كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

وتصفية الحروف لا عبرة بها ، وكذا تمكينها ، وإن توقف عليهما تحسينها ، لكنّها سنّة.

ويجب الترتيب بين الفاتحة والسورة ، وبين آيات كلّ منهما ، فلو قدّم مؤخّراً بقصد الجزئيّة عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به بطلا ، وأبطلا أيضاً على اختلاف الوجهين.

ولو كان ساهياً أو ناسياً أعاد المقدّم عن تأخير ، دون المؤخّر عن تقديم ، ما لم يترتّب خلل من خارج.

ولا تجوز قراءة ما يفوت أو يضيق الوقت بقراءته ، فلو قرأ شيئاً من السور يقضي بضيق الوقت عن الصلاة ، بطل ، أو أبطل أيضاً.

ولو فعل ذلك سهواً ، قطع إن وسع الوقت قراءة غيرها ، ولو بلغ النصف أو الثلثين ، ولا إثم ، وإلا قطع وأتمّ صلاته.

ولا تجوز قراءة سورة من العزائم ، ولا آية سجودها ، ولا استماعها في الفريضة بالأصل ، أو بالعارض.

فلو قرأ شيئاً من سورة العزائم ، وذكر قبل قراءة أية السجدة ، قطعها مطلقاً ، وعدل إلى غيرها. ومع الضيق أو قراءة الآية يسجد ويتم ، كما لو استمعها في الصلاة. وتخصيص الحكم بالسجود قبل الإتمام بالفعل أقوى.

والظاهر جواز قراءتها عمداً في النوافل ، ووجوب البدار إلى السجود فيها ، والأحوط الإعادة أو القضاء.

ولا تجوز القراءة بالمصحف (ولا المتابعة) (١) بالفريضة الواجبة أصالة أو بالعارض ، وتجوز في النافلة.

ويجب التعلّم على غير المحسن للقراءة أو التكبير أو الأذكار الواجبة ، فإن أخّر عن عُذر أو تقصير حتّى ضاق الوقت ، صحّ فيهما ، وأثم في الأخير. والظاهر عدم سقوط وجوب التعلّم مع التمكّن من الائتمام ؛ وإذا ائتم ، صحّت صلاته ، وكان عليه الإثم.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٨١

ويجوز إعطاء الأُجرة للمعلّم ، وإن حَرُمت عليه.

ومع ضيق الوقت عن التعلّم يأتي بالممكن ، ولا يجوز له الاشتغال بالتعلّم ، وتكفي المظنّة فيها مع الاطمئنان.

ولو دار الأمر بين الفاتحة كلا أو بعضاً ، وبين السورة كلا فضلاً عن البعض ، رجّحنا الفاتحة. ولو دار الأمر بين القراءة وبين واجبات أُخر ، قُدّمت ؛ لتقدّمها. ويحتمل اعتبار الترجيح.

(ولو دار الأمر بين قراءة الأوّلين من الحمد والسورة واخرهما ، قُدّم الأوّلان. ولو دار بين قراءة الحمد فضلاً عن السورة والقيام ، قُدّم القيام ، وفي بعض الأخبار تقديم السورة فضلاً عن الفاتحة عليه (١) ، ولا عمل عليه) (٢).

ويجب الجهر بالقراءة ، وما قام مقامها مع العجز في الصبح وأولتي العشاءين على الرجال ، والخناثى المُشكلة ، والممسوحين ، دون النساء.

والظاهر أنّه يُستحبّ للمرأة الجهر إذا كانت إماماً للنساء بحيث تُسمعهنّ.

والإخفات على الجميع في أوّلتي الظهرين ، وفي أخيرتيهما ، وأخيرتي العشاءين ، فيها وفي البدل الاختياري أو الاضطراري من العاجز.

(وفي صورة جواز العدول يستوي الموافق والمخالف ، ويختصّ حكم المعدول إليه بما بعد العدول ، وفي الاحتياط عن فريضة دائرة بين الأمرين يتخيّر بين الأمرين ، وكذا في صلاة الجمعة وظهرها) (٣).

فلو جهر في موضع وجوب الإخفات أو بالعكس عامداً عالماً بالحكم ، بطلت قراءته ، وأعاد ، وأبطلت أيضاً (٤). ومع الجهل والنسيان تصحّ ، ولا إعادة فيها ، ولا في بدلها ، لا كلا ، ولا بعضاً.

والمدار على ما يُسمّى جهراً وإخفاتاً عُرفاً ، والتحديد غير سديد.

__________________

(١) انظر المبسوط ١ : ١٠٠ ، والكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٥ ، والوسائل ٤ : ٧٣٦ أبواب القراءة ب ٤ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٤) في «ح» زيادة : على إشكال.

١٨٢

وتُشترط فيها الموالاة بحيث لا يختلّ نظمها وهيئتها بفاصل مُعتدّ به أو سكوت طويل.

وفصل الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتسميت العاطس ، وقليل الذكر ، وردّ السلام ونحوها ليست بمُخلّة. ولو أخلّت بنظمها ونظم الصلاة ، بطلا. وإن اختصّ الاختلال بها فقط ، فَسَدَت ولم تُفسد في وجه قويّ وأُعيدت.

ويجوز ترك السورة للمريض ، والمستعجل ، وماسك البول والغائط ، وخائف فوات الركعة مع الجماعة.

ومن عجز عن السورة ، اقتصر على الفاتحة ، ولا تلزم الترجمة.

ومن خاف سبق الإمام في الركعة الأُولى أو غيرها ، ترك الفاتحة أيضاً.

ومن عجز عن الفاتحة بتمامها ، قرأ من غيرها بمقدارها من غير زيادةٍ ولا نقصٍ في الحروف أو الكلمات أو الآيات ، مع السورة الواحدة ، أو مع بعضها ، أو بقدرها ، أو قدر بعضها. والأقوى سقوطها في القسمين الأخيرين ، كلّ ذلك مع إمكان الضبط.

فإن عجز عنها ، ترجمها بالعربي إن أمكن ، وإلا فبغيره ؛ مُقدّماً للعربي المحرّف على غيره.

وفي تقديم الفارسي أو العبراني أو السرياني ونحوهما ممّا جاء في الكتب على غيرها وجه.

ويحتمل عدم جواز الترجمة ؛ لدخولها في الكلام.

وفي تقديم التكرار على البدل وجه ، فإن عجز أتى من الذكر بمقدارها.

وفي تقديم التسبيحات في الأخيرة على غيرها وجه ؛ فإن عجز ، أتى بترجمتها على نحو ما ذكر.

وإن اختصّ العجز بالبعض ، أضاف البدل إلى الأصل.

وتنبغي مُلاحظة هذا التفصيل : وهو أنّ من عجز عن قراءة السورة على النحو المقبول (١) سقط وجوبها عنه.

__________________

(١) في «م» «س» : المنقول.

١٨٣

وأما الفاتحة ، فإن عَجَزَ عنها أو عن بعضها مُعرَباً ، أتى به ملحوناً.

فإن عجز ، أتى من القرآن ثمّ من الذكر بمقدارها. وأولاه وفقاً للخبر : التسبيح والتكبير والتهليل بصفتها المعروفة (١).

فإن عجز ، ترجم القراءة على مقدار العجز بِلُغة أُخرى ، مُخيّراً فيها ، أو مُقدّماً للغة الصحف المنزلة ، عبرانيّة أو سريانيّة ، أو الفارسيّة على غيرها ؛ لقربها إلى العربيّة.

فإن عجز ، ترجم الذكر المخصوص ، أو مُطلق التسبيح مع العجز عن المخصوص كلا أو بعضاً.

فإن عجز ، ترجم مُطلق الذكر. وفي تقديم تكرار كلّ مرتبة سابقة على لاحقة ، وتكرار ترجمتها على ترجمتها وجه.

ومع القدرة على البعض مُفرداً أو مُكرراً يقتصر على الآية ، والكلام المفيد ، أو مُطلق الكلمات أو الحروف المفيدة للمعنى ، أو مطلقاً ؛ وجوه.

وفي ملاحظة المساواة بين البدل والمبدل ، هل تلحظ الآيات ، أو الكلمات ، أو الحروف ؛ وجوه.

وفي ملاحظة الصفات في الأبدال ، من الأسماء ، والأفعال ، والحروف ، والمشتقّات ، والمعارف ، والنكرات ، ونحوها ؛ وجوه.

وفي مقام التخيير في الأخيرتين يتعيّن الذكر ، ومع العجز يتخيّر بين الترجمتين.

فإن عجز عن الجميع ، رجع إلى الدعاء مُصرّحاً ، ثمّ مترجماً.

وفي جميع التراجم يُلحظ الأقرب فالأقرب إلى المعنى.

والظاهر التوسعة في الأمر ، وعدم المضايقة إلى هذا الحدّ ، (وفي ترجيح ترجمة القراءة على ترجمة الذكر بحث ، والعاجز عن المقدّم يأتي ببدله ، ثمّ بالمؤخّر) (٢).

والعاجز بالمرّة والأخرس يلوكان لسانهما ، ويُشيران. ويحتمل قويّاً وجوب إظهار صوت لوك اللسان في الجهر ، وإخفائه في الإخفات.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٧ ح ٥٧٥ ، الاستبصار ١ : ٣١٠ ح ١١٥٣ ، الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة ب ٣ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٨٤

وتجب القراءة عن ظهر القلب في الفريضة ، (فإن عجز تبع في القراءة) (١) فإن عجز قرأ بالمصحف بدل ما عجز عنه. والقادر على المأموميّة ليس بعاجز.

ومَن عجز عن قراءة أو ذكر أو دعاء واجبة وأبدالها ، سكت مُستقرّاً على حاله بمقدارها. وفي المندوبات يقوى عدم اعتبار ذلك.

ويجب الائتمام على العاجز عن التعلّم لفقد المُعلّم أو ضيق الوقت ، دون الأخرس والألثغ (٢).

ولو وجد الملقّن في أثناء البدل ، أعادَ ما لم يركع.

ولو اشتملت هي أو غيرها من الأذكار الواجبة أو المستحبّة على كلام ، فسدت وأفسدت.

وتجزي الفاتحة وحدها في ثالثة المغرب ، وثانيتي الظهرين والعشاء.

وتجزي عنها التسبيحات الأربع ، يقول : «سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر» مرّة واحدة ، مع نسيان القراءة في الأوّلتين وعدمه. وتكرارها ثلاثاً ليكون اثنى عشر فصلاً أحوط.

ولا تجوز الزيادة على الفاتحة ، ولا الاثني عشر بقصد الجزئيّة ، وأمّا بقصد الذكر والقراءة فلا بأس.

وورد الاكتفاء بعشرة ، بإسقاط التكبيرتين الأوّلتين (٣) ، وبتسع ، بإسقاط التكبيرات جملة (٤) ، ولا بأس بالعمل على الجميع ، غير أنّه لا ينبغي الانحراف عن الاثني عشر.

وأمّا ما روي من الاكتفاء بقول : «الحمد لله ، وسبحان الله ، والله أكبر» (٥) وبقول «سبحان الله» ثلاثاً (٦) ، فلا نعمل عليه.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) اللُّثغة : حُبسة في اللسان حتى تصير الراء لاماً أو غيناً ، أو السين ثاءً. المصباح المنير : ٥٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٨.

(٤) المعتبر ٢ : ١٨٩ ، البحار ٨٢ : ٨٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٩ ح ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٢ ح ١٢٠٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٣ أبواب القراءة ب ٥١ ح ٧.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٦ ح ١١٥٩ ، الوسائل ٤ : ٧٨٢ أبواب القراءة ب ٤٢ ح ٧.

١٨٥

ولو أراد قسماً فأزاد عليه أو بدّله بغيره ، فلا بأس.

والمخيّر لا يتعيّن بالاختيار ، فيجوز العدول من كلّ من القراءة والتسبيح إلى الأخر ، بعد الدخول في الأخر. وفي تكثّر العدول عدول عن الاحتياط ، وللفرق بين القصد وعدمه وجه.

والظاهر أنّ الزائد على الموظف سنّة ، لا واجب مخيّر.

والظاهر عدم جواز التلفيق بين الأقسام ، ويجب الترتيب بين الفصول على الأقوى.

ولا بدّ من المحافظة على العربيّة في حروفها وحركاتها وسكناتها وواوات العطف.

ولو تعذّر أحد الأمرين من الفاتحة والبدل ، تعيّن الأخر ، ويأتي بالممكن منهما.

وإذا دار الأمر بين الترجمتين ، تخيّر فيهما ، ويجزي في ترجمة الذِّكر ما جرى في ترجمة الفاتحة.

ويجوز الوقف على الفصول والوصل ، والأوّل أولى. والوقوف على آخر الفصول بالحركة لا مانع منه ، والأحوط تركه.

والتسبيح أفضل من القراءة للإمام ، والمأموم ، والمنفرد.

ويجوز تخصيص إحدى الركعتين بالقراءة ، والأُخرى بالذكر ، ولا يجوز التلفيق في واحدة.

وتجب الموالاة من غير سكوتٍ طويل أو كلامٍ مُذهبين للهيئة فيهما ، فإن حصل خلل في هيئة الصلاة أيضاً فسدت ، وإلا ففي الاكتفاء بإعادة القراءة مثلاً وإتمام الصلاة ، والحكم بفساد هما ؛ وجهان.

وإذا انقطع النَّفَس على كلمةٍ ، لم يلزم الوقف عليها وإن أوجبناه ، ثمّ إن شاء أعادها ، وإن شاء مضى.

وإذا انقطع على ما فيه همزة وصل وأعادها ، قطع الهمزة.

وإذا انقطع على نصف كلمة أو على ما هو بمنزلتها ، (من عاطف) (١) أو لام تعريف أو

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٨٦

أداة شرط أو استفهام أو مضاف أو نحوها ، فإن شاء أتمّ ما لم يحصل خلل بالموالاة ، كلّ على حسب حاله ، وإن شاء رجع إلى المتّصل فقط ، وإن شاء رجع إلى جميع ما يرتبط به.

وسؤال النعمة ، والاستعاذة من النقمة ، وردّ السلام ، وتسميت العاطس ، جوابه ، والصلاة على النبي وآله ، والدعاء للدنيا والآخرة ، ونحوها ممّا لم يؤدّ إلى محو الهيئة لا بأس به.

(وروى أنّ من لم يحسن القراءة يكبّر ويسبّح ، وأن المستعجل في صلاة النافلة تجزيه تسبيحتان (١) ، ويجري في بدل الفاتحة والسورة والبسملة ما يجري فيها. وفي ائتمام كل صاحب مرتبة عُليا بصاحب سُفلى إشكال ، وبالأعلى وبمثله في محلّه بمقداره لا إشكال) (٢).

ويُستحب فيها أُمور :

منها : الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات ، في الفرض والنفل ، ما تعيّن فيه وما لا يتعيّن ، كالأخيرتين.

والأقوى تخصيصه بالذكور ، وفي إلحاق الخناثى المشكلة والممسوحين بهم احتياط في تحصيل الثواب ، مع القول بعدم ترجيح أحد الأمرين في حقّ النساء. وليس بواجب في أوّلتي الظهر ، ولا في غيرهما.

قيل : ومنها : تطويل قراءة الركعة الأُولى (٣) ، ولعلّه يفهم من تتبع الأخبار.

ومنها : الجهر بالقراءة مُطلقاً في البسملة وغيرها ، وإن تضاعفت جهة الاستحباب فيها في الجمعة وظهرها ، إماماً أو مُنفرداً ، وفي الإمام آكد. والأحوط الإخفات فيما عدا البسملة في الظهر.

ومنها : الترتيل في القراءة ، وفسّر بالترتيل بغير بغي ، وبيان الحروف وإظهارها من

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٧٣٥ أبواب القراءة ب ٣.

(٢) ما بين القوسين إضافة في «ح».

(٣) الدروس ١ : ١٧٥.

١٨٧

غير مدّ يشبه الغناء. وبحفظ الوقوف ، وأداء الحروف ، وبالبيان من غير مبالغة. وبحسن التأليف ، والتمهّل ، وفصل بعضه عن بعض (١).

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٢) أنّه قال بيّنه بياناً ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة (٣). وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه تقطيع القراءة أية أية ، وعدم دمجها (٤) ، وروى (أنّه عبارة عن التمكّث فيه ، وتحسين الصوت» (٥) والكلّ متقارب ، ولا بأس بالعمل على الجميع ، والظاهر جري السنّة في الأذكار.

ومنها : الوقوف في محالّها ، وتدخل في الترتيل على الظاهر ، وروى : أنّه تكره قراءة التوحيد بنفس واحد (٦).

ومنها : استحباب العدول إلى التوحيد لمن غلط في سورة ، والاقتصار على من استمرّ غلطه.

ومنها : تنبيه المأموم الإمام على غلطه ، وفي وجوبه لنيابته عنه ، أو انفراده ، أو عدم الوجوب وجوه ، أقواها الأخير.

ومنها : ترك قراءة الحمد والسورة بنفس واحد.

ومنها : الاستعاذة في كلّ فرض ونفل ، والظاهر أنّه استحباب في استحباب ، ويستحبّ الإسرار بها كما عليه الفقهاء. ويلوح من بعض الأخبار أنّها قبل القراءة في أوّل ركعة من فريضة أو نافلة (٧).

__________________

(١) انظر لسان العرب ١١ : ٢٦٥.

(٢) المزمل : ٤.

(٣) الكافي ٢ : ٤٤٩ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٨٥٦ أبواب قراءة القرآن ب ٢١ ح ١. وهذّ قراءته أسرع فيها. المصباح المنير : ٦٣٦.

(٤) النهاية لابن الأثير ٢ : ١٩٤ ، مجمع البيان ٥ : ٣٧٨ ، الوسائل ٤ : ٨٥٦ أبواب قراءة القرآن ب ٢١ ح ٥.

(٥) مجمع البحرين ٥ : ٣٧٨ ، مجمع البيان ٥ : ٣٧٨ ، الوسائل ٤ : ٨٥٦ أبواب قراءة القرآن ب ٢١ ح ٤.

(٦) الكافي ٢ : ٤٥١ ح ١٢ ، وج ٣ : ٣١٤ ح ١١ ، الوسائل ٤ : ٧٥٤ أبواب القراءة ب ١٩ ح ١ ، ٢.

(٧) انظر الكافي ٣ : ٣١٠ ح ٧ ، والتهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٤ ، الوسائل ٤ : ٨٠٠ أبواب القراءة ب ٥٧ ح ١ ، ٤.

١٨٨

وأكمل صورها : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ، ودونها (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» أو «أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم».

ومنها : أنّه تُستحبّ سكتتان : إحداهما بعد الفراغ من الحمد ، والأُخرى بعد السورة.

ومنها : أنّه إذا مرّ بآية فيها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أو (يا أَيُّهَا النّاسُ) قال : لبّيك ربّنا. وإذا مرّ بآية رحمة سألها ، وبآية غضب استعاذ بالله تعالى منه.

ومنها : أنّه إذا قرأ سورة التوحيد قال : كذلك الله ربّي.

ومنها : التوجه أمامها ، وقد مرّ بيانه.

ومنها : قراءة المفصّل ، ولعلّ تسميته باعتبار كثرة فصوله. واختلف في تفسيره من جهة المبدإ ، ولا خلاف بين الناس في أنّ أخره سورة الناس ، فقيل : مبدؤه سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وهو القول المؤيّد ، وقيل : «ق» (٢) : ، وقيل : الضحى (٣) ، وقيل : الحجرات (٤) ، وقيل : الجاثية (٥) ، وقيل : الصافّات (٦) ، وقيل : الصفّ (٧) ، وقيل : الفتح (٨) ، وقيل : تبارك (٩) ، وقيل : الرحمن (١٠) ، وقيل : الإنسان (١١) ، وقيل : سبّح (١٢) ، وفي بعض الأخبار : أنّه ثمان وستّون سورة (١٣) ، والعمل بالجميع لا بأس به.

ومنها : أنّه يستحبّ في صلاة الصبح وصلاة اللّيل قراءة طوال المفصّل ، وفي العصر

__________________

(١) عزاه الماوردي للأكثرين ، انظر البرهان للزركشي ١ : ٣٤٢ ، والإتقان للسيوطي ١ : ٢٢١.

(٢) حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة ، قاله الماوردي في تفسيره ، انظر البرهان للزركشي ١ : ٣٤٢.

(٣) عزاه الماوردي لابن عباس ؛ حكاه الخطابي في غريبه ، نظر البرهان للزركشي ١ : ٣٤٤.

(٤) صحّحه النووي ، كذا نقله عنه السيوطي في الإتقان ١ : ٢٢١.

(٥) حكاه القاضي عياض ، كما في الإتقان السيوطي ١ : ٢٢١.

(٦) حكاه ابن أبي الصيف اليمني في نكت التنبيه ، كما في البرهان للزركشي ١ : ٣٤٣.

(٧) حكاه ابن أبي الصيف اليمني في نكت التنبيه ، نقله عنه في الإتقان ١ : ٢٢١.

(٨) حكاه الدزماري في شرح التنبيه ، المسمى رفع التمويه ، كما في البرهان ١ : ٣٤٣.

(٩) حكاه ابن أبي الصيف اليمني في نكت التنبيه ، نقله عنه في البرهان ١ : ٣٤٣.

(١٠) حكاه ابن السيد في أماليه على الموطأ ، وقال : إنّه كذلك في مصحف ابن مسعود ، انظر البرهان ١ : ٣٤٤.

(١١) ذكره الزركشي في البرهان ١ : ٣٤٤ ، والسيوطي في الإتقان ١ : ٢٢١.

(١٢) حكاه ابن الفركاح في تعليقه على المرزوقي ، كما في البرهان ١ : ٣٤٤ ، والإتقان ١ : ٢٢١.

(١٣) انظر البحار ٦٥ : ٣٢٤.

١٨٩

والمغرب قصاره ، وفي الظهر والعشاء متوسّطاته.

وفي خصوص صبح الاثنين والخميس في الأُولى هل أتى وفي الثانية هل أتاك ليكفى شرّ اليومين.

وفي صبح الجمعة وروى في مغربها وعصرها (١) سورة الجمعة والتوحيد ، وفي صلاة الجمعة وظهريها سورة الجمعة والمنافقين ، وفي عشائها بالجمعة والأعلى ، وروى في مغربها أيضاً (٢) ، وروى بالجمعة والمنافقين (٣) ، والسور المخصوصة في الفرائض والنوافل كثيرة تُطلب في محالها.

ويُستحبّ في النوافل أُمور :

منها : الجهر بالقراءة وربّما أُجري في مطلق الذكر في نوافل اللّيل ، وتتبعها نافلة الفجر ، والإخفات في نوافل النهار.

ومنها : قراءة الجحد في الأُولى من ركعات الزوال ، ونوافل المغرب ، ونوافل اللّيل ، ونافلة الفجر ، وركعتي الإحرام ، ويتبعها أوّل ركعتي الطواف ، وأوّل ركعتي الصبح إذا أصبح بها. وفي الثانية من السبعة التوحيد. وروى : أنّ وضع الجحد في الأُولى مخصوص بركعتي الفجر (٤).

ومنها : قراءة سورة التوحيد ثلاثين مرّة في كل من الركعتين الأوّلتين من نافلة اللّيل.

ومنها : قراءة سورة التوحيد ثلاثين مرّة في الأُولى من الركعتين الأوّلتين من نافلة اللّيل ، وسورة الجحد ثلاثين مرّة في الثانية ، كما ذكره المفيد (٥).

ومنها : قراءة التوحيد في ثلاث الوتر ، مع تعقيبها بقول : «كذلك الله ربّي». وروى : المعوّذتان في الأوّلتين ، لكلّ واحدة واحدة على الظاهر ، وفي الثالثة

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٧٨٩ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٤.

(٢) ثواب الأعمال : ١٤٦ ، الوسائل ٤ : ٧٩٠ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٨.

(٣) قرب الإسناد : ٩٨ ، الوسائل ٤ : ٧٩٠ أبواب القراءة ب ٤٩ ح ٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٤ ح ٢٧٤ ، الوسائل ٤ : ٧٥١ أبواب القراءة ب ١٥ ح ٢.

(٥) المقنعة : ١٢٢.

١٩٠

التوحيد (١). وروى : في ركعتي الشفع في كلّ واحدة التوحيد ثلاثاً ، وفي الوتر التوحيد ثلاثاً ، والمعوّذتان مرّة مرّة (٢) ، ويحتمل ثلاثاً ثلاثاً حتّى يكون أوتر بتسع سور ، كما تضمّنه الخبر (٣).

وروى : جواز أن يؤخّر بعض قراءة سورة النافلة إلى ما بعد الفراغ (٤).

(وروى : بعد استفتاح صلاة اللّيل قراءة أية الكرسي والمعوّذتين ثمّ القراءة (٥)) (٦).

ومنها : القِران بين السور ، وكلّما تعدّدت كانت أفضل ، والتبعيض من سورة مع سورة أو بعض سورة ، والعدول من سورة إلى أُخرى من جحد وإخلاص وغيرهما قبل بلوغ الثلثين ، وبعده إذا تضمّنتا رجحانيّة ، وإلا جاز من غير رجحان.

ولا يُشترط تعيين البسملة للفاتحة ، وكذا السورة ، بل يكفي إطلاقها مُعتادة أو لا. ويُشترط عدم التعيين لغيرها في الفريضة ، فلو فعل عمداً بطل أو أبطل أيضاً ، وسهواً يأتي بالوفق مع بقاء المحل. ولا يشترط عدم التعيين لغيرها في النافلة ، ويجوز إطلاقها.

ويجب الاستقرار وقت القراءة كغيرها من الأفعال والأذكار المعتبر فيها الاستقرار ، فلو أراد التخطّي والحركة الجائزين سكت حتّى يستقرّ.

وينبغي تدبّر معاني القراءة ، ومُطلق الذكر والدعاء في الفرائض والنوافل ، ومُطلق القراءة. ومقارنتها بالخضوع والخشوع. وعدم الجهر المُفرط في الجهريّة ، إلا لإعلام الجماعة من الإمام أو بعض المأمومين ، والإخفات بحيث يتوهّم فيه عدم صدق القراءة ، وعدم قراءة سورة التوحيد بنفس واحد. وعدم تكرار السورة الواحدة في ركعتين ، ورخّص في التوحيد.

ومُراعاة أفضل السور ، وأحمزها ، وأوفقها بالمقاصد ، وقول : كذلك الله ربي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٢٧ ح ٤٨٣ ، الوسائل ٤ : ٧٩٨ أبواب القراءة ب ٥٦ ح ٥.

(٢) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨١ ، الوسائل ٣ : ٣٩ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ٢٤.

(٣) مصباح المتهجد : ١٣٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩٩ أبواب القراءة ب ٥٦ ح ١٠.

(٤) قرب الإسناد : ٩٦ : ، الوسائل ٤ : ٨٠٢ أبواب القراءة ب ٦٠ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٣٤ ح ١٣٧٩ ، الوسائل ٤ : ٧٢٩ أبواب تكبيرة الإحرام ب ١١ ح ٢.

(٦) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٩١

ثلاثاً ، بعد قراءة التوحيد.

ثم القراءة متبعة ، فتُبنى على الرواية دون الدراية ، فلا تجوز القراءة باللّحن ، ولا بما وافق العربيّة ، وخالف السيرة المرعيّة. وتجوز القراءة مع الموافقة لأحد القراءات السبع ، بل العشر كما مرّ.

وعن الصادق عليه‌السلام أنّه قال إنّ ابن مسعود إن كان لا يقرأ بقراءتنا فهو ضالّ ، وأمّا نحن فنقرأ على قراءة أُبي (١). وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته ، فترفعه الملائكة على عربيّته (٢) محمول على الاضطرار ، أو على لُكنة عجميّة لا تخرجه عن اسم العربيّة.

وروى : «أنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله تعالى» (٣) ، ولعلّ المراد بالملحون ما فقد بعض شرائط القبول ؛ لأنّ الظاهر أنّ اللّحن في السنن غير مُفسد.

ولو غلط في بعض حروف آخر الكلمة ، تخيّر بين إعادتها من الأصل ، وبين الاقتصار على التتمّة ، مع عدم فصل مُخلّ.

ولو أعاد كلمة أوّلها همزة وصل ، واقتصر عليها قطع الهمزة ، وإن أعادها ، وما قبلها حذفها.

ولو حصل له شكّ في كلمة أو بعض كلمة ، قرأ بالوجهين ، وصحّت على الأقوى (٤). واحتمال وجوب الرجوع إلى سورة أُخرى غير خالٍ عن الوجه ، ولا سيّما إذا كان في محلّ العدول.

ويجب على العامي الرجوع إلى العارف في معرفة الصحيح من القراءة ، والأذكار الواجبة.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٣ ح ٢٧ ، الوسائل ٤ : ٨٢١ أبواب القراءة ب ٧٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٢ : ٤٥٣ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٨٦٦ أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٤.

(٣) عدّة الداعي : ١٨ ، الوسائل ٤ : ٨٦٦ أبواب قراءة القرآن ب ٣٠ ح ٣.

(٤) في «ح» زيادة : وفي أثناء الصلاة إشكال.

١٩٢

واللّحن في المستحبّ لا يقضي بفساده. والدعاء بالفارسيّة في قنوت أو غيره لا يُفسد الصلاة ، والأحوط اجتنابه.

ولو شكّ في صلاته السابقة هل كانت قراءتها صحيحة أو لا ، بنى على الصحة. ومتى دخل في شي‌ء منها قليل أو كثير ، وشكّ فيما سبق ، فلا اعتبار بشكّه. وكذا كثير الشكّ.

(ويكره قراءة سورة واحدة في ركعتين من الفريضة ، وروى استثناء التوحيد ولا بأس) (١).

ولا بأس بقراءة شي‌ء من القرآن في القنوت ممّا يلائم الدعاء إذا قصد به الدعاء ، بل مطلقاً ، ولا يدخل في القِران والتبعيض.

ويحرم التأمين بعد الفاتحة ، وفي أثناء الصلاة مطلقاً ؛ للنّصوص ، لا لأنّه ختام ، فهو كلام.

ولا لكونه اسماً من أسماء الله تعالى ؛ لعدم ثبوت ذلك ، وعدم المنع على تقدير ذلك.

ولا لأنّه اسم للفظ لا للمعنى ، كسائر أسماء الأفعال ؛ إذ الكلّ في محلّ المنع.

ولو قصد به الدعاء دون الخصوصيّة ، احتمل الجواز ، والاحتياط في تركه مطلقاً. ولو قالها تقيّة فلا مانع.

ومن كان مُستأجراً على قراءة سورة مُستقلّة ، أو في ضمن القرآن ، فإن ظهر له غلط بعد التمام ، أعادها من رأس مع فوات الموالاة.

ومن استوجر على قراءة القرآن فلم يعلم بالخطإ حتّى قرأ غير ما أخطأ فيه من السور المتعقّبة ، أو ختم وأتمّ ، فليس عليه سوى إعادة تلك السورة. هذا إذا لم يدخل في البين شرط ، وإلا اتبع الشرط.

وحكم قضاء القراءة كحكم أدائها في الكيفيّة ، (وروى : أنّه يُستحبّ التحميد

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ح».

١٩٣

سبعاً ، والتسبيح سبعاً ، والتكبير سبعاً ، والحمد والثناء ، ثمّ القراءة) (١).

الخامس : الركوع

وهو في اللُّغة : الانحطاط بعد الرفعة ، والاقتصار بعد الغناء قال :

لا تهن الفقير علّك أن

تركع يوماً والدهر قد رفعه(٢)

وقد يلحق بها : الضعف بعد القوّة ، والطعن بالسنّ بعد الكهولة ، والفترة والعجز بعد القدرة ، وربّما رجعت (٣) الآخرة إلى الأوّل.

وفي الشرع فضلاً عن المتشرّعة : تقويس الظهر على البطن ، والصدر بحيث تنال أطراف أصابعه مع استواء خلقته أعلى رُكبتيه ، كما ينبئ عنه ظاهر العُرف ، وآداب المرأة (٤) ، والأحوط اعتبار راحتيه.

وإلى المستوي المرجع مع عدم الاستواء في الأعضاء ، بقصر اليدين أو طولهما ، أو ارتفاع الركبتين عن محلّهما ، أو هبوطهما.

فلو انخنس ، بأن قوّس بطنه وصدره على ظهره ، أو قوّس أحد جانبيه على الأخر ، أو خفض كفليه ، أو رفع ركبتيه ، فأمكن وصول كفّيه إلى غير ذلك اختياراً ممّا يخرجه عن الاسم ، لم يُعدّ راكعاً.

ولو انحطّ بقصد عدم الركوع ، أو خالياً عن القصد ، أو أتمّ الانحطاط بعدم القصد ، أو قصد العدم ، وبلغ محلّ الركوع أو تجاوزه ، لم يجر عليه حكم ، وإن قلنا بعدم اشتراط النيّة استقلالاً في الأجزاء ؛ لأنّ ذلك لا يكون إلا حيث لا يقع إلا على على وجه واحد ، بخلاف ما إذا كانت ذات وجهين ، أو وجوه. فإذا وقع منه ذلك ، عاد إليه بعد القيام تجاوز حدّ الراكع أو لا وركع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) لسان العرب ٨ : ١٣٣.

(٣) في «م» ، «س» زيادة : إلى ، وفي «ح» : في.

(٤) في «ح» زيادة : أو ما قام مقامه.

١٩٤

(فلو هوى قاصداً للصّلاة ، بالغاً حدّ الركوع ، ولم يركع ، أعاد الاعتدال والهويّ. وإن ركع فسد ، وفسدت الصلاة. ولو تعذّر الانحناء على الوجه المعهود ، انحنى إلى أحد الجانبين. ولو أمكنه التبعيض بمقدار الواجب ، أتى بالممكن من صفة الاعتدال) (١).

ومثل ذلك يجري في هويّ السجود ، حيث لا يبلغ وضع الجبهة أو بلغها من غير قصد الصلاة على الأقوى فيهما. ووضع الكفّين غير مُعتبر في حقيقته.

وهو ركن تفسد الصلاة بنقصه وزيادته عمداً مع العلم بالحكم وجهله وسهواً ونسياناً ، في جميع الصلوات ، من واجبات ومندوبات ، وفي جميع الركعات.

ويتحقّق بالدخول في السجود الأوّل ، إلا من المأموم السابق للإمام فيه ، فإنّه يرجع قائماً مع الإمام ، ثمّ يركع معه ، مع مظنّة إدراكه قبل الركوع ، أو مطلقاً على اختلاف الوجهين.

ويجب في كلّ ركعة مرّة ، إلا في صلاة الآيات.

وتجب فيه الطمأنينة والاعتماد والاستقرار بقدر الذكر الواجب مع الاختيار.

والذكر والطمأنينة واجبان مُستقلان ، وإن وجبا له ، ولو لم يذكر اطمأنّ ساكتاً (٢) بمقداره ، وكذا السجود.

ولا يبعد القول بركنيّة الاستقرار من جهة نقصه ؛ لفوات الركوع الشرعيّ بفواته وإن كان الأقوى خلافه (٣) فلو جاء بشي‌ء من الذكر قبل إتمام الهويّ أو في ابتدائه مُتعمّداً مُختاراً ، لم يجتزئ بذلك. وهل تصحّ صلاته بعوده مع الإتيان بالذكر على النحو المعهود ، أو لا؟ فيه وجهان ، أوجههما الأوّل.

ويجب بعد الانتصاب الاستقرار بحيث ينتصب الفقار (٤) ، وإن تعسّر أو تعذّر ، سقط وجوبه. ولو سقط على الأرض قبل الركوع قام.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «س» : ساكناً.

(٣) المعترضة ليست في «س» ، «م».

(٤) الفقار : جمع فقارة الظهر بالفتح ، الخرزة مثل سحابة وسحاب. المصباح المنير : ٤٧٨.

١٩٥

ومن عجز عن الطمأنينة أو نسيها حتّى دخل في السجود وقلنا بعدم الركنية صحّت صلاته.

فالجالس يركع عن جلوس ، ونسبة الجلوس إلى ركوعه ، كنسبة القيام إلى ركوعه. ويقوى فيه عدم وجوب رفع الفخذين ، وبعض الساقين عن العَقِبين. وفي جواز رفع القدمين وبقاء الحالة الأُولى إشكال.

ولو أمكنه القيام مع التقويس وجب ، ويقدّم فيه الأقرب فالأقرب.

ومتى ارتفع العُذر بعد تمام الذكر الواجب فلا إعادة ، ويجري الحكم في الفرض والنفل.

ومتى كان الإخلال بشي‌ء من الطمأنينة ونحوها باعثاً على عدم الدخول في اسم الركوع ، جاءَ حكم ترك الركوع ، وإلا فالاستقرار بعد الرفع أو حال الركوع لا ينفيان اسم الرفع والركوع. ولو ترك أحدهما ، عاد إليه ما لم يدخل في ركن.

ومتى شرع في ذكر قبل الوصول إلى محلّه فسد وأُعيد ، وفي فساد الصلاة وجه ، والأوجه خلافه ما لم يترتّب محذور ، ولو لم ينوِ بهويّه الركوع عمداً أو سهواً ، أعادَ ما لم يحصل مانع ، على إشكال في القسم الأوّل.

وإن عجزَ عن استقرار الركوع أو الرفع ، وأمكنا باعتماد على إنسان أو حيوان أو غيرهما ، وجب تحصيلها بثمن أو اجرة لا تضرّ بالحال.

والعاجز عن تمام الانحناء يأتي بالممكن.

والعاجز بالمرّة يومي بالرأس ، فإن لم يمكن فبالعينين ، مُتعمّداً لزيادة الخفض في السجود على خفض الركوع في البابين.

وفي وجوب مُداواة المرض مع الإمكان (١) وجه قوي ، ولا يجب الانتظار لزوال العذر كسائر أصحاب الأعذار.

ولو حدثَ العجز بعد القدرة أو بالعكس ، أعطى كلّ حكمه.

__________________

(١) في «ح» زيادة : بيسير.

١٩٦

والأحوط عدم الاكتفاء بالعين الواحدة ، إلا مع طمس أُختها (١).

وإذا كان على هيئة الراكع لخِلقةٍ (٢) أو كِبَرٍ أو مرضٍ ، زاد في انحنائه بقصد الركوع ؛ لتحصيل الخضوع ، إن لم يخرج به عن هيئة الراكع ، فإن لم يمكن نواه ركوعاً. والأحوط إضافة الإشارة بالرأس ثمّ العينين.

ولا يجب رفع الرأس للمضطجع ، والمستلقي ، بل يكتفيان بالعينين.

ويجب فيه الذكر ؛ بخصوص التسبيح ، مخيّراً فيه بين «سبحان ربّي العظيم» والأحوط إضافة «وبحمده» (٣) وبين قول : «سبحان الله» ثلاثاً. والأفضل بل الأحوط تثليث التسبيحة الكُبرى.

وسرّ تخصيص الذكر بالتعظيم : أنّ في الركوع غاية التذلّل والخضوع ، وإظهار العظمة لله تعالى.

ولمّا كانت العظمة والكبرياء في الدنيا للمتّصفين بصفة الظلم وغيره من الصفات الرديئة ، لزم التسبيح والتنزيه لله تعالى.

وأمّا التحميد ؛ فللشُكر على التوفيق للعبادة ، أو لتخصيص التنزيه بما يليق به من المحامد التي حدّ بها نفسه ، أو يحمده بها ، فتكون لربط «وبحمده» بالتسبيح ، وجوه من الإعراب لا تجب معرفتها.

ولو عجز عن الواجب بتمامه ، جاء بالمقدور ، ثمّ ببدل غير المقدور.

فإن عجز عن الجميع ، أتى ببدله من ذكر آخر ، مُقدّماً للتّسبيح ، ثمّ التعظيم ، ثمّ التّحميد ، ثمّ مُطلق الذكر ، ثمّ الدعاء ، مُحافظاً على المقدار من كلمات أو حروف. ثمّ التراجم مرتّبة على نحو ما مرّ في القراءة.

ويُشترط في الواجب منه موافقة العربيّة. ويقوى ذلك في المندوب ، فإن عجز عنها ، أتى بالمحرّف.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ومع ذلك الأحوط قصدها.

(٢) الخلقة الفطرة ، وينسب إليها لفظها ، فيقال : عيب خلقي. المصباح المنير : ١٨٠.

(٣) في «م» ، «س» زيادة : وفي إعرابه وجوه ولا يجب معرفته.

١٩٧

وفي تقديم اللغات بعض على بعض وجوه ، تقدّم الكلام في مثله مبيّناً.

والأخرس يلوك لسانه ، ويشير على نحو ما تقدّم.

ويُستحبّ التثليث ، وفوقه التخميس ، وفوقه التسبيع ، أو ثلاثين ، أو ثلاثاً وثلاثين ، أو أربعاً وثلاثين.

وأن يبدأ بالتكبير له قائماً مُنتصباً. ووردَ ما يدلّ على الإذن بفعله حال الهويّ ، والأوّل أولى.

وأن يرفع كفّيه إلى مُحاذي أسفل عُنُقِه ، وحدّه إلى أُذنيه ، كما في جميع تكبيرات الصلاة.

وأن يرفع يديه للرّفع منه. ورفع اليد عنه لترك الأصحاب له أولى.

وأنّ يوتر في ذكره.

وأن يجنّح بيديه حال فعله ، كالسجود فيهما.

وتُستحبّ الصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، وفي السجود ، وفي جميع أحوال الصلاة. وهي زينة الصلاة (١) ، فله ثواب ثاني من جهة الصلاة.

وأن يقول قبل الذكر ما أمر به أبو جعفر عليه‌السلام : «اللهمّ لك ركعت ، ولك أسلمت ، وبك أمنت ، وعليك توكّلت ، وأنت ربّي ، خشع لك قلبي ، وسمعي ، وبصري ، وشعري ، وبشري ، ولحمي ، ودمي ، ومُخي ، وعصبي ، وعظامي ، وما أقلّته قدماي ، غير مُستنكف ، ولا مُستكبر ، ولا مُستحسر ، سبحان ربّي العظيم وبحمده» (٢).

وأن تصفّ في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما مقدار شبر ، وفي رواية : أو أربع أصابع (٣). وتمكّن راحتيك من ركبتيك. وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل

__________________

(١) في «م» ، «س» : زينة الثواب ، أقول : الوارد أنّ رفع اليدين في الصلاة زينة الصلاة ، انظر الوسائل ٤ : ٧٢٧ أبواب تكبيرات الإحرام ب ٩ ح ١٤ ، وص ٩٢١ أبواب الركوع ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٩ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٧٧ ح ٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٢٠ أبواب الركوع ب ١ ح ١.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١١٠ ، البحار ٨٤ : ٢١٠ ح ٣.

١٩٨

اليسرى. وتبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة. وتفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك. وتُقيم صُلبك. وتمدّ عُنُقك. وتجعل نظرَك بين قدميك.

وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّ مدّ العُنق يُشير إلى قول : أمنت بكَ ولو ضرب عنقي» (١). ويفيد استحباب إخطار ذلك ، وأن يكون مدّا العنق موازناً للظهر.

وأن تنخفض في الركوع. روي : أنّ أبا الحسن عليه‌السلام : كان ركوعه أخفض من كل ركوع (٢).

وأنّ يُجنّح يديه ؛ لفعله عليه‌السلام (٣).

وأن يضع اليدين على الركبتين ، ويردّهما إلى خلف.

وأن يكون انحناء الرجل أكثر من انحناء المرأة.

وأن يساوي بين فقار الظهر ، بحيث لو صُبّ عليه ماء مكث فيه.

وأن يرفع يديه قبل الركوع وبعده.

وأن يضع يديه فوق الثياب لا تحتها ، ويُكره وضعهما تحتها ، ولا سيّما لصاحب الإزار الواحد. ووضع الواحدة وحدها ، أو مع بعض الأُخرى ، أو بعضهما ينالهما من الكراهة على حسبهما.

ويكره فيه الانخناس بتقويس الركبتين ، والرجوع إلى وراء من دون خروج عن مُسمّى الركوع ، والتبازخ بالزاء والخاء المعجمتين بجعل الظهر كالسرج ، وطيّ البدن ، والتدبيخ (٤) بالدال المهملة والخاء المعجمة عكسه ، والتبديح بالدال والحاء المهملتين بسط الظهر ، وطأطأة الرأس ، والتصويب هو التبديح ، والإقناع بجعل الرأس أرفع من الجسد.

وأن يرفع الإمام صوته لإسماع المأمومين. وإن لم يبلغهم صوته ، نصب مُنبّهاً ، كما

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٤ ح ١٣ ، الوسائل ٤ : ٩٤٢ أبواب الركوع ب ١٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٩٤١ أبواب الركوع ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٠ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٩٤١ أبواب الركوع ب ١٨ ح ١.

(٤) دبخ الرجل تدبيخاً إذا قبّب ظهره وطأطأ رأسه. لسان العرب ٣ : ١٤.

١٩٩

في التكبير للإحرام والسجود أو القعود مثلاً.

وتُكره القراءة فيه أشدّ من كراهتها في السجود ، وأن ينكس رأسه ومنكبيه ، ويتمدّد فيه.

ويجب الرفع منه مع الانتصاب والاطمئنان ، بحيث يرجع كلّ عضو إلى مكانه ، وأن يقول إماماً كان أو منفرداً بعد القيام جهراً : «سمع الله لمن حمده» ، ومأموماً سرّاً : «الحمد لله ربّ العالمين» ومن أتى بهما في غير محلّهما متقرباً بالعموم أو بالخصوص لم يفسد صلاته ، لكنه لم يأتِ بالوظيفة.

وفي تمشية الحكم إلى ما كان بدلاً من القيام من جلوس واضطجاع مثلاً وجه قويّ.

ومن جاء بالتحميد بعد العطاس أو عند رؤية الهول يقول : «الله أكبر» أو بعد قوله الحمد لله : «سمع الله لمن حمده» ونحوها من الأذكار الموظّفة بقصد الوجهين اكتفى بها ، وإلا فالأقوى في تحصيل الوظيفة الإعادة ، والجمع بينهما للجميع أفضل.

روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه كان يقول سمع الله لمن حمده ، الحمد لله ربّ العالمين ، بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، أهل الكبرياء والعظمة والجبروت (١) ولا خصوصيّة للصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ركوع أو سجود ، بل هي سنّة في جميع أحوال الصلاة.

السادس : السجود

وهو لُغةً : الخضوع ، والانحناء ، وتطأطأ الرأس (٢).

وفي الشرع فضلاً عن مُصطلح المتشرّعة : وضع المَساجِد السبعة أو أحدها ، أو خصوص وضع الجبهة وهو أظهرها أو ما قام مقامه ، من إشارة برأس أو عين ، بوجه يصحّ ، أو مطلقاً على اختلاف الوجهين.

__________________

(١) الذكرى : ١٩٩ الوسائل ٤ : ٩٤٠ أبواب الركوع ب ١٧ ح ٣.

(٢) الصحاح ٢ : ٤٨٣.

٢٠٠