منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٧

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٢٥

إنما (١) هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا (٢) ، فلا (٣) يكاد يثبت به (٤) من آثاره إلّا أثره الشرعي الّذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر (٥) حسبما عرفت فيما مر (٦) ،

______________________________________________________

أم حكما.

(١) خبر قوله : «ان عدم» يعني : أن عدم ترتب الأثر العقلي أو العادي وكذا الأثر الشرعي المترتب عليهما بالاستصحاب مختص بالحكم الّذي يكون بوجوده الواقعي موضوعا للأثر. وأما إن كان الموضوع وجود الحكم مطلقا ولو في الظاهر فلا مانع من ترتب لوازمه العقلية والعادية وآثارهما الشرعية عليه ، وضمير «هو» راجع إلى «عدم ترتب»

(٢) قيد للمستصحب ، والمراد بـ «ما» الموصول حكم المستصحب.

(٣) هذه نتيجة حصر نفي ترتب الأثر غير الشرعي ـ أو الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي على الاستصحاب ـ بكون الحكم بوجوده الواقعي موضوعا ، فان مقتضى هذا الحصر ترتب اللازم غير الشرعي أو الشرعي المترتب عليه على الحكم الثابت بالاستصحاب إذا كان الحكم بمطلق وجوده ولو ظاهريا موضوعا كما مر تفصيله ، دون ما إذا كان موضوع الأثر خصوص الوجود الواقعي للحكم ، فانه لا يترتب على استصحاب الحكم ، لأن الثابت به وجود ظاهري له ، والمفروض أنه ليس موضوعا للحكم ، وقد تقدمت أمثلة الكل.

(٤) أي : فلا يكاد يثبت بالاستصحاب من آثار المستصحب إلّا أثره الشرعي الّذي كان للمستصحب بلا واسطة كوجوب إنفاق الزوجة الثابت باستصحاب حياة الزوج بلا واسطة. وضمائر «آثاره ، أثره ، له» راجعه إلى «المستصحب».

(٥) كحرمة أخذ الخمس أو الزكاة على الزوجة المستصحبة حياة زوجها ، فان هذه الحرمة مترتبة على وجوب الإنفاق عليها الثابت باستصحاب حياة زوجها.

(٦) أي : في التنبيه السابع ، حيث قال في صدره : «كما لا شبهة في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية» فتدبر.

٥٨١

لا بالنسبة (١) إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا (٢) كان (٣) بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب ، فان آثاره (٤) شرعية كانت أو غيرها تترتب عليه إذا ثبت ولو (٥) بأن يستصحب ، أو كان (٦) من آثار

______________________________________________________

(١) معطوف على «بالنسبة» يعني : أن عدم ثبوت الأثر غير الشرعي وكذا أثره وإن كان شرعيا بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى الأثر الثابت لنفس الواقع المستصحب ، لا بالنسبة إلى الأثر غير الشرعي الثابت للحكم بوجوده مطلقا سواء أكان واقعيا أم ظاهريا ، فان لا مانع من ترتبه على الاستصحاب ، لتحقق موضوعه ظاهرا بالاستصحاب. والمراد بالموصول في قوله : «ما كان» هو الأثر غير الشرعي.

(٢) قيد للأثر الشرعي ، يعني : أن يكون الأثر الشرعي بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري موضوعا للأثر غير الشرعي ، كوجوب الإطاعة المترتب على الحكم الشرعي مطلقا ولو كان ظاهريا ثابتا بالاستصحاب مثلا.

(٣) بيان للإطلاق ، يعنى : سواء ثبت الحكم الشرعي الأعم من الواقعي والظاهري بخطاب الاستصحاب كقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» الّذي هو من الأصول العملية ، أم بخطاب غير الاستصحاب كالأدلة الاجتهادية غير العلمية كخبر الواحد ، وضمير «بغيره» راجع إلى خطاب الاستصحاب.

(٤) يعني : فان آثار الأثر الشرعي الّذي يكون بوجوده المطلق موضوعا لها تترتب على ذلك الأثر الشرعي وان كانت تلك الآثار غير شرعية.

(٥) هذا هو الفرد الخفي للثبوت ، يعني : أن الآثار الشرعية تترتب عليه إذا ثبت ذلك الحكم الشرعي ظاهرا ولو بأن يجري الاستصحاب في نفسه أو في الموضوع الّذي يترتب عليه هذا الحكم ، وضمير «غيرها» راجع إلى «شرعية» وضميرا «عليه» والمستتر في «يستصحب» راجعان إلى «الأثر».

(٦) معطوف على «لأن يستصحب» يعني : ولو ثبت ذلك الأثر الشرعي بالاستصحاب الجاري في موضوع ذلك الأثر الشرعي ، فهذا إشارة إلى الاستصحاب

٥٨٢

المستصحب ، وذلك (١) لتحقق موضوعها حينئذ (٢) حقيقة ، فما للوجوب (*) عقلا (٣) يترتب على الوجوب (٤) الثابت شرعا باستصحابه أو

______________________________________________________

الموضوعي ، وقوله : «يستصحب» إشارة إلى الاستصحاب الحكمي.

(١) هذا تعليل لترتب الآثار الشرعية وغيرها على الأثر الشرعي الثابت بالاستصحاب الجاري في نفسه أو في موضوعه ، ومحصله : أن ترتبها عليه يكون من ترتب الحكم على موضوعه ، فلا يحتاج ترتب تلك الآثار عليه إلى تنزيل آخر ، بل يكفي في ترتبها مجرد التعبد بثبوت موضوعها كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة مثلا إذا فرض ترتب وجوب التصدق على وجوبها ، ووجوب الدعاء على وجوب التصدق وهكذا ، فان هذه الأحكام الشرعية الطولية تترتب على تحقق وجوب صلاة الجمعة ولو بالاستصحاب المحرز له ظاهرا ، إذ المفروض كون موضوع تلك الآثار الحكم الشرعي بوجوده الأعم من الظاهري والواقعي ، ومن الواضح امتناع انفكاك الحكم من الموضوع ، لأن وزانهما وزان العلة والمعلول ، فجميع الآثار الشرعية والعقلية والمترتبة على الحكم مطلقا سواء أكان واقعيا أم ظاهريا تترتب على الحكم الشرعي الثابت بالاستصحاب أو غيره.

(٢) أي : حين ثبوت الأثر الشرعي ظاهرا ولو بالاستصحاب.

(٣) كوجوب الإطاعة الثابت للوجوب الشرعي ، فانه يترتب على الوجوب الشرعي الثابت باستصحاب نفسه كوجوب صلاة الجمعة كما مر آنفا ، أو باستصحاب موضوعه كاستصحاب حياة الغائب المترتب عليها وجوب الإنفاق شرعا على زوجته ، المترتب على هذا الوجوب الشرعي الحكم العقلي وهو وجوب الإطاعة.

(٤) بل كل أثر شرعي إلزامي كالحرمة كما عبّر هو (قده) أيضا فيما تقدم بالأثر الشرعي الجامع للوجوب والحرمة.

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «فالحكم العقلي المطلق من وجوب الموافقة ... إلى غير ذلك يترتب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو استصحاب موضوعه

٥٨٣

استصحاب موضوعه (١) من (٢) وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك (٣) كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب (٤) بلا شبهة وارتياب ، فلا تغفل (٥).

______________________________________________________

(١) هذا في الاستصحاب الموضوعي ، وما قبله هو الاستصحاب الحكمي.

(٢) مفسّر لـ «ما» الموصول. وفيه كلام مذكور في التعليقة ، فراجع.

(٣) كوجوب المقدمة وحرمة الأضداد.

(٤) كالعلم والدليل المعتبر كالخبر الصحيح ، فان الحكم العقلي يترتب على الأثر الشرعي الثابت بهما ثبوتا واقعيا في الأول وظاهريا في الثاني.

(٥) وتفطّن حتى لا يخطر ببالك التنافي بين ما تقدم من عدم حجية الأصل المثبت وبين ما ذكر هنا من ترتب الآثار غير الشرعية على الأثر الشرعي الثابت بالاستصحاب ، فان هذا اعتراف بحجية الأصل المثبت ورجوع عن إنكارها ، وليس هذا إلّا التهافت بينهما.

__________________

كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب ... إلخ» وذلك أما أوّلا : فلأنه لا بد أن يكون مفسّر الموصول في «ما للوجوب» من عوارض الوجوب لا نفسه المذكور صريحا في العبارة ، إذ ليس الوجوب العقلي إلّا نفس الأمور المذكورة ، فهو نظير «أكرم ما لزيد من زيد».

وأما ثانيا : فلأن الحكم العقلي المترتب على الأثر الشرعي لا يختص بالوجوب ، بل كل حكم عقلي من الحسن والقبح الثابتين لمطلق الأثر الشرعي ولو بوجوده الظاهري يترتب عليه. نعم إذا أريد بقوله : «للوجوب عقلا» الحكم العقلي لا يرد عليه شيء ، ضرورة أن الحكم العقلي حينئذ يشمل الجميع ، فكأنه قيل : «فما للحكم العقلي من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة إلى غير ذلك كما يترتب على الثابت بغير الاستصحاب ... إلخ» لكن هذا الاحتمال بعيد.

٥٨٤

العاشر (١): أنه قد ظهر مما مر (٢) لزوم أن يكون المستصحب حكما

______________________________________________________

(التنبيه العاشر : اعتبار موضوعية المستصحب للأثر بقاء لا حدوثا)

(١) الغرض من عقد هذا التنبيه دفع توهم من زعم أن قولهم : «ان المستصحب إما حكم شرعي وإما ذو حكم كذلك» يدل على اعتبار أن يكون كذلك في كلتا مرحلتي الثبوت والبقاء ، فلو كان كذلك في مرحلة البقاء فقط دون الثبوت لم يجر فيه الاستصحاب. وقد دفع المصنف هذا التوهم بأن مورد التعبد والتنزيل في الاستصحاب هو مرحلة الشك أعني البقاء دون الحدوث ، فلا بد أن يكون مورد الاعتبار المزبور هي هذه المرحلة أيضا ، لئلا يلزم لغوية التعبد ، من دون حاجة إلى اعتبار ذلك في مرحلة الثبوت ، لعدم كونها مورد التعبد ـ من الأصل العملي الّذي موضوعه الشك ـ فوجود الحكم في حال اليقين وعدمه سيّان بالنسبة إلى الاستصحاب.

ولعل منشأ التوهم المزبور كون التعبد في الاستصحاب بعنوان الإبقاء ، فان هذا العنوان يوهم اعتبار كونه كذلك حدوثا أيضا. لكنه ليس كذلك ، لأن الأصول العملية التي منها الاستصحاب جعلت وظائف للشاك حين العمل ، وحيث ان مورد الاستصحاب هو الشك المسبوق باليقين عبّروا عنه بالإبقاء فرقا بينه وبين سائر الأصول العملية (*).

(٢) أي : من مطاوي الأبحاث السابقة كتعريفه للاستصحاب بأنه «حكم الشارع ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم» لدلالته على أنه أصل عملي في مرحلة الشك في البقاء لا في مرحلة القطع بالثبوت ، إذ ليس في تلك المرحلة شك حتى يقع موردا للتعبد الاستصحابي.

__________________

(*) لا يخفى أن مقتضى ما تقدم من كون الغرض من عقد هذا التنبيه دفع توهم اعتبار مجعولية المستصحب حدوثا في جريان الاستصحاب هو أجنبيته عن الأصل المثبت. فما في تقريرات سيدنا الفقيه صاحب الوسيلة وفي حاشية المحقق

٥٨٥

شرعيا أو ذا حكم كذلك (١). لكنه (٢) لا يخفى أنه لا بد أن يكون

______________________________________________________

(١) أي : شرعي. هذا إشارة إلى الاستصحاب الحكمي ، وما قبله إشارة إلى الاستصحاب الموضوعي.

(٢) غرضه بيان مورد لزوم كون المستصحب حكما أو ذا حكم حتى يندفع به التوهم المزبور ، ومحصله كما تقدم آنفا : أن مورد ذلك هو البقاء ، لأنه ظرف الشك الّذي هو مورد الاستصحاب ، وليس ذلك إلّا مرحلة البقاء دون الثبوت ، فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا موضوعا ذا حكم وكان كذلك بقاء جرى فيه الاستصحاب. ومثّل في المتن ـ لما لم يكن حكما حال اليقين به وصار كذلك حال الشك ـ باستصحاب عدم التكليف ، حيث انه في الأزل ليس حكما مجعولا ، لعدم محكوم عليه فيه حتى يكون حكما له ، لكنه فيما لا يزال ـ أي في المستقبل الّذي هو ظرف تشريع الأحكام ـ يكون حكما ، لما مر من أن نفيه كثبوته فيما لا يزال مجعول شرعا ، بمعنى أن للشارع إبقاء العدم على حاله ونقضه بالوجود ـ وان لم يطلق عليه الحكم ـ لأن الملاك في شرعية الحكم هو كون المورد قابلا لأن تناله يد التشريع ، وهذا الملاك موجود في العدم الأزلي ، فإبقاؤه كنقضه حكم ، فإذا شك في بقائه فلا مانع من استصحابه بعد كون هذا العدم عند الشك في بقائه حكما أي قابلا لاستيلاء يد التشريع عليه.

__________________

المشكيني (قدهما) من كون هذا التنبيه من ملحقات الأصل المثبت (١) لم يظهر له وجه. وتوجيه عدّه من ملحقاته كما في حاشية بعض الأعاظم (قده) بما حاصله : «أن المستصحب إذا كان عدم فعلية التكليف حال الصغر ، حيث إن الصغر دخيل في عدم فعليته ، وكان الغرض من استصحابه نفي إنشاء التكليف رأسا كان مثبتا ، لأن لازم عدم فعليته بعد البلوغ هو عدم جعله أصلا ، إذ لو كان مجعولا بعد البلوغ لكان فعليا ، لعدم مانع عن فعليته بعده ، فبقاء عدم فعليته ملازم عقلا لعدم تشريعه رأسا» (٢) لا يخلو من غموض ، لأن مفروض كلام المصنف (قده) ليس هو عدم فعلية التكليف حال الصغر ، بل عدمه الأزلي. وعليه فلا وجه لإلحاق هذا التنبيه بالأصل المثبت.

__________________

(١) منتهى الوصول ، ص ١٥٠

(٢) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٠٤

٥٨٦

كذلك (١) بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا ، فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك ـ أي حكما ـ أو ذا حكم يصح (٢) استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف (٣) ، فانه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل (٤) ولا ذا حكم ، إلّا أنه حكم مجعول فيما لا يزال (٥) ،

______________________________________________________

ويمكن التمثيل لعدم كون العدم في حال اليقين حكما ولا موضوعا له بعدم رضا المالك بالتصرف في ماله ، فانه قبل تصرف أحد في ماله ليس عدم رضاه حكما ولا موضوعا لحكم فعلي أصلا ، لا تكليفي كالحرمة ، ولا وضعي كالضمان ، لكنه بعد وضع شخص يده عليه إذا شك في بقاء عدم رضاه جرى استصحابه بلا مانع ، ومقتضاه حرمة تصرف الغير فيه وضمانه له ، فعدم رضا المالك حال اليقين به لم يكن حكما ولا ذا حكم ، ولكنه حال الشك يكون دخيلا في الحكم ولو جزءاً لموضوعه ، وهذا المقدار كاف في صحة الاستصحاب ، كاستصحاب اجتهاد شخص لجواز تقليده مع كون غير الاجتهاد أيضا كالعدالة دخيلا في هذا الحكم.

(١) أي : حكما أو ذا حكم ، وهذا أيضا معنى قوله بعد ذلك : «كذلك» وضمير «أنه» للشأن ، وضمائر «ثبوته ، له ، استصحابه» راجعة إلى المستصحب.

(٢) هذا جواب «لو» في قوله : «فلو لم يكن المستصحب».

(٣) هذا مثال لعدم كون المستصحب حال اليقين به حكما شرعيا ولا ذا حكم شرعي ، لأنه هي البراءة الأصلية العقلية في الأزل ، وضمير «استصحابه» راجع إلى «المستصحب».

(٤) لبرهان حدوث العالم بأسره في قبال قدمه ، وضميرا «فانه ، أنه» راجعان إلى «عدم».

(٥) وهو المستقبل الّذي يكون زمان الشك في البقاء المأخوذ موضوعا للتعبد الاستصحابي ، ومن المعلوم أنه لا معنى لجريان الاستصحاب في ظرف الشك في

٥٨٧

لما (١) عرفت من أن نفيه كثبوته في الحال (٢) مجعول (*) شرعا. وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتا (٣) أو كان ولم يكن حكمه

______________________________________________________

البقاء إلّا ترتيب الأثر الشرعي على المستصحب ، وإلّا يلزم اللغوية.

(١) تعليل لكونه حكما فيما لا يزال ، وحاصله : ما أفاده سابقا في التنبيه الثامن بقوله : «وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده أو نفيه وعدمه ، ضرورة أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته» من كفاية مجرد القابلية للجعل في الاستناد إلى الشارع ، لاستواء نسبة القدرة إلى الطرفين ، فالعدم الأزلي في زمان الشك في بقائه مجعول شرعي بهذا المعنى من الجعل. لكن صحة إسناده إلى الشارع باعتبار قدرته على نقض عدمه بالوجود أمر ، وإطلاق الجعل والمجعول على عدم الحكم أمر آخر ، ضرورة مساوقة الجعل للتكوين والإيجاد ولو في عالم الاعتبار ، وهذا لا يصدق على مجرد القدرة على نقض العدم بالوجود.

نعم لا ريب في انتساب بقاء هذا العدم إلى الشارع. وضميرا «نفيه ، كثبوته» راجعان إلى التكليف. وبهذه العبارة يبين مراده من الحكم ، فلا تنافي بين نفى الجعل وإثباته.

(٢) أي : حال البقاء الّذي هو حال الشك ومورد جريان الاستصحاب.

(٣) أي : في حال اليقين بالمستصحب ، كما إذا كان الصبي مستطيعا من حيث المال ، وبعد بلوغه يشك في بقاء استطاعته المالية ، فانه لا مانع من استصحابها والحكم بوجوب الحج عليه ، مع أن استطاعته في زمان اليقين بها لم تكن موضوعا

__________________

(*) لا يخفى أن ما اشتهر من أنه لا بد أن يكون المستصحب حكما أو موضوعا ذا حكم مما لا أصل له. إذ لم يقم عليه دليل من آية أو رواية أو إجماع أو عقل ، وغاية ما يقتضيه دليل الاقتضاء هو عدم لزوم اللغوية من التعبد المدلول عليه بمثل «لا تنقض» ومن المعلوم تحقق الخروج عن اللغوية بقابلية المورد للجعل والتشريع وإن لم يطلق عليه الحكم اصطلاحا كما أفاده المصنف (قده).

٥٨٨

فعليا (١) وله حكم كذلك (٢) بقاء ، وذلك (٣) لصدق نقض اليقين بالشك

______________________________________________________

لوجوبه. وكاستصحاب حياة الولد إلى زمان موت والده ، فان حياته في زمان اليقين بها لم تكن موضوعا للإرث ، لأنها كانت في زمان حياة الوالد ، وموضوعيتها للإرث إنما تكون حال وفاته وهو زمان الشك في حياته ، فحياة الولد في زمان اليقين بها لم تكن ذات أثر شرعي ، وصارت في زمان الشك فيها ذات أثر.

وجميع الأعدام الأزلية من هذا القبيل كعدم التذكية حال حياة الحيوان ، وعدم القرشية ، وعدم المادة ، وعدم الكرية ونحوها ، فانه لا يترتب أثر شرعي على هذه الأعدام حال اليقين بها ، فان عدم التذكية لا أثر له إلّا بعد زهوق روح الحيوان والشك في انتقاض هذا العدم. وكذا عدم القرشية ، فانه لا أثر له حين اليقين به وهو عدم وجود المرأة ، وإنما أثره بعد وجودها ، لأنه يشك في بقاء عدم القرشية بالنسبة إلى هذه المرأة ، فإذا جرى استصحاب عدم قرشيتها ترتب عليه حكمه ، لو لم يناقش في استصحابه من جهة المثبتية. وكذا الحال في عدم المادة وعدم الكرية ، فانهما في حال اليقين بعدمهما لا أثر لهما ، والأثر يترتب عليهما فيما إذا شك في بقائهما بسبب وجود ماء يشك في كريته أو كونه ذا مادة ، فانه يترتب على استصحاب عدمهما انفعالهما بملاقاة النجاسة.

(١) كطهارة الثوب والبدن قبل وقت الصلاة ، فان فعلية شرطيتها إنما تكون بعد وقتها الّذي هو ظرف الشك في بقائها ، ومن المعلوم أنه لا إشكال في صحة استصحابها مع عدم فعليتها حال اليقين بها.

(٢) أي : فعلي ، وقوله : «له» متعلق بمحذوف ، يعني : ولم يكن حكمه فعليا وكان له حكم فعلي بقاء. ولو كانت العبارة هكذا «أو كان ولم يكن فعليا إلّا بقاء» كانت أخصر ، ومع إبقاء العبارة على حالها يكون الأولى إسقاط كلمة «حكمه» للاستغناء عنها ، لأنه بمنزلة أن يقال : «أو كان له حكم ولم يكن حكمه فعليا ... إلخ» وهذا لا يخلو من الحزازة كما هو ظاهر.

(٣) تعليل لما ذكره من اعتبار كون المستصحب أثرا شرعيا أو ذا أثر كذلك

٥٨٩

على (١) رفع اليد عنه والعمل (٢) كما إذا قطع بارتفاعه ، ووضوح (٣) عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا (٤) فيه

______________________________________________________

بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا. ومحصل التعليل : أن المعيار في صحة الاستصحاب على ما يستفاد من أخباره هو صدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن الحالة السابقة ، ومن المعلوم عدم دخل لتلك الحالة في هذا المعيار أصلا ، فان رفع اليد عن عدم حرمة شرب التتن مثلا بالشك في بقائه والبناء على حرمته مما يصدق عليه نقض اليقين بالشك قطعا مع عدم كون عدم حرمته أزلا أثرا شرعيا ولا موضوعا له ، لكنه شرعي بقاء بمعنى كون إبقاء العدم ونقضه بالوجود بيد الشارع ، كما أنه يصدق إبقاء الحالة السابقة على العمل بها والبناء عليها.

فالمتحصل : أن المعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب في ظرف البقاء الّذي هو مورد التعبد أثرا شرعيا أو ذا أثر شرعي ، لأنه حال الشك الّذي لا بد فيه من جعل الوظيفة للشاك المتحير في الحكم.

(١) متعلق بـ «لصدق» وضمير «عنه» راجع إلى «اليقين».

(٢) معطوف على «رفع» وبيان له ، وقوله : «كما» متعلق بـ «العمل» وضمير «بارتفاعه» راجع إلى اليقين ، يعني : لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن اليقين بأن يعمل عمل القاطع بارتفاعه كما عرفت في مثال شرب التتن.

(٣) معطوف على «صدق» وهذا متمم التعليل المزبور ، يعني : ولوضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ـ الثابت لها حال الثبوت المقابل للبقاء ـ لا في صدق النقض ولا في تنزيل الحالة السابقة في مرحلة البقاء.

والحاصل : أن صحة التعبد الاستصحابي تتوقف على ترتب الأثر في زمان الشك ، ولا تتوقف على ترتبه في زمان الثبوت.

(٤) تمييز لـ «أثر» وضمير «فيه» راجع إلى «صدق نقض» والثبوت مقابل البقاء.

٥٩٠

وفي تنزيلها (١) بقاء ، فتوهم (٢) اعتبار الأثر سابقا (٣) كما ربما يتوهمه الغافل من (٤) اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم فاسد (٥) قطعا ، فتدبر جيدا (*).

______________________________________________________

(١) أي : في تنزيل الحالة ، وهو معطوف على «فيه» والمعطوف والمعطوف عليه متعلقان بـ «دخل» وغرضه أن التعبد ببقاء الحالة السابقة لا يتوقف على ثبوت أثر شرعي لحدوثها ، بل يتوقف على ثبوت أثر لبقائها ، لأنه زمان التعبد الاستصحابي.

(٢) هذا إشارة إلى التوهم المذكور في صدر التنبيه بقولنا : «ودفع توهم من زعم أن قولهم ان المستصحب إما حكم شرعي وإما ذو حكم كذلك ... إلخ».

(٣) أي : حدوثا ، وهو من قيود «اعتبار» يعني : فتوهم اعتبار الأثر الشرعي في السابق ـ أي في ظرف اليقين ـ فاسد.

(٤) متعلق بـ «يتوهمه» وبيان لمنشإ التوهم ، يعني : أن توهم اعتبار الأثر الشرعي للحالة السابقة في الاستصحاب والتعبد ببقائها إنما نشأ من هذا الكلام الّذي قد عرفت عدم أساس له.

(٥) خبر «فتوهم» ووجه القطع بفساده هو ما أفاده بقوله : «وذلك لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنه ... إلخ» وأوضحناه بقولنا : «ومحصل التعليل : أن المعيار في صحة الاستصحاب على ما يستفاد من أخباره ... إلخ».

فتلخص مما أفاده في هذا التنبيه : أن المدار في صحة الاستصحاب على كون المستصحب في مرحلة البقاء أثرا شرعيا أو ذا أثر شرعي سواء أكان كذلك أيضا في مرحلة الحدوث والثبوت أم لم يكن ، والوجه في ذلك أن التعبد يكون في البقاء دون الثبوت.

__________________

(*) لا يخفى أنه يمكن أن يدعى التنافي بين ما أفاده هنا من اعتبار كون المستصحب حكما أو ذا حكم بقاء لا ثبوتا ، وبين ما تقدم في الأمر السابع من جعل المماثل للمستصحب أو لحكمه. وجه المنافاة : أنه إذا لم يكن للحدوث حكم فلا معنى

٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لجعل مماثل له بقاء.

لكنه يمكن دفع التنافي بينهما بأن يراد بالمماثلة المماثلة في الحكم الاقتضائي لا الفعلي ، بمعنى أن المستصحب لو كان له حكم في حال اليقين به لكان كذا فيجعل مثله له في ظرف الشك فيه.

أو يراد بالمماثلة السنخية وإن كان الحكم في زمان اليقين به عقليا لا شرعيا كاللاحرجية العقلية في حال الصغر ، فان استصحابها حال البلوغ عبارة عن جعل الإباحة شرعا التي هي حكم مماثل لذلك الحكم العقلي في الترخيص والتوسعة على المكلف.

أو يراد بالمماثلة البناء العملي ، فمعنى الاستصحاب جعل الحكم بالبناء على المتيقن عملا ، فكأنه : قال : «اعمل أيها الشاك في بقاء المتيقن عمل من يتيقن ببقائه» ويمكن دفع التنافي بوجوه أخرى أيضا ، ولعل المصنف (قده) أشار إلى ما ذكرنا أو بعضه بقوله : «فتدبر جيدا».

٥٩٢

الحادي عشر (١) : لا إشكال في الاستصحاب فيما كان الشك في أصل تحقق حكم (٢) أو موضوع (٣). وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره (٤)

______________________________________________________

(التنبيه الحادي عشر : أصالة تأخر الحادث)

(١) هذا سابع التنبيهات المذكورة في رسائل شيخنا الأعظم (قده) والغرض من عقده التعرض لجريان الأصل المعروف بأصالة تأخر الحادث في الحادثين المعلوم حدوثهما وعدم جريانه فيهما ، وبيان الصور التي يختلف باختلافها حكم الأصل الجاري فيها. وقبل الخوض في هذا المقصود الأصلي تعرض لحكم الشك في أصل حدوث حادث من موضوع أو حكم ، وقال : إنه لا إشكال في جريان استصحاب العدم فيه ، لتحقق أركانه فيه من اليقين والشك والأثر الشرعي. وكذا لو شك في ارتفاع حكم أو موضوع ذي حكم بعد العلم بتحققه ، فيستصحب وجوده إلى زمان العلم بارتفاعه.

وعليه فالمبحوث عنه في هذا التنبيه هو : أن الاستصحاب هل يجري في الوجود والعدم المضافين إلى زمان خاص كترتب الأثر على إسلام زيد مثلا يوم الجمعة ، أو المضافين إلى زماني خاص كإسلامه قبل القسمة ، كما يجري في الوجود والعدم المضافين إلى الماهية كوجود زيد وعدمه أم لا؟

(٢) كالشك في طهارة شيء بعد العلم بنجاسته ، كما إذا شك في طهارة ثوبه بدون العصر مثلا ، أو حصول حلية الذبيحة بتذكية الكتابي ، فان استصحاب عدم طهارة الثوب وعدم حلية الذبيحة جار بلا مانع إن لم يجر فيها الأصل الموضوعي.

(٣) كالشك في موت غائب ، وغيره من الموضوعات ذوات الأحكام الشرعية فانه لا إشكال في استصحاب عدم تحققه ، وترتيب آثار حياته من وجوب الإنفاق على زوجته وحرمة تقسيم أمواله وغيرهما من أحكام الحياة.

(٤) هذا الضمير وضمير «تقدمه» راجعان إلى «حكم أو موضوع» وغرضه أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في أصل الحدوث. وأما

٥٩٣

بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان.

______________________________________________________

إذا كان الشك في كيفية حدوثه من التقدم والتأخر بعد القطع بأصل تحققه فلا يخلو إما أن يلاحظ التقدم والتأخر بالنسبة إلى أجزاء الزمان ، كما إذا قطع بوجود زيد يوم الجمعة مثلا وشك في أن مبدأ وجوده كان يوم الخميس أو يوم الجمعة.

وإما أن يلاحظا بالإضافة إلى حادث آخر مع العلم بزمان تحققه كما إذا علم بولادة زيد يوم الجمعة وشك في تقدمها على وفاة عمرو وتأخرها عنها ، فهنا صورتان :

الصورة الأولى : لحاظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى أجزاء الزمان ، ولا إشكال في جريان الاستصحاب في عدم تحقق الحادث في الزمان الأول ، وترتيب آثار عدمه في ذلك الزمان ، فإذا علم بكون زيد ميتا يوم الجمعة ، ولم يعلم أن حدوث موته كان فيه أو في الخميس ، فلا مانع من استصحاب عدم موته يوم الخميس وترتيب آثاره كوجوب الإنفاق على زوجته وحرمة تقسيم ماله بين ورّاثه وغير ذلك عليه ، دون الآثار المترتبة على تأخره عن يوم الخميس ، لكون تأخر حدوثه عن يوم الخميس لازما عقليا لعدم حدوثه عن يوم الخميس ، والاستصحاب لا يثبت اللازم العقلي ، ولا الأثر الشرعي المترتب عليه. وكذا إذا علم بعدم إسلامه يوم الأربعاء وشك في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة ، فلا إشكال في استصحاب عدم إسلامه إلى زمان اليقين بوجوده وهو يوم الجمعة ، وترتيب آثار عدم حدوثه يوم الخميس ، لاجتماع أركان الاستصحاب فيه.

وأما آثار لازم عدم حدوث الإسلام يوم الخميس وهو حدوثه يوم الجمعة أو تأخر حدوثه عن يوم الخميس فلا تترتب على استصحاب عدم إسلامه إلى يوم الجمعة ، وذلك لأن الحدوث ـ الّذي هو أمر بسيط منتزع من الوجود المسبوق بالعدم ـ لازم عقلي للتعبد بعدم إسلامه يوم الخميس ، والمفروض قصور أدلة الاستصحاب عن إثبات لوازم المستصحب العادية والعقلية وآثارها الشرعية كما عرفت تفصيله في التنبيه السابع.

وكذا الحال في التأخر ، حيث إنه أمر وجودي من مقولة الإضافة ، وهو لازم

٥٩٤

فان لوحظ (١) بالإضافة إلى أجزاء الزمان

______________________________________________________

عقلي لاستمرار العدم المتيقن إلى يوم الجمعة ، وقد عرفت عدم إثبات الاستصحاب للازمه العقلي ولا للأثر الشرعي المترتب عليه.

نعم بناء على تركب الحدوث من الوجود يوم الجمعة مثلا والعدم قبله يمكن إثباته بالاستصحاب ، لصغرويته حينئذ لكبرى المركّب الّذي يحرز بعض أجزائه بالتعبد وبعضها بالوجدان. ففي المقام يصح أن يقال : الأصل عدم إسلامه قبل يوم الجمعة ، ووجوده يوم الجمعة وجداني ، فالجزء العدمي يحرز بالاستصحاب والوجوديّ بالوجدان.

لكن بناء على ما اختاره المصنف (قده) في التنبيه السابع من حجية الأصل المثبت في موردين ـ أحدهما خفاء الواسطة وثانيهما امتناع التفكيك في التعبد ـ لا مانع من ترتيب آثار التأخر كما سيأتي توضيحه أكثر من هذا في ذيل كلام الماتن.

كما أن آثار مطلق وجود الإسلام يوم الجمعة أعم من حدوثه فيه أو تأخره عن إسلامه يوم الخميس تترتب عليه ، كوجوب صلاة الجمعة عليه تعيينا ، والحكم بفسقه إذا تركها عن علم وعمد. لكن ليس هذا للاستصحاب ، بل للعلم الوجداني بإسلامه في يوم الجمعة ، فلا وجه لعدّ هذا الفرض من أنحاء ترتب الأثر على استصحاب عدم إسلامه يوم الخميس ، لأجنبيته عنه ، فالحق مع المصنف في إهماله له.

ولا يخفى جريان هذا البحث في جانب الوجود ، كما إذا علم بارتفاع حكم أو موضوع ذي حكم ، وشك في تقدم الارتفاع وتأخره ، فلا مانع من استصحاب وجوده إلى زمان العلم بارتفاعه ، ولكن لا يثبت به حدوث الارتفاع ولا تأخره إلّا بناء على الأصل المثبت.

الصورة الثانية : لحاظ التقدم والتأخر بالإضافة إلى حادث آخر ، وسيأتي توضيحها عند شرح كلمات المصنف (قده).

(١) أي : لوحظ الشك في تقدم الحادث وتأخره ، لا في أصل حدوثه كما كان

٥٩٥

فكذا (١) لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأوّل (٢) وترتيب آثاره ، لا آثار (٣) تأخره عنه ، لكونه (٤) بالنسبة إليها مثبتا ، إلا (٥)

______________________________________________________

هو المفروض أوّلا.

(١) يعني : فكالصورة الأولى وهي الشك في أصل الحدوث في عدم الإشكال في جريان الاستصحاب فيها ، وضمير «تحققه» راجع إلى «حكم أو موضوع».

(٢) كيوم الخميس في المثال المزبور ، وضمير «آثاره» راجع إلى «عدم».

(٣) معطوف على «آثاره» يعني : لا ترتيب آثار تأخر الحكم أو الموضوع عن الزمان الأول كيوم الخميس في المثال المذكور ، يعني : لو كان لتأخر الحادث عن يوم الخميس أثر شرعي لا يترتب ذلك الأثر على استصحاب عدم تحققه يوم الخميس ، وذلك لأن التأخر لازم عقلي لعدم حدوثه يوم الخميس ، وقد تحقق سابقا أن الاستصحاب لا يثبت اللوازم العقلية ولا الآثار الشرعية المترتبة عليها. وضمير «عنه» راجع إلى «الزمان الأول».

(٤) تعليل لقوله : «لا آثار تأخره عنه» وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وذلك لأن وصف التأخر لازم عقلي لعدم حدوثه ... إلخ» وضمير «لكونه» راجع إلى الاستصحاب ، وضمير «إليها» إلى «آثار تأخره».

(٥) استثناء من قدح مثبتية الأصل المثبت في موردين ، أحدهما : ادعاء خفاء الواسطة ، والآخر : امتناع التفكيك واقعا وظاهرا بين عدم الحدوث في الزمان الأول وبين تأخر حدوثه عنه. أما الأول فتقريبه أن يقال : ان آثار التأخر وإن كانت آثارا لنفس التأخر حقيقة ، إلّا أنها في نظر العرف آثار لعدم تحقق الحادث في الزمان الأول وهو يوم الخميس في المثال ، فالواسطة بين الآثار وبين عدم حدوث الحادث في الزمان الأول الثابت بالاستصحاب ـ وهي التأخر ـ خفية.

وأما الثاني فبيانه : أن الملازمة بين عدم الحدوث يوم الخميس مثلا وبين تأخر حدوثه عنه تكون بمثابة تمنع التفكيك بينهما حقيقة وتنزيلا ، يعني : كما أنه لا تفكيك بينهما واقعا كذلك لا تفكيك بينهما تنزيلا.

٥٩٦

بدعوى خفاء الواسطة ، أو عدم (١) التفكيك في التنزيل بين (٢) عدم تحققه إلى زمان وتأخره عنه عرفا (٣) كما لا تفكيك بينهما واقعا (*) ولا (٤) آثار

______________________________________________________

(١) معطوف على «دعوى» وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وما قبله إشارة إلى المورد الأول.

(٢) هذا و «في التنزيل» متعلقان بـ «التفكيك» وضميرا «تحققه ، تأخره» راجعان إلى «حكم أو موضوع».

(٣) قيد لـ «التفكيك» يعني : لا تفكيك بينهما عرفا في مقام التنزيل كما لا تفكيك بينهما واقعا. ويجوز أن يكون قيدا للتنزيل ، يعني : لا تفكيك بينهما تنزيلا بنظر العرف كما لا تفكيك بينهما واقعا.

(٤) معطوف على «لا آثار تأخره» يعني : لا يجوز أيضا ترتيب آثار حدوث الحادث في الزمان الثاني وهو يوم الجمعة في المثال باستصحاب عدم حدوثه يوم الخميس ، وذلك لأن عنوان الحدوث الّذي هو أول الوجود ملازم لعدم الوجود يوم الخميس ، ولا يثبت هذا العنوان بالاستصحاب حتى يترتب عليه آثاره الشرعية ، وضمير «حدوثه» راجع إلى «حكم أو موضوع».

__________________

 (*) أورد عليه بـ «أن عدم التفكيك في التنزيل إن كان لمجرد الاستلزام العقلي واقعا ، فلا بد من القول به في جميع اللوازم العقلية. وإن كان لخصوصية في بعض الاستلزامات كالعلة التامة ومعلولها وكالمتضايفين على ما مر في البحث عن الأصل المثبت ، فشيء منهما غير منطبق على ما نحن فيه. أما الأول فواضح ، إذ لا عليّة لعدم الشيء في الزمان الأول لوجوده في الزمان الثاني فضلا عن تأخره ، فضلا عن أن يكون بنحو العلية التامة. وأما الثاني فالمتضايفان هما التقدم والتأخر ، فالتعبد بتقدم العدم على الوجود تعبد بتأخر الوجود عن العدم. وأما العدم فليس مضايفا للوجود ولا لتأخره حتى يكون التعبد به تعبدا بمضايفه» (١).

لكن لا يبعد أن يكون المستثنى من عدم حجية الأصل المثبت بنظر المصنف هو

__________________

(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٠٧

٥٩٧

حدوثه في الزمان الثاني ، فانه (١) نحو وجود خاص.

______________________________________________________

(١) أي : فان الحدوث في الزمان الثاني نحو وجود خاص ، وهذا تعليل لعدم ترتيب آثار الحدوث في الزمان الثاني كيوم الجمعة في المثال ، وقد عرفت نحو الوجود الخاصّ للحدوث ، وأن استصحاب عدم الوجود يوم الخميس لا يثبت

__________________

كل ما يأباه العرف من التفكيك بين التعبدين والتنزيلين ، فلا تعم هذه الكبرى المستثناة كل استلزام عقلي حتى إذا لم يكن بيّنا ، كما لا تختص بالموردين المتقدمين في الأصل المثبت من العلة والمعلول والمتضايفين. وربما يشهد لما ندعيه كلامه في الحاشية في توجيه تمسك جمع من القدماء بالأصول المثبتة ، قال : (قده) : «ثم انه لا يبعد أن يكون ذلك ـ أي كون التلازم بين الشيئين بمثابة يوجب التلازم بينهما في مقام التنزيل ـ منشأ عمل جماعة من القدماء والمتأخرين بالأصول المثبتة في مقام ، وعدم العمل بها في مقام آخر. وحمل ذلك على تفاوت المقامين في خفاء الواسطة وعدمه كما ترى يكذبه ملاحظة أن الواسطة في موارد عملهم في غاية الوضوح ...» (١).

وعليه فتطبيق الكلية المستثناة على بابي العلة والمتضايفين المتقدمين في التنبيه السابع لعله لكونهما أظهر مصاديقها ، لا لتحديد تلك الكبرى بالموردين ، لوضوح أن من تلك الفروع التي عنونها شيخنا الأعظم هو استصحاب حياة الملفوف بالكساء لإثبات ضمان الجاني ، مع أن موضوع الضمان هو قتل الحي ، والحياة المستصحبة ليست علة للقتل ولا مضايفة له ، فيتعين إرادة الملازمة بين التعبدين كتلازمهما واقعا ، لا مطلق أنحاء الملازمة ، وإلّا كان النزاع في الأصل المثبت لفظيا ، ولا خصوص العلة والتضايف.

وعلى هذا فلا مانع من دعوى اقتضاء أصالة عدم الإسلام يوم الخميس للتعبد بتأخره عنه ، وإلّا كان عدم ترتيب آثار التأخر نقضا لنفس اليقين بعدم الإسلام يوم الخميس. فلا يرد على ما في المتن إشكال إلّا منع المبنى بما تقدم في تعليقة التنبيه الثامن.

__________________

(١) حاشية الرسائل ، ص ٢١٣

٥٩٨

نعم (١) لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب (٢) بناء (٣) على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق (٤).

______________________________________________________

الحدوث بالمعنى المزبور ليترتب على الحدوث آثاره إلّا على القول بالأصل المثبت.

(١) استدراك على قوله : «ولا آثار حدوثه» وغرضه جواز ترتيب آثار حدوث الحادث يوم الجمعة باستصحاب عدم حدوثه يوم الخميس بناء على كون الحدوث من الموضوع المركب لا المقيد ، بأن يقال : «ان الحدوث هو الوجود في زمان لاحق ، والعدم في زمان سابق» ، فان علم بوجود حادث يوم الجمعة واستصحب عدمه يوم الخميس فقد أحرز الحدوث بكلا جزأيه أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد ، فيترتب الأثر الشرعي حينئذ على الحدوث من دون إشكال المثبتية.

ثم ان الشيخ الأعظم (قده) تعرض أيضا لتركب الحدوث بقوله : «إلّا أن يقال : ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، وإذا ثبت بالأصل عدم الشيء سابقا وعلم بوجوده بعد ذلك فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضم إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل تحقق مفهوم الحدوث» وقوله : «هو الوجود المسبوق بالعدم» ظاهر في كون الحدوث من الموضوعات المقيدة التي لا تثبت بالأصل إلّا على القول بالأصل المثبت ، لا من الموضوعات المركبة التي تثبت بالأصل من دون لزوم إشكال المثبتية ، إلّا أنه أوضح مرامه بما ذكره بعد هذا الكلام كما لا يخفى.

(٢) أي : باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس.

(٣) قيد لقوله : «لا بأس» يعني : لا بأس بترتيب آثار الحدوث بناء على أن الحدوث عبارة ... إلخ. وضمير «بترتيبها» راجع إلى «آثار حدوثه».

(٤) هذا أحسن تعبير لتأدية الموضوع المركب ، بخلاف ما تقدم من عبارة الشيخ (قده) فانه كما مر آنفا ظاهر في الموضوع المقيد ، فلاحظ. ثم إن لازم تركب الموضوع كون الأثر مترتبا على كلا جزأي الموضوع كما هو لازم جميع

٥٩٩

وإن لوحظ (١) بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك

______________________________________________________

الموضوعات المركبة ، فمعنى آثار الحدوث حينئذ آثار العدم السابق والوجود اللاحق ، نظير ترتب الحرمة والضمان على الغصب المركب من الاستيلاء على مال وعدم اذن مالكه ، فان ترتب هذين الأثرين على الغصب المحرز أحد جزأيه أعني الاستيلاء بالوجدان والآخر وهو عدم الاذن بالاستصحاب لا يكون من الأصل المثبت أصلا.

(١) معطوف على قوله : «فان لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية ، وهي كون الشك في التقدم والتأخر ملحوظا بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشك في تقدم ذلك عليه وتأخره عنه.

ثم إن الحادثين المعلوم حدوثهما والمشكوك تقدم أحدهما على الآخر تارة يكون تاريخ حدوث كليهما مجهولا ، وأخرى يكون تاريخ أحدهما معلوما والآخر مجهولا. وأما إذا علم تاريخ كل منهما فهو خارج عن موضوع البحث ، لعدم تصور الشك حينئذ في التقدم والتأخر ، فالكلام يقع في مقامين : الأول في مجهولي التاريخ ، والثاني في كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله.

أما المقام الأول فأقسامه أربعة ، لأن الأثر الشرعي إما يترتب على الوجود المحمولي أو الوجود النعتيّ ، أو العدم المحمولي أو العدم النعتيّ ، ولا بأس ببيان الفارق بين هذه الأقسام الأربعة قبل توضيح المتن ، فنقول : ان الوجود المحمولي هو نفس الوجود المحمول الأوّلي على الماهية ، وهو مفاد «كان» التامة ، حيث يكون فاعلها موضوعا للقضية ، ومفاد «كان» أعني الوجود محمولا ، فمعنى «كان زيد» أنه موجود ، فزيد مبتدأ و «كائن» وما بمعناه من أسماء العموم خبره. وفي قبال هذا الوجود المحمولي العدم المحمولي الّذي هو مفاد «ليس» التامة ، وان لم تستعمل «ليس» في اللغة العربية إلّا ناقصة ، لقول ابن مالك : «والنقص في فتى وليس زال دائما قفي» وعلى كل فحمل المعدوم على الماهية هو المراد من العدم المحمولي مثل «زيد معدوم».

٦٠٠