخول في الصلاة حتى مع تبين الخلاف لكان المناسب تعليلَ عدم الإعادة بما يفيد موضوعية الإحراز الاستصحابي وان انكشف خطاؤه ، ومن المعلوم أن إفادة هذا المعنى منوطة باعمال تعبد آخر غير ما يفيده مثل «ليس ينبغي لك» الظاهر في كون التعبد الاستصحابي طريقا محضا لإحراز الطهارة الواقعية.

ودعوى استفادة موضوعية الإحراز الاستصحابي في باب الطهارة الخبثية في صحة العمل وفي الشرطية واقعا بحيث يكون انكشاف الخلاف من باب تبدل الموضوع غير مسموعة ، فانه مضافا إلى منافاته لظهور الجملة في طريقية الاستصحاب ينافي اعتراف المصنف بكونها كبرى كلية وقضية ارتكازية غير مختصة بباب دون باب.

وثانياً : أنه بناءً على شرطية إحراز الطهارة من الخبث حال الالتفات إليها لا مجال لجريان الاستصحاب في المقام ، لعدم ترتب أثرٍ عملي على إبقاء المستصحب تعبداً في ظرف الشك ، لخروج الطهارة الواقعية عن موضوع الشرطية ، وترتب الأثر على الإحراز ، فالمقام نظير ما إذا نذر أن يعطي كل يوم فقيراً درهماً ما دام ولده حياً ، فإذا شك في حياته استصحبها وترتب عليها وجوب التصدق ، بخلاف ما إذا نذر كذلك ما دام متيقناً بحياة ولده وشك فيها ، فانه لا يجري فيها الاستصحاب ، لعدم ترتب الأثر على نفس الحياة التي هي مورد الاستصحاب ، وترتبه على إحرازها. وحيث ان موضوع دليل الشرطية إحراز الطهارة سواء أكانت في الواقع أم لا ، فلا أثر عملي لها واقعاً كي تستصحب ، وإنما ينشأ الأثر من ناحية الاستصحاب ، وهو لا يخلو عن شبهة الدور.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وما أفاده في الإجابة عن هذا الإشكال تارة بكون الطهارة الواقعية شرطاً اقتضائياً ، وأخرى بكونها من قيود ما هو الشرط غير وافٍ بدفعه. أما الأول فبأن مجرد الشرطية الاقتضائية غير كافية في جريان الاستصحاب ما لم تبلغ مرحلة الفعلية لأن الاستصحاب وظيفة عملية يتوقف جريانه على ترتب الأثر العملي على المستصحب الّذي لا بد أن يكون بنفسه حكماً أو موضوعاً له ، والطهارة الواقعية ليست شيئاً منهما ، فلا يجري فيها الاستصحاب.

وأما الثاني فبأن المراد من قيد الشرط ان كان هو الطهارة بوجودها اللحاظي الاعتقادي الحاصل بالإحراز فهو ـ مع أنه منعدم بزوال اعتقاده ـ غير مجدٍ في جريان الاستصحاب ، لاشتراط جريانه بترتب الأثر على المستصحب بوجوده الواقعي لا بوجوده الذهني. وان كان المراد به الطهارة الواقعية لزم بطلان الصلاة في المقام ، لانعدامها حسب الفرض (١).

ومما ذكرنا ظهر الفرق بين قيدية الطهارة وإباحة ماء الوضوء ، لترتب الأثر على إباحة الماء واقعاً فتستصحب ، والمفروض عدم كون الطهارة الخبثية كذلك.

هذا كله مضافاً إلى النقض بما إذا صلى المكلف عالماً بالنجاسة اضطراراً لبردٍ ونحوه ، وتبين بعد الصلاة طهارة ثوبه وعدم اضطراره إلى لبسه ، فحيث انه لم يحرز طهارته فلا بد من الحكم بفساد صلاته ووجوب إعادتها. وكذا لو انحصر لباس المصلي في ثوب متنجس ، فانه بناءً على وجوب الصلاة فيه ـ كما ذهب إليه جمع منهم صاحب العروة لا الصلاة عرياناً ـ إذا صلى فيه وانكشف طهارته صحت صلاته بلا إشكال مع عدم إحرازه للطهارة حين افتتاح الصلاة.

وقد تحصل : أن تطبيق التعليل على المورد بما أفاده الماتن وأتعب نفسه الشريفة لتثبيته لا يخلو من الإشكال نقضاً وحلًّا.

وقد تفصي عن معضلة التطبيق بوجوه أخرى : منها : صحة تعليل عدم وجوب

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٥٠

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإعادة بالاستصحاب سواء قلنا بشرطية الطهارة الخبثية أم بمانعية النجاسة.

ومنها : تطبيق التعليل بلحاظ كون المانع هو النجاسة الواقعية لو لا المعذِّر ، فصلاة زرارة غير مقترنة بالمانع لاقترانها بالمعذر ، ولا معنى لإعادة الصلاة الصحيحة بعد اجتماع شرطها وفقد مانعها.

ومنها : غير ذلك. وحيث ان تحقيق المسألة موكول إلى الفقه الشريف بملاحظة شتات الأخبار الواردة في شرطية الطهارة الخبثية أو مانعية النجاسة في الصلاة ، فالأولى إيكال البحث عن ذلك إلى محله. ونقتصر في المقام على بيان آخر حول تطبيق التعليل احتمله شيخنا الأعظم من حسم مادة الإشكال بعدم كون النجاسة المرئية بعد الصلاة هي المظنونة إصابتها قبلها ، بل تكون قذارة جديدة قال الشيخ : «والثاني أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها. فالمراد أنه ليس ينبغي أن ينقض يقين الطهارة بمجرد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة ...».

وقوّاه المحقق العراقي (قده) بشهادة تغيير الراوي أُسلوب العبارة ، حيث قال : «فلما صليت فيه فرأيت فيه» خالياً عن الضمير الّذي أتي به في الفقرة السابقة بقوله : «فيما صليت وجدته» فانه لو كانت النجاسة المرئية هي المظنونة لَكان الحريُّ أن يقول : «رأيته» ويؤيد هذا كلامه عليه‌السلام في الجملة الأخيرة التي أبدى فيها احتمال وقوع النجاسة حين رؤيتها وعدم كونها في الثوب أو البدن من أول الصلاة. وعلى هذا يستقيم تعليل عدم الإعادة بعدم نقض اليقين بالشك فيها ، لأن إعادتها باحتمال وقوعها في النجاسة عينُ الاعتناء باحتمال نجاسة الثوب حالها وهي نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها (١).

لكنه لا يخلو من شيء ، أما الأول فلأن هذه الفقرة من الصحيحة وان رواها الشيخ بلا ضمير ، ومقتضى إطلاق صاحب الوسائل كلمة «مثله» على رواية

__________________

(١) نهاية الأفكار ج ، ٤ ـ ٤٧

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الصدوق لها هو ظفره بنسخة خالية عن الضمير أيضا ، إلّا أن الموجود في نسخة العلل المطبوعة في النجف الأشرف «فرأيته فيه» وهذا مما يعترف المحقق العراقي (قده) بظهوره في النجاسة المظنونة السابقة على الدخول في الصلاة.

نعم يمكن منع دلالة «فرأيته» على اتحاد القذارة المرئية والمظنونة بأن مثل هذا الكلام صدر من زرارة في جملة أخرى بقوله : «ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟ قال : تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة ... إلخ» فانه مع اشتماله على الضمير يحتمل فيه إرادة كل من النجاسة المشكوكة بدواً والمعلومة إجمالاً. وعليه فلا يكون وجود الضمير فارقاً في مدلول الكلام حتى يبحث عن ترجيح رواية الشيخ أو الصدوق أعلى الله مقامهما.

وأما ثانياً : فلأن السياق شاهد على كون السؤال عن حكم النجاسة المظنونة كما اعترف الشيخ بأنه خلاف ظاهر السؤال ، واستبعده المحقق العراقي من جهة استيحاش السائل عن التفرقة بين الفرضين وسؤاله عن لِمِّ التفصيل.

والحاصل : أن حمل التعليل على كونه تعليلاً للحكم بلحاظ النجاسة المحتمل وقوعها بعد الصلاة غير ظاهر.

اللهم إلّا أن يقال : ان وجود الضمير وعدمه سِيّان في احتمال وقوع النجاسة بعد الصلاة كما أُشير إليه آنفاً ، فان الضمير على تقدير وجوده راجع إلى النجس المظنون قبل الصلاة ، فمعنى الرواية : «إنّي ظننت النجس قبل الصلاة ولم أرَه بعد الفحص ، فارتفع الظن به وصليت ، وبعد الصلاة رأيت النجس» ولا يدل على ان المرئي فعلاً هو ذلك النجس الّذي كان مظنوناً قبل الصلاة بحيث يحصل العلم لزرارة بأن النجاسة المرئية عين المظنونة حتى وقعت الصلاة في النجس ، بل يحتمل كونه ذلك كما يحتمل وقوعه بعدها. واستيحاش زرارة لعله كان لأجل عدم إحراز الطهارة واحتمال اقتران صلاته بالمانع ، أو فقدانها للشرط. أو كان لأجل احتماله

١٦٨

ومنها (١) : صحيحة ثالثة لزرارة : «وإذا لم يدرِ في ثلاث هو أو أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» (٢).

______________________________________________________

(الخبر الثالث : صحيحة زرارة في الشك في الركعات)

(١) أي : ومن الأخبار المستدل بها على اعتبار الاستصحاب صحيحةٌ ثالثة لزرارة رواها ثقة الإسلام هكذا : «علي بن إبراهيم عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : قلت له : من لم يدرِ في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر ... إلخ» (١).

(٢) ينبغي البحث في هذه الصحيحة في جهتين ، الأولى في سندها ، والثانية في دلالتها على حجية الاستصحاب. أما الأولى فمحصلها : أن الطريق الأول صحيح

__________________

عدم حجية الاستصحاب في صورة الظن بخلاف الحالة السابقة. أو كان مع فرض علمه بوقوع الصلاة في النجس لأجل زعمه كون الطهارة الخبثية كالحدثية شرطاً واقعياً ، فالتعليل حينئذ يدل على كفاية إحراز الطهارة الخبثية بالاستصحاب ، وعليه يستقيم التعليل.

__________________

(١) الكافي ، ج ٣ ، كتاب الصلاة ، باب السهو في الثلاث والأربع ، الحديث : ٣ ص ٣٥١ ورواه عنه الشيخ في التهذيب ، ج ٢ ، ص ١٨٦ ، الحديث ٤١ ، وفي الاستبصار ، ج ١ بـ ٢١٧ ص ٣٧٣ ، الحديث : ٣ ، ورواه الوسائل في ج ٥ ، بابي ١١ و ١٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣ ، ص ٣٢١ ، ٣٢٣.

١٦٩

والاستدلال (١) بها على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقاً (٢) والشك في إتيانها.

______________________________________________________

على الأظهر ، لوثاقة رواته. وأما الطريق الثاني فحال الفضل أشهر من أن يذكر وكفاه فخراً ما روي عن الإمام أبي الحسن الثالث عليه‌السلام في حقه «أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم» وأما محمد بن إسماعيل فالظاهر أنه النيشابوري بقرينة روايته عن الفضل ، لا ابن بزيع ولا البرمكي ، وهو إن لم يكن ثقة فلا أقل من عدِّ حديثه حسناً ، والتعبير بالصحيحة يكون بلحاظ الطريق الأول. وأما الجهة الثانية فستأتي.

(١) هذا بيان الجهة الثانية أعني تقريب دلالة الحديث على المدعى ، وتوضيحه : أن ظاهر السؤال إحراز المصلي للركعة الثالثة أي علمه بإتيانها ، وإنما الشك في وجود الرابعة. وظاهر جوابه عليه‌السلام أنه يبني على عدم الإتيان بالرابعة ، فان المصلي قبل عروض الشك عالم بعدم تحقق الركعة الرابعة ، حيث انه قبل الشروع في الصلاة وبعد افتتاحها لم يكن آتياً بشيء من الركعات ، ثم قطع بانتقاض العدم في الركعات الثلاث وشك في انتقاض عدم الإتيان بالرابعة ، فيستصحب عدمه ، ولو لم يبنِ على يقينه السابق بعدم تحقق الرابعة ولم يأتِ بها فعلاً كان عدم إتيانه بها نقضاً لليقين بالشك.

وعليه فقوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» بمنزلة العلة للجواب وهو قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها أخرى» يعني : أن علة الحكم بوجوب إضافة ركعة إليها ـ في الشك بين الثلاث والأربع ـ هو التعبد الشرعي الاستصحابي ، لأن عدمَ إضافة ركعة نقضٌ لليقين بالشك. ثم أكّد عليه‌السلام حجية كبرى الاستصحاب بقوله : «ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر».

قال شيخنا الأعظم بعد نقل الرواية : «وقد تمسك بها في الوافية ، وقرره الشارح ، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه».

(٢) قيد لعدم الإتيان ، وضمير «إتيانها» راجع إلى الركعة الرابعة.

١٧٠

وقد أشكل (١) بعدم إمكان إرادة

______________________________________________________

(١) أورد على الاستدلال بالرواية بوجهين ، هذا أحدهما ، والمستشكل هو شيخنا الأعظم (قده) قال بعد تقريب الدلالة : «وفيه تأمل ، لأنه ان كان المراد بقوله عليه‌السلام : قام فأضاف إليها أخرى القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة حتى يكون حاصل الجواب هو البناء على الأقل فهو مخالف للمذهب ... إلخ».

والوجوه التي أفادها في مقام الإشكال ترجع إلى جهتين إحداهما إثبات قصور المقتضي بمنع أصل دلالة الصحيحة على حجية الاستصحاب ، وثانيتهما إثبات وجود المانع من حجية ظهوره بعد تسليم أصل الظهور ، لعدم كونه مراداً جدياً للإمام عليه‌السلام ، لصدوره تقية.

وبيانه : أن قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها أخرى» إما أن يراد منه إضافة ركعة موصولة إلى الصلاة ، أو يراد إتيان ركعة مفصولة وهي المسماة بصلاة الاحتياط. فان كانت الركعة موصولة تمّ الاستدلال بها على اعتبار الاستصحاب كما عرفت في تقريب دلالتها عليه.

وان كانت مفصولة كان مفاد الرواية أجنبياً عن الاستصحاب ، لأن معناها حينئذ هو «إذا شككت بين الثلاث والأربع فابن علي ما يحصل به اليقين ببراءة الذّمّة» ومن المعلوم أن ما يتحقق به البراءة هو البناء على الأكثر ـ في الشك بين الثلاث والأربع ـ والإتيان بركعة منفصلة لتكون متمِّمة للفريضة على فرض نقصانها واقعاً ، ونافلة على تقدير تماميتها.

وحيث دار الأمر بين الاحتمالين كان الترجيح مع الاحتمال الثاني ، لوجوه خمسة حسب توضيح المحقق الآشتياني لكلام الشيخ.

الأول : ظهور «قام فأضاف» في الركعة المنفصلة ، بقرينة قوله عليه‌السلام في صدر الرواية : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب» ضرورة أن تخصيص الفاتحة بالذكر قرينة على إرادة ركعتين مفصولتين ، إذ لو أُريد

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بيان أحد فردي التخيير من الفاتحة والتسبيحات الأربع في الأخيرتين من الرباعيات لكان المناسب ذكر العِدل وهو التسبيحات ، فإطلاق حكمه عليه‌السلام بقراءة الفاتحة النافي للعدل ظاهر في الركعتين المفصولتين ، ويكون هذا هو المراد أيضا من قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف» لوحدة السياق.

الثاني : أن الإتيان بركعة الاحتياط موصولة موافق لمذهب العامة من البناء على الأقل ومخالف لما استقر عليه المذهب ـ من بطلان الركعة المتصلة في علاج الشكوك الصحيحة ـ ولزوم البناء على الأكثر ، وحينئذ فيتعين إرادة اليقين بالبراءة من البناء على اليقين وعدم نقضه بالشك تحفظاً على أصالة عدم التقية ، لوضوح أن إرادة الاستصحاب من الرواية مستلزمة لطرح هذا الأصل العقلائي ، ولا يجوز طرحه بلا قرينة قطعية على صدور الكلام تقية.

الثالث : أن حمل الرواية على اليقين ببراءة الذّمّة موافق لمدلول جملة من الأخبار الواردة في كيفية صلاة الاحتياط مثل قوله عليه‌السلام : «إذا شككت فابن على الأكثر» و «إذا شككت فابن علي اليقين» و «خذ بالجزم» ونحوها ، إذ المراد بالبناء على اليقين هو البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط مفصولة الموجب لليقين بفراغ الذّمّة عن التكليف بالصلاة. وهذا بخلاف حملها على الاستصحاب المقتضي للبناء على الأقل والإتيان بصلاة الاحتياط موصولة ، فانه مخالف لسائر الأخبار الواردة في كيفية صلاة الاحتياط ، فيتعين إرادة اليقين بالفراغ من التكليف.

الرابع : فهم الفقهاء اليقين بالبراءة لا اليقين بعدم الإتيان بالرابعة.

الخامس : لزوم التفكيك بين المورد والقاعدة المستشهد بها له بناءً على إرادة الركعة الموصولة ، إذ القاعدة تقتضي الإتيان بها موصولة ، فلا بد حينئذ من الالتزام بأن أصل البناء على اليقين الّذي هو مقتضى الاستصحاب حكم واقعي ، لكن تطبيقها على المورد بالإتيان بالركعة موصولة إنما هو من باب التقية.

هذا توضيح ما أفاده الشيخ الأعظم (قده) ونتيجة تحقيقه : أن النهي عن نقض

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اليقين بالشك لا يراد منه النهي عن نقض اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة بالشك فيه حتى يكون مضمونه الاستصحاب ، بل يراد منه النهي عن رفع اليد عن تحصيل اليقين بالفراغ بأن يكتفي بعمل يشك معه في براءة الذّمّة ، وهو منحصر في البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط مفصولة ، لأنه على تقدير الإتيان بثلاث ركعات تكون هذه الركعة متممة لها ، ولا يقدح زيادة التشهد والتسليم وتكبيرة الافتتاح في صحة العمل. وعلى تقدير الإتيان بالأربع تكون هذه الركعة نافلة. وهذا بخلاف البناء على الأقل وفعل ركعة الاحتياط موصولة ، لاحتمال كون المجموع خمس ركعات ، فلا يحصل اليقين بالفراغ ، لوضوح مانعية الركعة المضافة. وإذا لم يأتِ بركعة أخرى أصلاً مع بنائه على الأكثر احتمل نقصان العبادة.

وعليه فتحصيل اليقين بالفراغ منحصر في الطريق الّذي علّمه الإمام عليه‌السلام من البناء على الأكثر وفعل ركعة الاحتياط مفصولة. وهذا المعنى وان كان بعيداً عن ظاهر اللفظ ، لكن لا مناص من الالتزام به تخلصاً من احتمال التقية (*).

ولا يخفى أن قول المصنف (قده) في حكاية إشكال الشيخ : «بعدم إمكان إرادة ذلك» ظاهر في أن جهة الإشكال سقوط أصالة الجد عن الاعتبار ، لا سقوط أصالة الظهور ، لوضوح أن امتناع كون شيء مراداً جدياً للمتكلم متفرع على انعقاد ظهور كلامه في معنى لا يمكن الأخذ به لوجود المانع.

وعلى هذا فلا إشارة في كلام الماتن إلى الإشكال الأول وهو منع أصل الظهور. ولكننا أوضحنا تمام ما أفاده الشيخ (قده) هنا من منع أصل الظهور وحجيته بعد تسليم ظهوره للوقوف على تمام مرامه ، ولئلا يلزم تقطيع كلامه بذكر بعضه في التوضيح وبعضه في التعليقة.

__________________

(*) والكل لا يخلو من الغموض. أما الوجه الأول فيتوجه عليه أولا : منع ظهور الصدر في إتيان الركعتين مفصولتين حتى يكون قرينة على إرادة مثله في قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها أخرى» فان الأمر بقراءة الفاتحة فيها وان كان

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

دالاً بظهوره الإطلاقي على كونهما مفصولتين ، وليس ذكر الفاتحة بياناً لأحد فردي الواجب التخييري ، حيث ان التخيير في الثالثة والرابعة من الرباعيات بين الفاتحة والتسبيحة بمثل قوله عليه‌السلام : «ان شئت سبّحت وان شئت قرأت» مختص بالحافظ لعدد الركعات. وحيث ان ركعتي الاحتياط مما يحتمل كونهما نافلة لاحتمال تمامية الصلاة واقعاً ، فإثبات التخيير بأدلته بالنسبة إلى هاتين الركعتين يكون من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية له ، وهو غير سديد. وعليه فالأمر بقراءة الفاتحة ظاهر في الانفصال.

إلّا أن عدم تعرضه عليه‌السلام للتشهد والتسليم والتكبير ـ وغيرها من الخصوصيات مع كونه في مقام تعليم وظيفة الشاك بين الاثنتين والأربع ـ قرينة على إرادة ركعتي الاحتياط موصولتين بالركعتين المحرَزتين ، وقد روى زرارة بنفسه في رواية أخرى حكم الشك بين الاثنتين والأربع ، عنه عليه‌السلام : أنه قال «يسلّم ويقوم فيصلي ركعتين ثم يسلم ولا شيء عليه» وكذا غيره كما لا يخفى على من لاحظ روايات الباب. بل ربما يشعر ذكر قراءة الفاتحة بالخصوص ـ وعدم أمره عليه‌السلام بإتمام ما بيده ـ كون الحكم صادرا تقية ، لأن تعيّن الفاتحة في جميع الركعات مذهب جمع من المخالفين ، ومعه كيف تتم قرينية الصدر المفروض إجماله على الذيل؟

وثانياً : أنه ـ مع تسليم ظهور الصدر في المفصولتين ـ لم تتم القرينية على ما هو المراد بالذيل ، لأن وحدة السياق انما يعتمد عليها ان لم يكن في الكلام قرينة أو ما يصلح للقرينية على الخلاف ، وحيث ان قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف» محفوف بلفظ «ولا ينقض» الظاهر في الاستصحاب ، لم يبقَ له ظهور في الانفصال حتى يحمل «لا ينقض» على اليقين بالفراغ.

ومع الغض عن هذا كله فلا منافاة بين ظهور الجملة في الاستصحاب وبين قرينية قراءة فاتحة الكتاب على إتيان ركعة الاحتياط مفصولة ، فان غايته كما صرح به المصنف هنا وفي الحاشية تقييد ظهوره الإطلاقي المقتضي لفعل صلاة الاحتياط

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

موصولة.

وأما الوجه الثاني : ـ وهو اقتضاء أصالة عدم التقية لعدم كون المراد البناء على الأقل وأنه يتعين حمله على إرادة تحصيل اليقين بالفراغ ـ فيرده : أن جملة : «لا تنقض» إما ليست ظاهرة في أحد الاحتمالين ، وإما ظاهرة في أحدهما ، ولا يصح التمسك بهذا الأصل هنا مطلقاً ، أما على الأول فلأن أصالة عدم التقية التي هي من صغريات أصالة الجد إنما تجري في الكلام الظاهر في معنى يشك في مطابقته للمراد الجدي ، وليس من شأنها تعيين المراد من الكلام المجمل كما في المقام ، حيث يدور أمر «اليقين» بين اليقين بعدم فعل الرابعة واليقين بالبراءة.

وأما على الثاني فلأنه مع فرض ظهور الجملة في الاستصحاب المقتضي للبناء على الأقل ولزوم الإتيان بالركعة موصولة كما هو مذهب العامة لا تجري أصالة الجد أيضا ، بداهة حجية أصالة الظهور وكونها مثبِتة لصدور المضمون تقية في رتبة سابقة على أصالة عدم التقية الراجعة إلى أصالة الجد التي هي أصل لإحراز المراد الجدي من الكلام ، فلا تجري فيما إذا أحرز بأصل أو غيره عدم كون الظاهر مراداً جدياً للمتكلم. ومن المعلوم أنه مع فرض حجية أصالة الظهور في كلامٍ لم يصدر لبيان الحكم الواقعي ـ لموافقته لمذهب المخالف ـ لا يبقى شك في الإرادة الواقعية كي يتحقق موضوع أصالة عدم التقية ، فان أصالة الظهور حاكمة عليها ورافعة لموضوعها.

إلّا أن يمنع الظهور بدعوى أن ظهور الكلام في معنى منوط بتمامية ما له من القيود والملابسات ، ومن المعلوم أن مجموع ما في الصحيحة من الصدر والذيل ظاهر في ما ذهب إليه الخاصة دون مذهب العامة.

ثم انه بناءً على ظهور الصحيحة في الاستصحاب تقيةً يدور الأمر بين إعمالها في التطبيق فقط بأن يكون النهي عن نقض اليقين بالشك بداعي بيان الحكم

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الواقعي وهو حجية الاستصحاب وتطبيقه على خصوص الشك في الركعات بالبناء على الأقل تقية ، وبين كونه عليه‌السلام اتّقى في الكبرى أيضا ، وحيث ان اللازم الاقتصار في الخروج عن أصالة عدم التقية على الضرورة تعيّن أن تكون التقية في تطبيق الاستصحاب على الشك في الركعات من حيث ظهورها في إتيان الركعة المشكوكة متصلة.

وهذا التفكيك بين الكبرى والمورد ليس بعزيز ، فقد ورد في بعض الأخبار قول مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام لأبي العباس بعد ما سأله اللعين عن الإفطار في اليوم الّذي شك الناس في الصوم : «ذاك إلى الإمام ان صمت صمنا ، وان أفطرت أفطرنا» (١) فانه عليه‌السلام طبّق «ما للإمام» على إمام الضلالة العباسي ، وإنما قال ذلك مخالفة ضرب عنقه كما بيّنه عليه‌السلام بعد خروجه عن مجلس اللعين ، ولكن نفس حجية حكم الحاكم في الهلال لا تقية فيه ، ولذا استدل بهذه الرواية على نفوذ حكمه فيه.

وكذا ورد تطبيق كبرى : «رفع ما استكرهوا عليه» الّذي هو حكم واقعي على بطلان الحلف بالطلاق والعتاق إكراهاً ، لبطلانهما عندنا حتى مع الاختيار ، لكنه أسند بطلانهما حال الإكراه إلى حديث الرفع تقية.

وبهذا ظهر الجواب عن خامس الوجوه المتقدمة في كلام الشيخ (قده) أيضا.

وأما الوجه الثالث ـ وهو موافقة المضمون لموثقة عمار الآتية ـ ففيه أولا : عدم ظهور الموثقة ـ كما صرح به الشيخ ـ في البناء على اليقين ، لاحتمال إرادة البناء على الأقل ، فكيف تصلح الرواية المجملة في نفسها لتعيين المراد من جملة «لا تنقض» حتى مع الغض عن ظهورها في الاستصحاب.

وثانياً : أن مانعية ظهور الموثقة في قاعدة البناء على اليقين عن الأخذ بظهور

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ، كتاب الصوم ، الباب ٥٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤ : ص ٩٥

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

جملة «لا تنقض» في الاستصحاب منوطة بقرينية وحدة السياق في روايات متعددة انعقد لكل منها ظهور في معنى ، وحيث ان القرينة منفصلة فلا مانع من الأخذ بمدلول كل منها إلّا مع وجود المزاحم للحجية. وهو مفقود في المقام ، إذ لا تنافي بين البناء على الأقل بالاستصحاب وبين البناء على اليقين ، وإنما هو تقييد الظهور الإطلاقي ، وذلك خفيف المئونة.

وأما الوجه الرابع ـ وهو فهم الفقهاء ـ فلم يثبت من غير السيد المرتضى (قده) ذلك ، لأنهم استفادوا منها كغيرها من أخبار الباب وجوب الإتيان بصلاة الاحتياط ، وهذا المقدار لا يصادم ظهور الجملة في الاستصحاب الدال على مجرد البناء على الأقل لا على كيفية الإتيان بها المدلول عليها بسائر أخبار الباب ، أو بصدر نفس هذه الرواية بناءً على قرينية ذكر الفاتحة على الركعتين المفصولتين.

قال العلامة المجلسي في شرح الرواية : «وظاهر الخبر البناء على الأقل ، ويمكن حمله على المشهور أيضا بأن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : يركع الركعتين أي بعد السلام ، وكذا قوله : قام فأضاف إليها أخرى ... ولا يخفى أن الأول أظهر ...» (١).

وقال المحدث الكاشاني بعد بيان معنى الفقرات : «ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط ووصلها كما تعرض في الخبر السابق ، والأخبار في ذلك مختلفة ، وفي بعضها إجمال» (٢).

وعليه فدعوى استظهار الأصحاب (قدس‌سرهم) لقاعدة البناء على اليقين من هذه الصحيحة عهدتها على مدعيها.

وبالجملة : فشيء مما أفاده شيخنا الأعظم (قده) لا يمنع حجية الصحيحة في الاستصحاب فضلاً عن أصل ظهورها.

__________________

(١) مرآة العقول ، ج ١٦ ، ص ١٩٣ ، الطبعة الحديثة

(٢) الوافي ، ج ٢ ، كتاب الصلاة ، ص ١٣٧

١٧٧

ذلك (١) على مذهب الخاصة (٢) ، ضرورة (٣) أن قضيته (٤) إضافة ركعة أخرى موصولة ، والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة. وعلى هذا (٥) يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ بما علّمه الإمام عليه‌السلام من (٦) الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان (٧) بالمشكوك بعد التسليم مفصولة.

ويمكن الذب عنه (٨) بأن الاحتياط

______________________________________________________

(١) أي : إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة المجدي لإثبات اعتبار الاستصحاب.

(٢) من البناء على الأكثر بالتسليم على الثالثة المتيقنة والإتيان بصلاة الاحتياط مفصولةً لا موصولةً بالركعة الثالثة.

(٣) تعليل لقوله : «عدم إمكان» وتقدم بيانه في توضيح كلام الشيخ الأعظم (قده).

(٤) يعني : أن مقتضى اليقين بعدم الإتيان بالرابعة والشك فيه ـ الّذي هو الاستصحاب ـ الإتيان بركعة موصولة ، مع أن المذهب قد استقر على خلافه والإتيان بها مفصولة. وعليه فالواو في «والمذهب» للحال.

(٥) أي : وبناءً على استقرار المذهب على وجوب فعل صلاة الاحتياط مستقلة فلا محيص عن إرادة اليقين بالفراغ الحاصل بالبناء على الأكثر ـ الّذي علّمه الإمام عليه‌السلام ـ حتى لا يخالف المذهب كما عرفت ، لا اليقين بعدم الإتيان بالرابعة ، إذ مع حمل الرواية على الاستصحاب الموافق لرأي المخالفين يسقط الاستدلال بها ـ على حجية الاستصحاب ـ عندنا عن الاعتبار ، لعدم العبرة بالحكم الصادر تقية ، وعلى كلّ فهذه الرواية أجنبية عن الاستصحاب.

(٦) بيان لـ «ما» الموصول ومبيِّن لليقين بالفراغ.

(٧) معطوف على «الأكثر» يعني : وعلى الإتيان بالمشكوك ، والأولى إلحاق «فيه» بـ «بالمشكوك» بأن يقال : «بالمشكوك فيه».

(٨) الصحيح أن يقال : «ويمكن ذبه» حيث ان الذب عن الشيء هو حفظه

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودفع ما لا يلائمه ، وهو ضد المقصود ، لأن المراد دفع إشكال الشيخ لا حفظه.

وكيف كان فناقش المصنف في كلام الشيخ الأعظم (قده) هنا وفي حاشية الرسائل بما تقريبه : أن الأمر بإتيان الركعة مفصولة ـ كما هو مذهب الخاصة ـ لا ينافى إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة الّذي هو مقتضى الاستصحاب. وجه عدم المنافاة : أن فعل الركعة مفصولة ينافي إطلاق استصحاب عدم الإتيان بالرابعة لا حقيقته ومقتضاه ، وتوضيحه : أن مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالمشكوك فيه هو لزوم ترتيب جميع الآثار المترتبة على عدمه واقعاً ، كما في استصحاب عدم موت زيد ، فان مقتضاه ترتيب جميع آثار عدم موته ـ من وجوب الإنفاق على زوجته وحرمة تزويجها وعدم جواز تقسيم ماله بين ورثته وغير ذلك ـ على حياته المشكوكة ، فإذا فرض قيام دليل على عدم جواز ترتيب بعض هذه الآثار على استصحاب عدم الموت لم يكن ذلك الدليل منافياً لحقيقة الاستصحاب بل مقيِّداً لإطلاقه.

وعلى هذا فيمكن أن يقال في المقام : ان مقتضى إطلاق البناء على عدم وجود الركعة الرابعة هو إتيانها موصولة ، لأنه مقتضى أدلة الأجزاء والشرائط ، لكن قُيِّد هذا الإطلاق بأدلة الشكوك الصحيحة الدالة على كيفية الإتيان بصلاة الاحتياط من لزوم البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ، ومن المعلوم أن هذا التقييد لا ينافي إرادة الاستصحاب من هذه الصحيحة ، فالمراد باليقين فيها هو اليقين بعدم الرابعة دون اليقين الاحتياطي وهو البناء على الأكثر.

وبعبارة أوضح : ان لقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» ظهورين : أحدهما : وجوب البناء على اليقين ، والآخر : وجوب الإتيان بالمشكوك فيه على النحو الّذي يقتضيه الدليل الأوّلي كما إذا كان عالماً بعدم الإتيان بالرابعة ، لكون وظيفته حينئذ فعلها موصولة بالركعات الثلاث ، وإذا قام الدليل على وجوب الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ـ فيما إذا أحرز عدم الركعة المشكوكة بالاستصحاب ـ كان ذلك منافياً للظهور الثاني لقوله عليه‌السلام : «لا تنقض» فنرفع اليد عن هذا

١٧٩

كذلك (١) لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة ، بل (٢) كان أصل الإتيان بها باقتضائه ، غاية الأمر إتيانها مفصولة يُنافي إطلاق النقض (٣) (*)

______________________________________________________

الظهور دون الظهور الأول كما لا يخفى.

(١) يعني : أن الاحتياط بالبناء على الأكثر ـ والإتيان بالمشكوكة بعد التسليم كما هو المذهب ـ لا يأبى عن إرادة اليقين الاستصحابي وهو البناء على عدم الإتيان بالركعة المشكوكة حتى يكون مفادها موافقاً للعامة ويتعين حملها على اليقين بالفراغ وهو البناء على الأكثر.

(٢) اضراب على قوله : «لا يأبى» وحاصله : أن استقرار المذهب على الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة لا ينافي ولا يمنع الاستدلالَ بهذه الصحيحة على الاستصحاب حتى نلتجئ إلى حمل «اليقين» على اليقين بالفراغ بالبناء على الأكثر ، لا اليقين بعدم الركعة المشكوكة. بل يمكن أن يقال : ان وجوب أصل الإتيان بالركعة المشكوكة إنما هو لأجل استصحاب عدم الإتيان بها ، غاية الأمر أن الدليل الخاصّ دل على إتيانها مفصولة ، وهو لا ينافي أصل وجوب الإتيان بها بالاستصحاب.

وبالجملة : فلا تنافي بين دلالة الصحيحة على الاستصحاب المقتضي إطلاقه لزوم فعل الركعة المشكوكة موصولة وبين ما دل على وجوب فعلها مفصولة ، إذ التنافي بينهما انما هو بالإطلاق والتقييد.

(٣) يعني : والتنافي بين الإطلاق والتقييد ليس تنافياً عرفاً ، وقد عرفت تقريب إطلاق الاستصحاب ، وضميرا «بها ، إتيانها» راجعان إلى الركعة ، وضمير «باقتضائه» إلى «اليقين بعدم الركعة».

__________________

(*) أورد عليه المحققان العراقي والأصفهاني (قدهما) بمنع هذا الإطلاق ، ضرورة عدم اقتضاء الاستصحاب بنفسه للإتيان بالركعة المشكوكة موصولة حتى يقيد بما دل على إتيانها مفصولة ، فان مفاد الاستصحاب هو عدم الإتيان بالركعة الرابعة خاصة وأما كيفية فعلها فليست للاستصحاب ، كما أن اعتبار سائر الشرائط فيها ليس بدليل الاستصحاب ، بل بإطلاق أدلة الشرائط الموجبة لاعتبارها في كل صلاة سواء

١٨٠