منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

اليقين ، ومعه (١) لا مجال للاستصحاب ، حيث (٢) لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا (٣) الشك من (٤) نقض اليقين بالشك.

لا يقال (٥) : لا شبهة في اتصال مجموع

______________________________________________________

(١) يعني : ومع عدم إحراز الاتصال المزبور لا مجال للاستصحاب.

(٢) تعليل لقوله : «لا مجال» وحاصله : أنه مع عدم إحراز الاتصال المزبور لا يجري الاستصحاب ، لعدم إحراز مصداقيته لعموم دليل الاستصحاب. توضيحه : أنه إذا فرض كون رجوع المرتهن عن الاذن يوم الأحد ، فلا مجال لاستصحابه يوم الاثنين ، لانتقاض اليقين بعدمه يوم السبت باليقين بحدوثه يوم الأحد ، فلا يصدق في يوم الاثنين نقض اليقين بالشك ، ومع احتمال عدم صدق نقض اليقين بالشك تكون الشبهة موضوعية ، ولا مجال للتمسك بالدليل مع الشك في موضوعه كما ثبت في محله. وضمير «معه» راجع إلى ما يستفاد من العبارة من عدم إحراز الاتصال.

(٣) هذا وقوله : «عن اليقين» متعلقان بـ «رفع» و «بعدم» متعلق بـ «اليقين» والمراد بقوله : «بهذا الشك» هو الشك في التقدم والتأخر بالنسبة إلى حادث آخر ، وضمير «حدوثه» راجع إلى الحادث المشكوك تقدمه على الآخر وتأخره عنه.

(٤) خبر «كون» وحاصله : ما مر آنفا من أنه مع عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لا يحرز موضوع دليل الاستصحاب وهو نقض اليقين بالشك ، لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين باليقين الّذي هو أجنبي عن موضوع الاستصحاب ، ومع هذا الاحتمال لا يصح التمسك بدليل الاستصحاب.

(٥) غرض هذا القائل دفع إشكال احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين وإثبات إحراز اتصالهما ، توضيحه : أن زمان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتأخره عنه هو مجموع الزمانين اللذين هما في المثال يوما الأحد والاثنين ، ومن المعلوم اتصال هذا المجموع بزمان اليقين بالعدم وهو يوم السبت.

٦٢١

الزمانين (١) بذاك الآن (٢) ، وهو (٣) بتمامه زمان الشك في حدوثه ، لاحتمال (٤)

______________________________________________________

وعليه فشرط جريان الاستصحاب وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين محرز ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب هنا من هذه الجهة وإن كان ساقطا في كلا الحادثين بالتعارض كما ذهب إليه الشيخ (قده).

وبعبارة أخرى : كان يوم السبت ظرف اليقين بعدم كل من البيع ورجوع المرتهن ، ويوما الأحد والاثنين ظرف وجود الحادثين ، للعلم الإجمالي حسب الفرض بحدوثهما في اليومين ، والشك من يوم الأحد في انتقاض عدم كل منهما بالوجود للعلم الإجمالي بوجود أحدهما ، كالشك يوم الاثنين في تقدم حدوث أحدهما على الآخر ، لأنه ظرف العلم بوجودهما ، فالمكلف مع علمه الإجمالي بوجود أحدهما يوم الأحد لا يتيقن بعدمهما ولا بوجودهما فيه كما لا يقين بوجود أحدهما المعين فيه ، بل يشك فيه ، إذ لا يقين له يوم الأحد ببقاء العدمين ، لعلمه الإجمالي بوجود أحدهما ، كما لا يقين له بوجود أحدهما المعين ، لأن علمه بحدوث أحدهما إجمالي لا تفصيلي ، فيتعين بحسب البرهان أن يكون مبدأ شكه في حدوث كل منهما يوم الأحد ، وقد استمر هذا الشك إلى يوم الاثنين ، فالمستصحب الّذي كان في قطعة من الزمان متيقنا قد صار مشكوكا فيه في قطعة أخرى من الزمان متصلة بالقطعة الأولى.

وحيث تحقق شرط جريان الاستصحاب وهو إحراز اتصال المتيقن بالمشكوك فالمقتضي لجريانه موجود ، وتصل النوبة إلى المانع أعني المعارضة.

(١) وهما في المثال المزبور يوما الأحد والاثنين كما مر آنفا.

(٢) وهو يوم السبت الّذي هو زمان اليقين بعدم الحادثين.

(٣) أي : ومجموع الزمانين بتمامه ـ من مبدئه ومنتهاه ـ زمان الشك في حدوث الحادث المستصحب ، وضمير «حدوثه» راجع إلى الحادث.

(٤) تعليل لكون مجموع الزمانين بتمامه زمان الشك في حدوث الحادث المستصحب عدمه ، وحاصل التعليل كما مر بيانه : أنه لمّا كان حدوثه في كل من اليومين محتملا فلا محالة يكون مجموع الزمانين زمان الشك في حدوث الحادث

٦٢٢

تأخره عن الآخر ، مثلا (١) إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها (٢) وحدوث (٣) الآخر في ساعة ثالثة كان (٤) زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما (٥) كما لا يخفى.

فانه يقال (٦):

______________________________________________________

الّذي يستصحب عدمه.

(١) قد عرفت توضيح هذا بما مر آنفا من التمثيل بالبيع ورجوع المرتهن عن الاذن فيه ، وفرض أزمنة ثلاثة لهما من أيام السبت والأحد والاثنين ، فإذا كان الأثر الشرعي مترتبا على البيع ظرف عدمه حال حدوث الحادث الآخر وهو رجوع المرتهن عن الاذن ، فان كان زمان الرجوع يوم الأحد اتصل بزمان اليقين بعدم البيع وهو يوم السبت ، وإن كان يوم الاثنين انفصل عن يوم السبت الّذي هو زمان اليقين بعدم البيع ، فلا يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

(٢) أي : بعد الساعة الأولى التي هي زمان اليقين بعدم كلا الحادثين ، فالساعة الثانية هي زمان العلم الإجمالي بحدوث أحدهما.

(٣) معطوف على «حدوث» يعني : وصار على يقين من حدوث الحادث الآخر في ساعة ثالثة ، لكن بلا تعيين المتقدم والمتأخر منهما كما هو مفروض البحث.

(٤) جواب «إذا كان» وحاصله : أن مقتضى العلم الإجمالي بحدوث أحدهما في الساعة الثانية وحدوث الآخر في الساعة الثالثة هو كون زمان الشك في حدوث كل من الحادثين تمام الساعتين ، إذ لا يعلم تفصيلا زمان حدوثهما ، فلا محالة يصير مجموع الساعتين زمان الشك في حدوث كل منهما ، وهو كذلك كما يشهد به الوجدان ، لقيام احتمال حدوث كل منهما في كل واحدة من الساعتين.

(٥) حتى يشكل بعدم إحراز اتصال زمان الشك باليقين.

(٦) هذا جواب القائل المزبور المدعي لاتصال زمان الشك بزمان اليقين.

٦٢٣

نعم (١) ، ولكنه (٢) إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان ، والمفروض (٣)

______________________________________________________

وتوضيح هذا الجواب : أن الأثر الشرعي إن كان مترتبا على عدم الحادث في زمان معلوم تفصيلي كعدم بيع الراهن يوم الاثنين فلا مانع حينئذ من استصحاب عدمه من يوم السبت الّذي هو زمان اليقين بعدمه إلى يوم الاثنين ، لاتصال زمان اليقين بزمان الشك. وأما إذا كان مترتبا على عدمه في زمان حدوث الآخر الّذي هو زمان إجمالي مردد بين زمانين كيومي الأحد والاثنين فلا يجري فيه الاستصحاب ، لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين كما عرفت في مثال بيع الراهن ورجوع المرتهن عن الاذن ، حيث ان الرجوع إن كان يوم الأحد اتصل زمانه الّذي هو زمان الشك في وقوع البيع بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت ، وإن كان يوم الاثنين انفصل عن يوم السبت ، فلم يحرز اتصال زمان اليقين بعدم البيع في زمان حدوث الرجوع عن الاذن بالشك فيه.

(١) حاصله : أن اتصال مجموع الزمانين كيومي الأحد والاثنين بزمان اليقين وإن كان مسلّما ، لكنه كذلك بلحاظ إضافة الحادث إلى أجزاء الزمان ، حيث انه بهذا اللحاظ يتصل زمان الشك في كل من الحادثين بزمان اليقين بعدمه ، لوضوح أن العلم الإجمالي بحدوث أحدهما يوم الأحد في المثال المزبور يوجب الشك في أن الحادث المعلوم إجمالا هو هذا أو ذاك ، وهذا الشك مستمر إلى يوم الاثنين الّذي هو ظرف حدوث الآخر.

فالنتيجة : أن الشك في كل منهما متصل بيقينه. وأما بلحاظ إضافته إلى حادث آخر فاتصال زمان الشك في الحادث ـ الّذي يكون في زمان عدم حدوث الآخر موضوعا للحكم ـ بزمان اليقين بعدمه غير محرز كما تقدم آنفا.

(٢) يعني : ولكن الاتصال الّذي ادعاه هذا القائل إنما يكون بلحاظ إضافة الحادث إلى أجزاء الزمان ، والمفروض أنه ليس كذلك ، إذ الملحوظ إضافة الحادث إلى حادث آخر.

(٣) الواو للحالية ، يعني : والحال أن المفروض لحاظ الاتصال بالإضافة إلى

٦٢٤

أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر ، وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته (١) أو قبله ، ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ (٢) إنما هو خصوص ساعة

______________________________________________________

حادث آخر ، وأنه حدث في زمان ثبوته أو قبله. وضمير «أنه» راجع إلى الاتصال ، وضميرا «إضافته ، أنه» راجعان إلى «الحادث» وقوله : «إذا كان» خبر «ولكنه»

(١) هذا الضمير وضمير «حدوثه» راجعان إلى «الآخر» والمراد بهذين اللفظين واحد وهو زمان وجوده. ولا يمكن إرادة المعنى الظاهر من زمان الحدوث وهو آن انتقاض العدم بالوجود ، وذلك لكون المفروض عدم تقارن الحادثين في الوجود ، للعلم الإجمالي بتقدم أحدهما على الآخر. فكأنه قيل : «وأنه حدث بعده أو قبله».

(٢) أي : بلحاظ إضافة الحادث إلى الحادث الآخر ، لا بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، وغرضه من قوله : «ولا شبهة» بيان أن زمان الشك ليس مجموع الزمانين حتى يتصل بزمان اليقين كما يدعيه القائل المزبور ، وذلك لأن الشك بلحاظ الحادث الآخر من حيث التقدم والتأخر لا يحدث إلّا في الزمان الثاني كيوم الاثنين في المثال الّذي هو ظرف تحقق الحادث الآخر ، بداهة أن يوم الأحد الّذي هو زمان حدوث أحد الحادثين لا يعقل فيه الشك في التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه ، وإنما يعقل ذلك بعد حدوثهما معا ، وليس زمان اليقين بثبوتهما إلّا يوم الاثنين ، فيحدث الشك في التقدم والتأخر يوم الاثنين لا قبله ، فيوم الاثنين بالخصوص زمان الشك في التقدم والتأخر لا مجموع يومي الأحد والاثنين.

وعليه فان كان زمان حدوث الحادث الّذي يراد استصحابه يوم الأحد كان زمان شكه وهو يوم الاثنين منفصلا عن زمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت.

وإن كان زمان حدوثه يوم الاثنين كان زمان شكه وهو هذا الزمان متصلا بزمان يقينه وهو يوم السبت ، لعدم تخلل يقين بالخلاف بينهما ، وحيث ان هذا الاتصال لا يحرز فلا يجري الاستصحاب في مجهولي التاريخ.

٦٢٥

ثبوت الآخر (١) وحدوثه لا الساعتين (٢).

فانقدح (٣) أنه لا مورد هاهنا (٤) للاستصحاب ، لاختلال أركانه (٥) (*) لا أنه (٦) مورده ، وعدم جريانه إنما هو

______________________________________________________

(١) لما عرفت من تقوم الشك في تقدم حادث على آخر وتأخره عنه بوجود كلا الحادثين ، وهو منوط بمجيء الزمان الثاني الّذي هو ظرف وجود الآخر.

(٢) يعني : لا مجموع الزمانين اللذين تحقق فيهما الحادثان كما هو مدعى القائل المزبور.

(٣) هذه نتيجة ما ذكره من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وأن عدم جريان الاستصحاب هنا إنما هو لأجل اختلال شرطه وهو عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) أي : في الصورة الأخيرة وهي كون الأثر مترتبا على العدم المحمولي لأحدهما في زمان حدوث الآخر.

(٥) الأولى إفراده بأن يقال : «ركنه» إذ لم يذكر في وجه عدم جريان الاستصحاب إلّا عدم إحراز الاتصال المزبور.

(٦) يعني : لا أن المقام مورد الاستصحاب وعدم جريانه فيه إنما هو لأجل المعارضة بجريانه في الحادث الآخر ، وضميرا «مورده ، جريانه» راجعان إلى «الاستصحاب» وضمير «هو» راجع إلى «عدم» و «عدم» معطوف على ضمير «أنه» أي : وأن عدم جريانه إنما هو ... إلخ.

__________________

(*) لا ريب في اعتبار إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين في جريان الاستصحاب ، لكن المقام أجنبي عن فرض الشبهة الموضوعية سواء أكان مقصود المصنف (قده) اتصال زمان الشك بزمان اليقين أم اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن.

وتوضيحه منوط ببيان أمر ، وهو : أن التعبد الاستصحابي تعبد ببقاء المستصحب المتيقن سابقا المشكوك لاحقا ، بمعنى أن تمام الموضوع في ظرف التعبد هو

٦٢٦

بالمعارضة (١) كي يختص (٢) بما كان الأثر لعدم كل (٣) في زمان الآخر ، وإلّا (٤) كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا.

______________________________________________________

(١) يعني : بسبب المعارضة مع الاستصحاب الجاري في الحادث الآخر ، وهذا تعريض بما تقدم من كلام الشيخ عند شرح عبارة المصنف (قده) : «وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان على يقين منه» حيث ان الشيخ أجرى الاستصحاب فيهما وأسقطهما بالمانع وهو التعارض ، والمصنف لم يجرهما ، لفقدان الشرط وهو إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، ومن المعلوم تقدم الشرط رتبة على المانع.

(٢) يعني : كي يختص عدم جريان الاستصحاب بسبب المعارضة بما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم كل من الحادثين في زمان الآخر ، حيث ان الاستصحاب يجري فيهما ويسقط بالتعارض ، إذ لو كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما فقط في زمان الآخر جرى فيه الاستصحاب بلا مانع ، إذ لا أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارضه.

(٣) أي : كل من الحادثين في زمان الحادث الآخر كموت الأب والابن ، فان لعدم موت كل منهما في زمان موت الآخر أثرا شرعيا وهو التوريث.

(٤) أي : وإن لم يكن الأثر لعدم كل منهما في زمان الآخر بأن كان الأثر لأحدهما دون الآخر كان الاستصحاب في الحادث الّذي له الأثر جاريا ، لعدم معارض له حينئذ. هذا تمام الكلام في المقام الأول المتكفل لمباحث مجهولي التاريخ. وأما المقام الثاني فسيأتي.

__________________

كونه مشكوكا فيه سواء أكان له ثبوت واقعي أم لا ، وليس التعبد بلحاظ ثبوته الواقعي فقط بدون دخل الشك فيه ، وإلّا لزم إلغاء عنوان الشك المأخوذ في أخبار الاستصحاب ، ولا بلحاظ كل من الواقع والشك ، على أن يكون كل منهما جزء الموضوع.

والدليل على هذه الدعوى تطبيق كبرى الاستصحاب في الصحيحة الثانية من

٦٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

صحاح زرارة على إجزاء الصلاة الواقعة عن الطهارة الخبثية المستصحبة مع انكشاف الخلاف ووقوعها في الثوب المتنجس بدم الرعاف ، ولو أعاد زرارة صلاته لكان من نقض اليقين باليقين لا بالشك ، إلّا أنه عليه‌السلام حكم عليه بعدم الإعادة لمجرد أنه افتتح الصلاة عن الطهارة المستصحبة. وحيث ان المفروض انكشاف الحال بعد الصلاة وأنه لم يكن للطهارة ثبوت واقعي أصلا ، فلا بد أن يكون تمام الموضوع في ظرف التعبد ثبوت المستصحب في أفق الشك لا في أفق الواقع ونفس الأمر. بل وكذا الحال في ركن اليقين ، فان الثبوت الواقعي للمستصحب ليس ركنا في الاستصحاب ، بل ثبوته في أفق اليقين به ، فلا عبرة بواقع المستصحب في الاستصحاب ، إذ المقوم لركنيه ثبوته بنفس اليقين والشك كثبوت المراد والمشتاق بثبوت الإرادة والشوق كغيرهما من الصفات الوجدانية التعلقية.

وحيث كان موضوع التعبد الاستصحابي المتيقن سابقا من حيث إنه متيقن والمشكوك لا حقا من حيث انه مشكوك ، لا ذات المتيقن والمشكوك ، فاللازم اتصال زمان المشكوك بما هو مشكوك بالمتيقن بما هو متيقن ، ولا دخل لأمر آخر فيه ، فلو انفصل زمان ذات المشكوك عن زمان ذات المتيقن ، لم يكن قادحا في الاستصحاب بعد ما عرفت من عدم كون الثبوت الواقعي مناطا لتحقق ركني الاستصحاب.

إذا اتضح ما ذكرناه فنقول : انه لا بد في تطبيقه على المقام ـ وهو كون موضوع الإرث موت المورِّث عن وارث مسلم من فرض أزمنة ثلاثة : أحدها زمان اليقين بعدم الموت والإسلام كيوم السبت مثلا ، وثانيها وثالثها زمانا اليقين بحدوث كليهما كيومي الأحد والاثنين مثلا ، للعلم الإجمالي بتحققهما فيهما والجهل بالمتقدم والمتأخر منهما. والمدعى اجتماع أركان الاستصحاب في كل من الحادثين.

أما تحقق اليقين والشك فواضح ، لتيقن عدم كل منهما يوم السبت والشك في بقائه يوم الأحد.

٦٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وأما اتصال المشكوك بالمتيقن فكذلك ، لما عرفت من اقتضاء أدلة الاستصحاب للتعبد ببقاء المتيقن من حيث إنه متيقن لا بذات المتيقن واقعا ، والمفروض أن كلّا من عدم الإسلام وعدم الموت متيقن يوم السبت ، وقد شك في انتقاض عدم كل منهما من زمان حدوث العلم الإجمالي بوجود أحدهما وهو يوم الأحد ، فالمتيقن في أحد الحادثين عدم الإسلام والمشكوك فيه هو عدم الإسلام في زمان الموت ، وفي الآخر عدم الموت والمشكوك فيه عدم الموت في زمان الإسلام ، ومبدأ زمان الشك في كل منهما هو يوم الأحد ومنتهاه يوم الاثنين ، ومجموع هذا الزمان متصل بيوم السبت. ولم يتخلل بين المتيقن والمشكوك فاصل ، إذ المتعبد به هو بقاء المستصحب المتيقن سابقا والمشكوك لاحقا ، فلا بد من أن يكون الفاصل هو اليقين التفصيليّ بخلاف ما تيقنه يوم السبت ، بأن يقطع بإسلام الوارث يوم الأحد بالخصوص ، والمفروض عدم حصول هذا اليقين ، وإنما حصل علم إجمالي بتحقق الحادثين في يومين ، وهو لا يوجب انفصال المشكوك بما هو مشكوك عن المتيقن.

نعم يحتمل أن يتخلل بين اليقين بعدم الإسلام والشك فيه احتمال حدوث الإسلام يوم الأحد ، فينفصل زمان اليقين بعدمه أعني يوم السبت عن زمان الشك فيه أعني يوم الاثنين.

وكذا الحال في جانب الموت ، وهذا هو الّذي دعا المصنف إلى منع التمسك بالأصل.

لكن هذا الفصل إنما يجدي لو كان مفاد دليل الاستصحاب التعبد بعدم الإسلام بذاته أي مع الغض عن كونه متيقنا ، إذ عليه يكون احتمال حدوث الإسلام يوم الأحد قادحا في الاتصال.

لكنك قد عرفت أن مدلول أخبار الباب عدم نقض المتيقن من حيث إنه متيقن بالمشكوك من حيث انه مشكوك. ولو كان يوم الأحد ظرف اليقين بالإسلام لم يكن مجال للاستصحاب ، لأنه من نقض اليقين باليقين ، إلّا أن المفروض عدم هذا اليقين ،

٦٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فلا بد من التعبد ببقاء عدم الإسلام المتيقن من يوم السبت إلى زمان اليقين بالإسلام وهو يوم الاثنين.

والحاصل : أن المناط في جريان الاستصحاب اتصال المشكوك المتعبد ببقائه بالمتيقن ، ولا دخل لاتصال غير ما هو مورد التعبد وانفصاله. وعلى هذا الضابط يدعى الاتصال المعتبر في الاستصحاب هنا ، فموضوع الأثر في هذا القسم الرابع مؤلّف من عدم أحد الحادثين بمفاد ليس التامة في زمان وجود الحادث الآخر بنحو الاجتماع في الوجود لا التقييد ، وذلك كعدم الموت في زمان إسلام الوارث الّذي يترتب عليه إرث الولد ، فيوم السبت زمان اليقين بعدم الحادثين ، ومن يوم الأحد يشك في عدم الإسلام كما يشك في عدم الموت ، ولا مانع من استصحاب كل منهما إلى يوم الاثنين الّذي تيقن فيه بانتقاض العدمين بالوجود ، فيحكم باستمرار عدم الإسلام إلى يوم الاثنين كما يحكم بعدم الموت إلى يوم الاثنين ، لأنه لو التفت يوم الأحد إلى يقينه بالعدمين يوم السبت فإما يتيقن بالإسلام بخصوصه وإما يتيقن بعدم الإسلام وإما يشك في الانتقاض ، والمفروض بطلان الأولين ، فيتعين الثالث ، فيستصحب هذا العدم إلى يوم الاثنين الّذي هو زمان اليقين بالإسلام ، وكذا الكلام في جانب الموت.

وبهذا البيان ظهر أن قول المحقق الأصفهاني في مقام التطبيق : «انه لو التفت إلى بقاء العدم في زمان الحادث الآخر في الزمان الثاني فاما أن يتيقن به أو يتيقن بخلافه أو يشك فيه» (١) لا يخلو من مسامحة ، ضرورة أن المكلف في الزمان الثاني إنما يشك في عدم الإسلام في نفسه ، لا في عدمه في زمان الحادث الآخر ، إذ ليس هذا العدم الخاصّ مسبوقا باليقين في يوم السبت حتى يتعبد ببقائه يوم الأحد.

مضافا إلى : أن الزمان الثاني ظرف تحقق أحد الحادثين لا كليهما ، فالشك في عدم الإسلام إلى زمان الموت وكذا في عدم الموت إلى زمان الإسلام إنما يحصل في الزمان الثالث الّذي هو ظرف انتقاض العدمين بالوجود ، لا الزمان

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٠٩

٦٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الثاني الّذي هو ظرف الشك في وجود كل منهما بالخصوص ، والعلم الإجمالي بانتقاض أحدهما فيه.

وكيف كان ففرض الشبهة الموضوعية لاتصال الشك باليقين محال ، لتوقفه على احتمال وجود الإسلام المتيقن يوم الأحد ، ومن المعلوم أن الأمور الوجدانية وإدراكات النّفس يدور أمرها بين الوجود والعدم ولا يتطرق فيها الشك ، وإنما يتحقق في الخارجيات التي تصير معلومة أو مشكوكة أو مظنونة.

والنتيجة : أن ما أصرّ عليه المصنف هنا متنا وهامشا وفي الحاشية من منع التمسك بالأصل في القسم الرابع ، لعدم إحراز الشرط وهو اتصال الزمانين وكونه شبهة موضوعية لأخبار الاستصحاب قد عرفت منعه بما أفاده بعض أعاظم تلامذته بتوضيح منا.

وهذا بناء على إرادة اتصال زمان المشكوك بالمتيقن واضح بما تقدم. وأما بناء على إرادة اتصال زمان نفس الوصفين كما هو ظاهر كلامه فيكفي في رده ومنع الشبهة المصداقية فيه أن الناقض لليقين السابق هو اليقين الفعلي بالخلاف ، وأما احتمال وجود اليقين الفعلي بالخلاف فمعناه الشك في إدراك نفسه ، وهو محال كما سبق.

ولا بأس بتكميل البحث حول شبهة اتصال الشك باليقين بما أفيد في توجيه كلام الماتن (قده) تارة : بأن الشك في حدوث الإسلام حين الموت لا يعرض إلّا بعد العلم بالموت ، ولا علم بالموت إلّا في الزمان الثالث وهو يوم الاثنين ، والمفروض العلم بوجود الإسلام فيه أيضا ، فيكون المقام مما انفصل فيه زمان الشك عن زمان اليقين ، لأن يوم السبت زمان اليقين بعدم الإسلام ، وزمان الشك يوم الاثنين ، ويوم الأحد فاصل بينهما ، فليس هنا احتمال الفصل حتى يقال بعدم تصور الشبهة الموضوعية في الأمور الوجدانية.

وأخرى : بأن اليقين الإجمالي بحدوث أحدهما في الزمان الثاني يوجب احتمال

٦٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

انتقاض اليقين السابق بعدم كل منهما ، كما أن اليوم الثالث ظرف اليقين بانتقاض كليهما ، هذا.

لكنك خبير بما في كل منهما. أما في الأول فلأنه خلاف تصريح المصنف من الإشكال من ناحية عدم إحراز الاتصال لا إحراز الانفصال كما هو صريح هذا التوجيه ، فليس هذا توجيها لكلام المصنف.

مضافا إلى : عدم إناطة الاستصحاب بسبق اليقين على الشك كما تكرر التنبيه عليه ، لكفاية اجتماعهما زمانا وحدوثهما في آن واحد.

وهنا كذلك ، إذ في الزمان الثالث وهو يوم الاثنين يتيقن بحدوثهما فعلا وبعدمهما في يوم السبت ، ويشك في حدوث الإسلام في زمان الموت ، فيستصحب ، واتصال الشك باليقين إنما ينثلم بتخلل اليقين بالخلاف ، وهو غير متحقق حسب الفرض.

وأما في الثاني فلأن اليقين الناقض بنظر المصنف هو اليقين التفصيليّ خاصة ، واستدل عليه بوجوه تعرضنا لها في أوائل بحث الاشتغال وسيأتي بعضها في آخر هذا الفصل ، فلا يقدح العلم الإجمالي في اتصال زمان الشك باليقين ، وإلّا لاقتضى عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ولو لم تلزم مخالفة عملية ، لقصور المجعول حينئذ عن شموله للأطراف ، وهذا كله خلاف مبناه المتكرر في مواضع من كلماته.

هذا كله فيما يتعلق بكلام المصنف من شبهة عدم إحراز الاتصال المانعة عن جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ ، وقد عرفت الجواب عنها.

لكن الظاهر عدم جريانه فيهما لمانع آخر أبداه شيخنا المحقق العراقي ووافقه بعض أجلة تلامذته كسيدنا الأستاذ قدس‌سرهما.

ومحصله : أن شأن الاستصحاب جرّ المستصحب وامتداده في زمان الشك في بقائه ، لا إلى زمان اليقين بالانتقاض ، لدلالة «لا تنقض اليقين بالشك» على

٦٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الحكم بدوام ما تيقن بثبوته ظاهرا ، وهذا المعنى منوط بكون الشك في بقاء شيء متمحضا في استمراره في عمود الزمان كالشك في الحياة والعدالة.

وعلى هذا ، فان كان منشأ الشك في البقاء الشك في بقائه في عمود الزمان جرى الاستصحاب فيه ، مع الجزم بأن الزمان المتأخر الّذي حكم فيه بامتداد المستصحب وبقائه هو زمان وجود الآخر ، كما في فرض العلم بتاريخ أحدهما المعين ، فانه لو حكم ببقاء مجهول التاريخ إلى ذلك الزمان يجزم بمقارنة بقائه التعبدي لزمان وجود الآخر.

وإن كان منشأ الشك في البقاء الشك في زمان حدوث الآخر وتقدمه وتأخره لم يجر الاستصحاب ، كما إذا علمنا بأن زيدا مات يوم الجمعة ، وشك في بقاء حياته إلى زمان الخسوف ، للشك في تقدم الخسوف على الجمعة وتأخره عنها. والوجه في عدم جريانه هو ظهور دليله في إلغاء الشك في خصوص الامتداد ، والمفروض أن الشك في هذا الفرض ليس في امتداد المستصحب ، بل في أمر آخر وهو مقارنته مع حادث آخر أو تقدمه عليه أو تأخره عنه. وكلما كان منشأ الشك كلا الأمرين أو الأمر الثاني خاصة لم يجر الاستصحاب ، إذ ليس شأنه إلغاء الشك فيه من جهة اقتران حيثية بقائه ولو تعبدا في زمان مع زمان وجود غيره.

وحينئذ فمع تردد الزمان الّذي هو ظرف وجود الآخر بين الزمانين زمان الشك في وجود بديله الّذي هو الزمان الثاني ، وزمان يقينه الّذي هو الزمان الثالث يكون الشك في مقارنة البقاء التعبدي للمستصحب مع زمان وجود الآخر على حاله. فلو أريد من الإبقاء إبقاؤه إلى الزمان الثاني فلا يجزم حينئذ بتطبيق كبرى الأثر على المورد ، إلّا بفرض جرّ المستصحب في جميع محتملات أزمنة وجود الآخر التي منها الزمان الثالث ، وهو أيضا غير ممكن ، لأن الزمان الثالث زمان انتقاض اليقين بكل منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جرّ المستصحب إلى الزمان الّذي هو زمان انتقاض يقينه بيقين آخر؟ ومجرد كونه زمان الشك في حدوثه أو حدوث غيره

٦٣٣

وأما (١) لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو

______________________________________________________

(١) هذا معادل لقوله : «فان كانا مجهولي التاريخ» فالأولى أن يقال : «وان كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله» وكيف كان فقد أشار بهذه العبارة إلى المقام الثاني المتضمن لمباحث الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما ، كما إذا علم بتاريخ الموت وأنه يوم السبت وشك في تاريخ الإسلام وأنه يوم الجمعة أو يوم الأحد

__________________

لا يجدي في إمكان الجرّ إلى هذا الزمان بعد كونه زمان انتقاض يقينه كما هو واضح.

وحيث اتضح ذلك نقول : ان المقام من هذا القبيل ، فإذا شك في حياة الوارث أو إسلامه إلى زمان موت المورّث مع العلم بهما وجهل تاريخهما كان منشأ الشك كلا الأمرين أي الشك في أصل بقاء حياة الوارث أو عدم إسلامه في الزمان الثاني ، والشك في حيثية مقارنة بقاء المستصحب ولو تعبدا فيه لزمان موت المورث بلحاظ تردد حدوثه بين الزمانين.

وقد عرفت عدم جريان الاستصحاب في مثله على وجه يجدي في ترتيب الأثر المرتب على البقاء المقارن لزمان وجود الغير ، لأن ما يمكن جرّه بالاستصحاب إنما هو جرّ عدم إسلام الوارث أو حياته إلى الزمان المتأخر عن زمان يقينه الّذي هو الزمان الثاني.

ولكنه لا يثمر في تطبيق كبرى الأثر على المورد ، لعدم إحراز كون البقاء التعبدي مقارنا مع زمان وجود الغير. وما يثمر في التطبيق إنما هو جرّ المستصحب إلى الزمان الثالث ، وهو ممتنع ، لأنه زمان انتقاض اليقين بكل واحد منهما بيقين آخر ، فكيف يمكن جرّ المستصحب إلى مثل هذا الزمان الّذي هو زمان انتقاض يقينه.

هذا محصل ما أفاده (قده) ثم تعرض لبعض المناقشات والجواب عنه ، وقال في آخره : «فتدبر فيما قلناه بعين الإنصاف ، فانه دقيق وبالقبول حقيق» (١) فراجع تمام كلامه قدس الله نفسه الزكية وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء.

وعليه فالمانع من جريان الاستصحاب في المجهولين هذا ، لا ما أفاده الماتن.

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٢٠٧ إلى ٢٠٩ ، حقائق الأصول ، ٢ ـ ٥٠٢

٦٣٤

أيضا (١) إما أن يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاصّ من المقدم أو المؤخر أو المقارن (٢) ، فلا إشكال في استصحاب عدمه (٣) لو لا

______________________________________________________

ومحصله : أن ما تقدم في مجهولي التاريخ من الصور جار هنا ، لأن الأثر الشرعي تارة يترتب على وجود أحدهما أو كليهما محموليا بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ، وأخرى يترتب على اتصاف أحدهما أو كليهما بإحدى تلك الصفات بنحو الوجود النعتيّ ، وثالثة يترتب على عدم أحدهما في زمان الآخر بنحو العدم المحمولي ، ورابعة يترتب على عدم أحدهما في زمان الآخر بنحو العدم النعتيّ ، فالصور أربع نتعرض لأحكامها عند تعرض المصنف (قده) لها.

(١) يعني : كمجهولي التاريخ ، فان الصور المتصورة هناك تتصور هنا أيضا.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على الوجود الخاصّ المحمولي الّذي هو مفاد كان التامة ، كما إذا كان إرث الوارث من الميت المسلم مترتبا على إسلامه بوجوده الخاصّ ، وهو تقدمه على موت المورث ، حيث إن إرثه مترتب على إسلامه في زمان حياة المورّث لا على إسلامه في زمان موت المورث ، فلا مانع من استصحاب عدمه إلى زمان موت المورث ، إذ المفروض عدم أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارضه.

(٣) هذا إشارة إلى حكم الصورة الأولى وهي كون الأثر مترتبا على وجود أحد الحادثين محموليا بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ، وحاصله : جريان الاستصحاب عدمه الخاصّ وإن كان تاريخ حدوثه معلوما. إذ لا منافاة بين العلم بوجوده المطلق وعدم العلم بوجوده الخاصّ المسبوق بالعدم الّذي هو مورد الاستصحاب كما مر في إسلام الوارث ، فان المعلوم هو إسلام الوارث يوم الجمعة ، وأما وجود الإسلام قبل القسمة فغير معلوم ، ولا مانع من استصحاب عدمه ، وبه يرتفع موضوع الأثر ، لفرض موضوعية الوجود الخاصّ من الإسلام للأثر ، وباستصحاب عدمه الأزلي ينتفي موضوع الأثر.

وحيث كان المقتضي لجريان الأصل موجودا فلا بد أن يكون المانع منه هو

٦٣٥

المعارضة (١) باستصحاب العدم في طرف الآخر (٢) أو طرفه (٣)

______________________________________________________

المعارضة المتوقفة على كون الأثر للطرفين ، أو لوصفين في طرف واحد كما سيظهر.

(١) هذا إشارة إلى كون الأثر مترتبا على وجود كل من الحادثين محموليا بنحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن كإسلام الوارث قبل القسمة ، والقسمة قبله ، حيث ان لكل منهما متقدما على الآخر أثرا شرعيا ، فان الإسلام قبل القسمة يوجب إرث المسلم عن الميت المسلم منفردا إن لم يكن أحد في مرتبته ، ومشاركا إن كان وارث آخر في مرتبته. وكذا القسمة قبل الإسلام ، فانها توجب ملكية المقتسمين من دون مشاركة من يسلم معهم بعد القسمة ، فانه يجري الاستصحاب في عدم الإسلام في الزمان الواقعي للقسمة وبالعكس ، ويسقط بالتعارض ، إذ المفروض ترتب الأثر على وجود كل منهما متقدما على الآخر.

(٢) يعني : في طرف الحادث الآخر كما عرفت في مثال الإسلام والقسمة.

(٣) معطوف على «طرف» وضميره راجع إلى «أحدهما» يعني : لو لا المعارضة باستصحاب العدم الجاري في الحادث الآخر ، أو الجاري في حادث واحد باعتبار ترتب الأثر على وجوده بنحوين من التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه بحيث يكون ذا أثر شرعي بكلا نحويه من التقدم والتأخر ، فالمراد معارضة استصحاب العدم في نحوين من أنحاء حادث واحد كالتقدم وضديه.

والأولى في إفادة هذا المعنى أن يقال : «لو لا المعارضة باستصحاب العدم في بعض أنحائه أو في الحادث الآخر».

وكيف كان فالاستصحاب يجري فيه ويسقط بالتعارض ، كملاقاة المتنجس للماء ، فانها قبل الكرية تنجس الماء ، وبعدها تطهر المتنجس ، فالملاقاة بكلا وصفيها وهما التقدم والتأخر ذات أثر شرعي ، وهو انفعال الماء أو طهارة المتنجس.

وعليه فتعارض الاستصحابين يكون في صورتين :

إحداهما : ما إذا ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص.

٦٣٦

كما تقدم (١) ، وإما (٢) يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا (٣) فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى ، لعدم (٤) اليقين بالاتصاف به سابقا منهما.

______________________________________________________

ثانيتهما : ما إذا ترتب الأثر على أكثر من وصف واحد من التقدم وأخويه في أحد الحادثين.

(١) يعني : في مجهولي التاريخ ، حيث قال : «بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك أو لكل ... إلخ».

(٢) معطوف على قوله : «اما أن يكون الأثر» والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الأثر ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحد الحادثين أو كليهما نعتيا كما هو مفاد «كان» الناقصة بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن.

(٣) أي : التقدم وضديه ، وحكم هذه الصورة عدم جريان الاستصحاب فيها لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه ، لاختلال أول ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق في كليهما ، ضرورة أنه ليس اتصافهما أو أحدهما بتلك الصفات متيقنا سابقا ، فان الإسلام الموصوف بكونه قبل موت المورث ليس له حالة سابقة حتى يستصحب ، من غير فرق في ذلك بين معلوم التاريخ ومجهوله ، بداهة أن العلم بحدوث معلوم التاريخ إنما هو بالنسبة إلى الزمان كيوم الجمعة ، وأما بالإضافة إلى تقدمه على الحادث الآخر فهو مشكوك فيه ولا يقين بذلك ، والمفروض أنه هو الملحوظ هنا.

(٤) تعليل لقوله : «فلا مورد للاستصحاب أصلا» وقد عرفت توضيحه ، وضمير «به» راجع إلى «بكذا» المراد به أحد الأوصاف من التقدم والتأخر والتقارن ، وضمير «منهما» راجع إلى مجهول التاريخ ومعلومه.

وبالجملة : فإذا علم بموت الأب يوم الجمعة ولم يعلم زمان موت الابن وأنه

٦٣٧

وإما (١) يكون مترتبا على عدمه الّذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر (٢) ، فاستصحاب العدم (٣) في مجهول التاريخ منهما كان (٤) جاريا ، لاتصال (٥) زمان شكه  (*) بزمان يقينه ،

______________________________________________________

كان يوم الخميس أو يوم السبت ، والمفروض أن موت كل منهما متصفا بتقدمه على موت الآخر مما يترتب عليه الأثر الشرعي ، وموت كل منهما بهذا الوصف ليس له حالة سابقة فلا يجري فيه الاستصحاب ، فعدم جريان الاستصحاب فيهما إنما هو لفقدان ركنه ، لا لوجود المانع وهو التعارض.

(١) معطوف على «وإما يكون» وهو إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحد الحادثين محموليا الّذي هو مفاد «ليس» التامة في الزمان الواقعي للآخر ، وضمير «عدمه» راجع إلى «أحد الحادثين».

(٢) قيد لقوله : «عدمه» أي : عدمه الكائن في زمان الحادث الآخر.

(٣) هذا إشارة إلى حكم الصورة الثالثة وهو جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ دون معلومه.

أما جريانه في مجهول التاريخ فلتحقق ركني الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فيه مع وجود شرطه وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، مثلا إذا كانت قسمة التركة يوم الأربعاء معدومة يقينا ، وشك في تحققها يوم الخميس أو يوم الجمعة ، وعلم بوجود الإسلام يوم الجمعة وبعدمه قبله ، فحينئذ يتصل زمان الشك في القسمة وهو يوم الخميس بزمان اليقين بعدمها أعني يوم الأربعاء ، فلا مانع من استصحاب عدمها إلى يوم الجمعة. وهذا مختار الشيخ (قده) أيضا ، حيث انه ذهب إلى جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

(٤) خبر «فاستصحاب» وضمير «منهما» راجع إلى «الحادثين».

(٥) تعليل لجريان الاستصحاب في مجهول التاريخ ، وقد عرفت توضيح

__________________

(*) أورد عليه سيدنا الأستاذ (قده) «بأن شبهة عدم الاتصال جارية في جميع

٦٣٨

دون معلومه (١) ، لانتهاء (٢) الشك فيه في زمان ، (٣) وإنما (٤) الشك فيه بإضافة

______________________________________________________

اتصال زمان شك الحادث المجهول التاريخ بزمان يقينه. وأما عدم جريانه في المعلوم التاريخ فلما سيأتي.

(١) يعني : يجري الاستصحاب في المجهول التاريخ دون المعلوم التاريخ ، فكلمة «دون» بمعنى «لا» وهو عطف على «في مجهول التاريخ» والأولى أن يقال : «في مجهول التاريخ منهما دون معلومه كان جاريا».

(٢) تعليل لعدم جريان الاستصحاب في المعلوم التاريخ ، ومحصله : انتفاء ثاني ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء في عمود الزمان فيه ، وذلك لأن الإسلام في المثال قبل يوم الجمعة معلوم العدم ، وفي يوم الجمعة معلوم الحدوث ، ومع العلم بكل من زماني عدمه ووجوده لا يتصور فيه الشك حتى يجري فيه الاستصحاب. وضمير «فيه» راجع إلى «معلومه».

(٣) يعني : في شيء من الأزمنة التفصيلية ، لأن زمان تاريخ الحادث المجهول لا يخلو إما أن يكون قبل تاريخ المعلوم أو بعده أو مقارنا له. فان كان قبله فعدم المعلوم مقطوع به ، وإن كان بعده أو مقارنا له فوجوده مقطوع به لا مشكوك فيه ، فلا شك في عدم المعلوم في زمان حدوث المجهول بنحو التطبيق على أحد الأزمنة.

(٤) يعني : وإنما الشك في الحادث المعلوم التاريخ لا يتصور إلّا بإضافة زمانه

__________________

موارد العلم الإجمالي بالانتقاض ، ومنها المقام ، حيث ان مجهول التاريخ لمّا كان معلوم الوجود المردد بين ما قبل معلوم التاريخ وما بعده كان زمان الشك في عدمه وهو زمان حدوث معلوم التاريخ غير محرز الاتصال بزمان اليقين به ، لاحتمال انفصاله عنه بزمان اليقين بوجوده» (١).

لكنك عرفت في مجهولي التاريخ أن المستصحب ليس هو الواقع ، بل وجوده المشكوك بوجود نفس الشك ، ولا يحتمل الفصل باليقين التقديري ، فراجع.

__________________

(١) حقائق الأصول ، ٢ ـ ٥٠٨

٦٣٩

زمانه (*) إلى الآخر ،

______________________________________________________

إلى الحادث الآخر ، حيث انه لم يعلم أن الإسلام الحادث يوم الجمعة هل تحقق قبل زمان القسمة أو بعدها ، فالشك في معلوم التاريخ يكون بالإضافة إلى عدمه المضاف إلى حادث آخر ، لا إلى عدمه الاستقلالي الّذي لا شك فيه ، ولذا قال : «لانتفاء الشك فيه في زمان» وغرضه من قوله : «وانما الشك فيه ... إلخ» بقرينة نفي الشك عن عدمه المطلق هو الإشارة إلى نحوين من إضافة عدم معلوم التاريخ إلى الحادث الآخر ، وهما : كون العدم ملحوظا محموليا وهو مفاد ليس التامة ، وكونه ملحوظا نعتيا وهو مفاد ليس الناقصة ، وهذه هي الصورة الرابعة أعني كون العدم نعتيا.

وبالجملة : فلم يذكر الصورة الرابعة صريحا ، وإنما ذكرها بعنوان عام وهو العدم المضاف إلى حادث آخر الشامل للصورة الرابعة وهي العدم النعتيّ والثالثة وهي العدم المحمولي.

فان لوحظ هذا العدم المضاف محموليا بأن يكون عدمه بنحو خاص من التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه أو مقارنته له موضوعا للحكم الشرعي جرى الاستصحاب فيهما ، لكن يسقط بالتعارض.

وإن لوحظ هذا العدم نعتيا بأن يكون متصفا بوصف التقدم أو ضديه ، فلا يجري فيهما الاستصحاب ، لعدم اليقين السابق بهذا الاتصاف.

__________________

(*) قيل : ان المراد بـ «بإضافة زمانه ... إلخ» بيان خصوص صورة اتصاف المعلوم التاريخ بزمان المجهول التاريخ. لكنه خلاف الظاهر ، حيث إن إضافة زمانه إلى زمان الآخر تصدق على كل من الاتصاف وعدمه ، فان الشك فيه في كلا الموردين يكون في قبال عدم الشك في الحادث المعلوم بالإضافة إلى الأزمنة التفصيلية.

وبالجملة : فالشك سواء أكان بنحو الاتصاف الّذي هو مفاد النعتية أم بنحو آخر كما هو مفاد المحمولية يكون في مقابل نفي الشك في الأزمنة التفصيلية ، فإرادة

٦٤٠