منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

في الحدوث فيما أحرز اقتضاؤه للاستمرار وشك في طروء المزيل ، وهذا بناء عملي على الشك إلهاماً من واهب العقل ، وليس لطريقية الشك المسبوق باليقين لامتناعها ، ولا للتعبد.

لكنه ممنوع بما تقدم من الماتن (قده) من أن بناء العقلاء على الحالة السابقة المعلومة ان كان للاطمئنان أو الرجاء أو الظن بالبقاء فهو وان كان مسلماً ، لكنه أجنبي عن المدعى وهو الأخذ بالحالة السابقة لمجرد ثبوتها. مع أنه لو اقتضى الاحتياط عدم البناء على الحالة السابقة فلا أقل من الشك في استقرار سيرتهم على العمل بالمشكوك فيه عملَهم بالمتيقن. والبناء على الحالة السابقة غفلة عن حقيقة الحال وان كان مما يتفق أحياناً ، لكنه أجنبي عن الاستصحاب المتقوم بالشك الفعلي كما سيأتي في التنبيه الأول.

وعليه فتسليم هذه السيرة العملية تارة في خصوص الشك في الرافع كما في تقرير بحث المحقق النائيني. وأخرى في الأمور الدنيوية دون الدينية كما في تقرير بحث المحقق العراقي «لثبوت هذا الخلاف العظيم بين الأعاظم من الأعلام خلفاً عن سلف ، وذهاب جمع منهم إلى عدم الحجية ، إذ المنكرون للحجية أيضا من العقلاء ، بل كل واحد منهم بمثابة ألف عاقل» (١) لا يخلو من شيء ، إذ في الأول أنه لا معنى للتعبد في عمل العقلاء ، فأخذهم بالحالة السابقة لا بد أن يكون اطمئناناً ببقائه أو رجاءً خصوصاً إذا كان الاحتياط مقتضياً لتحصيل الاطمئنان بالواقع والتوقف والفحص كما هو الحال في الأمور الخطيرة.

وفي الثاني : أوّلاً بوقوع الخلاف في بنائهم على العمل بخبر الثقة مع وضوح كونه أقوى ارتكازاً من السيرة على الاستصحاب ، فمجرد وقوع الخلاف لا يوجب إنكار البناء.

وثانياً : بأن تصريحه (قده) فيما يتعلق بمضمرة زرارة لإثبات عموم اعتبار

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٣٤

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الاستصحاب «بظهور سوق الرواية في كونه في مقام إدراج المورد تحت كبرى ارتكازية لا تعبدية» ينافي إنكار بناء العقلاء في الأمور الدينية ، لأن مورد سؤال زرارة وتطبيق الكبرى الكلية عليه هو الوضوء ، فالالتزام بارتكازية الكبرى من جهةٍ واختصاص بناء العقلاء بالأمور الدنيوية من جهة أخرى مستلزمان لتخصيص المورد الممتنع ، فتأمل جيداً.

ولذا فقد يلوح التنافي بين كلمات المصنف من إنكار سيرة العقلاء هنا ومن الاعتراف بكون الكبرى ارتكازية في مضمرة زرارة ، وقد يوجه بما سيأتي عند التعرض لمفاد المضمرة إن شاء الله تعالى.

وأما الجهة الثانية ـ وهي إمضاء بناء العقلاء ـ فمحصلها : أن المصنف (قده) فصّل بين المقام والسيرة على العمل بخبر الثقة بوجهين ، أحدهما : الاعتراف برادعية عمومات النهي عن متابعة غير العلم لبنائهم على الاستصحاب وعدم رادعيتها لعملهم بخبر الثقة.

وثانيهما : أن اللازم في اعتبار السيرة هنا هو الإمضاء الّذي لا بد من إحرازه ، وحيث لا سبيل إليه كفى في الردع عموم النهي عن العمل بغير العلم ، وهذا بخلاف الخبر ، لتصريحه بكفاية عدم ثبوت الردع في إمضاء السيرة ، هذا.

وأورد على كلا وجهي الفرق :

أما على الأول فيما أفاده المحقق النائيني (قده) من منافاة دعوى صلاحية الآيات هنا للردع عن السيرة لما أفاده في بحث حجية الخبر ، من خروج جميع موارد السير العقلائية عن العمل بما وراء العلم بالتخصص «مع أن بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة لو لم يكن أقوى من بنائهم على العمل بخبر الواحد فلا أقل من التساوي ، فكيف كانت الآيات رادعة عن بناء العقلاء في المقام ولم تكن رادعة عنه في ذلك المقام؟» (١).

__________________

(١) فوائد الأصول ، ٤ ـ ١١٩.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وأجاب عنه شيخنا المحقق العراقي (قده) بما محصله : أن التفكيك بين المقامين في محله ، لخروج السيرة الخبرية عن موضوع عمومات الردع ، لقيامها على تتميم الكشف وإثبات العلم بالواقع الموجب لخروج موردها عن تلك النواهي تخصصاً. وهذا بخلاف المقام ، لأن بناء هم على الأخذ بالحالة السابقة انما هو من جهة الأصلية في ظرف الجهل بالواقع لا الأمارية وتتميم الكشف ، فعملهم هنا لا يخرج عن كونه عملاً بغير العلم فيشمله عموم الردع. نعم لو أريد بعدم العلم عدم الحجة على الوظيفة الفعلية ولو ظاهرية لا عدم العلم بخصوص الواقع امتنع الردع هنا أيضا ، إلّا أنه خلاف ظهور مثل قوله تعالى : ـ ولا تقف ما ليس لك به علم ـ في عدم العلم بالواقع خاصة (١).

وبهذا التوجيه يندفع إشكال التهافت بين كلامي المصنف (قده). لكنه لا يخلو من خفاء ، ضرورة أن سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة وان كانت خارجة عن العمومات تخصصاً كما أفاده ، إلّا أنه لا يلتئم مع ما سلكه المصنف في بحث الخبر لإثبات التخصيص الّذي هو تصرف في عقد الحمل لا الوضع ، ومن المعلوم أن البحث عن كون التخصيص دورياً فرع شمول عمومات الردع لخبر الثقة موضوعاً.

مضافاً إلى : أن موضوع الآيات الناهية وان كان عدم العلم الظاهر في ما لا يكشف عن الواقع ، لكنه لا بد من التصرف فيه بإرادة مطلق الحجة ، ضرورة أن المرتكب للحرام جهلاً اعتماداً على مثل حديث الرفع ليس مؤاخذاً على ما ارتكبه قطعاً ، مع وضوح أن الوظائف المجعولة للشاك لا يعقل كشفها عن الواقع ولو كشفاً ناقصاً ، وحيث ان سياق الآية المباركة آبٍ عن التخصيص ، فلا بد من التصرف في العلم بإرادة مطلق الحجة منه وان كان فاقداً لجهة إحراز الواقع ، وعليه فما أفاده المحقق العراقي (قده) لم يظهر وفاؤه بدفع التنافي بين كلامي المصنف (قده) كما أورده الميرزا عليه.

__________________

(١) نهاية الأفكار ، ٤ ـ ٣٧

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ويمكن أن يقال : ان مفاد أدلة حجية الخبر ان كان إثبات اعتباره من باب الظن النوعيّ مما يندرج في موضوع عمومات النهي عن اتباع غير العلم توجّه كلام الماتن (قده) من دعوى استحالة التخصيص في باب الخبر لاستلزامه الدور ، إذ ليس خروجه عنها موضوعياً ، فلا بد أن يكون بالتخصيص. وأما سيرة العقلاء على الاستصحاب فحيث انه لا سبيل لإحراز حجيتها فهي ظن مشمول لعموم الآيات.

وان كان مفاد أدلة الاعتبار إمضاء سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة ، لكونه مورثاً للاطمئنان الّذي هو علم عادي ، وإنكار التعبد الشرعي ، كان خروج الخبر عن عمومات الردع تخصصياً. وحيث ان المصنف (قده) بنى في أوائل بحث الأمارات على أن مفاد دليل الاعتبار هو ترتيب آثار الحجة الذاتيّة على الأمارة غير العلمية ـ لا إثبات اعتبارها من باب الظن النوعيّ ـ فاللازم الاعتراف بالتخصص لا التخصيص ، ولا يلزم محذور الدور حينئذ ، والتهافت بين المقامين مسجّل.

نعم ما أفاده المحقق النائيني (قده) من مساواة السيرتين أو أقوائية سيرة الاستصحاب من الخبر يمكن منعه بأن كثرة الخلاف في ثبوت البناء العملي في الاستصحاب أزيد مما هو في بحث الخبر ، وذلك يكشف عن عدم تسالمهم عليه فضلاً عن أقوائيته ، وليته (قده) بيّن وجه أقوائية بناء العقلاء على الاستصحاب من بنائهم على العمل بخبر الثقة.

وأما على الثاني ـ أعنى دعوى كفاية عدم ثبوت الردع في باب الخبر وعدم كفايته هنا وأن المعتبر هو الإمضاء ـ فبأن المدار في حجية السيرة ان كان على الإمضاء المنوط بالوصول ، فمع عدم إحرازه لا كاشف عن رضاه ببناء العقلاء.

وان كان على مجرد عدم ثبوت الردع لم يكن الردع المحتمل مانعاً عن الأخذ ببنائهم.

والحاصل : أن المناط في اعتبار السيرة سواء أكان عدم ثبوت الردع أم ثبوت الإمضاء لم يفرق فيه بين السيرة على الخبر والاستصحاب ، فما هو الفارق بين

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المقامين؟.

وقد يوجه بعود النزاع لفظياً ، وذلك «لأن الشارع بما هو عاقل بل رئيس العقلاء متحد المسلك معهم ، إلَّا إذا أحرز اختلاف مسلكه معهم بما هو شارع ، ومجرد الردع الواقعي لا يكون كاشفاً عن اختلاف المسلك ، ولا يوجب رفع اليد عن اتحاد مسلكه المعلوم منه بما هو عاقل لكل عاقل» (١) وعليه فالمناط استكشاف رضا الشارع بالعمل ببناء العقلاء ، ويكفي فيه عدم ثبوت الردع ، فانه بنفسه دليل الإمضاء ، فلا تهافت بين كلامي المصنف.

لكنه يشكل بأن مجرد عدم الردع لا يكفي في الإمضاء ، لما تقرر من أن السكوت في ظرف إمكان الردع دليل الإمضاء ، وإلَّا فعدم الردع في ظرف عدم إمكانه لا يكشف عنه ، ولعل زمان نزول الآيات كان أول زمان يمكن فيه الردع عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملة ونحلة ، فان الردع عن مثله في أوائل البعثة لا يخلو عن صعوبة.

وقد يمنع أصل صلاحية عمومات الكتاب للردع عن السيرة بما في تقرير بحث سيدنا الفقيه الأعظم صاحب الوسيلة (قده) بدعوى «انصراف الآيات عن مثل هذا البناء العقلائي ، كسيرتهم على أصالة الصحة عند الشك فيها ، وأصالة الفساد عند الشك في الفساد ، وكون ذي اليد مالكاً عند الشك فيه ونحوها ، لعدم كون الآيات في مقام تحريم العمل بغير العلم تعبداً ، بل هي صادرة في مقام توبيخ الكفار عن مخالفة العقلاء ، فلا يشمل نفس طريقتهم» (٢)

 ولكنه لا يخلو من غموض ، إذ بناءً على شمول الآيات لفروع الدين وعدم اختصاصها بالأصول ـ كما هو مبنى الردع ـ لا وجه لدعوى كونها مسوقة للنهي عن مخالفة طريق العقلاء ، إذ لا قرينة فيها على صرف ظهور مثل «ما لم يعلم» عن مدلوله إلى النهي عن مخالفة الطرق العقلائية. وعليه فلا قصور في رادعية الآيات.

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٢

(٢) منتهى الوصول ، ص ٢٢.

٦٥

الوجه الثاني : أن (١) الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق.

وفيه (٢) : منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن

______________________________________________________

(الدليل الثاني : حجية الاستصحاب من باب الظن)

(١) حاصل هذا الوجه العقلي هو ادعاء الظن ببقاء الحالة السابقة الناشئ من ثبوتها ، بدعوى أن مجرد ثبوت شيء مع عدم الظن بارتفاعه يوجب الظن بالبقاء.

أو دعوى أن الغالب هو بقاء ما لم يعلم ارتفاعه بعد العلم بثبوته. قال الشيخ الأعظم (قده) : «ومنها : أن الثابت في الزمان الأول ممكن الثبوت في الآن الثاني وإلَّا لم يحتمل البقاء ، فيثبت بقاؤه ما لم يتجدد مؤثِّر العدم ...» ثم بسط الكلام في رده ، فراجع.

(٢) أورد المصنف (قده) على الوجه المتقدم بوجوه ثلاثة :

أحدها : ما يرجع إلى الدعوى الأولى فقط ، وحاصله : منع علّية مجرد الوجود السابق للظن بالبقاء ، ضرورة أن الممكن كما يحتاج في حدوثه إلى مؤثر كذلك في بقائه ، إذ وجه الحاجة إلى العلة المحدثة هو الإمكان ، ومن المعلوم بقاء الممكن

__________________

ولا يلزم محذور الدور ، فان حجية أصالة العموم وان كانت منوطة بعدم مخصصية السيرة لها ، وهي مشكوكة حسب الفرض ، إلّا أن في العام اقتضاء الحجية ، وسقوطه عن الحجية الفعلية متوقف على وجود المزاحم أعني الخاصّ الثابت حجيته ، وحيث ان مخصصية السيرة في المقام فرع حجيتها المتقومة بعدم الردع فلا تصلح للمعارضة مع العمومات ، ويقدم أصالة العموم عليها من باب تقديم ما فيه الاقتضاء على ما ليس فيه الاقتضاء ، ويثبت الردع حينئذ.

وقد تحصل من مجموع ما تقدم أن سيرة العقلاء على الاستصحاب ممنوعة ، وعلى فرض تحققها فهي مردوع عنها.

٦٦

بالبقاء فعلاً (١) ولا نوعاً ، فانه لا وجه له (٢) أصلاً إلّا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم ، وهو (٣) غير معلوم.

______________________________________________________

على إمكانه بعد وجوده أيضا ، فالعلة المحوِجة إلى المؤثِّر في حدوث الممكن ـ وهي الإمكان ـ تقتضي احتياج الممكن في بقائه أيضا إلى المؤثر ، لعدم خروج الممكن بحدوثه عن الإمكان الذاتي وان صار واجباً بالغير. هذا ما يرجع إلى الجواب عن الدعوى الأولى. قال الشيخ الأعظم : «ومحصل الجواب ... منع كون مجرد وجود الشيء سابقاً مقتضياً لظن بقائه ...».

ثانيها : أن كون الغالب فيما ثبت أن يدوم غير معلوم ، إذ لم تثبت هذه الغلبة فيما شك في بقائه بعد العلم بحدوثه ، لأن ما ثبت جاز أن يدوم وأن لا يدوم. وهذا الوجه كالوجه الآتي راجع إلى إبطال الدعوى الثانية ، وقد فصّل الشيخ كلامه في منع هذه الغلبة ، فراجع.

ثالثها : أنه ـ بعد تسليم الغلبة المزبورة ـ لا دليل على اعتبارها ، بل نهض على عدم اعتبارها عمومات الكتاب والسنة الناهية عن اتباع غير العلم كما تقدم في بيان الردع عن السيرة العقلائية. هذا إذا أريد الظن النوعيّ بالبقاء.

وأما الشخصي فاعتباره منوط بتمامية دليل الانسداد. بل قد يستلزم اعتباره من باب الظن الشخصي حصولَ الظن بطرفي النقيض ، كما إذا كان حوض خالياً من الماء ثم صبّ فيه مقدار من الماء يشك في بلوغه كراً ، فيحصل الظن الشخصي بعدمه ، وإذا مُلئ الحوض ماءً ثم نقص منه إلى ذلك الحد مما يشك في كرية الباقي ، فيحصل الظن بالكرية ، ومن المعلوم أن حدّاً شخصياً من الحوض لا يمكن أن يصير مجمعاً لحصول ظنين مختلفين ، وهذا يكشف عن عدم إناطة الاستصحاب بالظن الشخصي.

(١) أي : الظن الشخصي في قبال الظن النوعيّ.

(٢) أي : لا وجه لاقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء ، وضمير «انه» للشأن.

(٣) يعني : وكون الغالب فيما ثبت أن يدوم غير معلوم. وهذا إشارة إلى

٦٧

ولو سُلِّم (١) فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم.

الوجه الثالث : دعوى الإجماع عليه كما عن المبادئ ، حيث قال : «الاستصحاب حجة ، لإجماع الفقهاء على أنه متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا ، ولو لا القول بأن الاستصحاب حجة (٢) لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجِّح» (٣) انتهى ،

______________________________________________________

الوجه الثاني.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثالث. وضمير «اعتباره» راجع إلى الظن بالبقاء ، يعني : حيث لا دليل على حجية هذا الظن بالخصوص فهو باقٍ تحت عموم الأدلة الناهية عن اقتفاء غير العلم.

وبالجملة : فالجواب الأول ناظر إلى عدم تسليم الغلبة ، والثاني إلى عدم اعتبارها بعد تسليمها ، لعدم دليل على اعتبارها ، والثالث إلى الدليل العام على عدم اعتبار هذه الغلبة ، للعمومات الناهية عن العمل بغير العلم.

(الدليل الثالث : الإجماع)

(٢) يعني : أن البناء على الحالة السابقة مع تساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى الممكن لا يكون إلّا لأجل حجية الاستصحاب ، إذ لو لم يكن حجة لكان ترجيح البقاء على الارتفاع من دون مرجِّح.

(٣) هذه العبارة وعبارة النهاية وغيرهما نقلها الشيخ الأعظم في مقام الاستدلال على مدعاه وهو اختصاص حجية الاستصحاب بالشك في الرافع ، وظاهر كلام العلامة «ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله» هو هذا ، فعلى تقدير تمامية الإجماع وعدم ورود مناقشات المصنف وغيره عليه يكون أخص من المدعى أعني اعتبار

٦٨

وقد نقل (١) عن غيره أيضا.

وفيه (٢) : أن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق فضلاً (٣) عما إذا لم يكن

______________________________________________________

الاستصحاب مطلقاً.

(١) الناقل هو شيخنا الأعظم نَقَلَ الإجماع عن صاحبي النهاية والمعالم والفاضل الجواد ، لكن في المعالم نسبته إلى الأكثر ، وهو ينافي تصريح المحقق «الإطباق عليه» والعلامة «الاتفاق عليه» فلاحظ. وضمير «غيره» راجع إلى المبادئ.

(٢) ناقش المصنف في الإجماع بما حاصله : أن الإجماع إما محصل وإما منقول ، ويرد على الأول وجهان :

الأول : أن تحصيل الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام في المسألة التي لها مدارك مختلفة في غاية الصعوبة حتى مع الاتفاق ، لعدم كشفه عن إجماع تعبدي ، لاحتمال استناد بعضهم إلى بعض تلك المباني ، وبعضهم إلى بعضها الآخر ، فيكون الإجماع حينئذ مدركياً ، ولا أقل من احتمال مدركيته ، ومن المعلوم أنه لا عبرة به ، إذ العبرة بالمدرك. ووجه عدم كشفه عن رأي المعصوم عليه‌السلام ـ الّذي هو مناط حجية الإجماع ـ واضح ، إذ يمكن أن يكون المتشبث في اعتبار الاستصحاب ببناء العقلاء مثلا منكِراً له بناءً على عدم تمامية مستنده المزبور ، لعدم تمامية سائر الأدلة أيضا في نظره.

الثاني : أن دعوى الإجماع باطلة من أساسها ، لكثرة الأقوال في المسألة ، ومع كثرتها لا يحصل الاتفاق أصلاً.

ويرد على الثاني أيضا وجهان : الأول : أن الإجماع المنقول ليس حجة في خصوص المقام ، لكون نقله موهوناً ، لخلاف المعظم.

الثاني : أن الإجماع المنقول ليس حجة في نفسه كما ثبت في محله.

(٣) هذا إشارة إلى الإشكال الثاني على تقدير كون الإجماع المدعى محصلاً ،

٦٩

وكان (١) مع الخلاف من المعظم ، حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقاً أو في الجملة (*) ، ونقله موهون جداً لذلك (٢) ولو قيل (٣) بحجيته لو لا ذلك (٤).

الوجه الرابع ـ وهو العمدة في الباب ـ الأخبار المستفيضة

______________________________________________________

والضمير المستتر في «يكن» راجع إلى «الاتفاق».

(١) يعني : وكان عدم الاتفاق مع الخلاف من المعظم ، والظاهر عدم الحاجة إلى «مع» فتدبر.

(٢) أي : لخلاف المعظم ، وهذا أول الإشكالين المتقدم بقولنا : «الأول أن الإجماع المنقول ليس حجة في خصوص المقام ...» إلخ.

(٣) هذا إشارة إلى الإشكال الثاني على الإجماع المنقول وهو عدم حجية الإجماع المنقول في نفسه.

(٤) يعني : لو لا الإشكال في تحصيل الإجماع مع اختلاف المباني في حجية الاستصحاب. ويمكن الإشكال في الإجماع في خصوص المقام بأن ما حكاه المحقق في المعارج هو إطباق العلماء على البراءة الأصلية ، وأنها ليست غير الاستصحاب ، فكأن دعوى الإجماع على الاستصحاب حدسية من جهة انطباق البراءة الأصلية عليه ، لكونه إحدى صغرياتها ، فإذا تحقق تعددهما انهدم أساس الإجماع على الاستصحاب.

__________________

(*) الأولى تقديم الإشكال الثاني على الأول ، بأن يقال : «وفيه أولا : أن تحصيل الاتفاق في مثل هذه المسألة مع الخلاف من المعظم لذهابهم إلى عدم حجيته مطلقاً أو في الجملة في غاية الإشكال. وثانياً بعد تسليمه : انه ليس إجماعاً تعبدياً ، لاختلاف المباني في المسألة».

٧٠

منها : صحيحة (١) زرارة ، قال : «قلت له : الرّجل

______________________________________________________

(الدليل الرابع : الأخبار المستفيضة)

(الخبر الأول : صحيحة زرارة في الشك في الوضوء)

(١) لا يخفى أن الصحيحة بالألفاظ المذكورة في المتن تختلف يسيراً مع ما في الوسائل والتهذيب ، لكن هذا الاختلاف لا يخل بالمقصود. وكيف كان فيقع الكلام حول هذه الصحيحة المباركة في جهات خمس : الأولى في سندها ، والثانية في أصل دلالتها على اعتبار الاستصحاب في الجملة في قبال الاستدلال بها على قاعدة اليقين أو قاعدة المقتضي والمانع ، والثالثة في عموم حجيته لجميع الأبواب مما كان الشك فيه في الرافع وعدم اختصاصه بباب الوضوء ، والرابعة في عموم حجيته لموارد الشك في المقتضي ، خلافاً لشيخنا الأعظم وغيره ، والخامسة في عموم حجيته للشبهات الحكمية الكلية والموضوعية.

أما الجهة الأولى فمحصلها : أنه لا ينبغي الإشكال في صحة سند هذه الرواية ، لكون رواتها من الأجلة ، إذ رواها شيخ الطائفة هكذا : «وبهذا الإسناد عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة ، قال : قلت له ...» (١) أما الحسين ومن قبله فمن الثقات وأعيان المذهب. وأما طريق الشيخ إلى الحسين فهو كما ذكره في الحديث الثامن من نفس الباب «أخبرني به الشيخ أيده الله عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وعن الحسين ابن الحسن بن أبان جميعاً عن الحسين بن سعيد» وهذا الطريق وان أمكن البحث في صحته من جهة عدم التنصيص على وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وان كان من المشايخ العظام ، لكن للشيخ إلى محمد بن الحسن بن الوليد طريقاً آخر ذكره في مشيخة التهذيب (٢) ، والواسطة فيه أبو الحسن علي بن أبي جيد القمي ، وهو

__________________

(١) تهذيب الأحكام ، ج ١ ص ٨ ، الوسائل ، ج ١ ص ١٧٥

(٢) تهذيب الأحكام ، ج ١٠ ، ص ٦٥ من المشيخة

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

موثق بتوثيق النجاشي لمشايخه عموماً. وأما ابن الوليد والصفار وأحمد بن محمد ابن عيسى فجلالة شأنهم غير خفية على من له دراية بالرجال.

وما يتوهم قدحه في اعتبار الرواية هو الإضمار ، بدعوى عدم العلم بكون المسئول هو الإمام عليه‌السلام ، ومع عدم إحراز كونها كلام المعصوم عليه‌السلام الّذي هو مخزن علمه تعالى لا وجه لاعتبارها ، لعدم حجية كلام زرارة بما أنه فقيه في الدين على غيره ، وانما يعول على حكايته للسنة التي هي قول المعصوم وفعله وتقريره ، قال الشهيد في محكي الذكرى في مضمرة أخرى لزرارة : «ان رواية زرارة موقوفة».

لكنه مما لا يمكن المساعدة عليه ، لوجوه ، أما أولا : فلأن الرواية وان كانت مضمرة في التهذيب ، إلّا أنها مسندة إلى مولانا أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في جملة من كتب أصحابنا الأجلة كالقوانين والفصول والحدائق ومناهج الفاضل النراقي والفوائد المدنية للأمين الأسترآبادي ، ومحكي فوائد العلامة الطباطبائي وفوائد الوحيد البهبهاني ومفاتيح الأصول والوافية ، ومن المعلوم أن اسناد هذه العدة من أساطين المذهب للرواية إلى المعصوم عليه‌السلام يكشف عن ظفرهم بالأصل المشتمل على الرواية مسندة ، ومثله يورث الوثوق بل القطع باتصال السند بالإمام عليه الصلاة والسلام.

وأما ثانياً : فلأن زرارة لا يسأل من غير الإمام عليه‌السلام لكونه من أجلاء فقهاء الرّواة ، ومثله لا يستفتي عن غير المعصوم عليه‌السلام لا سيما مع هذا الاهتمام ، فالإضمار منه بمنزلة الإظهار من غيره كما أفاده المصنف في الحاشية.

وأما ثالثاً : فلأن ذكرها في كتب الحديث وإثبات الحسين بن سعيد وحماد وحريز لها في أصولهم وكتبهم شاهد على كونه حديثاً مروياً عنه عليه‌السلام.

وأما رابعاً : فلأن هذا الإضمار كغالب الإضمارات نشأ من تقطيع الروايات وذكر كل قطعة منها في الباب المناسب لها ، وإلّا فهي غير مضمرة بحسب الأصل ، قال العلامة الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في مقدمة كتابه منتقى الجمان : «الفائدة

٧٢

ينام (١) وهو على وضوء أتوجب

______________________________________________________

الثامنة : يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الإمام الّذي يروى عنه الحديث بل يشار إليه بالضمير ، وظن جمع من الأصحاب أن مثله قطع ينافي الصحة. وليس ذلك على إطلاقه بصحيح ، إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير إلى المعصوم عليه‌السلام بنحو من التوجيه الّذي ذكرناه في إطلاق الأسماء ، وحاصله أن كثيراً من قدماء رواة حديثنا ومصنفي كتبه كانوا يروون عن الأئمة عليهم‌السلام مشافهة ، ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة وان كانت الأحكام التي في الروايات مختلفة ، فيقول أحدهم في أول الكتاب : سألت فلاناً ويسمي الإمام الّذي يروي عنه ، ثم يكتفي في الباقي بالضمير ، فيقول : وسألته ، أو نحو هذا ، إلى أن تنتهي الأخبار التي رواها عنه ، ولا ريب أن رعاية البلاغة تقتضي ذلك ، فان إعادة الاسم الظاهر في جميع تلك المواضع تنافيها في الغالب قطعاً ، ولمّا أن نقلت تلك الأخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في إطلاق الأسماء بعينه ، لكن الممارسة تطلع على أنه لا فرق في التعبير بين الظاهر أو الضمير» (١).

والحاصل : أنه لا ينبغي الترديد في اعتبار مضمرات زرارة خصوصاً بعد البناء على اعتبار مضمرات من دونه في الفضل والجلالة.

(١) ظاهره تحقق النوم لا مجرد إرادته ، وقد يشكل من جهة عدم اجتماع الطهارة الحاصلة بالوضوء مع النوم لكونهما متضادين ، ومن جهة أخرى قد اعتبروا مقارنة الحال والعامل في ذي الحال ، مع امتناع المقارنة في خصوص المقام كما هو ظاهر.

وأجيب عنه تارة بحمل «ينام» على إشراف النوم ، وأخرى بما أفاده المصنف في حاشية الرسائل من كفاية الاتصال الزماني في المقارنة المعتبرة بين الحال والعامل إما مطلقاً أو في خصوص المقام مما كان أحدهما رافعاً للآخر (٢) لكن تأمل فيه تلميذه المحقق الأصفهاني واختار وجهاً ثالثاً بعد إنكار أصل اعتبار المقارنة

__________________

(١) منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، ج ١ ، ص ٣٥

(٢) حاشية الرسائل ، ص ١٧٩

٧٣

الخفقة (١) والخفقتان عليه الوضوء (٢)؟ قال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، وإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء ، قلت : فان حُرِّك في [إلى] جنبه شيء وهو لا يعلم (٣)؟

______________________________________________________

التي ذكرها علماء العربية ، وقال : «وليست حقيقة الحالية إلّا جعل أحد المضمونين قيداً للآخر بحسب فرض المتكلم ، فقولك جاء زيد وهو راكب ، أي : والمفروض أنه راكب. وكذلك ـ ينام وهو على وضوء ـ أي والمفروض أنه على وضوء ، من دون دخل للاتحاد الزماني بين المضمونين ، فالحالية عين الفرض والتقدير ...» (١) فتأمل.

(١) قال في الصحاح : «خفق الرّجل حرّك رأسه وهو ناعس».

(٢) منشأ هذا السؤال أحد أمرين ، الأول : احتمال ناقضية الخفقة بالاستقلال ، قبال سائر النواقض ، مع القطع بعدم كونها من النوم الناقض الّذي هو نوم القلب الكاشف عنه غلبة النوم على حاسة السمع ، وهي الأذن التي هي آخر حس يعرضه النوم ، كما أن أول ما يغلبه النوم هو حس البصر.

وبالجملة : نوم القلب منشأ تعطيل الحواس كلها. وعليه فالشبهة حكمية.

الثاني : احتمال مصداقية الخفقة للنوم ، بمعنى تحقق النوم الناقض بمجرد عروض الخفقة وكونها من مراتب النوم الناقض شرعاً وان لم يكن نوماً حقيقة. والظاهر من السؤال هو هذا الاحتمال ، بمعنى أن السائل يريد تحديد مفهوم النوم الناقض ، وأنه يشمل الخفقة أم يختص بنوم القلب ، فالشبهة مفهومية. وهذا ما استظهره المصنف في الحاشية. وعليه فهذه الجملة لا ترتبط بالاستصحاب بناءً على ما هو الحق من منع جريانه في الشبهات المفهومية.

(٣) أي : لا يحسّ به ولا يحصل التفات إليه. وهذا السؤال كسابقه يحتمل فيه وجهان أحدهما : كونه سؤالاً عن الشبهة الموضوعية ، يعني يشك زرارة بمجرد

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٦

٧٤

قال : لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك أبداً ، ولكنه ينقضه بيقين آخر».

______________________________________________________

 ـ غلبة النوم على حاسة الأُذن ـ في تحقق نوم القلب الّذي جعله الإمام عليه‌السلام ناقضاً للوضوء ، وأجاب عليه‌السلام : «لا» وهو نتيجة الاستصحاب.

ثانيهما : كونه سؤالاً عن الشبهة المفهومية بأن يكون زرارة قد فهم من قوله عليه‌السلام : «فإذا نام القلب والأُذن فقد وجب الوضوء» موضوعية نوم الأُذن لوجوب الوضوء ، لا أماريته على نوم القلب ، فحصلت الشبهة في دخول هذه المرتبة من النوم في المناط ، لتردد مفهومه بين ما يعمها وما لا يعمها ، نظير سؤاله الأول الراجع إلى الشك في صدق النوم على الخفقة. واستظهر المصنف هنا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في التنبيه الرابع عشر وفي الحاشية الأول ، يعني أن زرارة بعد أن علم بمناط النوم الناقض ـ وهو نوم العين والأُذن ـ سأل من الإمام عليه‌السلام عن حكم الفتور الحاصل في الحاستين وأنه أمارة على النوم أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام بنفي أماريته ، لأن عدم الإحساس بحركة شيء في جنبه ليس لازماً مساوياً للنوم ، بل قد يتفق لليقظان إذا كان مشتغلاً بأمر يهمه بحيث لا يلتفت إلى ما يجري حوله.

وعليه فالسؤال يكون عن شبهة موضوعية ، إذ لو كان عن تحديد مفهوم النوم لاقتضى شأنه عليه‌السلام رفع الشك ببيان حدود مفهوم النوم الناقض واقعاً ، لا إبقاء السائل على جهله ببيان حكمه الظاهري المغيا باليقين بالخلاف بقوله عليه‌السلام : «حتى يستيقن أنه قد نام» فكان المناسب أن يقول عليه‌السلام : «حتى يستيقن أنه نوم لا نام» لظهور «نام» في الشبهة الموضوعية بلحاظ احتوائه على ضمير راجع إلى الشاك في تحقق النوم ، ومعناه «لا حتى يحرز أن ما حصل في الخارج منه هو النوم» بخلاف «حتى يستيقن أنه نوم» الظاهر في ناقضية نفس النوم المشكوك صدقه بفتور الحاستين.

٧٥

وهذه الرواية وان كانت مضمرة (١) ، إلّا أن إضمارها لا يضرّ باعتبارها ، حيث كان مُضمِرها مثل زرارة ، و هو ممن لا يكاد يستفتي من غير الإمام عليه‌السلام لا سيما مع هذا الاهتمام (٢).

وتقريب الاستدلال بها : أنه لا ريب (٣) في ظهور قوله عليه‌السلام :

______________________________________________________

(١) وهي من أقسام المرسلة التي لا يعتمد عليها إلّا بالجبر بعمل المشهور.

(٢) يعني : اهتمام زرارة المستكشف من تصديه للسؤال عن شقوق المسألة من تحديد مفهوم النوم الناقض والأمارة عليه. وهذا إشارة إلى الجهة الأولى وهي سند المضمرة.

(٣) هذا إشارة إلى الجهة الثانية ، وحاصل ما أفاده فيها : أن مورد الاستدلال بهذه الصحيحة هو قوله عليه‌السلام : «وإلّا فانه على يقين» إذ هو بمنزلة قوله : «وان لا يستيقن أنه قد نام فلا يجب الوضوء ، لأنه كان متيقناً بالوضوء» وهذا هو الاستصحاب ، حيث ان جملة «فانه على يقين» اسمية ، فهي ظاهرة في تحقق اليقين فعلاً أي في زمان تحقق الشك ، غاية الأمر أن اليقين تعلق بالحدوث ، والشك بالبقاء ، فالمكلف متيقن في حال عروض الخفقة والخفقتين بتحقق الوضوء سابقاً ، وشاك في انتقاضه بعروض النعاس عليه. نعم لو كان مفاد «فانه على يقين» أنه كان على يقين من وضوئه وزال ذلك اليقين بطروء الشك الساري الموجب لانعدام اليقين بالحدوث لأمكن إرادة قاعدة اليقين من الجملة المتقدمة. لكن قد عرفت أن ظهورها في فعلية اليقين بالحدوث آبٍ عن إرادة غير الاستصحاب منه. هذا ما أفاده المصنف في حاشية الرسائل حول دلالة الصحيحة على أصل اعتبار الاستصحاب دون غيرها من قاعدة اليقين.

وما أفاده في المتن ناظر إلى تعميم هذه الدلالة ، ومحصله : أن النهي عن نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ليس لخصوصية في الوضوء ، بل لكونه من صغريات القضية الكلية الارتكازية على ما هو ظاهر التعليل بقوله : «فانه على يقين» من كونه بأمر

٧٦

 «وإلّا فانه على يقين ... إلخ»

______________________________________________________

ارتكازي ، لوضوح أن عدم نقض اليقين بخصوص الوضوء بسبب الشك فيه ليس من مرتكزات العقلاء بما هم عقلاء حتى يتجه التعليل به ، وعلى هذا فالصحيحة دليل على حجية الاستصحاب مطلقاً من دون اختصاصها بباب دون باب.

وما استظهره المصنف من الصحيحة موافق لما أفاده شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «وتقرير الاستدلال : أن جواب الشرط في قوله عليه‌السلام : وإلّا فانه على يقين محذوف قامت العلة مقامه لدلالته عليه ... وإقامة العلة مقام الجزاء لا تحصى كثرة في القرآن وغيره ، مثل قوله تعالى : فان تجهر بالقول فانه يعلم السر وأخفى أي فاعلم أنه غني عن جهرك ... وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء ، وجعل العلة نفس اليقين يكون قوله عليه‌السلام : ولا ينقض اليقين بمنزلة كبرى كلية للصغرى المزبورة».

فان قلت : الالتزام بحذف الجواب وقيام العلة مقامه خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلَّا بدليل ، فليكن جملة «فانه» هو الجزاء ، ولازمه اختصاص حجية الاستصحاب بباب الوضوء.

قلت : حذف الجواب وان كان خلاف الأصل ، لكن لا مناص من الالتزام به ، إذ لا يصح وقوع ما بعد «فانه» جزاءً للشرط ، لعدم ترتبه عليه ، فلا بد أن يكون نفس الجزاء محذوفاً ، أقيم غيره مقامه ، وقد صرّح بهذا علماء العربية ، فقال ابن هشام في المغني : «ويجوز حذف الجواب في غير ذلك ـ أي في غير موارد وجوب حذفه ـ نحو : فان استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أي فافعل ، ولو أن قرآناً سيرت به الجبال ، الآية أي : لما آمنوا به ، بدليل : وهم يكفرون بالرحمن ، لو تعلمون علم اليقين ، أي : لارتدعتم وما ألهاكم التكاثر ، ولو افتدى به ، أي : ما تقبل منه ... إلى أن قال : التحقيق أن من حذف الجواب مثل : من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآتٍ ، لأن الجواب مسبب عن الشرط ، وأجل الله آتٍ سواء أوجد الرجاء أم لم يوجد ، وانما الأصل فليبادر بالعمل ، فان أجل الله لآت» (١)

__________________

(١) مغني اللبيب ، الطبعة الحديثة ، ص ٨٤٩ إلى ٨٥١

٧٧

عرفاً (١) في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك (٢) فيه ، وأنه (٣) عليه‌السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء المستفاد (٤) من قوله عليه‌السلام : «لا» في جواب «فان حرك في جنبه ... إلخ» وهو (٥) اندراج

______________________________________________________

وعليه فحيث لا ترتب للجزاء ـ وهو كونه على يقين من وضوئه ـ على الشرط ـ وهو الشك في حدوث النوم الناقض للوضوء ـ لأن اليقين كان قبل هذا الشك وسيكون بعده ، فليس ما بعد الفاء جزاءً للشرط ، بل لا بد أن يكون الجزاء محذوفاً أقيمت علته مقامه.

(١) هذا و «في النهي» متعلقان بـ «ظهور» يعني : أنه يستفاد النهي من مجموع الجزاء المحذوف وهو «فلا إعادة» وعلته وهو «فانه على يقين من وضوئه».

(٢) متعلق بـ «نقض» وضمير «فيه» راجع إلى «شيء».

(٣) معطوف على «النهي».

(٤) صفة لـ «الجزاء» والجزاء المستفاد من قوله عليه‌السلام : «لا» هو «لا يوجب الوضوء».

(٥) الضمير راجع إلى الموصول في «ما هو» يعنى : أن علة عدم وجوب الوضوء عند عروض الخفقة والخفقتين هو : أن الشك في مورد السؤال يندرج في القضية الارتكازية من البناء على ما كان وعدم نقض اليقين إلّا بمثله.

وبالجملة : فقوله عليه‌السلام : «فانه على يقين من وضوئه» علة للجزاء المحذوف وهو قوله : «فلا إعادة» والغرض من هذا التعليل هو إدراج اليقين بالوضوء والشك فيه تحت القضية الكلية غير المختصة بباب دون باب.

وبيانه : أنه يعتبر في تعليل حكم بشيء أن تكون العلة المنصوصة قضية كلية مرتكزة في ذهن المخاطب ، ويكون الغرض من التعليل التنبيه على صغروية المعلّل لعموم تلك العلة ، كما إذا قال الشارع : «لا تشرب الخمر فانه مسكر» أو قال الطبيب للمريض : «لا تأكل الرمان فانه حامض» فان المفهوم من نحو هذا التعبير استناد

٧٨

اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية غير

______________________________________________________

النهي عن شرب الخمر وأكل الرمان إلى انطباق عنوان المسكر المفروغ عن حرمته وعنوان الحامض المضِر بحال المريض عليهما ، وعليه فالمناط في حسن التعليل كون العلة كبرى كلية ارتكازية ، والمعلّل من صغرياتها.

وعلى هذا فتعليل عدم وجوب إعادة الوضوء في الصحيحة بقوله عليه‌السلام : «فانه لا ينقض اليقين بالشك» تعليل بأمر مغروس في أذهان العقلاء ، لأجل أن اليقين بما أنه كاشف ذاتي عن الواقع مما ينبغي سلوكه ، والشك حيث انه محض التحير والتردد لا يجوز البناء عليه لكونه محتمل الضرر ، وهذه الكبرى العقلائية المسلّمة طبّقها الإمام عليه‌السلام على الاستصحاب وان زال اليقين وتبدل بالشك (*).

__________________

 (*) لا يخفى منافاة إنكاره لبناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة عند الشك في بقائها مع ما تكرر منه هنا وفي حاشية الرسائل من الاعتراف بكون قضية «فانه على يقين» تعليلاً بأمر مرتكز في أذهان العقلاء ، لوضوح عدم التئام هذين الكلامين. ولذا قد يوجه تارة بما في حقائق سيدنا الأستاذ (قده) من أن «المقصود أنه ارتكز في أذهانهم مناسبة العلة للتعليل كسائر التعليلات الارتكازية مقابل التعليلات التعبدية ، مثلاً إذا قال : أكرم زيداً لأنه عالم فهو تعليل بأمر ارتكازي ، وإذا قال : أكرم زيداً لأنه طويل ، فالتعليل لا يناسب الارتكاز ... بخلاف صفة العلم ، فحيثية اليقين الّذي يطرأ على موضوعه الشك مما يرتكز في ذهن العرف والعقلاء صلاحيته للحكم بعدم جواز النقض» (١)

وحاصله : أن المقصود بكون التعليل بأمر ارتكازي لا تعبدي هو : أن مناسبة العلة للتعليل مما ارتكز في أذهان العقلاء ، لا كون العلة بنفسها من المرتكزات الفعلية العقلائية بحيث يكون لهم حكم فعلي بعدم نقض اليقين بالشك ، بل هذا حكم شأني لهم.

وأخرى بما في تقرير بعض أعاظم العصر مد ظله من أن «قاعدة عدم جواز

__________________

(١) حقائق الأصول ، ٢ ـ ٤٠٢.

٧٩

المختصة بباب دون باب.

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

نقض اليقين بالشك قاعدة ارتكازية مسلمة ، فان اليقين والشك بمنزلة طريقين يكون أحدهما مأموناً من الضرر والآخر محتمل الضرر ، فإذا دار الأمر بينهما لا إشكال في أن المرتكز هو اختيار الطريق المأمون ، وما أنكرناه سابقاً انما هو تطبيق هذه الكبرى الكلية على الاستصحاب ، لعدم صدق نقض اليقين بالشك عرفاً ، لأن اليقين متعلق بالحدوث فقط والشك متعلق بالبقاء ، فلم يتعلق اليقين بما تعلق به الشك حتى لا يجوز نقض اليقين بالشك ، فلا يصدق نقض اليقين بالشك عرفاً ، فتطبيق هذه الكبرى الارتكازية على الاستصحاب انما هو بالتعبد الشرعي لأجل هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الآتية. ولا مانع من كون الكبرى مسلمة ارتكازية مع كون بعض الصغريات غير واضحة ، فان اجتماع الضدين مما لا إشكال ولا خلاف في كونه محالاً ، مع أنه وقع الخلاف بينهم في جواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد من جهة أنه هل يكون اجتماعهما من قبيل اجتماع الضدين أم لا؟» (١) لكن قد يشكل الوجه الأول بأن المناسبة المعتبرة في مقام التعليل ليست مطلق الربط بين العلة والمعلل ، وانما هو ربط خاص يحصل إما باندراج المعلّل في عموم العلة بأن يكون من مصاديقها فعلاً ، كما مثّل (قده) بوجوب إكرام زيد العالم ونحوه من موارد منصوص العلة ، لثبوت حسن هذا التعليل عند العقلاء ، لكونه مصداقاً فعلياً للعالم الّذي ارتكز في أذهانهم رجحان إكرامه وتعظيمه ، دون التعليل بطول القامة مثلاً. وإما بكون العلة ملاكاً للحكم المعلّل ، كتعليل وجوب الصوم ونحوه بالتقوى مثلا.

وعلى التقديرين ـ أي سواء أكانت العلة علة للجعل أم للمجعول ـ يعتبر في حسن التعليل بها فعلية العلة إما بانطباقها فعلاً على الموضوع المعلل كانطباق «العالم» على «زيد» في المثال ، وإما بملاكيتها كذلك لحكمه ، فمع شأنية العلة وعدم فعليتها لا يصح تعليل ذي الحكم الفعلي بها ، إذ هو نظير تعليل موجود بمعدوم ، كما

__________________

(١) مصباح الأصول ، ٣ ـ ١٩.

٨٠