منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

عليها ، لعدم (١) إحرازها حقيقة (٢) ولا تعبدا ، ولا يكون (٣) تنزيله بلحاظه ، بخلاف (٤) ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ (٥) ما يعم آثارها ،

______________________________________________________

اللوازم منزلة الحياة المعلومة». وضمير «مفادها» راجع إلى «الأخبار» وضمير «هو» إلى «مفادها» وضميرا «نفسه ، عليه» راجعان إلى «الشيء» الّذي يراد به المستصحب ، وضمير «عليها» إلى الواسطة ، والمراد بـ «ما» الموصول في «ما كان» الآثار الشرعية المترتبة على الواسطة.

(١) تعليل لقوله : «لم يترتب» وحاصله : أن وجه عدم ترتب أثر الواسطة على استصحاب ذي الواسطة فيما إذا كان مفاد الأخبار تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه هو عدم إحراز الواسطة التي هي موضوع حكمها لا وجدانا كما هو واضح ولا تعبدا ، إذ المفروض اختصاص التعبد والتنزيل الاستصحابي بذي الواسطة ، فلا وجه أصلا لترتيب حكم الواسطة باستصحاب ذيها.

(٢) أي : وجدانا ، وعدم إحراز الواسطة وجدانا واضح كما مر ، وكذا عدم إحرازها تعبدا ، لما عرفت من اختصاص التنزيل بذي الواسطة وعدم شموله للواسطة.

(٣) معطوف على «عدم» ومتمم لعلة عدم ترتب أثر الواسطة على استصحاب ذيها ، يعني : أن علة عدم ترتب أثرها على استصحاب ذي الواسطة هي عدم إحراز الواسطة ، وعدم كون تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق آثاره وإن كانت مع الواسطة ، إذ مع وجود أحد هذين الأمرين يترتب أثر الواسطة على استصحاب ذيها. كما تقدم سابقا ، وحق العبارة أن تكون هكذا : «ولعدم كون تنزيله بلحاظه» وضمير «تنزيله» راجع إلى «الشيء» وضمير «بلحاظه» إلى «ما» الموصول المراد به أثر الواسطة.

(٤) يعني : بخلاف ما لو كان تنزيل الشيء مع لوازمه كما هو مقتضى الاحتمال الثالث.

(٥) معطوف على «بلوازمه» يعني : بخلاف ما لو كان تنزيل الشيء بلحاظ مطلق آثاره كما هو مقتضى الاحتمال الثاني ، وحاصله : أن التنزيل إذا كان بأحد

٥٢١

فانه (١) يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها.

والتحقيق (٢) أن الأخبار إنما تدل على التعبد

______________________________________________________

هذين النحوين ترتب على المستصحب آثار لوازمه كما مر تفصيله ، وضمير «آثارها» راجع إلى «الواسطة».

(١) هذا متفرع على هذين الاحتمالين اللذين أشار إليهما بقوله : «بخلاف ما لو كان تنزيله بلوازمه ... إلخ» ضرورة أن لازمهما ترتب أحكام الواسطة باستصحاب ذيها كما مر تفصيله آنفا. وضمير «فانه» للشأن» ، وضمير «باستصحابه» راجع إلى الشيء ، و «ما» الموصول فاعل «يترتب» وضمير «بوساطتها» راجع إلى «الواسطة» يعني : فانه يترتب بسبب استصحاب الشيء أحكامه الثابتة له بوساطة الواسطة العقلية أو العادية. هذا تمام الكلام في المقام الأول المتكفل لحال الثبوت وبيان الوجوه المحتملة في أخبار الاستصحاب. وأما المقام الثاني فسيأتي.

(٢) هذا شروع في المقام الثاني وهو بيان أحد المعاني المذكورة بحيث يكون هو المدار في مقام الاستدلال ، وإجماله : تعيّن الاحتمال الأول ، وهو كون التنزيل بلحاظ أثر نفس المتيقن بلا واسطة. وتفصيله منوط ببيان أمور :

الأول : أنه قد تقدم كون مفاد «لا تنقض» جعل حكم مماثل للمستصحب أو لحكمه ، لا جعل حكم لغير المستصحب من اللوازم العقلية والعادية ، وذلك لأن اليقين في باب الاستصحاب طريقي ، فالتعبد الاستصحابي لا بد أن يتعلق بما تعلق به اليقين ، فإذا كانت الحياة مثلا متيقنة سابقا ، وشك في بقائها كان مورد التعبد لا محالة نفس الحياة ، لأن اليقين تعلق بها لا بغيرها من لوازمها.

فالنتيجة : أنه لا يترتب على استصحاب الحياة إلّا أحكام نفسها ، دون آثار لوازمها التي لم يتعلق بها يقين وشك.

الثاني : أن لوازم المستصحب على قسمين : أحدهما : أن تكون لازمة له حدوثا وبقاء كضوء الشمس ، والآخر : أن تكون لازمة له بقاء فقط كنبات اللحية ، ومحل الكلام هو القسم الثاني ، إذ لا أثر للقسم الأول بعد كونه بنفسه مجرى

٥٢٢

بما كان (١) على يقين منه فشك بلحاظ (٢) ما لنفسه من آثاره وأحكامه ،

______________________________________________________

الاستصحاب ، لتعلق اليقين والشك به كملزومه.

الثالث : أن شرط التمسك بإطلاق الدليل أن لا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب ، إذ الإطلاق منوط بعدم البيان ، ومن المعلوم أنه صالح للبيانية كما ثبت في محله ، فلا ينعقد معه إطلاق الدليل.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنه لا مجال لاستظهار الاحتمالين الأخيرين ، لأن جواز الأخذ بهما منوط بإطلاق دليل التنزيل حتى يكون ناظرا إلى التعبد بالملزوم واللوازم معا كما هو مقتضى الاحتمال الثاني ، أو إلى لحاظ مطلق الأثر ولو كان أثر الواسطة كما هو مقتضى الاحتمال الثالث. وقد عرفت توقف الإطلاق على عدم البيان الّذي ينتقض بالقدر المتيقن التخاطبي ، لصلاحيته للبيانية. وهذا موجود فيما نحن فيه لأن المتيقن من «لا تنقض اليقين بالشك» بعد وضوح طريقية اليقين وعدم موضوعيته هو عدم نقض ما تعلق به اليقين أعني به نفس الملزوم كحياة الغائب دون لوازمه المترتبة على بقائه كنبات اللحية ، إذ ليست نفس اللوازم متعلقة لليقين حتى يجري فيها الاستصحاب كي يثبت به آثارها الشرعية. كما أن مطلق الآثار الشرعية ولو مع الواسطة ليس ملحوظا في استصحاب الملزوم حتى يترتب باستصحابه تلك الآثار ، لتوقف هذا اللحاظ على الإطلاق الّذي عرفت عدم تماميته ، لوجود القدر المتيقن.

فالنتيجة : قصور أخبار الاستصحاب عن إثبات حجية الأصل المثبت ، وأن المتعين من الاحتمالات الثلاثة المذكورة فيها هو الاحتمال الأول الّذي مقتضاه عدم اعتبار الاستصحاب المثبت.

(١) أي : بالمتيقن ، لأن اليقين طريق إليه بالخصوص ، فان اليقين بالحياة لم يتعلق بلازمها كالنبات ، والاستصحاب لا يجري إلّا فيما تعلق به اليقين وهو الحياة ، فلا بد أن يكون التعبد بأثر نفس المتيقن أيضا ، لأنه المتيقن والمشكوك دون غيره.

(٢) متعلق بـ «التعبد» و «من آثاره» بيان لـ «ما» الموصول ، وقد عرفت

٥٢٣

ولا دلالة لها (١) بوجه (٢) على تنزيله (٣) بلوازمه التي لا تكون كذلك (٤) كما هي (٥) محل ثمرة الخلاف ، ولا على تنزيله (٦) بلحاظ ما له مطلقا

______________________________________________________

آنفا أن التعبد بآثار نفس المتيقن انما هو لتيقنه في مقام التخاطب ، وضمائر «منه لنفسه ، آثاره ، أحكامه» راجعة إلى الموصول.

(١) أي : للأخبار. وجه عدم دلالتها على تنزيل المستصحب مع لوازمه أو تنزيله بلحاظ مطلق آثاره ولو مع الواسطة ـ حتى يكون الاستصحاب المثبت حجة بلحاظ هذين الوجهين اللذين تقدما في المقام الأول أعني به مرحلة الثبوت ـ هو ما مر من وجود القدر المتيقن المانع عن انعقاد الإطلاق للأخبار.

(٢) يعني : لا صراحة كما هو واضح ، ولا ظهورا إطلاقيا ، لما عرفت من وجود القدر المتيقن التخاطبي.

(٣) أي : تنزيل ما كان على يقين منه وهو المتيقن مع لوازمه التي لا تكون متيقنة سابقا ولم يكن المكلف على يقين منها. وبهذا أشار إلى أمرين : أحدهما منع الاحتمال الأول وهو تنزيل المتيقن مع لوازمه. وثانيهما : تعيين اللوازم التي تكون محل البحث في الأصل المثبت ، وهي ما تترتب على المستصحب بقاء فقط. وقد تقدم توضيحه في الأمر الثاني في توضيح قوله : «والتحقيق أن الأخبار ...».

(٤) أي : متيقنة سابقا ، إذ لو كانت كذلك لجرى الاستصحاب في نفسها ، لاجتماع ركني الاستصحاب من اليقين والشك فيها.

(٥) أي : اللوازم التي ليس المكلف على يقين منها محل ثمرة الخلاف في الأصل المثبت ، دون مطلق اللوازم ولو كانت مترتبة على الحدوث والبقاء ، لما عرفت من أنها بنفسها كملزوماتها مورد الاستصحاب ، فهنا استصحابان.

(٦) معطوف على «تنزيله» يعني : ولا دلالة للأخبار على تنزيل المستصحب مع لوازمه بحيث تكون نفس اللوازم أيضا موردا للاستصحاب ، ولا على تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق آثاره ولو مع الواسطة ، إذ لو كانت للأخبار دلالة على التنزيل بأحد هذين الوجهين كان الاستصحاب المثبت حجة. لكن تسميته بالأصل

٥٢٤

ولو (١) بالواسطة ، فان (٢) المتيقن إنما هو لحاظ آثار نفسه (*) وأما

______________________________________________________

المثبت بناء على جريان الاستصحاب في نفس اللوازم كجريانه في الملزومات كما هو مقتضى الوجه الأول أعني به قوله : «على تنزيله بلوازمه التي لا تكون كذلك» لا تخلو من المسامحة ، وضميرا «تنزيله ، له» راجعان إلى «الشيء».

(١) بيان للإطلاق ، والمراد بالواسطة هي العقلية والعادية ، وهذا إشارة إلى منع الاحتمال الثاني.

(٢) هذا تعليل لقوله : «ولا دلالة لها بوجه» وقد اتضح مما مر ، وحاصله : أنه لا إطلاق في الأخبار حتى تدل على أحد هذين التنزيلين اللذين بني عليهما الاستصحاب المثبت. وذلك لما عرفت من أن المتيقن في مقام التخاطب ـ وهو تنزيل المتيقن بلحاظ آثار نفسه لا آثاره مطلقا ولو مع الواسطة ـ مانع عن انعقاد الإطلاق في الأخبار ، فلا سبيل إلى استظهار أحد هذين التنزيلين المبني عليهما اعتبار الاستصحاب المثبت ، لابتنائه على إطلاقها المسدود بابه. وضميرا «نفسه ، لوازمه راجعان إلى «ما كان على يقين منه» وهو الشيء المتيقن المستصحب.

__________________

 (*) لا يخفى أن المصنف (قده) في حاشية الرسائل منع الإطلاق أيضا بالقدر المتيقن في مقام التخاطب (١). لكن المنع به منوط بصلاحيته لذلك ، وهو غير ظاهر كما سيظهر وجهه إن شاء الله تعالى. وقد ذهب شيخنا المحقق العراقي (قده) إلى انصراف الإطلاق إلى خصوص الآثار المترتبة على المستصحب بلا واسطة وإن كان للشارع جعل مطلق ما يترتب على المستصحب من الآثار الشرعية أعم من كونها بلا واسطة أو معها (٢).

ولعل الأولى في منع الإطلاق أن يقال : ان الإطلاق منوط بصدق اللفظ بمعونة مقدمات الحكمة على مصاديقه حقيقة ثم دعوى انصرافه عنه من جهة التشكيك في الصدق وأنس الذهن ، كصحة إطلاق «ما لا يؤكل» على الإنسان حقيقة وانصرافه عنه.

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢١١

(٢) نهاية الأفكار ٤ ـ ١٧٨

٥٢٥

آثار لوازمه فلا (١) دلالة هناك على لحاظها

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة القدر المتيقن ، يعنى : بعد كون المتيقن من الأخبار هو تنزيل المستصحب بلحاظ آثار نفسه لا مطلق آثاره حتى آثار لوازمه يتضح عدم دلالة تلك الأخبار على لحاظ آثار لوازمه ، لما عرفت من توقف دلالتها على ذلك على إطلاقها المنوط بعدم البيان ، والمفروض صلاحية القدر المتيقن للبيانية ، فلا ينعقد معه إطلاق للأخبار.

والحاصل : أن محذور حجية الأصل المثبت عند المصنف إثباتي ، فقوله «فلا دلالة» لا يخلو من تعريض بما أفاده الشيخ (قدهما) من كون المحذور عنده ثبوتيا ، قال : «ووجوب ترتيب تلك الآثار من جانب الشارع لا يعقل إلّا في الآثار الشرعية المجعولة من الشارع لذلك الشيء ، لأنها القابلة للجعل دون غيرها من الآثار العقلية والعادية ، فالمعقول من حكم الشارع بحياة زيد وإيجابه ترتيب آثار الحياة في زمان الشك هو حكمه بحرمة تزويج زوجته والتصرف في ماله ، لا حكمه بنموّه ونبات لحيته ، لأن هذه غير قابلة لجعل الشارع».

وحاصله : امتناع شمول يد التشريع لغير الآثار الشرعية ، فان التنزيل من كل شخص لا بد أن يكون بلحاظ الآثار المتمشية من قبله ، ومن المعلوم أن الأثر المتمشى من الشارع في مقام التشريع ـ لا التكوين ـ هو الأثر الّذي تناله يد وضعه ورفعه ، وحيث ان مثل نبات اللحية ليس في حيطة تصرف الشارع بما هو شارع ، فالدليل ـ مثل لا تنقض اليقين بالشك ـ غير ناظر إلى أثر الواسطة من

__________________

وأما إذا كان للّفظ معنى حقيقي ومجازي فلا معنى للتمسك بمقدمات الحكمة لإثبات إرادة كلا المعنيين منه ، إذ لا أقل من الشك المندفع بأصالة الحقيقة. وفي المقام حيث ان صدق عنوان «النقض أو رفع اليد» على عدم ترتيب أثر اللازم مجازي قطعا ، فلا وجه للتمسك بأصالة الإطلاق في «لا تنقض اليقين بالشك عملا» وعليه فلا موضوع للإطلاق كي يمنع منه بالقدر المتيقن في مقام التخاطب كما عليه الماتن ، أو الانصراف كما ادعاه شيخنا المحقق العراقي.

٥٢٦

أصلا (١) ، وما لم يثبت لحاظها بوجه أيضا (٢) لما كان وجه لترتيبها

______________________________________________________

أول الأمر ، هذا.

ووجه تعريض كلام الماتن به هو : دعوى إمكان شمول «لا تنقض» لأثر الواسطة كاستحباب خضاب اللحية وإن لم يصلح لإثبات نفس الواسطة أعنى نبات اللحية ، لعدم كونه مجعولا تشريعيا. وعليه فللشارع في استصحاب حياة زيد جعل مطلق ما يترتب عليها من الآثار الشرعية أعم من كونه بلا واسطة أم معها. إذ المفروض مجعولية كل أثر يترتب على المستصحب سواء ترتب عليه بلا واسطة أم معها. لكن هذا الإطلاق الممكن تحققه غير متحقق ، لما عرفت من وجود القدر المتيقن التخاطبي المانع من الطلاق ، هذا.

(١) يعنى : لا بالصراحة كما هو واضح ، ولا بالإطلاق ، لما عرف من عدم تحققه مع وجود القدر المتيقن. ويمكن أن يراد بقوله : «أصلا» كلا اللحاظين : تنزيل المستصحب مع لوازمه ، وتنزيله بلحاظ آثاره مطلقا ولو مع الواسطة. وضمير «لحاظها» راجع إلى «آثار».

(٢) يعنى : كلحاظ لوازم المستصحب ، فكما لا تترتب آثار نفس المستصحب إلّا بلحاظ المستصحب والتعبد به ، كذلك لا تترتب آثار لوازم المستصحب إلّا بلحاظها والتعبد بتلك اللوازم ، والمفروض أنه قد ثبت عدم دلالة الأخبار على هذا اللحاظ والتعبد ، فلا وجه لترتيبها. وقوله «بوجه» يراد به أحد الاحتمالين من تنزيل المستصحب مع لوازمه أو تنزيله بلحاظ مطلق آثاره. وغرضه أن ترتيب آثار لوازم المستصحب على استصحابه منوط بدلالة الدليل في مقام الإثبات على لحاظها ، وبدون دلالته عليه لا يترتب شيء من آثار لوازم المستصحب بمجرد استصحابه. وضمير «ترتيبها» راجع إلى «آثار» وضميرا «عليه ، باستصحابه» راجعان إلى المستصحب المستفاد من قوله : «ما كان على يقين منه».

فتلخص من جميع ما تقدم عدم حجية الأصل المثبت عند المصنف (قده) لكن قد استثنى من هذه الكلية موارد ثلاثة يأتي التعرض لها عند شرح المتن

٥٢٧

عليه باستصحابه كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

المتعلق بها.

__________________

 (*) هذا كله بناء على كون مفاد «لا تنقص» إنشاء حكم ظاهري مماثل كما عليه الشيخ الأعظم والمصنف (قدهما). وكذا الحال بناء على كونه «وجوب الالتزام بالمتيقن والبناء على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع» كما يظهر من بعض كلمات المحقق النائيني (قده) أو كونه «اعتبار بقاء اليقين السابق في اللاحق من حيث المحرزية» كما يظهر من تعريفه للاستصحاب. أو كونه «وجوب المعاملة مع اليقين أو المتيقن السابق معاملة بقائه من حيث الجري العملي على طبقة» كما هو ظاهر شيخنا المحقق العراقي (قده).

أما الأول فهو مختاره في مباحث القطع من «أن المجعول في الأصول المحرزة هو الجهة الثانية من المرتبة الرابعة من مراتب القطع أعنى البناء على وجوده وعقد القلب عليه المقابل للجحود المجتمع مع اليقين» (١) وظاهر هذا الكلام وإن كان مقتضيا لاعتبار الأصل المثبت ، لأن الالتزام بشيء واقعا يقتضي الالتزام بلوازمه ، فيكون التعبد به مستلزما للتعبد بلوازمه. إلّا أنه ممنوع ، إذ لو ثبت الملزوم واقعا لزم الالتزام به وبلوازمه ، لكن المفروض اقتصار التعبد الاستصحابي على مورده ـ وهو نفس الملزوم ـ دون لوازمه ، ولا بد من الالتزام به بهذا المقدار ، وأما آثار لوازمه غير المتيقنة سابقا فهي خارجة عن مورد التعبد.

لكن استفادة وجوب الالتزام القلبي من خطاب «لا تنقص» ممنوعة ، لما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) : من استحالة الالتزام الجدي بالواقع مع فرض الشك فيه ، والمفروض أنه لا جعل للحكم المماثل حتى يكون الالتزام به حقيقة التزاما بالواقع عنوانا. وأما الالتزام بالواقع بناء فهو لكونه تشريعا محرما لا معنى لتعلق الأمر به ، لامتناع الالتزام بشيء على أنه من الدين مع عدم إحرازه (٢).

وأما الثاني فهو مقتضى تعريفه الاستصحاب بقوله : «فالأحسن تعريفه على

__________________

(١) أجود التقريرات ، ٢ ـ ٩

(٢) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٩٨

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المختار من أخذه من الأخبار بالحكم الشرعي ببقاء الإحراز السابق من حيث أثره وهو الجري العملي على طبقه ، لا من حيث ثبوت الواقع به» (١) وهذا التعريف وإن كان موهما لحجية الأصل المثبت ، بدعوى أن اعتبار كون المكلف محرزا للواقع في اللاحق يقتضي كونه متيقنا بلوازمه بقاء. لكنه ممنوع أيضا ، إذ ليس مقصوده من اعتبار المحرزية ما يقال في الأمارات من اعتبارها وصولا تاما ، لصراحة التعريف في أن إبقاء الإحراز إنما هو من حيث أثره أعني الجري العملي ، لعدم اليقين بالبقاء حسب الفرض ، والمفروض أن موضوع النهي في أخبار الاستصحاب هو نقض اليقين بالشك ، ومن المعلوم أن فعلية الحكم تستدعى فعلية موضوعه ـ ـ أي اليقين والشك الفعليين ـ لا إلغاءه ، فليس الشك مفروضا كالعدم حتى يكون خطاب «لا تنقض» كدليل اعتبار الأمارة دالا على إلغاء احتمال الخلاف.

وأما الثالث فهو مختار شيخنا المحقق العراقي ، ومقتضاه حجية الأصل المثبت بدعوى : أن مرجع التعبد بالبقاء في استصحاب الموضوع إلى التوسعة الصورية للمتيقن من حيث موضوعيته للأثر بلحاظ مطلق الأعمال المترتبة عليه ولو بواسطة أثر عقلي أو عادي ، فالمهم انتهاء التعبد إلى العمل ولو بوسائط عديدة. لكنه ممنوع بانصراف التنزيل إلى تطبيق القضايا الشرعية وتوسعة موضوعاتها. ومعه لا يشمل التنزيل لغيرها من القضايا العقلية والعادية (٢).

والمتحصل : أنه لا وجه لاعتبار مثبتات الاستصحاب على شيء من الاحتمالات المتطرقة في «لا تنقض» وان اختلفت في كون المحذور ثبوتيا أو إثباتيا.

وعلى فرض تمامية المقتضى لاعتبار الأصل المثبت ، فقد ادعى الفصول تبعا للشيخ الكبير عدم حجيته ، لتعارض الأصل في الثابت والمثبت ، كما إذا استصحب عدم وجود الحائل على البشرة فتوضأ وصلى ، فان مقتضاه صحة وضوئه وصلاته لأن لازم عدم الحائل هو وصول الماء إلى البشرة. وفي قباله استصحاب عدم

__________________

(١) أجود التقريرات ، ٢ ـ ٣٤٣

(٢) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ١٧٩ و ١٨٠

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الغسل المتيقن قبل الوضوء ، ومقتضاه بطلان الوضوء ، ويسقط الاستصحابان بالتعارض ، فلا جدوى في حجية الأصل المثبت.

وأجاب الشيخ الأعظم (قده) عنه بأن الاستصحاب إما أن يكون حجة بالأخبار أو من باب الظن النوعيّ ، فعلى الأول يكون الأصل المثبت حاكما على أصالة عدم الثابت ، إذ مع فرض حجية استصحاب عدم الحائل في لازمه العادي والعقلي يكون نفس التعبد بعدم الحائل تعبدا بوصول الماء إلى البشرة ، ولا مجال حينئذ لأصالة عدم تحقق الغسل ، لانتفاء الشك فيه بمجرد التعبد بالملزوم.

وعلى الثاني فلازم فرض التعارض حصول وصفين وجدانيين متنافيين ، وهو محال ، ضرورة أن الظن بالملزوم مستلزم للظن بلازمه واقعا واعتقادا ، ولو فرض اجتماع أركان الاستصحاب في جانب الثابت كان معناه الظن بعدم وصول الماء إلى البشرة ، ومن المعلوم استحالة اجتماع ظن المكلف بوصول الماء إليها الناشئ من استصحاب عدم الحائل مع الظن بعدم وصوله إليها الّذي يقتضيه أصالة عدم وصوله. وعليه فلا وجه للمعارضة المدعاة أصلا.

نعم قد يتصور تعارض الأصلين بناء على استناد حجية الأصل المثبت إلى أن أثر الأثر أثر ، وهذا ما أفاده المحقق الميرزا الآشتياني (١) (قده) ووافقه بعض أعاظم العصر على ما في تقرير بحثه الشريف (٢) ومحصله : أنه ـ بناء على اقتضاء التعبد بالملزوم لترتب جميع آثاره الشرعية حتى الآثار مع الواسطة ـ تصير آثار الواسطة آثارا لنفس الملزوم ، وان لم يثبت نفس اللازم بهذا التعبد ، لعدم تعلق اليقين والشك به ، وحينئذ فالأصل في الملزوم كأصالة عدم الحاجب يقتضي الحكم بصحة الوضوء والصلاة ، والأصل في نفس الواسطة أي اللازم كأصالة عدم تحقق الغسل يقتضي عدم ترتب الآثار الشرعية على صبّ الماء على أعضاء الوضوء ، فيقع التعارض بينه وبين الاستصحاب الجاري في الملزوم.

__________________

(١) بحر الفوائد ، ٣ ـ ١٣٣

(٢) مصباح الأصول ، ٣ ـ ١٥٧

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثم ناقش فيه المحقق الآشتياني (قده) بوجهين أحدهما : «أن مناط تقديم الحاكم على المحكوم موجود هنا ، لتعدد رتبة الأصلين ، حيث ان الشك في الأثر الشرعي مسبب أوّلا وبالذات عن الشك في الملزوم ، لتقدمه بحسب الرتبة ، فإذا حكم الشارع بثبوت الملزوم لجريان الأصل فيه ثبت كون الأصل في الواسطة مما لا يترتب عليه أثر ، والأصل الّذي لا يترتب عليه أثر خارج عن أدلة الاستصحاب تخصصا ، فتأمل».

لكن فيه : أن ضابط حكومة الأصل السببي على المسببي لا ينطبق على المقام ، لأن المترتب على الأصل السببي أعنى استصحاب عدم الحاجب هو انغسال العضو ، وليس ذلك حكما شرعيا ، ومن المعلوم أنه لا بد أن يكون المسبب حكما شرعيا ، ولعله أشار إليه بالأمر بالتأمل.

وثانيهما : أن الواسطة وإن لم تكن مجعولة ، إلّا أنها مما يتعلق به التنزيل بالواسطة فلا معنى لجريان الأصل فيها.

وفيه : أنه إن أريد تعلق التنزيل بالواسطة كتعلقه بذيها بأن ينزل الشك في الحاجب بمنزلة عدمه والشك في وصول الماء إلى البشرة بمنزلة عدمه بمعنى البناء على وصوله كان ذلك التزاما بالتعارض ، ضرورة أن اليقين سابقا بعدم وصول الماء مع الشك الفعلي في وصوله يوجب جريان استصحاب عدم الوصول ، وهو يعارض تنزيل عدم الوصول منزلة وصوله. وان أريد ترتب أثر الواسطة وهو صحة الوضوء من حيث كون أثر الأثر أثرا للمستصحب وهو عدم الحاجب من دون تعلق تنزيل بالواسطة ـ وإن كان خلاف صريح كلامه : «إلّا أنها مما يتعلق به التنزيل بالواسطة» ـ فمرجعه إلى الوجه الأول وهو حكومة الأصل السببي على المسببي المانعة عن جريان الأصل المسببي ، لارتفاع موضوعه بالأصل السببي ، ويرد عليه ما ورد على ذلك الوجه من عدم انطباق ضابط حكومة الأصل السببي على المسببي على المورد ، لعدم كون المسبب أثرا شرعيا.

٥٣١

نعم (١) لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها (٢) محسوبا بنظر العرف

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى المورد الأول من الموارد الثلاثة المستثناة من عدم حجية الأصل المثبت ، وهذا المورد مما استثناه الشيخ (قده) من الأصل المثبت ، ومحصله : أنه إذا كانت الواسطة في غاية الخفاء بحيث يعدّ أثرها أثرا لنفس المستصحب عرفا بلا واسطة ، كاستصحاب رطوبة الثوب الّذي ألفته الريح أو غيرها على أرض متنجسة جافة ، فان نجاسة الثوب ليست أثرا بلا واسطة لرطوبة الثوب الملاقي للأرض ، بل هي أثر لسراية النجاسة من المتنجس إلى ملاقيه بواسطة الرطوبة ، والسراية واسطة عقلية بين المستصحب وهي الرطوبة وبين النجاسة التي هي أثر السراية. لكنه يترتب مع ذلك نجاسته باستصحاب بقاء رطوبة الثوب الملاقي للأرض المتنجسة بدعوى خفاء الواسطة وهي السراية ، بحيث يرى العرف نجاسة الثوب من آثار ملاقاته مع الرطوبة للأرض ، لا من آثار السراية ، فإذا كانت النجاسة من آثار المستصحب عرفا فلا محالة يشمله دليل الاستصحاب ، لاتباع نظر العرف في مقام الاستظهار من الخطابات.

(٢) أي : من آثار لوازم المستصحب إذا كانت تلك الآثار بنظر العرف من آثار نفس المستصحب ، لخفاء الواسطة بحيث يعدون الأثر أثرا لنفس المستصحب لا للواسطة ، وضمير «نفسه» راجع إلى المستصحب.

__________________

فالحق أن يقال : انه لا دليل على كون أثر الأثر أثرا للمستصحب وإن أطلق ذلك عليه عرفا ، لكنه إطلاق مسامحي تطبيقي لا يعبأ به. فالاستصحاب لا يجري في الملزوم لإشكال المثبتية حتى يعارضه استصحاب عدم اللازم ، بل يجري الأصل في اللازم كعدم انغسال العضو في المثال المزبور بلا معارض ، إلّا إذا طرأ الشك في وجود الحاجب بعد الوضوء واحتمل التفاته إليه حين الوضوء ، فان استصحاب عدم انغسال العضو لا يجري حينئذ ، لجريان الأصل الحاكم وهو قاعدة الفراغ في الوضوء ، بل تجري القاعدة مع عدم احتمال الالتفات أيضا على وجه قوي ، وقد تقدم بعض الكلام في التنبيه الأول ، فراجع.

٥٣٢

من آثار نفسه ، لخفاء (١) ما بوساطته ، بدعوى (٢) أن مفاد الأخبار عرفا ما يعمه أيضا (٣) حقيقة (٤) ،

______________________________________________________

(١) تعليل لكون أثر الواسطة محسوبا بنظر العرف من آثار نفس المستصحب يعني : أن كمال خفاء الواسطة أوجب أن يعد العرف أثرها أثر المستصحب ، وضمير «بوساطته» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الواسطة ، يعني : لخفاء الواسطة التي ثبت الحكم بوساطتها.

(٢) متعلق بـ «لا يبعد» ودليل لنفي البعد ، ومحصل : أنه بعد كون أثر الواسطة لشدة خفائها مما يعد عرفا أثرا لنفس المستصحب يترتب على استصحابه ذلك ، لأن مفاد أخبار الاستصحاب عرفا هو التعبد بآثار المستصحب التي منها آثار واسطته الخفية التي تعد آثارا لنفس المستصحب ، وضمير «يعمه» راجع إلى «ما» الموصول في «ما كان».

(٣) يعني : كما أن مفاد الأخبار يشمل أثر نفس المستصحب حقيقة كذلك يشمل أثر الواسطة الخفية.

(٤) يعني : لا مسامحة في مرحلة التطبيق حتى يقال كما قيل : انه لا عبرة بالمسامحات العرفية التطبيقية بعد فرض وضوح المفاهيم بحدودها ، ففيما نحن فيه يمكن أن يدعى أن أثر الواسطة الخفية أثر حقيقة لنفس الواسطة ، وعده أثرا للمستصحب مبني على المسامحة العرفية في مقام التطبيق ، ولا عبرة بها في هذه المرحلة ، وإنما هي معتبرة في مرحلة تشخيص المفاهيم العرفية. وعليه فلا وجه لدعوى اعتبار الاستصحاب المثبت إذا كانت الواسطة خفية.

والمصنف (قده) دفع هذا التوهم بعدم كون المقام من المسامحة في التطبيق ، حيث ان رفع اليد عن أثر الواسطة الخفية مع جريان الاستصحاب في ذي الواسطة يكون من نقض اليقين بالشك حقيقة ، كما إذا جرى استصحاب بقاء الرطوبة في المثال المزبور أعني الثوب الملاقي للأرض الجافة المتنجسة ، ولم يترتب أثر النجاسة على الثوب عدّ هذا من نقض اليقين بالشك ، لأن اليقين برطوبة الثوب

٥٣٣

فافهم (١).

كما لا يبعد (٢) ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا

______________________________________________________

الملاقى للأرض المزبورة يقتضي اليقين بنجاسته ، فعدم ترتيب نجاسته نقض لليقين بالشك ، لأن العرف يرون نجاسة الثوب الملاقي للأرض المتنجسة من آثار رطوبة الثوب لا من آثار الواسطة وهي السراية.

(١) الظاهر أنه إشارة إلى ما نبّه عليه في حاشية الرسائل من إشكال بعض الأجلة من السادة ـ وهو على ما حكاه العلامة المشكيني عن المصنف السيد المحقق السيد حسن الكوه كمري ـ على الشيخ الأعظم قدس الله أسرارهم من أن ترتيب أثر الواسطة الخفية على استصحاب ذي الواسطة يكون من باب تطبيق المفاهيم على مصاديقها العرفية مسامحة ، ومن المعلوم عدم اعتبار مسامحات العرف في التطبيقات.

وقد دفع المصنف هذا الإشكال عن الشيخ بقوله : «بدعوى أن مفاد الأخبار عرفا يعمه حقيقة» وقد تقدم تقريبه.

وبعبارة أخرى : لو استظهر الشيخ (قده) من خطاب «لا تنقض» وجوب ترتيب الأثر بلا واسطة بالخصوص على المستصحب ، ومع ذلك ألحق به ترتيب أثر الواسطة الخفية من باب المسامحة في التطبيق من دون انطباق «لا تنقض» عليه حقيقة ، كان الإشكال عليه بعدم العبرة بمسامحات العرف في محله. إلّا أن الظاهر من كلام الشيخ وجوب ترتيب الأثر بلا واسطة عرفا ، ومن المعلوم أنه كما يكون تطبيق هذا المعنى حقيقيا عند عدم وجود الواسطة أصلا ، كذلك تطبيقه على ما إذا كان هناك واسطة ، لكن لخفائها يترتب الأثر حقيقة عرفية على ذي الواسطة. ومن الواضح أجنبية هذا عن المسامحات العرفية التطبيقية كي يشكل عليها بعدم اعتبارها ، وإنما هو توسعة في نفس مفهوم «لا تنقض» وصدقه حقيقة على مورد خفاء الواسطة.

(٢) هذا إشارة إلى المورد الثاني من الموارد الثلاثة المستثناة من عدم حجية الأصل المثبت ، ولم أعثر على من تعرض له قبل المصنف ، قال في حاشية الرسائل «ويلحق بذلك ـ أي خفاء الواسطة ـ جلاؤها ووضوحها فيما كان وضوحه بمثابة

٥٣٤

بينه وبين المستصحب تنزيلا كما لا تفكيك بينهما واقعا (١) ، أو بواسطة (٢) ما

______________________________________________________

يورث الملازمة بينهما في مقام التنزيل عرفا ، بحيث كان دليل تنزيل أحدهما دليلا على تنزيل الآخر كما هو كذلك في المتضايفين ، لأن الظاهر أن تنزيل أبوّة زيد لعمرو مثلا يلازم تنزيل بنوة عمرو له ، فيدل دليل تنزيل أحدهما على تنزيل الآخر ولزوم ترتيب ما له من الأثر» (١) ومحصله : أن وضوح الواسطة وجلاءها أن كان بمثابة يمنع التفكيك بينهما وبين ذيها تنزيلا كما يمتنع التفكيك بينهما واقعا كالمتضايفين كان التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر ، فالتعبد بأبوة زيد مثلا لعمرو ملازم عرفا للتعبد ببنوة عمرو لزيد. وكذا التعبد بأخوة بكر في الرضاع مثلا لبشر الّذي هو ولد بطني للمرضعة ملازم للتعبد بأخوة بشر لبكر ، وهكذا سائر الأمور المتضايفة.

ثم إن ما أفاده (قده) من الواسطة الجلية ينقسم إلى قسمين : الأول ما أشار إليه بقوله : «ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا» وهذا القسم يكون فيما إذا كان مورد الاستصحاب العلة التامة أو الجزء الأخير منها ، إذ كما لا تفكيك بين العلة ومعلولها واقعا ، كذلك لا تفكيك بينهما تنزيلا بنظر العرف.

(١) قيد لقوله : «لا تفكيك» كما أن «تنزيلا» قيد لقوله : «لا يمكن التفكيك» يعني : أن الارتباط بين المستصحب والواسطة يكون بمثابة لا يمكن التفكيك بينهما لا واقعا ولا تنزيلا.

(٢) معطوف على قوله : «بوساطة» وهذا إشارة إلى القسم الثاني من الواسطة الجلية ، وهو يكون في موردين : أحدهما : لازم الشيء ، والآخر ملازمه. أما الأول فكضوء الشمس ، فإذا جرى الاستصحاب في بقاء قرص الشمس في قوس النهار ترتب على لازمها ـ وهو الضوء ـ أثره الشرعي أعني طهارة الأرض والحصر والبواري المجففة بضوئها ، فان استصحاب بقاء الشمس ملازم لاستصحاب بقاء ضوئها الموجب لترتب أثره الشرعي وهو الطهارة المزبورة.

وكالجود بالنسبة إلى الحاتم ، فان استصحاب حياته والتعبد ببقائها يستلزم التعبد

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢١٣

٥٣٥

لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته (١) معه بمثابة عدّ أثره أثرا لهما ،

______________________________________________________

ببقاء جوده وترتيب الأثر الشرعي المترتب عليه.

وكالفوت الّذي هو لازم عدم الإتيان بالفريضة في الوقت ، فان استصحاب عدم الإتيان بها في وقتها يوجب ترتب وجوب القضاء الّذي هو الأثر الشرعي المترتب على الفوت ، إلى غير ذلك من النّظائر.

والفارق بين هذا القسم والقسم الأول المشار إليه بقوله : «بواسطة ما لا يمكن التفكيك عرفا» هو امتناع التفكيك واقعا في الأول ، وإمكانه في الثاني ، لوضوح عدم ملازمة الحياة للجود واقعا بحيث يستحيل انفكاكهما ، وإنما تكون الملازمة عرفية.

وأما الثاني فهو على ما مثّل له في حاشية الرسائل كالمتضايفين ، فان تنزيل أبوة زيد لعمرو مثلا يلازم تنزيل بنوّة عمرو له. وكذا سائر المتضايفات (*).

(١) هذا الضمير وضميرا «لزومه ، أثره» راجعة إلى الموصول المراد به الواسطة ، وقوله : «لزومه» ناظر إلى لوازم المستصحب ، و «ملازمته» ناظر إلى ملازماته ، وضميرا «له ، معه» راجعان إلى المستصحب ، وضمير «لهما» راجع إلى المستصحب والواسطة التي عبّر عنها بـ «ما» الموصول ، و «بمثابة» متعلق بـ «وضوح» أي : وضوح اللزوم أو الملازمة بمثابة ... إلخ. وحاصل العبارة «أو بوساطة واسطة عدّ أثرها لأجل وضوح لزومها للمستصحب أو ملازمتها معه أثرا للمستصحب أيضا» وكلمة «بمثابة» مستغنى عنها ظاهرا.

إلّا أن يقال : ان «مثابة» خبر لـ «هو» المقدر العائد إلى «ما» الموصول فكأنه قيل : «أو بواسطة ما هو بمثابة يعد أثرا لهما لأجل وضوح لزومه ... إلخ» لكن العبارة على كل حال لا تخلو عن مسامحة.

__________________

(*) لا ريب في ثبوت الأمور المذكورة في الواسطة الجلية ، لكنه ليس استثناء من الأصل المثبت ، بل لكونها بنفسها مجرى الأصل ، وسيأتي بيانه في تعليقة التنبيه الآتي.

٥٣٦

فان (١) (*) عدم ترتيب هذا الأثر (٢) عليه يكون نقضا ليقينه بالشك

______________________________________________________

(١) الظاهر أنه تعليل لترتيب أثر الواسطة الخفية والجلية على المستصحب ، بتقريب : أن النهي عن نقض اليقين بالشك كما يشمل أثر المستصحب بلا واسطة أصلا ، كذلك يشمل أثره بلا واسطة عرفا وإن كان هناك واسطة حقيقة كنجاسة أحد المتلاقيين مع رطوبة أحدهما ، فان العرف يرى النجاسة من آثار الملاقاة مع الرطوبة ، وإن كانت هي بالدقة من آثار سراية شيء من أجزاء المتنجس إلى ملاقيه ، لكن المتبع في باب الاستصحاب هو النّظر العرفي دون الدقي.

وعليه ففي كل مورد يكون أثر الواسطة بنظر العرف أثرا للمستصحب يشمله إطلاق «لا تنقض اليقين بالشك» الثابت بمقدمات الحكمة ، فهذا الدليل بنفسه يثبت أثر الواسطة باستصحاب ذيها ، وخفاء الواسطة وجلاؤها لزوما أو ملازمة للمستصحب منا شيء لكون أثر الواسطة أثرا له حتى يصح شمول «لا تنقض» له.

(٢) أي : أثر الواسطة الجلية أو هي مع الخفية.

__________________

 (*) قد عرفت في التوضيح ما استظهرناه من قوله : «فان عدم ترتيب مثل هذا الأثر ... إلخ» من أنه دليل لحجية الأصل المثبت في كل من الواسطة الخفية التي أفادها الشيخ ، والواسطة الجلية التي أبداها الماتن. لكن في تقريرات بحث سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده) : «أن نظر الشيخ في استثناء الواسطة الخفية إلى الدليل الأول ، بتقريب : أن أثر الأثر ليس أثرا للمستصحب إلّا إذا كانت الواسطة خفية ، فيشمله حينئذ «لا تنقض» بلا عناية ، إذ المفروض كون أثر الواسطة أثرا لذيها ، فنفس تنزيل المستصحب كاف في التعبد بأثر الواسطة. ونظر المصنف في استثناء الواسطة الجلية إلى الدليل الثاني ، فحاصل كلامه هو المنع عن اقتضاء التعبد بشيء التعبد بلوازمه إلّا إذا كانت الملازمة جلية عند العرف ، بحيث لا يرون التفكيك بينهما ، ففي مثله يكون التعبد بالملزوم موجبا للتعبد باللازم ، فتثبت الآثار المترتبة على اللازم بالتعبد كالآثار المترتبة على الملزوم بسبب التعبد به» (١).

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ١٣٣

٥٣٧

أيضا (١) بحسب (٢) ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا ،

______________________________________________________

(١) يعنى : كما يكون عدم ترتيب أثر نفس المستصحب عليه نقضا ليقينه بالشك ، كذلك يكون عدم ترتيب أثر الواسطة المذكورة على المستصحب نقضا ليقينه بالشك ، وضمير «عليه» راجع إلى المستصحب.

(٢) متعلق بقوله : «نقضا» وإشارة إلى دفع ما توهم من أن التمسك بدليل الاستصحاب لترتيب آثار الواسطة الجلية أو التي لا يمكن التفكيك بينها وبين المستصحب حقيقة وتنزيلا يكون من باب المسامحة العرفية في التطبيق التي لا عبرة بها أصلا ، كما أشرنا إليه عند شرح قوله : «فافهم» فيما يتعلق بالواسطة الخفية ونقلنا هناك بعض عبارات المصنف في حاشية الرسائل ، فلاحظ.

__________________

وحاصله : أن هنا تنزيلين يتعلق أحدهما بالملزوم والآخر باللازم ، فترتيب آثار اللازم على المستصحب منوط بتنزيل آخر غير تنزيل الملزوم ، بخلاف كلام الشيخ ، إذ ليس فيه إلّا تنزيل واحد وهو تنزيل المستصحب ، وآثار اللازم تترتب عليه بنفس ذلك التنزيل ، لأنها آثار نفس المستصحب عرفا ، فلا حاجة في ترتيبها عليه إلى تنزيل آخر. وما نسبه السيد إلى الشيخ (قدهما) هو ظاهر كلامه في الرسائل : «نعم هنا شيء وهو : أن بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي هو من الوسائط الخفية بحيث يعد في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس للمستصحب ، وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الواسطة عن أنظار العرف». فان كون أثر الواسطة شرعا معدودا عرفا من آثار نفس المستصحب كاف في ترتبه على المستصحب بتنزيل واحد ، وهو تنزيل المستصحب ، من دون حاجة إلى تنزيل آخر متعلق بالواسطة ولو بدلالة التزامية يقتضيها تنزيل المستصحب.

وبالجملة : فلا خفاء في مراد الشيخ (قده) لأنه يدعي كفاية تنزيل المستصحب في ترتيب أحكام الواسطة الخفية على المستصحب ، لكون أحكامها أحكامه ، ومعه لا حاجة إلى تنزيل آخر.

٥٣٨

فافهم (١).

ثم لا يخفى (٢) وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية

______________________________________________________

(١) الظاهر أنه إشارة إلى أجنبية المقام عن المسامحات التطبيقية العرفية ، حيث انه ان كان أثر الواسطة أثرا لنفس المستصحب عرفا بمعنى توسعة العرف مفهوم موضوع الحكم بحيث يصدق على كل من المستصحب والواسطة ، فإطلاق «لا تنقض» الثابت بمقدمات الحكمة يقتضي ترتيب أثر الواسطة على المستصحب وان لم يكن أثرا لنفسه ، لكن لا تنفك الواسطة عن المستصحب ، فوجه ترتيب أثرها على المستصحب هو تنزيل ثانوي التزامي يقتضيه التنزيل الأوّلي المطابقي. فعلى التقديرين لا يكون ثبوت أثر الواسطة للمستصحب بسبب المسامحة العرفية التطبيقية حتى يتوهم عدم اعتباره.

(٢) لا يخفى أن نفي حجية مثبتات الأصول وإثبات حجية مثبتات الأمارات مع اشتراكهما في التعبد بالمؤدى أوجب سؤال الفرق بينهما ، ولذا تصدى لذلك ، وقال في وجهه ما محصله : أن في الحجج الشرعية ـ سواء أكانت طرقا إلى الأحكام الإلهية كأخبار الآحاد ، أم أمارات على الموضوعات مثل قيام البينة على موضوع خارجي كضوء الشمس أو غروبها ـ جهتين :

إحداهما : كشفها عن مدلولها ، لأن شأن كل أمارة كشفها عن مؤداها كشفا ناقضا ، والكاشف عن شيء كاشف عما لا ينفك عنه تصوره من ملزوماته ولوازمه وملازماته بحيث يدل عليه اللفظ تبعا لدلالته على معناه المطابقي ، فان لفظ «الشمس» مثلا وإن وضع لنفس القرص ، لكنه يدل على ضوئها أيضا ، لما بينه وبين نفس الشمس من العلقة اللزومية الموجبة للدلالة التبعية المزبورة.

وبالجملة : الدلالة الناقصة في الطرق والأمارات بالنسبة إلى كل من المدلول المطابقي والالتزامي ثابتة.

ثانيتهما : إطلاق دليل الحجية الثابت بمقدمات الحكمة ، فانه يدل على حجية الطرق والأمارات في جميع ما لهما من الدلالة المطابقية والتضمنية والالتزامية من

٥٣٩

وبين (١) الطرق و[أو] الأمارات ،

______________________________________________________

دون تفاوت بينها ، فإذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ، ثم قامت البينة على نجاسة أحدهما المعين فقد دلّت على لازمها أيضا وهو طهارة الإناء الآخر. وهذا بخلاف الاستصحاب وغيره من الأصول العملية موضوعية كانت أم حكمية ، فانه لا دلالة فيها بوجه على الملزوم فضلا عن اللازم حتى يدل دليل الاعتبار على حجيته كدلالته على حجية الملزوم. فعليه لا يقتضي دليل اعتبار الأصل إلّا التعبد بنفس المشكوك بترتيب الأثر الشرعي المترتب على نفسه ، دون الآثار الشرعية المترتبة على لوازمه وملزومه وملازماته ، لعدم دلالة عليها حتى يثبت اعتبارها بدليل حجية الأصل كثبوت اعتبارها في الحجج الشرعية الكشفية بدليل اعتبارها ، فاستصحاب حياة زيد لا يقتضي إلّا التعبد بالآثار الشرعية الثابتة للحياة الواقعية ، دون الآثار الشرعية المترتبة على لوازمها كالنموّ ونبات اللحية مثلا ، إذ لم يدل على لوازم الحياة شيء حتى يقال بحجية هذه الدلالة.

والحاصل : أن الجهة الأولى وهي الكشف عن اللوازم موجودة في الطرق ومفقودة في الأصول ، وهي التي أوجبت حجية مثبتات الأمارات دون الأصول ، ومع عدم ما يوجب الدلالة على وجود اللوازم في الأصول لا مقتضي لاعتبار مثبتاتها ، لتفرع الحكم على موضوعه ، والمفروض عدم ما يدل على وجود الموضوع.

(١) معطوف على «بين» في «بين الاستصحاب» والمراد بالطرق أدلة الأحكام الشرعية الواقعية وهي المسماة بالأدلة الاجتهادية في قبال الأصول العملية التي سمّاها الفاضل الصالح المازندراني (قده) في شرح الزبدة ـ على ما حكي عنه ـ بالدليل الفقاهتي ، واشتهر هذا الاصطلاح في عصر الوحيد البهبهاني (قده) وبعده ولعلّ هذا هو منشأ نسبة التسمية إليه دون الفاضل المازندراني. والمراد بالأمارات ما يكون كاشفا عن الموضوعات. لكن الطريق قد يطلق على الأمارات أيضا ، فهو أعم من الأمارة. هذا إذا كان العاطف كلمة «أو» لكن في بعض النسخ العطف بالواو ، وحينئذ يحتمل إرادة معنى واحد منها يشمل الحاكي عن الموضوعات

٥٤٠