ومنها : أنّه لا يجوز اتخاذها أو اتخاذ بعض منها مع الإخلال وعدمه سوقاً أو مَعبراً أو طريقاً مُستدامة ، أو وطناً ومنزلاً ، أو محرز الطعام ، أو غيره ، أو مزرعاً ينتفعون به.
ومنها : أنّها إذا تعطّلت ، ولم يمكن الانتفاع بها فيما وضعت له ، جاز استيجارها من المجتهد ، مع ضبط الوثيقة ، خشية من غلبة اليد ، ولا يجوز نقلها بالملك.
وإنّما يجوز نقل آلاتها مع عدم الانتفاع بها ، وصرفها في منافعه. فإن لم يمكن ، ففي منافع غيره من المساجد ، فإن لم يمكن ، ففي غيره من الأوقاف العامّة.
ومنها : أنّه لا يجوز للجُنب ، والحائض ، والنفساء مكث ، ولا وضع شيء فيها ، ولا تلويثها بالنجاسة ، ولا بأس بالداخلة من دون إصابة ، ولا بالمصيبة مع اليبس في الطرفين في وجه قويّ.
ويجب إخراجها فوراً عُرفيّاً على مُدخلها أولاً ، ويُجبر على ذلك ، فإن امتنع أو تعذّر ، وجبَ كفاية. والقول بلزوم الأُجرة على المُدخل غير بعيد.
وفي القول بإلحاق القذارات المؤذية أو مطلقاً وجه.
ولو صلّى من وجب الإخراج عليه مع وجودها والعلم بها ، صحّت صلاته ، وإن كان عاصياً.
ولو توقّفت الإزالة على مكث الجُنب ، ونحوه جازَ المكث.
ولو أمكن تخفيف النجاسة كمّاً أو كيفاً ، وجب. ولو دار بين إبقاء الغليظة والخفيفة أو القليلة والكثيرة ، قدّم الأوّل من الأوّل ، والثاني من الثاني ، وبين أحد الأوّلين والثانيين يعتبر الميزان.
ومنها : أنّه لا يجوز إخراج التراب أو الحصى منها ما لم تكن من الكناسة أو مضرّاً بها ، وعلى المُخرج ردّها إليه أو الى مسجد آخر. ومع امتناعه أو تعذّره في لزوم الردّ على غيره كفاية إشكال.
ومنها : أنّه يجوز هدمها لإصلاحها وتوسعتها من الواقف أو الباني الأوّل أو لا ، ما لم يدخل الدوام في الشرط على إشكال.
ومنها : أنّه لا يجوز اتخاذها محلّا للضيافة ، ولا بأس بنوم الغرباء فيها ، وغيرهم.
ومنها : أنّه لا يجوز اتخاذها مقبرة ، ولا مطلق الدفن بها. وما ورد من دفن الأنبياء والأوصياء في الحجر ونحوه محمول على التخصيص ، أو نسخ حكمه.
ومنها : أنّها تثبت بالشياع الباعث على المظنّة القويّة ، ولا يتوقّف على البيّنة العادلة.
ومنها : استحباب بنائها ولو بوضع أحجار ، ففي الحديث : «أنّ من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله تعالى بكلّ شبر منه أو قال : بكلّ ذراع منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب ، وفضّة ، ودرّ ، وياقوت ، وزمرّد ، وزبرجد ، ولؤلؤ» (١). وإنّ العذاب يرتفع عن الناس بثلاثة أصناف : المتحابّين في الله ، والمستغفرين بالأسحار ، والعامرين للمساجد (٢).
ومنها : التطيّب ولبس الثياب الفاخرة عند التوجّه إليها.
ومنها : تعاهد النعلين عند أبوابها.
ومنها : كون المنارة مع سطح المسجد.
ومنها : كون المطاهر على أبوابها.
ومنها : كنسها وإخراج الكُناسة منها ؛ فإنّ من كنس مسجداً يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج منه ما يذر في العين ، غُفر الله تعالى له. ومن قمم مسجداً ، كتب الله له عتق رقبة. ومن أخرج منه ما يقذي عيناً ، كتب الله تعالى له كفلين من رحمته.
ومنها : الإسراج فيها ؛ فإنّ من أسرج في مسجدٍ من مساجد الله تعالى سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج.
ومنها : تعظيمها ؛ لقول الصادق عليهالسلام إنّما أُمر بتعظيم المساجد ؛ لأنّها بيوت الله تعالى في الأرض (٣).
__________________
(١) عقاب الأعمال : ٣٣٩.
(٢) ثواب الأعمال : ٢١١ ح ١ ، علل الشرائع : ٥٢١ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٨٦ أبواب أحكام المساجد ب ٨ ح ٣ ، ٥.
(٣) علل الشرائع : ٣١٨ ، الوسائل ٣ : ٥٥٦ أبواب أحكام المساجد ب ٧٠ ح ١.
ومنها : سبق الناس في الدخول إليها ، والتأخّر في الخروج عنها ؛ لأنّها خير البقاع ، وأحبّهم إلى الله تعالى أوّلهم دخولاً واخرهم خروجاً.
ومنها : استحباب صلاة ركعتين لمن دخل فيها ، ولا يجعلها كالطريق.
ومنها : أنّ السابق إليها مع بقائه فيها ، أو بقاء احتياجه إليها أحقّ بها إلى اللّيل ، كما في سائر الأُمور العامة من المشاهد ، وغيرها.
ومنها : أنّ الأعمال بأسرها يتضاعف ثوابها ، لكن تضاعف ثواب الصلاة يزيد على تضاعفها (وكذا المعاصي يتضاعف وزرها) (١) كما أنّ كلّ فعل تشتدّ حُرمته لجهة مشتركة بين قويّة وضعيفة ، يكون الإثم فيهما أكثر من القسمين في غيرهما ، وكما أن زنا المحصن مثلاً أشدّ حرمة ، فنظره ولمسه كذلك. وكذا في باب الدماء والجروح والمحترمات. وليس منه لمس المحارم ؛ لاختلاف الجهة.
ومنها : دخولها على طهارة ، وقول : «بسم الله ، والسلام على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وملائكته ، على محمّد وآل محمّد ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، ربّ اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك» وفي الخروج مثل ذلك (٢).
أو قول : «اللهم اغفر لي ، وافتح لي أبواب رحمتك» حال الدخول ، وعند الخروج : «اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك» (٣) والوقوف حال لدعاء ، ووَرَدَ من الدعاء غير ذلك (٤).
ومنها : استقبال القبلة بعد الدخول ، ثم الدعاء والسؤال والبسملة والحمد والصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومنها : الابتداء في الدخول بالرجل اليُمنى ، وفي الخروج باليُسرى.
ومنها : طرد أهل المعاصي عن المساجد.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٤ ، الوسائل ٣ : ٥١٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٤.
(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٥ ، الوسائل ٣ : ٥١٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٥.
(٤) انظر الوسائل ٣ : ٥١٧ أبواب أحكام المساجد ب ٤١.
ومنها : السعي إليها والإسراع ، ودخولها على سكينة ووقار.
ومنها : أنّ حريمها أربعون ذراعاً ، يعني في الأرض المباحة.
ومنها : جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد تنظيفه ، ولو بطرح تراب عليه.
ومنها : جواز جعل البِيع والكنائس مساجد ، وجواز استعمال نقضها في المساجد.
ومنها : جواز تعليق السلاح فيها ، ويكره في المسجد الأعظم مطلقاً ، وفي القبلة.
ويكره فيها أُمور :
منها : كراهة إنشاد الشعر فيها ، روي أنّه يُقال للمُنشد : فضّ الله فاك ، إنّما نُصبت المساجد للقران (١). وهو منزّل على غير ما كان راجحاً.
ومنها : ذكر أحاديث الدنيا ، وحبّ الدنيا.
ومنها : نقش المساجد بالصور ، وتشريفها ، بل تُبنى جمّا.
ومنها : رطانة الأعاجم فيها ، ولعلّ المراد اللسان الذي لا يفهم.
ومنها : الوضوء فيها ، إلا من حدث صدر فيها.
ومنها : سلّ السيف فيها ، وعمل الصنائع ، حتّى بري النبل.
ومنها : إباحة النوم فيها ، إلا في المسجدين ، فإنّه يكره.
ومنها : البصاق مع إصابته ، لا في ثوب وشبهه ، ولا خارجاً عنه ، كما إذا بصق فيه وألقاه خارجاً. ويتأكد مستقبل القبلة ، ويستحبّ دفنه إن وقع ، (وربّما جرى في جميع القذارات) (٢).
ومنها : التنخّع فيها ، ويستحبّ أن يردّها لو تنخّع ؛ فإنّها لا تمرّ بِداءٍ إلا بَرَأ.
ومنها : دخولها وفي فمه رائحة ثوم أو بصل أو كراث أو غيرها من المؤذيات ريحها.
ومنها : البيع والشراء ، وجميع النواقل سوى الصدقات.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٦٩ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٥٩ ح ٧٢٥ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب أحكام المساجد ب ١٤ ح ١
(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».
ومنها : تمكين الصبيان والمجانين منها.
ومنها : إنفاذ الأحكام ، إلا للإمام عليهالسلام.
ومنها : رفع الصوت.
ومنها : اللغو.
ومنها : إقامة الحدود.
ومنها : إنشاد الضالّة ، وينبغي أن يقال له : لا ردّها الله عليك.
ومنها : نصب المحاريب الداخلة فيها ، الّتي كأنّها مذابح اليهود.
ومنها : الاتكاء والاحتباء مقابل الكعبة.
ومنها : الخروج من المسجد بعد سُماع الأذان إلا بنيّة العَود.
ومنها : الخذف بالحصى (١) في المساجد وغيرها ، ومَضغ الكُندُر في المساجد ، وعلى ظهر الطريق ، ومن خذف بحصاة في المسجد لم تزل تلعنه (٢).
ومنها : كشف السرّة ، والفخذ (٣) ، والركبة فيها.
ومنها : السفر إليها عدا المسجدين ، ومسجد الكوفة.
وروى : أنّ صلاة المرأة في مَخدعِها أفضل من صلاتها في بيتها ، وفي بيتها أفضل منها في الدار (٤).
وروى خير مساجد نسائكم البيوت (٥) ، وأنّ صلاتها وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة (٦).
والظاهر اختلاف الحكم شدّة وضعفاً ، باحتمال الناظر وعدمه ، وقلّته وكثرته ، والظلمة والضوء ، والمُماثل وغيره ، والمحارم وغيرهم ، والمراد المحافظة على الستر.
__________________
(١) يقال : خذفت الحصاة ونحوها خذفاً : رميتها بطرفي الإبهام والسبّابة. المصباح المنير : ١٦٥.
(٢) انظر الوسائل ٣ : ٣٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٦.
(٣) الفخذ من الإنسان وغيره ، بكسر الخاء وتسكينها ، الجمهرة ١ : ٥٨٢.
(٤) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ١.
(٥) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٩ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٢.
(٦) مكارم الأخلاق : ٢٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٥.
المقام الثالث : في مكروهات أمكنة الصلاة
وهي عديدة :
منها : صلاة الحمّام وتوابعها : من ركعات احتياطيّة ، وأجزاء منسيّة ، وسجود سهو ، دون سجود الشكر والتلاوة ، وصلاة الجنازة ، ويُحتمل جريانها في جميع العبادات البدنيّة.
وكراهة الصلاة : إمّا لتوجّه النهي إليها مُقيّدة به ، أو الكون فيه حال فعلها. وهو كالأول لا تكون الكراهة فيه إلا بمعنى أقليّة الثواب فيها بالنسبة إلى ما اقتضته طبيعتها.
وإن جعل متعلّقاً بالتعرّض للنجاسة من جهة الأرض ، أو من جهة الداخلين من كفّار غير متشبّثين بالإسلام ، أو متشبّثين كالغُلاة ، والخوارج ، والنصّاب ، أو متعلّقاً بالتعرّض لكشف العورة بارتفاع الإزار ، أو عدم التوجّه لغلبة البخار (١) أو بانكشاف الرأس وبعض البدن ، أو التعرّض للزلق فلا يبقى على هيئة المصلّي ، أو مزاحمة الرجال ، فلا يتمكّن من الاستقرار في بعض الأحوال ، أو تسلّط الشياطين بدخول العُجب أو الرياء للمتردّدين ، أو لترتّب الخلل بفعلها على قضاء مطالبه واستيفاء الغرض من مأربة ، أو لنحو ذلك ، كانت الكراهة على معناها.
وربّما تسرّى مثل ما في المكان إلى اللّباس والزمان (وقد يجعل من باب اختلاف التعلّق بالطبيعيّة والشخص ، ولا مُنافاة عقليّة) (٢) وقد يقرّر ما في المكروهات في الأعمال المحرّمات فتختلف الأحكام ، ويلزم إمعان النظر في مثل هذا المقام.
والمراد به : البيت الحارّ موضوعاً على الانفراد ، أو مع مَسلخ أو غيره. والبيت المتوسّط بينه وبين المَسلَخ يجري عليه حكمه ، والتوابع من الأمكنة يجري عليها حكم متبوعاتها.
والمبتدأ قبل الاستعمال والمهجور الخالي عن الماءِ وإن دخلا في اسم الحمّام لا تجري
__________________
(١) في «ح» زيادة : أو للغشيان.
(٢) ما بين القوسين ليس في «م» و «س».
عليهما الأحكام. ومتى دخل خارج فيه من مَسلَخ أو غيره ، دخل في حكمه ؛ ومتى خرج داخل عنه ، خرج.
وتشتدّ الكراهة حيث نقول بعدم تعلّقها بالذات للذّات ، بل لعروض العلل والصفات باشتدادها ، وتضعف بضعفها ، ويدور الأمر مدارها وجوداً وعدماً ، في حمّام أو غيره.
ولو جُعلت قطعة منه مسجداً ، اجتمعت الكراهة والندب من وجهين. ويُحتمل (بطلان الوقف ، وعلى الأوّل يقوى) (١) ترجيح الأخير على الأخر.
ومع ضيق وقت الفريضة تجب فيه ، وترتفع الكراهة. وأمّا مع ضيق وقت النافلة ، فالظاهر تغليب جهة الاستحباب ، مع احتمال الخلاف.
ولو وضع بناء على عين حارّة واشتمل على مثل ما في الحمّام ، كان بحكم الحمّام ، وتختلف مراتب الكراهة باختلاف أماكن الحمام شدّةً وضعفاً بحسب الصفات إن جعل المدار عليها.
ومنها : ما يُبال فيه من الأمكنة مع التكرار وبدونه أيضاً في وجه ، وما يتغوّط (٢) فيه كذلك. وروى : أنّ الملائكة لا يدخلون بيتاً يُبال فيه ، أو فيه إناء فيه بول (٣) ، ولعلّ بول الصبيان خارج عن الحكم.
ومنها : المَزبَلَةُ ، وهي مجمع القذارات ، والظاهر إلحاق جميع المواضع القذرة.
ومنها : المَجزَرَة ، وهي مكان الذَّبح المُعدّ له.
ومنها : بيوت النّيران وغيرها من معابد أهل الضلال.
ومنها : ما فيه خمر أو مُطلق المسكرات المائعة بالأصالة من البيوت ، أو مُطلق الأماكن ، ما لم يترتّب عليه سراية مُخلّة.
ومنها : بيوت المجوس ، وتضعف الكراهة مع رشّها وتجفيفها.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» و «س».
(٢) التغوّط قضاء الحاجة ، وهي كلمة كناية لفعله. العين ٤ : ٤٣٥.
(٣) الكافي ٣ : ٣٩٣ ح ٢٦ ح ٢٧ ، التهذيب ٢ : ٣٧٧ ح ١٠١ ـ ١٠٧ ، الخصال : ١٣٨ ح ١٥٥.
ولا بأس ببيوت اليهود والنصارى ، وكنائسهم ، وبِيعهم (١). والأولى أن يكون ذلك بعد الرشّ ، والتجفيف.
والظاهر أنّ مواضع نزول الغضب من بيوت جميع الكفّار والمُبدعين من المسلمين بل فاعلي الكبائر ينبغي تجنّب الصلاة فيها ، والظاهر التمشية إلى سائر العبادات ، بل إلى الجلوس فيها لغير سبب.
ومنها : مَبارك الإبل ، وأشدّها كراهة مَعاطنها ؛ وهي مَباركها حول ماء الورد.
ومنها : مَعاطن الإبل والبقر والغنم ، إلا مع اليبس والرشّ بالماء.
ومنها : مرابط الخيل ، والبغال ، والحمير ، كما نقل الإجماع عليه (٢). والظاهر الاختصاص بالأهليّة.
ومنها : قُرى النَّمل ؛ وهي مجمع بيوتها.
ومنها : مجاري المياه ، مع وجود الماء وعدمه ، ومن كان في السفينة لا يدخل في الحكم.
ومنها : الأرض السَّبِخَة ، ولو كان فيها نبت أو كانت ممّا تستقرّ الجبهة عليها خفّت الكراهة ، وتشتدّ الكراهة مع ضعف الاستقرار عليها حال السجود أو غيره ، أو اشتداد صفتها من ملوحة ونحوها. ومع عدم حصول الاستقرار بالمرّة يحكم بالبطلان.
ولو عارض الكراهة رجحان روضةٍ أو مسجديّة ، عمل على الرجحان. ولا منافاة بين كون الشيء محبوباً مكروهاً من وجهين ، فإذا رجح أحدهما ، ألغى اعتبار الثاني.
ويمكن توجيه ما ورد «من كون السبَخ والماء المالح عدوّين لأهل البيت عليهمالسلام ، أو لم يقرّا بالوحدانيّة» ، مع أنّ أشرف الأراضي كأرض كربلاء من القسم الأوّل ، وماء النجف وكثير من المياه المتكوّنة في المشاهد المشرّفة ، والأماكن المحترمة كحرم الله وحرم رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحرم الأئمّة عليهمالسلام من القسم الثاني : بأنّ الصفتين عارضتان لبعض الأسباب ، غير موجودتين في مبدأ الخلق
__________________
(١) البيعة بالكسر للنصارى ، والجمع بِيَع ، مثل سدرة وسدر ، المصباح المنير : ٦٩.
(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٥.
(أو أنّه لا منع من اجتماع الجهتين ، أو أنّ جهة الشرَفِ غلبت ، ويحتمل أنّ سبب العروض ما سبّب غضب الله تعالى) (١) أو أنّ العامّ مخصوص.
ومنها : الثلج ، وإذا اضطرّ بَسَطَ عليه ثوباً ، ومع البسط قيل : تخفّ الكراهة ، ولا ترتفع (٢).
ومنها : الرمل إذا لم يكن مُلبّداً (٣) وكذا كلّ غير مُلبّد ممّا تصحّ الصلاة عليه.
ومنها : ما بين المقابر ، والسراديب بحكمها.
ويُعتبر بقاء بعض أعضاء الموتى فيها ، فإذا اندرست الآثار ، ولم يبقَ سوى علامة المزار ، زالَ حُكم الكراهة.
والظاهر كراهة مُحاذاة القبر مطلقاً.
وتختلف مراتب الكراهة باختلاف جهات القُرب ، فما كان من الجهات الأربع أشدّ ، ثمّ ما كان من الثلاث ، ثمّ ما كان من الاثنين ، وأدناها الواحدة. ولا يبعد القول بالتفاوت باعتبار قُرب زمان الدفن وبُعده ، وصِغَر الميّت وكِبَره ، وبعضه وكلّه ، وما في جهة القبلة أشدّ كراهة من غيره.
وربّما كان الباعث والله أعلم مع أنّ الذي يجيء في بادئ النظر رجحان ذلك ؛ لبعثه على شدّة الخوف من الله تعالى ، وزيادة التذلّل والخضوع : أنّ المصلّي إذا رأى ما رأى يشتغل فِكره لدهشته وخوفه عن الصلاة.
أو أنّه ربّما كان الميّت بعيداً عن الرحمة مستحقّاً للعذاب ، وتُكره الصلاة في مواضع العذاب ، كأراضي الخَسف ونحوها.
أو أنّ المقبرة بنفسها شبيهة بمواضع الهلاك.
(أو لأنّهم كانوا يعبدون القبور ، أو لعدم خلوّها غالباً عن الروائح النتنة ، أو التعرّض للخبث ، أو عدم مساواة الأرض) (٤).
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) التهذيب ٢ : ٣١٠ ذ. ح ١٢٥٧.
(٣) الملبّد : الملتصق المجتمع ، مفردات الراغب : ٤٤٦.
(٤) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
وتتضاعف الكراهة في الصلاة في مقابر المغضوب عليهم ، من الكفّار ونحوهم.
ولا ترتفع الكراهة بالحائل ، وترتفع الكراهة بوجود حائل مانع عن البصر مستقرّ ، كجدار ونحوه. وتخفّ أو ترتفع بمثل اللّبِنَة (١) أو العَنَزَة (٢) أو نحوهما. والظاهر الاكتفاء في الحيلولة بوقوف إنسان أو حيوان أو فصل عشرة أذرع عن القبر.
ومنها : مكان العبور ، وما فيه مظنّة المرور لإنسان أو حيوان ، كلب أو غيره ، من غير قُرب إلى جدار ونحوه ، فيخصّ به ، فترتفع الكراهة ، ومن دون قَلَنسوَة أو عَنَزة أو كومة تراب أو خطّ يكون علامة الاحتجاب ، فتخفّ الكراهة ، أو ترتفع.
وينبغي أن يكون بينه وبين الستر ما لا يزيد على مَربض فرس. وأمّا مع أمن المار فلا استتار ، ويحتمل ثبوت الاستحباب لنفسه.
والظاهر اختلاف مراتب الاستحباب باختلاف كيفيّة الاحتجاب قوّة وضعفاً ، فأوّل المراتب الجدار مثلاً ، ثمّ مؤخّر الرجل ، ثمّ العنزة ، ثمّ الحجر ، ثمّ السهم (٣) ، ثمّ الخط.
ومنها : الطرق التي يتكرّر الوطء عليها في البلد أو في الصحراء ، ولا اعتبار بالمرّة والمرّتين مثلاً. والظواهر من الجوادّ (٤) إذا تكرّر الوطء عليها يجري عليها حكمها. ومع الهجر يلغو الحكم على الأقوى. وفي إلحاق الطرق المرفوعة ، وبين الدارين مع التكرّر وجه.
ومنها : ما يكون إلى المرأة النائمة على ما قيل (٥).
ومنها : بيت فيه مجوسيّ ، وإن كان مع مسلم. ولا بأس باليهودي ، والنصراني والمشترك (٦).
__________________
(١) اللبنة : واحدة اللبن ، بكسر الباء ، وما يعمل من الطين ويبنى به ، المصباح المنير : ٥٤٨.
(٢) العَنَزة : وهي شبه العُكّازة. أساس البلاغة ٢ : ١٤٣. وقال الخليل : في طرفها الأعلى زُجّ يتوكّأ عليها الشيخ. العين ١ : ٣٥٦.
(٣) السهم : واحد من النبل. وقيل : السهم نفس النصل. المصباح المنير : ٢٩٢.
(٤) الجوادّ : جمع جادّة ، الطريق. جمهرة اللغة ٢ : ١٠٣٨.
(٥) الشهيد في الدروس ١ : ١٥٥.
(٦) في «س» : والمشرك.
ومنها : أن تكون بين يديه نار مُضرمة ، ويقرب جري الحكم في غير المضرمة ، خصوصاً إذا كان من أولاد عَبَدة النار ، أو الأصنام.
وربّما سَرَى الحكم إلى كلّ مَعبود دون الله تعالى. وتشتدّ الكراهة في المستعلية كالمعلّقة. والمدار على ما يصدق فيه أن يقال بين يديه عُرفاً ، فلا اعتبار بالبعيدة.
ومنها : البيت الذي فيه تصاوير ذوات الأرواح ، مُجسّمة أولا ، من أيّ جانب كانت.
والظاهر اشتداد الكراهة فيها لو كانت من جهة القبلة ، ولو جُعلت مستورة أو خلفاً ، أو تحت القدمين محلّا للوطء ، أو في فُرش النساء ، أو قطع منها رأس أو غيره من الأعضاء بحيث تُدعى ناقصة ، خفّت الكراهة ، أو ارتفعت.
والأولى تجنّب صُور الأشجار ، والأثمار ، والنباتات ، ونحوها (والظاهر اشتداد الكراهة في المُجَسّم ذي الروح ، ثمّ غير المُجسّم منه ، ثمّ المُجسّم من غيره) (١).
ومنها : أن يستقبل قراناً مفتوحاً ، أو غير مفتوح ، ولم يكن في غلاف ، أو ينظر إلى شيء مكتوب ، من قران أو غيره ، من خاتم أو غيره ؛ لكراهة ذلك في الصلاة.
ومنها : أن يستقبل باباً مفتوحاً لا مصراع فيها ، أو فيها مصراع أو مصراعان مفتوحان.
ومنها : أن يكون بين يديه إنسان مواجه ، من امرأة قائمة أو جالسة ، ويدرؤها عن نفسه كما في الخبر (٢) ، وأُلحق بذلك مُطلق الإنسان.
ومنها : استقبال السيف ، مُجرّداً أو في غِمده ، فإنّ القبلة أمن (٣). والظاهر تمشيته إلى جميع ضروب السلاح ؛ لظاهر التعليل.
وفي اعتبار الإبصار في كراهة المستقبَلات ، أو بعضها وجه قويّ.
ومنها : بُيوت الغائط.
__________________
(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».
(٢) قرب الإسناد : ٢٠٤ ح ٧٨٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب مكان المصلّي ب ٤٣ ح ٣.
(٣) انظر الوسائل ٣ : ٤٧٢ أبواب مكان المصلّي ب ٤١.
ومنها : استقبال الغائط.
ومنها : دار فيها كلب برّي ، سوى كلب الصيد ، مع إغلاق الباب دونه.
ومنها : بيت فيه جُنب (١).
ومنها : البَيدَرُ المطيّن.
ومنها : القتّ ، والتبن ، والحنطة ، والشعير ، وأشباهها ، وإن وضع عليها فراش من حصير أو غيره ، والظاهر خفّتها حينئذٍ.
ومنها : أن يكون بين يديه حائط حوله بالوعة ينزّ منها بول ، ويَستحبّ ستره.
ومنها : وادي ضَجْنَان ، والظاهر أنّ ضَجنَان جبل قُرب مكّة ، وحوله وادٍ دون ما يُسمّى بذلك أيضاً ، وهو جبل بالبادية (٢).
ومنها : ذات الصلاصل.
ومنها : وادي الشّقرة ، والظاهر أنّ هذه الثلاثة مواضع خسف.
ومنها : بابل.
ومنها : البيداء ، وذات الجَيش.
ومنها : الأماكن التي يكثر العبور فيها.
ومنها : الأماكن المشتملة على ما يَشغل البال ، من قيل وقال ، أو حدوث بعض الأفعال.
ومنها : الأماكن الشديدة الحرارة أو البرودة ، أو الكثيرة الدُّخان ، ونحو ذلك ممّا يشغل البال.
ومنها : الأماكن التي فيها شُبهة تحريم ، أو نجاسة ، أو اضطراب يمنع الاستقرار ونحوها ، ولم تبلغ حدّ المنع.
ومنها : الأماكن التي فيها شُبهة حصول بعض الأسباب المكروهة.
ومنها : استقبال الحديد.
__________________
(١) جُنب يطلق على الذكر والأُنثى ، والمفرد والتثنية والجمع. المصباح المنير : ١١١.
(٢) قال الفيروزآبادي : ضجنان كسكران جبل قرب مكّة ، وجبل آخر بالبادية. القاموس المحيط ٤ : ٢٤٤.
ومنها : بطون الأودية ، ولو ركد الماء فيها.
ومنها : المنازل التي ينزلها الناس فيها أبوال الدواب والسّرجين ، ويدخلها اليهودا والنصارى ، إلا أن يوضع عليها ثوب.
وتتضاعف الكراهة على اختلاف مراتبها بتضاعف الأسباب ، من الاثنين والثلاثة ، والأربعة وهكذا ، وتختلف شدّة وضعفاً بكثرة السبب وقلّته ، أو قوّته وضعفه.
ولو حَصَلَ التعارض بين الجهات ، كان المدار على الترجيحات ، والذي يظهر من تتبع الآثار وإمعان النظر في الأخبار ، ورجحان جميع ما يتضمّن تعظيم الصلاة ، وجميع ماله مدخليّة في تحقيق العبوديّة ، وما له مدخل في رفع القذارة ، أو تعريض النفس لمحالّ العذاب ، ونحو ذلك من الأسباب.
وتجري أحكام المكروهات في الرّكعات الاحتياطيّة ، والأجزاء المنسيّة ، وسجود السّهو. وفي إلحاق صلاة الجنازة وسجود الشّكر والتلاوة ، وجميع العبادات الأصليّة البدنيّة وجه قويّ. وفي التبعيّة وجه ضعيف.
أحكام النوم وأقسامه
وروى : أنّه يكره النّوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بلا نوم (١). وبين طلوع الفجر وطلوع الشمس ؛ لأنّ الملائكة تقسّم الأرزاق في ذلك الوقت ، ومن نام ذهب سهمه (٢). والظاهر أنّه لا بأس به لمن صلّى نافلة اللّيل ، كما يظهر من الخبر (٣).
وأنّ نوم الأنبياء على أقفيتهم ، ونوم المؤمنين على أيمانهم ، ونوم المنافقين على
__________________
(١) كما في التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٣ ، ٥٣٤ ، والاستبصار ١ : ٣٤٩ ح ١٣٢٠ ، والوسائل ٤ : ١٠٦٢ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ١.
(٢) الفقيه ١ : ٣١٩ ح ١٤٥٣ ، ١٤٥٤ ، التهذيب ٢ : ١٣٩ ح ٥٤٠ ، ٥٤١ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٣ أبواب التعقيب ب ٣٦ ح ٤ ، ٦.
(٣) التهذيب ٢ : ١٣٧ ح ٥٣٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤٩ ح ١٣٢٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٣ أبواب التعقيب ب ٣٥ ح ٢.
شمائلهم ، ونوم الشياطين على وجوههم (١) ، وأنّه بين العشاءين يحرم الرّزق (٢).
وأنّ ثلاثة فيهنّ مقت الله : نوم بلا سهر ، وضحك بلا عجب ، وأكل على الشّبع (٣).
وأنّه لا سهر بعد العشاء الآخرة إلا لأحد الرّجلين : مصلّ أو مسافر (٤) ، وأنّ كثرة النّوم باللّيل تدع الرّجل فقيراً يوم القيامة (٥).
وأنّه ليس في البدن أقلّ شكراً من العين ، فلا تُعطوها سؤلها ، فتشغلكم عن ذكر الله (٦) ، إذا نام أحدكم فليضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن ، فإنّه لا يدري أينتبه من رقدته أو لا (٧).
وأنّ الأرض تشتكي إلى الله من ثلاثة : من دمٍ حرام يُسفك عليها ، أو اغتسالٍ من زنا ، أو النّوم عليها قبل طلوع الشّمس (٨).
وأنّ القيلُولة مأمور بها ، والشّيطان لا يقيل (٩).
وأنّ الرّجل إذا رأى ما يَكره في منامه ، فليتحوّل عن شقّه الذي كان عليه نائماً ، وليقل (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلّا بِإِذْنِ اللهِ) (١٠) ثمّ ليقل : عُذت بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون ، وأنبياؤه المرسلون ، وعباده الصّالحون ، من شرّ ما رأيت ، ومن شرّ الشّيطان الرّجيم (١١).
__________________
(١) انظر الوسائل ٤ : ١٠٦٧ أبواب التعقيب ب ٤٠.
(٢) الفقيه ١ : ٣١٨ ح ١٤٤٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٨ أبواب التعقيب ب ٤٠ ح ٤.
(٣) الفقيه ١ : ٣١٨ ح ١٤٤٨ ، الخصال : ٨٩ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٨ أبواب التعقيب ب ٤٠ ح ٧.
(٤) الخصال : ٧٨ ح ١٢٥ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٩ أبواب التعقيب ب ٤٠ ح ١٠.
(٥) انظر الوسائل ٤ : ١٠٦٨ أبواب التعقيب ب ٣٦ ح ٨ ، ٩.
(٦) الخصال : ٦٢٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٩ أبواب التعقيب ب ٤٠ ح ١٢.
(٧) الخصال : ٦٣٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٩ أبواب التعقيب ب ٤٠ ح ١٢.
(٨) الخصال : ١٤١ ح ١٦٠ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٤ أبواب التعقيب ب ٣٦ ح ٧.
(٩) يقال : قالَ يقيلُ قيلاً وقيلولة نام نصف النهار ، المصباح المنير : ٥٢١. وأُنظر الفقيه ١ : ٣١٩ ، والوسائل ٤ : ١٠٦٦ أبواب التعقيب ب ٣٩.
(١٠) المجادلة : ١٠.
(١١) الكافي ٨ : ١٤٢ ح ١٠٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٥ أبواب التعقيب ب ٣٧ ح ١.
وأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة عليهاالسلام في رؤياها التي رأتها : «قولي : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون ، وأنبياؤه المرسلون ، من شرّ ما رأيت في ليلتي هذه أن يصيبني منه سوء ، أو شيء أكرهه ، ثمّ اتفلي عن يسارك ، ثلاث مرّات» ؛. (١)
خاتمة : في أحكام البيوت والمساكن وما يتبعها
وينبغي فيها المحافظة على أُمور :
منها : السّعة ؛ فإنّ الصّادق عليهالسلام قال ثلاثة للمؤمن فيها راحة : دار واسعة تُواري عَورته وسوء حاله من النّاس ، وامرأة صالحة تُعينه على أمر الدّنيا والآخرة ، وابنة أو أُخت يخرجها من منزله بموت أو تزويج (٢). وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سعادة المسلم : المسكن الواسع ، والجار الصّالح ، والمَركَبُ الهنيء» (٣).
ومنها : تحجير السّطوح.
ومنها : كَنس البيوت والأفنية (٤) ، وغسل الإناء ؛ لأنّها تجلب الرِّزق ، وتنفي الفقر (٥).
ومنها : تنظيف البيوت من حَوك العنكبوت.
ومنها : إسراج السّراج قبل غروب الشمس ؛ لأنّه ينفي الفقر.
ومنها : التحوّل عن الدّار الضيّقة ، وإن كان قد اشتراها أبوه.
ومنها : جلوس الدّاخل حيث يأمره صاحب البيت.
ومنها : التسليم على الأهل حين الدخول ؛ فإن لم يكن أهل ، فعلى نفسه ، ويقرأ «الإخلاص» لنفي الفقر (٦).
ومنها : إغلاق الأبواب ، وتغطية الأواني وإيكاؤها ، وإطفاء السّراج وإخراج النّار عند النوم.
__________________
(١) الكافي ٨ : ١٤٢ ح ١٠٧ ، الوسائل ٤ : ١٠٦٦ أبواب التعقيب ب ٣٧ ح ٢.
(٢) الكافي ٦ : ٥٢٥ ح ٣ ، المحاسن : ٦١٠ ح ١٨ ، الوسائل ٣ : ٥٥٧ أبواب أحكام المساكن ب ١ ح ٢.
(٣) الخصال : ١٨٣ ح ٢٥٢ ، الوسائل ٣ : ٥٥٨ أبواب أحكام المساكن ب ١ ح ٨.
(٤) الأفنية جمع فناء : الوصيد ، وهو سعة أمام البيت ، وقيل : ما امتدّ من جوانبه ، المصباح المنير : ٤٨٢.
(٥) انظر الوسائل ٣ : ٥٧٠ أبواب أحكام المساكن ب ٩.
(٦) الخصال : ٦٢٦ ، الوسائل ٣ : ٥٧٥ أبواب أحكام المساكن ب ١٥ ح ١.
ومنها : كون الخروج من البيت في الصّيف يوم الخميس أو الجمعة أو ليلتها ، والدّخول في الشتاء من البرد يوم الجمعة أو ليلتها.
ومنها : مسح الفراش عند النّوم بطرف الإزار خوفاً من حادث حدث عليه ، وقول : اللهم إن أمسكت نفسي في مقامي هذا ، فاغفر لها ؛ وإن أرسلتها ، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين.
ومنها : كتابة أية الكرسي على رأس ثمانية أذرع.
ومنها : ذبح كبش سمين عند بنائها ، وإطعام لحمه المساكين ، فيقول : اللهمّ ادحر عنّي مَرَدة الجن والإنس والشّياطين ، وبارك لي في بنائي ، ليرزق ما سأل (١).
ومنها : التسمية وقراءة الإخلاص عشراً ، والدّعاء بالمأثور عند الخروج من المنزل حضراً أو سفراً ، وعند الدّخول.
ويُكره فيها أُمور :
منها : ضِيق الدار ؛ لأنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدّابّة ، والمرأة ، والدّار ؛ ففي المرأة غلاء مهرها ، وعُسر ولادتها ، وفي الدابّة كثرة علفها ، وسوء خلقها ، وفي الدّار ضيقها ، وخُبث جيرانها».
ومنها : تصوير صور الحيوان في السّقوف والجدران ، لأعلى نحو التجسيم ، وإبقاؤها إلا أن تقطع رؤوسها ، ومحوها أفضل ، والأحوط تجنّبها.
ولا بأس بها للنّساء ، أو مع التغطية ، وبإبقائها في الفُرش توطأ بالأقدام.
وأمّا تصويرها على نحو الأجسام فحرام ، ويجب محوها أو تغييرها.
ولا بأس بصور النّاميات من غير الحيوانات ، فضلاً عن الجمادات ؛ من فواكه ، وأشجار ، ونباتات ، ونحوها.
ومنها : رفع بناء البيوت فوق سبعة أذرع ، ورُخّص في الثمانية ، فإذا زاد على ذلك
__________________
(١) انظر ثواب الأعمال : ٢٢١ ، والوسائل ٣ : ٥٩٠ أبواب أحكام المساكن ٢٩ ح ١.
نودي : أين تريد يا أفسقَ الفاسقين (١)؟! ومنها : المبيت على سطح غير محجّر ، رجلاً كان أو امرأة ، وأقلّه ذراعان ، أو ذراع وشبر من الجوانب الأربعة ؛ فإنّ من نام على سطح غير محجّر فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه ، وبرئت منه الذمّة.
ومنها : مبيت الرّجل أو المرأة على السّطح مع الوحدة.
ومنها : البناء مع عدم الحاجة.
ومنها : مبيت القُمامَةُ في البيت ، خصوصاً خلف الباب ؛ لأنّها مأوى الشّياطين ، وعن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تؤوا مِنديل اللّحم في البيت ؛ فإنّه مَربِض الشّيطان ، ولا تزووا التراب خلف الباب ؛ فإنّه مأوى الشّيطان ، ولا تتبعوا الصيد ؛ فإنّكم على غرّة (٢) ، وإذا بلغ أحدكم باب حجرته فليسمّ ؛ فإنّه يفرّ منه الشّيطان ، وإذا دخل أحدكم بيته فليسلّم ؛ فإنّه تنزل البركة وتؤنسه الملائكة ، ولا يَرتَدِف (٣) ثلاثة على دابّة ؛ فإنّ أحدهم ملعون ، وهو المقدّم ، ولا تسمّوا الطريق سكّة ، فإنّه لا سكّة إلا سكك الجنّة ، ولا تسمّوا أولادكم بالحكم والحكيم ؛ فإنّ الله هو الحكم ، ولا تذكروا الأُخرى إلا بخير ؛ فإن الله تعالى هو الأُخرى ، ولا تسمّوا العِنَب الكَرم ؛ فإنّ المؤمن هو الكَرم ، واتقوا الخروج بعد نومة ؛ فإنّ لله تعالى دوابّ يبثّها يفعلون ما يُؤمرون ، وإذا سمعتم نباح الكلب ، ونَهيق الحمير فتعوّذوا بالله من الشّيطان الرّجيم ؛ فإنّهم يَرون ما لا تَرون ، فافعلوا ما تُؤمرون. ونِعمَ اللهو المغزل (٤) للمرأة الصّالحة» (٥).
ومنها : السّراج في القمر ؛ فإنها من الأربعة التي تذهب ضياعاً.
ومنها : الأكل على الشّبع ، والبذر في السَّبخة ، وحُسن الصّنيع مع غير أهله.
__________________
(١) المحاسن : ٦٠٨ ح ٧ ، الوسائل ٣ : ٥٦٦ أبواب أحكام المساكن ب ٥ ح ٧.
(٢) الغرّة بالكسر الغفلة ، انظر المصباح المنير : ٤٤٤.
(٣) يقال : ردفه وأردفه وأرتدفه وتردّفه : ركب خلفه ، أساس البلاغة ١ : ٣٣٣.
(٤) قال ابن دريد : المُغزَل ، بالضم والكسر ، لغتان فصيحتان. الجمهرة ٢ : ٨١٩.
(٥) علل الشرائع : ٥٨٣ ح ٢٣ ، الوسائل ٣ : ٥٧٢ أبواب أحكام المساكن ب ١٠ ح ٢ وفيها : الحكم ولا أبا الحكم ، بدلاً عن بالحكم والحكيم.
ومنها : ترك حَوك العَنكَبوت ؛ فإنّه يُورث الفقر.
ومنها : الدخول في بيت مُظلم بغير مصباح.
ومنها : ترك غلق الأبواب ، وكشف الأواني ، وطرحها على ظهرها ، وإبقاء السّراج والنّار عند النّوم في البيت.
ومنها : المبيت في بيت لا باب له ولا سِتر.
ومنها : مَبيت الإنسان وحده ، إلا مع الضّرورة ؛ فعن أبي جعفر عليهالسلام : «مَن تخلّى على قبر ، أو بالَ قائماً ، أو بالَ في الماء قائماً ، أو مشى في حذاء واحدٍ ، أو شرب قائماً ، أو خلي في بيت وحده ، أو باتَ على غَمَر (١) فأصابه شيء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله تعالى» (٢).
ومنها : النّوم مع الوحدة ، فعن أبي الحسن عليهالسلام لَعَنَ النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة : الأكل للزّاد وحده ، والراكب في الفلاة (٣) وحده ، والنّائم في البيت وحده
(٤). ومنها : تسمية الطريق سكّة.
ومنها : تشييد البناء لغير الرياء والسّمعة ، أمّا لهما فحرام.
ومنها : التحوّل من منزل إلى آخر إلا للنُزه ، للنظر في بعض المروّحات للنفس ؛ فعن أبي الحسن عليهالسلام ثلاثة يجلون البصر : النظر إلى الخُضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنّظر إلى الوجه الحسن (٥).
ومنها : اتخاذ أكثر من ثلاثة فرش ، وكثرة البُسط ، والوسائد ، والمرافق ، والنّمارق (٦)
__________________
(١) الغَمر بالفتح : ما بقيت رائحته في البدن من أكل الدّسَم خاصة ، يقال : غَمِرَت يده تغمر غَمَراً فهي غَمِرة. الجمهرة ١ : ٧٨١.
(٢) الفلاة : الأرض لا ماء فيه ، والجمع فلاً ، مثل حصاة وحصاً ، وجمع الجمع أفلاء ، مثل سبب وأسباب.
(٣) الكافي ٦ : ٥٣٣ ح ٢.
(٤) الخصال : ٩٣ ح ٣٨.
(٥) الخصال : ٩٢ ح ٣٥ ، المحاسن : ٦٢٢ ح ٦٩.
(٦) النمارق : الوسائد ، أساس البلاغة ٢ : ٤٧٧.
إلا مع الحاجة.
ومنها : استدبار القبلة في الجلوس ، إلا لواعظٍ أو مُدرّس أو معلّم ، ونحوهم ؛ فإنّهم يستقبلون وجوه المحتاجين إليهم.
ومنها : ألا يجلس بعضه على بعض ، ولا يضع إحدى رجليه على الأُخرى ، بل متربعاً أو على كَفَلِه (١).
ومنها : أن ينام على يمينه أو على قفاه ، دون بطنه وشماله ، إلى غير ذلك ممّا يظهر من تتبّع كتب الاداب.
وفي الخبر : «ما مِن مجلسٍ فيه أخيار وفجّار يقومون على غير ذكر الله إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» (٢).
وفي خبر آخر بعد قوله على غير ذكر اسم الله : «والصّلاة على محمّد» (٣).
وفي خبر آخر : «ما مِن مجلسٍ يُذكر فيه اسم الله ، إلا نادى منادٍ من السّماء : قوموا فقد بدّلت سيّئاتكم حسنات» (٤).
ومع التعارض بين المكروهات والمستحبّات فالتّرك أولى. وإذا تعارضت بعض آحاد القسمين ، فالمدار على الميزان ، بل تنبغي مُراعاة الميزان في المقامين.
القسم الرّابع : في القبلة
وفيه مباحث :
الأوّل : في بيان معناها ، وهي لغةً : عبارة عمّا يُستقبَل ، وشرعاً : عن البِنية المخصوصة المسمّاة كعبة.
__________________
(١) الكفل : العَجُز ، المصباح المنير : ٥٣٦.
(٢) عدة الداعي : ٢٤١.
(٣) عدة الداعي : ٢٣١.
(٤) عدة الداعي : ٢٣٨.
ومَدار الاستقبال شرعاً على الفضاء المقدّر بقَدَرها (مع احتساب ما سَامَتَ) (١) الشّاذَروان (٢) منه ، من تُخوم الأرض إلى أعلى السّماء. فالمتوجّه إليه مُستعلياً (٣) على البِنية إلى السّماء ، أو منخفضاً عنها إلى الثّرى مُستقبل لها. ولا مَدار على بُنيانها ، فلا يخلّ انهدام حيطانها.
وهي القبلة لجميع مَن في الدّنيا ممّن في المسجد الحرام ، أو خارجه ، أو حرم الله تعالى ، أو خارجه ، غير أنّ المتوجّه إليها إن استطاع المقابلة الحقيقيّة كالقريب إليها كمن في المسجد مثلاً توجّه إلى عينها بكلّه مع الإمكان ، وإلا فيما أمكن من بعضه.
ومن لم تمكنه حقيقة المقابلة كالبعيد عنها بالنّسبة إلى القُدرة البشريّة ، ومن دون توسّط الات ونصب عَلامات ، لزمته مُراعاة أقرب الجهات إلى المحاذاة. ولا يلزمه الأخذ بعلم الغيب لو كان من أهله ، ولا نصب حبلٍ أو خيط ليتمكّن من العلم ، وإن كان من قدرته ، ولا الإغراق في التحقيق والتدقيق ، ولا مراجعة علم الهيئة ، وإن كان من أهله ، ولا رجوعه إلى أهله ، إن لم يكن من أهله. وإنّما يلزم عليه أن يستقبل جهةً لا يعلم خروج الكعبة منها ، ولا يجد ما هو أقرب إلى الانطباق عليها ، ومُسامتتها منها.
ومن خرج عن سمتها بكلّه أو بعضه فلا صلاة له.
ولو استطال الصّف (٤) حتّى خرج بعض منه عن المحاذاة بكلّ أو بعض ، بطلت صلاته.
ويلزم أن يكون المأموم مساوياً للإمام أو أبعد منه عن القبلة فيمن يكون خارجاً عنها. وأمّا فيها فيقوى فيها عدم البأس في التقدّم والتأخّر والمحاذاة ، واستقبال كلّ
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : مع قدر فضاء ما فوق.
(٢) الشاذروان بفتح الذال من جدار البيت الحرام ، وهو الذي تُرك من عرض الأساس خارجاً ، ويسمّى تأزيراً ؛ لأنّه كالإزار للبيت. المصباح المنير : ٣٠٧.
(٣) في «م» : مستلقياً.
(٤) في «ح» زيادة : وحولها.