أحدها أن تكون مُتماثلة في الوجه والهيئة ، من نوافل أو فرائض ، وقد مرّ أنّه يُؤتى بواحدة عوض الفاسدة.
ثانيها : أن تكون مُتخالفة في الهيئة ، اختلف في الوجه أو لا ، ولا بدّ هنا من الإتيان بها على عدادها.
ثالثها : أن تكون مُختلفة الوجه متّفقة الهيئة ، والظاهر الاكتفاء بالواحدة ، وتعيينها لا يلزم.
البحث التاسع : أنّه لا يجوز ردّ التحيّة في الصلاة من جميع الأقسام غير السلام ، كما لا يجوز الابتداء به من المصلّي ، وأنّه لإيجاب فيها من السلام إلا صيغ مخصوصة ، ولا يجوز الجواب إلا بصيغ مخصوصة كما مرّ.
وأمّا غير الصلاة ؛ فالظاهر أنّ غير السلام مَلفوظاً لا يجب جوابه ، فلا يجب جواب للمكاتيب المُشتملة على السلام ، ولا جواب للتحيّة بغير السلام ، لا ملفوظة ، ولا مكتوبة ، (ولا يجب التعويض عن كرامة مفعولة ، كزيارة ، وهديّة ، وصِلة ، وعطيّة ؛ لا لمُماثل ، ولا مُغاير) (١).
ثمّ السلام يُبنى على العادة والتعارف ، ولا يختصّ بصيغة ، ولا يُشترط فيه سوى الاشتمال على لفظ السلام وخبره.
(وردّه واجب كفائي ، والابتداء به مُستحبّ كفائي بالنسبة إلى شدّة الاستحباب) (٢) وصوره كثيرة غير محصورة ؛ لأنّ أُصوله : السلام عليك ، والسلام عليكما ، والسلام عليكم ، والسلام عليكنّ ، والسلام على فلان.
(أو مع ضمير الغيبة من قبيل الاستخدام) (٣) مُعرّفاً أو مُنكّراً ، موقوفاً أو موصولاً ، مرفوعاً أو منصوباً ، موجوداً فيه الخبر أو محذوفاً ، موجوداً فيها المبتدأ أو محذوفاً ، مُبدلاً للحروف أو لا ، أو مُبدلاً لحركات البنية أولا ، مُبدلاً لحركات الإعراب والبناء أو
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».
(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».
لا ، موصولة كلماته أو لا ، طاعناً في سلامه على شخص ببحّة الصوت مثلاً أو لا ، كارهاً للجواب أو لا ، مُسقطاً لحقّه أو لا ، بلسان العرب أو لا ، من ناطق أو لا ؛ كالأخرس ، مُشيراً إليه بغير اسم أو سمّاه بغير اسمه أو لا ، خصّ بالسلام أو لا ، مُقدّماً فيه المبتدأ أو لا ، مكرراً في المجلس الواحد أو لا ، مُسمعاً أو لا ، مع الاستماع أو لا ، خافضاً لصوته على وفق العادة أو لا ، مُغنّياً بصوته أو لا ، ضامّاً إلى قصد التحيّة قصد قران أو غيره أو لا ، ناذراً عدم الكلام أو لا ، مأذوناً من مُفترض الطاعة من سيّد أو والد أو لا ، مُحرزين للشعور لعدم حدوث موت أو نوم أو إغماء أو لا ، خارجين عن التعارف في القُرب والبُعد أو لا ، حيّاً كان المُجيب أو لا ، مُتعلّقاً بتسليم الصلاة أو لا ، متلذّذاً بسماع الصوت من غير المحرم أو لا ، ضامّاً إليه ضميمة من مُضاف إليه : «كقول : سلام الله ، سلام أنبيائه ، سلام ملائكته ، سلامي ، سلامنا وهكذا» أو لا ، ذاكراً لمتعلّق «كقول : سلام منّي أو من المحبّ أو المخلص أو زيد ، يعني نفسه» أو لا ، مع التطابق مع الجواب أو لا ، مع انفصال الجواب أو لا ، مع الاشتباه بين الذكر والأُنثى أو لا ، مع تماثل الطرفين وفيه قسمان أو لا ، مع العقل أو لا ، مع البلوغ أو لا ، مع التمييز أو لا ، مع الإسلام والإيمان أو لا ، مع المُقارنة في التخاطب أو لا ، مع سبق المُجاب أو المُجيب أو لا ، مع فهم المعنى منهما أو من أحدهما أو لا (مع انفصال الجواب أو اتصاله) (١) ، إلى غير ذلك.
ويجري نحو ذلك في الجواب.
فالصور لا تقف على حدّ. ويتّضح حالها ببيان أُمور :
منها : أنّه لا يجب الردّ على غير المؤمن ، وإن تجدّد كفره بعد إتمام التحيّة. ولو ذكر «عليكم» فقط ، أو قال بالكسرة «السلام» أو أجاب بغير السلام ، كان أولى ؛ للمحافظة على حسن السلوك ، أو التحفّظ من طعنهم ، والسلامة من أذيّتهم.
والمشكوك به بين المؤمنين والكفّار ، مُلحق بالدار ، (وعلى الحدّ يجب جوابه) ؛ (٢)
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «ح».
(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
والمسلم المشكوك بإيمانه يجب جوابه.
ومنها : أنّه لا يجب الردّ على غير المميّز من الصبيان ، ولا على المجانين ، وإن طرأ الجنون بعد إتمامه التحيّة كالميّت.
ومنها : أنّه فيه وجوبين : خالقيّاً ومخلوقيّاً ، فلا يسقط بالإسقاط أو الكراهة.
ومنها : أنّه إذا تقارنا في الخطاب ، في التحيّة والجواب ، سقط وجوب الردّ ، والأحوط أن يُعاد.
ومنها : أنّه إذا حصل السلام من الواحد أو المتعدّد على المتعدّد في المقام الواحد ، أجزأ الجواب الواحد من الواحد لو وقع بعد التمام ، مع قصد النيابة وعدمه. ولو قيّد مبتدئاً أو مُجيباً ، اختصّ المقيّد ، ولا يتعلّق بغيره.
فلو قال : السلام عليك يا زيد ، لم يتعلّق بالآخرين حقّ. كما لو قال : عليك السلام يا عمرو ، في وجه قوي. ولو تأخّر بعض الآحاد (في الابتداء) (١) فالأحوط أن يُعاد.
ومنها : أنّ الجمع بين الابتداء بالتحيّة والردّ بالنسبة إلى شخصين فضلاً عن الواحد لا يُحتسب منهما.
ومنها : أنّه لو ظنّه مُسلّماً عليه ، فردّ عليه ، وظهر اشتباهه ثمّ سلّم ، وجب ردّه.
(ومنها : أنّ ردّ جواب سلام الإمام على الجماعة والمأمومين بعضهم لبعض في سلام آخر الصلاة ليس بواجب القصد والردّ ، ولا الإسماع. والقول بحصول الكفاية بحصوله من الملائكة والأنبياء مثلاً ، وأنّه واجب كفائي بعيد.
ومنها : أنّ الكفاية لا تكون من الأموات ، فخلط النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع بعض لا يسقط الجواب عنه ، المدلول بالأخبار عليه وجوب الردّ عن الحاضرين ، وكذا السلام على الأئمّة صلوات الله عليهم ، وسائر الأموات.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
ومنها : أنّ الابتداء بالسلام من المزور من الأموات والجواب منه لا يلحق بحال الأموات. وفي جواب السلام من أهل القبور كما روي في الأخبار (١) هل هو من باب التكليف ، فيخصّ حكم انقطاع التكليف بعد الموت ، أو تفضل؟ وجهان ، أقواهما الثاني) (٢).
ومنها : أنّه لا يجب الردّ على من سلّم بغير لسان العرب.
ومنها : أنّه لو أتى بالسلام مغنّياً ، أو رافعاً صوته على خلاف العادة ، أو معرّضاً في سلامه بالطعن فيمن لا يجوز طعنه (أو عاصياً بوجهٍ آخر) (٣) لم يجب ردّه.
ومنها : أنّه لو كرّر المبتدأ ووحّد الخبر (أو بالعكس) (٤) كان سلاماً واحداً.
ومنها : أنّه لو أشار إليه ، وسمّاه بغير اسمه ، فالمدار على الإشارة ، ويقع السلام ويترتّب حكمه.
ومنها : أنّه إذا غيّر الألفاظ ، أو أتى بترجمة غير عربية ، لم يجب الجواب.
ومنها : أنّه لو أتى بالسلام مبتدئاً أو حال الردّ بما يوافق قراناً أو دعاءً مثلاً فقصدهما معاً ، وجب ردّه ، وأجزأ عن الردّ.
ومنها : أنّه لو خصّ بالسلام فليس على غيره جواب ، ولو عمّ فالوجوب كفائي.
ومنها : أنّه يجب الإسماع في الجواب في صلاة أو غيرها.
ومنها : أنّه لا يجب جواب غير المسموع لو علمه (٥) من غير طريق السمع إلا من الأصمّ.
ومنها : أنّ انعقاد سلام الأخرس وكلامه ، في أُصول أو فروع ، أو كذب أو غيبة أو قذف وهكذا ، يتبع قصده. ولوك لسانه ، وإشارته ، وتعدّد التحيّة ، ووحدتها ، وقصد الابتداء ، والجواب ، والمحيّي ، والمجاب يتبع قصده ، وقد علم ممّا تقدّم.
__________________
(١) المحاسن ١١٩ ح ١٢٩ ، الأمالي للطوسي ٥٥ ح ٧٦.
(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٤) كلمة أو بالعكس زيادة من «ح».
(٥) في «م» : عمله.
ومنها : أنّه إذا لم يجب فوراً (ناسياً أو ساهياً ، فلا إثم ، ولا قضاء) (١).
ومنها : أنّه لو فصل بين المبتدأ والخبر بكلامٍ أو سكوتٍ طويل ، لم يجب جوابه.
ومنها : أنّه لو خاطب الجمع بالواحد أو المثنّى ، أو المثنّى بالواحد ، لم يجب الجواب.
(ومنها : أنّه لا يجوز أخذ الأُجرة على الردّ إن وجب عليه عيناً أو كفاية.
ومنها : أنّه من عصى بسلامه لا إيجاب بجوابه ، ولا استحباب ، وربّما يكره ذلك.
ومنها : أنّه روي : أنّ ثلاثة لا يسلّمون : الماشي مع الجنازة ، والماشي إلى الجمعة ، وفي بيت حمام (٢) ، وخصّ الأخير في بعض الروايات بمن ليس عليه مئزر (٣).
ومنها : أنه لو أدخل المشيئة أو ذكر الظنّ أو الاحتمال ، فلا يلزم جوابه.
ومنها : أنّه لو أقسم أو عاهد مثلاً قبل السلام مؤكّداً مع بقاء قصد الإنشاء ، كان مُسلّماً.
ومنها : أنّه لو قدّم الخبر على المبتدأ في المبتدأ ، لم يكن مسلّماً. وفي الجواب يصحّ الأمران ، والأحوط تقديم الخبر.
ومنها : أنّ الكفّار وجميع أهل العقائد الفاسدة لا يبدؤون بالسلام إلا مع التقيّة ، ويبدؤون بغيره من التحيّات.
ومنها : أنّه لا بأس بتحيّتهم بباقي التحيّات ممّا ليس له دخل بنجاة الآخرة.
ومنها : أنّه يتمشّى حكم النيابة بعوض أو مجاناً من جانب البادئ أو الرادّ (على إشكال) (٤).
ومنها : أنّه لا يجب الردّ على من اقتصر على المبتدأ أو الخبر ؛ (لأنّه لا يعدّ مُسلّماً) (٥).
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : عاصياً أو ساهياً فلا قضاء.
(٢) الخصال : ٩١ ح ٣١ ، الوسائل ١ : ٣٧٣ أبواب آداب الحمام ب ١٤ ح ٢.
(٣) التهذيب ١ : ٣٧٤ ح ١١٤٧ ، قرب الإسناد : ٣١٥ ح ١٢٢٤ ، الوسائل ١ : ٣٧٣ أبواب آداب الحمام ب ١٤ ح ١.
(٤) ليس في «م» ، «س».
(٥) ما بين القوسين زيادة من «ح».
ومنها : أنّه لا يجب الردّ على من غيّر الحرف أو حركات البنية ، وخرج عن المتعارف.
ومنها : لا يجب الردّ على من كرّر السلام في المقام الواحد على من حيّاهم سابقاً وأجابوا.
ومنها : أنّه لا يرفع الكفائي ردّ الكافر من الجماعة في وجه قوي ، وكذا فاسد العقيدة.
ومنها : أنّه لو أجابَ بزعم سبق الابتداء ، فظهر لاحقاً أو مقارناً ، أعادَ الجواب.
ومنها : أنّه لو جمع المجلس مؤمنين وكفاراً أو فاسدي العقيدة غير المؤمنين. ولو قصد بالسلام على غير المؤمنين معنى الحجر ، فلا ضرر.
ومنها : أنّه روي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «لا تسلّموا على اليهود ، ولا النصارى ، ولا على المصلّي ، ولا على أكل الربا ، ولا على الذي على غائط ، ولا على الذي في الحمام ، وإذا دخلت والقوم يصلّون ، فسلّم على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم» (١).
وعن الباقر عليهالسلام أنّه قال : إذا دخلت على المصلّين ، فسلّم عليهم ، فإنّي أفعله (٢). وروى : أنّ عمّار بن ياسر دخل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يصلّي ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليهالسلام (٣).
وتشترك في الإفساد بفعل المُفسدات الفرائض أصليّة أو عارضيّة والنوافل.
ومنها : أنّه لا يجوز أخذ الأُجرة على الجواب من المحيي ، مفرداً أو جمعاً ، ولو أخذ عصى ، وكان مجزياً على إشكال.
__________________
(١) مشكاة الأنوار : ٢٠٠ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ١.
(٢) الوسائل ٤ : ؛ ١٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٧ ح ٣.
(٣) الكافي ٣ : ٣٦٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٤١ ح ١٠٦٦ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ ح ١٣٦٦ ، الوسائل ٤ : ١٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦ ح ٢.
ومنها : أنّه إذا سلّم عليه شخص فلم يعلم أنّه مقصود أو غيره (١) ، بنى على العدم. ولو سلّم على جماعة وهو فيهم ، بنى على الدخول ، ما لم يعلم خلافه.
ومنها : أنه إذا علم السلام ، وشكّ في صحّته ، بنى على الصحّة.
ومنها : أنّه إذا اقتصر على المبتدأ والخبر ، استحبّ للمُجيب أن يزيد ، وإذا أزاد «ورحمة الله» فله أن يزيد عليه «وبركاته» ، فإذا أضاف إليها «وبركاته» انقطعت الزيادة ، فله الاقتصار على الجملة الأُولى.
ومنها : أنّه يجب عليهما الجواب وإن تخالفا مع الترتيب.
ومنها : أنّ ابتداء السلام مُستحبّ عينيّ لا كفائي على الأقوى ، بخلاف الردّ (ووردت رخصة في الكفائية) (٢).
ومنها : أن الجواب على الفور كما مرّ ، ولا يجب قضاؤه (مع العصيان بالتأخير) (٣).
ثمّ ينبغي البدأة بالسلام من الصغير على الكبير ، ومن القليل على الكثير ، ومن القائم على القاعد ، ومن الراكب على الماشي ، ومن الراكب على الخيل على راكب البغل ، ومن راكب البغل على راكب الحمار ، وكل صاحب مرتبة على ما بعدها من المراتب اللاحقة.
والظاهر أنّ كلّ من كان على حالة أعظم من حالة الأخر ابتدأه بالسلام ، كراكب السرج على راكب الرحل ، ثمّ راكب الرحل على راكب العريان ، (وصاحب المحلّ ومطلق الزينة على غيره ، وصاحب النجيب على غيره ، والعظيم على الحقير ، والغني على الفقير ، وصاحب المحلّ على غيره ، والحاضر على المسافر ، وإلى غير ذلك ، والسرّ واضح) (٤).
والظاهر أنّ الشرف الحقيقي دون الصوري الدنيوي باعث على ابتداء غير
__________________
(١) بدل كملة غيره في «م» ، «س» : لا.
(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».
(٤) ما بين القوسين زيادة في «ح».
الشريف (وتعمّه حال المالك والمملوك ، والمعلّم والمتعلّم ، والعالم والجاهل ، والعدل والفاسق ، وهكذا) ؛. (١)
خاتمة : في بيان أسرار الصلاة
وفيه مباحث :
الأوّل : في سرّ كونها أشرف الأعمال ، وأفضلها ، وعمودها.
والأصل فيها اشتمالها على طاعات ، وقُربات ، لا توجد جلّها في غيرها ، من أُصول دينية : كتوحيد ، وعدل ، ونبوّة ، وإمامة ، ومعاد ، وصفات جمال وجلال منسوبة إلى ربّ العباد ؛ وفروعيّة من أفضل قراءة ، ومن تسبيح ، وتكبير ، وحمد ، ومدح وشكر ، واستغفار ، ودعاء ، ومناجاة ، وصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله ، وبراءة ، وخضوع ، وخشوع بقيام ، وركوع ، وسجود ، واستقرار ، واطمئنان ، وتضامّ أعضاء ، وذكر مبدأ ، ومعاد ، ومكالمة مع الله ، ومخاطبة ، وتوكّل ، واعتماد ، وخوف ، وتوسّل ، واستغاثة ، واستجارة ، وإقرار بالذنوب ، واعتراف ، وتوبة ، وندامة ، وسلام ، وأمان بختام ، إلى غير ذلك.
المبحث الثاني : في أسرار الشروط
والسرّ في اعتبارها كون الصلاة أفضل الأعمال ، فيُعتبر فيها ما هو الأفضل منها ؛ لتكون على أفضل الأحوال ، من طهارة ذاتٍ وبدنٍ ، أو الأُولى (٢) فقط ، فلزم الإسلام للأُولى ، والإيمان للثانية.
وفي طهارة الظاهر إشارة إلى لزوم طهارة الباطن من نجاسة الذنوب ، وفي ستر العورة ستر العورات الحقيقية ، وطهارة من خبث في ثوب أو بدن أو مكان سجود.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس «م» ، «س».
(٢) في «م» ، «س» : الأوّل.
وطهارة حدث أصغر ، قد حدث منه خبث معنوي صغير ، يرتفع بتنظيف الات الخدمة ، من اليدين ، والرجلين ، أو ما يواجه به المولى ، أو ما يطأطأه له خضوعاً ، وهو السرّ فيه ، أو خطيئة آدم عليهالسلام.
أو أكبر قد قضى بخبث مستولٍ على تمام البدن (ومن حصول كمال يجمع عقل ، وبلوغ ، أو تمييز ، ومن ستر عورة هي تمام البدن) (١) أو بعضه بثياب هي أفضل الثياب نوعاً ، خالية من نقص في دين بتحريم ، ورفعة في الدنيا بلبس حرير أو ذهب.
أو خبث في حيوان قد أُخذ منه غير مأكول اللحم.
ومن مكانٍ مباحٍ مستقرّ به ، لا تشغله حركته عن الإقبال ، وحسن الأدب غالباً.
ومن استقرارٍ في جميع أفعالها ممّا لا تؤخذ نيّة خلافه فيه ، كالهويّ.
ومن استقبالٍ إلى أفضل جهة.
ومن وقت هو أفضل الأوقات.
ومن نيّة هي أفضل النيّات ، يقصد بها الامتثال لأمر جبّار السماوات.
الثالث : في المنافيات
والسرّ في لزوم تركها : بعثها على تغيير هيئتها ، كالإطالة فعلاً أو قولاً أو سكوتاً مُخرجة عن الهيئة ، أو الإخلال ببعض شروطها ، كقراءة العزائم ، وما يقتضي خروج الوقت في الفرائض.
والإفضاء إلى قلّة الاكتراث بها ، كالأكل والشرب ، والقهقهة ، والبكاء لأُمور الدنيا ، وكلام الادميّين ، وفي طهارة الثياب والبدن إشارة إلى لزوم الطهارة من الذنوب ؛ إذ هي النجاسات الحقيقية ، وفي ستر العورة إشارة إلى ستر العيوب ، وهي عورات حقيقية.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
المبحث الرابع : في مقدّماتها
والسرّ فيها ما اشتملت عليه من الحكم ، والأسرار التي تقصر عن إدراكها دقائق الأفكار.
أوّلها : الأذان
فإنك إذا دقّقت نظرك فيه ، وتأمّلت في مبانيه ، ومعانيه ، أغناك ما اهتديت إليه بالنظر عن الاحتياج إلى الاحتجاج بمعاجز أُخر في إثبات نبوّة نبيّنا سيّد البشر صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإنّه وضع للإعلام ، وبيان الأمر بها من الملك العلام ؛ لإقامة البرهان على وجوب حضورها على المكلّفين من نوع الإنسان.
فأثبت بصفة الأكبريّة أنّه أهل للمعبوديّة. ثمّ ذلك لا ينفي وجود المعبود سواه ، فجاء بكلمة التوحيد قائلاً : «أشهد أن لا إله إلا الله».
ثمّ ذلك لا يفيد حتّى يعلم أن الأمر جاء بها من عند الله تعالى ، فأتى بإثبات رسالة الأمر بها ، وقال : «أشهد أنّ محمّداً رسول الله» صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ بعد إقامة البرهان عليها أمر بالإتيان إليها.
ثمّ لما كان ميل النفوس موقوفاً على حصول ثمرة من فعلها ، أبانَ كونها فلاحاً.
ثمّ ذلك كلّه لا يفيد تخصيصها بالإقبال عليها لكثرة العبادات ، فبين أنّها خير الأعمال.
وكرّر التكبير أربعاً ؛ لأنّه مبتدأ الإعلام ، ولأنّ الأُولى لتنبيه الغافل ، والثانية للناسي ، والثالثة للجاهل ، والرابعة للمتشاغل ، وثنّى الشهادة على وفق الشهادة ، وكرّر مرّتين مرّتين لإرادة التأكيد ، ولا يحسن الزيادة على ذلك.
وكرّر التكبير والتوحيد في أخره إعادة للبرهان ، وتحرّزاً عن النسيان ، وفي الخبر : أن تكرار المرّتين إشارة إلى أنّ مبدأ وضع الصلاة على ركعتين ركعتين (١).
__________________
(١) الفقيه ١ : ١٩٥ ح ٩١٥ ، العلل ١ : ٢٥٩ ب ١٨٢ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ٦٤٦ أبواب الأذان ب ١٩ ح ١٤.
وحسن فيه الوقوف ، والتأنّي ؛ للإمهال على أهل الأعمال ، ولعلّه هو السرّ في استحباب الفصل بينهما ، وبين الفصول.
وخُصّ بالفرائض ؛ لأنّ حكمة الاجتماع لا تجري في غيرها إلا نادراً. وباليوميّة ؛ لكون المطلوب دوامها ، أو لزيادة الاهتمام بشأنها ، فتركت فيها فصوله ، وأُقيم قول «الصلاة» ثلاثاً مقامها ، أو لخوف الاشتباه مع الاشتراك.
ثانيها : الإقامة
والسرّ فيها : أنّه لما كان المقصود أوّلاً الأمر بالإتيان إلى الصلاة والتوجّه إليها ، أقام البرهان على وجوب الحضور. وحيث كان الغرض من الإقامة وجوب إقامتها ، والقيام فيها ، أعاد البرهان لإثبات ذلك ، وثنّي على وفق الشهادة ، وللتأكيد على وفق العادة.
وقد يكون السرّ في الإعادة رعاية الحاضرين ممّن لم يبلغهم التأذين.
وترك التهليلة الثانية ؛ للإشارة إلى زيادة الشوق إلى الدخول في الصلاة ، ولعلّ ذلك هو السرّ في استحباب الحدر.
ثالثها : التكبيرات السبع
والسرّ فيها : أنّه لما كان الغرض الأصلي من فعل الصلاة كمال الخضوع ، والتذلّل لله ، كرّر ذكر العظمة ؛ لئلا يكون المصلّي في غفلة ، فيذهل عما يوجب عليه الانكسار والذلّة.
وأتى بها سبعاً ، ليُشير إلى السماوات السبع ، والأرضين السبع ، والأبحر السبع ، والشهب السبع ، وأبواب جهنّم السبع ، فيكون برهاناً على العظمة ، ولعلّه السبب في ذكر خلق السماوات والأرض في التوجّه بعدها.
والأصل في التوجّه : أنّه لمّا قصرت الربوبيّة والعظمة والمعبوديّة عليه ، لم يبق وجه للتوجّه إلا إليه.
وسرّ وضع الدعوات بينها بعد امتلاء القلب من الهيبة والعظمة ، واشتمالها على التذلّل والمَسكنة غير خفيّ.
المبحث الخامس : في بيان السرّ في أجزائها وما دخل أو أشبه الداخل فيها ، وهي أُمور :
أوّلها : النيّة
والسرّ فيها واضح ؛ لتوقّف الاتصاف بالعبوديّة ، والطاعة ، والامتثال ، والانقياد ، والتسليم ، والائتمار ، والخوف ، والرجاء ، وسائر الخِلال المطلوبة لربّ العزة والجلال ، عليها.
ثانيها : تكبيرة الإحرام
والسرّ فيها بحسب ذاتها : استحضار العظمة عند مبدأ الدخول ؛ ليحصل تمام الخضوع والتذلّل (ويحصل الربط ، والإلزام) (١) وتتأكد الرغبة في الإتيان بها.
ورفع اليدين فيها ؛ لتظهر العظمة إذا ارتفعت اليدان ، كما تظهر باللسان ، وعدم رفعهما فوق الرأس ؛ حذراً من تجاوز محلّ التذلّل ، وهو الرأس.
وضمّ الأصابع فيها كسائر التكبيرات ، ووضعها حيال الركبتين ؛ لأنّ العبد يتضامّ بين يدي مولاه ، ويضع يديه على ذلك النحو ، وتقارن التكبير بالرفع ؛ للانطباق بين العلّة والمعلول.
ثالثها : القيام
والسرّ فيه : أنّ أوّل مراتب خضوع العبيد لمواليهم الوقوف بين أيديهم ، واعتداله واستقراره فيه من تمام العبوديّة ، ولأنّه مقدّمة لخضوع الركوع والسجود. وإبقاء اليدين ممدودتين من تمام الاستعداد للخدمة ؛ لأنّ الغالب فيها مباشرة اليدين.
ثمّ إنّ الذي أخذ عليه الخوف يرخي يديه.
وفي قول : «بحول الله تعالى وقوّته» عند القيام إرشاد إلى العجز عن القعود ، فضلاً عن القيام وغيره ، إلا بمعونته.
وتخصيص التسميع بحال القيام ؛ لأنّه دعاء ، فيؤتى به حال القيام تواضعاً ، ولأنّه
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
أدعى للإجابة (وجعلت الحمدلة للمأمومين ؛ امتثالاً لأمرهم بالحمد لله المفهوم من السمعلة) (١).
رابعها : قراءة الفاتحة
والسرّ فيها : بعد كونها من أفضل الأعمال والسور إثبات ما ادّعى من العقائد سابقاً ، لإعجازها ، وأنّها من أكبر المعاجز ، وقد لوحظ فيها من الأسرار ما تقصر عنه دقائق الأفكار.
منها : البدأة باسم الله ؛ لبيان أنّه المبدأ الفيّاض ، ولأنّ ذكره أفضل الذكر ، واسمه مبدأ الأسماء ، ولدفع تسلّط الشيطان بإيقاع الرياء والعُجب ونحوهما. وهو سرّ استحباب الاستعاذة من الشيطان. وربط الاستعاذة بذات الله ، والاستعانة باسمه سرّه واضح) (٢).
ومنها : إظهار العجز عن الأقوال ولو قلّت ، فضلاً عن الأفعال ، إلا بمعونة الله تعالى. وجعل الاستعانة بالاسم ؛ لأنّه أنسب بالأدب وإن أُريد منه المسمّى ، أو لأنّ نفس الاسم فيه تلك الخاصيّة (على نحو ما يصنعه العبد الحقير من التملّق قبل سؤال الحاجة من مولاه.
ولأنّه رأى الحمد واجباً على توفيقه لعبادته ، ورضاه بخدمته ، وللدلالة على صفة الاختيار ، وليترتّب عليه ما يتعلّق بالمدح والشكر.
واختصّ صفتي الرحمة من بين الصفات في البسملة ؛ لأنّ الإعانة لا تكون إلا من المتّصف بها.
وخصّ الحمد بالله ؛ لقضاء الحقيقة ، أو الاستغراق به ؛ لقضاء صفة تربية العالمين ، فكلّ صفة مُستندة إليه ، ولأنّ ما تقدّم من الأكبريّة ، وتخصيص الإلهيّة ، لجعل من عداه في حكم المعدوم.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) ما بين القوسين زيادة من «ح».
وجعل الحمد مستنداً إلى الذات لما هي هي ، أو للنعم السابقة من التربية والتغذية ، أو لطلب الرحمة ؛ جلباً للمنافع ، ودفعاً للمفاسد الدنياوية أو الأُخرويّة.
ثمّ لمّا كان سبب لزوم الحمد قاضياً بلزوم العبادة ، وهي تنقسم إلى تلك الأقسام ، رتّب عليها العبادة ، وخصّه بها ؛ لما مرّ من أنّه لا إله سواه ، وخاطبه لقضاء تلك الصفات بشبه العيان.
ثمّ طلب الاستعانة على العبادة ؛ إظهاراً لعجزه.
وبعد أن أثبت جامعيّة صفات الكمالات بأنّه الله ، وأثبت صفة الرحمة رجا إجابة الدعاء ، فدعا بخير الدنيا والآخرة ، ودفع بلائهما) (١).
وخصّ صفتي الرحمة أيضاً ؛ ليكمل الرجاء في تحصيل الجزاء ، وتثبت صفة الفضل ، فضلاً عن العدل.
وبعد ذكر العظمة واستجماع صفات الكمال والرحمة والشفقة ، استحق الحمد المؤدّي معنى المدح والشكر ، (وأتى بالحمد ، و) (٢) أثبت جميع أفراده له ، مؤذناً بأنّ جميع المحامد راجعة إليه ، وأنّه مختار في جميع أفعاله.
واستند في ذلك إلى أنّه ربّ العالمين ، فيكون برهاناً. ثمّ كرّر الرحمة عامة لجميع العالم في جميع ما يحدث منهم بعد أن ذُكرت أوّلاً ؛ لطلب رحمته إيّاه ، أو لأجل إعانته.
ثمّ ذكر ملك جزاء الآخرة ؛ لتشتدّ همّته ، وتقوى عزيمته.
وبعد إثبات الأكبريّة ، والإقرار بالتوحيد ، وتقديم الاستعانة به ، وأنّ أُمور العالمين راجعة إليه ، وكان الخطاب بمنزلة خطاب المشافهة ، خصّه بالعبادة ، والاستعانة ، وتوجّه إليه بالدعاء.
وفي إعرابها وترتيلها ونحوهما مُحافظة على ما يليق بها.
وأمّا قراءة السورة ؛ فلتأكيد المعجزة ، ولزيادة المثوبة في فعل هذه الطاعة العظيمة.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : وخصّ طبيعة الحمد أو.
واجتزى بالفاتحة ، وخيّر بينها وبين الذكر في الأخيرتين ؛ لأنّ الأوّلتين كأصلين ، والأخيرتين كفرعين تابعين.
خامسها : الركوع
والسرّ فيه بحسب ذاته : أنّ هذا التقوّس المؤذن بكمال الذلّ والانخفاض إنّما يكون ممن كان في أدنى مرتبة لمن هو في غاية الرفعة والعظمة.
وفي تكبيره دليل على لزوم الركوع والخضوع ، وفي الاستقرار والذكر فيه ما يؤكّد التذلّل والخضوع. وخصّ التسبيح لما يتوهّم من عدم الفرق بين الكبير في ذاته ، والمتكبّر إذا لم تكن الكبرياء من صفاته.
ثمّ التسبيح إنّما يفيد ثبوت صفات الجلال ، فلزم التحميد ؛ ليفيد ثبوت صفات الكمال ؛ ولأنّ التسبيح قد يكون بصفات لا تليق ، فقيّده بالإضافة إلى صفات الحمد (١). وذِكر العظَمَة ؛ لاقتضاء الركوع ذلك.
وسوّى ظهره ؛ إشعاراً بتمام التذلّل.
ومدّ عنقه ؛ لإظهار التسليم ، وبيان أنّ الأمر إليه إن شاء قتله ، وإن شاء أمهله.
واطمأنّ وبلّغ الأصابع (بعد وضعها) (٢) مُنفرجات ؛ لأجل تمكين الخضوع والخشوع.
وأوتر في تسبيحه ؛ لأنّ الله تعالى وِتر يحب الوتر.
ثمّ خصّ التسميع بالتحميد ؛ لأنّه قولي ، والتسبيح اعتقاديّ على ما يظهر منهما. وتخصيص المأموم بالتحميد ؛ لأنّه مأمور بأمر الإمام ، وقد أمره به معنىً في تسميعه.
(سادسها : الرفع من الركوع ؛ لينظر العظمة ، ولزيادة الخضوع بالسقوط ، لوضع الجبهة عن قيام) (٣).
__________________
(١) في «ح» : الحدّ.
(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٣) ما بين القوسين زيادة من «ح».
سابعها : السجود
والسرّ فيه : أنّه أعلى المراتب الثلاث في الخضوع ، بوضع الجبهة على الأرض ، أو ما كان منها ، ووضع الأعضاء الستّة الأُخر على نحو وضعها ، وفيه كمال الخضوع ، والتذلّل ، والهبوط ، فناسب ذكر ما يفيد تمام العزّة والعلوّ كالأعلى. وحيث إنّ الركوع لم يبلغ ذلك ، أتى فيه بلفظ العظمة.
(ثامنها : الرفع من السجود الأوّل ؛ لينظر العظمة ، ولزيادة التذلّل بالهبوط بعد الجلوس ، والرفع من التشهّد بعد رؤية العظمة ، أو يقوم للخدمة) (١) وفي التدرّج من ذلّ القيام إلى الركوع ، ثمّ منه إلى السجود سرّ عجيب.
وكبّر (للسّجود بعد) (٢) رفع الركوع ؛ لمّا رأى العظمة ، وتوطئة للمبادرة إلى السجود ، واحتجاجاً على وجوبه ، (وكذا بعد السجود الأوّل) (٣) وفي التسبيح والاستقرار والذكر نحو ما في الركوع.
وفي وضع اليدين بين الركبتين ، وموضع الجبهة استقامة وضع البدن (٤) ، وهي أدخل في الأدب.
وفي التخوّي (٥) المُستدعي لزيادة رفع العَجز وإرغام الأنف إرغام لأُنوف الجبابرة ، فإنّهم بذلوا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أموالاً كثيرة على أن لا يأمرهم بوضع الجباه ، ورفع الأعجاز ، فأبى عليهم ، وأجابهم بأنّه مأمور ، لا اختيار له.
وفي حجب النظر عن السماء ، وقصره على خصوص الأمكنة القريبة إظهار تمام الانكسار والحياء.
وفي تكرار السجود على الأرض مرّتين إشارة إلى أنّ البداية منها ، والغاية إليها.
وفي وضع التشهّد (٦) رجع إلى إعادة الشهادتين أوّلاً وآخراً أو مع الوسط مع
__________________
(١) ما بين القوسين زيادة من «ح».
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : في.
(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٤) في «س» : اليدين.
(٥) خوى الرجل في سجوده رفع بطنه عن الأرض ، وقيل : جافى عضديه. المصباح المنير : ١٨٥.
(٦) في «م» ، «س» زيادة : بعد الركعتين.
الطول ؛ تحفّظاً عن النسيان ، وتحرّزاً عن تسلّط الشيطان (وليكون معترفاً بالعقائد ابتداء الصلاة ، وعند الفراغ من الجميع ، أو ممّا فُرِضَ في أصل التكليف) (١).
ثمّ لما أتمّ العمل حصل له الأمان ، اعتماداً على لطف الملك المنان ، فأدخل نفسه في السلام ، وتيمّن بذكر السلام على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وباقي الأنبياء ، والملائكة ، والعباد الصالحين.
وتخصيص الدعاء بـ «يا خير المسئولين» كما هو المُعتاد بالسجدة الأخيرة ؛ لأنها الختام من بين السجدات ، وعندها ترجّي اللطف والرحمة ، ولذا ورد الدعاء على الظالم في السجدة الأخيرة من نافلة اللّيل (٢).
ولمثل ذلك خصّ القنوت بالركعة الأخيرة ؛ لأنّها آخر الصلاة الأصليّة.
وفي آداب النساء لوحظ ماله ربط بالحياء.
وباعتبار حصول القُرب ، ومقبوليّة ما أتى به من القُربات ، كان ما بعدها من الوقت من أفضل الأزمنة والأوقات ، فحصلت له مظنّة بقبول ما يأتي به من الطاعات ؛ فعقّبها بتعقيبات من قراءة ، وأذكار ، ودعوات.
وإذا دقّقت النظر ، وقفت على أسرار أُخر (٣) ، (ويمكن استنباط جلّ ما ذكرناه من الأسرار الواردة في الأخبار عن النبي المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، وهي كثيرة لا بدّ من التعرّض لجملة منها :
منها : ما ورد في الوضوء ، وهو أُمور عديدة :
روي عن الرضا عليهالسلام : «أنّه إنّما وجب الوضوء على الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين ؛ لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبار ، فإنّما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء ، وذلك : أنّه بوجهه يستقبل ، ويسجد ، ويخضع ؛ وبيده يسأل ، ويرغب ، ويرهب ، ويتبتّل ؛ وبرأسه يستقبله
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) الكافي ٢ : ٥١٢ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ١١٦٦ أبواب الدعاء ب ٥٥ ح ١.
(٣) كلّ المطالب الموجودة بعد هذا القوس الممتدة إلى عشرة صفحات تقريباً غير موجودة في «م» ، «س».
في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد.
وخصّ بالغسل الوجه واليدان ؛ لأنّ مُعظم العبادة الركوع والسجود ، وهما بالوجه واليدين ، دون الرأس والرجلين ؛ ولأنّ البرد ، والسفر ، والمرض ، واللّيل ، والنهار ، يقتضي صعوبة غسل الرأس والرجلين ، دون غيرهما.
ولأنّ الوجه واليدين باديان ، دون الرأس والرجلين ؛ لموضع العمامة والخفّين ، وللقيام بين يدي الله ، واستقباله بالجوارح الظاهرة ، وملاقاته بها الكرام الكاتبين» (١).
وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في جواب سؤال اليهود عن علّة وضوء الجوارح الأربعة ، مع أنّها أنظف المواضع في الجسد : أنّه لمّا وسوس الشيطان لعنه الله إلى آدم عليهالسلام دنا من الشجرة ، فنظر إليها ، فذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها ، وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة.
ثمّ تناول بيده منها ما عليها وأكل ، فتطايرت الحليّ والحلل عن جسده ، فوضع آدم عليهالسلام يده على أُمّ رأسه وبكى ، فلمّا تابَ عليه ، فرضَ عليه وعلى ذريّته الوضوء على هذه الجوارح الأربع ، فأمره بغسل الوجه ؛ لنظر الشجرة ، وبغسل اليدين إلى المرفقين ؛ للتّناول منها ، وبمسح الرأس بوضع يده على أُمّ رأسه ، وبسمح القدمين ؛ للمشي إلى الخطيئة (٢).
وروى : أنّ مَن لم يسمّ قبل الوضوء والأكل والشرب واللّبس ، كان للشّيطان فيها شرك. وأن من سمّى طهر جميع جسده ، وكان كالغسل ، ومن لم يسمّ لم يطهر منه إلا ما أصابه الماء (٣). وأن المضمضة والاستنشاق لتطهير الفم والأنف (٤).
ومنها : ما ورد في غسل الجنابة من أنّها بمنزلة الحيض ؛ لأنّ النطفة دم لم يستحكم ،
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣٥ ح ١٢٨ ، العلل : ٢٥٧ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٠٤ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٧٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٣ ، ١٥.
(٢) الفقيه ١ : ٣٥ ح ١٢٧ ، العلل : ٢٨٠ ح ١ ، المحاسن : ٣٢٣ ح ٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٧٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٦.
(٣) الكافي ٣ : ١٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٣١ ح ١٤ ، ١٥ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ ح ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٦٨ ح ٢٠٥ و ٢٠٤ ، وانظر الوسائل ١ : ٢٩٨ أبواب الوضوء ب ٢٦.
(٤) الخصال ٢ : ١٥٦ ، الوسائل ١ : ٣٠٥ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٣.
ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة ، وشهوة غالبة ، فإذا فرغ الرجل تنفّس البدن ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة ، فوجب الغُسل لذلك. وغُسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها (١).
ومنها : ما ورد في غسل الميّت من أنّه إذا خرجت الروح من البدن ، خرجت النُّطفة التي خُلق منها بعينها منه كائناً ما كان ، صغيراً أو كبيراً ، ذكراً أو أُنثى ، فلذلك يُغسل غسل الجنابة (٢).
ومنها : ما روي في تكفين الميّت عن الرضا عليهالسلام : أنّه إنّما أمر بتكفين الميّت ؛ ليلقى الله طاهرَ الجسد ، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه ، ولئلا يظهر للناس بعضُ حاله وقُبح منظره ، ولئلا يقسو القلب بالنظر إلى مثل ذلك ؛ للعاهة والفساد ، وليكون أطيب لأنفس الأحياء ، ولئلا يبغضه حميمه فيلغي ذكره ومودّته ، فلا يحفظه فيما خلفه وأوصاه به ، وأمره به وأحب (٣).
ومنها : ما ورد في غسل مسّ الميّت : من أنّ الميّت إذا خرجت منه الرّوح بقيت فيه أكثر آفته ، فلذلك يغتسل من مسّه. وأنّه لا يجب تغسيل باقي الحيوانات ؛ لأنّها لابسة شعراً أو صوفاً (٤).
ومنها : ما ورد في غسل الجمعة : من أنّه لاستقبال العبد ربّه ، وليعرف أنّه يوم عيد ، ولأنّ الأنصار كانوا يعملون في أموالهم ، فإذا حضروا الجمعة تأذّت الناس من روائح آباطهم (٥).
ومنها : ما روي عن الرضا عليهالسلام في علّة الأذان ، فإنّه عليهالسلام قال إنّما أُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للنّاس ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٣٤٧ ، الوسائل ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١ ح ١٤.
(٢) الفقيه ١ : ٨٤ ح ٣٧٨ ، وانظر الوسائل ٢ : ٦٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣.
(٣) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١١٤ ، العلل : ٢٦٨ ، الوسائل ٢ : ٧٢٥ أبواب التكفين ب ١ ح ١.
(٤) العيون ٢ : ١١٤ ، الوسائل ٢ : ٩٢٩ أبواب غسل المس ب ١ ح ١١ ، ١٢ ، وص ٩٣٥ ب ٦ ح ٥.
(٥) الفقيه ١ : ٦٢ ح ٢٣ ، العلل : ٢٨٥ ، التهذيب ١ : ٣٦٦ ح ١١١٢ ، الوسائل ٢ : ٩٤٥ أبواب الأغسال المندوبة ب ٦ ح ١٥.
لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، فيكون المؤذّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ، ومُرغّباً فيها ، مُقرّاً له بالتوحيد ، مُجاهراً بالإيمان ، مُعلناً بالإسلام ، مُؤذّناً لمن ينساها ، وإنّما يقال له : مؤذّن ؛ لأنّه يؤذن بالأذان بالصلاة.
وإنّما بدأ فيها بالتكبير ، وختم بالتهليل ؛ لأنّ الله أراد أن يكون الابتداء بذكره ، واسم الله في التكبير في أوّل الحرف ، وفي التهليل في آخر الحرف.
وإنّما جُعل مثنى مثنى ؛ ليكون تكراراً في أذان المستمعين ، مؤكّداً عليهم ، إن سها أحد منهم عن الأوّل لم يسهُ عن الثاني ، ولأنّ الصلاة ركعتان ، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى.
وجُعل التكبير في الأذان أربعاً ؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدو غفلة ، فجُعل الأوّليان تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان.
وجعل بعد التكبير الشهادتان ؛ لأنّ أوّل الإيمان الإقرار بالتوحيد والرسالة ، ومعرفتهما مقرونتان ، وجعل شهادتين شهادتين على نحو الشهادة في الحقوق.
وإنّما جُعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ؛ لأنّه إنّما وضع لموضع الصلاة وختم الكلام باسمه ، كما فتح باسمه.
وإنما جعل في أخره التهليل ؛ ليكون اسم الله في النهاية ، كما كان في البداية.
ولم يجعل التسبيح والتحميد. وإن كان في آخرهما اسم الله ؛ لأنّ التهليل إقرار بالتوحيد ، وهو أعظم من التسبيح والتحميد.
وسُئل عن سبب ترك حيّ على خير العمل في الأذان ، فقال : «العلّة الظاهرة أن لا يترك الجهاد ، اعتماداً على الصلاة ، والباطنة : أنّ خير العمل الولاية ، فأُريد أن لا يقع حثّ عليها» (١).
ومنها : ما رُوي في علّة الابتداء بالتكبيرات السبع ، وهو ضروب :
ومنها : أنّ الحسين عليهالسلام كان مُحاذياً للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فكبّر ،
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٦٤٥ أبواب الأذان ب ١٩ ح ١٤ ، ١٦.