كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

صاحبه واستدباره ، مع الخبرة بأحوال الإمام على إشكال.

ومن استقبل الجهات الأربع فيها في أربع صلوات ثمّ صلّى خامسة إلى البيت المعمور ، أخذ بالجزم وطريق العلم.

ومن صلّى في بطنها استقبل أيّ جدرانها شاء.

ومن صلّى على سطحها أبرز منه أيّ قدر كان ، بحيث يكون زائداً على محلّ قيامه ، وجلوسه ، وسجوده ؛ ليبقى مقدار منه مُستقبَلاً له.

وهذا مبنيّ على إنكار (١) الشّاذَروَان ، أو تقييد الخروج بما يزيد عليه ، فلو بزر منه شي‌ء عن المسامتة ، أو حصل الانطباق من دون زيادة ، بطلَت صلاته لو كان مختاراً.

والأحوط الوقوف بحيث يكون جميع جهة طول الكعبة أو عرضها مُتقدّماً عليه.

ولا يجب أن يجعل شيئاً من الجدران ونحوها من شاخصٍ أو غيره في بطنها أو على سطحها في مقابلة وجهه ؛ لأنّ المدار على الفضاء ، دون البِنيَة ، فلو صلّى محاذياً للباب فلا بأس.

ومن صلّى فيها مُضطجعاً أو مُستلقياً لضعفه ، لم يجز له مدّ رجليه في جَنَاح أو بدونه فيخرج عن الحدّ ، بل يجب عليه أن يُبقي شيئاً منه لتحقيق الاستقبال.

ولو أمكنه إخراج رأسه أو ما يزيد عليه من مقدّمه مع الاستقبال بوجهه وجب.

ولو صلّى في بطنها جماعة ، جاز جعل ظهر المأمومين إلى ظهر الإمام وغيره من الصّور المتعدّدة ، وسقط حكم التقدّم والتأخّر. ولو قيل بوجوب المساواة ، لم يكن بعيداً.

والجهات الأربع للمتحيّر ، وما بين المشرق ، والمغرب له ليست قبلة على الحقيقة على الأقوى ، فلو نذرَ الاستقبال أو حلفَ أو عاهدَ عليه ، واستقبلها لم يفِ بما صدر منه.

والمصلّي إلى جهة محراب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو المعصومين عليهم‌السلام في مواضع قبورهم مع العلم بعدم التغيير ، والقطع بتوجّهه على نحو ما كان

__________________

(١) في «م» ، «س» : أن كان.

١٠١

منهم حذو النّعل بالنعل أخذ بالقطع أو القريب منه ؛ إن قلنا بأنّهم في مثل هذه الأحكام مكلّفون بوفق العلم الإلهي ، وإلا فلا.

والفضاء المُسامت لسطح الشّاذَروَان من فضاء الكعبة ؛ لأنّ قريشاً لمّا علموا قصور المال الحلال عن إتمامها اقتصروها ، والمعتبر أساسه ، لا سطحه ، وهو أعرض بيسير من أساسه.

ومن أنكر كون الكعبة قبلةً في الجملة للصّلاة في الجملة ، وهو بين أظهر المسلمين ، فهو مرتدّ فطريّ أو ملّي ، يجري حكمهما عليه.

أمّا مَن زَعَم أنّ القبلة البناء ، أو بمقداره ، أو عدم دخول الشّاذَروَان ، أو أنّها لا يدخل فيها ما تحت الأرض وما فوق السّماء ، فليس بمرتدّ ، ، ولكنّه جاهل غير كامل.

المبحث الثاني : في طريق معرفتها

ولها طرق عديدة :

أحدها : مُلاحظة المحاريب المنصوبة التي صلّى فيها أو إليها معصوم ، كمحراب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومحراب الهادي عليه‌السلام في سامراء.

ومحاريب مسجد الكوفة لا اعتبار بها ؛ لما روي أنّها موضوعة على غير القبلة ، ومحاريبها اليوم تابعة لها ، فهي إمّا أن تكون على هذه الحالة في عهد عليّ عليه‌السلام ، وكان ينحرف فيها ، أو كانت موضوعة على غير نحو وضع الجدران ، ثمّ جعلت جديداً على نحوها.

ووضع حُجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضريحه الشّريف ومحرابه مأخوذ يداً بيد ، فعليه المعوّل. بخلاف بناء قبور الأئمّة عليهم‌السلام وضرائحهم ؛ فإنّها لم يكن وضعها عن رأيهم ، ولا في أيّامهم ، بل مُستجدّة بعدهم.

ثانيها : ملاحظة كيفيّة دفن المسلمين ، وكيفيّة وضعهم حال الدّفن ، وحال الاحتضار ، وحال التغسيل ، وحال الصّلاة ، وحال كيفيّة استقبالهم حال صلاتهم ،

١٠٢

وحال محاريب مساجدهم ، وذبحهم ونحرهم ، وحال وضع خلائهم ، ووظائفهم المقرّرة في دعواتهم ، وأذكارهم ، وأعمالهم ، إلى غير ذلك.

ولا يجب الاستقصاء لتحصيل العلم بالنّسبة إلى الوارد إلى البلد ، ولا بالنّسبة إلى من كان من أهل البلد في غير محلّه بحيث يعسر عليه العلم.

وأمّا من كان في محلّه ، ويتيسّر عليه العلم ، فإنّه يجب عليه تحصيله.

ثالثها : بالنّسبة إلى أوساط العراق كالكوفة ، وما سامتها من موصل ، وما حاذاها إلى الحِجاز ، وقبلتهم الرّكن المشرقيّ المحاذي لمقام الحنبلي وبئر زَمزَم على ما قيل. والذي ظهر لي بعد الاختبار أنه بين المشرقي الذي فيه الحجر ، وبين الرّكن المسمّى بالشامي.

وعلامتها : جعل الفجر الاعتدالي على المَنكِب الأيسر ، والمغرب الاعتدالي على المَنكِب الأيمن ، ووضع الجَدي عند غاية ارتفاعه أو انخفاضه بحذاء المَنكِب الأيمن ، وعين الشمس في ابتداء الزوال على ما يميل من منتصف ما بين الحاجبين إلى الجانب الأيمن.

وأوثق منهما : نجم خفيّ يُدركه حديد النظر يدور عليه الجَدي ، ولا تظهر للحسّ حركته ، إذا وضع على المَنكِب الأيمن ؛ لأنّه في محلّ القطب.

وقد تُعرف بمجاري القمر ، وبعض الكواكب السيّارة ، والفَرقَدين ، وبنات النّعش ، ومهبّ الرّياح بوضع الدُّبُورُ مقابله ، والصّبَا خلفه (١) ، والشّمال على يمينه ، والجَنُوب على يساره ، والتأمّل في أوضاع القمر في ليالي الشّهر ، وملاحظته على النّسبة ، ولا ضابطة لأكثرها.

والذي يظهر من النظر في سيرة المسلمين خَلَفاً بعد سَلَف من عدم التدقيق في أمر القبلة ، وخلوّ الخُطَب والمواعظ من الحثّ عليها ، وعدم التعرّض في الأخبار مع عموم البلوى بها لعلاماتها إلا فيما نَدَر ، ولا للإلزام بالقضاء مكرّراً من جهتها ، وممّا يظهر

__________________

(١) الدّبور : وزان رسول ، ريح تهبّ من جهة المغرب تقابل الصّبا ، ويقال : تُقبل من جهة الجنوب ذاهبة إلى المشرق ، المصباح المنير : ١٨٩. والصبا : وزان العصي ، الريح تهب من مطلع الشمس. المصباح المنير : ٣٣٢.

١٠٣

من الكتاب من سهولة أمرها أنّها مبنية على المسامحة ، دون المداقّة.

وكفى شاهداً على صحّة ما ذكرناه أنّه ليس في الأخبار تعرّض لأمرها ولا بيانها ، سوى قول أحدهما عليهما‌السلام لابن مسلم في وضع الجَدي في القفاء (١) ، وله عرض عريض.

وقول الصّادق عليه‌السلام لرجل سأله : «اجعل الجَدي على يمينك ، وإذا كنت في طريق مَكّة فاجعله في قفاك» (٢) وفي الخبرين من الإجمال ما لا يخفى.

ويُستحبّ لهؤلاء التياسر قليلاً ؛ مُعلّلاً في الأخبار بأنّ أنصباء (٣) الحرم من طرف اليسار ثمانية أميال ، ومن طرف اليمين أربعة ، فالميل إلى اليسار أبعد عن احتمال الخروج عن الحدود (٤). والقول به بناء على المسامحة قويّ ؛ إذ ليس فيه خروج عن القبلة ، بل منها إليها ، وهو أبين شاهد على أمر المسامحة.

وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٥) في رواية السّكوني : «إنّ المراد بالنجم الجَدي ؛ لأنّه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البَرّ ، والبحر» (٦) مع عدم التعرّض كما في الرّوايتين المتقدّمتين لعلوّ الارتفاع والانخفاض ، مع ظهور الاختلاف شاهد على ما ذكرناه.

رابعها : بالنّسبة إلى أهل الشام ومن يُسامتهم من الجانبين ، وقبلتهم الركن الشامي أو ما حاذاه.

وعلامتهم : وضع بنات النّعش الكُبرى وهي ثلاثة منها حال غيبوبتها

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٣ ، الوسائل ٣ : ٢٢٢ أبواب القبلة ب ٥ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٨١ ح ٨٦٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٢ أبواب القبلة ب ٥ ح ٢.

(٣) كذا ، والأنصباء جمع نصيب ، كما في المصباح المنير : ٦٠٦ ، وفي المصدر : أنصاب ، وأنصاب الحرم حدوده. لسان العرب ١ : ٧٥٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٢ ، علل الشرائع : ٣١٨ ح ١ ، إزاحة العلة في معرفة القبلة : ٣ ، الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب القبلة ب ٤ ح ٢.

(٥) النحل : ١٦.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٢٥٦ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٢٢٣ أبواب القبلة ب ٥ ح ٣.

١٠٤

خلف الأذن اليُمنى ، والجَدي خلف الكَتِف اليُسرى إذا ارتفع ، ومغيب سُهيل على العين اليمنى ، وطلوعه بين العينين ، ومهبّ الصّبَا وهو ما بين المشرق إلى الجَدي على الخدّ الأيسر ، ومهبّ الشّمال وهو ما بين الجَدي ومغرب الاعتدال على الكَتِف الأيمن.

خامسها : بالنّسبة إلى أهل المغرب ومن يُسامتهم من الجانبين.

وعلامتهم : جعل الثّريا عند طلوعها على اليمين ، والعَيّوق (١) عند طلوعه على اليسار ، والجَدي في جميع أحواله على صفحة الخدّ الأيسر.

سادسها : بالنّسبة إلى أهل اليمن ، ومن سامتهم من الجانبين.

وعلامتهم : جعل الجَدي حال طلوعه بين العينين ، وسُهَيل وقت غروبه بين الكَتفين ، ومهبّ الجَنُوب وهو ما بين مطلع سُهَيل إلى مشرق الاعتدال على أسفَل الكَتِف اليُمنى.

وحيث عُلم من تتبّع السّيرة القطعية وضرورة الشريعة المحمديّة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاكتفاء في جواز العمل بالظنون الاجتهاديّة ، يُبنى فيها على الاجتهاد ، ويجب عليه الإتيان بالممكن لو اضطرّ إلى ركوبٍ أو مشي في الفريضة دون النّافلة.

ولو دار الأمر بين سلوك ما فيه الاستقبال حال الصّلاة ، وما لم يكن فيه ذلك ، استقبل ما فيه الاستقبال.

ولو دارَ بين الاستقبال لجزءٍ وجزءٍ آخر ، قدّم الأهمّ فالأهمّ ، والأولى تقديم المقدّم.

ومتى خرج شي‌ء من بدن المصلّي عن مُسامتتها ، كما إذا صلّى بقُربها منفرداً فلم يقابلها بكلّه أو بعضه ، أو جماعة فطال الصفّ وفاتت المسامتة ، بطلت صلاته. ومع الدّوران ومساواة الإمام أو أقربيّته إلى الكعبة فلا بأس.

__________________

(١) العيّوق : كوكب بحيال الثريا ، إذا طلع علم أنّ الثريا قد طلعت ، وعيّوق فيعول ، يحتمل أن يكون من عيق ومن عوق ؛ لأنّ الواو فيه سواء. العين ٢ : ١٧٩.

١٠٥

ولا ريب في جواز الاكتفاء بما جَرَت عليه عادة أهل الصّحاري والبُلدان في زمان بعد زمان ، وعدم الاحتياج إلى النظر في علم يتعرّض فيه للبيان ، ولا الرّجوع إلى عالم عارف كائناً من كان.

فلم يبقَ لنا حاجة في بيان غير ما ذكرناه ، كما لم يكن لنا حاجة في بيان ما ذكرناه ، فكلّ مصلّ في برّ أو بحر يكتفي بالظنون ، والترجيحات القياسيّة. ومن أنكر ذلك ، فقد أنكر حكماً من الأحكام الضروريّة.

المبحث الثالث : فيما يُستقبل له

وهو أُمور :

منها : الصّلاة الواجبة بالأصالة ، أو بالعارض ، ولو في الأثناء بعد العُروض.

وهو شرط فيها ، وفي المستحبّة بالعارض ، كالاحتياط في إعادة أو قضاء ، ونحوهما ، وواجبة لها مع الإمكان ، مع الاستقرار وبدونه.

وتتبعها الرّكعات الاحتياطيّة ، والأجزاء المنسيّة ، وصلاة الجنازة ، وسجود السّهو ، دون التلاوة ، والشكر.

وشرط في الصّلاة المندوبة مع الاستقرار ، أمّا لو ركب سفينة ، أو دابّة ، أو مشى أو عدا مختاراً ، فلا شرطيّة ، وإن كان الأولى بل الأحوط الاستقبال بتكبيرة الإحرام ، من غير فَرقٍ بين حال السّفر ، والحضر ، والنفل ، والمقضي ، والمُؤدّى.

ومنها : الذّبح ، والنّحر ؛ فإنّه لا يحلّ المذبوح والمنحور مع الإمكان إلا مع الاستقبال بالمَنحَر والمذبح ، وبل بمعظم مقاديم المذبوح ، حتّى يصدق عليه أنّه مستقبل به. ومع العسر يُؤتى بالميسور.

والأحوط اعتبار ذلك في الذابح مُتحداً أو مُتعدداً ، فلو تعدّدوا في الذَّبح الواحد استقبلوا جميعاً (كما يُبسملون جميعاً) (١).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ح».

١٠٦

ومنها : حال احتضار الميّت وتغسيله ، لا حال تقليبه ، وجميع أحواله ممّا عدا حمله في نَعشه وإنزاله في قبره ، على نحو استقبال المصلّي فيه.

وفيما قبله من الذَّبح والنّحر ، فتختلف الكيفيّة باختلاف الأحوال ، من قيام ، واضطجاع ، واستلقاء ، ويجري فيهما من البحث ما جرى في مسألة البطح على البطن ، والاستلقاء على الظهر على فرض حصول شي‌ء منها فيهما.

ويُعتبر الاستمرار بلا فصل في الصّلاة ووضع الميّت ، دون الذَّبح والنّحر ، فإنّ اللازم فيهما الإتيان بهما حال التشاغل بالعمل ، فلو قلبه كافّاً عن الاشتغال ثمّ أتى بباقي العمل بعد الاستقبال فلا بأس.

ويستوي الكلّ بعدم البأس حال الاضطرار ، وفي الجهل بالحكم يختلفان عنها بعد تمام العمل.

وفي النّبش لتحصيل الاستقبال وجه قويّ.

وفي الغفلة والنّسيان يتوافقان ويختلفان ، فظهور الخطأ فيهما غير مضرّ ، وإن لزم العَود إليهما مع الظهور في أثنائهما ، وأمّا فيهما ففيه ما يأتي من التفصيل.

ويجب ترك الاستقبال في حال التشاغل بالطواف الواجب ، مع احتساب ما اشتمل عليه. وهو شرط فيه وفي المندوب (مع الاستقرار) (١) وحال التخلّي.

ويُستحبّ الاستقبال للدعاء ، والأذكار ، والتعقيبات ، وسجود الشكر والتلاوة ، والتعليم ، والوعظ إلا مع معارضة حال المرافعين ، والمتعظين ، والمتعلّمين وغيرها من الطاعات.

وفي جميع أحوال الجلوس ، بل في جميع الأحوال مستحبّ في نفسه.

ويكره وقت الجماع ، وحال إلقاء النُّخامَة ، والبُصاق ، وربّما أُلحق بهما جميع الأحوال المنافية للتعظيم.

ويحرم حال التخلّي ، وحال التشاغل بالطواف الواجب ، مع احتساب ما اشتمل

__________________

(١) في «ح» هكذا : يجب ترك الاستقبال في حال التشاغل بالطواف مع احتساب ما اشتمل عليه هو شرط فيه وفي المندوب قبل الشروع فيهما وحال التخلّي.

١٠٧

عليه ، وتركه شرط فيه وفي المندوب.

المبحث الرابع : في الأحكام

والنظر في أُمور :

أوّلها : أنّه يجب تحصيل العلم بجهة القبلة للبعيد عنها ، والتوجّه إليها ، والعلم بمُحاذاة العين للقريب إليها ، مع إمكان تحصيل العلم ، مع بقائه في محلّه بمباشرة أو واسطة.

ومع انسداد باب العلم ، يرجع إلى أقوى الظنون ، ولا ترتيب بين الاجتهادي والتقليدي ، مع احتمال تقديم الأوّل.

والأعمى لا يجب عليه تطلّب العلم ، وحاله حال الغريب في الاعتماد على التقليد.

ولو اختلف اثنان في التعيين قاطعين في الاستقبال والاستدبار أو التشريق أو التغريب ، لم يصحّ ائتمام أحدهما بالآخر. وكذا في جميع ما تضمّن القطع ببطلان صلاة أحدهما. وكذا في الظنّ على الأقوى ، مُجتهدين ، أو مقلّدين ، أو مختلفين (١). وكذا الحال في احتسابهما اثنين في الجمعة والعيدين ، وتحتمل صحّة صلاتهما ، على أنّ العلم بالخطإ مُفسد لا كاشف.

ولو اتفقا على ما بين المشرق والمغرب ، واختلفا في التعيين صحّ.

ولا يشترط في التقليد الرجوع إلى العدل ، بل يدور الأمر مدار قوّة الظنّ ، سواء حصل من كافر أو مسلم ، عَدل أو فاسق ، فيرجّح بالضبط ، والكثرة ، ونحوهما.

ولو شهد عدلان أو عَدل آخر بكونِ جهةٍ قبلة ، ونفاها غيرهما أو غيره ، قدّم قول المُثبت.

وحيثُ كان المدار على قوّة الظنّ ، لزم تقديم قول الكافر مع حصول قوّة الظنّ على خبر العَدل. ويجوز الرجوع إلى قبلة أهل الكتاب لتحصيل المظنّة بالمقايسة.

__________________

(١) مختلفين ليس في «ح».

١٠٨

وليس لكلام أهل الرياضي اعتبار مع كون المظنون خلاف قولهم.

والقادر على العلم في منزله أو داره من غير مشقّة يلزمه تحصيله ، ولا يجب البروز إلى الخارج مع المشقّة ولو جزئيّة.

وفي إلحاق حكم التقليد هنا حتّى في مسألة الفاضل والمفضول بالتقليد في الأحكام الشرعيّة وجه.

ولو ضاق الوقت عن طلب العلم ، يعمل على الظنّ ؛ كما أنّه لو ضاق الوقت عن طلب الظنّ الأقوى ، أخذ بالأضعف.

ولو دخل عن ظنّ ، فتمكّن من أقوى منه أو من العلم ، مضى على حاله.

ولو عَرَضَ له الشكّ بعد العلم أو الظنّ أو البصر بعد العمى ، استمرّ على حاله مع عدم ظهور حاله ، ولم يقطع لتجديد النظر. فالأقوى إذن المضيّ ، والأحوط اللحوق بالمتحيّر. وكذا لو تبدّل رأي من قلّده.

ولو تعارضت أسباب الظنون في اجتهاد أو تقليد ، أخذ بأقواها. وإذا تغير الاجتهاد في القبلة إلى اجتهاد آخر ، انحرف ، وصحّ عمله ، وإن كان في ظنه أنّه كان مستدبراً ، بخلاف العلم. وإذا ارتفع الترجيح بالمرّة ، رجع إلى المتحيّر ، ويحتمل الرجوع إلى الحكم الأوّل.

الثاني : أنّ مَن انسدّت عليه معرفة طُرُق معرفة القبلة لعمى مع عدم المُرشد أو ظُلمة أو غُبار أو نحوها ، فإن ترجّح من الجهات عنده جهة واحدة ، أخَذَ بها.

وإن دار الأمر بين جهتين أو ثلاث أو أربع ، واتّسع الوقت للإتيان من الصلوات بعدادها ، أتى بها ؛ مع احتمال الاكتفاء بالتثليث في مقام التربيع ، بجعل الجهات على نحو المثلّث.

وإن قصر عن الإتيان بالكلّ ، أتى بما وسعه من البعض مع ما وسع مقدار ركعة منه مخيّراً بينها.

(ويأتي بالعصر أربعاً مقتصراً عليها إن لم يسع معها الظهر ، والأقوى إلغاء التكرار

١٠٩

والإتيان بهما معاً. ولو أدرك العصر أو ركعة منه مع تكرار الظهر ، احتمل احتسابه مُدركاً ، ويحتمل جعل أربع مكان ركعة) (١).

ولو لزمته ركعات الاحتياط أو الأجزاء المنسيّة ، أتى بها قبل المكرّرة (٢) ، ولو مع الضيق.

ولو كان في مقام التخيير ، وضاق إلا عن عمل التقصير ، تعيّن عليه ، ولا يجب عليه الانتظار إلى زوال الحيرة ، وإن كان الوقت متّسعاً ، ومع العلم لا يبعد ذلك.

(ولو نوى إقامةً وأمكنه العدول لعدم وقوع صلاة تامّة منه ، وضاق الوقت عن التمام دون القصر ، لم يجب العدول على الأقوى) (٣).

ولو كان عليه عبادتان (يوميّتين كانتا أو نذريّتين) (٤) أو آئيّتين أو غيرهما ، وضاق الوقت عن التكرار فيهما ، أتى بهما من غير تكرار. ويحتمل الاقتصار على الواحدة مقدّماً (للمقدّمة أو) (٥) للرّاجحة منهما مع التكرار (وقضاء الأُخرى) (٦).

ولو كان راكباً أو ماشياً لضرورة ، ولم يختص مقصده بجهة ، وجب عليه التّوجهات.

ولو نذر مثلاً الصلاة إلى جهة الكعبة ، وتعذّر عليه التكرار مع ضيق الوقت ، احتمل الانحلال ، والإتيان بالممكن ، ولعلّه الأولى والظاهر جواز صلاة النيابة بأقسامها.

ويجري الحكم في كلّ ملتَزم به إذا خصّص بجهة معيّنة على نحو جهة القبلة ؛ من شرق أو غرب أو غيرهما في زمان معيّن.

ويسقط اعتبار القبلة مع التحيّر بين الجهات في نحرٍ ، أو ذبحٍ أو توجيه ميّتٍ. ولو وقع الاشتباه في بعض الجهات دون بعض ، ترك (٧) المقطوع بعدمه (٨).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) في «ح» زيادة : كرّره مع الضيق مكررة بعداد المكرر.

(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : نذريتان كانتا.

(٥) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٦) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٧) في «م» ، «س» : عمل على.

(٨) في «م» ، «س» زيادة : أو وجوده فيه.

١١٠

(ويجب بذل ما لا يضرّ بالحال للمُرشد في أمر الصلاة والميّت ، دون الذبح والنحر) (١).

الثالث : أنّ تارك الاستقبال في الصلاة في موضع الوجوب أو فيما يتبعها إن كان عامداً مختاراً ، عالماً بالحكم أو جاهلاً به ، مختاراً مجبوراً مع سعة الوقت ، بطلت صلاته إن قلب بَدَنه أو بطنه وصدره أو وجهه كملاً. وإن التفت ببعض من وجهه أو أمال قدميه مثلاً قليلاً أو يديه ، فلا بأس على إشكال في الأوّلين ، ولا بأس بالتفات العينين.

وتاركه في الذبح والنحر عمداً مع العلم بالحكم ، مُخرج له عن التذكية. ومع الجهل بالحكم ، تمضي تذكيته في وجه قوي.

وفي أحوال الميّت يرجع إليه حتّى في قبره ، فينبش عليه ما لم يخرج عن قابليّة الاستقبال.

وإن كان خطأ عن اجتهاد أو تقليد أو غفلة أو تحيّر ثمّ تغيّر عن حاله ، تحوّل إلى القبلة في غير الصلاة ، ولم يكن عليه شي‌ء من جهة ما سبق ، سواء كان في الأثناء أو بعد الفراغ.

وإن كان في الصّلاة الواجبة أو توابعها أو النافلة مع وجوب الاستقبال ، وتغيّر في الأثناء ، فإن رأى نفسه مُستدبراً أو مُشرّقاً أو مُغرّباً وضاق الوقت عن فعلها مع العود ، صحّت مع عدم الإطالة زائداً على العادة فيما سبق ، ومعه في وجه قوي. وإن اتّسع الوقت لها أعادها من الأصل.

وإن كان بين المشرِق والمغرِب الاعتداليين ، انحرف إليها إن لم تستلزم خللاً بشرط ، وإن استلزمت ، أتمّها على حاله.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١١

ولو أبصر الأعمى في الأثناء استمرّ على تقليده إن لم يتمكّن من الاجتهاد مع البقاء على حاله.

وإن عمي في الأثناء والتوى ، قلّد في استقامته. فإن تعذّر قطع مع السّعة لتمام الفرض دون الركعة في وجه قويّ.

(ومن لم تكن قبلته الكعبة ، يلحظ ما بين المشرق والمغرب ، فأمّا مُستقبلها فتفسد صلاته لمجرّد الانحراف ، وإن قَرُب منها. ومن لم تكن قبلته بين المشرق والمغرب ، لاحظ النسبة ، وعمل عليها) (١).

وحال التغيير بين آحاد الأجزاء المنسيّة أو الركعات الاحتياطيّة ، وبين النوعين أو بين أحدهما ، وبين الصّلاة (وفي أثنائها وأثناء سجود السهو) (٢) بمنزلة ما في الأثناء.

وإن ظهر التغيير بعد الفراغ ، وكان فيما بين المشرق والمغرِب الاعتداليين صحّت. وإن كان بين الصّلاة إلى أحدهما أو إلى الاستدبار ، وبقي من الوقت ما يسع الصّلاة أو ركعة منها أعاد ، وإلا مضت ، ولا قضاء.

وهذا فيما لم يكن فيه عوض عن القبلة ، كجهة الراكب ، والماشي ، ومن في السفينة ، ولكلّ واحد من هؤلاء قبلة.

فلا يبعد القول بجواز تأخّر الإمام وجعل ظهره إلى ظهر المأموم ، كمن في جوف الكعبة (وإن كان الأقوى عدمه ؛ لأنّ ذلك من الإبدال ، لا من الاستقبال ، وإجراء مثل التشريق ، والتغريب ، وما بينهما ، والاستدبار فيه بعيد) (٣).

والأقوى أنّ التفاصيل المذكورة تجري في الالتفات.

ولو دخل في الصلاة غير مُستحضِرٍ لأمر القبلة ، ثمّ أصاب الواقع ، صحّت ، كما في غيرها من الشرائط ، من وقت أو طهارة أو لباس ، ونحوها ؛ لعدم اعتبار النيّة فيها.

ولو استحضرها ، لزمه الاطمئنان بحصولها ؛ لتوقّف نيّة الصلاة عليها.

ولو ظهر له فساد اجتهاده السابق أو تقليده أو أنّهما لم يكونا على الوقف أعاد. ولو نسي المأخذ ، بنى على الصحّة.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١١٢

ولو تعارض الأولياء في وضع الميّت لاختلاف اجتهادهم ، أو الشركاء في المذبوح والمنحور ، احتمل الرجوع إلى القرعة ، والذبيحة حلال لمن خالف الاجتهاد ، وعزلهم ورجوع الأمر إلى الحاكم.

وإذا اختلف المأمومون توجّه كلّ منهم إلى مظنونه. ولو اختلفوا مع الإمام في تشريق أو تغريب أو استدبار ، انفردوا عنه ، (أو فيما بين المشرق والمغرب بقوا معه) (١).

ويعوّل على الاجتهاد والتقليد السّابقين ، مع عدم حصول شكّ مُستند إلى سبب سابق (٢) ، وإن اختلف الجنس كصلاة وذبح ، ولا حاجة إلى التجديد.

وصلاة المختلفين بالاجتهاد في غير ما يُعتبر فيه العلم عن ميّت تحسب بواحدة ، وبناءً على القول بأنّ خطأ المجتهد صواب ، أو كالصّواب ، أو عدم الفرق بين اجتهاد الموضوع والحكم يحتسبان باثنتين.

وهذا الشرط وجوديّ ، إلا فيما بين المشرِق والمغرِب ، فإنّه علمي.

ولو اختلفا فيما هو وجودي ، لم يجتمعا على صلاة جنازة مأمومين مع قصد التعدّد ، أو إماماً ومأموماً.

والعدول مع العلم مُفسد لما عمل ، ومع الاجتهاد كذلك مع العلم بمأخذ الأوّل ، وإلا صحّ. وحكم المتحيّر إذا ارتفعت حيرته يُعلم ممّا سبق.

الرّابع : في أنّ حكم التحيّر والخطأ هل يجري بالنّسبة إلى المعصومين من الأنبياء والمرسلين ، والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، أو لا؟ وكشف الحال : أنّ الأحكام الشرعيّة تدور مدار الحالة البشريّة ، دون المِنَح الإلهيّة. فجهادهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر إنّما مدارها على قدرة البشر ، ولذلك حملوا السلاح وأمروا أصحابهم بحمله ، وكان منهم الجريح والقتيل ، وكثير من الأنبياء

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) بدلها في «س» ، «م» : جديد.

١١٣

والأوصياء دخلوا في حزب الشهداء. ولا يلزمهم دفع الأعداء بالقدرة الإلهيّة ، ولا بالدّعاء. ولا يلزمهم البناء على العلم الإلهي ، وإنّما تدور تكاليفهم مدار العلم البشري. فلا يجب عليهم حفظ النفس من التلف مع العلم بوقته من الله تعالى ، فعلم سيّد الأوصياء بأنّ ابن مُلجَم قاتلُه ، وعلم سيّد الشهداء عليه‌السلام بأنّ الشمر لعنه الله قاتلُه مثلاً مع تعيين الوقت لا يوجب عليهما التحفّظ ، وترك الوصول إلى محلّ القتل.

وعلى ذلك جَرَت أحكامهم وقضاياهم ، إلا في مقامات خاصّة ، لجهات خاصّة. فإنّهم يحكمون بالبيّنة واليمين ، وإن علموا بالحقيقة من فيض ربّ العالمين.

فإصابة الواقع ، وعدم إمكان حصول الخطأ والغفلة منهم بالنّسبة إلى الأحكام ، وبيان الحلال والحرام ، وأنّ المدار في ذلك على العلم الإلهي إنّما استُفيد من حكم العقل والنقل.

وأمّا ما كان من الأُمور الوجوديّة دون العمليّة ، أعمالاً وشروطاً ، فالأقوى أنّ مدارها على العلم الإلهي (١) ؛ لأنّ وقوع ذلك منهم مُنفّر للطباع ، باعث على عدم الاعتماد ، فلا يقع منهم نوم عن فريضة ، ولا جهل ، ولا غفلة ، ولا نسيان ، ولا عن طهارة حدثيّة ، ونحوها من الشرائط الوجوديّة بالنّسبة إلى الصلاة والصيام ، وغيرها من الأحكام ، كالحلال والحرام ، إلا ما قام فيه الحكم الشرعيّ مقام الواقعيّ ، فإنّ الجهل بالواقع ليس فيه بأس.

وأمّا العلميّة ؛ فمدارها على العلم البشري ، دون الإلهي ؛ إذ لا يلزم من عدم الإصابة تنفّر النفوس ، ولا زالوا ينادون بأنّه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى.

فنجاسة الثياب والبدن ليس مدارها على العلم الإلهي.

وأمّا حصول التحيّر بالنّسبة إلى العلم البشري ، والخطأ بالنّسبة إلى ما بين المشرق والمغرب ، فلا يبعد القول بتنزيههم عنها ، نظراً إلى أنه بدونه ينجرّ الأمر إلى عدم الاعتماد على أقوالهم وأفعالهم.

فيدور الأمر في هذا القسم وما قبله على لزوم النقص وعدم الاعتماد ، وعدمهما.

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : إنما استفيد من حكم.

١١٤

المبحث الخامس : في كيفيّة الاستقبال

ويتحقّق بوضع مقاديم البدن ، من وجه وصدر وبطن وفخذين تجاه القبلة ، ولا عبرة باليدين والعورتين ، من الذَّكر والبيضتين ، ولا بالسّاقين والقدمين مع عدم التفاحش.

والمدار على صدق الاستقبال عُرفاً ، فاستقبال القائم والماشي والعادي والزاحف على كَفَله (١) والواقف على ركبتيه معلوم.

وفي الجالس مُتربّعاً يلحظ عدم التّفاحش في الركبتين ، وفي جلوس القُرفُصاء (٢) يلحظ وضع السّاقين.

وفي الرّاكب يُلغى اعتبار الرّجلين ، وفي المضطجع والمستلقي يلحظ ظهر القدمين وبطنهما ، كالميّت في أحواله.

(والزاحف على كفّيه حال قيامه ، المستلقي على بطنه يرعى حال جلوسه. ويُستحبّ للماشي ونحوه إذا صلّى النّافلة الاستقبال في تكبيرة الإحرام وركوعه وسجوده) (٣).

القسم الخامس : الأوقات

وفيه مقامات :

المقام الأوّل : في أوقات الفرائض

وفيه بحثان :

البحث الأوّل : في أوقات الفرائض اليوميّة الإجزائيّة ، وهي على وفق عددها خمسة :

__________________

(١) الكَفَل بفتحتين : العجز ، المصباح المنير : ٥٣٦.

(٢) القرفصاء : بضم أوّله يمدّ ويقصر ، وهي أن يقعد الرجل ويحتبي بيديه. جمهرة اللغة ٣ : ١٢٧٧.

(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١٥

الأوّل : وقت صلاة الصبح ومبدؤه : ظهور البياض المُستطيل في أسفل الأُفق ، وهو المرتبة الأخيرة في البياض ، فإنّ الشّمس إذا غربت ، وأخذت في الدوران لم يَزَل ينقص ضوؤها من جانب المغرب في دورانها ، فتنتهي إلى المنتصف ، فتتساوى نسبتها إلى المشرق المغرب ، ويعتدل حال الجانبين ، وينتصف اللّيل ، وبه يرتفع (١) ضوء الشّمس من الجانبين.

فإذا أخَذَت بالميل إلى المشرق ، أخَذَ الأُفق المشرقيّ بالإضاءة خفيّاً حتّى يبقى مقدار ثُلث اللّيل أو أقلّ ، فيبدو ظاهراً ، ثمّ لم يزل يشتدّ ويقوى حتّى يُسمّى حينئذٍ بـ «الفجر الكاذب ، وذَنَب السّرحان (٢)».

ثمّ يَعترض في أسفل الأفق بياض كأنّه مقام لذَنَب السّرحان ، ويشبه بياض سُورى (٣) ، ويشبه الثياب المقصورة ، وهو الصّبح والفجر الصّادق ، والمُعبّر عنه بـ «الخيط الأبيض».

وينتهي بظهور جزء من الشّمس وإن كان صغيراً في الأرض المستوية. ولا عِبرة بالحاجب ، بل يلحظ فيه فرض عدمه.

ويتضيّق ببقاء ما لا يسع إلا أقلّ الواجب من الصّلاة بعد الشروط لفاقدها.

الثاني : وقت صلاة الظهر

ومبدؤه : انحراف الخط المنصّف لقرص الشمس المنطبق على خط نصف النّهار عنه ، بالميل إلى الجانب (٤) الأيمن.

ويستمرّ إلى أن يبقى من غروب الحمرة المشرقيّة مقدار صلاة العصر ومقدّماتها لمن

__________________

(١) في «ح» : يعتدل ، بدل يرتفع.

(٢) السرحان : الذئب. وأهل الحجاز يسمّون الأسد سِرحان بكسر السين ، الجمهرة ١ : ٥١٢.

(٣) سورى كطوبى وقد تمدّ ، بلدة بالعراق في أرض بابل من بلاد السريانيين ، وموضع في بغداد. مجمع البحرين ٢ : ٩٠٦.

(٤) في «ح» : الحاجب.

١١٦

لم يكن فعلها ، تماماً لذي التمام ، وقصراً لذي التقصير والتخيير ، وأقلّ من ذلك لمن فرضه الناقص عن ذلك ، حتّى ينتهي إلى التكبير (ويختصّ بمقدار الأداء من المؤدّي مع المقدّمات لمن لم يفعلها ، وبدونها لفاعلها ، وهو توقيت فعلي لا أصلي) (١).

الثالث : وقت صلاة العصر

ويدخل بمضيّ أقلّ وقت بالنّسبة إلى خصوص المصلّي ، يؤدّي فيه صلاة الظهر تماماً في محلّ الإتمام ، وقصراً في موضع التقصير والتخيير ، وأقلّ من ذلك في الأقل ، ولو تكبيراً في موضع التكبير ، مُجرّدة مع سبق فعل المقدّمات ، ومُنضمّة إليها مع عدم ذلك.

وينتهي بغروب الحُمرة المشرقيّة ، لا بغيبوبة القُرص على الأصحّ.

(ويختصّ بمقدار ما تؤدّى فيه على حسب حالها من قصر وغيره ، وحال فاعلها مع المقدّمات مع عدم فعلها.

وهو توقيت فعلي لا أصلي ، فلو فُعلت قبل الظهر في المشترك على وجه يصح ، كانت نسبته إليها كنسبة الوقت المشترك.

وما بين الأوّل للفرض الأوّل ، والأخير للأخير مُشترك لا يمتاز أحدهما فيه على صاحبه ، إلا من جهة الترتيب ، وهكذا حال العشاءين كما سيجي‌ء) (٢).

الرّابع : وقت صلاة المغرب

ويدخل بغُروب الحُمرة المشرقيّة الأصليّة ، لا العارضية لمقابلة سَحَاب أو عروض بُخار أو غُبار ، فإنّها قد تستمرّ إلى وقت العشاء من جانب المشرق ، ولا عبرة بمقابلة القبلة على ما قيل.

وينتهي ببقاء مقدار وقت صلاة العشاء بحسب حال المكلّف ، قصراً أو إتماماً ، أو سُرعةً أو بُطأً ونحو ذلك ، مع ما لم يفعله من المقدّمات من انتصاف اللّيل.

الخامس : وقت صلاة العشاء

ويدخل بمضيّ زمان فعل ثلاث ركعات ، ومقدّماتها لمن لم يفعلها بعد المغرب على

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح»

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١١٧

حسب حال الفاعل ، وينتهي بانتصاف اللّيل.

ويقوى في النظر قيام طلوع الفجر للمضطرّ مقام انتصاف اللّيل للمُختار بالنسبة إلى العشاءين ، غير أنّ الأقوى ما ذكرناه.

وهذه الأوقات متى أخلّ المكلّف بها اختياراً ، ولم يبقَ مقدار ركعة منها ، ولم يكن مانع في الباقي من الصّلاة ، عصى وقضى. وإن بقي مقدار ركعة ، كان عاصياً مؤدّياً على الأصحّ ، لا قاضياً ، ولا موزّعاً.

ومع الاضطرار لا عصيان ، ويجري فيه ما مرّ.

ومن أدرك أقلّ من ركعة كان قاضياً ، وعليه البِدار حيث نقول بالفوريّة ، بل مطلقاً في وجه قويّ.

ومن أدرَكَ خمس ركعات من آخر وقت الصّلاتين الإتماميّتين ، أو ثلاثاً من القصريّتين ، أو أربعاً من العشاءين من غير فرق بين قصر العشاء وإتمامه على أحد الاحتمالين فقد أدرَكَهما.

(والحكم في مسألة الأربع من العشاءين مبنيّ على أنّ الركعة تُحسب للأخيرة كما سيجي‌ء ، ومَن أدرك من الفريضة الثانية أقلّ من ركعة لم يدركها ، وكان حاله ما مرّ) (١).

ومَن أدرَكَ مقدار الخمس ، ثمّ تكاسل حتّى لم يسع الوقت إلا قدر الرّكعة ، أو اشتغلت ذمّته بصلاة احتياطيّة أو أجزاء منسيّة أو سجود سهو ، أو اشتغل بالأوّل فظهر له الضيق عن الرّكعة ، قطع ودخل في الثانية.

ولو انعكس الأمر فدخل في الركعة الثانية ، ثمّ ظهر له اتساع الوقت لهما ، احتمل لزوم إتمامها ، والبطلان ، والأقوى العدول إلى الأُولى.

ولو استمرّ الاشتباه ثمّ أتمّها ، ثمّ عرف الاتساع ، صحّت الثانية ، ثمّ أتى بالأُولى.

(ومن دخل في الثانية لحصول ضيق لضعفٍ أو نيّة إقامةٍ أو أمنٍ ونحوها ، فزال سبب التمام أو الطول ، فاتسع الوقت ولو لركعة وجب العدول. ولو اشتغل بالأُولى مقصراً

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١١٨

فعدل إلى الإقامة أو حصل له الأمن فحصل سبب التمام ، فحصل الضيق ، قطع الأُولى واشتغل بالثانية ولو بقي مقدار ركعة منها.

ومَن وجبَ عليه أربع صلوات لتحيّره ، فإدراك العصر له بستّة عشر ركعة ، وإدراك الظهر وركعة من العصر بإدراك سبع عشر ، على القول بعدم الدّخول في الاضطرار.

ويُحتمل أنّ إدراك الظهر وركعة بإدراك عشرين ركعة ، بجعل أربع وهي ربع ستّ عشرة العصر بمنزلة ركعة ، وحال القصر يعلم بالمقايسة.

وإدراك قصر الكيفيّة بإدراك ما قام مقام الرّكعة منه ، كتكبيرة ، حيث تكون الرّكعات تكبيرات) (١).

والمُدرِك من أوّل وقت فريضة ركعة ، ثمّ أدركه مانع الحيض ونحوه لا اعتبار بإدراكه ، ويسقط فرضه.

وما بين وقتي الفريضة مُشترك بينهما ، وإن وَجَبَ الترتيب ، فإذا وقعت الثانية فيه عن نسيان ، أو توهّم ضيق الوقت أو صحّة الأُولى ، صحّت مع بيان سَعته ، ويكون باقي الوقت للأُولى.

وفي احتساب المُدرك من الأُولى بتمامه من وقت الأُولى ، أو خصوص ما لا يزاحم الأخيرة ، والمزاحم من وقت الأخيرة وجهان. والأقوى البناء على الأوّل دون الثاني.

وتظهر الثمرة فيما إذا أدرك من العشاءين أربعاً ، فعلى الأوّل يصلّي المغرب ، ويأتي بركعة من العشاء ، وعلى الثاني يأتي بالعشاء أربعاً فقط.

ولو كان في مقام التخيير تعيّن عليه التقصير (وليس عليه الامتناع عن نيّة الإقامة في الابتداء ، ولا في الأثناء على إشكال) (٢).

ولا تزاحم الثانية الأُولى ، فمتى وقعت أو وقع جزء منها في الوقت المختصّ بالأُولى عن سهو أو نسيان ، بطلت.

وإن كانَ عن خطأ اجتهاد ، قامَ فيه الوجهان الإتيان فيمن جاء بجزءٍ من الصلاة قبل

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من «ح».

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١١٩

دخول الوقت مُخطئاً باجتهاده ، ثمّ دخل عليه الوقت في الأثناء.

وتترتّب صلاة العصر والعشاء على الظهر والمغرب ، ولا يصحّان مع عكس الترتيب عمداً ، ولا ترتيب في غيرها ، ولا بين مؤدّاة ومقضيّة.

ولو دخل في لاحقةٍ يوميّة أو غيرها ، فرض أو نفل قبل سابقة ، لغفلة ، أو نسيان ، أو زعم صحّة المتقدّمة ، ثمّ ذكر في الأثناء ، وكان في الوقت المشترك وجبَ عليه العدول إن كانتا مؤدّاتين ، واستحبّ على الأقوى إن دخل في مؤدّاةٍ وذكر مقضيّة ، في أيّ محلّ كان منها ، ولو قبل التسليم المخرج ، إنْ كانتا متساويتين في عدد الرّكعات.

وإن اختلفتا ، وتعدّى محلّ العدول كأن دخل في الرّكعة الثالثة ، ثمّ ذكر قصريّة مقضيّة لم يعدل ، وأتمّ.

ويحتمل الفرق بين أن يكون دخل في رُكن أو لا.

(ولو دخل في الصلاة ، فشكّ في الأثناء أنّها الأُولى أو الثانية ، بنى على الأُولى إن كان في الوقت المشترك أو المختصّ بالأُولى ، والأحوط قصد العدول في القسم الأوّل. وإن كان في المختصّ بالثانية ، بنى على الثانية.

ولو شكّ في النيّة بعد العلم بفعل الأُولى ، بنى على الصحّة) (١).

ولا يجوز العدول من سابقةٍ إلى لاحقة ، مؤدّاتين كانتا ، أو مقضيّتين ، أو مختلفتين.

ولو ضاقَ الوقت من أخره إلا عن ركعة ، وَجَبَت عليه مُنفردة إنْ كان متطهّراً من الحدث ، وإلا زاحمها بالطهارة الحدثيّة ، وأتى بالممكن منها وجوباً على الأقوى. وأمّا في غيرها من الشّرائط (٢) فلا.

واعتبار الرّكعة مقصور على الصّلاة الثانية مع إمكان الإتمام ، دون الأُولى ، إلا في مثل إدراك الخمس ، فإنّه يمكن جعله من إدراك ركعة الأُولى أو الثانية ، أو من إدراكهما.

ولو أدرك ركعة من الأُولى أو الثّانية ، ثمّ جاء ما يمنع الإتمام من حيض وشبهه ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «ح» زيادة : الغير اللازمة للحقيقة.

١٢٠