تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٥

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٥

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٩

سورة الشعراء مكية

إلا قوله والشعراء إلى آخرها

حروفها ٤٥٤٢ كلمها ١٢٩٩ آياتها مائتان وسبع وعشرون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ

٢٦١

أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨))

القراآت : (طسم) وما بعده بالإمالة : حمزة وعلي وخلف ويحيى وحماد. وقرأ أبو جعفر ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب ، وقرأ حمزة ويزيد مظهرة النون عند الميم (إِنِّي أَخافُ) بفتح الياء : أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. ويضيق ولا ينطلق بالنصب فيهما : يعقوب. (أَرْجِهْ) مثل ما في «الأعراف» اين لنا بالمد وبالياء. يزيد وأبو عمرو وزيد وقالون. وقرأ ابن كثير ونافع غير قالون وسهل ويعقوب غير زيد بهمزة ثم ياء ، وعن قنبل (إِنَّ لَنا) على الخبر. الباقون بهمزتين. هشام يدخل بينهما مدة. (آمَنْتُمْ) بالمد : أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وسهل ويعقوب (آمَنْتُمْ) على الخير : حفص غير الخزاز. الآخرون أأمنتم بهمزتين. (بِعِبادِي إِنَّكُمْ) بفتح الياء : نافع وأبو جعفر (حاذِرُونَ) بالألف : عاصم وحمزة وعلي وخلف وابن عامر. الباقون بغير الألف (فَأَتْبَعُوهُمْ) بالتشديد : زيد عن يعقوب. الباقون بقطع الهمزة وسكون التاء تراءى الجمعان بكسر الراء والهمزة في الوصل : حمزة ونصير وهبيرة في طريق الخزاز. واختلفوا في الوقف ؛ فعن الكسائي بكسر الراء والهمزة على وزن «تريعى» وفي رواية أخرى عنه «ترائى» أي تراعى ، والمشهور عنه «ترأ» بكسر الراء وفتح الهمزة ، وأما حمزة فإنه يقف «ترى» بترك الهمزة وكسر الراء ويمد ويشير إلى موضع الهمزة وهو المصدر. وأما هبيرة فإنه يقف «تريا» بكسر الراء ويشير إلى فتح الهمزة. الباقون

٢٦٢

يقفون «تراءى» على وزن «تراعى» (مَعِي رَبِّي) بفتح الياء : حفص.

الوقوف : (طسم) ه (الْمُبِينِ) ه (مُؤْمِنِينَ) ه (خاضِعِينَ) ه (مُعْرِضِينَ) ه (يَسْتَهْزِؤُنَ) ه (كَرِيمٍ) ه (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه (الظَّالِمِينَ) ه لا للابدال أو البيان تسجيلا عليهم بالظلم (فِرْعَوْنَ) ط للعدول عن الأمر إلى الاستفهام (يَتَّقُونَ) ه (يُكَذِّبُونِ) ه لمن قرأ (وَيَضِيقُ) بالرفع على الاستئناف (هارُونَ) ط (يَقْتُلُونِ) ه (قالَ كَلَّا) لا للعطف معنى لا لفظا (مُسْتَمِعُونَ) ه (الْعالَمِينَ) ه لا لتعلق «أن» (بَنِي إِسْرائِيلَ) ط (سِنِينَ) ه (الْكافِرِينَ) ه (الضَّالِّينَ) ه (الْمُرْسَلِينَ) ه (إِسْرائِيلَ) ط (الْعالَمِينَ) ه (وَما بَيْنَهُمَا) ط لأن جواب الشرط محذوف أي إن كنتم موقنين فلا تكذبوني (مُوقِنِينَ) ه (تَسْتَمِعُونَ) ه (الْأَوَّلِينَ) ه (لَمَجْنُونٌ) ه (وَما بَيْنَهُما) ط (تَعْقِلُونَ) ه (الْمَسْجُونِينَ) ه (مُبِينٍ) ه (الصَّادِقِينَ) ه (مُبِينٌ) ه ج للآية مع العطف (لِلنَّاظِرِينَ) ه (عَلِيمٌ) ه لا لأن ما بعده صفة (بِسِحْرِهِ) ق قد قيل : بناء على أن ما بعده قول الملأ لفرعون والجمع للتعظيم ، والأصح أنه من تتمة قول فرعون. (تَأْمُرُونَ) ه (حاشِرِينَ) ه لا لأن ما يتلوه جواب. (عَلِيمٍ) ه (مَعْلُومٍ) ه لا للعطف (مُجْتَمِعُونَ) لا لاتصال المعنى (الْغالِبِينَ) ه (لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ه (مُلْقُونَ) ه (الْغالِبُونَ) ه (ما يَأْفِكُونَ) ه للآية وللدلالة على إسراعهم في السجود (ساجِدِينَ) ه (الْعالَمِينَ) ه (وَهارُونَ) ط (لَكُمْ) ه (لَكُمْ) ه للابتداء بأن مع اتحاد القول (السِّحْرَ) ط للفاء ولام الابتداء (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ه لتقدير القسم (أَجْمَعِينَ) ه (لا ضَيْرَ) ط توقية لحق «إن» وإلا فالأصل هو الوصل لأن ما بعده هو القول في الحقيقة كما في «الأعراف» (مُنْقَلِبُونَ) ه ج للآية مع اتحاد المقول (الْمُؤْمِنِينَ) ه (مُتَّبَعُونَ) ه (حاشِرِينَ) ه للآية مع أن التقدير بأن هؤلاء (قَلِيلُونَ) ه (لَغائِظُونَ) ه (حاذِرُونَ) ه ط لابتداء الخبر من الله (وَعُيُونٍ) ه لا (كَرِيمٍ) ه لا لتعلق الكاف (كَذلِكَ) ط أي كما وعدنا بني إسرائيل إيراثها ثم أخبر عن وقوع الموعود لبني إسرائيل (مُشْرِقِينَ) ه (لَمُدْرَكُونَ) ه ووجه الوصل الإسراع في تداركهم عن خوف الإدراك (كَلَّا) ج لاحتمال أن يكون للردع وأن يكون بمعنى حقا (سَيَهْدِينِ) ه (الْبَحْرَ) ط لأجل الفاء الفصيحة أي فضرب فانفلق (الْعَظِيمِ) ه (الْآخَرِينَ) ه (أَجْمَعِينَ) ه (الْآخَرِينَ) ه الآية ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه.

التفسير : قال جار الله : معنى طسم إن آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين وقد مر مثله في أول «يوسف». والبخع الإهلاك وقد مر في أول «الكهف». عزاه وعرفه أن غمه وحزنه لا ينفع كما أن وجود الكتاب على بيانه ووضوحه لا

٢٦٣

ينفع. ثم بين أنه قادر على تنزيل آية ملجئة إلى الإيمان ولكن المشيئة والحكمة تقتضيان بناء الأمر على صورة الاختبار. قال صاحب الكشاف : وجه عطف (فَظَلَّتْ) على (نُنَزِّلْ) كما قيل في قوله (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) [المنافقون : ١٠] كأنه قيل : أنزلنا فظلت. وأقول : الظاهر أن الفاء في (فَظَلَّتْ) للسببية بدليل عدم المستتر فيه كما في (نُنَزِّلْ). ووجه العدول إلى الماضي كما قيل في (وَنادى) [الأعراف : ٤٨] (وَسِيقَ) [الزمر : ٧٣] وجه مجيء (خاضِعِينَ) خبرا عن الأعناق إذ الأعناق تكون مقحما لبيان موضع الخضوع. وأصل الكلام : فظلوا لها خاضعين أي حين وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل (خاضِعِينَ) كقوله (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] وقيل : أعناقهم رؤساؤهم كما يقال لهم الرؤوس والصدور. وقيل : أراد جماعاتهم. يقال : جاءنا عنق من الناس لفوج منهم. عن ابن عباس : نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية. قال : ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة. ومعنى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) قد مر في سورة الأنبياء. نبه سبحانه بذلك على أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان حكيم يأتيهم بالقرآن حالا بعد حال رعاية لقاعدة التكليف. ثم ذكر أنه تعالى لا يحدد لهم توجيه موعظة وتذكير إلا جددوا ما هو نقيض المقصود ، وذلك النقيض هو الإعراض والتكذيب والاستهزاء وهذا ترتيب في غاية الحسن كأنه قيل حين أعرضوا عن الذكر : فقد كذبوا به وحين كذبوا به فقد خف عندهم قدره حتى صار عرضة للاستهزاء. وهذه درجات من أخذ في الشقاء فإنه يعرض أوّلا ، ثم يصرح بالتكذيب ثانيا ، ثم يبلغ في التكذيب والإنكار إلى حيث يستهزىء. وفي قوله (فَسَيَأْتِيهِمْ) وعيد لهم بعذاب بدر أو يوم القيامة وقد مر مثله في أول «الأنعام». ثم بين أنه مع حكمته في إنزال القرآن حالا بعد حال رحيم يظهر من الدلائل الحسية ما يكفي للمتأمل في باب النظر والاستدلال. والزوج الصنف والكريم نعت لكل ما يرضى ويحمد في بابه منه «وجه كريم» إذا رضي في حسنه وجماله ، و «كتاب كريم» مرضي في مبانيه ، «ونبات كريم» مرضي فيما يتعلق به من المنافع ، فما من نبت إلا وفيه نفع وفائدة من جهة وإن كانت فيه مضرة من جهة أخرى. ويحتمل أن يراد بالكريم النافع منه وتكون المضارّ مسلوبة عنه. قال جار الله : معنى الجمع بين «كم» و «كل» دون أن يقول «كم أنبتنا فيها من زوج كريم» هو أن «كلا» قد دل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل ، و «كم» دل على أن هذا محيط مفرط الكثرة. قلت : فالحاصل أن خلق النوع يصدق بخلق فرد واحد منه كما يصدق بخلق أفراد كثيرة. فقوله (كُلِّ زَوْجٍ) إشارة إلى خلق كل نوع من أنواع النبات ، وقوله (كَمْ أَنْبَتْنا) إشارة إلى كثرة أفراد كل نوع منه وفيه تنبيه على كمال القدرة ونهاية الجود والرحمة ولهذا

٢٦٤

ختم الكلام بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) الإنبات أو في كل واحد من تلك الأزواج (لَآيَةً) على الإبداء والإعادة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) لأن الله تعالى طبع على قلوبهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) فمن عزته قدر على عقوبتهم ومن رحمته بين لهم الدلائل ليتفكروا ويعتبروا ، والرحمة إذا صدرت عن القدرة كانت أعظم موقعا. واعلم أنه سبحانه كرر بعض الآيات في هذه السورة لأجل التأكيد و «التقرير» ؛ فمن ذلك أنه كرر قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) إلى قوله (الرَّحِيمُ) في ثمانية مواضع : أولها في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والثانية في قصة موسى ، ثم إبراهيم ، ثم نوح ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم لوط ، ثم شعيب. ومن ذلك قوله (أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وهو مذكور في خمسة مواضع : في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. ومن ذلك أنه كرر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) في قصة نوح وهود وصالح وليس في ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٠٩] لذكرها في مواضع من غير هذه السورة. وليس في قصة موسى لأنه رباه فرعون حيث قال (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) ولا في قصة إبراهيم لأن أباه في المخاطبين حيث يقول : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) [الأنبياء : ٥٢] وهو قد ربّاه فاستحيا موسى وإبراهيم أن يقولا (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) وإن كانا منزهين من طلب الأجر.

ثم إنه تعالى أعاد في هذه السورة قصص الأنبياء المشهورين مع أممهم اعتبارا لهذه الأمة ، وبدأ بقصة موسى لما فيها من غرائب الأحوال وعجائب الأمور. والنداء المسموع عند الأشعري هو الكلام القديم الذي لا يشبه الحروف والأصوات ، وعند المعتزلة وإليه ميل أبي منصور الماتريدي أنه من جنس الحروف والأصوات وأنه وقع على وجه علم به موسى أنه من قبل الله تعالى وقد عرفه أنه سيظهر عليه المعجزات إذا طولب بذلك. قال جار الله : قوله (أَلا يَتَّقُونَ) كلام مستأنف فيه تعجيب لموسى من حالهم الشنعاء في قلة خوفهم وكثرة ظلمهم ، أو هو حال أدخلت عليه همزة الإنكار. ثم إن موسى خاف أن يكذب عند أداء الرسالة فاستظهر بهارون. وفي قراءة النصب خاف التكذيب المستتبع لضيق الصدر المستلزم لاحتباس اللسان عن الجريان في الكلام ، ولعله أراد بهذه الحبسة عقدة في لسانه قبل إجابة دعوته أو بقية يروى أنها بقيت بعد الإجابة كما مر في «طه». ومعنى (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أرسل إليه جبريل واجعله نبيا يصدقني في أمري فاختصر الكلام اختصارا. ثم ذكر أن لهم عليه ذنبا فسمى جزاء الذنب ذنبا ، أو المضاف محذوف أي تبعة ذنب وهو قود قتل القبطي كما سيجيء تفصيله في سورة القصص. فيمكن أن يقتل قبل أداء الرسالة فلا يتمكن من

٢٦٥

المقصود ، وهذا قد جوزه الكعبي وغيره من البغداديين. وقال الأكثرون : الأقرب من حال الأنبياء أنهم يعلمون إذا حملهم الله تعالى الرسالة أنه يمكنهم من أدائها فلا معنى للخوف من القتل قبل الأداء. نعم لو خاف بعد الأداء جاز وذلك لما جبل عليه طبع الإنسان من التنفر عن القتل فيسأل الله الأمان من ذلك وقد جمع الله له بقوله (كَلَّا) الكلاءة وبقوله (فَاذْهَبا) استنباء أخيه كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهارون و (مَعَكُمْ) و (مُسْتَمِعُونَ) خبران لأن أو الخبر (مُسْتَمِعُونَ) و (مَعَكُمْ) متعلق به. ولا يخفى ما في المعية من المجاز لأن المصاحبة من صفات الأجسام ، فالمراد معية النصرة والمعونة ، وأما الاستماع فمجاز أيضا وإن كان إطلاق السمع على الله حقيقة لأن الاستماع جار مجرى الإصغاء ولا بد فيه من الجارحة. فحاصل الآية إنا لكما ولعدوّ كما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه. وإنما وحد الرسول في قوله (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لأنه أراد كل واحد أو أراد الرسول بمعنى المصدر أي ذو رسالة رب العالمين. يقال : أرسلتهم برسول أي برسالة أو جعلا لاتفاقهما واتحاد مطلبهما كرسول واحد. وهاهنا إضمار دل عليه سياق الكلام أي فأتيا فرعون فقالا له ذلك. يروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : إن هاهنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين. فقال : ائذن له لعلنا نضحك منه. فأديا إليه الرسالة فعرف أنه موسى فعند ذلك قال (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) أي صبيا وذلك لقرب عهده من الولادة. قيل : مكث فيهم ثلاثين سنة من أول عمره. وقيل : وكز القبطي وهو ابن اثنتي عشرة سنة ففر منهم. والفعلة الوكزة عدد عليه نعمه ، ثم وبخه بقتل نفس منهم وسماه كافرا لنعمه بسبب ذلك. وجوز جار الله أن يراد وأنت إذ ذاك ممن يكفر بالساعة فيكون قد افترى على موسى أو جهل أمره لأنه كان يعايشهم بالتقية. وإنما قلنا إنه افتراء أو جهل لأن الكفر غير جائز على الأنبياء ولو قبل النبوة ، ويجوز أن يراد أنه من الكافرين بفرعون وإلهيته أو بآلهة كانوا يعبدونها. قال تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] ثم إن موسى ما أنكر تربيته ولكن أنكر الكفر فلم ينسب نفسه إلا إلى الضلال وأراد به الذهاب عن الصواب ، أو أراد النسيان أو الخطأ وعدم التدبر في أدبار الأمور. ثم ذكر موهبة ربه في حقه حين فر من فرعون وملئه المؤتمرين بقتله. والحكم العلم بالتوحيد وكمال العقل والرأي ، ولا تدخل فيه النبوة ظاهرا لئلا يلزم شبه التكرار بقوله : (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال جار الله (وَتِلْكَ) إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بعد أن فسرت بقوله (أَنْ عَبَّدْتَ) نظيره قوله (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) [الحجر : ٦٦] والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ كأنه أبى أن يسمي نعمته إلا نقمة لأن تعبيدهم أي تذليلهم واتخاذهم عبيدا وقصدهم. بذبح أبنائهم صار

٢٦٦

هو السبب في حصوله عنده وفي تربيته فلهذا قال الزجاج : «أن» مع ما بعده في موضع نصب أي إنما صارت نعمة عليّ لأن عبدت بني إسرائيل إذ لو لم تفعل ذلك لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم ومن هنا قال جار الله : إن قول موسى فعلتها إذن جواب لقول فرعون (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ) وجزاء له كأن فرعون قال : جازيت نعمتي بما فعلت. فقال موسى : فعلتها مجازيا لك وإن نعمتك جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء. وقال الحسن : أراد أنك استعبدتهم وأخذت أموالهم ومنها أنفقت عليّ فلا نعمة لك بالتربية على أن التربية كانت من قبل أمي وعشيرتي ولم يكن منك إلا أنك لم تقتلني. وقيل : أراد أنك كنت تدعي أن بني إسرائيل عبيدك ولا منة للمولى على العبد في الإطعام والكسوة.

واعلم أن للعلماء خلافا في نعمة الكافر فقيل : إنها لا تستحق الشكر لأن الكافر يستحق الإهانة بكفره فلو استحق الشكر لإنعامه لزم الجمع بين الإهانة والتعظيم في حق شخص واحد في وقت واحد. وقيل : لا يبطل بالكفر إلا الثواب والمدح الذي يستحقه على الإيمان ، وفي الآية نوع دلالة على كل من القولين. ثم إن موسى حين أدى رسالته من قوله (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) وقد سبق مرارا أن كفره احتمل أن يكون كفر عناد وأن يكون كفر جهالة ، والذي يختص بالمقام هو أن ما يطلب به حقيقة الشيء وماهيته ، وهذا هو الذي قصده فرعون بسؤاله ولم يعرف أن الماهية لا تطلق على ذاته تعالى إذ لا أجزاء لها حدية ولا تقديرية ولا بأي وجه فرض ضرورة انتهاء الكل إليه واستغنائه عن الكل من كل الوجوه ، فلا يصح أن يسأل عنه بما هو ولا بكيف هو ولا بأي شيء هو ولا بهل هو ، غاية ذلك أن ينبه على وجوده الذي هو أظهر الأشياء بلوازمه وآثاره على وجه يعم الكل كما يقال : إنه رب السموات والأرض وما بينهما ، أو بأخص من ذلك بأن يقال مثلا : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وهو الاستدلال بالأنفس أو يقال (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) من الجهات المفروضة على السماء من لدن طلوع الكواكب إلى غروبها وبالعكس وهو الاستدلال بالآفاق. وقد راعى في الجواب الأول طريقة اللطف فختم بقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إن كنتم موقنين بشيء قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وجلائه. وخاشنهم في الأخير بقوله (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) حين نسبوه إلى الجنون بعد أن تهكموا به بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) حين نسبوه إلى الجنون بعد أن تهكموا به بقوله (إِنَّ رَسُولَكُمُ) ويمكن أن يراد بقوله (وَما بَيْنَهُما) ثانيا ما بين المشرق والمغرب من المخلوقات فيكون الفرق بين هذا الاستدلال وبين الأول أن الأول هو الاستدلال بالإمكان على طريقة الحكيم ، والثاني هو الاستدلال بالحدوث على طريقة المتكلمين ، والأول أقرب إلى اليقين

٢٦٧

فلهذا قال (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) والثاني أقرب إلى الحس فلهذا قال (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ولما انجر الكلام إلى حد العناد والمخاشنة هدده فرعون بقوله : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) وهذا أبلغ من أن لو قال : «لأسجننك» والمعنى لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه يطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا لا يبصر فيها ولا يسمع ، وحينئذ عدل موسى إلى الحجة الأصلية في الباب وهو ادعاء المعجز المنبئ عن صدقه فقال (أَوَلَوْ جِئْتُكَ) أي أتفعل فيّ ذلك ولو جئتك بشيء أي جائيا بالمعجزة. وفي قوله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) إن سلم أنه قاله جدا لا هزلا وجدالا دلالة على ما ركز في العقول من أن دعوى الرسالة إن اقترنت بظهور المعجزة على يده تحقق صدقها. وقد شنع في الكشاف هاهنا أن في أهل القبلة من خفي عليهم ما لم يخف على فرعون حتى جوزوا القبيح عليه سبحانه ولزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات. وفي التخطئة سهو من وجهين : أحدهما : أنه لا قبيح عند الأشاعرة عقلا. والثاني أنه على تقدير التسليم لا يلزم تجويز كل قبيح وهذا من ذلك للزوم الاشتباه. وباقي القصة سبق نظيرها في «الأعراف» فلنقتصر في التفسير على ما يختص بالسورة. قوله (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) قال في الكشاف : الظرف في محل النصب على الحال. وأقول : الأصوب أن يجعل نعتا للملأ أي الأشراف حوله على طريقة قوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

قوله (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) اليوم يوم الزينة وميقاته وقت الضحى كما مر في «طه». قوله (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) استبطاء لهم في الاجتماع وحث عليه كقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق إذا أراد أن يحثه على الانطلاق. قوله (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) لم يكن غرضهم اتباع السحرة في دينهم وإنما غرضهم الأصلي أن لا تتبعوا موسى ، فساقوا الكلام مساق المجاز لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى. قوله (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) هي من أيمان الجاهلية ولا يصح الحلف في الإسلام إلا بالله تعالى وبصفاته كما مر في «البقرة» و «المائدة». وقوله (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) لم يسم فاعله وهو الله تعالى في الحقيقة حين ألقى داعية الإيمان في قلوبهم ويجوز أن ينسب إلى ما عاينوا من المعجزات الباهرة ولك أن لا تقدر فاعلا أي خروا. قوله (لا ضَيْرَ) أي لا ضير علينا فيما يتوعدنا به من القتل.

قوله (إِنَّا نَطْمَعُ) الطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين كقول إبراهيم (وَالَّذِي أَطْمَعُ

٢٦٨

أَنْ يَغْفِرَ لِي) ويحتمل الظن بناء على أن المرء لا يعلم ما يختاره أو يؤل إليه عند الوفاة. ومعنى (أَنْ كُنَّا) لأن كنا وكانوا أوّل طائفة مؤمنين من أهل زمانهم أو من قوم فرعون أو من أهل المشهد. قوله : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) تعليل للإسراء أي بنيت تدبير أمركم على أن تتقدموا لو يتبعكم فرعون وجنوده إلى أن يغشاهم من اليم ما يغشاهم. قوله : (لَشِرْذِمَةٌ) هي الطائفة القليلة. ثم وصفهم بالقلة واختار جمع السلامة ليدل على أن كل حزب منهم في غاية القلة ، وذلك بالنسبة إلى عسكره وإلا فهم كثير في أنفسهم. يروى أن فرعون أرسل في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت على مقدّمته سبعمائة ألف كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة ، وكان قوم موسى إذ ذاك ستمائة ألف وسبعين ألفا. ويجوز أن يريد بالقلة الذلة والحقارة لا قلة العدد. قوله : (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) معناه أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم ولكنهم يفعلون أفعالا لغيظنا كأخذ الحلي وادّعاء الاستقلال والاستخلاص عن ذل الاستخدام ونحن قوم مجموعون كلمة وائتلافا ، ومن عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور. فالحذر المتيقظ وهو يفيد الثبات والحاذر الذي يجدد حذره. وقيل : هو تام السلاح لأنه فعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه ، وكل هذه المعاذير لأجل أن لا يظن به العجز وخلاف ما ادّعاه من القهر والتسلط. وقرىء حادرون بالدال غير المعجمة ، والحادر السمين القوي أراد أنهم أقوياء أشدّاء. (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ) أي بساتينهم التي فيها عيون الماء (وَكُنُوزٍ) الذهب والفضة. قال مجاهد : سماها كنوزا لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله تعالى. والمقام الكريم المنازل الحسنة والمجالس البهية. وقال الضحاك : المنابر. وقيل : السرر في الحجال. (كَذلِكَ) يحتمل النصب أي أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفنا ، والجر على الوصف أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك ، وعلى هذا فيوقف على (كَرِيمٍ). (فَأَتْبَعُوهُمْ) أي فلحقوهم. ومن قرأ بالتشديد فظاهر. والإشراق الدخول في وقت الشروق فلما تراءى الجمعان أي رأى قوم موسى قوم فرعون وحصل كل من الفريقين بمرأى للآخر (قالَ أَصْحابُ مُوسى) خوفا وفزعا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) لملحقون. قال موسى تثبيتا لهم وردعا عماهم عليه من الجزع والفزع (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي) بالنصرة والمعونة (سَيَهْدِينِ) سبيل النجاة والخلاص كما وعدني. ثم بين أنه كيف هداه بقوله (فَأَوْحَيْنا) الآية. ومعنى (فَانْفَلَقَ) فضرب فانفلق (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) أي كل جزء متفرق منفلق منه (كَالطَّوْدِ) وهو الجبل العظيم ومع ذلك وصفه بالعظيم (وَأَزْلَفْنا ثَمَ) أي قربنا حيث انفلق البحر (الْآخَرِينَ) وهم قوم فرعون والمقرب منه بنو إسرائيل أو قوم

٢٦٩

فرعون أيضا أي أدنينا بعضهم من بعض وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد ، ويجوز أن يراد قدمناهم إلى البحر. وقرىء وأزلقنا بالقاف أي أزللنا أقدامهم حسا بأن لم يكن لهم البحر يبسا كما كان لبني إسرائيل ، أو عقلا أي أذهبنا عزهم. والبحر بحر القلزم أو بحر من وراء مصر يقال له أساف. قالت الأشاعرة : إنه تعالى أضاف الإزلاف إلى نفسه مع أن اجتماعهم في طلب موسى كفر. أجاب الجبائي بأن قوم فرعون تبعوا بني إسرائيل وبنو إسرائيل إنما فعلوا ذلك بأمر الله تعالى ، فلما كان مسيرهم بتدبير الله وهؤلاء تبعوهم أضافه إلى نفسه توسعا ، وهذا كما يتعب أحدنا في طلب غلام له فيجوز أن يقول : أتعبني الغلام لما حدث ذلك عند فعله. أو المراد أزلفناهم إلى الموت والأجل. وقال الكعبي : أراد أنه جمع تفرقهم كيلا يصلوا إلى موسى وقومه ، أو أراد أنه حلم عنهم وترك لهم البحر يابسا حتى طمعوا في دخوله. واعترض بأن كل ذلك لا بد أن يكون له أثر في استجلاب داعية قوم فرعون إلى الذهاب خلفهم فيعود المحذور. (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي حدث في البحر من إنجاء البعض وإغراق البعض أو في ذلك الذي ذكر من القصة بطولها (الْآيَةَ) عجيبة للمتدبر المتفكر في الأمور الإلهية (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) حين سألوا بعد النجاة أن يجعل لهم موسى إلها غير الله ، واتخذوا العجل ، واقترحوا اقتراحات خارجة عن قانون الأدب. ويحتمل أن يعود الضمير إلى هذه الأمة بدليل (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) [الشعراء : ٦٩] وفيه تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد كان يغتم بتكذيب قومه بعد ظهور المعجزات ونزول الآيات.

التأويل : الطاء طوله في كمال عظمته ، والسين سلامته عن كل عيب ونقص ، والميم مجده الذي لا نهاية له. أو الطاء طهارة قلب نبيه عن تعلقات الكونين ، والسين سيادته على الأنبياء والمرسلين ، والميم مشاهدته جمال رب العالمين. أو الطاء طيران الطائرين بالله ، والسين سير السائرين إلى الله ، والميم مشي الماشين لله الذين يمشون على الأرض هونا. (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) من سماء قلوبهم (آيَةً) من واردات الحق (فَظَلَّتْ) أعناق نفوسهم (لَها خاضِعِينَ فَسَيَأْتِيهِمْ) بعد مفارقة الأرواح الأجساد (أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) لظهور نتائج معاملاتهم الخبيثة على أرواحهم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى) أرض قلوب العارفين (كَمْ أَنْبَتْنا فِيها) من أشجار أصناف الإيمان والتوكل واليقين والإخلاص وسائر الأخلاق الكريمة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) لأن جناب الحق لعزته يجل عن أن يكون شرعة لكل وارد (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يوجد بالسعي (الرَّحِيمُ) حين أدرك أولياءه بجذبات العناية كما أدرك موسى حين ناداه من الشجرة ، وذلك لأنه جعله مظهر لطفه كما أنه جعل فرعون مظهر قهره فصار من العتوّ والاستكبار في غاية الكمال. ويعلم منه أن الإنسان له استعداد في مظهرية

٢٧٠

صفة القهر ليس لإبليس فلذلك عاند إبليس آدم وقال أنا خير منه وعاند فرعون الرب وقال أنا ربكم الأعلى. وأن له استعدادا في مظهرية صفة اللطف ليس للملك ولهذا صار الإنسان مسجودا للملائكة. (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) فيه أن موسى القلب مرسل إلى فرعون النفس لئلا تستعبد الصفات الروحانية فإن لفرعون النفس في البداية استيلاء على موسى القلب والصفات الروحانية فاستعملهم في قضاء حوائجه وتحصيل مقاصده فعرفه فرعون النفس وقال (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) فإن موسى القلب كان في حجر فرعون النفس إلى أن بلغ أوان الحلم وهي خمس عشرة سنة ، فقتل قبطي الشهوة حين كفر بإله الهوى وكان قبل القتل ضالا عن حضرة الربوبية (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) إلى الله لما خفت أن تقطعوا عليّ الطريق إلى الله. رب سموات القلوب وأرض البشرية وما بينهما من المنازل (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) من صفات النفس (أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ) موسى القلب لتعارفه بربه (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) يعني الآباء العلوية الروحانية. وفي قوله (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) إشارة إلى كمال ضدية القلب والنفس فما يصدر عن القلب تعده النفس من الجنون وبالعكس. (رَبُ) مشرق الروح من أفق البدن (وَرَبُ) مغربه فيه (وَما بَيْنَهُمَا) من مدة التعلق وقد مر نظيره في محاجة إبراهيم في «البقرة» (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) في سجن حب الدنيا فإن القلب إذا توجه إلى الله فلا استيلاء للنفس عليه إلا بشبكة حب الجاه والرياسة فإنها آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين. فقال موسى القلب : لا تقدر على أن تسجنني فإن معي عصا الذكر واليد المنزوعة عما سوى الله. وباقي التأويل قد سبق قوله : (فَأَخْرَجْناهُمْ) أي (مِنْ جَنَّاتٍ) صفات الأوصاف الروحانية (وَعُيُونٍ) الحكمة (وَكُنُوزٍ) المعارف (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) في حضرة أكرم الأكرمين (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) فيه أن النفس إذا فنيت ورث القلب منها صفاتها وبقوتها تصير إلى مقامات لم يمكنه الوصول إليها بقوة صفاته ، ولو مات القلب ورثت النفس منه صفاته وبقوتها تتنزل إلى دركات لم يمكنها الوصول إليها بمجرد صفاتها (فَأَتْبَعُوهُمْ) أي لحق أوصاف النفس أوصاف القلب عند إشراق شمس الروح (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) فيه أن كل صفة من أوصاف الروح كجبل عظيم في العبور عنه (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي قربنا صفات النفس بتبعية صفات القلب إلى بحر الروح. (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من الأوصاف في بحر الروح بالوصول إلى الحضرة (ثُمَّ أَغْرَقْنَا) أوصاف النفس في بحر الروحانية فإن الوصول إلى الحضرة من خواص القلب وغاية سير النفس هو الاستغراق في بحر الروحانية (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) لأرباب العرفان (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) بهذه المنازل فإنه لا يصير إليها إلا الشاذ من المجذوبين بجذبة (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) [الفجر : ٢٨] جعلنا الله من المستعدين لها والله أعلم.

٢٧١

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢))

القراآت : (لِي إِلَّا وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ) بفتح الياء فيهما : أبو جعفر ونافع و (أَجْرِيَ إِلَّا) بفتح الياء : أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص : وأتباعك على أنه جمع تابع أو تبع : يعقوب (أَنَا إِلَّا) بالمد : أبو نشيط عن قالون (مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بفتح ياء المتكلم : حفص وورش.

الوقوف : (إِبْراهِيمَ) م لئلا يوهم أن «إذ» ظرف (اتْلُ) وإنما هو منصوب باذكر (ما تَعْبُدُونَ) ه (عاكِفِينَ) ه (تَدْعُونَ) ه (يَضُرُّونَ) ه (يَفْعَلُونَ) ه (تَعْبُدُونَ) ه لا لأن

٢٧٢

الضمير بعده توكيد (الْأَقْدَمُونَ) ه والوصل أولى للفاء (الْعالَمِينَ) ه لا لأن (الَّذِي) صفة الرب (يَهْدِينِ) ه لا (يَشْفِينِ) ه (وَيَسْقِينِ) ه (يُحْيِينِ) ه لا (الدِّينِ) ه (بِالصَّالِحِينَ) ه لا (الْآخِرِينَ) ه لا (النَّعِيمِ) ه لا (الضَّالِّينَ) ه لا (يُبْعَثُونَ) ه (وَلا بَنُونَ) ه لا (سَلِيمٍ) ه ط بناء على أن ما بعده إلى آخر أحوال الجنة والنار هو من كلام الله تعالى وهو الظاهر. وقيل : هو من تتمة كلام إبراهيم (الْعالَمِينَ) ه (الْمُجْرِمُونَ) ه (شافِعِينَ) ه (حَمِيمٍ) ه ط (الْمُؤْمِنِينَ) ه (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه (الْمُرْسَلِينَ) ج لأن «إذ» تصلح ظرفا للتكذيب مفعولا لا ذكر (تَتَّقُونَ) ج ه لأن ما بعده من تمام المقول (أَمِينٌ) ه لا للفاء (وَأَطِيعُونِ) ج ه (مِنْ أَجْرٍ) ج (الْعالَمِينَ) ج ه (وَأَطِيعُونِ) ه لا (الْأَرْذَلُونَ) ه ط (يَعْمَلُونَ) ج ه لأن ما بعده من تمام المقول (تَشْعُرُونَ) ه لذلك (الْمُؤْمِنِينَ) ج ه (مُبِينٌ) ه (الْمَرْجُومِينَ) ه ط (كَذَّبُونِ) ه ج (الْمُؤْمِنِينَ) ه (الْمَشْحُونِ) ج ه (الْباقِينَ) ه (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه ط (الرَّحِيمُ) ه.

التفسير : القصة الثانية قصة إبراهيم عليه‌السلام وكان يعلم أنهم عبدة أصنام ولكنه سألهم للإلزام والتبكيت. ومثله أهل المعاني بأن يقول أحد للتاجر : ما مالك؟ وهو يعلم أن ماله الرقيق ثم يقول له الرقيق : جمال وليس بمال. وإنما قال في سورة الصافات (ما ذا تَعْبُدُونَ) [الصافات : ٨٥] بزيادة «ذا» لأنه أراد هناك مزيد التوبيخ ولذلك بني الكلام على الزيادة ثم أردفه بقوله (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) [الصافات : ٨٦] وحين صرح هنالك بالتوبيخ لم يجيبوه وهاهنا ظنوا أنه يريد الاستفهام حقيقة فأجابوه ولكنهم بسطوا الكلام بسطا ولم يقتصروا على (أَصْناماً) بل زادوا ناصبه وعقبوه بقولهم (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) إظهارا للابتهاج والافتخار. قال في الكشاف : وإنما قالوا (فَنَظَلُ) لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل. قلت : وهذا مبني على النقل الصحيح والظن به حسن. قال : لا بد في (يَسْمَعُونَكُمْ) من تقدير حذف المضاف معناه هل يسمعون دعاءكم؟ قلت : ويحتمل أن يكون المحذوف مفعولا ثانيا أي هل يسمعونكم تدعون إذ تدعون وهو حكاية حال ماضية لأن «إذ» للمضي ومعناه استحضار الأحوال الماضية التي كانوا يدعونها فيها. وحين تمسكوا في الجواب بطريقة التقليد قائلين على سبيل الإضراب (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) نبههم إبراهيم بقوله (أَفَرَأَيْتُمْ) على أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديما أو حديثا ولا بأن يكون في مرتكبيه كثرة أو قلة ، وصرح بأن معبوديه أعداء لقوله تعالى (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨٢] أو لأن الذي يغري على عبادتها هو الشيطان وهو أعدى عدو للإنسان. وإنما لم يقل عدوّ لكم لأنه أراد تصوير المسألة في نفسه ليكون

٢٧٣

أدل على النصح وأقرب إلى القبول كأنه قال : إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدوّ. ويحكى عن الشافعي أن رجلا واجهه بشيء فقال : لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. وقوله (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء منقطع أي لكن رب العالمين حبيب لي. ثم وصف لهم الرب بأنه (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) أي خلق بدني على كماله الممكن له ثم يهدين في الاستقبال إلى ضروب مصالح الدين والدنيا كامتصاص الدم في البطن والثدي بعد الولادة نظيره ما مر في «طه» (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠]. ثم نبه بقوله (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أن الذي يتعلق به قوام البدن من الاغتذاء بالطعام والإساغة بالشراب هو من جملة إنعام الله تعالى لأنه خلق هناك قوى جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة وغيرها ، ولولاها لما تم أمر الانتفاع بالغذاء بل نفس الغذاء من جملة نعمه الشاملة ، ثم قال (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وذلك أن البدن ليس دائما على النهج الطبيعي بحيث تصدر عنه الأفعال الموضوع هو لها سليمة فاسترداد الصحة بعد زوالها ليس إلا بإذن الله وبما خلق لكل داء دواء وإنما لم يقل أمرضني لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بإسراف الإنسان في المطعم والمشرب. وأيضا الصحة تحتاج إلى سبب قاهر يقسر الأخلاط والقوى على النسبة المطلوبة ، أما المرض فإنه بسبب تنافر الأخلاط وطلب كل منها مركزه الأصلي. وأيضا فيه رعاية الأدب في مقام المدح وتعداد النعم وإنما لم يراع هذه النكتة في قوله (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) لأن الإماتة ليست بضر كالمرض. إما بعدم الإحساس وقتئذ ، وإما لأنها مقدمة الوصول إلى عالم الخير والراحة. وإنما زاد لفظة «هو» في الإطعام والشفاء لأنهما قد ينسبان إلى الإنسان فيقال : زيد يطعم وعمرو يداوي. فأكد إعلاما بأن ذلك في الحقيقة من الله ، واما الإماتة والإحياء فلا يدعيهما مدع فأطلق. ثم أشار إلى ما بعد الإحياء من المجازاة بقوله (وَالَّذِي أَطْمَعُ) فحمل الأشاعرة الطمع على مجرد الظن والرجاء بناء على أنه لا يجب لأحد على الله شيء. وحمله المعتزلة على اليقين تارة وعلى هضم النفس والتواضع وتعليم الأمة أخرى ، كما أنه أضاف الخطيئة إلى نفسه لمثل ذلك. وقد تحمل الخطيئة على المعاريض المنسوبة إليه من قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) [الأنبياء : ٦٣] وقوله لسارة «هي أختي» وإنما علق المغفرة بيوم الدين لأن أثرها يتبين يومئذ وهو في الدنيا خفي. قال بعضهم : فائدة زيادة «لي» هي أن يعلم أن المغفرة فائدتها تعود إليه والله سبحانه لا يستفيد بذلك كمالا لم يكن له. والمراد : أطمع أن يغفر لي لمجرد عبوديتي له واحتياجي إليه لا بواسطة شفيع كما قال لجبرائيل : أما إليك فلا.

وحين قدم الثناء شرع في الدعاء تعليما لأمته إذا أرادوا مسألة فقال (رَبِّ هَبْ لِي

٢٧٤

حُكْماً) وهو إشارة إلى كمال القوة النظرية (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) وهو إشارة إلى كمال القوة العملية. ولقد أجابه حيث قال (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) وقيل : الحكم النبوة إذ النبي ذو حكمة وذو حكم. بين عباد الله تعالى وزيف بأنه كان حاصلا فكيف يطلبه؟ والظاهر أنه أراد بالحكم النسب الذهنية المطابقة للخارجية أعني العلوم النظرية كما بينا. قالت الأشاعرة : في الآية دلالة على مسألة خلق الأعمال ، إنه طلب العلم من الله فلو لا أن العلم بخلقه وإلا كان السؤال عبثا. وحمله المعتزلة على منح الألطاف. قيل : الحكم المطلوب بالدعاء إن كان هو العلم بغير الله لزم أن يكون سائلا لما يشغله عن الله وهو باطل ، وإن كان العلم بالله بقدر ما هو شرط صحة الإيمان لزم طلب ما هو حاصل لأدنى المؤمنين فضلا عن إبراهيم ، فإذن هو العلم الزائد على ما هو ضروري في الإيمان وهو الوقوف على حقيقة الذات والصفات ، ثم لا يكشف المقال عنها غير الخيال وبه يصير المؤمن من الواصلين إلى العين دون السامعين إلى الأثر. ثم طلب الذكر الجميل بقوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ) والإضافة فيه كقوله (قَدَمَ صِدْقٍ) [يونس : ٢] وقال ابن عباس : وقد أعطاه الله ذلك لقوله (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [الصافات : ٧٨] ولهذا اتفق أهل الأديان قاطبة على حبه وادعاء متابعته. ومدح الكافر ليس مقصودا لذاته من حيث هو كافر وإنما المقصود أن يكون ممدوح كل إنسان ومحمودا بكل لسان. وفائدة الثناء على الشخص بعد وفاته هو انصراف الهمم إلى ما به يحصل له عند الله زلفى وقد يصير ذلك المدح داعيا للمادح أو لمن يسمعه إلى اكتساب مثل تلك الفضائل. وقيل : سأل ربه أن يجعل من ذريته في آخر الزمان من يكون داعيا إلى ملته وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم سأل ما هو غاية كل سعادة فقال (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) وقد مر معنى هذه الوراثة في قوله (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها) [الأعراف : ٤٣] وكذلك في سورة مريم (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا) [مريم : ٦٣] ثم طلب السعادة الحقيقية لأشد الناس التصاقا به وهو أبوه قائلا (وَاغْفِرْ لِأَبِي) وقد سبق في آخر التوبة وفي «مريم» ما يتعلق به من المباحث. وهاهنا سؤال : وهو أنه متى حصلت الجنة بدعائه امتنع حصول الخزي فكيف قال بعده (وَلا تُخْزِنِي) وأيضا قال تعالى (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) [النحل : ٢٧] وما كان نصيب الكافر كيف يستجير منه المعصوم؟ أجاب عنه في التفسير الكبير كما أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فكذلك. درجات الأبرار دركات المقربين ، وخزي كل واحد ما يليق بحاله فكأنه سأل الشركة أوّلا ثم الخصوصية ثانيا. وأقول : يحتمل أن يكون هذا الدعاء من تتمة دعائه لأبيه أي لا تخزني ولا تفضحني بسبب تعذيب أبي يوم يبعث الضالون أو العباد كلهم ، ومثل هذا الضمير مما يعلم عوده بالقرينة. ويجوز أن يكون سأل الجنة بشرط التعظيم والإجلال ، ويجوز أن يكون أخر

٢٧٥

هذا الدعاء لما يعقبه من حديث يوم القيامة وأهوالها وأحوالها فأراد أن لا ينقطع نظم الكلام. وفي قوله (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إشارة إلى ما وصفه الله به في قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤] وفي هذا الاستثناء وجوه منها : أنه منقطع والمضاف محذوف أي إلا حال من أتى الله بقلب سليم والمراد بالحال سلامة القلب والمعنى : أن المال والبنين لا ينفعان وإنما ينفع سلامة القلب عن الأمراض الروحانية كالجهل وسائر الأخلاق الذميمة ، ويندرج في سلامة القلب سلامة سائر الجوارح لأنه رئيسها. ولا شك أن المال والبنين ليسا من جنس سلامة القلب فيكون الاستثناء منقطعا. ومنها أنه متصل وذلك على وجهين : أحدهما لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. وثانيهما أن يجعل من باب قولهم :

تحية بينهم ضرب وجيع

والمضاف المحذوف الحال أو السلامة نظيره أن يقال لك : هل لزيد مال وبنون؟ فتقول : ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك. ومنها أن يكون الموصول مفعولا لينفع والاستثناء مفرغ أي لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا رجلا سلم قلبه مع ماله وبنيه حيث أنفقه في طاعة الله وما قصر في باب تأديبهم وإرشادهم ، أو سلم قلبه من فتنة المال والبنين فلم يكفر ولم يعص. وقد يفسر السليم بالذائب من خشية الله تعالى.

وحين انجرّ الكلام إلى ذكر يوم القيامة وصف الله تعالى أو إبراهيم أحواله وأهواله فقال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) قال المفسرون : الجنة تقرب من موقف السعداء ليكون لهم فرجا معجلا ، وتجعل النار بارزة مكشوفة للأشقياء ليزدادوا غما وحسرة ، ولمثل هذا اليوم وبخهم بقوله (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) يعني الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار وذلك قوله (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ) أي الآلهة (وَالْغاوُونَ) الذين عبدوهم قال جار الله : الكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقى في جهنم ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر في قعرها أعاذنا الله منها. والمراد بجنود إبليس شياطينهم أو متبعوه من عصاة الجن والإنس. (قالُوا) يعني الغاوين وجنود إبليس (وَهُمْ) يعني والحال أن الأصنام وعبدتهم (فِيها يَخْتَصِمُونَ) قال أكثر المفسرين : يجوز أن ينطق الله الأصنام بحيث

٢٧٦

يصح منها التخاصم. وقيل : إن هذا التخاطب بين العصاة والشياطين إذ سووهم برب العالمين. والمراد بالمجرمين على التفسيرين الرؤساء والكبراء. وعن السدي : الأولون الذين سنوا الشرك. وعن ابن جريج : إبليس وقابيل لأنه سن القتل وأنواع المعاصي : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) خالص يهمه ما يهمنا وفيه نفي الشفعاء والصديق رأسا أو نفي للذين كانوا عدّوهم شفعاء وأصدقاء من الأصنام والرؤساء ، أو نفي للانتفاع بهم قصدوا بنفيهم ما يتعلق بهم من الفائدة ، فكل عديم النفع حكمه حكم المعدوم. قال جار الله : إنما جمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء لأجل الخشية عادة ، ولكن الصديق الصادق أعز من الكبريت الأحمر حتى زعم بعض الحكماء أنه اسم لا معنى له. وجوز أن يكون الصديق في معنى الجمع والكرة الرجعة إلى الدنيا «ولو» في معنى التمني. وقوله (فَنَكُونَ) جواب التمني أو عطف في المعنى على (كَرَّةً) أي ليت لنا كرة فإن نكون ، وعلى هذا جاز أن تكون «لو» على أصل الشرط والجواب محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت. ثم بين أن فيما كره من قصة إبراهيم عليه‌السلام لآية لمن يريد أن يستدل بذلك وما كان أكثر قوم إبراهيم بمؤمنين.

القصة الثالثة قصة نوح. ولا ريب أن نبأه عظيم فقد كان يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ومع ذلك لم يزد قومه إلا التكذيب. والقوم مؤنث بدليل قوله (كَذَّبَتْ) وكان أمينا فيهم مشهورا كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قريش. وكرر قوله (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) تأكيدا وتقريرا في النفوس مع أنه علق كل واحد بسبب وهو الأمانة في الأول وقطع الطمع في الثاني نظيره قول الرجل لغيره : ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيرا؟ ألا تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيرا؟ وقدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة طاعته. قوله (وَما عِلْمِي) يريد أيّ شيء علمي ومعناه انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم لله عزوجل واطلاعه على باطنهم ومكنون ضميرهم كأنهم طعنوا في إيمانهم أيضا فذكر أن حسابهم على الله وأنه لم يبعث إلا للنذارة. ويجوز أن يكون فسر لهم الرذالة بما هو الرذالة عنده من سوء الأعمال وفساد العقائد فبنى جوابه على ذلك وقال : ما علمي إلا اعتبار الظاهر والله يتولى السرائر. وفي قوله (لَوْ تَشْعُرُونَ) إشارة إلى أنهم لا يصدقون بالحساب والجزاء ، وفيه إنكار أن يسمى المؤمن رذلا وإن كان أفقر الناس وأوضعهم فالغني غني الدين والنسب نسب التقوى. (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) ليس إخبارا لأنه علام الغيوب وإنما هو تمهيد مقدمة لطلب الفتح والحكومة. والفلك المشحون المملوء من كل زوجين اثنين مع نوح وأهله.

التأويل : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) القلب (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) وهو الروح وما يتولد

٢٧٧

منه (نَعْبُدُ أَصْناماً) وهو ما سوى الله (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) إلا أن أدركتنا العناية فنعرض عنها : (بَلْ وَجَدْنا آباءَنا) وهم الأرواح والآباء العلوية كذلك يتعلق بعضهم ببعض (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) إن تعلقت فصرت محجوبا بهم عن الله (خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) إلى حضرته و (يُطْعِمُنِي) من طعام العبودية الذي يعيش القلوب ، ويسقيني من شراب طهور التجلي (وَإِذا مَرِضْتُ) بتعلقات الكونين (فَهُوَ يَشْفِينِ) بالجذبة الإلهية (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) عن أوصاف البشرية (ثُمَّ يُحْيِينِ) بأوصاف الروحانية ويميتني عن أوصاف الروحانية ثم يحيين بالأوصاف الربانية ثم يميتني عن أنانيتي ثم يحيين بهويته (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ) يستر ظلمة خطيئة وجودي بطلوع شمس نهار الدين (رَبِّ هَبْ لِي) من ربوبيتك (حُكْماً) على بذل وجودي في هويتك (وَأَلْحِقْنِي) بالذين صلحوا لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة. (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) من النفس وصفاتها ليعرضوا عما سوى الله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) الروح (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) حين رد من العالم العلوي إلى السفلي من قولهم «ضل الماء في اللبن» (وَلا تُخْزِنِي) بتعلقات الكونين (قالَ) نوح القلب (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يعني أراذل الجسد والأعضاء لأنهم عملة عالم الشهادة وأنا من عملة عالم الغيب (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) فيما يعملون من الأعمال الحيوانية لحاجة ضرورية يعفو عنها والشهوة حيوانية يؤاخذهم بها (لَوْ تَشْعُرُونَ) الفرق بينهما (قالُوا) أي النفس وصفاتها (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) القلب عما تدعونا إليه على خلاف إرادتنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) بأحجار الوساوس والهواجس (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي في فلك الشريعة المملوء بالأوامر والنواهي والحكم والمواعظ والأسرار والحقائق (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) بطوفان استيلاء الأخلاق الذميمة وآفات الدنيا الدنية ، وباقي القصص إشارات إلى رسول القلب المسلم من الله وقومه النفس وصفاتها وإليه المرجع والمآب لما قررناه.

(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ

٢٧٨

رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥))

القراآت : (أَوَعَظْتَ) مدغما : عباس ونصير (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بفتح الخاء وسكون اللام : ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب ويزيد وعليّ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) مثل (بَعِدَتْ ثَمُودُ) [هود : ٩٥] (فارِهِينَ) بالألف : ابن عامر وعاصم وحمزة وعليّ وخلف.

الوقوف : (الْمُرْسَلِينَ) ه (تَتَّقُونَ) ه (أَمِينٌ) ه (وَأَطِيعُونِ) ه (أَجْرٍ) ه (الْعالَمِينَ) ه (تَعْبَثُونَ) ه لا (تَخْلُدُونَ) ه ج (جَبَّارِينَ) ه (وَأَطِيعُونِ) ه ج (تَعْلَمُونَ) ه ج (وَبَنِينَ) ه لا (وَعُيُونٍ) ه ج (عَظِيمٍ) ه ط (الْواعِظِينَ) ه لا للاحتراز عن الابتداء بمقولهم (الْأَوَّلِينَ) ه لا لذلك (بِمُعَذَّبِينَ) ه ج (فَأَهْلَكْناهُمْ) ط (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه (الْمُرْسَلِينَ) ه ط (تَتَّقُونَ) ه (أَمِينٌ) ه لا (وَأَطِيعُونِ) ه (أَجْرٍ) ه (الْعالَمِينَ) ه (آمِنِينَ) ه لا لتعلق الظرف (وَعُيُونٍ) ه لا (هَضِيمٌ) ه (فارِهِينَ) ه ج للآية مع العطف (وَأَطِيعُونِ) ه ج لذلك (الْمُسْرِفِينَ) ه لا لأن (الَّذِينَ) صفتهم (وَلا يُصْلِحُونَ) ه (الْمُسَحَّرِينَ) ه ج لانقطاع النظم مع اتحاد المقول (مِثْلُنا) ز (مِنَ الصَّادِقِينَ) ه (مَعْلُومٍ) ه ج (عَظِيمٍ) ه (نادِمِينَ) ه لا (الْعَذابُ)

٢٧٩

ط (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه (الْمُرْسَلِينَ) ه لا (أَلا تَتَّقُونَ) ه ج (أَمِينٌ) ه لا (وَأَطِيعُونِ) ه ج (أَجْرٍ) ج (الْعالَمِينَ) ه ط (مِنَ الْعالَمِينَ) ه لا للعطف (مِنْ أَزْواجِكُمْ) ه (عادُونَ) ط (الْمُخْرَجِينَ) ه (الْقالِينَ) ه (يَعْمَلُونَ) ه (أَجْمَعِينَ) ه (الْغابِرِينَ) ه (الْآخَرِينَ) ه ج (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) ه (لَآيَةً) ط (مُؤْمِنِينَ) ه (الرَّحِيمُ) ه.

التفسير : القصة الرابعة قصة هود ولنذكر من تفسيرها ما هو غير مكرر. الريع بالكسر وقرىء بالفتح المكان المرتفع ومنه الغلة لارتفاعها. والآية العلم وفي هذا البناء وجوه : فعن ابن عباس أنهم كانوا يبنون بكل موضع مرتفع علما يعبثون فيه بمن يمر بالطريق إلى هود. وقيل : كانوا يبنون ذلك ليعرف به فخرهم وغناهم فنهوا عنه ونسبوا إلى العبث وقيل : كانوا يقتنون الحمام قاله مجاهد. والمصانع مآخذ الماء. وقيل : القصور المشيدة والحصون. ومعنى (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ترجون الخلود في الدنيا أو ظلما وعلوا فوصفوا بكونهم إذ ذاك جبارين. وقيل : الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب. وعن الحسن : أراد أنهم يبادرون العذاب من غير تفكر في العواقب. والحاصل أن اتخاذ الأبنية الرفيعة يدل على حب العلوّ ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والبطش الشديد يدل على حب التفرد بالعلوّ فكأنهم أحبوا العلوّ وبقاء العلوّ والتفرد بالعلوّ وكل هذه لمن له الصفات الإلهية لا العبدية. ثم بالغ في تنبيههم على نعم الله حيث أجملها بقوله (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) إيقاظا لهم عن سنة الغفلة مستشهدا بعلمهم ثم فصلها بقوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) عليها تدور معايشكم (وَبَنِينَ) بهم يتم أمر حفظها والقيام بها (وَجَنَّاتٍ) يحصل بها التفكه والتنزه (وَعُيُونٍ) بمائها يكمل النماء. ثم ختم الكلام بتخويفهم تنبيها على أنه كما قدر أن يتفضل عليهم بهذه النعم الجسام فهو قادر على العذاب فيكون فيه مزيد حث على التقوى وكمال تنفر عن العصيان. ثم شرع في حكاية جواب القوم وأنهم قالوا : إن وعظه وعدم وعظه بالنسبة إليهم سيان. وإنما لم يقل «أوعظت أم لم تعظ» مع كونه أخصر لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أو لم تكن من مباشريه وذويه رأسا وهذا أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه. من قرأ (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بفتح الخاء فمعناه أن هذا إلا اختلاق الأولين وأكاذيبهم ، أو ما هذا إلا خلق الأقدمين نحيا ونموت ولا بعث ولا جزاء. والقراءة الأخرى معناها لسنا نحن إلا على دين الأولين من آبائنا ، أو ليس ما نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة جارية لا خرق لها ، أو ما هذا الذي جئت به من تلفيق الأكاذيب. إلا عادة مستمرة من المتنبين. ثم أكدوا إنكارهم المعاد بقولهم (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) فأظهروا بذلك جلادتهم وقوة نفوسهم فأخبر الله تعالى عن إهلاكهم وقد سبقت كيفية ذلك مرارا.

٢٨٠