منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كانت واجبة واقعاً كما في الركعة الرابعة المعلومة ، أم ظاهراً كما في الرابعة المشكوك فعلها ، وهي تقتضي وصلها بالركعات الثلاث المعلومة مطلقاً ، والأدلة المبيِّنة لكيفية صلاة الاحتياط من وجوب الإتيان بها مفصولة تقيد تلك الأدلة الأولية الدالة بإطلاقها على لزوم اتصال الركعة الرابعة المشكوكة ، وعليه فالصحيح ملاحظة نسبة الإطلاق والتقييد بين أخبار صلاة الاحتياط وبين أدلة الأجزاء والشرائط ، لا بين إطلاق الاستصحاب وبين أخبار صلاة الاحتياط (١).

لكن يمكن أن يقال : ان الإيراد المذكور انما يتجه لو كان مقصود المصنف من قوله : «إطلاق النقض» إطلاقه اللفظي كي يقيد بأدلة البناء على الأكثر ، ضرورة عدم انعقاد هذا الإطلاق في دليل الاستصحاب كي يقيد. وأما لو كان مقصوده منه إطلاقه المقامي أي كون ظهور اللفظ ناشئاً من عدم ذكر القيد مع اقتضاء المقام بيانه لو كان ، كما يدعى في دلالة صيغة الأمر على كون الوجوب نفسياً عينياً تعيينياً لتوقف الغيرية ونحوها على مئونة زائدة ثبوتاً وإثباتاً فلا يرد عليه شيء ، إذ يقال في تقريب هذا الإطلاق المقامي في الصحيحة : انه عليه‌السلام بيّن وظيفة الشاك في الرابعة بإلقاء كبرى الاستصحاب إلى زرارة ، ومن المعلوم أن عدم بيانه لكيفية فعل الركعة المشكوكة بضميمة الأدلة الأولية المقتضية لفعل الرابعة موصولةً يدل على لزوم وصلها بالركعات الثلاث المعلومة ، لتوقف وجوب فعلها مفصولة على بيان زائد ، وحيث انعقد الظهور الإطلاقي في الاتصال في قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها أخرى ولا ينقض اليقين بالشك» فلا تكون أخبار صلاة الاحتياط مانعة عن أصل هذا الظهور في البناء على الأقل ، وانما تمنع إطلاقه في الإتيان بها موصولة ، فيرفع اليد عنه ، ويبقى أصل دلالته على البناء على الأقل سليماً عن المزاحم.

إلّا أن يمنع هذا الإطلاق المقامي أيضا بما أفاده سيدنا الأستاذ (قده) فيما حررته عنه في الدورة السابقة باقتضاء نفس الاستصحاب للإتيان بالركعة موصولة ، لقيامه

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٥٨ ، نهاية الدراية ، ٣ ـ ٣١

١٨١

وقد قام الدليل (١) على التقييد في الشك في الرابعة وغيره (٢) ،

______________________________________________________

(١) وهو رواية عمار الساباطي : قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شيء من السهو في الصلاة ، فقال : ألا أعلمك شيئاً إذا صنعته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ قلت : بلى ، فقال : إذا سهوت فابن علي الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم وصلّ ما ظننت أنك نقصت ، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء ، وان ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت» (١).

(٢) معطوف على الشك ، يعني : غير الشك في الرابعة من الشكوك الصحيحة

__________________

مقام العلم في التنجيز الموجب لكون العمل على طبق اليقين ، ومن المعلوم أن اليقين بعدم الإتيان بالرابعة يوجب فعل الركعة موصولة ، لا أن إتيانها موصولة قضية إطلاق الاستصحاب القابل للتقييد. وعليه فلا إطلاق في «النقض» أصلاً لا لفظياً ولا مقامياً حتى يتجه تقييده بأدلة صلاة الاحتياط ، بل الرواية كاشفة عن انقلاب وظيفة الشاك عن الحكم الواقعي الأوّلي ، وعدم جريان الاستصحاب فيه.

لكن الحق أن يقال : ان الاستصحاب وان كان لقيامه مقام العلم مقتضياً لوجوب الإتيان بالركعة المشكوكة موصولة كما في جبر النقيصة المعلومة ، لكن حكم العقل بإتيان المشكوكة موصولة معلّق على عدم تصرف الشارع في كيفية الإطاعة ، وبعد تصرفه فيها بأدلة صلاة الاحتياط والإتيان بالمشكوكة مفصولة لا مجال للعمل بما يقتضيه الاستصحاب ، وإطلاق ما دل على جبر ما نقص من الأجزاء موصولاً ، إذ تكون أدلة صلاة الاحتياط حاكمة على الإطلاق المزبور.

فالنتيجة : أن أدلة صلاة الاحتياط حاكمة على ما يقتضيه الاستصحاب ، وإطلاق ما دلّ على لزوم جبر نقص الصلاة بما يتصل بها.

وبالجملة : فالاستصحاب يثبت النقص ، وأدلة صلاة الاحتياط تبين كيفية جبره ، ولا تهافت بينهما أصلاً. وان أبيت عن الحكومة فلا أقل من اندراجهما في النص والظاهر ، فان أدلة صلاة الاحتياط نصّ في الانفصال وتلك ظاهرة في الاتصال.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث : ٣ ص ٣١٨

١٨٢

وأن (١) المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة ، فافهم (٢).

وربما أشكل (٣) أيضا (٤) بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب

______________________________________________________

في الركعات كالشك بين الاثنتين والثلاث من الرباعية.

(١) معطوف على «التقييد» ومفسِّر له.

(٢) لعله إشارة إلى : أن الاستصحاب لا يقتضي بنفسه كيفية الإتيان من الوصل بل مقتضاه إحراز عدم وجود الرابعة فقط ، وعليه فدليل كيفية الإتيان بالمشكوكة لا ينافي أصالة عدم الإتيان بها ، فيكون دليل البناء على الأكثر وفعل المشكوكة مفصولةً مبيِّناً للكيفية بعد ما لم يكن الاستصحاب مبيِّناً لها.

أو إشارة إلى : ضعف ما أجاب به عن الإشكال ، لأن الإتيان بالركعة مفصولة ينافي حقيقة الاستصحاب ، لا إطلاقه ، وسيأتي في التعليقة ، فلاحظ.

(٣) هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بالصحيحة على حجية الاستصحاب ، وهذا يفترق عن الإيراد الأول المتقدم عن الشيخ بأن إيراده (قده) كان موهِناً لأصل الدلالة ، وهذا ناظر إلى منع عموم حجية الاستصحاب ، لأن الصحيحة تكون أخص من المدعى أعني اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد.

توضيحه : أن الفقرات المذكورة في الصحيحة بقرينة قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها» تكون مبنية للفاعل ، فمرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك ، وإرادة العموم منها موقوفة على إلغاء خصوصية المورد ، ومن المعلوم إناطة إلغائها بالقطع بعدم دخلها في الحكم ، للعلم بالمناط ، ودعوى هذا القطع ممنوعة جداً. وعليه يختص اعتبار الاستصحاب بمورد هذه الصحيحة ولا يتعدى عنه إلى غيره ، ولو بُني على التعدي فلا يتعدى إلّا إلى ركعات الصلاة. ولو سلم إمكان التعدي إلى غيرها فيتعدى إلى الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية التي هي مورد البحث للأصولي. وكيف كان فلا ينبغي عدّ هذه الصحيحة من الروايات العامة الدالة على حجية الاستصحاب في جميع الموارد.

(٤) أي : كالإشكال المتقدم المانع عن أصل دلالة الرواية على الاستصحاب.

١٨٣

كانت من الأخبار الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد (١) ، لا (٢) العامة لغير موردٍ (٣) ، ضرورة (٤) ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل (٥) ، ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك ، وإلغاء خصوصية المورد ليس بذلك الوضوح (٦) وان (٧) كان

______________________________________________________

(١) وهو الشك بين الثلاث والأربع. ولا وجه لإلغاء الخصوصية ، وضمير «عليه» راجع إلى الاستصحاب.

(٢) عطف على الخاصة ، أي : لا تكون الصحيحة من الأخبار العامة كما كانت الصحيحتان الأوليان من الأخبار العامة.

(٣) يعني : لا لموردٍ واحد بل لكل موردٍ كما هو المدعى.

(٤) تعليل لكون هذه الصحيحة من الأخبار الخاصة ، ومنشأ الظهور ما عرفته من قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليه أخرى» وهكذا سائر الفقرات.

(٥) بقرينة العطف ، ولو كانت الأفعال من «لا ينقض ، ولا يدخل ، ولا يخلط» مبنية للمفعول كانت ظاهرة في حجية الاستصحاب في جميع الموارد ، لأن شأن اليقين أن لا ينقض بالشك ، وهذا بخلاف البناء للفاعل ، لظهوره في حكم اليقين بعدم الرابعة لا غيره. مضافاً إلى أنه عليه‌السلام في مقام تعليم السائل وظيفة الشك بين الركعات ، فلا دلالة لها على حكم اليقين والشك في موارد أخرى.

(٦) لتوقفه على قرينة قطعية ، حيث انه لا سبيل إلى إحراز الملاك من الخارج إلّا بقرينة قطعية ، وهي مفقودة.

(٧) وصلية ، وضمير «يؤيده» راجع إلى إلغاء الخصوصية ، وهذا جواب الإشكال المتقدم ، وهو يرجع إلى وجهين ، هذا أولهما الّذي مرجعه إلى تنقيح المناط من الخارج ، وحاصله : أن تطبيق «لا تنقض اليقين» في غير هذه الصحيحة على موارد ـ كالصحيحتين المتقدمتين اللّتين طبّق الإمام عليه‌السلام «لا تنقض اليقين» في أولاهما على الطهارة الحدثية ، وفي ثانيتهما على الطهارة الخبثية وكذا في غيرهما كبعض

١٨٤

يؤيده (١) تطبيق قضية «لا تنقض اليقين» وما يقاربها (٢)

______________________________________________________

الأخبار الآتية ـ يؤيد إرادة العموم هنا وعدم الاختصاص بالمورد أعني الصلاة.

ثانيهما : الّذي مرجعه إلى تنقيح المناط اللفظي بحيث يوجب اندراج الخبر في الأخبار العامة ، ومحصله : أنه يمكن دعوى ظهور نفس «لا تنقض» في العموم عرفاً ، لا أنه ظاهر في اختصاصه بباب الصلاة حتى يحتاج استفادة العموم منه إلى إلغاء خصوصية المورد. وتوضيح ظهوره في العموم : أن المناسب لإسناد النقض إلى اليقين هو كون اليقين أمراً مبرماً وشيئاً مستحكماً ، وهذه المناسبة تقتضي عدم دخل مورد اليقين والشك ـ أي المتيقن والمشكوك ـ في الحكم بعدم نقض اليقين بالشك ، فالمستفاد من الرواية حينئذ : أن المصلي الشاك في إتيان الركعة الرابعة لا ينقض اليقين ـ بما هو اعتقاد جزمي ـ بالشك لكونه موهوناً ، لا لخصوصية تعلق اليقين بعدم الركعة الرابعة. وعلى هذا فيكون «ولا ينقض اليقين» في هذه الصحيحة ظاهراً ـ لأجل مناسبة الحكم والموضوع ـ في عدم نقض اليقين من حيث هو بالشك ، وأن المناط هو اليقين والشك ، فيستفاد منه حجية الاستصحاب مطلقاً من دون خصوصية للمورد ، وهذه الاستفادة تنشأ من نفس ألفاظ الرواية لا من القرينة الخارجية ، هذا.

مضافاً إلى : اقتضاء نفس التعليل كون المعلّل به حكماً كلياً كي يصلح تعليل الأمر التعبدي به ، وعليه فلا خصوصية لليقين بالركعات الثلاث.

(١) وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة هو : أن ورود جملة «لا تنقض» بنحو العموم أو في موارد خاصة كباب الطهارة وصوم شهر رمضان ونحوهما لا يقتضي إلغاء خصوصية المورد في هذه الرواية ، لعدم انعقاد ظهوره في العموم مع احتفافه بقرينة المورد. فالعمدة في إثبات العموم هو الوجه الثاني أعني تنقيح المناط اللفظي.

(٢) أي : ما يقارب قضية «لا تنقض» في المضمون ، كقوله عليه‌السلام في الروايات الآتية : «فان الشك لا ينقض اليقين» أو «بأن اليقين لا يدفع بالشك»

١٨٥

على غير مورد. بل دعوى (١) أن الظاهر من نفس القضية (٢) هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك (٣) لا لما في المورد من الخصوصية ، وأن (٤) مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك غير بعيدة (*).

______________________________________________________

أو «اليقين لا يدخل فيه الشك».

(١) مبتدأ خبره «غير بعيدة» وهذا هو الوجه الثاني المتقدم بيانه بقولنا : «ثانيهما ...».

(٢) أي : مع الغض عما يتحد معها لفظاً أو يقاربها معنى الوارد في سائر الأخبار.

(٣) يعني : ما في اليقين من الإبرام والاستحكام ، وما في الشك من الوهن ، فلا ينبغي نقض الأمر المبرم بما ليس فيه إبرام ، ومن المعلوم عدم دخل مورد اليقين فيه أصلاً.

(٤) معطوف على «أن مناط» يعني : أن الظاهر من نفس الجملة أن مثل اليقين مما فيه إبرام وإتقان لا ينقض بالشك.

__________________

 (*) وتفصيل الكلام : أن محتملات الصحيحة المباركة كثيرة :

الأول : ما أفاده الشيخ الأعظم من إرادة اليقين بالفراغ بالبناء على الأكثر في الشك في الركعات. وقد تقدم.

ويرد عليه : ما أفاده المحققان العراقي والأصفهاني (قدهما) من مخالفته لظاهر الجملة جداً ، لأن اليقين بالبراءة غير موجود بالفعل ، ضرورة توقف وجوده على الإتيان بالوظيفة المقررة من فعل صلاة الاحتياط مفصولة ، مع ظهور «لا تنقض اليقين بالشك» بل صراحته في اليقين الموجود فعلاً ، ومثله لا يناسب إلّا الاستصحاب خصوصاً بملاحظة ورود هذه الجملة في الأخبار السابقة الظاهرة بل الصريحة في الاستصحاب (١).

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٤٧ ، نهاية الدراية ، ٣ ـ ٤٠ و ٤١

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الثاني : ما أفاده المحدث الفيض الكاشاني (قده) من دلالتها على مجرد حرمة استئناف الصلاة بمجرد الشك بين الثلاث والأربع ووجوب الإتيان بركعة أخرى ، بلا دلالة على كونها مفصولة وموصولة ، فراجع (١).

وحاصله : أن معنى «لا تنقض اليقين» لا تبطل المتيقن وهي الركعات الثلاث بسبب الشك في الرابعة حتى تستأنف الصلاة.

ويرد عليه : مخالفته للظاهر من جهة التفكيك في اليقين والشك بين فقرات الرواية بحمل اليقين على المتيقن وهو الركعات الثلاث المحرزة ، وجعل الشك بمعنى المشكوك تارة وبمعناه الظاهر أخرى في قوله : «ولكنه ينقض الشك باليقين» مضافاً إلى أن سكوت الرواية عن كيفية فعل الركعة الأخرى مع كون السؤال لاستعلام وظيفة الشاك يساوق إهمال جواب السائل ، وهو خلاف ظاهره من قناعة زرارة بما علّمه عليه‌السلام.

الثالث : ما أفاده صاحب الفصول (قده) من أن قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» ظاهر في الاستصحاب ، وسائر الفقرات تبين كيفية الإتيان بالركعة ، قال : «بأن قوله : ولا ينقض اليقين بالشك مسوق لبيان أنه لا ينقض يقينه بعدم فعل الرابعة سابقاً بالشك في فعلها لاحقاً ...».

وهذا وان كان متيناً ، إلّا أن استفادة كيفية الإتيان بركعة الاحتياط توجب ارتكاب خلاف الظاهر ، للزوم حمل اليقين والشك على المتيقن والمشكوك ، وهو بلا ملزم ، لإمكان الأخذ بظاهرهما ، ويكون النهي عن إدخال الشك في اليقين بمعنى حرمة تصرفه فيه ومزاحمته له ، فيكون مفاد هذه الجمل تأكيد الاستصحاب المدلول عليه بالجملة الأولى ، وأما كيفية ركعة الاحتياط فإما أن تستفاد من صدر الصحيحة بقرينة ذكر فاتحة الكتاب ، أو من سائر الروايات كما أفاده المصنف في الحاشية (٢).

لكن الحمل على التأكيد غير ظاهر ، لفرض اجتماع اليقين والشك في

__________________

(١) الوافي ، ج ٢ ، ص ١٤٧

(٢) حاشية الرسائل ، ص ١٨٤

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الاستصحاب بلحاظ تعدد متعلقيهما من حيث الحدوث والبقاء ، وإلّا فامتناع اجتماع الوصفين مع الغض عن تعدد المتعلق في غاية الوضوح. وحيث ان الخلط بين شيئين مترتب على أمرين موجودين بالفعل ، فلا بد أن يكون النهي عن الخلط بالنظر إلى متعلقيهما وهما المشكوك والمتيقن ، ويتم حينئذ كلام الفصول.

الرابع : ما في تقريرات المحقق النائيني (قده) من دلالتها على الاستصحاب كما أفاده الماتن من تقييد إطلاق «لا ينقض اليقين بالشك» المقتضي لفعل ركعة الاحتياط موصولة بما دل على كيفيتها. نعم خالف المصنف فيما استظهره في الحاشية ـ من جعل سائر فقرات الرواية تأييداً وتأكيداً لجملة «لا ينقض» تحفظاً على ظهور اليقين والشك في نفس الوصفين ـ واستفاد الميرزا (قده) منها كيفية الإتيان بركعة الاحتياط ، لا تأكيد الجملة الأولى ، قال مقرر بحثه الشريف : «وقد أشار الإمام عليه‌السلام في الرواية إلى هذا التقييد بقوله عليه‌السلام : «ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» فان المراد بهما عدم وصل الركعة المشكوكة بالركعات المتيقنة ، لأن إدخال المشكوك في المتيقن وخلط أحدهما بالآخر إنما يكون بوصل المشكوك فيه بالمتيقن وعدم الفصل بينهما ، فالإمام عليه‌السلام أراد أن يبين حكم المسألة لزرارة بنحو الكناية والإشارة حتى لا ينافي ذلك التقية منه ، فعبّر صلوات الله عليه أولا بما يكون ظاهراً في الركعة الموصولة ليوافق مذهب العامة ، ثم عقّبه ببيان آخر يستفاد منه الركعة المفصولة على طبق مذهب الخاصة ، فقال عليه‌السلام : «ولا يدخل الشك في اليقين. فظهر أنه لا يلزم في الرواية أزيد من تقييد الإطلاق.

بل يمكن أن يقال : ان هذا أيضا لا يلزم ، فانه لا نسلم أن إطلاق الاستصحاب يقتضي الإتيان بالركعة الموصولة. بل الاستصحاب لا يقتضي أزيد من البناء على عدم الإتيان بالركعة المشكوكة. وأما الوظيفة بعد ذلك ما هي فهي تتبع الجعل الشرعي ، والمفروض أن الوظيفة التي قررها الشارع للشاك في عدد الركعات هي

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الإتيان بالركعة المفصولة ، فان الحكم يتبدل في حق الشاك واقعاً ويكون تكليفه الواقعي عدم وصل الركعة.

فتلخص : أن الرواية لا تقصر عن بقية الروايات في ظهورها في حجية الاستصحاب» (١).

وادعى المحقق العراقي (قده) أيضا هذا الظهور على ما في تقرير بحثه الشريف (٢).

وما أفيد حق ، إلّا أن منع إطلاق الاستصحاب منوط باتصال دليل المقيد ، إذ مع انفصاله ينعقد الظهور الإطلاقي ثم يقيد بدليل منفصل.

الخامس : ما في تقريرات شيخنا المحقق العراقي (قده) من تطبيق الاستصحاب في الرواية على الاشتغال بالتكليف بالصلاة والشك في ارتفاعه بالاكتفاء بالركعة المرددة بين الثالثة والرابعة (٣).

ومحصل ما أفاده يرجع إلى قاعدة الاشتغال التي هي قاعدة عقلية مقتضاها لزوم تحصيل الفراغ اليقيني عما اشتغلت به الذّمّة قطعاً.

لكن الرواية تكون حينئذ إرشاداً إلى تلك القاعدة ، ولا يكون مفادها حكماً تعبدياً كما هو المطلوب ، وليس المورد من الموارد التي يجتمع فيها الحكم العقلي والشرعي المولوي كالظلم والإحسان ونحوهما ، فان الظلم قبيح عقلاً وحرام شرعاً ، والإحسان حسن عقلاً ومستحب أو واجب شرعاً. وذلك لأن حكم العقل في تلك الموارد واقع في سلسلة علل الأحكام ، بخلاف المقام ، فانه واقع في سلسلة معلولاتها ، ضرورة أن قاعدة الاشتغال تقتضي عقلاً لزوم تفريغ الذّمّة عن ثقل التكليف ، وتحصيل المؤمِّن من تبعاته ، فمورد قاعدة الاشتغال مرحلة الامتثال المتأخر عن تشريع الحكم وعلله ، فلا وجه لجريان الاستصحاب في الاشتغال ، لعدم قابليته للتعبد أولا ، بل وكذا مع فرض قابليته له أيضا ، للزوم إحراز ما هو محرز وجداناً بالتعبد ثانياً ، بل لا معنى لإرشاديته أيضا مع إحرازه الوجداني.

__________________

(١) فوائد الأصول ، ٤ ـ ١٣١

(٢) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٥٨

(٣) المصدر ، ص ٦٢

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فالمتحصل : أن إرادة اليقين بالتكليف تنطبق على قاعدة الاشتغال دون الاستصحاب الّذي هو المقصود.

السادس : ما اختاره المصنف (قده) في المتن والحاشية ، وبتسليم الإطلاق في الاستصحاب يندفع عنه بعض ما يرد على التقاريب الأخرى للاستصحاب من منافاة الإتيان بالركعة المفصولة لحقيقته لا لإطلاقه. ولكن مع ذلك يتوجه على مختاره (قده) جملة من المناقشات.

الأولى : ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) في الإشكال على دلالة موثقة عمار على الاستصحاب بقوله : «ومما ذكر يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إذا شككت فابن علي اليقين ، قلت : هذا أصل؟ قال : نعم ، فان جعل البناء على الأقل أصلا ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الأخبار مثل قوله عليه‌السلام : أجمع لك السهو كله في كلمتين متى ما شككت فابن علي الأكثر ...» وحاصله منافاة اليقين بالبراءة لليقين الاستصحابي.

لكنه لا يخلو من غموض ، فان الاستصحاب وان كان مقتضياً للبناء على الأقل ، إلّا أنه لا ينافي التعبد بالبناء على الأكثر الوارد في كثير من الأخبار ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك إلّا التشهد والتسليم في ما بيده ، وأما فعل ركعة الاحتياط مفصولة فهو مدلول جملة أخرى تالية للأمر بالبناء على الأكثر ، كقوله عليه‌السلام في رواية عمار المتقدمة في كلام الشيخ : «متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلمت فأتمّ ما ظننت أنك نقصت» (١) فالإتيان بركعة مفصولة ليس مدلولا للأمر بالبناء على الأكثر حتى يكون معارضاً لما يدل على البناء على الأقل. وعليه فلا فرق في لزوم الإتيان بركعة أخرى بين البناء على الأقل والبناء على الأكثر من حيث لزوم الإتيان بذوات الركعات المشكوكة ، وأما كيفية إتيانها فهي تستفاد من جملة أخرى.

نعم لو كان في البين مجرد الأمر بالبناء على الأكثر بلا بيان للكيفية تمّ ما

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل ، ص ٣١٧

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أفاده الشيخ من امتناع التعبد بالمتنافيين وهما الأقل والأكثر ، لكن بعد ملاحظة شتات الروايات الآمرة بالبناء على الأكثر لم أظفر على رواية واحدة فاقدة لكيفية الإتيان بها ، فلاحظ باب ٨ و ١٠ و ١١ و ١٣ من أبواب الخلل من الوسائل.

والحاصل : أن وجوب الإتيان بركعة أخرى أو أزيد مما يقتضيه البناء على الأقل أيضا ، وأما كيفية الإتيان بها والتشهد والتسليم على الركعة المرددة فانما هو مدلول جملة أخرى ، وعليه فلا يكون التعبد بعدم إتيان الرابعة مخالفاً لما استقر عليه المذهب.

الثانية : ما أورده شيخنا المحقق العراقي (قده) على جريان الاستصحاب في الشك في الركعات ولو لم تكن أدلة خاصة بالبناء على الأكثر ، وذلك لإشكال الإثبات «لأن وجوب التشهد والتسليم على ما يستفاد من الأدلة مترتب على رابعية الركعة بما هي مفاد كان الناقصة ، لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة ، وباستصحاب عدم الإتيان بالرابعة أو عدم وجودها بمفاد ليس التامة لا يثبت اتصاف الركعة المأتية بعد ذلك بكونها رابعة ، فكان المقام نظير استصحاب عدم وجود الكر غير المثبت لكرية الموجود» (١).

ونوقش فيه تارة بعدم الدليل على وجوب إيقاع التسليم في آخر الركعة الرابعة بعنوانه ، وإنما اللازم رعاية الترتيب بين الأجزاء ، فإذا سلّم بعد الإتيان بالركعة المشكوكة حصل الترتيب ، لوقوعه بعد الرابعة ، غايته أنه لا يعلم كون الرابعة هذه أو سابقتها. وأخرى بإمكان إثبات كون المصلي في الرابعة بالاستصحاب أيضا ، لعلمه بأنه دخل فيها إما في الركعة السابقة أو في ركعة الاحتياط ، ويشك في خروجه عنها ، فيستصحب بقاؤها ، ويترتب عليه وقوع التشهد والتسليم في الرابعة (٢).

أقول : بناءً على صحة المبنى فقهياً من اشتراط وقوع التشهد والتسليم في

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٦٠

(٢) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٦٢

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الركعة الرابعة بمفاد كان الناقصة لا على وجودها بمفاد كان التامة لا يجدي استصحاب عدم وجود الرابعة ، لقصوره عن إثبات اتصاف المأتي بها بعنوان الرابعة ، إلّا على القول بالأصل المثبت.

ومنه يعلم الخدشة في استصحاب بقاء الرابعة وعدم الخروج عنها ، فان اليقين بالدخول في الرابعة والشك في الخروج عنها وان كان متحققاً بمفاد كان التامة ، لكن لا يثبت به رابعية ما بيده من الركعة حتى يحرز حين التشهد والتسليم وقوعهما في الرابعة ، بل بعد التسليم في ركعة الاحتياط يحصل له العلم بوقوعهما في الرابعة فانه نظير استصحاب وجود كر من الماء في الدار لإثبات كرّية الموجود.

فلعل الأولى في عدم مساعدة شيخنا المحقق العراقي (قده) على تقدير اعتبار التقييد ـ كما أنه ليس ببعيد ، لانفهامه من النص الدال على كون التسليم آخر الصلاة إذ المراد بآخرها هي الركعة الأخيرة سواء أكانت رابعة أم غيرها ، فلا بد في وقوع التسليم في محله من إحراز الرابعية إذا كانت هي الأخيرة أو غيرها إذا كانت الأخيرة هي الثالثة مثلاً. وكذا يمكن استظهار اعتبار إحراز عنوان الأولية والثانوية في ركعات الصلوات اليومية من النصوص الواردة في استحباب خصوص بعض السور في الأوليين منها ، فانه لا بد في قراءة تلك السور من إحراز أولية الركعة وثانويتها ، فراجع أبواب القراءة من الوسائل ـ أن يقال : ان الظاهر اختصاص اعتبار التقييد بحافظ العدد ، ولذا لو سَلّم غافلاً عن عنوان هذه الركعة والتفت بعد التسليم إلى كونها هي الرابعة مثلاً صحت صلاته.

وكذا الحال في صورة الشك ، لأن ما دل على البناء على الأكثر وفعل صلاة الاحتياط مفصولة يدل التزاماً على إلغاء اعتبار إحراز عنوان الرابعة حين وقوع التشهد والتسليم بالنسبة إلى الشاك.

فالنتيجة : أن استصحاب عدم الرابعة لا يكون مثبتاً ، فيجري كما أفاده بعض الأعاظم.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الثالثة : ما أفاده المحقق العراقي (قده) أيضا من انتفاء أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء ، ولذا التزم (قده) بكون عدم جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة على القاعدة ولو لم تكن أدلة خاصة توجب البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة ، فليس عدم جريان الاستصحاب فيها لأجل تلك الأدلة.

وكيف كان ، فوجه اختلال الشك في البقاء على ما في تقرير بحثه الشريف هو ما أفاده المقرر بقوله : «فان الّذي تعلق به اليقين والشك إنما هو عنوان الرابعة المرددة بين الشخصين ، إذ هو قبل الشروع فيما بيده من الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يقطع بعدم وجود الرابعة ، وبعد الشروع في أحد طرفي المعلوم بالإجمال أعني الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة يشك في تحقق الرابعة ، ولكنه بهذا العنوان ليس له أثر شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب ، إذ الأثر إنما يكون لواقع ما هو الرابعة الّذي ينتزع عنه هذا العنوان ، وهو الشخص الواقعي الدائر أمره بين ما هو معلوم الوجود وما هو معلوم العدم ، ومثله مما لا شك فيه أصلاً ، إذ هو على تقدير كونه ما بيده من الركعة يقطع بوجوده ، وعلى تقدير كونه غيره الّذي أفاد الإمام عليه‌السلام بالقيام إليه يقطع بعدم وجوده. فعلى التقديرين لا شك فيه حتى يجري فيه الاستصحاب. وبهذه الجهة أيضا منعنا عن الاستصحاب في الفرد المردد بلحاظ انتفاء الشك فيه ، لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع» (١).

أقول : قد عرفت أن للشك في الركعات موضوعية ، فهو كما يوجب تبدل حكم الاتصال بالانفصال ، كذلك ينفي شرطية إحراز عنوان رابعية الركعة ، لامتناعه مع الشك ، إذ بقاء شرطيته حتى مع الشك يوجب بطلان الصلاة ولزوم استئنافها ، لأنه مقتضى الشرطية المطلقة. وكذلك تنفي موضوعية الشك. ويظهر من عدم شرطية إحراز عنوان الرابعية أن المستصحب عدم ذات الرابعة ، وهو

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٦٠

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

متعلق الشك أيضا ، ولا مانع من استصحابه إلى أن يؤتى بصلاة الاحتياط ، والركعة المشكوكة توجب الشك في انتقاض عدم ذات الرابعة بها كسائر موارد الشك في رافعية الموجود ، كما إذا شك في رافعية الرعاف للوضوء مثلاً ، فهل يصح منع استصحاب الوضوء ، بدعوى أنه بناءً على الرافعية نقطع بارتفاع الوضوء ، وبناءً على عدمها نقطع ببقائه؟

وعليه فلا يختل الشك الّذي هو ركن الاستصحاب ، فان متعلق اليقين والشك هو عدم ذات الركعة ، والأثر الشرعي في الشك في الركعات مترتب على وجود ذاتها بمفاد كان التامة. ولا يحرز هذا الوجود الطارد لذلك العدم إلّا بعد تحقق الركعة مفصولة. فلا يقاس المقام باستصحاب الفرد المردد ، لتردد نفس المستصحب هناك بين ما هو مقطوع البقاء ، وما معلوم الارتفاع. مضافاً إلى عدم تمامية ما أفيد في الفرد المردد كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

الرابعة : ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) وبيانه : أنه بناءً على كون صلاة الاحتياط صلاةً مستقلةً جابرةً للمصلحة الفائتة على تقدير النقص ، ونافلةً على تقدير التمامية ـ كما هو صريح جملة من الأخبار ـ يشكل جريان الاستصحاب ، لاقتضاء التعبد بعدم فعل الرابعة للتعبد ببقاء وجوبها الضمني المتعلق بها ، ووجوب الإتيان بها موصولة بالنحو الّذي تعلق به اليقين ، ولا يثبت بهذا الاستصحاب وجوب ركعة مفصولة ، لكونها ذات أمر مستقل حسب الفرض.

ودعوى إجراء الاستصحاب بلحاظ التعبد بجزء موضوع وجوب صلاة الاحتياط ، لأن موضوعه «الشاك غير الآتي بالرابعة» وهو شاك وجداناً وغير آتٍ بالرابعة تعبداً (ممنوعة) أولا : بأن تمام الموضوع في الأخبار هو الشاك بين الثلاث والأربع بلا تقييده بعدم الإتيان بالرابعة ، فلا مجال للاستصحاب.

وثانياً : باستحالة هذا التقييد في نفسه ، للزوم لغوية تشريع صلاة الاحتياط ، لوضوح أن حقيقة التكليف الّذي هو الإنشاء بداعي جعل الداعي بالإمكان منوطة بفعليته

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المتوقفة على وصوله والعلم بموضوعه ، إذ مع الجهل بالموضوع يمتنع الدعوة والتحريك.

وعليه فان علم المكلف بعدم الإتيان بالرابعة انتفى إيجاب ركعة الاحتياط بانتفاء موضوعه. وان لم يعلم به امتنع فعلية وجوب الركعة ، لما عرفت من توقف فعليته على وصول موضوعه أعني عدم الإتيان بالرابعة ، ومن المعلوم امتناع جعل الحكم الّذي لا يبلغ مرتبة الفعلية أصلاً ، فلا مناص من كون تمام الموضوع لإيجاب الركعة نفس الشك بلا تقيده بعدم الإتيان كي يجري الأصل لإحرازه ، لأن التعبد الظاهري بشيء فرع معقولية التكليف الواقعي به حتى يتحقق احتماله باحتمال ثبوت موضوعه واقعاً ، وحيث إنه ممتنع فلا معنى للتعبد (١).

لكنه لا يخلو من غموض ، حيث ان الظاهر جريان استصحاب عدم الإتيان بالرابعة بلا إشكال ، ضرورة أن موضوع وجوب صلاة الاحتياط في الشكوك الصحيحة في الركعات سواء أكان الشك بين الثلاث والأربع أم غيرهما هو الشك في وجود الركعة المشكوك فيها المحكوم بعدمه للاستصحاب ، إذ مع عدم جريانه تقتضي قاعدة الاشتغال بطلان الصلاة ووجوب استئنافها بنفس الشك ، كالشك في الأوليين وفيما إذا لم يدر كَم صلّى ، لأن الشك يمنع عن العلم ببراءة الذّمّة. وأما مع جريان الاستصحاب المثبِت لأحد طرفي الشك ـ وهو عدم الإتيان ـ والعمل بما يقتضيه النص الخاصّ تصح الصلاة ويثبت براءة الذّمّة عنها.

وما دلّ على متممية صلاة الاحتياط على تقدير النقصان يدل على أن احتمال النقصان المؤيّد بالحجة وهي الاستصحاب أوجب تداركه بصلاة الاحتياط مستقلة التي دل عليها دليل خاص بحيث لو لم يكن ذلك النص لكان نفس الاستصحاب موجباً لتدارك النقيصة مع لزوم فعلها موصولة. إلّا أن الشك في الركعات أوجب انقلاب الحكم بالاتصال إلى الحكم بالانفصال ، وهو لا ينافي استصحاب عدم الإتيان كما

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٤٠

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

تقدم في بعض التعاليق.

وبالجملة : فاستصحاب عدم الإتيان أوجب الاحتياط لا نفس الشك ، ولذا لا تجب صلاة الاحتياط بالشك في النقصان فيما لا يجري فيه الاستصحاب كالشك في الركعات بعد التسليم لقاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب مع وجود نفس الشك في تحقق الركعة ، لكنه لعدم جريان استصحاب عدمها فيه لا تجب صلاة الاحتياط.

والإشكال على الاستصحاب بما أفاده من الوجهين المزبورين غير ظاهر. إذ في أولهما : ما تقدم من دخل عدم الإتيان الثابت بالاستصحاب في موضوع وجوب صلاة الاحتياط ، وعدم كون مجرد الشك تمام الموضوع لوجوبها ، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في جزء موضوع الحكم.

وفي ثانيهما ـ وهو استحالة التقييد بعدم الإتيان في نفسه لأجل عدم فعلية الحكم أصلاً ، حيث إنه مع العلم بعدم الإتيان بالركعة المشكوكة لا تشرع صلاة الاحتياط للزوم الإتيان بها موصولة ، والمفروض أن الاستصحاب يقوم مقام القطع بعدم الإتيان ، ومع عدم مشروعية وجوب صلاة الاحتياط في ظرف العلم كيف يقوم الاستصحاب مقامه ويثبت به وجوبها؟ ـ أن الاستصحاب يقوم مقام العلم في إثبات أصل عدم الإتيان ، وأما كيفية العمل المترتب عليه فهي مما يقتضيه النص الخاصّ الدال على موضوعية الشك في الركعات وانقلاب حكم تدارك النقيصة المشكوكة من الاتصال إلى الانفصال ، ولذا لا تجب إعادة الصلاة مع حصول العلم بالنقيصة بعد صلاة الاحتياط.

وبالجملة : فالاستصحاب ينزِّل الشك في إتيان الركعة منزلةَ القطع بعدمه في لزوم التدارك ، دون كيفيته المدلول عليها بدليل آخر حتى يقال بامتناع التعبد الظاهري لعدم معقولية التكليف الواقعي ، فوجوب صلاة الاحتياط بمجرد الشك المقرون بعدم الإتيان للاستصحاب فعليّ ، لفعلية موضوعه وهو الشك.

الخامسة : ما أورده بعض أعاظم العصر (مد ظله) من أن التنافي بين الصحيحة

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

للإتيان بركعة الاحتياط موصولة وروايات صلاة الاحتياط ليس بالإطلاق والتقييد كي يجمع بينهما بذلك ، بل بالتباين ، فالأخذ بالصحيحة يستلزم رفع اليد عن الروايات الأخر التي عليها اعتماد المذهب (١).

ويتجه عليه أولا : ما تقدم من إمكان انعقاد الظهور الإطلاقي المقتضي للإتيان بالمشكوكة موصولة ، وهو قابل للتقييد بروايات صلاة الاحتياط ، فالتعارض ليس بالتباين.

وثانياً : منافاة دعوى التعارض التبايني لِما أفاده عقيب هذا بأسطر من صحة التمسك بالاستصحاب لتحقيق موضوع وجوب صلاة الاحتياط أعني الشاك غير الآتي بالركعة الرابعة ، وأخبار صلاة الاحتياط حاكمة على الأدلة الأولية الدالة على وجوب الإتيان بها موصولة. ومن المعلوم أن هذه الصحيحة لو اقتضت بنفسها الإتيان بالرابعة موصولة كانت منافية لِما دل على إتيانها مفصولة ، وكيف تتجه حكومة أحد المتعارضين بالتباين على الآخر؟ ولا سبيل لتصحيحها إلّا الالتزام بإطلاق الاستصحاب القابل للتقييد.

ومع إنكار الإطلاق وعدم دلالة الصحيحة إلّا على اقتضاء الاستصحاب لعدم الإتيان بالركعة من دون تعرض لبيان الوظيفة تُقدّم أخبار صلاة الاحتياط على الصحيحة أيضا ، لدلالتها على الوظيفة وكيفية جبر النقيصة ، ومن المعلوم تقدم المبيّن على المجمل ، لكونه بياناً له. وعليه فلا تنافي بين الصحيحة وأخبار صلاة الاحتياط ، لتوقف التنافي التبايني بينهما على دلالة الصحيحة على الإتيان بالركعة موصولة ، والمفروض عدم دلالتها على ذلك.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور : الأول : تركب موضوع وجوب صلاة الاحتياط من الشك وعدم الإتيان بالمشكوك فيه للاستصحاب.

الثاني : موضوعية الشك لانقلاب الحكم من فعل النقيصة موصولة إلى الإتيان

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ٦٣

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بها مفصولة بالنص الخاصّ سواء أكان أمرها نفس الأمر الضمني أم الاستقلالي ، فان الشك أوجب الانفصال والاجتزاء بصلاة الاحتياط بهذا النص ، لا بالاستصحاب حتى يقال : انه لا يثبت وجوب ركعة مفصولة.

الثالث : عدم لزوم لغوية تشريع وجوب صلاة الاحتياط ، لما مر آنفاً من فعليته بمجرد تحقق موضوعه وهو الشك وعدم الإتيان بالركعة المشكوكة بالاستصحاب الّذي قد عرفت عدم مانع من جريانه ، لعدم لزوم محذور ثبوتي ولا إثباتي من تركب الموضوع من الشك وعدم الإتيان بالرابعة تعبداً ، وليس موضوعه العلم بعدم الإتيان بالرابعة حتى يقال بلزوم لغوية تشريع حكم لا يبلغ مرتبة الفعلية أصلاً.

الرابع : أنه لا فرق في حكم صلاة الاحتياط بين كونها متممة لنفس الصلاة أو لملاكها ، فان المتبع في مقام الإثبات هو النص الدال على لزوم الإتيان بها بداعي أمرها سواء أكان ذلك الأمر واقعاً هو الأمر الضمني أم غيره.

الخامس : أن الاستدلال بهذه الصحيحة على الاستصحاب في محله ، ولا يرد عليه شيء من الإشكالات المذكورة في كلمات الأعلام الذين أزاحوا عنّا الشبهات والأوهام وأضاءوا بتحقيقاتهم قلوب ذوي الأفهام.

وقد ظهر مما ذكرنا صحة الاستدلال برواية إسحاق بن عمار «قال لي أبو الحسن الأول عليه‌السلام : إذا شككت فابن علي اليقين ، قال : قلت : هذا أصل؟ قال نعم» (١). فان الأمر بالبناء على اليقين ظاهر في وجوده فعلاً في زمان الشك لا اليقين المعدوم كي يحتمل انطباقه على قاعدة اليقين. كما أن حملها على تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر لا يخلو من تعسف ، ضرورة أن ذلك اليقين مما يجب تحصيله بفعل ركعة الاحتياط وليس موجوداً بالفعل حتى يبنى عليه ، ولا معنى للأمر بالبناء على شيء معدوم سيوجد فيما بعد.

وإشكال الشيخ الأعظم عليه تارة بمنافاة البناء على الأقل ـ الّذي هو مقتضى الاستصحاب ـ للبناء على الأكثر الّذي عليه المذهب. وأخرى «بعدم الدلالة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٨ من أبواب الخلل ، الحديث : ٢ ، ٣١٨

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

على إرادة اليقين السابق ولا المتيقن السابق على المشكوك اللاحق» غير ظاهر. أما الأول فبما تقدم في الجواب عن أول الإشكالات الواردة على مختار المصنف ، فلاحظ. مضافاً إلى عدم القرينة ـ كسبق السؤال ونحوه ـ على صدور كلامه عليه‌السلام في مورد الشك في الركعات ، وأصالة الإطلاق تدفع احتمال الاختصاص به.

وأما الثاني فبأن الأمر بالبناء على اليقين في ظرف الشك دليل على فعلية اليقين ، وهو يقتضي سبق المتيقن على المشكوك ، ولا يعتبر سبق نفس اليقين على الشك ، فلو حصلا في آنٍ واحد وتعلق أحدهما بالحدوث والآخر بالبقاء جرى الاستصحاب. وعليه فالدلالة تامة.

وأما السند فقد عبّروا عنها بالموثقة ، وهو كذلك ان كان علي بن إسماعيل الّذي وقع في طريق الصدوق إلى إسحاق هو الميثمي ، فانه «من وجوه المتكلمين من أصحابنا» كما في رجال النجاشي. لكن استظهر بعض أعاظم العصر أنه في هذا الطريق علي بن إسماعيل بن عيسى بقرينة رواية عبد الله بن جعفر الحميري الّذي روى عن علي في طريق الصدوق إلى زرارة ، وروايته عن حماد بن عيسى في طريقه إلى زرارة وحريز. وعليه ينصرف علي بن إسماعيل في هذه الطبقة إلى ابن عيسى (١). وأما توثيق ابن عيسى فيكفي فيه كونه من رجال كامل الزيارات. فان تم الأمران أمكن توصيف رواية إسحاق هنا بالموثقة ، وإلّا فلا.

هذا كله مع أن الرواية في الفقيه هكذا : «وروي عن إسحاق» (٢) ويحتمل عدم شمول طريق الصدوق إلى إسحاق المذكور في المشيخة لمثل هذه الرواية ، فهي لا تخلو من شبهة الإرسال. لكنه ضعيف ، ولذا عبر صاحب الوسائل عنه «بإسناده» فتأمل.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ، ج ١١ ، ص ٢٧٦ طبع بيروت

(٢) الفقيه ، ج ١ ، كتاب الصلاة ، الحديث : ١٠٢٥ ، ص ٣٥١ ، طبع مكتبة الصدوق

١٩٩

ومنها (١) قوله : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فان الشك لا ينقض اليقين ، أو بأن اليقين لا يدفع بالشك».

______________________________________________________

(الخبر الرابع : رواية الخصال)

(١) أي : ومن الأخبار المستدل بها على الاستصحاب قوله عليه‌السلام ... إلخ ، وهذه الرواية اشتهرت برواية الخصال ، لكن المصنف (قده) لم ينقلها بألفاظها ، فان المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين روايتان إحداهما في الخصال في حديث الأربعمائة هكذا : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فان الشك لا ينقض اليقين» (١) وثانيتهما في إرشاد الشيخ المفيد على ما نقله العلامة المجلسي عنه في كتاب العلم ، هكذا : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك» (٢) ونقل صاحب الوسائل رواية الخصال وفيها «ثم شك» (٣) والظاهر أنه سهو ، ولعله ظفر بنسخة من الخصال وفيها «ثم» بدل الفاء. وعليه فاللفظ المذكور في المتن لا يوافق شيئاً من الروايتين ، فهو (قده) خلط بينهما ، ولعله حسب أنهما رواية واحدة منقولة بلفظين.

وكيف كان فالبحث في هذه الرواية يقع في جهتين : الأولى في السند والثانية في الدلالة. أما الجهة الأولى فهي : أن طريق المفيد إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه غير معلوم ، لعدم حضور الإرشاد حتى أراجعه. وأما طريق الصدوق في الخصال فهو هكذا : «حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : حدثني أبي ...

__________________

(١) الخصال ، باب الواحد إلى المائة ، الحديث : ١٠ ، ص ٦١٩ طبع مكتبة الصدوق

(٢) بحار الأنوار ، ج ٢ ، باب ٣٢ من كتاب العلم ، الحديث : ٢ ، ص ٢٧٢

(٣) الوسائل ، ج ١ ، الباب ١٠ من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث : ٦ ، ص ١٧٦

٢٠٠